+ All Categories
Home > Documents > Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

Date post: 13-Mar-2016
Category:
Upload: mohammed-saif
View: 243 times
Download: 13 times
Share this document with a friend
Description:
Political and Strategic Magazine is published every two months by Sheba Center for Strategic Studies, Yemen.
103
3 2010 /دي�سم، نوفم6 د العداتيجية ا�س
Transcript
Page 1: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

3 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 2: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 4 5ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

مدير التحرير

حممد �سيف حيدر

رئي�س التحرير

اأحمد عبدالكرمي �سيف

[email protected]

[email protected]

[email protected]

[email protected]

[email protected]

[email protected]

نائب مدير التحرير

�سقاف عمر ال�سقاف

الرتجمة

اأحمد الباكري

املراجعة اللغوية

حممد حم�سن علوان

�سكرتارية املجلة

اأ�سماء حممد اإبراهيم

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

اال�سرتاكات:

ال�سنة الواحدة )�ستة اأعداد( �ساملة اأجرة الربيد:

داخل اجلمهورية اليمنية: 6000 ريال للأفراد، 60 دوالرا للموؤ�س�سات.

الدول العربية: 50 دوالرا للأفراد، 90 دوالرا للموؤ�س�سات.

بقية دول العامل: 70 دوالرا للأفراد، 120 دوالر للموؤ�س�سات.

ير�سل طلب اال�سرتاك اإىل عنوان املجلة مع حوالة م�سرفية اأو �سيك

م�سدق بقيمة اال�سرتاك الأمر مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

ولل�ستف�سار ميكن التوا�سل عرب الربيد االإلكرتوين:

[email protected]

جملة مدارات ا�سرتاتيجية

مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية

�س. ب. 16822 هاتف: 677466 1 967+ فاك�س: 677466 1 967+

�سنعاء – اجلمهورية اليمنية

[email protected] :الربيد االإلكرتوين

[email protected]

www.shebacss.com/madarat :املوقع على االإنرتنت

ثمن الن�سخة:

اليمن 300 ريال، ال�سعودية 20 رياال، االإمارات العربية املتحدة 20 درهما،

الكويت 1 دينار، مملكة البحرين 1 دينار، قطر 20 رياال، �سلطنة عمان 1.5

ريال، العراق 2500 دينار، لبنان 4000 لرية، �سورية 200 لرية، االأردن 1.5 دينار،

فل�سطني 5 دوالر، م�سر 10 جنيهات، ال�سودان 4 جنيهات، ليبيا 2 دينار، اجلزائر

300 دينار، تون�س 5 دينار، املغرب 20 درهما، موريتانيا 300 اأوقية.

بقية دول العامل: 6 دوالر.

متعهد الطباعة واملوزع العام يف الدول العربية:

موؤ�س�سة الفلح للن�سر والتوزيع

1103 �س. ب. 113/6590 – رمز بريدي 2140

تلفاك�س 856677–1–961–00 )3 خطوط( – بريوت، لبنان

E- mail: [email protected]

االأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�سرة

ا�سرتاتيجية

ت�سدر كل �سهرين عن »مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية«

ال�سنة االأوىل، العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

تعربر املقاالت املن�سورة عن اآراء كتابها، وال تعربر بال�سرورة

عن راأي »مدارات ا�سرتاتيجية« اأو مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية.

[email protected]

الت�سميم واالإخراج الفني

حممد عبدالرحمن الذبحاين

Page 3: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 6 7ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اجتاهات عاملية

العالقات الدولية من الواقعية

اإىل ما بعد الإن�سانية

�سلم الرب�سي

اأقنعة اخليبة: ر�ؤية نقدية ملكافحة الف�ساد

�اإ�سكالياته يف الد�ل النامية

مراد عبدالواحد ظافر

فتنة ال�سند�ق: ملاذا تتحول النتخابات

اإىل �سداع دائم يف البلدان النامية

عبدالغني املاوري

املائدة امل�ستديرة

التدخل اخلارجي، هل هو �سر لبد منه؟

ن�سر طه م�سطفى، وطلل عرتي�سي،

واأحمد الزنداين، وفرج بو الع�سة

الفهر�ست

مراجعــات: �سعود العوملة �انهيارها

جون رال�ستون �سول/ هيثم مزاحم

باالإ�سافة اإىل عرو�ض موجزة

170

174

178

184

198

192

202

يف بوؤرة االهتمام

اجلذب �النبذ:

يف العالقة امللتب�سة بني ال�سلطة العربية �العلماء

هاين املغل�س

الت�سحر احل�سري

حممد الدعمي

اللتفات �سرقا:

التجربة املاليزية �الدر��س امل�ستفادة عربيا

حممد اأبو غزله

98

104

108

156

162اأفق

م�سئوليتنا امل�سرتكة يف عام جديد

اأبو بكر القربي

جيوبوليتيك

النعكا�سات اجليو�سيا�سية لالأزمة املالية العاملية

وو �سينبو

القر�سنة يف القرن الأفريقي

بيرت �سولك

الوجوه املتغرية لالإ�سالموية: حتولت �جتارب

تنوع الإ�سالميني يف اليمن: منطق الدمج حتت ال�سغط

لوران بونفوا

ال�سري نحو العتدال:

جتربة جماعة »الإخوان امل�سلمني« يف اليمن

�ستيج هان�سن و اأتل ميزوي

�سيا�سات اإمارة املوؤمنني

منت�سر حمادة

العمق ال�سلفي للحركة الإ�سالمية يف املغرب

عبداحلكيم اأبو اللوز

ال�سلفيون اجلهاديون يف موريتانيا

مراد بطل ال�سي�ساين

ظالل العنف: هل من �سبيل لإعادة تاأهيل اجلهاديني؟

كاثرين �سيفرت

146

142

138

132

124

116

املحــور

ت�سرين الثاين/نوفمرب – كانون االأول/دي�سمرب 2010

حتليــات: يحلـــل حممد �سيف حيدر حادثة »الطر�د املفخخة« التـــي تبناها تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب موؤخرا �ما خلفته من

�ســـظايا، ويخل�ـــس اإىل اأن مـــا بدا اأنها »غزوة« مل تكتمل لتنظيم القاعدة الذي اأخذ ي�ستنزف طاقاتـــه ودهائه �سيئا ف�سيئا، اأطبقت بظللها

ـــة علـــى اليمن واليمنيـــني ل�سبب لي�س لهم يد فيه؛ وت�سرح ال�سفـــرية االأمريكية ال�سابقة باربرا بودين يف مقـــال �ساف ملاذا يجب على القاتم

مة تو�سيات اأكرث واقعية لل�سيا�سة االأمريكية جتاه هذا البلد؛ ويحاول اأحمد علي االأح�سب تو�سيح وا�سنطـــن اإعـــادة التفكري يف اليمن، مقدر

هـــل اليمـــن بحاجـــة للم�ســـاعدات اخلارجيـــة، �كيف ميكـــن اإدارتها بطريقـــة تراعي ال�ســـر�رات �الإمكانات؛ يف حـــني يعر�س جرهارد

لي�ستنثيلر �سورة اأكرث قربا مل�سكلة املياه التي تواجه اليمن؛ اأما جون اإ�سياما فيبحث يف �سياق مقارن �اقع خلفاء الأحزاب ال�سيوعية يف

كل من اليمن �اأفغان�ستان بعد نهاية احلرب الباردة. ال�سفحات 10 - 55

وجهــات نظ��ر: يقدم اأحمد عبدالكرمي �سيف روؤية عملية مقرتحة لإعادة التوازن لعالقة ال�ســـلطة �املجتمـــع يف اليمن؛ وتلقي �سيماء

اأحمد منري ال�سوء على ظاهرة العبودية التي ك�سف موؤخرا عن وجودها يف بع�س مناطق اليمن، مبينة اأهمية دور الدولة ومنظمات املجتمع

املـــدين واجلهـــات االأخـــرى يف الق�ساء على هذه الظاهرة غـــري االإن�سانية؛ بينما يقوم طـــارق عبداهلل احلروي مب�ســـاءلة طموحات اليمن

لالإن�ســـواء يف جمل�ـــس التعـــا�ن اخلليجي، جمادال باأن م�ساعي دوائر �سنع القرار اليمنـــي للح�سول على ع�سوية املجل�س ال تتعدى م�ساألة

تعظيم املكا�سب االقت�سادية يف حماولة لرفد م�سرية البلد التنموية املن�سودة، اأكرث منها حماولة ذات طابع ا�سرتاتيجي، هدفها فر�س وجود

اليمن يف املعادلة االإقليمية اخلليجية. ال�سفحات 56 - 72

تفاعات اليمن والعامل يف 60 يوما: �سهرا اأيلول/�سبتمرب وت�سرين االأول/اأكتوبر 2010. ال�سفحات 74 - 77

عــن علــى اليمن:تو�سح األي�س هاكمـــان اأن اليمن هو اأكرث مما نراه يف الأخبار اإذ اأن لـــه وجها خمتلفا يتم جتاهله يف

غمار الرتكيز االإعلمي الغربي ال�سلبي على التطورات املرتبطة بها البلد؛ ويجادل �سليمان ال�سق�سي باأن الوقت مل يحن

بعد لأن يكون اليمن ع�سوا �سابعا يف جمل�س التعا�ن اخلليجي، ويقراأ كري�ستوفر بوت�سيك التطورات الأخرية املرتبطة

مب�ســـكلة الإرهـــاب يف اليمـــن؛ يف حـــني يجيب رونالد �سوكول علـــى ال�سوؤال التايل: هـــل يجوز لوا�ســـنطن اغتيال مواطن

اأمريكي يعي�س يف اليمن؛ اأما حممد ح�سني اأبو العل فيحذر اإدارة اأ�باما من حتويل اليمن اإىل م�ســـرح اآخر للتدخل يف

�ســـوء حادثـــة طـــر�د املوت؛ بينما يرى نبيل نايلي اأن م�ســـاعي اأمـــريكا للتدخل يف اليمن بحجة حماربـــة »القاعدة« تخفي

هدفا اآخر هو احتواء النفوذ ال�سيني املتعاظم عامليا؛ واأخريا يحاول معتز �سلمة مقاربة الو�سع يف

اجلنوب يف �سوء ا�ست�سافة اليمن لبطولة »خليجي 20«. ال�سفحات 78 - 88

اليمن والعامل

اإفتتاحية

اأمن اخلليج يف عامل متغري

رئي�س التحرير

shebacss.com نظرة على 06

08

يف هذا العدد

املراقب االإ�سرتاتيجي

ما بعد النف�سال: التداعيات الإقليمية لنف�سال جنوب ال�سودان

خالد اأحمد الرماح

90

Page 4: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 8 9ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

نظرة على

shebacss.com

shebacss.com

يف اأيامنا هذه اأ�سبح العاملان الواقعي واالفرتا�سي متداخلن اإىل حد ال ميكن

ف�سلهما عن بع�سهما البع�س. هذه احلقيقة جتعل ل�سبكة املعلومات الدولية

)االإنرتنت( �سحرا وجاذبية ال تقاوم، كونها اإحدى نوافذ اإ�سهار الذات، الفردية اأو

املوؤ�س�سية. ولهذا، فقد اأولينا يف مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية اأهمية فائقة

للتوا�سل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�سي، واإتاحة منتجاتنا الفكرية والتحليلية

للجميع داخل اليمن وخارجه، وباللغتني العربية واالإجنليزية. وعو�سا عن كونه

يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن وخارجه، التوا�سل والتفاعل البناء،

فاإننا نعمل دوما على تطوير موقعنا االإلكرتوين بحيث يكون واجهة معربة عن

ن�ساطاتنا الهادفة اإىل »رفد ال�سيا�سة باملعرفة«، وبحيث يكون دوما مفعما باحليوية

والتجديد، �سكل وم�سمونا.

ف تعر

�ساركنا

تابـع

على اأع�ساء هيئتنا اال�ست�سارية

اآراءك حول اأهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة

اآخر م�ستجدات االأو�ساع يف اليمن واملنطقة اأوال باأول

عرب بوابة »املركز االإعامي«

تت�سكل الهيئة اال�ست�سارية ملركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة اأكادمييني وخرباء معروفني، وهي ال تعك�س خربات من خمتلف

احلقول فح�سب بل اأي�سا تثل تنوعا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية. وللتعرف اأكرث على االأ�سماء املرموقة )الواردة يف العمود ي�سار

ال�سفحة(، والتي ت�سمها قائمة الهيئة اال�ست�سارية للمركز و�سريها الذاتية، وحقول تخ�س�ساتها املعرفية واالأكادميية، قم بزيارة الرابط

www.shebacss.com/ar/advisors :التايل

يت�سمن موقعنا على �سفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم »ا�ستفتاء«، وحتوي ا�ستطلع راأي حي وتفاعلي حول اأهم الق�سايا وامل�ستجدات

على ال�ساحة اليمنية واالإقليمية. والهدف هو اإتاحة الفر�سة ملت�سفحي موقعنا وزواره للإدالء باآرائهم ووجهات نظرهم حول ق�سايا خمتلفة

بكل �سفافية. ولعل من املفيد التذكري باأن هذه اال�ستطلعات تتغري ب�سكل دوري وفق تطورات االأو�ساع، بحيث تغطي تباعا اأبرز الق�سايا

املطروحة واملثرية للجدل.

بغر�س تزويد مت�سفحي وم�سرتكي املوقع االإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية واالإعلمية، مت تخ�سي�س هذه النافذة )التي تكاد

تكون موقعا م�ستقل بذاته( ملتابعة اآخر االأخبار يف ال�سحافة وو�سائل االإعلم اأوال باأول، وعر�سها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني

العربية واالإجنليزية كما وردت من م�سادرها. وغايتنا هي تكني مرتادي املوقع من معاي�سة احلدث ومتابعة تطوراته خلل خمتلف

مراحله، ومن روؤى ومنطلقات متعددة. ويجري اختيار االأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�سادر متعددة �سمن اآلية للمتابعة اليومية لكل

من: وكاالت االأنباء العربية والعاملية، اأهم ال�سحف العربية واالأجنبية، مواقع اإخبارية متخ�س�سة، وغريها من امل�سادر.

www.shebacss.com/ar/news :للإطلع على حمتويات املركز االإعلمي املتجددة، قم بزيارة الرابط التايل

اأنو�س اإحت�سامي )اإيران/بريطانيا(

اإبراهيم �سيف )االأردن(

اإن�ساف عبده قا�سم مر�سد )اليمن(

باقر النجار )البحرين(

بول اآرت�س )هولندا(

د نونيمان )اململكة املتحدة( جرم

جلل فقرية )اليمن(

ح�سني علي حممد )ال�سومال(

خلدون النقيب )الكويت(

ر�سوان ال�سيد )لبنان(

�سامل بن تبوك )عمان(

�سوكت اأ�ستي )لبنان(

عبد الغفار فرح )ال�سومال(

عبداخلالق عبداهلل )االإمارات(

عمرو حمزاوي )م�سر(

فائزة بن حديد )اجلزائر(

لبنى امل�سيبلي )اليمن(

مارينا اأوتاوي )الواليات املتحدة(

حمجوب الزويري )االأردن(

حممد اأحمد الزعبي )�سورية/اأملانيا(

حممد االأفندي )اليمن(

حممد احلاوري )اليمن(

حممد �سالح قرعه )اليمن(

حممد عبد ال�سلم )م�سر(

حممد الرميحي )الكويت(

ملحم �ساوؤول )لبنان(

الهيئة اال�ست�سارية

على اأن�سطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبليةاطلع

يوفر املوقع االإلكرتوين ملركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�ساطاته وفعالياته، نافذة متخ�س�سة مبتابعة واإبراز الفعاليات

واالأن�سطة التي ينظمها املركز اأو ينوي تنظيمها م�ستقبل وفق خطته البحثية. وت�سمل هذه االأن�سطة والفعاليات: املوؤترات االإقليمية والدولية،

باالإ�سافة اإىل الندوات وور�س العمل وحلقات النقا�س واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�سها بالتعاون مع اأبرز مراكز االأبحاث العربية

والعاملية، ناهيك عن املحا�سرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب واأجانب يف �ستى املجاالت والتخ�س�سات.

ي�سدر مركز �سباأ للدرا�سات

االإ�سرتاتيجية اأربع �سا�سل

درا�سات حمكمة باللغتني

العربية واالجنليزية تعنى

بال�سوؤون االإ�سرتاتيجية

وال�سيا�سية واالقت�سادية

واالجتماعية، وتركز هذه

ال�سل�سل ب�سكل اأ�سا�سي على

اليمن، وجمالها احليوي

الذي ي�سم الدول املطلة

على البحر االأحمر ودول

اخلليج )دول جمل�س التعاون

اخلليجي، واإيران، والعراق(

ومنطقة ال�سرق االأو�سط

و�سمال اأفريقيا، واللعبني

الدوليني الرئي�سيني. كما

يندرج حتت هذا الت�سنيف

�سل�سلتني اأخريني،

هما: �سل�سلة

اأوراق بحثية،

وهي �سل�سلة اأوراق

غري دورية وغري

حمكمة، تتناول

بالتحليل والتقومي

ق�سايا ال�ساعة

ذات الطابع

الهام، مبا من �ساأنه تقدمي

روؤية اأو�سع ل�سناع القرار

واملهتمني من االأكادمييني

والباحثني. وكذلك �سل�سلة

ر�سائل جامعية، التي

تهتم بن�سر ر�سائل املاج�ستري

واأطروحات الدكتورة

اجلامعية املتميزة يف

املجاالت

التي تقع �سمن اهتمامات

املركز، بهدف خلق

تراكم علمي ومعريف لدى

املخت�سني واملهتمني بهذه

املجاالت، واإتاحة الفر�سة

ل�سناع القرار والنخب

العلمية والثقافية يف املجتمع

لل�ستفادة من نتائجها.

�سا�سل الدرا�سات

نظرة على اإ�سداراتنااألق

توفر هذه النافذة اإطللة عامة

على الكتب التي ين�سرها مركز �سباأ

للدرا�سات االإ�سرتاتيجية، �سواء باللغة

العربية اأو االإجنليزية، يف املجاالت

املختلفة ال�سيا�سية واالإ�سرتاتيجية

واالقت�سادية واالجتماعية. وبع�س هذه

الكتب متاح بالكامل

للتنزيل املجاين.

الكــتــب

■ اطلع على كل ما تود اأن تعرفه عن »املوؤمتر الوطني لإدارة �تنمية املوارد املائية« يف اليمن، الذي ينظمه مركز �سباأ للدرا�سات اال�سرتاتيجية

17 كانون الثاين/يناير 2011 ب�سنعاء، واملقرر انعقاده يف الفرتة 15-

)نافذة متخ�س�سة على »واجهة ال�سفحة الرئي�سية« للموقع باللغتني العربية

واالإجنليزية(.

■ اقراأ اأحدث اإ�سداراتنا �سمن �سل�سلة اأوراق بحثية، درا�سة بعنوان » امل�سكلة الإثنية �اأثرها يف قوة الد�لة: مقاربة نظرية عامة«، للباحثني حممد

�سيف حيدر وعلي عبداهلل ج�سار. )درا�سة متوفرة يف �سفحة: املطبوعات/�سل�سل

الدرا�سات/�سل�سلة اأوراق بحثية(

■ ت�سفح النافذة اخلا�سة �امل�سماة »مراآة الإرهاب«، املكر�سة ملتابعة تطورات ظاهرة االإرهاب حمليا واإقليميا وعامليا، اأوال باأول، حيث جتد اآخر االأخبار والتقارير

والتحليلت والدرا�سات )نافذة متخ�س�سة على »واجهة ال�سفحة الرئي�سية« للموقع

باللغتني العربية واالإجنليزية(.

■ ما هي املهددات الأبرز لالأمن القومي العربي يف منطقة القرن الأفريقي؟ هذا ما يحاول تو�سيحه الباحث يف برنامج درا�سات القرن االأفريقي خالد

الرماح )حتليل متوفر يف نافذة »حتليلت �سيا�سية«(.

■ ما هي الفر�س املتاحة للعمالة اليمنية يف �سوق العمل اخلليجي، �هل ت�ستجيب ملتطلباته �تتجا�ز امل�سكالت البنيوية املتعلقة بهذا امللف ال�سائك؟

كتاب �سامل يبحث الفر�س والعوائق والتحديات من كافة اجلوانب اقت�ساديا وقانونيا

وموؤ�س�ساتيا وا�سرتاتيجيا، حرره الباحثان يف املركز حفظ اهلل االأحمدي وماجد �سراج،

و�سدر موؤخرا يف �سل�سلة الكتب )للإطلع على ملخ�سه انظر �سفحة: املطبوعات/

الكتب(.

■ من يقف �راء التفجريات النتحارية الأخرية يف حمافظتي اجلوف ��سعدة اليمنيتني، �ما اأبعاد هذه الهجمات؟ حتليل يحاول تفكيك طل�سم

احلدث، اأعده الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية عاي�س علي عوا�س )حتليل

متوفر يف نافذة »حتليلت �سيا�سية«(.

تت�سمن هذه النافذة حتليلت

مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث

�سيا�سي حايل الفت اأو ق�سية جديرة

باالنتباه، ومن املحتمل اأن يكون لها

ت�سمينات اإ�سرتاتيجية

على املديني القريب اأو البعيد.

حتليات �سيا�سية

يتيح موقع املركز لزواره

ومت�سفحيه جملة »مدارات

ا�سرتاتيجية« مع اإمكانية حتميلها

جمانا، �سواء ب�سكل مفرد )اأي كل

مقال على حدة(، اأو تنزيل بع�س

اأعداد املجلة كاملة.

مدارات ا�سرتاتيجية

خمتارات من جديد موقعنا

اأخبار وحتليات ووجهات نظر

�ساركنا براأيك على shebacss.com بالت�سويت على اأحدث اال�ستفتاءات التفاعلية:

2011؟« ني�ســـان/اأبريل يف اليمنيـــة الربملانيـــة النتخابـــات اإجـــراء تتوقـــع »هـــل

ت�سويت تفاعلي

Page 5: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 10 11ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اأمن اخلليج يف عامل متغري

اأحمد عبدالكرمي �سيف

رئي�س التحرير

يحتـــل اأمن اخلليج مكانة بـــارزة يف ال�سيا�سة الدولية منذ بداية �ستينيـــات القرن املا�سي، ولكن

االهتمـــام الدويل به تزايد ب�سكل ملحوظ يف االآونة االأخـــرية، وانعك�س ذلك يف موؤترات دولية مت

عقدهـــا تباعا موؤخرا، حيث عقدت اأربع موؤترات دوليـــة منذ بداية كانون االأول/دي�سمرب اأحدها

يف ولتـــون بارك )لنـــدن(، الثاين يف الكويت، الثالث حوار املنامة )البحرين(، والرابع يف باري�س.

اجلديد يف مو�سوع اأمن اخلليج هو تغري البيئة الدولية واالأمنية عما �سبق.

فاملتغـــري االأول؛ يتج�ســـد يف اأن االأمـــن الوطنـــي الأي دولة مل يعـــد وطنيا خال�ســـا نتيجة لت�سابك

العلقـــات وامل�سالح. املتغري الثاين واملهم؛ تغري توازن القوى يف املنطقة. وال نتحدث عن التوازن

االقت�سادي والتقني والب�سري فقـــط، ولكن اأي�سا عن التوازن الع�سكري وم�سادر القوى االأخرى.

فما هي النتائج املرتتبة على تغري التوازن القوى يف املنطقة؟

اأوال: جميع الدول العربية خارج اإطار التوازن املذكور. ثانيا: تركز توازن القوى اجلديد واملتوقع

لـــه اأن ي�ستمر خلل العقد القادم بني املحور الثلثي )اإيران- تركيا - اإ�سرائيل(، والذي ال ميكن

اأن حتافظ فيه القوى الكربى على م�ساحلها دون التعاون مع هذا املحور الثلثي. وما يعيق تنفيذ

هـــذا املحور هو ا�ستمرار اخللف الغربي االإيراين على الربنامج النووي االإيراين. وعند احلديث

عن ال�سيا�سة الواقعية املعتمدة على امل�سالح البحتة فهي تفرت�س الو�سول اإىل حلول معقولة لتفعيل

هذا املحور الثلثي حتت املظلة االأمريكية. ومرة اأخرى اخلا�سر االأكرب هو الوطن العربي.

وال�سوؤال الذي يواجه �سانع القرار العربي كيف ميكن تقليل اخل�سائر عو�سا عن تعظيم املكا�سب.

واالأطروحـــة اخلليجية القائمة على خليج خال من اأ�سلحـــة الدمار ال�سامل مل جتد ا�ستجابة لعدم

ربطهـــا بالربنامج النـــووي االإ�سرائيلي. واأحد البدائـــل ولي�س اأف�سلها الدخـــول يف ترتيبات اأمنية

جديـــدة الأمن اخلليـــج ت�سم ثلث هياكل اأو منظمـــات: االأوىل، جمل�س التعـــاون اخلليجي ببعديه

االإ�سرتاتيجيني اليمن والعراق. الثانية، املحور الثلثي املذكور )اإيران- تركيا- اإ�سرائيل(. الثالثة

واالأخرية، حلف الناتو وعلى راأ�سه الواليات املتحدة.

مثـــل هـــذا الرتتيب �سيبعـــد �سبح احلرب عـــن املنطقة ويخفف مـــن تهمي�س دور الـــدول العربية

ب�سكل عام، ولكنه ي�ستدعي اتفاقات معينة على راأ�سها من ميتلك ال�سلح النووي واملعرفة النووية

)Know How(، واىل اأي حدود تت�سمن الرت�سانة النووية من روؤوؤ�س نووية ونظم القدرة احلربية

التو�سيليـــة )Delivery System(، وما هي �سوابط ا�ستخدامها، وحدود هذا اال�ستخدام، وما هي

ال�سمانـــات ملثل هـــذه الرتتيبات بحيث ين�سئ عنهـــا منظومة اإقليمية فاعلـــة حتافظ على التوازن

وقوى الردع، بحيث حتد من �سباق الت�سلح وتتيح املجال الإعادة تخ�سي�س موارد للتنمية.

ةيـ

حتا

فتاإ

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

اليمن والعامل

�سيا�سات وا�سرتاتيجيات واأفكار

Page 6: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 12 13ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليلت

اليمن والعامل

وجهات نظر

عملنيـــا، ف�سلت عملية عمر الفاروق عبداملطلب، لكنها – من الناحية

اال�سرتاتيجية – اأبانت عن جوانب عطب غري مرئية يف املنظومة االأمنية

العاملية والغربية حتديدا، ودلت على تعاظم خطر تنظيم »قاعدة اجلهاد

يف جزيرة العـــرب«، الذي يتخذ من بع�س زوايا اليمـــن اجلغرافية ملجاأ

نهم من تطوير تكتيكاتـــه التدمريية لتتلءم مع لقياداتـــه وعنا�سره، وتك

اأجندته »العامليـــة« وطموحاته االآخذة يف االت�ســـاع. وقتها اعترب التنظيم

العملية – مع اإخفاقهـــا - »ن�سرا كبريا«، مطلمقا عليها »غزوة الفاروق«،

ومتوعـــدا بـ »مفاجاآت« مماثلة قادمة يف الطريق. ويف اإ�سارة �سمنية اإىل

نوايـــاه امل�ستقبليـــة، �سرح التنظيـــم – بعبارة موحية مفعمـــة بالثقة رغم

ر امل�سلمني .. اأن املجاهدين تو�سلوا طابعها الفني ال�سرف - قائل: »اأب�سر

اإىل مادة �سديدة االنفجار تفـــوق قوتها املتفجرات الكل�سيكية ال�سديدة

االنفجار مثـــل )PETN( وملينيت وRDX وترتايل وغريها، وهي يف طور

.)1(

االإعداد والتجربة«

كان التحذير وا�سحا، فما عجزت عنه عبوة اجلرامات االأربع من مادة

الــــ )PETN( التـــي ا�ستخدمها النيجـــريي عمر الفـــاروق يف “غزوته”،

�ستطالـــه )قريبـــا( عبوة اأكرث تطـــورا ومكرا، و.. تدمـــريا. وهذا ما كان

�سيح�ســـل - رمبـــا - لو و�سل �سيناريـــو طرود املوت املفخخـــة اإىل مداه،

منتهاها. اإىل و”الغزوة” املفرت�سة

ل براأ�ســـه عقب كل حدث من هـــذا النوع، لكـــن ثمـــة �سوؤال م�ســـروع يطم

ث – كما هو احلـــال اليوم – دويا اإعلميـــا هائل ترتدد ـــم ليحـــدم م م�س

اأ�ســـداءه يف اأنحاء املعمورة كافة: هل الفاعـــل هذه املرة اأي�سا هو تنظيم

“القاعـــدة يف جزيـــرة العرب” حقـــا، اأم اأن اأ�سابـــع االتهام قد ت�سري اإىل جهـــة اأخرى لها م�سلحة ب�سكل اأو باآخـــر يف اإثارة مثل هذا ال�سجيج

والت�سبب بكل هذا الذعر؟

ميكن القـــول اإنه ناهيك عـــن تبني التنظيم ال�سريـــح لعملية »الطرود

املفخخـــة« )والتـــي اأطلـــق عليهـــا م�سمـــى »عبـــوات اال�ستنـــزاف« �سمن

ا�سرتاتيجية جديدة ملقاتلة الواليات املتحدة وحلفائها تدعى “ا�سرتاتيجية

االألـــف جرح”(، فاإنه لـــدى خرباء االإرهاب ما يكفي مـــن املوؤ�سرات لكي

لي�ـــس اليـــوم كاالأم�س، لكن »غـــزوات« القاعدة تت�سابـــه. هذا اأول ما قـــد يدور يف خلد املـــرء عند حماولته

االإمعـــان يف م�سامـــني ودالالت وتبعات حدث »طرود املـــوت املفخخة« املر�سلة جوا مـــن اليمن اإىل اأمريكا،

والتي �سغلت اأخبارها و�سائل االإعلم العاملية طيلة االأيام واالأ�سابيع املا�سية. فقبل نحو عام من االآن، تنقل

�ســـاب نيجـــريي – تطـــوع ذاتيا لتقدمي خدماته لتنظيـــم »القاعدة يف جزيرة العـــرب« - بني عدة مطارات

تتمو�ســـع يف ثـــلث قارات )اليمن، فاإثيوبيا، وغانا، ثم نيجرييا، و�ســـوال اإىل هولندا(، لي�ستقر اأخريا على

مـــن طائرة مدنية تتبع �سركة »دلتـــا«، وقرب هبوطها يف مطار مدينة ديرتويت يف الواليات املتحدة، حاول

تفجـــري نف�ســـه عرب حتفيز عبوة نا�سفة خمباأة مبهارة يف ملب�ســـه الداخلية م�ستخدما حمقنا يحتوي مادة

�سائلة، لكنه ف�سل يف تنفيذ ماأربه، وانتهى به احلال مقبو�سا عليه يف �سجن اأمريكي.

حممد �سيف حيدر باحث مبركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية،

ومدير حترير جملة »مدارات ا�سرتاتيجية«.

حممد �سيف حيدر[email protected]

ت�شريح »غزوة« مل تكتمل

حادثة »الطرود املفخخة« وما خلفته من �شظايا

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 12 ا�سرتاتيجية

يجزموا باأن »القاعدة يف جزيرة العرب« هي من تقف وراء عملية »الطرود

املفخخـــة«. فاإىل جانـــب وحـــدة املكان/املنطلـــق )اليمن، حيـــث ين�سط

تنظيم القاعـــدة(، ووحـــدة املكان/الهدف )الواليات املتحـــدة، “العدو

البعيـــد” االأكرث تف�سيـــل للتنظيم(، فـــاإن العملية ا�ستخدمـــت التكتيك

نف�ســـه، واالأدوات ذاتها واإن ب�سيغة اأكرث تطورا ومهارة، اللذين ا�ستعمل

من قبل يف حماولة االنتحاري ال�سعودي عبداهلل ع�سريي اغتيال م�ساعد

وزير الداخلية ال�سعودي حممد بن نايف يف اآب/اأغ�سط�س 2009، وكذلك

حماولة النيجريي عمر الفاروق تفجري الطائرة االأمريكية فوق ديرتويت

يف كانـــون االأول/ دي�سمـــرب من العـــام نف�سه. فاملادة التـــي عرث عليها يف

الطرديـــن املفخخني هـــي ذاتها مـــادة )PETN(، وهـــي عن�سر ع�سوي

�سديـــد االنفجار، ينتمي اإىل نف�ـــس ال�سللة الكيمائيـــة للنرتوغل�سريين،

)PETN( ولكن الفارق هذه املرة – كما اأفاد املحققون - اأن »كمية مادة

يف العبـــوات اجلديدة تبلـــغ 80 غراما، وهي اأ�سعـــاف الكمية امل�ستخدمة

رة فهي »اإيزايد الر�سا�س« وهو يف قنبلة عمر الفاروق«. اأمـــا املادة املفجر

ـــر قوي �سهـــل اال�ستخدام، وقد اأعد بحرفيـــة عالية للعمل من خلل مفجر

دائـــرة كهربائية تت�ســـل ب�سريحتي هاتف خليوي اأخفيتـــا يف خرطو�ستي

طابعتي جهازي كمبيوتر حتى ال تك�سفهما اأجهزة امل�سح ال�سوئي.

من ناحية التوقيت، ورغم اأن هذا االأمر يف اأحيان كثرية ال ينطوي على

اأهميـــة كربى مـــا دام الطريق للنيل من »اخل�سم« بـــات �سالكا يف حلظة

بعينهـــا، مـــا يعني اأن الزمن يظل ملئما يف كل االأحـــوال. اإال اأن التوقيت

هنـــا، مع ذلك، مل يخـــل من ر�سائل م�سمرة واإ�ســـارات كا�سفة؛ فالعملية

كان مـــراد لهـــا اأن تتم يف االأيام االأخرية من ت�سريـــن االأول/اأكتوبر، وهو

�سهـــر يحفـــل باالإيحاءات الرمزيـــة والذكريات امل�سرتكة بـــني »القاعدة«

واأمريكا/الغـــرب )الذكرى العا�سرة لتفجري املدمرة االأمريكية »كول« يف

ميناء عـــدن؛ مرور اأ�سابيع قليلة من الذكرى التا�سعة الأحداث 11 اأيلول/

�سبتمـــرب؛ الذكرى الثامنة لتفجري ناقلة النفط الفرن�سية »ليمبورغ« قرب

مينـــاء املكل، ....(. ناهيك عـــن اأن اأيام هذا ال�سهر ما انفكت ت�سي -

ميدانيـــا - على وقع مواجهات مل تنقطع مـــع ال�سلطات اليمنية املدعومة

اإقليميـــا ودوليـــا – وبالتحديـــد اأمريكيـــا - مـــن اأجل ا�ستئ�ســـال تنظيم

»القاعـــدة« مـــن اأرا�سيها نهائيا )وهـــو ما �سي�سفي علـــى احلدث طابعا

»ثاأريا« اإ�سافيا، بحيث يبـــدو تنظيم »القاعدة« وكاأنه عازم على موا�سلة

انتقامه ممن حاربوه وما يزالون يفعلون يف جنوب اجلزيرة(. ويف الوقت

نف�ســـه، ال تغيب داللة ح�سول العملية/املحاولة قبل اأيام قلئل من موعد

اإجـــراء انتخابات التجديـــد الن�سفي للكونغر�س، ومـــا �ستلقيه من ظلل

13 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 7: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 14 15ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

موؤكـــدة على امل�سهد ال�سيا�سي املحتـــدم بال�سراعات والتناف�س احلزبي،

االأمر الذي يعطي فعل »القاعدة« - �سواء جنح اأم ال - زخما اأكرب يتعدى

االأثـــر الفعلي له، حمدثا ارتدادات وا�سعة ومتعددة امل�ستويات يف الداخل

االأمريكي.

كل ذلك ي�سي باأن »القاعدة« يف خ�سم عراكها مع »خ�سومها« )وبوجه

خا�ـــس االأمريكيـــني/ الغربيـــني منهـــم( توا�ســـل لعبتها االأثـــرية املثرية

للأع�ســـاب: »كمـــا تذكروننا نذكركم، و�سنعيد الكـــرة يف كل مرة، ولكن

بو�سائلنـــا اخلا�ســـة، ويف املـــكان الذي نحـــدده )نحن(«. ورمبـــا مل يكن

م�سادفـــة – واحلالة هذه - اأن يخـــرج امل�سئول الع�سكري للتنظيم قا�سم

الرميي )اأبو هريرة ال�سنعاين(، يف ت�سجيل �سوتي له، بث على االإنرتنت

حا اإىل اأن قبـــل ما يناهـــز االأ�سبوعني من حادثـــة الطرود املفخخـــة، ملمر

تنظيمـــه يعد ل�سن هجمات و�سيكـــة داخل الواليات املتحـــدة، قائل: »اإن

املـــدد .. للعمل اخلارجي )خارج اليمـــن( ال يوقفه �سيء بحول اهلل«، واأن

د الليل مـــع النهار للعمليـــات، وباإذن اهلل قريبـــا ت�سمع اأمة التنظيـــم »يعم

االإ�ســـلم ما ي�سفـــي �سدرها من عدوها، فواهلل اأنـــا لن نعي�س احلرب يف

.)2(

دارنا وعدونا اآمن يف داره، كل ورب الكعبة، فلنكن �سواء«

هكـــذا اإذن تبدو ب�سمة »القاعدة يف جزيـــرة العرب« – وفق املوؤ�سرات

االأوليـــة ال�سالفة - وا�سحة يف هذه »الغـــزوة« التي مل تكتمل كما �سابقتها

»غـــزوة الفاروق«، على اأن هذا الو�سوح يف طبيعة الفعل وهوية الفاعل ما

يلبـــث اأن ي�سطدم باأمور مهمة اأخرى ما تزال مبهمة وي�سوبها الكثري من

الغمو�ـــس، اأثارتهـــا ق�سية الطرود املفخخة املر�سلة جـــوا من �سنعاء اإىل

�سيكاغو )عـــرب مطارات الدوحة ودبي ولندن(، كمـــا اأن هناك ت�ساوؤالت

حائـــرة مل تلق بعد اإجابـــات �سافية يف خ�سم ال�سجيـــج الذي اأنتجه هذا

احلـــدث املريع. فـــاإذا كانت »القاعـــدة يف جزيرة العـــرب« هي من يقف

وراء طـــرود املوت هذه، فما الذي يعنيه اإخفاقها جمددا يف بلوغ مراميها

�س الذي النهائيـــة؟ ويف اأي اإطـــار نفهم )ون�ســـع( الدور ال�سعـــودي امللتبم

لعـــب – بح�سب مزاعم االأمريكيني - دورا اأ�سا�سيـــا يف اإحباط »املوؤامرة

االإرهابية«؟ وما انعكا�سات ذلك على جمريات التعامل امليداين مع خليا

»تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب«، وعلى م�سارات التعاون االأمني

اليمنـــي – ال�سعـــودي ب�سفة خا�سة، ومـــا طبيعة االإجـــراءات االأمريكية

املحتملة للتعاطي مع خطر »القاعدة« يف اليمن والذي – بح�سب وا�سنطن

- مل يعد يحتمل؟

1. »القاعــدة« يف خمترب الفاعليـــة: »ا�ستنـزاف« م�ستمر؟ تنبي حادثة الطرود املفخخة التي تبناها

تنظيـــم »قاعدة اجلهـــاد يف جزيرة العرب«، اإىل جانـــب العمليتني اللتني

�سبقاهـــا وماثلتاها من حيث التكتيك واملـــواد امل�ستخدمة )وهما العملية

التـــي اأ�سماهـــا التنظيم »غـــزوة الفـــاروق« ن�سبة ملجنـــده النيجريي عمر

الفاروق عبداملطلب، وكذلك حماولة االنتحاري عبداهلل ع�سريي اغتيال

حممـــد بن نايف م�ساعد وزير الداخلية ال�سعودي، انطلقا من االأرا�سي

هة من الناحية التكتيكية تنبي اليمنيـــة(، هذه العمليات املتعاقبة واملت�سابم

للوهلـــة االأوىل باأن قدرات »تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب« على

ا�ستهداف خ�سومه واإيذائهـــم، اآخذة يف التطور وعلى نحو نوعي وب�سكل

يتـــواءم مع طموحاتـــه العاملية، لكن جلوء التنظيـــم اإىل التكتيك ذاته يف

توجيـــه �سرباتـــه املتوالية حتت م�سمى »عبـــوات اال�ستنـــزاف«، م�ستعينا

بج�ســـم و�سيط ذي خ�سائ�س معينـــة يف كل مرة، يخفي – باملقابل - يف

طياتـــه وهنـــا عملياتيا ومراوحة تكتيكية، مل يلبثـــا اأن عربا عن نف�سيهما

بو�ســـوح يف خمتـــرب الفاعلية: فمقابل جنـــاح التنظيـــم الن�سبي وق�سري

االأمد يف معركـــة الرتويع االإعلمية، ثمة اإخفاق هائل يف حتقيق الغايات

املعلنـــة واملربجمة للعمليات الثـــلث؛ ما ي�سري اإىل اأن التنظيم بات - اإن

حاكمنا اأقواله باأفعاله - يف ورطة ا�سرتاتيجية �سديدة بالفعل.

فمن ناحيـــة، تبدو خيارات تنظيم »القاعـــدة« التكتيكية – كما عبواته

النا�سفـــة املموهة ذاتهـــا - يف حالة »ا�ستنزاف« م�ستمـــر، ولهذا جند اأن

منهجـــه يف العمل – كتنظيم مركزي وكفروع اإقليمية على ال�سواء - اأخذ

ينحدر �سيئا ف�سيئا من تدبري عمليات كربى ذات �سدى عاملي )كاأحداث

احلـــادي ع�ســـر مـــن اأيلول/�سبتمرب، وتفجـــريات ال�سفـــن واملدمرات يف

عر�ـــس البحر، وا�ستهداف القطارات كما يف مدريد اأو و�سائل النقل كما

يف لندن(، اإىل عمليات حمـــدودة التاأثري تديرها فروعه املحلية، ال�سيما

يف اليمـــن، وحتاكـــي يف غالبيتها النمط الذي جلاأت لـــه بع�س املنظمات

واجلماعات االإرهابية التقليدية يف �ستينيات و�سبعينيات القرن املا�سي.

فهـــي كما نلحظ تعتمد على ا�ستخدام متفجـــرات وعبوات نا�سفة �سهلة

الرتكيـــب واالإخفاء مما خف حمله وات�ســـع نطاق فعله التدمريي، ولذلك

فاإنها ال حتتاج بال�سرورة اإىل فريق ب�سري كبري، وعمليات ت�سليل معقدة،

وتخطيـــط طويل املدى )وهو ما تطلبتـــه بع�س عملياته ال�سابقة(؛ فاملهم

هنـــا اأن يكـــون لديـــك �سخ�س له اطلع جيـــد بعلم املتفجـــرات مع قدرة

ذهنيـــة على االبتكار التقني والعملياتي، ف�سل عن وجود اأج�سام و�سيطة

ل اإخفاء القنابل وتويهها، حتى ت�سل اإىل الهدف املطلوب. منا�سبة ت�سهر

وهـــذا االأمر هو ما توفـــر موؤخرا لتنظيم القاعـــدة يف جزيرة العرب من

خـــلل امتلكـــه – ب�سكل اأ�سا�ســـي - خلربات عدد مـــن �سانعي القنابل

.)3(

�ســـني كال�سعـــودي اإبراهيم ح�سن طالـــع ع�سريي واملتفجـــرات املتمرر

وهـــي خـــربات ما تـــزال حمـــدودة يف عنا�ســـر واأ�سخا�س بعينهـــم، ولذا

يحـــاول التنظيم تنميتها وتطويرها اأكرث من خـــلل نداءاته املتكررة ملن

يبـــدون ا�ستعدادهم للن�سمام اإليه ممن لديهم اإطلع واإملام جيد بعلوم

الفيزياء والكيمياء والتقنيات املتطورة.

ثم اأن هذا التوجه نحو جعل عمليات »القاعدة« املوجهة �سد خ�سومها

الغربيـــني معتمـــدة على قـــدرات تقنية بحتـــة ي�سهل تعميتهـــا وتريرها،

وتاليـــا فاإنها ال حتتاج �سوى اأقل عدد ممكن من االأ�سخا�س، اإمنا هو اأحد

موؤ�ســـرات �سعـــف التنظيم وم�ســـاكل التجنيد التي يواجههـــا، بل وكذلك

وجـــود نـــزوع متنامي يف �سفوفـــه نحو فتـــور الهمة العمليـــة )بخلف ما

عك�ستـــه عمليات �سخمـــة �سابقة اأظهرت وقتئذ »حيويتـــه الفائقة«(، وما

تعـــرب عنه هذه احلـــال من خيبة اأمـــل يف اإمكانية تكـــرار هجمات دموية

كربى، تهـــز ثقة الغرب بنف�سه وبقدرته علـــى مواجهة عدو اأخطبوطي ال

حتليلت اليمن والعامل

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 14 ا�سرتاتيجية

اإخفــاق طائــر: رغـــم ما خلفته عمليـــة الطرود املفخخة من حالـــة ذعر كبرية اإال اأن قطاعـــات حيوية كالطريان املـــدين وال�سحن اجلوي وا�سلت

ن�ساطاتها رغم ا�ستمرار التهديدات الفعلية اأو املفرت�سة

يرحم!

من ناحية اأخرى، وبالنظر اإىل بحث التنظيم املحموم عن نقاط �سعف

يف املنظومـــة االأمنيـــة العامليـــة )وهو االأمر الـــذي جعله ي�ستبـــدل قنابله

الب�سريـــة املتحم�سة باأج�سام اأخرى �سعبـــة الر�سد والك�سف – كالطرود

ل وذي اأولوية املفخخـــة مثل -، وطائرات الركاب املدنية – كهدف مف�س

- بطائرات ال�سحن التجارية( يف حماولة الخرتاق هذه املنظومة تهيدا

م – املرة تلو االأخرى ل�سربها يف ال�سميم، جنده من حيث ال يدري ي�سهم

– يف �سد مكامن اخللل فيها، وبالتايل رفع كفاءتها وزيادة مناعتها، ما ي�ستدعي قيامه بابتكار و�سائل اأكرث تطورا للتعاطي مع االإجراءات االأمنية

امل�ستجـــدة، والتـــي واإن اأثقلت كاهـــل احلكومات والـــدول ب�سبب تكاليفها

ق كاهل التنظيم يف املدى املنظور - اإن اأمعن الباهظة، فاإنها باملثل �سرتهم

يف حمـــاوالت اخرتاقها - باأعباء قد تفـــوق اإمكانياته وقدراته حينها، اإذ

اأن اإعـــادة الكرة تتطلب وجود خربات واأدوات واإمكانات لوجي�ستية كافية

وظروف زمكانية مواتية، وهو ما ال يكون متاحا دائما.

وهـــذا يعنـــي اأن خطـــر »القاعدة يف جزيـــرة العرب« يف هـــذه املرحلة،

وبعك�ـــس التوجهـــات املت�سائمة ال�سائـــدة يف اأوروبا واأمـــريكا، يظل »قابل

لـــلإدارة«، كمـــا اأن تاأثـــريات عملياته التـــي ت�ستهدف املنظومـــة الغربية

عمومـــا واالأمريكيـــة خ�سو�سا، تبـــدو اأي�سا »قابلة للحتـــواء«. فرغم ما

خلفته عمليتي عمـــر الفاروق والطرود املفخخة من حالة ذعر كبرية بني

قطـــاع وا�سع مـــن النا�ـــس، اإال اأن قطاعات حيوية كانـــت يف قلب عمليات

اال�ستهـــداف »القاعـــدي« كالطـــريان املـــدين وال�سحـــن اجلـــوي وا�سلت

، واإن تطلب )4(

ن�ساطاتها رغم ا�ستمـــرار التهديدات الفعلية اأو املفرت�سة

االأمـــر اتخاذ املزيد من التدابري االحرتازية ل�سمان تقييد )واحلد من(

قدرة التنظيم اأو �سواه من اخرتاق هذه املنظومة البالغة احل�سا�سية.

2. اليمن - ال�سعودية: التعاون حتت ال�سغط

االأكـــرث التبا�سا رمبا يف عمليـــة »القاعدة« االأخرية، وعلى نحو اأثار ريبة

الكثـــري من املحللني واملراقبـــني يف اليمن، هو الـــدور ال�سعودي يف ك�سف

»الطـــرود املفخخة«، والذي عرب عن نف�سه ب�سكل دعائي �ساخب، عك�سته

الرطانـــة االإعلميـــة التي تعاطـــت بها و�سائـــل االإعلم التابعـــة للمملكة

مـــع هذا احلدث. لكن الـــراأي العام يف اليمن، كما نخـــب البلد املختلفة،

ا�ستقبـــل مـــا ح�سل بفتـــور �سديد، وكانـــت اأ�سئلة من قبيـــل: كيف تكن

ال�سعوديون من معرفة خطة »القاعدة« قبل اأن يعرفها غريهم كاليمنيني

واالأمريكيني؟ وملاذا اأبلغوا حلفائهم االأمريكيني يف حني كان من املفرت�س

اأن يبلغـــوا اأ�سقائهم اليمنيـــني اأوال، على االأقل من منطلق »االأقربون اأوىل

باملعروف«؟ واأي دالالت تكتنف مثل هذه اخلطوة ال�سعودية، والتي ت�سببت

يف اإحراج ال�سلطـــات اليمنية داخليا وخارجيا اإحراجا بالغا، بحيث بدت

�سة بتهمة »اآخر من يعلم« امل�سينة؟ حم�سورة يف الزاوية ومتلبر

هذه االأ�سئلة وغريها كانت االأكرث ترددا على �سفاه املراقبني وال�سيا�سيني

ت بهـــا كثري من املقاالت والتحليـــلت التي دبجت لنقد اليمنيـــني، وغ�س

ME

Arc

hiv

E

15 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 8: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 16 17ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

الطريقة اال�ستعرا�سية التي ميزت التعاطي ال�سعودي مع حادثة الطرود،

وما اأعقبها مـــن تطورات على اأكرث من �سعيد، راأى فيها معظم اليمنيني

تكري�سا ل�سورة بلدهم ال�سلبية عامليا، مع ما لذلك من اأ�سرار مبا�سرة

وغـــري مبا�سرة ت�سيب اليمـــن – حكومة و�سعبا – علـــى املديني القريب

والبعيد.

بيـــد اأننا اإذا حاولنا فهم اأ�سباب التعاطـــي ال�سعودي مع ق�سية الطرود

املفخخـــة بال�سكل الـــذي ظهر عليه، فاإنـــه ال منا�س مـــن ا�ستعادة بع�س

امل�ساهـــد التي و�سمت �سريورة التعاون االأمني بني اليمن واململكة، ال�سيما

خلل العامني االأخريين، وا�ستك�ساف البيئة النف�سية واجليو�سيا�سية التي

حتيط مب�سامني هذا التعاون وتبلور اجتاهاته وتوجهاته. ويف تقديرنا اأن

اأقـــرب الفر�سيـــات لتف�سري ما ح�سل هـــو اأن ال�سعوديني ال يولون

اأمنيني م�سئولني اليمنيني، نظرائهم - – كعادتهـــم وع�سكريني كانـــوا اأم �سيا�سيني، جل ثقتهم لكي

يتولـــوا اإدارة ملـــف �سائـــك كملـــف »تنظيم

قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب«، خا�سة

اأن احلـــرب االأخرية التـــي خا�سوها مع

احلوثيـــني وحالـــة ال�سيولـــة التـــي تلتها

وتفاو�سيـــا، وع�سكريـــا �سيا�سيـــا

رجحـــت روؤية ال�سعوديـــة الفاقعة

والرا�سخة لليمـــن بو�سفها »ملفا

اأمنيـــا« �سرفا يجـــب التعامل معه

بحذر �سديد، وعلى هذا االأ�سا�س

ال اأكـــرث وال اأقـــل. ثـــم اأن حادثـــة

»الطـــرود املفخخة« كما مت تاأطريها

اإعلميا )وهذا ال يعني اأن »القاعدة«

ال تقف وراءها، بل هي اجلهة الفاعلة بل ريب( عززت حماجة الريا�س

التي مل تـــكل منذ اأحداث احلادي ع�سر مـــن اأيلول/�سبتمرب، وتاأكيداتها

حللفائها الغربيني امل�ستاءين والقلقني من التوجهات الدينية الراديكالية

ال�سائـــدة يف ال�سعودية، بـــاأن اليمن الدولة اله�ســـة والفقرية واملعزولة يف

جنوب اجلزيـــرة العربية - ال اململكة – هي »قاعـــدة القاعدة«، واأنها –

اأي اليمـــن - اأخذت يف التحـــول اإىل »راأ�س حربة لهجمات »القاعدة« �سد

، ولدرء التهديـــد االإرهابي الكامن هناك ال منا�س )5(

الواليـــات املتحدة«

مـــن التعويل علـــى دور اململكة وخربتهـــا الوا�سعة بالنظـــر اإىل كونها من

.)6(

ميلك »مفاتيح هزمية »القاعدة«« يف هذا البلد

ورغم اأن الريا�س حاليا هي الداعم املايل االأكرب لليمن، اإذ تنفق �سنويا

التقديرات - نحو ملياري دوالر كم�ساعدات تنموية للبلد – طبقا لبع�س اإىل جانب ما يقرب من 300 مليون دوالر مكر�سة لتمويل جهود »التعاون«

االأمني بينهما، اإال اأن االإطار العام الذي تنتظم فيه هذه املعونات توؤ�س�سه

الروؤية ال�سعودية احلاكمة وامل�ستمرة لليمن كجار مرهوب اجلانب، اأمنيا

وجيو�سرتاتيجيـــا، ولذا فاإن اأي �سيغة اأو �سورة للتعاون بني البلدين تبقى

مرهونـــة بتلبية حاجات اململكـــة ال�سعودية وتطلعاتهـــا اأوال ويف االأ�سا�س،

ومـــدى قدرتها على درء اأية خماطر وتهديـــدات قد تاأتيها من خا�سرتها

اجلنوبية الرخوة، �سواء يف �سورة خماطر اأمنية اأو متغريات جيو�سيا�سية

بـــة« ال تتوافق مع اأجندة اململكة وم�ساحلها االأكرث دميومة يف اليمن »�سالم

واالإقليم.

طـــة جرت )وجتري( معظـــم التفاعلت و�سمن هـــذه ال�سيغة ال�ساغم

يف علقـــات �سنعاء مـــع الريا�س، وين�سحـــب ذلك على التعـــاون االأمني

بينهمـــا، والذي مثل – ظاهريا علـــى االأقل – القاطرة التي تقود م�سرية

منـــو العلقات اليمنية – ال�سعودية خلل ال�سنوات القليلة املا�سية. لكن

املراقـــب مل�سارات التعاون االأمني اليمنـــي - ال�سعودي ال يفوته املنحنيات

والتعرجـــات التـــي مر بهـــا وال يـــزال، اإذ اأن كثريا مـــن م�ساراته حمكوم

بـــروؤى وت�سورات وم�سالح مت�ساربة؛ وما قد يعزز م�سالح طرف يف

املعادلـــة التفاعلية الثنائية يف حلظـــة بعينها رمبا يخ�سم،

على نحو اأو اآخر، من م�سالح اأو مكا�سب اأو مقت�سيات

تهم الطـــرف االآخر ويبدي حر�سه على الظفر بها

)اأو جتاهلها(. وثمـــة موؤ�سرات عديدة على هذا

النمـــط مـــن املنحنيـــات املتاأرجحـــة يف علقة

الريا�ـــس االأمنية ب�سنعاء، مـــن قبيل ال�سيا�سة

االأحادية التي تتبعهـــا اململكة يف اإدارة احلدود

امل�سرتكـــة، ومـــا تكتنفهـــا مـــن اإجـــراءات يتـــم

تقريرها وتنفيذها دون ت�ساور م�سبق مع اجلانب

اليمنـــي )م�ساألـــة بناء اجلـــدار االإلكـــرتوين العازل

مثل(.

علـــى اأن ملـــف تنظيم القاعـــدة، وقـــد اأ�سحى هاج�ســـا اأمنيا

م�ســـرتكا اإثـــر انهيار الفرع ال�سعـــودي للتنظيم وفرار عـــدد من عنا�سره

ال�سعوديـــني اخلطريـــن اإىل اليمـــن، ليندجمـــوا يف وقت الحـــق مع الفرع

اليمني للقاعدة موؤ�س�سني بذلك »تنظيم قاعدة اجلهاد يف جزيرة العرب«

الـــذي ي�سع اململكة ن�سب عينيه من منطلـــق كونها »بلد احلرمني« التي

ي�سعـــى لتحريرهـــا من »جن�س الكفـــار« ح�سب تعبري اأدبياتـــه، هذا امللف

االأكـــرث تعقيدا ج�ســـد ذروة التباين والتذبذب يف منحنيـــات التعاون بني

. وال�سبب – كما يبدو – يكمن يف حماولة الطرفني )7(

�سنعـــاء والريا�س

ا�ستثمـــار هذا امللـــف ال�سعب لتحقيـــق مكا�سب و�سد ثغـــرات، بع�سها ال

Zero – Sum Game يتاأتـــى اإال وفق منطق اللعبة ذات املعادلة ال�سفرية

)مـــا يح�سل عليه طرف يخ�سره بال�سرورة الطرف االآخر(، وهي �سيغة

ال مثيل لها �سمن �سيغ التعاون املعهودة بني الدول واالأنظمة ال�سيا�سية..

وهنا امل�سكلة الرئي�سية.

لنتاأمل �سريعا بع�ـــس االأمثلة وال�سواهد احلديثة التي ميكن اإيرادها يف

هذا ال�سياق:

- قبـــل نحـــو عامني، وحتديـــدا يف �سباط/فربايـــر 2009، قام املطلوب

ال�سعـــودي حممد العويف )الـــذي عرف – لفرتة ق�ســـرية – باأنه القائد

امليـــداين لتنظيـــم القاعدة يف جزيـــرة العرب( بت�سليم نف�ســـه لل�سلطات

حتليلت اليمن والعامل

تبدو خيارات تنظيم »القاعدة«

التكتيكية – كما عبواته

النا�سفة املموهة ذاتها - يف حالة

»ا�ستنزاف« م�ستمر، ولهذا

جند اأن منهجه يف العمل اأخذ

ينحدر �سيئا ف�سيئا من تدبري

عمليات كربى ذات �سدى

عاملي اإىل عمليات حمدودة

التاأثري تديرها فروعه

املحلية

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 16 ا�سرتاتيجية

ال�سعودية. وقد تبني الحقا اأن عملية ا�ست�سلم العويف قد تت دون تن�سيق

اأمنـــي عايل امل�ستـــوى وتباديل املنافع بني �سلطات اليمـــن واململكة، االأمر

الـــذي مل ميكن اأجهزة االأمن اليمنية مـــن احل�سول على »معلومات ذات

قيمة« من هذا القيادي، ميكن توظيفها يف حربها �سد تنظيم القاعدة.

- يف �سهر �سباط/فربير من العام 2009 نف�سه، ن�سرت وزارة الداخلية

ال�سعوديـــة قائمة ت�سم 85 مطلوبـــا من املت�سددين، قالـــت “اإن جميعهم

خـــارج اململكـــة، وبع�سهـــم ذهـــب اإىل اليمـــن”. وكان اللفـــت يف هـــذه

القائمـــة، واملميز لها عما �سواها مـــن قوائم للمطلوبني ال�سعوديني، ورود

ا�سمي اليمنيني نا�سر الوحي�سي، اأمري تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب،

وقا�ســـم الرميي، القائد الع�سكري للتنظيـــم، وامللحقني من قبل اأجهزة

االأمـــن اليمنية )باعتبارهمـــا مواطنني مينيني موجوديـــن على اأرا�سيها

ح�ســـرا(، يف قائمة املطلوبني للمملكة، وعلى نحو اأظهر اليمن - كمجال

جيو�سيا�ســـي وقانـــوين واأمنـــي – وكاأنهـــا تقـــع حتت �سلطـــة واخت�سا�س

القوانني ال�سعودية.

- عمليـــة ا�ست�سلم “القاعدي” ال�سعودي عبـــداهلل ع�سريي لل�سلطات

ال�سعوديـــة يف اآب/اأغ�سط�ـــس 2009 )والذي فجر نف�ســـه يف ق�سر االأمري

حممـــد بن نايف حمـــاوال اغتياله(، تت – وعن �سابـــق ت�سميم ر�سمي

�سعـــودي - دون علم ال�سلطـــات اليمنية اأو بالرتتيب معهـــا، وهو ما اأثبته

الت�سجيل امل�سور الـــذي �سرد فيه التنظيم بع�س تفا�سيل العملية، وكيف

خططـــت ونفـــذت. وكان البيـــان الذي تبنـــى من خللـــه التنظيم عملية

ع�سريي، ون�سر بعدهـــا باأيام قلئل، قد اأملح اإىل اأن املخابرات ال�سعودية

د وتتبع من يو�سفون تتحـــرك خفية داخل االأو�ساط املحلية اليمنية لرت�س

قاعديـــا بـ “املجاهديـــن”، دون اأن يكون للأمن اليمنـــي اأي معرفة بهذه

التحركات. وما قد يقوي رواية “القاعدة” هذه، املعلومات غري املتواترة

التـــي تداولتها بع�س االأو�ســـاط وتفيد باأن �سبـــاط ا�ستخبارات �سعوديني

متخفـــني يف زي مدين وعلى هيئة جتـــار و�سياح ومهربني وخلفه، اأخذوا

يكثفـــون وجودهم وحتركاتهـــم يف بع�س مناطق اليمـــن واأطرافها، حيث

يعتقد اأن قادة “القاعدة” يختبئون وين�سطون فيها، �سيما يف حمافظات

كماأرب واجلوف واأبني و�سعدة.

- يف �سهر ت�سرين االأول/اأكتوبر 2010، ووفقا مل�سوؤولني يف اال�ستخبارات

الغربيـــة، قامت اال�ستخبارات ال�سعودية – من طرف واحد ودون تن�سيق

وا�ســـح مع اأجهزة اال�ستخبارات اليمنيـــة - بتحذير احلكومة الفرن�سية،

وحكومـــات اأوروبية اأخـــرى، من اأن تنظيـــم القاعدة يف جزيـــرة العرب،

يخطط ل�سن هجوم اإرهابي على اأرا�سي القارة انطلقا من اليمن.

- يف منت�سف ت�سريـــن االأول/اأكتوبر نف�سه، اأعلنـــت ال�سلطات اليمنية

اأنهـــا األقـــت القب�س يف مطـــار �سنعاء علـــى مغرتب ميني يقيـــم ب�سورة

دائمـــة يف ال�سعودية، ويدعى �سالح الرميـــي )33 عاما( اأثناء قدومه من

اململكـــة. وبح�سب وزارة الداخليـــة اليمنية، فاإن ا�سم الرميي كان مدرجا

يف القائمة ال�سوداء، باعتباره مطلوبا اأمنيا بتهمة تويل تنظيم القاعدة

يف اليمـــن، لكـــن الداخلية ال�سعودية �سرعان ما نفـــت ب�سكل قاطع تلقيها

من نظريتهـــا اليمنية ما يفيد ب�سلوع املواطـــن اليمني املقيم يف اململكة،

باأي اأن�سطة تويلية لـ»القاعدة«.

ال �ســـك يف اأن هـــذه ال�سواهـــد وغريهـــا ت�ساعدنـــا على فهـــم التعاطي

ال�سعـــودي املثـــري للجـــدل مـــع ق�سية الطـــرود املفخخـــة، رغم اأنـــه اأوقع

النظام احلاكم يف اليمن يف حرج بالغ اأمام مواطنيه وحلفائه االإقليميني

والدوليـــني على حد �سواء، كما اأنهـــا – اأي ال�سواهد االآنفة الذكر - تفتح

كـــوة اأخـــرى يف جـــدار الغمو�س الذي يكتنـــف تفاعلت التعـــاون االأمني

اليمني – ال�سعودي، وب�سفة خا�سة خلل ال�سنوات الع�سر االأخرية.

واحلقيقـــة اأنه مـــا دام االإدراك ال�سعـــودي لطبيعة م�سالـــح اململكة يف

“االأمـــن” وظل حمكوما بهواج�سه “فناءهـــا اخللفي” مل يتجاوز عتبة ومقت�سياتـــه و�سكوكـــه، وطاملـــا عجـــز �سنـــاع ال�سيا�ســـة يف اليمـــن – يف

املقابـــل - عـــن تغيري هـــذه املـــدركات اأو التخفيـــف من حدتهـــا، واإعادة

التـــوازن للعلقات اليمنية - ال�سعودية تاليا بحيث تغدو حمكومة ب�سيغة

اأكرث برجماتيـــة تقوم على قاعدة “اجلـــوار اال�سرتاتيجي البناء” الذي

يلبـــي امل�سالح الوطنيـــة والتطلعـــات امل�سرتكة نحو اال�ستقـــرار والتنمية

امل�ستدامـــة؛ مادام ا�ستمر كل ذلك فـــاإن التعاون االأمني – حتديدا - بني

الدولتني �سرياوح منحنياته وتعرجاته ذاتها، ما يعني - يف نهاية املطاف

- اأن ال�سلـــوك ال�سعـــودي احلذر اإزاء اليمن، مبـــا ينطوي عليه من فر�س

وخماطـــر، �سيظل على حاله: اأحاديـــا غالبا، وا�ستفزازيـــا اأحيانا، وغري

ماأمون اجلانب على الدوام.

3. خطوة االأمريكيــن التالية )املعتادة(: »دعهم يعملــون وراقــب مــن بعيــد«! رمبـــا يكـــون

ال�ســـوؤال حول خطوة اأمـــريكا التالية يف اليمن، يف �ســـوء غزوة »الطرود«

القاعديـــة الفا�سلة، هو االأكـــرث اإحلاحا يف هذه االآونـــة بالن�سبة لليمنيني

واالأمريكيـــني معـــا. فمـــا ح�سل للمـــرة الثانية خلل اأقل مـــن عام، عزز

خمـــاوف �سا�سة وا�سنطـــن من اأن اليمن بـــات يواجه احتمـــاال »حقيقيا«

بـــاأن ي�سبح »اأفغان�ستان اأو باك�ستان اأخرى«، مما قد يهيئ ظروفا مواتية

لتنظيـــم القاعدة يف جزيرة العـــرب ل�سن هجمات داميـــة تطال الداخل

االأمريكي، ناهيك عن تهديد امل�سالـــح االأمريكية والغربية االأكرث حيوية

يف �سبه اجلزيرة العربية.

لكـــن االإدارة االأمريكية التي اأعلنت على ل�سان رئي�سها باراك اأوباما اأن

»تدمري القاعدة« يف اليمن هو هدف يحظى باأولوية، تدرك، مع ذلك، اأنه

ينبغي التعاطي مع تهديدات »القاعدة«

خ�سية �سديدة بواقعية اليمن يف

ــرب »ح خــو�ــس اإىل االجنـــــرار

يف �ــســروريــة غــري ا�ستنزاف«

- الــذي الهام�سي البلد هــذا

- االأمريكية للتقديرات وفقا

باأي قيمة ا�سرتاتيجية ال يتمتع

ـــه جمـــاورت ـــوى �ـــس �ــــســــاأن ذات

املراقب مل�سارات التعاون

االأمني اليمني - ال�سعودي ال

يفوته املنحنيات والتعرجات

التي مر بها وال يزال، اإذ اأن

كثريا من م�ساراته حمكوم

بروؤى وت�سورات وم�سالح

مت�ساربة

17 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 9: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 18 19ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

على واإ�سرافه املندب باب م�سيق على واإطللته اخلليجية النفط خلزانات

خليج عدن املمر امللحي احليوي للتجارة الدولية، والذي ا�ستباحته ع�سابات

القرا�سنة موؤخرا.

واحلال اإن االأمريكيني يدركـــون تاما اأن اأي ا�سرتاتيجية طويلة االأمد ملكافحة

االإرهاب تقت�ســـي معاجلة االأ�سباب اجلذرية لعدم اال�ستقـــرار االجتماعي الذي

ي�سمـــح لتنظيم القاعدة بالنمو واالنت�سار، لكنهـــم يعلمون اأنه لي�س يف مقدورهم

الذهـــاب بعيدا جدا يف هذا املجـــال يف اليمن. ومن ثم تبدو اخليارات االأمريكية

يف اليمـــن - على املديني القريب واملتو�سط - حمدودة للغاية؛ فالواليات املتحدة

املن�سغلـــة باأمـــور اأخرى، والرازحة حتـــت عبء العجز، قـــد ال تتحلى بال�سرب وال

تاليا باملـــوارد ملنع اليمن من االنزالق اإىل م�ســـاف “الدولة الفا�سلة”، والتحول

اإىل مرتع مثايل للجماعات املتطرفة واالإرهابية.

وبهذا تكاد ترتكز خيارات الواليـــات املتحدة للتعامل مع خطر تنظيم القاعدة

يف اليمـــن حاليـــا، يف اأمرين اثنني غـــري متعار�سني بال�سرورة )بـــل ورمبا يكونا

متعا�سديـــن(: اأولهما، اتخاذ تدابـــري انتقامية عاجلة للرد علـــى عملية الطرود

املفخخـــة، �سواء بعلم حلفائهـــا اليمنيني وال�سعوديني – ورمبـــا الباك�ستانيني اإن

و�سعنا نطاق الفعل االأمريكي قليل – اأو من دون علمهم اإذا اقت�سى االأمر ذلك.

ويف خط مواز، امل�سي يف �سيا�سة »ال�سغط الناعم« على ال�سلطات يف اليمن، من

خلل تقدمي املزيد من امل�ساعدات لها و�سمان وجود تن�سيق اأكرب يف ا�سرتاتيجية

مكافحـــة االإرهـــاب، بحيـــث يت�سمـــن زيـــادة م�ساطـــرة املعلومـــات اال�ستخبارية

وعمليات التدريـــب واأ�سكال الدعم الفني واللوجي�ستـــي التي يقدمها االأمريكيني

للقوات اليمنية.

ويتمثل ثاين خيارات وا�سنطن يف اإعطاء ال�سوء االأخ�سر حللفائها ال�سعوديني،

ل« مدفوعني برغبة اأمريكية ر�سمية �سريحة هذه املرة، لتاأدية مهمة »الوكيل املقاوم

للواليـــات املتحـــدة يف مكافحة »القاعـــدة« يف اليمن، بحيث تتـــوىل الريا�س تتبع

م�سادر التهديدات املختلفة املرتبطة بالتنظيم هناك وتبادل امل�سورة ب�ساأنها مع

وا�سنطن اأوال باأول، ف�سل عن حتميلها عبء تويل جزء مهم من جهود ال�سريك

اليمنـــي يف مكافحة االإرهاب، وهي اجلهـــود التي �سي�ستمر االأمريكيون يف دعمها

بالتجهيـــزات اللزمـــة واخلرباء واملدربني، مبا يف ذلك تكـــني ال�سريك اليمني

مـــن ا�ستخـــدام طائرات من دون طيـــار الأغرا�س قتاليـــة اإذا ا�ستدعت الظروف

ذلك.

ويف التحليـــل االأخـــري، فاإن ما بـــدا اأنها »غزوة« مل تكتمـــل لتنظيم »القاعدة يف

جزيـــرة العرب« الذي اأخـــذ ي�ستنزف طاقاتـــه ودهائه �سيئا ف�سيئـــا، قد اأطبقت

ـــة علـــى اليمـــن واليمنيني ل�سبـــب لي�س لهـــم يد فيـــه، وما عجز بظللهـــا القاتم

ال�سعوديـــون عن تريره منذ زمـــن تكنوا – يف حلظة ميكيافيللية مواتية – من

جعلـــه اأ�سبه بـ »حقيقـــة« موؤكدة ي�سغي لهـــا احللفاء االأمريكيـــني والغربيني بكل

اهتمـــام، ويتفاعلـــون معها بكل اجلـــوارح. وغداة اال�ستعرا�ـــس ال�سعودي االأخري

بـــاالأوراق والقـــدرات يف �سوق »احلرب علـــى االإرهاب« املزدهرة، بـــات الغربيون

اليـــوم بحق يدركون مـــن هو اللعب االأكـــرب يف جنوب اجلزيـــرة، حيث تتهادى

ـــر للقارات«، �سانعة ر العابم خيـــاالت »القاعدة« و»الدولـــة الفا�سلة« و»املوت املتنكر

حة( يف كابو�سا جديـــدا ال يعرفون متى ي�ستيقظون من تهومياته املزعجة )واملربم

اآن.

حتليلت اليمن والعامل

)1( اللجنـــة الع�سكرية، »اأ�سرار العبوة املبتكرة«، جملة �سدى امللحم، العدد

12، �سفر 1431 هـ، �س 46.

)2( اأبـــو هريرة ال�سنعاين، كلمة �سوتيـــة بعنوان »اجن علي فقد هلك برويز«،

موؤ�س�ســـة امللحم للإنتاج االإعلمي، 3 ذو القعـــدة 1431 هـ/ 11 ت�سرين االأول/

اأكتوبر 2010.

)3( رمبـــا ال يعد من قبيل امل�سادفـــة اأن تكون اخلربة ال�سعودية هي من يقف

وراء تطـــور قـــدرات »القاعـــدة يف جزيـــرة العـــرب« الع�سكريـــة والعملياتية. فـ

»القاعديـــون« ال�سعوديـــون راكموا خلل �سنني عدة من العمـــل احلركي، �سواء

داخـــل اململكـــة اأو خارجها، خربات ومهارات مهمة يف هـــذا اجلانب، وقدرتهم

علـــى الو�سول اإىل اأ�سرار وطرق تركيب العبـــوات املتفجرة تتخطى بكثري قدرة

العنا�ســـر اليمنيـــة. كمـــا اأن العديد منهم در�ســـوا يف كليات علميـــة وتطبيقية،

ويتقنـــون اللغـــة االإنكليزيـــة التـــي ي�ستغلـــون معرفتهـــم بها من اأجـــل احل�سول

علـــى امل�سادر التي تتيح املعرفـــة ب�سناعة املتفجرات واملتوفـــرة اأ�سا�سا باللغة

االإنكليزية. ثم هناك اأي�سا اإمكانيات الو�سول اإىل �سبكة االإنرتنت، حيث تتوفر

املرجعيـــات واالأدبيات اللزمـــة ل�سنع القنابـــل، بو�سائل مبتكـــرة ومن اأب�سط

املكونات، وهو ما تر�سده اال�ستخبارات الغربية وال�سعودية با�ستمرار من خلل

تتبع ما يدور من حوارات ومناق�سات يف املنتديات اجلهادية مثل، والتي يتبادل

املتحدثني فيها االأفكار يف تطوير و�سائل اأكرث ابتكارا دائما الإيقاع اأكرب كم من

اخل�سائر باأعـــداء التنظيم، ال�سيما الغربيني، ويف مقدمتهـــا القنابل والعبوات

النا�سفة و�سواها مما ميكن التفكري فيه وا�ستخدامه م�ستقبل.

)4( فعلـــى عك�ـــس التوقعات، بـــني االحتاد الـــدويل للنقل اجلـــوي )اأياتا( يف

تقريـــره ال�سهـــري عـــن النقل اجلـــوي ال�ســـادر يف 24 ت�سريـــن الثاين/نوفمرب

الفائـــت، اأن منو ال�سحـــن اجلوي الدويل ارتفـــع يف ت�سريـــن االأول/اأكتوبر بعد

هبوطه منذ اأيار/مايو لتزيد حركة ال�سحن اجلوي 14.4 يف املائة عن م�ستواها

قبـــل عام. راجع يف هـــذا ال�سدد: �سحيفة االقت�ساديـــة ال�سعودية، 25 ت�سرين

الثاين/نوفمرب 2010.

)5( راجـــع مثـــل: »اليمن يتحـــول اإىل راأ�س حربـــة لهجمـــات »القاعدة« �سد

الواليات املتحدة«، �سحيفة ال�سرق االأو�سط ال�سعودية، 31 ت�سرين االأول/اأكتوبر

.2010

)6( انظـــر مثـــل املان�سيـــت العري�س التايل: »خـــرباء اأمـــن: ال�سعودية تلك

مفاتيـــح هزميـــة »القاعدة« يف اليمـــن«، �سحيفة ال�سرق االأو�ســـط ال�سعودية، 1

ت�سرين الثاين/نوفمرب 2010.

)7( املفارقـــة التي تدعو لل�سخريـــة هنا، اأن ما اأخفق فيه ال�سيا�سيني اليمنيني

وال�سعوديـــني علـــى مدى عقـــود، وهـــو الو�سول اإىل �ســـكل من اأ�ســـكال التناغم

واالن�سجام يف �سيا�ساتهما ومبا يحفظ م�سالح البلدين معا؛ جنح جمموعة من

االإرهابيـــني من مواطني البلدين يف حتقيقه ولو ب�سورة تخالف طبائع االأ�سياء

ومقت�سيـــات زمننا. وهكـــذا، فاإن التطلع اإىل �سيغة مـــا للتقارب ورمبا التكامل

بـــني اليمـــن وال�سعودية، وهو اأمر ما يزال ينظر اإليـــه اليوم ك�سرب من اخليال

يف قامو�ـــس الواقع ال�سيا�ســـي الراهن، تكن جمموعة مـــن املطلوبني اليمنيني

وال�سعوديـــني مـــن حتويلـــه اإىل »حقيقة« تنظيميـــة موؤكدة جتـــاوزت التعقيدات

اجليو�سيا�سيـــة القائمة، عربت عنها عمليـــة »اندماج« ت�سكيلتهم القاعدية يف

كيـــان اإقليمي واحـــد، لتغدو - بدورهـــا – »كابو�سا« اأمنيا متطـــاوال يحاول كل

البلـــدان درء خماطـــره عنهما ب�ستـــى الطـــرق، واإن ت�ستت االأ�ساليـــب وتفرقت

بل اأحيانا. ال�س

هوام�ض وماحظات

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 18 Relating Policy to Knowledgeا�سرتاتيجيةرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

اليمـن

ال�شيا�شة واملجتمع

بحوث واأوراق عمل املوؤمتر

الذي نظمه املركز خال الفرتة 17-18 اأيار/مايو 2010

حترير:

اأحمد عبد الكرمي �سيف

ي�شدر قريبا

عن مركز �شباأ للدرا�شات الإ�شرتاتيجية

Page 10: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 20 21ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اإن التقاريــــر التي حتكي عن زوال اليمــــن، اإذا ا�ستعرنا كلمات مارك توين،

اأمــــر مبالغ فيه اإىل حد كبري. والقــــرارات وااللتزامات التي اتخذها املجتمع

الدويل واليمنيون للعــــام املقبل، ومت التاأكيد عليها يف موؤتر لندن، واإمكانية

ا�ستمــــرار تلك االلتزامات على املــــدى البعيد هي ما �سيحدد مدى م�سداقية

هذه التقارير، وما اإذا �ستتحقق تنبوؤاتها.

فاليمن لي�ســــت دولة فا�سلة، واإمنا ه�سة، وتواجــــه العديد من التحديات –

علــــى امل�ستــــوى ال�ســــكاين وال�سيا�سي واالأمنــــي – التي لو نزلــــت بدولة اأخرى

لقو�ست اأركانهــــا. وهناك من ي�سفونها بالق�سية اخلا�سرة، وينعتونها ببوؤرة

ف�ساد تبتلع امل�ساعدات، ويوكلون احللول اإىل دول اجلوار، فيما يحولها البع�س

اإىل “جبهة ثالثة” )للحرب على االإرهاب( مع اأننا مل ننتهم بعد من اجلبهتني

االأوليتــــني يف العراق واأفغان�ستان اأو نحقق جناحا ال غبار عليه هناك. اإن من

غ ال�سابــــق الأوانه القــــول باأنها ق�سية خا�ســــرة؛ واإعلنها بوؤرة ف�ســــاد اأمر يبالم

يف حجــــم وثبــــات م�ساعداتنــــا حتــــى االآن؛ وم�ساألة توكيــــل دول اجلوار يعترب

تن�ســــل عن امل�سئولية وهذا له انعكا�ساته؛ واأما فتح جبهة ثالثة فهو احلماقة

بعينها. والواليات املتحدة، اإىل جانب ال�سركاء الدوليني، تتلك القدرة على

م�ساعــــدة اليمن للبتعاد عن �سفا الكارثــــة اإذا ما رغبت يف توجيه املوارد –

املاليــــة وال�سيا�سية – بطريقة اإ�سرتاتيجيــــة �ساملة وم�ستدامة ومن�سقة تتعلم

الدرو�ــــس ال�سحيحة التي جندها يف اجلبهتــــني االأوليتني، وتتفهم التحديات

التــــي تواجهها اليمن وال�سياق التاريخي الــــذي ما زال موؤثرا، وتقيد االندفاع

املتهور الرامي اإىل تطبيق مناذج خاطئة للدول اله�سة والفا�سلة.

اإن التحديات االأ�سا�سية التي يواجهها اليمن تتمثل يف احلاجة اإىل املوارد

الطبيعيــــة املهمة – الطاقة وامليــــاه – ونق�س اأهلية الدولة والقدرة الب�سرية،

ولي�س انعدام الرغبة. وال يغيب عن بال احلكومة اليمنية التهديد الذي ي�سكله

تنظيــــم القاعدة يف �سبه جزيرة العرب، لكن هــــذا التهديد لي�س خطرا على

اليمــــن وحدها، وال ميثــــل تهديدا م�سرييا )حتــــى االآن(، وال يعادل املخاطر

املتاأ�سلة التي ت�سكلها املوارد الطبيعة والقدرة اليمنية.

اليمن والعامل

اإعـــــادة التفكري يف اليمن

تو�سيات لل�سيا�سة الأمريكية

ال�سفرية )املتقاعدة( باربرا بودين حما�سرة ودبلوما�سية مقيمة يف كلية وودرو ويل�سون لل�سوؤون العامة والدولية، جامعة برين�ستون. �سبق لها اأن عملت �سفرية للواليات

Center for Complex ال�سادرة عن مركز العمليات املعقدة ،PRISM ر يف جملة – 2001. واملقال يف االأ�سل ن�سم املتحدة لدى اجلمهورية اليمنية خلل الفرتة 1997

.58 – Operations بوا�سنطن، عدد حزيران/يونيو 2010، ال�سفحات 43

باربرا بودين

عني على اليمن

حتليلت

فـي 60 يوما وجهات نظر

اإن املقاربــــة التــــي تركز على االأمن لن تكون كافيــــة اأو ناجحة للتعاطي مع

م�ساحلنا االأمنية املبا�ســــرة اأو مع التحديات التي تواجه ا�ستقرار اليمن على

املدى املتو�سط والطويل. فاجلهــــود املبذولة على امل�ستوى االأمني التي ال تتجه

ناحية حتقيق اال�ستقرار املبني على ال�سرعية تتجاهل الدر�س االأ�سا�سي الذي

تعلمناه يف العراق واأفغان�ستان.

البــــد اأن تعي ال�سراكة مــــع اليمن حلرمان “القاعــــدة يف جزيرة العرب”

مــــن احل�سول على ملذ اآمن على االأرا�ســــي اليمنية و�سل قدرتها على العمل

بح�سانــــة �سد امل�سالــــح اليمنية اأو الدولية، اأن اليمــــن تواجه حتديني اأمنيني

متناظريــــن اإن مل يكونا اأكرب مــــن التحديات املذكورة اآنفــــا، وهما: التمرد يف

ال�سمال واحلراك االنف�سايل املتوا�سل يف اجلنوب.

اإن الدافــــع وراء املخاطــــر يف ال�سمال واجلنوب اقت�ســــادي اأكرث من كونه

اأيديولوجــــي. وال ميكــــن حل تلك االإ�ســــكاالت ع�سكريا؛ فهــــي تتطلب اأكرث من

الــــرد “االإن�ســــاين” اأو ترتيبات تقا�ســــم ال�سلطة. واأف�سل ال�سبــــل للتعاطي مع

تلــــك املخاطــــر يتاأتى من خلل ترك جهــــود الو�ساطة ل�ســــركاء اإقليميني لي�س

لهــــم اأجندة مبا�ســــرة يف البلد اأو تاريخ ت�سوبه االإخفاقــــات، ومن اأمثال اأولئك

ال�سركاء دولة االإمارات العربية املتحدة.

�سوف تزيد ن�سبة االمتعا�س اإزاء الواليات املتحدة وحلفائها بالقدر الذي

يرى فيه ال�سعب اليمني اأن وجودنا وجهودنا املبذولة يف بلدهم نابعة من كونه

“جبهــــة اأمريكية ثالثــــة” للحرب �سد القاعدة فح�ســــب، دون اأن يروا التزاما مماثــــل جتــــاه اليمن و�سعبه. وبالفعــــل توجد هناك مناه�ســــة الأمريكا تعك�س

االإحبــــاط وخيبة االأمل مــــن ال�سيا�سة االأمريكية يف اليمــــن وجتاهها – مبا يف

ذلك م�ستويــــات الدعم امل�سطربة اإىل حد كبري خلل االآونة االأخرية – بقدر

الكراهية جتاه تنفيذ العمليات الع�سكرية االأمريكية يف املنطقة.

اإن اإ�سرتاتيجيتنــــا االقت�ساديــــة والتنمويــــة املعلنــــة تعــــد وجها مــــن اأوجه

التح�ســــني ولكنهــــا لي�ست حل ناجعــــا. ولكي ت�سبح هــــذه االإ�سرتاتيجية فعالة

ومعقولــــة يجب حت�ســــني ال�سورة اخلارجيــــة الأمريكا، وتقــــدمي الدعم املادي

وااللتزام امل�ستمــــر جتاه تنفيذ الربامج االأمنية، اإذ يجب اأن تعمل على تطوير

مفاهيم احلوكمة والدولة والقدرة الب�سرية على امل�ستويني الوطني واملحلي.

االرتبــــاط الوا�ســــع وامل�ستدام ال ميكن اأن يكون - وال يجــــب اأن يكون - هو

العمــــل الوحيد للواليات املتحــــدة. ويف الواقع تعترب الواليــــات املتحدة متربعا

�سغــــريا لليمن. ومــــع ذلك علينا اأن نعــــي حمدودية وعواقب توجيــــه �سيا�ستنا

وجهودنا اإىل عا�سمة ثالثة.

منذ زمن طويل عندما كنت �سفرية للواليات املتحدة لدى اليمن اأتى لزيارتنا

اأحــــد كبار م�سئويل االحتاد االأوروبي، واأثنــــاء تناول وجبة الع�ساء مع عدد من

�سفراء الدول ومدراء املنظمات املتربعة الكربى ت�ساءل عما اإذا كنا متفائلني

اأم مت�سائمني اإزاء م�ستقبل اليمن. وبعد اأن �سردنا جمموعة من االإح�سائيات

الكئيبــــة انتهى اإىل اأننا جميعنا مت�سائمني. اإن اليمن دولة كبرية، رمبا بحجم

فرن�ســــا اأو تك�سا�ــــس، وتتخللهــــا مرتفعات جبليــــة وعرة وموح�سة، كمــــا اأن بها

ه�ســــاب يف ال�سمــــال و�سحراء يف الداخــــل. اأما عدد �سكانهــــا فيرتاوح ما بني

20 و25 مليون ن�سمة، اأي ما يعادل اأو يزيد عن �سكان باقي دول �سبه اجلزيرة

العربيــــة جمتمعــــة، وتغلب فيــــه كثريا فئــــة ال�سباب وغري املثقفــــني، وما زال

عــــدد ال�سكان ينمو مبعدل مذهل. كمــــا اأن اليمن تفتقر ملوارد طبيعية كافية

لرعايــــة �سعبها وتويل اإيرادات الدولــــة وت�سدير منتجات قيمة وذات مغزى.

وباملثل تفتقر اإىل االأرا�سي الزراعية واملياه ال�سطحية والبرتول. وبالنظر اإىل

انعكا�ســــات هذه العوامــــل كلها وتبعاتها، فــــاإن البنى احلكوميــــة تواجه عجزا

ماليــــا وتنمويا مــــا يجعلها غري قادرة على توفري اخلدمــــات االأ�سا�سية والبنية

التحتيــــة الأغلبية ال�سعب. عــــلوة على ذلك، تعاين الدولة مــــن تف�سي الف�ساد

على امل�ستويني املهني والتعاقدي، خا�سة يف اأو�ساط املوؤ�س�سة الع�سكرية.

ي�ساف اإىل هذه امل�ساكل املزمنة ثلثة حتديات اأمنية خطرية، وهي: التمرد

احلوثــــي يف ال�سمــــال، واحلــــراك يف اجلنوب، وتنظيــــم القاعــــدة، ولكل منها

ما�سي يعود اإىل عقود من الزمان؛ وهذا ما يجعل احلكومة اليمنية تبدو دولة

فا�سلــــة رغم اأنهــــا لي�ست كذلك. وقــــد كان ردنا مل�سئول االحتــــاد االأوروبي اأنه

بالرغم من وجود الت�ساوؤم لكن ال وجود للجربية يف قامو�سنا ال�سيا�سي.

مناذج ب�ســيطة وحلول مب�ســطة لكل دولة فا�سلة

طريقتها اخلا�سة يف الف�سل. وهناك مناذج ب�سيطة ن�ستمدها من دول اأخرى،

طة: ومنها ن�سل اإىل حلول مب�س

العراق: تغيب يف اليمن اخللفات الطائفية التي جندها يف العراق والتي

اأدت اإىل تدمــــريه، حيــــث اأن اليمنيني لي�سوا �سنيني وال �سيعة وال وهابيني؛ ففي

ME

Arc

hiv

E

Page 11: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 22 23ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ال�سمــــال جند الزيدية، وهي طائفة مــــن ال�سيعة اأقرب يف معتقداتها الدينية

اإىل اأهــــل ال�سنة االأوائل اأكرث منهــــا اإىل ال�سيعة االأوائل. اأما يف جنوب اليمن،

ابتداء من اإب وتعز من جهة اجلنوب، فنجد ال�سافعية، وهي طائفة من اأهل

ال�سنة لهم خ�سائ�س اأقرب اإىل ال�سيعة. وعلى العك�س مما هو عليه احلال يف

كثري من باقي دول العامل العربي، جند اأن املذهب الزيدي هو املذهب ال�سائد

يف اليمــــن �سيا�سيا وفكريــــا منذ عهد اآخر االأئمة حتــــى الدولة احلالية. ومن

اخلطــــاأ اأن ننظــــر اإىل العنف احلوثي يف ال�سمال فقط مــــن املنظور الطائفي

اأو التفاعــــل معه وكاأنه حرب وكالــــة �سعودية - اإيرانية. ومع اأن هذا االحتمال

قائم، لكنه لي�س بالق�سية الو�سيكة وال بالنتيجة احلتمية. وعلى نف�س املنوال،

�سيكــــون ت�سويها وحتريفا للحقيقــــة اإذا نظرنا اإىل التوتــــرات االنف�سالية يف

اجلنوب على اأنها معركة زيدية - �سافعية.

اأفغان�ســتان: تغيب يف اليمــــن الفوارق العرقية/اللغويــــة التي تت�سف بها

اأفغان�ستان والعراق. فبالرغم من االختلفات االإقليمية والتجارب ال�سيا�سية

الفريدة – كما هو مو�سح اأدناه – اإال اأن هناك ح�سا قويا جتاه الهوية اليمنية

والتقاليــــد الت�سامنية. وعلى النقي�س مــــن املزاعم التقليدية اجلديدة، جند

اأن �سلطة الدولة تتد اإىل ما بعد العا�سمة.

ال�ســومال: تغيــــب يف اليمــــن ثقافــــة العنــــف الع�سائــــري الــــذي جنده يف

ال�سومال، اأو لدى جتار احلروب يف اأفغان�ستان. وعادة ما يو�سف اليمن باأنه

جمتمع قبلي؛ لكن ال ينبغي اأن نفهم اأن هذه القبائل عبارة عن هياكل هرمية

لهــــا �سلطــــة قيادية قويــــة اأكرث من اأنها بنــــى اأ�سرية تربطها علقــــات اأفقية.

اأي�ســــا ال نن�س اأن توايل حقبة اال�ستعمار الربيطاين وفرتة 25 �سنة من النهج

املارك�ســــي، قد ق�ست على البنيــــة القبلية يف اجلنوب. فــــل ينبغي اأن نذهب

للبحــــث عــــن �سريك من “اأبناء اليمن”، حيث اأن هناك الكثري من املرونة يف

املجتمــــع اأكرث مما قد يوحي لنا اللفظ “قبلي”، وتوجد م�ساركة تقليدية اإىل

حد بعيد ولكنها فعالة وتت�سف بامل�سئولية.

وتعتــــرب اليمــــن اأكــــرث تطــــورا �سيا�سيــــا من هــــذه الــــدول الثــــلث )العراق

واأفغان�ستــــان وال�سومال(. كما اأن الكوجنر�س االأمريكي، واالإدارة االأمريكية

ال�سابقة واحلالية، واملنظمات الكربى الداعمة للدميقراطية تعترب اأن اليمن

دميقراطية نا�سئة. ويف ظل جتربة 20 �سنة من االنتخابات، التي تت�سم اإىل حد

معقــــول باحلرية والنزاهة و�سدة املناف�سة، مبا يف ذلك االنتخابات الرئا�سية

االأخــــرية، والتعدديــــة احلزبية وحــــق االنتخاب العاملــــي لكافة اأبنــــاء ال�سعب

ووجود جمتمع مدين قوي، فاإنه ميكن القول اإن التجربة الدميقراطية لليمن

تعد ه�سة وال تخلو من العيوب، لكنها يف نف�س الوقت دميقراطية

حقيقية، واالأهم من هذا اإنها بالفطرة.

م�سائل تاريخية: اأر�ض قابيل وهابيل

عندمــــا كنــــت اأعمــــل يف العراق �سنــــة 2003 قــــال يل اأحد كبار

امل�سئولــــني االأمريكيــــني، بعد اأن حاولت اإقحــــام قليل من التاريخ

العراقــــي يف النقا�س، اإننا “اأذكى مــــن التاريخ”. واحلقيقة اأننا

ل�سنــــا كذلــــك، والتاريخ لي�ــــس بديــــل للتحليل غــــري اأن ال�سيا�سة

التــــي يغيب عنها فهم التاريخ ي�سوبها اخلطاأ اإىل درجة خطرية،

وتزداد خطــــورة ذلك الغياب اإذا ما كان يف جمتمع معقد وعتيق

كاملجتمع اليمني.

ومــــع اأن م�ساألــــة حدودهــــا الدولية مــــع ال�سعودية قــــد ح�سمت

اأخــــريا منذ ع�سر �سنــــوات اإال اأن اليمن ال تعتــــرب كيانا م�سطنعا

خلفــــه العهــــد اال�ستعمــــاري، فما�سيهــــا ميتــــد اإىل اآالف ال�سنني

ولي�ــــس جمرد عقــــود اأو قرون من الزمــــان، ولها

تاريــــخ مهم ويبعث على الفخر يعــــود اإىل ما قبل

االإ�سلم، فهي اأر�س ملكة �سباأ والرجال احلكماء

الثلثــــة وعدد من املمالــــك اليهودية، وهي اأي�سا

التي دفن فيها – االأر�س البع�س – كمــــا يقول قابيل وهابيل.

كمــــا اأن ميناء عدن له مكانــــة كبرية ملا يقارب

نف�س الفرتة، وهناك دليل علــــى الوجود الروماين لفرتة وجيزة وغري مثمرة

بقــــرب امليناء، وكونها كانت تثل اإحــــدى اجلواهر يف التاج الربيطاين، فقد

عملــــت كمحطــــة كبرية لتزويــــد ال�سفن بالفحــــم الأكرث من قــــرن. اأما اجلزء

ال�سرقــــي مــــن البلد، خا�سة ح�سرمــــوت، فقد كانت حمميــــة فقط، وانتهت

املحاوالت العثمانية لل�سيطرة على ال�سمال بعد تكرر ف�سلها.

واأ�سبــــح علي عبــــد اهلل �سالح رئي�سا ل�سمــــال اليمــــن )اجلمهورية العربية

اليمنيــــة( عــــام 1978 بعد اغتيال الرئي�ســــني ال�سابقني، اأحدهمــــا على اأيدي

عنا�ســــر من اجلنوب واالآخــــر على اأيدي عنا�سر من دولــــة اأخرى، وذلك يف

غ�سون ت�سعة اأ�سهر )لقد اغتيل رئي�س اليمن اجلنوبي يف نف�س الفرتة الزمنية

مــــن قبل مناف�سه املت�ســــدد امل�سئول عن مقتل الرئي�ــــس ال�سابق لعلي عبد اهلل

�سالــــح(. وبعد ثمانيــــة اأ�سهر، اأي يف مطلع 1979، قــــام اجلنوب مدعوما من

ال�سوفيــــت وحلفائها، من �سمنهم كوبا، بغزو �سمــــال اليمن، وهو ما اأدى اإىل

حتليلت اليمن والعامل

علينا اأن ندرك اإننا نتعامل مع دولة ذات �ســيادة ولي�ض دولة فا�ســلة، بل اإنها

دولــة قد اأثبتت اأنها �ســريك مقبول اإن مل يكن قــادرا على الدوام. لذا علينا

العمــل مــع احلكومة كاملة واأن ال ننتظر يوما معينا اأو حتقيق ب�ســعة معايري

دون تقدمي امل�ساعدة والدعم الذي حتتاجه تلك الدولة لبلوغ تلك املعايري

ME

Arc

hiv

E

قيــــام خط جوي للتموين الع�سكري االأمريكي املكثف اإىل ال�سمال والدعم من

قبــــل عدد كبري من الدول العربيــــة، ومنها م�سر واالأردن وال�سعودية. وخلل

الفرتة من 1976 حتى 1978 كان اجلنوب اأي�سا يدعم تردا يف ال�سمال. وما

ورثــــه علــــي عبد اهلل �سالح عام 1978 ونا�سل من اأجلــــه حتى الثمانينيات هو

قيام دولة كانت تتد ب�سكل اأ�سا�سي على طول الطرق التي تربط �سنعاء وتعز

واحلديــــدة، وكانت تعتمد اقت�ساديا على التحويلت املالية التي كان ير�سلها

اأكرث من مليون عامل ميني يف املهجر. وكانت احلدود اجلنوبية مع جمهورية

اليمن الدميقراطية ال�سعبية متقلبــــة، اأما احلدود مع ال�سعودية املمتدة على

طول 2000 ميل فقد كان عليها تناف�س وظلت دون تر�سيم.

وما يزيد حتديات التواريخ ال�سيا�سية تعقيدا اأن الوحدة اليمنية عام 1990

– التي هي من مبادئ االإميان وتو�سل اإليها قادة ال�سطرين عن طريق احلوار

– مل تكن بني طرفني متكافئني. فقد كان �سكان اليمن ال�سمايل، الذي عانى مــــن الفقر والتخلف، ي�سل اإىل حوايل 15 مليــــون ن�سمة مقابل مليوين ن�سمة

يف اجلنــــوب. وبتخلــــي راعيهــــا واملح�سن اإليهــــا – االحتــــاد ال�سوفيتي – فقد

تدهــــورت حالة دولــــة اجلنوب كميناء كبــــري نظرا الإغلق قنــــاة ال�سوي�س يف

1967، وتركت بنيتها الربيطانيــــة تنهار، وازداد عدد موظفيها اإىل 300.000

قبيــــل الوحــــدة. علوة على ذلك، كانت دولة منبــــوذة دوليا يف ظل ت�سنيفها

الر�سمي واعتبارها الدولة االأوىل الداعمة للإرهاب الدويل والذي اأعتمد اإىل

حد كبري على �سبكة من املع�سكرات التدريبية للجماعات االإرهابية املارك�سية

ذات اللغــــة املعقــــدة. وكانت الوحدة تعني زيادة االأر�ــــس اإىل ما يقارب ثلثة

اأ�سعــــاف، لكــــن اجلنوب جلب اإىل الوحــــدة فوائد قليلة واأعبــــاء ديون كثرية،

باالإ�سافة اإىل توقعات كبرية.

وتعتــــرب الوحدة اليمنيــــة اأكرث من جمــــرد التحام بني اجلمهوريــــة العربية

اليمنيــــة املعادية للنظام امللكي وبني جمهورية اليمــــن الدميقراطية ال�سعبية

املارك�سيــــة اللينينيــــة البائدة لتخلــــق اجلمهورية اليمنية، بــــل هي عبارة عن

وحدة ما ال يقل عن ثلث ثقافات �سيا�سية متميزة وذكريات تاريخية.

اأوال، كانت الت�ساري�س الوعرة يف اليمن ال�سمايل تخ�سع حلكم ديني زيدي

وراثــــي منغلق عــــن العامل اخلارجي حتى ثورة اجلمهوريــــني عام 1962، وهي

املناطــــق املرتفعــــة واله�ساب التــــي يعي�س فيهــــا اأغلبية النا�س علــــى الزراعة

يف قــــرى �سغرية متباعــــدة. وقد ت�سوهــــت بداية تاريخ اجلمهوريــــة بعمليات

االغتيــــاالت واأحــــداث التمــــرد املارك�سي وحماوالت االنقــــلب والغزو – وكل

ذلــــك كان ب�سبب الدول املجاورة، حيــــث كانت ال�سعودية تدعم امللكيني بينما

�ساندت م�سر اجلمهوريني. وتعتــــرب الثورة هي اللحظة احلا�سمة يف التاريخ

اليمني احلديث.

ثانيــــا، ولكونهــــا م�ستعمرة بريطانيــــة وعا�سمة لليمن اجلنوبــــي املارك�سي،

كانت عــــدن مدينة حديثة ن�سبيــــا وتزدحم بال�سكان وكانــــت تخ�سع مبا�سرة

حلكــــم بريطانيــــا الأكرث من مائــــة عام. ويقــــع ميناء عدن، الــــذي يعترب اأحد

اأف�سل املوانئ الطبيعية يف العامل، على جانبي باب املندب عند مدخل البحر

االأحمــــر، ويبعد عن �سنغافــــورة ودربني وم�سيق جبل طــــارق ب�سكل مت�ساوي.

وظل ميناء عدن حتى فرتة طويلة يف القرن الع�سرين من بني املواين الع�سرة

االأكــــرث ازدحاما يف العامل. لكن بحلول 1990 اأ�سبــــح من ال�سعب املبالغة يف

الثناء ب�ساأن اأهمية امليناء.

ثالثــــا، كانــــت هناك حــــوايل 23 �سلطنة واإمــــارة تقع اإىل ال�ســــرق من ميناء

عدن وخ�سعت للو�ساية الربيطانية خلل فرتة الثمانينيات والت�سعينيات من

القرن التا�سع ع�سر وحتى فرتة ال�ستينيات من القرن الع�سرين. والأنها كانت

قليلة االزدحــــام بال�سكان وتتبــــع �سيا�سة تقليدية وحمافظــــة اجتماعيا، فقد

ــــح لها اإىل درجة كبرية باحلكم الذاتي حتــــت ال�سيطرة الربيطانية، ومل �سمم

تكن على وفاق مع عدن يف االأحداث التي قادت اإىل اال�ستقلل عام 1967 وما

بعــــده. وظلت هنــــاك بع�س ال�سغائن بني اأبناء االأ�ســــر التي حكمت املحميات

ومن تبقــــى من املخلوعني من احلكومة املارك�سيــــة التي انتهت بحرب �سيف

1994 االأهلية، وهي احلرب التي تلقي بظللها على البلد اليوم.

الواليات املتحدة واليمن يف ظل االنعزال الذاتي

للنظام االإمامي وال�سيطرة الربيطانية على عدن، جتاهلت الواليات املتحدة

�سطــــري اليمن نظرا لتاريخهما احلديث با�ستثناء اأحد املجاالت املهمة، وهو

برنامج املنح الدرا�سية االأمريكي يف اأواخر االأربعينيات واخلم�سينيات، حيث

قدمــــت منحة الأربعني �سخ�ــــس، معظمهم من الزيــــود، للدرا�سة يف الواليات

املتحــــدة. وقد عادوا جميعا تقريبا اإىل اليمــــن ولكنهم مل يجربوا حظهم مع

امللكيــــني واإمنا عملــــوا ل�سالح بلدهم كاأخ�سائيني تقنيــــني ووزراء حكوميني،

وكانــــوا عن�سرا اأ�سا�سيا للثــــورة ال�سيا�سية يف اليمن خــــلل اخلم�سني ال�سنة

التي تلت، وهي الثورة التــــي توارثتها االأجيال املتعاقبة. وقد اعرتف الرئي�س

جــــون اإف. كينيــــدي بالنظام اجلمهــــوري يف ال�سمال عــــام 1962 بعد حوايل

ثلثة اأ�سهر من الثورة رغم رف�س الربيطانيني والفرن�سيني وال�سعوديني. ومع

انهيار االحتاد ال�سوفيتي واأحداث ميدان تينامنن يف ال�سني وحتقيق الوحدة

االأملانية، وجمموعة من االأحداث االأخرى عامي 1989 و1990، بالكاد الحظت

الواليــــات املتحدة الوحدة الهادئة بني �سطري اليمن، لكنها دعمتها فيما بعد

بقــــوة وعلنية �سد املكايد التي حاكتها الدول املجاورة خلل احلرب االأهلية

الق�سرية عام 1994.

ومنذ اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب نظرت الواليات املتحدة اإىل

اليمــــن على اأنه �سريك بنــــاء �سد االإرهاب، وقد اأعطــــى رئي�س هيئة االأركان

امل�سرتكــــة االأدمــــريال مايكل مولن وغــــريه اليمن علمــــات اال�ستح�سان. اأما

الكبوة التي حدثت يف منت�سف عام 2000 )املق�سود تفجري املدمرة االأمريكية

)املحرر(( فمرجعها اإىل حد ما التقاع�س االأمريكي ميناء عدن “كول” يف يف الرتكيــــز بعد غزو العــــراق، وكذلك نتيجة ملا حدث داخل اليمن نف�سها مع

بدايــــات التمــــرد احلوثي يف 2004، وتدفــــق الكثري من عنا�ســــر القاعدة اإىل

اليمــــن بعد ت�سييق اخلناق عليهم من قبل الريا�س ردا على �سل�سلة االأحداث

االإرهابية يف اململكة.

كمــــا تزامن الدعــــم اليمني للعراق اأثنــــاء احلرب االإيرانيــــة العراقية، مبا

يف ذلــــك املقاتلني اليمنيني يف اخلطوط االأماميــــة واملجاهدين اليمنيني �سد

ال�سوفيــــت يف اأفغان�ستــــان )وعــــدد منهم جاء مــــن اجلنوب(، مــــع �سيا�سات

اأمريكية واإقليمية اآنــــذاك، فاأ�سبح ذلك الدعم مبثابة عوائق اأمام العلقات

فقط اإذا ما اأعدنا النظر اإىل اأحداث املا�سي.

ووراء ذلك برزت اليمن كلعب ثاين يف احلرب الباردة االأ�سمل وال�سيا�سات

االإقليميــــة. اأما م�سر فقــــد اتخذت موقف املقاتل �ســــد ال�سعودية ب�ساأن ثورة

اجلمهوريني، لكن امل�سريني ان�سحبوا عام 1967 عقب هزميتهم يف حربهم مع

اإ�سرائيــــل )ويف تلك املرحلة كان اجلمهوريون قد تغلبوا فعليا على امللكيني(.

وقــــد عك�س تدخل اليمــــن اجلنوبي يف ال�سمال التوتــــرات امل�ساحبة للخلف

Page 12: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 24 25ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حتليلت اليمن والعامل

الــــدويل بني ال�سرق والغــــرب بقدر ما عك�س التوتــــرات امللزمة للخلف بني

�سمــــال اليمن وجنوبه، بينما عك�س القرار االأمريكي لتقدمي الدعم الع�سكري

املكثــــف لل�سمال عــــام 1979 ل�سد الغــــزو اجلنوبي، االأحــــداث يف اأفغان�ستان

والقــــرن االأفريقــــي بقدر ما عك�س وجود اهتمام حقيقــــي ب�سمال اليمن )لقد

كان اإر�ســــال معدات ع�سكرية وتنفيذ اأن�سطة تدريبية وا�ستخبارية وغري ذلك

من دعم عبارة عن خطوة حكيمة مقارنة باملقرتح اخلاطئ واملبالغ فيه الذي

كان يــــدور على م�ستويات عالية يف وا�سنطن اآنذاك الإر�سال قوة حممولة جوا

واأ�سدقاء “الإيقاف التو�سع ال�سيوعي هناك”(.

اأمــــا الدعم التنموي االقت�سادي االأمريكي والتعــــاون االأمني مع اليمن فهو

متقلب ومتقطع، وبعد خط التمويل اجلوي عام 1979 تركت الواليات املتحدة

القــــوات الع�سكرية اليمنية، وكانــــت ال تزال بع�س تلك املعدات �سمن تر�سانة

القوات اليمنية عندمــــا ذهبت اإىل اليمن ك�سفرية بعد ع�سرين عاما تقريبا.

بعدهــــا اأخــــذت امل�ساعدات االقت�ساديــــة تزداد وتنخف�ــــس، وكانت يف اأف�سل

حاالتها اأثناء برنامج فيلق ال�سلم الفاعل والذي ال زال يف الذاكرة، والدعم

الكبــــري للتطوير الزراعي وبرنامج املنح الدرا�سية الن�سط. ويف اأوقات اأخرى

و�سل معدل الدعم اإىل درجة ال�سفر.

ويف اأواخــــر الت�سعينيات مل يكن هناك اأي برنامج تنموي فعلي، وال موظفني

للوكالــــة االأمريكيــــة للتنميــــة الدوليــــة )USAID(، وال فيلق �ســــلم، وال منح

درا�سية. وغالبا ما يعزا ذلك االنخفا�س ال�سديد اإىل قرار اليمن بالت�سويت

عــــام 1990 �سد قرار جمل�س االأمن املتعلــــق بعمليات درع ال�سحراء/عا�سفة

ال�سحــــراء، واإىل حــــرب 1994 االأهليــــة. لكــــن مل تكن اليمن الدولــــة العربية

الوحيــــدة التي اعرت�ست على العمــــل الع�سكري لتحرير الكويت، فقد اتخذت

االأردن وتون�ــــس نف�ــــس املوقف. اأمــــا احلرب االأهليــــة فلم تدم �ســــوى �سهرين

علــــى االأكرث، ومل تكن تثل اأي تهديد خطــــري اأو مبا�سر اأو م�ستمر للموظفني

االأمريكيــــني يف اليمــــن. لكن اليمن فقــــط فاتت بهدوء نطــــاق �سا�سة الرادار

االأمريكــــي، فلــــم تكن هناك م�سلحــــة اقت�سادية كبــــرية وال اأمنية )للواليات

املتحــــدة(. ومل يكــــن هذا نتيجــــة للتجاهل احلقــــود وال احلميــــد واإمنا فقط

اللمباالة.

وبحلــــول عــــام 2001 و�سلت االإعانة االأمريكية اإىل حــــوايل 50 مليون دوالر،

وعــــاد برنامج التنمية الدوليــــة ر�سميا عام 2003، لكن معدل الدعم مل ي�سل

اإال ملبلــــغ 14.8 مليــــون دوالر عام 2005، وانخف�س اإىل مبلــــغ زهيد لي�سل اإىل

9 مليــــون دوالر عــــام 2006، ثم ارتفع ببطء حتى و�ســــل 20 مليون دوالر واالآن

40 مليــــون دوالر مــــع التزام لفرتة ثلث �سنــــوات. وال ي�ستطيع اأحد – ال جهة

متربعــــة وال منظمة غري حكومية اأو دولة م�ست�سيفة – اإعداد وتنفيذ برنامج

ناجح حتى واإن كانت ميزانيته تنعم بزخم كبري.

وقــــد كانت مهمتــــي خلل فرتتــــي ك�سفرية، مــــع الدعم الكامل مــــن وزارة

اخلارجية االأمريكية واجلرنال اأنتــــوين زيني يف القيادة املركزية االأمريكية،

هــــي اإعــــادة بنــــاء العلقــــات بني البلديــــن على اأو�ســــع نطاق ممكــــن، مبا يف

ذلــــك التعــــاون االأمني املعــــزز ودعم الدميقراطيــــة ال�سامل واإعــــادة برنامج

املنح الدرا�سيــــة وتطوير التنمية االقت�سادية واأخــــريا اإن�ساء خفر ال�سواحل.

وبالن�سبــــة لليمنيني مل يكن االعتداء على املدمــــرة االأمريكية “كول” اعتداء

علــــى الواليــــات املتحدة فح�سب بــــل اأي�سا مبثابــــة اعتداء عليهــــم هم، وعلى

العلقات التي بداأت تتغري.

التحديــات اليمنيــة واخليــارات االأمريكيــة لي�س

من ال�سعب تثبيط حما�ســــة اأي �سخ�س يف ظل م�ساعفة الدعم االقت�سادي

ال�سنــــوي االأمريكــــي املعلن عنــــه لي�ســــل اإىل 40 مليــــون دوالر اإىل جانب 120

مليــــون دوالر للدعم الع�سكــــري. واإذا ما قبلنا باأن هنــــاك ما يقارب 100 اإىل

200 عن�ســــر من عنا�سر “القاعدة يف جزيرة العرب” يف اليمن، وما يقارب

20 اإىل 25 مليــــون مينــــي ال ينتمون اإىل هــــذا التنظيم، فاإننا نكــــون قد رفعنا

م�ستــــوى الدعــــم لليمنيــــني الذين ال ينتمــــون اإىل القاعدة من اأقــــل من واحد

دوالر يف ال�سنــــة لكل مينــــي اإىل �ستني دوالرا، وخ�س�سنــــا اأكرث من 500.000

دوالر يف ال�سنــــة ملحاربة “القاعــــدة يف جزيرة العرب” )لو�سع هذا االأمر يف

�سيــــاق اآخر، جند اأن حمطــــة NBC االأمريكية قد دفعت لكونــــان اأوبريان 45

مليون دوالر لريحل عن املحطة(. ولي�س هناك ارتباط مبا�سر بني الدوالرات

املقدمــــة وم�ستــــوى احلكــــم الفعال والدعــــم املقــــدم لعملية التنميــــة والدعم

الع�سكــــري، وهــــذا ال يب�سر بخــــري، وال يدل علــــى الفطنة، ولن يجــــدي نفعا.

يواجه اليمن اأربع حتديات فعلية:

املياه: حمدودة، وغري كافية، وتن�سب ب�سرعة.

الطاقة: حمدودة، وغري كافية، وت�ستهلك ب�سرعة.

ال�سكان: غري حمدود على ما يبدو، وكثري، ويزداد ب�سرعة.

البنية التحتية ال�سيا�سية: حمدودة، وغري كافية، ومعر�سة للتدهور.

امليــاه: هنــــاك تقارير تتداول منذ عقود من الزمــــان اأن املياه اجلوفية يف

اليمــــن، اأو على االأقل يف حو�س �سنعاء، على و�سك الن�سوب، و�سيتحقق ذلك

يوما مــــا، ولكن ال اأحد يدري متى بال�سبط، فالطلب على املياه يتجاوز كثريا

قــــدرة االأمطار املو�سميــــة يف اأن تعو�س املياه امل�ستهلكــــة، كما اأن و�سائل الري

العتيقــــة والوقود املدعوم للم�سخــــات يزيد من تفاقم امل�سكلــــة. اأي�سا تواجه

خمططات حتليــــة املياه عراقيــــل التكاليف الباهظة لنقل امليــــاه يف االأنابيب

عــــرب ال�سل�سل اجلبلية العديدة اإىل املناطق ال�سكانية والزراعية التي ترتفع

حــــوايل 4.000 اإىل 8.000 قدم فــــوق �سطح البحر. ومقرتحــــات البع�س بنقل

ال�سعــــب اليمنــــي قاطبــــة اإىل املناطق ال�ساحلية غــــري قابلة للنقا�ــــس هنا، اإذ

اأن التكاليــــف املالية واالرتــــدادات االجتماعية وال�سيا�سيــــة ملثل هذه اخلطوة

�ستكون كارثية.

ومــــن املمكن تخفيف ال�سغط على املوارد املائية عن طريق رفع الدعم عن

الوقود، لكن اجلهود املتكررة خلل اخلم�سة ع�سر عاما املا�سية قوبلت بردة

فعل عامة قوية وعنيفة اأحيانا، وكذلك مبعار�سة فعالة من قبل اأولئك الذين

ي�ستفيدون – وبع�سهم بطريقة غري �سرعية – من ا�سترياد الوقود. و�سي�سمح

الري املح�ســــن بتوفري بع�س املياه لكنه لن يوؤجل اليــــوم املحتوم. واملناق�سات

التي تــــدور حول ا�ستبدال حم�سول القات)*( تت�ســــف باأنها وعظية اأكرث من

كونها ح�سابات مدرو�سة لكمية املياه التي يتطلبها املح�سول اجلديد اأو اخللل

االقت�سادي املحتمل الذي قد ي�سببه ا�ستئ�سال القات بطريقة خاطئة.

الطاقــة: ال ت�ســــارك اليمن جريانهــــا بنعم النفط اأو الغــــاز التي يتمتعون

بهــــا، فلي�س لديها �ســــوى ما هو يف طريقه اإىل التناق�س ويقع يف مناطق نائية

و�سعبــــة الو�سول، اأو ما قد ي�ستهلكه الطلــــب املحلي املتزايد. واإذا نظرنا اإىل

ذلك من املنظور املنطقي، فاإن احتياطي اليمن من النفط يقدر بثلثة مليار

برميــــل، وهو ما يعــــادل تقريبا ن�سف ما لدى عمان، مــــع اأن ال�سعب العماين

ال ي�ســــاوي �ســــوى ع�سر ال�سعــــب اليمني. اأما العــــراق، التي بهــــا نف�س الكثافة

ال�سكانيــــة، فتمتلك ما يقارب 115 مليار برميل مــــن النفط، ف�سل عن املياه

واالأر�ــــس ال�ساحلة للزراعة. ومع ذلك فاإن قطاع النفط يف اليمن يوفر %90

من اإيــــرادات الت�سدير و75% من اإيرادات الدولــــة. ويقدر البنك الدويل اأن

اإيرادات الدولة من النفط والغاز �ستنخف�س اإىل درجة ال�سفر بحلول 2017،

غري اأن اللحظة احلا�سمة �ستحل قريبا. كما اأن اإيرادات �سركة النفط والغاز

الطبيعــــي اليمنيــــة لن تعو�س العجز الــــذي �سي�سببه االنخفا�ــــس الو�سيك يف

�ســــادرات النفط. �سحيح اأن اليمن قد اأعربت عــــن رغبتها يف اإنتاج الطاقة

النووية لكن تكاليف االإن�ســــاء، واملخاوف االأمنية، واحلاجة اإىل نظام توزيع،

ال جتعل ذلك اخليار ممكنا يف امل�ستقبل القريب.

ال�ســكان: اليمن لديهــــا اأحد اأعلــــى معدالت النمــــو ال�سكاين

يف العــــامل. ومبــــا اأن معظم ال�ســــكان هم من الفئــــة العمرية دون

�ســــن اخلام�سة ع�ســــر، وهناك �سن زواج مبكــــر، ومعدل خ�سوبة

اإجنابية ترتاوح بني 6.7 و7.2، فمن املحتمل حدوث ارتفاع �ساعق

يف ن�سبة املواليد. اأي�سا فقد تعرقل برنامج تنظيم احلمل املدعوم

من قبل الدولة ورجــــال الدين يف اأواخر الت�سعينيات وما بعدها،

وذلــــك نتيجة لعدم توفــــر �سبكة توزيع جيدة وعيــــادات طبية يف

الريــــف، ولي�س نتيجة الأي معار�سة ثقافية اأو دينية. ومبا اأن هذا

امل�سار يزداد انحدارا فــــاإن ال�سغوط على املوارد املائية والطاقة

�ستزداد يف حني �ستنخف�س تلك املوارد.

واالأدهــــى من ذلك اأن ال�سعب غري مثقــــف اإىل حد كبري، حيث

ال يرتــــاد املدار�س االبتدائية �سوى اأقل من ن�سف الفتيات، ورمبا

15% منهــــن يذهنب اإىل املدار�س الثانويــــة. كما تبلغ ن�سبة االأمية

يف اأو�ســــاط الذكــــور فوق �ســــن اخلام�سة ع�سرة مــــا ن�سبته %70.

ومــــرة اأخــــرى، جند هنا اأن مــــا يعيق تعليــــم الفتاة اأكرث

لي�ــــس الثقافة والعادات والدين ولكــــن عدم القدرة على

احل�ســــول عليه. واأحيانا يكمن احلل بب�ساطة يف اإ�سافة

حمــــام يف مدر�ســــة اأو حفــــر بئر يف قرية حتــــى ال حتتاج

الفتيــــات اإىل ق�ساء اليــــوم يف جلب املياه مــــن م�سافات

بعيدة.

ويعد م�ستوى التعليم املتدين عائقا كبريا اأمام التنمية

يف البــــلد، خا�سة واأن هناك قلــــة يف املدار�س املتباعدة،

ويتــــم ا�ستــــرياد مدر�ســــني ليقومــــوا مبهنــــة التدري�ــــس اإىل جانــــب املدر�سني

اليمنيــــني، يف ظل وجود ن�سبة عالية من العاطلــــني اليمنيني عن العمل. لهذا

جنــــد اآفاق اال�ستثمار اخلارجــــي معتمة نتيجة للقوة العاملــــة التي تفتقر اإىل

املهارات والقدرات ال�سرورية.

البنيــة ال�سيا�ســية: بالرغــــم من النظريــــات التقليدية لعلــــم ال�سيا�سة

فاإن اليمــــن قد اأوجد بنية �سيا�سية تت�سم باله�سا�ســــة والنق�س، ولكنها اأي�سا

بنية �سيا�سية حقيقيــــة وعملية تعك�س ال�سخ�سية والتقاليد اليمنية املتحررة.

ويجــــب اأن تكــــون اأوجه النق�س تلــــك هي م�سب تركيز االإعانــــة والدعم بدال

مــــن اأن تكون عذرا للن�سحاب اأو عدم اال�سرتاك، الأنه حتى يتم اإ�سلح تلك

العيــــوب �ستظــــل �سرعية الدولــــة وا�ستقرارها معلقنيم يف الهــــواء، ولن ي�ستقر

الدعــــم التنموي االقت�ســــادي والتعاون االأمنــــي من دون االلتــــزام بالعن�سر

الثالــــث – احلكــــم الر�سيــــد والفعــــال. وهــــذا لي�س هدفــــا ي�سعــــب حتقيقه،

فالرئي�ــــس علي عبد اهلل �سالــــح ونخبة من م�ست�ساريــــه املتنورين قد اأوجدوا

عنا�ســــر الدولــــة الدميقراطيــــة مــــن خــــلل مفاو�ســــات الوحــــدة وحتقيقها

عــــام 1990. وقــــد كانــــت جهودهــــم تخلو مــــن �ســــوء اإدارة املراقبــــة الدولية،

ولهــــذا كانــــت مثمرة اإىل حــــد كبري. ورغــــم اأن املعهد الوطنــــي الدميقراطي

National Democratic Institute عمــــل مــــع اليمن ملا يقــــارب ع�سرين عاما

لتعزيــــز البنى االأ�سا�سية، وتوفــــري التدريب والدعم املطلوبــــني جدا )خا�سة

الدعــــم املايل من قبل احلكومة االأمريكيــــة(، لكن االلتزام االأ�سا�سي والفهم

ال�سروري واملتعقل واحلكيم كان ياأتي من اجلانب اليمني.

وللأ�ســــف بداأ ذلــــك االلتزام والتقدم يهتــــزان خلل االآونــــة االأخرية رغم

االنتخابــــات الرئا�سيــــة �سديدة التناف�س عــــام 2006. وهــــذا االهتزاز يعك�س

وجــــود عدد من العوامل املجتمعة، وهي: ت�سييق دائــــرة امل�ست�سارين، وزيادة

عدد املقربني الفا�سديــــن يف القوات الع�سكرية، وعدم قدرة الدولة املتزايدة

علــــى توفري اخلدمات االأ�سا�سيــــة، وتوجيه الرتكيز ال�سيا�ســــي وموارد الدولة

نحــــو املخــــاوف االأمنية يف ال�سمال واجلنــــوب. لكن مع هذا، مــــا زالت القيم

اجلوهرية والتطلعات موجودة اإىل جانب البنى التقليدية التي تعزز العمليات

الدميقراطيــــة، وطاملا هناك تناف�س ممكن على املن�سب يف مين ما بعد علي

عبد اهلل �سالح فل زال هناك جمال لتطوير مفاهيم احلكم.

ومن املهم امللحظة هنا اأنه يوجد يف اليمن جمتمع مدين قوي يقدر قوامه

ب�سبعــــة اآالف منظمة حمليــــة غري حكومية وعدد مــــن املنظمات الدولية غري

طاملا اتهم اليمنيون بتبنيهم �سيا�سة الع�سوائية يف حتقيق اأهدافهم، وهناك

بع�ض امل�ســداقية يف ذلك. فالتاريخ اليمني خال اخلم�ســن �ســنة املا�ســية

يت�ســف بالتدخات اخلارجية واخلافات الداخلية والفقر، لكن اليمن مل

يتجاوز ذلك فح�سب بل اأي�سا تطور اأ�سعاف ما كان عليه واأ�ستطاع جتنب اأي

تدخل ع�سكري مبا�سر وتفادي التدهور االقت�سادي اأو الوقوع يف جماعة

Flic

kr

Page 13: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 26 27ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

احلكوميــــة يراأ�سها مينيون، وكثري منهــــا تديرها ن�ساء. وتعمل هذا املنظمات

على امل�ستويني ال�سيا�سي واخلدمي االجتماعي. ويعترب مفهوم املجتمع املدين

مفهوما غري حمدد يف اأي مكان، وميكن املبالغة يف تقييمه كموؤ�سر اأو �سامن

لوجود احلكم الدميقراطي. ومع ذلك، ميكن القول اإنه بالفعل يقوم بتحقيق

اأحد الوظائف التطبيقية، خا�سة يف اليمن، حيث اأنه يوفر االأر�سية التدريبية

للقيادة امل�ستقبلية يف البلد. ويف احلقيقة اأنه قد حقق ذلك، فعلى �سبيل املثال

جند اأن وزير املياه يرتاأ�س منظمة غري حكومية تركز على ق�سايا املياه، بينما

اأ�س�ــــس الوزير احلايل للتخطيط واأدار “�سندوق التنمية االجتماعية” الرائع

الذي يتمتع ببع�س ال�سلحية ال�سيا�سية ويخدم الدولة.

احلكــم يف اليمــن لي�ــــس مــــن ال�سهل تويل �سدة احلكم

يف اليمــــن، واإذا قلنــــا بعدم اكتمــــال االندماج ال�سيا�سي، وعــــدم كفاية البنية

التحتيــــة للحكــــم اجليد، فهــــذا اأمر فيه تقليــــل للواقع وحجــــة ي�ستطيع بع�س

اليمنيــــني معار�ستها. لكن على كل حكومة مينيــــة اأن توازن بني االحتياجات

واملطالب املتناف�سة ل�سعب متباين وم�سارك �سيا�سيا بعمق كال�سعب اليمني.

ــــم اليمنيــــون بتبنيهم �سيا�ســــة الع�سوائية يف حتقيــــق اأهدافهم، وطاملــــا اتهم

وهنــــاك بع�ــــس امل�سداقية يف ذلــــك. فالتاريخ اليمني خــــلل اخلم�سني �سنة

املا�سيــــة يت�ســــف بالتدخــــلت اخلارجيــــة واخللفــــات الداخليــــة والفقــــر،

لكــــن اليمــــن مل يتجاوز ذلــــك فح�سب بل اأي�ســــا تطور اأ�سعاف مــــا كان عليه

واأ�ستطاع جتنــــب اأي تدخل ع�سكري مبا�سر وتفــــادي التدهور االقت�سادي اأو

الوقــــوع يف جماعة. ومن العوامــــل التي �ساعدت على هــــذا البقاء ال�سيا�سي،

اجلهــــود الفائقة التي بذلــــت ل�سم كل االأحزاب والعنا�ســــر والكتل املعار�سة

وال�سخ�سيــــات القوية حتت مظلة واحدة، مظلــــة وا�سعة جدا ت�سمل اجلميع.

واأولئــــك الذين يخرجون عن امل�سار، ويحاولون تعكري هذا التوازن احل�سا�س،

يتم معاقبتهم ولكن نادرا ما يتم تهمي�سهم.

وعــــادة ما تيــــل مثل هذه ال�سمولية اإىل عرقلة التقــــدم على اأي جبهة، ويف

اأي وقت ب�سرعة ق�سوى، في�سبح من ال�سروري تقدمي امل�ساومات والتنازالت

عند بذل اجلهود ل�سمان اأعلى م�ستوى من التاأييد اأو على االأقل اأدنى م�ستوى

للمعار�سة. ويف اأحيان اأخرى يتطلب االأمر االن�سحاب التكتيكي واإعادة ترتيب

ال�سفــــوف، وهــــذا يف نظــــر املتفــــرج اخلارجي – كما هو يف نظــــر الكثري من

اليمنيني – فيه الكثري من الفو�سى. وهذه ال�سمولية ال تعمل اإال يف ظل وجود

روؤيــــة جوهرية وقيــــادة فطنة. كما اأنها اأي�ســــا تعني وجود االإميان

يف اأو�ساط االأحــــزاب والف�سائل املختلفة باأن هناك جمال يت�سع

الآرائهــــم واهتماماتهــــم لت�ســــل اإىل مناق�ســــات الدولــــة. وتعترب

جل�ســــات القــــات اآليــــة تقليدية لتوفــــري ذلك املجــــال، يف حني اأن

جمل�ــــس النواب ميثل االآلية االأخرى. ومــــا يف�سر هذا هو انتخاب

ال�سيخ الراحل عبد اهلل بــــن ح�سني االأحمر رئي�سا للمجل�س رغم

اأقليــــة حزبــــه االإ�ســــلح، واملعــــروف اأن منا�ســــب الرئا�سة تكون

للأغلبية.

واأف�ســــل مقارنة لتو�سيح هــــذا الو�سع هو ما يقوم به البهلواين

املتلعب باالأطباق على ع�سا، حيث يتعني االنتباه لكل طبق واإال

�سيقــــع ويتحطم، ورمبا تقع معــــه كل االأطباق الباقيــــة. وال�سوؤال

الــــذي يطرح نف�سه هو عما اإذا هنــــاك االآن اأطباق كثرية جدا –

اأي �سغــــوط كثرية على الدولــــة، والكثري من التحديــــات االأمنية

واالقت�ساديــــة، والقليل من املوارد – وعمــــا اإذا ال زال البهلواين

ميتلك الر�ساقة واخلفة الكافية للحفاظ على تلك االأطباق.

وهنــــاك خطــــران ملحان يهــــددان هذا الرتتيــــب، وهما:

الف�ســــاد واملح�سوبيــــة من ناحيــــة، وتغري اجليــــل من ناحية

اأخــــرى. اأمــــا املح�سوبية فهــــي اأمر واقع يف اأف�ســــل االأنظمة

ال�سيا�سيــــة، واأمــــا الف�ســــاد فرمبا هو خ�سلــــة من اخل�سال

الب�سريــــة التــــي ال منا�ــــس منها. فــــكل القــــادة يف�سلون اأن

يحيطــــوا اأنف�سهــــم بامل�ست�سارين وامل�ساعديــــن ممن يثقون

بهــــم. ولكــــن بع�ــــس القــــادة االأذكياء يطبقــــون املثــــل القائل:

ب اأعدائــــك اأكــــرث”. هذا هو ل�ســــان احلال، ب اأ�سدقائــــك منــــك، وقــــرر “قــــررومراقبــــو ال�سيا�ســــة اليمنية �سيعملون جيــــدا اإذا ما امتنعوا عــــن التاأفف من

هذا الواقع. كما يجب على موؤيدي االرتباط الثابت اأن يقيموا ب�سدق واأمانة

مــــا اإذا انزلقت ال�سموليــــة احلكيمة تلك واأ�سبحت يف نطــــاق املح�سوبية، اأي

تعيني االأ�سدقاء واالأقرباء نظرا للعلقة والقرابة بغ�س النظر عن املوؤهلت

والقــــدرات التــــي ميتلكها الفــــرد )واإىل اأن جنــــرد اأ�سدقائنــــا يف اخلليج من

اأهليتهم نظرا لعلقاتهم االأ�سرية املنت�سرة عرب حكوماتهم، فاإنهم لن يكونوا

املعيار الذي يقا�س عليه(. كما يجب عليهم اأي�سا )اأي املراقبني( اأن يحددوا

مــــا اإذا قد تف�ســــى الف�ساد يف مفا�سل الدولــــة واأ�سبح قادرا علــــى التاأثري يف

توزيــــع مواردها اإىل درجة التاأثــــري يف �سرعيتها، وتاليا حتديــــد ما اإذا كانت

املوؤ�س�سات احلكوميــــة وغري احلكومية تتلك ال�سلحية وامل�سداقية لتمييز

بوؤر الف�ساد واتخاذ االإجراءات اللزمة �سدها.

حتليلت اليمن والعامل

ما يدركه الكثري من اليمنين، مبن فيهم اأ�سدقاءنا، اأن نطاق ال�سيا�سة

االأمريكيــة قــد بداأ ينح�ســر على االأمن فقــط اأو االأمــن اأوال، فنحن

بحاجة اإىل اأن نعيد تو�سيع ذلك النطاق. وقد تعلمنا هذا الدر�ض يف

العراق يف اآخر اللعبة، ونحاول تطبيق تلك الدرو�ض يف اأفغان�ستان

UN

hc

r

ولطاملــــا كان للرئي�ــــس �سالح بطانتــــه اخلا�سة به، وقد قيــــل عنهم “فريق

نــــغ”. ولطاملا قام بتثقيــــف م�ست�سارين وثلة مــــن التكنوقراط املوهوبني البولم

جني مــــن اأجيــــال خمتلفة. وهنــــاك حلقة وا�سعة مــــن اليمنيني يعملــــون كمرور

للخــــارج، وغالبا ال ميتلكون القدرة على التاأثري كما ي�ساع عنهم. اأي�سا يحتل

اأبناء االأخوة منا�سب اأمنية )وهم موؤهلون بكل ما حتمله الكلمة من معنى(،

يف حــــني اأن بع�ــــس االأقارب – دون حتديد – يف وظائــــف عاطلة. لكن هناك

بلغات عن ف�ساد م�ست�ســــري، واغت�ساب اأرا�سي من قبل �سباط ع�سكريني

كبار، وحتويل للعقود، وغريها من املخالفات املتوا�سلة واملدمرة.

وتتعلــــق املخاوف من مبداأ املح�سوبية مبا�ســــرة مب�سائل اخللفة يف احلكم

)“تناف�س النخبة” كما يطلق عليها اأحد املراقبني(. فمنذ ثلثني �سنة وعلي

عبد اهلل �سالح يف �سدة احلكم رغم اأن الكثري من اأف�سل م�ست�ساريه يكربونه

�سنا. وقــــد �سرح الرئي�س باأنه لن يتقدم للنتخابــــات عام 2013، ولكن لي�س

وا�سحــــا من هــــو اخلليفة – �سواء مــــن داخل االأ�سرة اأو خارجهــــا. وبالتاأكيد

هناك منــــاورات الحتلل املن�سب خلل اجليل القــــادم – القبلي والتجاري

والتكنوقــــراط. اأما ال�سيخ الراحل عبد اهلل االأحمــــر فقد خلفه جمموعة من

االأبنــــاء، يف حني اأن “االأربعني امل�سهورين” اأخــــذوا يغادرون امل�سهد ب�سرعة،

مثــــل عنا�سر الثورة اجلمهورية ومعركة اال�ستقلل يف اجلنوب. و�سيكون من

الوقاحة اأن نفرت�ــــس من �سيكون الفائز يف خلفة احلكم، ومن ال�سذاجة اأن

نفرت�ــــس اأنه ابن الرئي�س، فلي�س لدينــــا اأدنى فكرة عن ذلك، اإذ اأن ال�سيا�سة

م اأنف�سنا يف العملية يف اليمــــن تتلــــون وتتغري. اأي�سا من غري احلكمــــة اأن نقحم

بطريقــــة مبا�ســــرة اأو غري مبا�ســــرة. ولكن من يخلف الرئي�ــــس علي عبد اهلل

�سالــــح يحتــــاج اإىل تاأكيد البنــــى الدميقراطيــــة النا�سئة اإىل جانــــب مباركة

النخــــب املتعــــددة. اإن اأوراق االعتمــــاد اجلمهورية مفخرة ملعظــــم اليمنيني،

وخلفــــة االبــــن البكر لي�ست اأمــــرا مفروغا منــــه يف املجتمــــع اليمني. ونحن

ن�ستطيــــع دعم وتاأييد املوؤ�س�ســــات والبنى الهيكلية والعمليــــات الدميقراطية،

لكن ال ن�ستطيع فر�س الفائزين اأو اختيارهم.

اإن املح�سوبية والف�ساد يعك�سان ويغذيان حتديا كبريا يقارب كل التحديات

اجلوهريــــة االأربعــــة واملخاطر االأمنيــــة الثلثة، وهو عدم قــــدرة الدولة على

توفــــري اخلدمــــات االأ�سا�سية لعامــــة ال�سعب. فاليمــــن تفتقــــر اإىل املوؤ�س�سات

البريوقراطيــــة الإدارة املوارد وتقدمي اخلدمات االأ�سا�سيــــة بطريقة معقولة،

وهــــي عبــــارة عن كيان مليء بال�ســــكان يحمي الكثريين مــــن البطالة املطلقة

لكنــــه يفتقر للتدريــــب واالأدوات لي�سبح كيانا موؤثرا، ف�ســــل عن كونه فعاال.

كمــــا اأن املوهبة التقنية يف قمة املوؤ�س�سات واملنظمات غري احلكومية يحبطها

غيــــاب املنفذين املحليــــني. و�سلم االأجور منخف�س وغــــري كاف، وهو ما يزيد

من الف�ســــاد املوؤ�س�سي. اأما الكفاءات فتعك�س م�ستــــوى نظام التعليم املتدين.

وامل�ساألة االأ�سا�سية التي وراء كل من التمرد يف ال�سمال واحلركة االنف�سالية

يف اجلنوب هي مفهوم بل وواقع عدم توفري اخلدمات احلكومية. وكل حركة

تثــــل مطالبة بوجود حكومة اأكرث فعالية واأكرث تفاعل وا�ستجابة )لكن لي�س

بال�سرورة �سيطرة حكومية م�سددة(، بحيث ت�ستطيع توفري املوارد من خلل

الدعــــم املعقــــول للإدارة املحليــــة واملواطنني. وما يزيد امل�سكلــــة تعقيدا، اإىل

درجة اأن املخاوف االأمنية الكربى الثلثة ت�سكل خطرا وجوديا لبقاء احلكومة

والدولــــة، هو اخلوف لي�س من االأجنــــدة ال�سيا�سية للحركات املوجودة، ولكن

مــــن قدرتهــــا على ت�ستيــــت وتوجيه االنتباه واملــــوارد. ولــــن ت�ستطيع احلكومة

احلاليــــة، وال اأي خليفة منتظــــر، التعامل بكل �سهولة، ومبــــا فيه الكفاية، مع

هذه املخاطر الثلثة وتقدمي اخلدمات االأ�سا�سية يف نف�س الوقت. فالبهلواين

ال ي�ستطيع �سوى التحرك ب�سرعة فائقة.

الرتكيــز؟ املتحــدة الواليــات علــى ينبغــي اأيــن

يعتــــرب الرتكيز غري املتنا�سب على القطــــاع الع�سكري املبا�سر وبناء القدرات

االأمنية نظرة قا�سرة. واإذا كانت خماوفنا حيال املخاطر التي ي�سكلها اليمن

ت�ستحــــق اأن نقدم مبلــــغ 120 مليون دوالر كمعونة اأمنية، ونعي اأن عملية تنمية

البنــــى االأمنيــــة املعقولة ا�ستثمار طويل املدى، فاإن رغبتنــــا الإبقاء اليمن على

اجلانــــب االآمــــن من حافــــة الف�سل )مدركــــني اأن االأمر لن يكون اأبــــدا ناجحا

بــــكل جوانبه( ت�ستحق التزاما مكافئا لبناء القدرة املدنية بقدر م�سابه لبناء

القــــدرة الع�سكرية. وعلينا اال�ستثمــــار فيما هو اأكرث من تعزيز �سلطة الدولة،

اإذ ينبغــــي علينا اال�ستثمــــار اأي�سا يف تعزيز �سرعية وقــــدرة الدولة واملجتمع.

ونحن ال نكفــــل “ال�سرعية” لكننا ن�ستطيع امل�ساعــــدة يف تطوير جمتمع قوي

مبــــا فيــــه الكفاية لي�سارك دولتــــه. اإن ا�ستخدام ال�سمــــري “نحن” هنا ي�سري

اإىل احلكومــــة االأمريكيــــة واملجتمع الدويل والدول االإقليميــــة املجاورة. ولقد

كان موؤتر 2006 للمانحني �سخيا غري اأنه مل يتم بعد تنفيذ اأي من تعهداته.

كما اأن موؤتر لندن 2010 قد اأثار نقا�سات �سحيحة حول التن�سيق واالرتباط

امل�ستــــدام، لكن االأمر �سيتطلب اأكرث من انعقاد موؤتر الإقناع املواطن اليمني

العــــادي باأن هناك تغريا معقوال يف املوارد ولغــــة اخلطاب، اأو اأن ثمة التزاما

باحلكم الفعال وعملية التنمية، �ســــواء جلهة احلكومة التي تتهياأ للنخراط

كليا يف ال�سراع وكذلك بالن�سبة للحكومات جميعا. ويجب اإقناع اليمنيني اأن

كل هذا لن يتبخر يف وجه احلجج واالأولويات االأخرى.

اإن ما يدركه الكثري من اليمنيني، مبن فيهم اأ�سدقاءنا، اأن نطاق ال�سيا�سة

االأمريكيــــة قــــد بداأ ينح�ســــر على االأمن فقــــط اأو االأمــــن اأوال، فنحن بحاجة

اإىل اأن نعيــــد تو�سيع ذلك النطاق. وقد تعلمنا هذا الدر�س يف العراق يف اآخر

اللعبــــة، ونحاول تطبيق تلك الدرو�س يف اأفغان�ستــــان. ولقد تقدمنا من احلل

الع�سكــــري التقليدي اإىل مكافحة التمرد اإىل “ثلثيــــة الدفاع والدبلوما�سية

والتنميــــة” للتعاطي مع اأو�ساع ما بعــــد ال�سراع. ونحن اأمامنا فر�سة لتطبق

اأ�سا�سيات تلك الدرو�س قبل ال�سراع وقبل الف�سل يف اليمن.

ويجــــب اأن تكون هناك اإ�سرتاتيجية م�ستدامــــة و�ساملة ومن�سقة تعتمد على

دبلوما�سيــــة وتنميــــة بقيادة مدنية وتوجه مدين اأوال علــــى مدى م�سبق ومبكر

وطويل. كما ينبغي اأن ت�ساوي م�ساركتنا يف تطوير القدرات الب�سرية وقدرات

الدولة التزامنا ببناء القدرات الع�سكرية واالأمنية، اإذا مل تفق ذلك. وهناك

خم�ســــة جماالت رئي�سية ل�سرعية الدولة وبنــــاء القدرات الب�سرية غري �سلطة

الدولة وال�سوؤون االأمنية ميكن الرتكيز عليها، وهي:

1. اخلدمــة املدنيــة: اإن بنــــاء قدرة الدولــــة )كالقدرة املدنيــــة( على كل امل�ستويات، وال يقل عن ذلك تطوير خدمة مدنية موؤهلة وجمتمع مدين قوي،

تعترب اأمرا اأ�سا�سيا. اإن الرتكيز على تطوير القدرة املحلية يحتاج لكي يتحقق

اأن يكــــون من�سجما مع تطوير قدرة احلكم املركزي، فامليل اإىل اأحد اجلهتني

يخــــل بتــــوازن الدولة ويخلق فراغــــا يف املركز اأو على امل�ستــــوى املحلي. وعلى

غــــرار ذلك، اإن االعتماد املفــــرط على اجلانب الع�سكــــري اأو القدرة االأمنية

د البنيــــة التنظيميــــة املدنية من �سرعيتهــــا، خا�سة اأولئــــك العاملني يف يجــــرر

Page 14: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 28 29ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

البنيــــة املدنية الذين ميثلــــون االأمل االأف�سل لبناء موؤ�س�ســــات حكومية دائمة

)�سيا�سيــــا واقت�ساديا واجتماعيــــا(. ويت�سمن تعزيز القــــدرة املدنية تعزيز

اإدارة النظام الق�سائي ولي�س فقط اجلانب االأمني.

التعليــم: يعتــــرب التعليم مــــن املجاالت املهمــــة لبقاء الدولــــة والتنمية .2االقت�ساديــــة على املدى البعيد. واأي جهود تبذل مل�ساعدة اليمن للبتعاد عن

هاوية الف�سل يجب اأن ت�ستند على الدعم لنظام التعليم القوي. وهذا ال يعني

اأن امل�ساألــــة هــــي م�ساألة اإن�ساء مدار�س ولكنهــــا م�ساألة توفري مدر�سني مينيني

موؤهلني للتدري�س يف امل�ستويات االبتدائية والثانوية. كما اأن العمالة وال�سحة

وبرامج تنظيم الن�سل وكل عنا�سر التنمية امل�ستدامة االأخرى، تتطلب اإن�ساء

نظام تعليمي مبقايي�س عاملية يعتني بتطوير املهارات املطلوبة.

ال�ســيطرة علــى الف�ســاد: يجــــب اأن يكون هــــذا املجال مــــن العنا�سر .3اجلوهريــــة �سمــــن عمليــــة التدخل االأ�سمــــل ولي�س �سرطــــا م�سبقــــا اأو ملحقا

لهــــا، اإذ اأن الف�ســــاد يعترب من االأعرا�س التي ت�سيــــب البنية التنظيمية وقت

االأزمات. لهــــذا من املطلوب دعم اجلهود اليمنية، ولي�ــــس التهديد والوعيد،

مــــن اأجل تقليل فر�ــــس الت�سيب والف�ساد مــــن خلل تطوير هيــــاكل امل�ساءلة

احلكومية وغري احلكومية الناجحة. وقد ا�ستجابت احلكومة وجمل�س النواب

يف هــــذا ال�ســــدد، اإىل جانــــب عدد من اجلهــــات الر�سمية )الهيئــــة الوطنية

ملكافحــــة الف�ســــاد، واللجنــــة العليا للمناق�ســــات، واجلهاز املركــــزي للرقابة

واملحا�سبــــة(، و�سيكون لزاما علــــى كل من هذه اجلهات اإثبــــات قدرتها على

اتخاذ االإجــــراءات املطلوبة جتاه ارتكاب املخالفــــات الوظيفية اأو اللمباالة

مــــن اأجل اإعطاء �سورة جميلة لليمنيــــني وا�سرت�ساء للجهات املانحة. كما اأن

علــــى املجتمع الدويل القيام مبا هو اأكــــرث من ت�سريحات اال�ستهجان، وذلك

مــــن خــــلل العمل مع تلك اجلهــــات الر�سميــــة والفاعلة امل�ساهمــــة وامللتزمة

بعمليات االإ�سلح كاأولوية اأوىل.

خفــر ال�ســواحل: ميثل هذا اجلانــــب عامل مهمــــا بالن�سبة للزدهار .4االقت�ســــادي يف اليمــــن. والدافــــع وراء اتخاذ القــــرار باإن�ساء خفــــر �سواحل

يكمــــن يف اجلوانــــب االقت�سادية اأكرث منهــــا اجلوانب االأمنيــــة، كما اأن قيمة

هــــذا القرار على املدى الطويــــل �ستبقى قيمة اقت�سادية للبلــــد. اأي�سا هناك

حاجة ملحة اإىل �سد املهربني واملتطرفني والدخلء غري ال�سرعيني ومواجهة

تطلعــــات القرا�سنــــة ال�سوماليني لت�سكيل علقات اأخويــــة مع اليمنيني. ويف

نف�س الوقت تتمتع مياه ال�سواحل اليمنية برثوة �سمكية غنية ميكن ا�ستغللها

كم�سدر متجدد من م�سادر الت�سدير والغذاء اإذا ما تت اإدارته على الوجه

املطلــــوب. وكما هو ل�سان احلال يف ميــــاه ال�سواحل ال�سومالية، تعاين الرثوة

ال�سمكية يف مياه ال�سواحل اليمنية من عمليات ال�سلب والنهب التي تقوم بها

بع�ــــس ال�سفــــن امل�سنعة القادمة من خمتلف اأنحــــاء العامل، وكذلك من رمي

املخلفات ال�سامة.

5. ميناء عدن: يحتاج هذا امليناء اإىل اإنعا�سه باعتباره مركزا جتاريا كبريا للمحيط الهندي، وهو من اأهم املوارد الطبيعية يف اليمن. ولدى عدن القدرة

علــــى اأن ت�سبح كمدينة �سنغافورة. اأ�سف اإىل ذلك، اأن تطوير امليناء �سيوفر

فر�ــــس عمل للأيدي العاملة اليمنية و�سي�ســــكل م�سدرا من م�سادر اإيرادات

الدولة، كما �سي�ساعد اأكرث يف دمج اجلنوب وال�سمال ك�سريكني مت�ساويني.

تــــدرك اإ�سرتاتيجية الوكالة االأمريكية للتنمية الدولية للفرتة 2010 – 2012

الكثري من التحديات اجلوهرية التــــي تواجه اليمن، وحتاول، كربنامج ميتد

لفــــرتة ثــــلث �سنوات، معاجلة الكثــــري من هذه التحديــــات بطريقة منطقية

ومنظمة. وتعترب هذه االإ�سرتاتيجية اأف�سل بكثري من �سابقاتها، لكن ال ميكن

القول باأنها تتمتع بالكمال التام:

فمــــع اأنه مت اإعداد هذه االإ�سرتاتيجية للتنفيذ خلل ثلث �سنوات مببالغ

ماليــــة طائلــــة لكنها تعتمد علــــى املخ�س�سات ال�سنويــــة للكوجنر�س، وهو ما

يجعلها عر�سة لتقلبات ميزانيتنا التي ال ميكن التكهن بها، وكذلك للمطالب

اجلديدة املتناف�سة واالنقطاع املفاجئ نظرا للخلفات بني الواليات املتحدة

واليمن ب�ساأن �سيا�سات الدعم التنموي.

تن�ــــس االإ�سرتاتيجيــــة علــــى اأن هناك ثمان حمافظات لهــــا االأولوية عند الوكالــــة االأمريكيــــة للتنمية الدولــــة )وبالتــــايل عند احلكومــــة االأمريكية(،

دة مبحدودية املوارد – ال ت�ستهدف �سوى خم�س حمافظات ولكنها – م�ست�سهم

و�سفتهــــا “االأكــــرث عر�ســــة للمخاطــــر” )اجلوف ومــــاأرب و�سعــــدة وعمران

و�سبــــوة(. واخلوف هو من خماطر هذه الفــــرتة الزمنية الثلثية، فقد تكون

مبثابــــة تقدمي مكافــــاآت للت�سرفات ال�سيئة وقد تزيد فتيــــل التناف�س من قبل

املحافظــــات واملناطــــق االأخــــرى التي مل يتــــم اختيارها وتو�سع دائــــرة تف�سي

الف�ســــاد واملح�سوبيــــة، وبالتايل عرقلة عملية التنفيــــذ. وتوزيع اأ�سمل مل�ساريع

اأ�سغــــر قد ال يكون لــــه كل “النجاح واملردود” الذي حتققــــه اال�سرتاتيجيات

لكنه قد يتم تفادي اخللفات ال�سيا�سية ال�سلبية الناجتة عن الرتكيز املفرط

على مناطق اخلطر.

تت�سدد اال�سرتاتيجية كثريا يف م�ساألة جمع البيانات التي قد تكون متوفرة عرب م�سادر اأخرى، مثل البنك الدويل و�سندوق التنمية االجتماعية اليمني.

هذه اجلهود التي تبذل جلمع البيانات توؤخر تنفيذ امل�سروع.

تعتمد اأكرث من اللزم على متعاقدين من �سركة “بلتوي” Beltway، مع اأنـــه لي�ـــس بال�سرورة اأن تكون النتيجة زيـــادة يف فر�س العمل ومنط احلياة يف

مدينة روكفيل بوالية ماريلند اأو مدينة تي�سون�س كورنر بوالية فريجينيا.

لي�ـــس هنـــاك تن�سيق كايف مـــع قيادة العمليـــات اخلا�سة وال�ســـوؤون املدنية االأمريكيـــة واملجتمع املحلي. ومع اأن اليمن بلد �سعب، وقد يكون خطريا، لكنه

لي�س منطقة حرب، فيجب اأن تكون الربامج الع�سكرية داعمة – ولي�س موازية

االأمريكية. الدولية التنمية ووكالة الدولة – جلهود واإذا قبلنـــا اأن الهـــدف االأ�سا�ســـي هـــو تطويـــر قـــدرة حملية موؤثـــرة وفاعلة

وم�ستدامـــة ذاتيـــا، فرمبا ميكننا القـــول اإن اأو�سع فجـــوة يف االإ�سرتاتيجية هي

قلـــة اال�ستفادة من ال�سركاء اليمنيني رغم اأن االإ�سرتاتيجية تثني على �سندوق

التنميـــة االجتماعية اليمنـــي بقولها اإنه: “�سندوق تنمية قـــوي ومدعوم ماليا

ب�ســـكل خا�س، وميثـــل منوذجا للآلية املوؤ�س�سية الفعالـــة والفاعلة التي تت�سف

بال�سفافية وتقدم خدمات اجتماعية تقـــوم بتمكني املجتمعات املحلية، ويعترب

من اأف�ســـل هيئات احلكومة اليمنية الفعالة يف جمـــاالت تطوير املجتمع وبناء

القـــدرات وامل�ساريـــع ال�سغـــرية واملتو�سطـــة”. لكـــن يف نهايـــة املطـــاف جند

االإ�سرتاتيجية تقول اأن هذا ال�سندوق ال يعترب موؤ�س�سة م�ساركة. وخلل فرتتي

ك�سفـــرية لدى اليمن عملت ال�سفارة االأمريكية ب�سكل وثيق مع �سندوق التنمية

االجتماعيــــة الإعداد وتنفيذ الكثري من م�ساريعنا التنموية يف اليمن، وذلك مت

دون ح�ســــور ر�سمي كبري اأو تكاليف عامــــة، ولكن مع العرفان الكايف للواليات

املتحــــدة، وو�سع الب�سمــــة االأمريكية اخلفيفة وال�سفافيــــة وامل�سئولية. كما اأن

هنــــاك قوة �سيا�سية يف اليمن كافية للدفع والتقدم بعجلة التنمية اإىل االأمام،

حتليلت اليمن والعامل

ولهذا ل�سنا م�سطرين – بل وال يجب – اأن ن�سعى اإىل اإعادة اخرتاعها.

خماطــر االتــكال علــى الغــري هذا برنامج

طموح ويفـــوق قدرات اأي دولة لتقدمي الدعم، خا�سة اإذا ما كانت حكومة

متقلبة كحكومتنا. فمن االأهمية مبكان، وجود �سركاء دوليني، خا�سة وهم

موجودون، حيث اأنه يف الوقت الذي كانت الواليات املتحدة تهب اإىل اليمن

وتخرج منه لعقود من الزمان كان يوجد هناك عدد من ال�سركاء االأوروبيني

واليابان، اإىل جانـــب البنك الدويل واالحتاد االأوروبي، وكذلك بع�س دول

اخلليج، وب�سفة خا�سة قطـــر واالإمارات العربية املتحدة وال�سعودية، اإىل

درجة اأن م�ستوى دعمنا يتقزم اأمام الدعم الذي قدمته هذه الدول لليمن.

والرتحيب مب�ساركة تلك الدول )من اجلانب اليمني( لي�س عذرا للواليات

املتحـــدة باالن�سحـــاب والتخلي. ومـــع اأن م�ساحلنا

)وم�سالـــح باقـــي الـــدول( متوازيـــة لكنهـــا لي�ست

متطابقة، وهذا وا�سح على وجه اخل�سو�س اإذا ما

نظرنـــا لل�سعودية، التي تقا�سم اليمن حدودا طويلة

وتاريخـــا �سعبا. كما اأن ال�سيا�ســـات والربامج التي

تـــر عرب الريا�س يف طريقهـــا اإىل �سنعاء �ستعاين

من تاأثري التحريف الذي ال يخدم امل�سالح اليمنية

وال�سعوديـــة واالأمريكيـــة على حد �ســـواء. اإننا ل�سنا

بحاجـــة اإىل من يفلـــرتم ويوؤكد علقاتنـــا وبراجمنا

مـــع اليمن، وبالتاأكيـــد فنحن ل�سنـــا بحاجة لتدخل

بل دولة اأخرى للقيام بذلك. ع�سكري من قم

اأفــكار ختاميــة يف حماولتنـــا

لتوجيـــه االإ�سرتاتيجيـــة االأمريكية للم�ســـي قدما،

علينـــا اأن نتذكـــر بع�ـــس الدرو�ـــس التـــي تعلمناها

مـــن تاريخنـــا االأمريكـــي حديـــث العهـــد وتاريـــخ

اليمـــن الطويل، فنحن ل�سنا اأذكـــى من تاريخنا اأو

تاريخهم.

علينـــا اأن نـــدرك اإننـــا نتعامل مـــع دولة ذات �سيادة ولي�س دولة فا�سلة، بل اإنها دولة قد اأثبتت اأنها

�سريـــك مقبول اإن مل يكن قادرا على الدوام. لذا علينا العمل مع احلكومة

كاملة واأن ال ننتظر يوما معينا اأو حتقيق ب�سعة معايري دون تقدمي امل�ساعدة

والدعم الذي حتتاجه تلـــك الدولة لبلوغ تلك املعايري. وهذا لي�س تفوي�سا

مطلقا على االإطلق، واإمنا اعرتاف باأن ال�سفاء املطلق يف ال�سريك نادرا

ما يكون خيارا والزمن ال يحالف اأحدا.

احلكومـــة اليمنية �ستقوم مبـــا ي�سب يف م�سلحتهـــا الوطنية، ونحن

ن�ســـرتك معهـــا يف نف�س االأولويـــات التي قد

تختلـــف فقـــط يف الرتتيب. وعلـــى ال�سيا�سة

االأمريكيـــة اأن ال تعتمد علـــى اإقناع احلكومة

اليمنيـــة بتبنـــي اأولوياتنا ولكن عليهـــا اأن تبحث

عن م�سالح م�سرتكة واأن تتفهم الرتابط امل�سرتك.

اإن اأيـــا من هذه النقاط ال ي�سمن النجاح مهمـــا كان حمددا، اأو ي�ستاأ�سل

�ساأفة عنا�سر تنظيم القاعدة يف �سبه جزيرة العرب، اأو ينهي التطرف، اأو

ير�سي القبائل، اأو يحد من معدل املواليد. لكن االرتباط مع اليمن بطريقة

ق�ســـرية النظـــر، ترتكز على اجلانـــب االأمني فقط وب�ســـورة متقطعة، قد

تخلـــق دولة فا�سلة فعل، االأمر الذي ال نحـــن وال اليمنيون نرغب يف حدوثه

اأو ن�ستطيـــع حتملـــه. والف�سل معـــروف بطبيعته، فهو ينطـــوي على الفو�سى

ل التي تنح “القاعدة يف جزيرة العرب” املجال لتنفيذ خمططاتها، وي�سعم

م من التوترات فتيـــل خيبة االأمل والغ�سب الذي يقود اإىل التطـــرف، ويفاقم

ف كثريا الدميقراطيـــة النا�سئة، وي�سمن التدهور الدائم الداخليـــة، وي�سعم

حتـــى الو�سول اإىل م�ستـــوى الفقر. واإذا كانت هذه الو�سفـــات تبدو مكلفة،

وم�ستهلكـــة للوقت، وتتطلب عمل مكثفا – وهي كذلك بالفعل، فاإن تكاليف

التعامل مع تبعات ف�سل الدولة �ستكون اأعظم بكثري.

احلكومة اليمنية �ســتقوم مبا ي�سب يف م�سلحتها الوطنية، ونحن ن�سرتك

معها يف نف�ض االأولويات التي قد تختلف فقط يف الرتتيب. وعلى ال�سيا�سة

االأمريكيــة اأن ال تعتمــد علــى اإقناع احلكومــة اليمنية بتبنــي اأولوياتنا

ولكن عليها اأن تبحث عن م�سالح م�سرتكة واأن تتفهم الرتابط امل�سرتك

مالحظ��ة

)*( يحتوي القات على مادة خمدرة نوعا ما ت�سبه يف تركيبتها الكيميائية القهوة. وهناك »جل�سات قات« تتد ل�ساعات يف اليمن وبع�س دول القرن االأفريقي املجاورة.

ولقـــد �ســـددت زراعة القات اخلناق على اإنتاج املحا�سيل االأخرى، وجل�ساته ت�ســـرق �ساعات طويلة كل يوم وت�ستهلك املوارد املالية للأ�سرة واملوارد املائية والوقود الذي

ي�ستخـــدم لت�سغيـــل م�سخـــات املياه. وتعترب اجلهود التي تبذلها الدولة للحـــد من تعاطي القات فاترة، ولي�س هناك برامج حقيقيـــة ال�ستبدال القات مبحا�سيل اأخرى،

و�سيكون لزاما على اأي برنامج درا�سة ما هو املح�سول، اإن وجد ذلك املح�سول، الذي �سي�ستهلك كمية مياه اأقل )وبالتايل وقودا اأقل لت�سغيل امل�سخات(، ويوفر القدر

الذي يوفره القات من املال املبا�سر من املناطق الريفية اإىل املناطق املدنية، ويحل حمل البيئة الفريدة واحل�سا�سة �سيا�سيا التي يوفرها القات يف املجتمع.

Flic

kr

التايل

اليمن وم�ساعدات

التنمية اخلارجية

بقلم: اأحمد الأح�سب

Page 15: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 30 31ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

(

ال�سرورات واملمكنات

اليمن وم�شاعدات

التنمية اخلارجية

يوجـــد يف العـــامل اأكرث من ثمانني مموال ومانحا ما بـــني دول ومنظمات حكومية وغري حكومية، وقد قدم عامل املانحني

خـــلل االأربعني �سنـــة املا�سية ما يزيد عـــن 4.1 تريليون دوالر كم�ساعـــدات تنموية. ويبلغ اإجمـــايل م�ساعدات التنمية

الدوليـــة 100 مليـــار �سنويا، ويف �سنة 2008 قدمت البلدان الغنيـــة 119.8 مليار دوالر كم�ساعدات خارجية. وهو ما يزيد

بن�سبـــة 10% عن �سنـــة 2007 ويعترب ذلك اأكرب مبلغ مت تقدميه خلل �سنة واحـــدة، وهو ميثل 0.47% من الناجت املحلي

االإجمايل للدول املانحة. ومع ذلك يظل هذا الرقم اأقل بكثري من الرقم امل�ستهدف من قبل االأمم املتحدة وهو %0.7.

اأحمد علي االأح�سب

[email protected]

اأحمد علي االأح�سب خبري يف التنمية والتعاون الدويل، اليمن.

اليمن والعامل

عني على اليمن

حتليلت

فـي 60 يوما

وجهات نظر

ME

Arc

hiv

E

وتقـــدم الواليـــات املتحـــدة وحدها مـــا يتجاوز

19 مليـــار دوالر كم�ساعـــدات خارجيـــة كل �سنة،

ولكـــن - وكن�سبـــة مـــن النـــاجت القومـــي - تعترب

م�ساعـــدات الواليات املتحـــدة منخف�سة مقارنة

بالدول االأخرى. لكن الهبات املقدمة من االأفراد

واملنظمات اخلا�سة ورجال االأعمال تعترب عالية

جـــدا وال تقارن مبا تقدمه البلدان االأخرى. ومن

املفرت�س لتدفقـــات اأموال امل�ساعـــدات اأن تعمل

ع القت�ســـادات الدول امل�ستفيدة والتي هي كم�سرر

يف غالب احلاالت دوال نامية.

اأنــواع امل�ســاعدات تتعـــدد

وتختلف اأنواع م�ساعدات التنمية، ولكن عادة ما

تاأخذ واحد من االأ�سكال التالية:

– امل�ســاعدات الر�ســمية: وت�سمـــل املنـــح 1

والقرو�ـــس املقدمة من احلكومـــات واملوؤ�س�سات

الدوليـــة احلكوميـــة )ذات ع�سويـــة حكوميـــة(

اإىل الـــدول االأخـــرى بهـــدف حت�ســـني وتطويـــر

اقت�سادياتها. االإعفاء مـــن الديون وامل�ساعدات

الع�سكرية تعتـــرب اأي�سا من اأ�ســـكال امل�ساعدات

الر�سمية.

2– امل�ســاعدات غــري الر�ســمية: وهـــي كل

تلك االأموال التـــي يكون م�سدرها غري حكومي،

وتاأخذ �سورا متعددة لعل اأهمها:

االأفـــراد وبرامـــج وم�ساعـــدات هبـــات اأ .

واملوؤ�س�سات اخلا�سة ورجال االأعمال واملنظمات

اخلرييـــة. وقـــد بلغـــت امل�ساعـــدات االأمريكيـــة

اخلا�ســـة 34.8 مليار دوالر يف عام 2006 مقارنة

مبتو�سط �سنوي للم�ساعدات الر�سمية االأمريكية

19 مليار دوالر.

ب . التمويل االأجنبي املبا�سر وهو ا�ستثمار خا�س يف البلدان االأخرى.

ج. حتويـــلت املهاجرين والعمال تعتـــرب نوع من اأنواع امل�ساعدات غري

الر�سميـــة، وامللحـــظ تزايد اأهمية هذا النوع مـــن امل�ساعدات يف بع�س

البلدان امل�ستقبلة حتى تتجـــاوز اأهمية امل�ساعدات الر�سمية املقدمة من

احلكومـــات. وقد بلغت تلك التحويلت ما يقارب 100 مليار دوالر خلل

الثمانينيات والت�سعينيات من القرن املا�سي.

وميكـــن ملحظـــة اأن تدفقات االأموال مـــن العامل املتقـــدم ب�سورها

املختلفة قد قفزت خم�ســـة اأ�سعاف يف بداية هذا العقد عما كانت عليه

عـــام 1980، اأي من حوايل 50 مليار دوالر اإىل ما يقارب 300 مليار عام

.2002

م�سادر امل�ساعدات تاأتي امل�ساعدات

بطبيعة احلـــال من الدول الغنية، وهكذا فـــاإن دول غرب اأوروبا و�سمال

اأمريكا باالإ�سافة اإىل اليابان واأ�سرتاليا ودول اخلليج تعترب اأهم املمولني

اأو املانحـــني. والت�ســـاوؤل التـــايل الـــذي يطرح نف�ســـه �سيكون عـــن اأكرب

م�سادر اأمـــوال امل�ساعدات. بالن�سبة مل�ساعدات التنمية الر�سمية هناك

طريقتـــني لقيا�س من هـــم اأكرب املانحني. الطريقـــة االأوىل - وهي اأكرث

عدالة - تقي�س م�ساعـــدات التنمية التي تقدمها الدول ن�سبة اإىل الناجت

املحلي، حيث ي�ستهدف املجتمع الدويل الو�سول بحجم تلك امل�ساعدات

اإىل 0.7% مـــن الناجت القومي االإجمـــايل للدول. ووفق هذا املقيا�س تاأتي

ال�سويد ولوك�سمبورغ والرنويج والدمنـــارك وهولندا على راأ�س القائمة.

طريقـــة القيا�س الثانية هي ح�ساب �ســـايف امل�ساعدات االإجمالية، وعلى

هذا االأ�سا�س تاأتي الواليات املتحدة ثم اليابان وفرن�سا وبريطانيا واأملانيا

بالتوايل على راأ�س القائمة.

امل�ستفيدون من امل�ساعدات اخلارجية امل�ساعدة

ب�سكل مطلق تقدم ملن هو بحاجة اإليها بطبيعة احلال، ويف اإطار التعاون

الدويل فالدول النامية هـــي من يجب م�ساعدته. وبالن�سبة للم�ساعدات

الر�سميـــة، وح�سب اإح�ســـاءات منظمة التعـــاون االقت�ســـادي والتنمية

)OECD(، فقـــد توجهـــت 46% مـــن تلـــك امل�ساعـــدات الر�سميـــة اإىل

اأفريقيـــا، بينما ح�سدت الدول االآ�سيويـــة 35%، ودول اأمريكا اللتينية

11%، ودول �ســـرق اأوروبا 7%. الحظ اأن التق�سيمات اجلغرافية ال�سالفة

ت�سم تكتلت الدول النامية واالأقل منوا.

وعدالة امل�ساعدات لي�ست مو�سوعا مطروحا يف �سياق التعاون الدويل،

فهي ال ت�ستهـــدف بال�سرورة الدول االأقل منـــوا. ت�سري االإح�ساءات عن

العلقـــة بني ن�سيب الفرد من امل�ساعـــدات ون�سيبه من اإجمايل الدخل

القومـــي اإىل اأن امل�ساعدات ب�سكل عام مل تكـــن موجهة اإىل الدول االأقل

دخـــل خلل االأعوام الــــ )25( املا�سية. وعلى �سبيـــل املثال، فقد بلغت

تقديرات امل�ساعـــدات االأمريكية لل�سرق االأو�ســـط 7286 مليون دوالر يف

2002، ولكـــن اإ�سرائيـــل وم�سر ت�ستحـــوذان على 57% منهـــا، اأي 4183

مليـــون دوالر )اأي 2580 مليـــون و1603 مليـــون على التـــوايل(، وهاتان

الدولتان حتما لي�ستا اأفقر دول ال�سرق االأو�سط. وعلى الدول التي تعتقد

اأنهـــا بحاجة للم�ساعدات اخلارجية اأن تبذل جهودا اإ�سافية ال�ستقطاب

تلك امل�ساعدات واإقناع املمولني الدوليني بق�ساياها.

Page 16: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 32 33ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ولكـــن اإىل اأي مدى تعتمد الدول النامية علـــى امل�ساعدات اخلارجية؟

تتفاوت الدول امل�ستفيدة يف درجة اعتمادها على امل�ساعدات اخلارجية،

ففي حني تثل امل�ساعدات الر�سمية 60% من الناجت القومي يف موزمبيق

)2002( مثـــل فاإننا جند تراجع معـــدل ن�سبة االعتماد على امل�ساعدات

خـــلل الفرتة بني عامي 2000 و2004 يف معظم الدول العربية با�ستثناء

موريتانيـــا، حيث ال تزال ن�سبة امل�ساعـــدات اإىل اإجمايل الدخل القومي

يف حـــدود 30.6%. وبالن�سبة لليمن فهي بلد غري معتمد على امل�ساعدات

االأجنبية، فتقديرات ميزانية 2009 ت�سري اإىل اأن املنح ت�سكل فقط %5.1

.)GDP( من اإيرادات احلكومة و1.4% من اإجمايل الناجت املحلي

دوافع امل�ساعدات اخلارجية يثار كثري

من اجلدل واملناظرات حول م�ساعدات التنمية املقدمة للدول الفقرية،

ورغـــم اأن هنـــاك ما ي�سبه االإجماع حول اأهميتهـــا، اإال اأنه وعندما يتعلق

االأمـــر بدوافعها �ستجد ت�ستتا وا�سحا حد التناق�س بني من يرجعها اإىل

دوافـــع اإن�سانية وبني من يحيـــل دوافعها اإىل نظريـــة التاآمر واالأجندات

اخلفيـــة التي يحملها املانحـــون. وكثري مـــن االآراء واحلجج �سادرة عن

انطباعات م�سبقة وبع�سها �سادر عن معلومات ناق�سة، وال يخلو م�سهد

اجلدل هذا من مقدار ال باأ�س به �سوء الفهم.

يف درا�ســـة اأعدتهـــا املفو�سيـــة االأوروبيـــة ال�ستق�ســـاء اآراء املواطنني

االأوروبيـــني حول الدوافع الكامنة وراء م�ساعدات التنمية املقدمة للدول

الفقرية اأجاب 28% مـــن امل�ستطلعة اآراءهم اأن امل�سلحة القومية للدول

املانحة اأهم دوافع تقدمي امل�ساعدات، ونف�س الن�سبة ح�سل عليها الدافع

االآخـــر واملتعلق بامل�ساهمـــة يف اال�ستقرار العاملي. اأمـــا الدافع الثالث يف

راأي االأوروبيـــني فـــكان ت�سجيـــع الدميقراطية واحلكـــم اجليد )%22(.

وبالن�سبـــة للدافع الرابع فقد كان جتنب هجرة مواطني الدول امل�ستقبلة

للم�ساعـــدات اإىل الدول الغنيـــة )20%(. اأما العمل من اأجل عدم توفري

بيئة ملئمة للإرهاب فقد كان الدافع اخلام�س يف راأي االأوروبيني.

وبالنظـــرة العامـــة، هناك نق�ـــس يف املعلومات لـــدى كل من مواطني

الـــدول املتلقية للم�ساعدات ومواطني الدول املانحة. ففي الطرف االأول

)الـــدول امل�ستفيدة( يوجد تفاوت حد التطرف يف نظرة النا�س الأهداف

امل�ساعـــدات قد ت�سل بع�س االآراء حد ال�ســـك يف دوافع تلك امل�ساعدات

وو�سفهـــا بالعمل التاآمري �ســـد اقت�سادات بلدانهـــم اأو كاأنها جزء من

خطـــة امربيالية ل�سمان ا�ستمرار تفـــوق دول ال�سمال. يكاد يكون هناك

اإجمـــاع حول اأحد اأنـــواع امل�ساعدات وهي امل�ساعـــدات الر�سمية اأي تلك

التـــي تقدمها احلكومات، وهـــذا االإجماع يدور حول فكـــرة واحدة وهي

اأنهـــا خا�سعة للعتبارات ال�سيا�سية، ودوافعها باالأ�سا�س �سيا�سية تتعلق

بح�سابـــات امل�سالـــح القومية للـــدول املانحة. وت�ســـري االإح�ساءات عن

العلقـــة بني ن�سيب الفرد من امل�ساعـــدات ون�سيبه من اإجمايل الدخل

القومـــي اإىل اأن امل�ساعدات ب�سكل عام مل تكـــن موجهة اإىل الدول االأقل

دخل خلل االأعوام الـ )25( املا�سية، مبعنى اأنه مل يتم االأخذ اأو العمل

وفق االعتبار اخلا�س مبدى احلاجة الفعلية لتلك امل�ساعدات.

ال ميكـــن اأن يجمـــع كل اأنـــواع امل�ساعدات اخلارجيـــة تو�سيف واحد اأو

اإرجاعها اإىل دوافع معينة. ولكـــن وباملقابل فالدول امل�ستفيدة يف طلبها

اأو قبولهـــا تلـــك امل�ساعدات تنطلـــق يف غالب االأحوال مـــن اقت�ساداتها

املتوا�سعـــة ومواردها املحدودة. وميكننا اإيجـــاز دوافع الدول املانحة يف

ثـــلث اأنـــواع: االأوىل �سيا�سية، والثانيـــة اقت�ساديـــة، والثالثة اأخلقية.

الدوافـــع ال�سيا�سيـــة غالبـــة على امل�ساعـــدات الر�سمية التـــي تخرج من

خزائن احلكومات املانحة باجتاه احلكومات امل�ستفيدة، وهذه ت�ستخدم

ل�سراء مواقف �سيا�سية، اأو تبني �سيا�سات اأمنية، ولدعم و�سع �سيا�سي اأو

اأيديولوجيـــة معينة. اأما حزمة الدوافع االقت�سادية فغايتها النهائية هو

اال�ستثمـــار يف فتح وتنمية اأ�سواق حمتملة للآلـــة االقت�سادية للمانحني.

احلزمـــة الثالثة تقف اأ�سا�سا وراء امل�ساعدات غري الر�سمية )تخرج من

م�ســـادر غري حكومية( وم�ساعدات الطوارئ والكوارث وهدفها وا�سح.

وب�سكل اإجمـــايل فم�ساعدات التنمية هي نوع من اال�ستثمار يف ال�سيا�سة

واالقت�ساد واالأخلق.

مفيدة اأم �سارة؟ هل ميكن اأن تكون

م�ساعـــدات التنمية �سارة؟ نعم ميكن اأن ت�سبح كذلك. اأما

كيـــف فتختلف االإجابة ح�سب الزاوية التي نقف فيها وننظر

للم�ساألـــة منها. فاإحـــدى وجهات النظر تـــرى اأن م�ساعدات

التنمية تقود اإىل تف�سي الدكتاتوريات وبقاء االأنظمة الفا�سلة

يف الدول النامية جلهة اأنها ت�ساعدهم على اال�ستقرار، وكاأن

االأمر �سيكـــون اأف�سل لو ترك اأولئك احلـــكام وتلك االأنظمة

الفا�سلة ملواجهة ف�سلهم الـــذي �سيق�سي عليهم. ومن وجهة

نظـــر قريبة من ذلك، يـــرى البع�س اأن م�ساعـــدات التنمية

تقـــود اإىل االإ�سرار بالنظـــام ال�سريبي للدول امل�ستفيدة من

حيـــث اأنها تركـــن اإىل امل�ساعدات االآتية مـــن وراء احلدود،

وال حتـــاول تطوير نظامها االإيرادي وال�سريبي ب�سكل خا�س

وزيـــادة كفاءته كمـــا ينبغي للدولـــة اأن تفعـــل. ويظل هناك

اأ�سبحت م�ساعدات التنمية م�سدرا

متنامي االأهمية للدول الفقرية

وال غنى عنه اأحيانا، اإال اأن ما

حتتاجه تلك الدول هو اال�ستثمار

يف اإدارة تلك امل�ساعدات،

فم�ساعدات تنمية من دون اإدارة

جيدة قد ال تعني �سيئا �سوى اأنها

هدر لاأموال وكلفة اإ�سافية على

االقت�ساد واالأجيال القادمة

ME

Arc

hiv

E

اتفـــاق عام مفـــاده اأن االإدارة ال�سيئـــة للم�ساعدات قد تقـــود اإىل نتائج

�سلبيـــة ت�سر باقت�سادات الـــدول امل�ستفيدة من حيث تـــدري وال تدري.

وعلـــى �سبيـــل املثـــال، فامل�ساعدات التـــي تاأتي علـــى �سكل �سلعـــي وتوزع

باملجـــان م�سرة ب�سكل ال جدال فيه )ونحن هنا ال نتكلم على م�ساعدات

الطـــوارئ والكوارث(. وما ح�سل يف ناميبيا، الدولة الواقعة يف �سحراء

جنـــوب غرب اإفريقيـــا، من اأو�سح احلاالت الدالة علـــى خطورة االإدارة

ال�سيئـــة للم�ساعدات. فقد ا�ستفاقت تلـــك الدولة على و�سع خ�سرت فيه

ثروتهـــا احليوانية بعد �سنتني من تلقي م�ساعدات اللحوم االأوروبية التي

وزعت باملجان.

معظم املخاوف واأكـــرث النقد الذي تواجهه م�ساعدات التنمية ين�سب

على مـــا ي�سمى بامل�ساعـــدات امل�سروطـــة، وخ�سو�سا تلـــك القادمة من

البنك الـــدويل و�سندوق النقد الدويل. واأهم معايب م�ساعدات التنمية

ح�سب االجتـــاه النقدي العام هي تلك ال�ســـروط وال�سيا�سات امل�ساحبة

لها والتي ت�ساغ يف مكاتب زجاجية خلف اأعايل البحار وبعيدة عن واقع

الدول امل�ستفيدة ومن قبل متخ�س�سني ال يعرفون �سيئا عن واقع احلال

ومعطيات اجلغرافيا واالجتمـــاع وال�سيا�سة يف الدول التي ي�ستهدفونها.

لقـــد ف�سلـــت �سيا�سات املوؤ�س�ســـات الدولية يف بع�س الـــدول التي تدخلت

فيهـــا، ولكـــن وللإن�ساف هنـــاك اقت�سادات جنحـــت التدخلت فيها.

فاأين تكمـــن احلقيقة؟ لعل االأمر يقودنا ثانيـــة اإىل التاأكيد على االإدارة

اجليدة مل�ساعدات التنمية واالنتقائية املحرتفة.

اإن اللجوء اإىل م�ساعدات التنمية اخلارجية �سيكون اأمرا يف غاية الغباء

يف حال كانـــت الدولة ال حتتاجها ويف حال توفرت البدائل. فم�ساعدات

التنميـــة يف النهاية ما هي اإال ديـــون اأخلقية ونف�سية قبل اأن تكون ديونا

ماديـــة على عاتـــق االأجيال. لكن، ومن زاوية اأخـــرى، ت�سبح م�ساعدات

التنمية اخلارجية مهمة وم�سدرا ال غنى عنه عندما ال تتوفر االإيرادات

اللزمة والكافية الأي دولة لتمويل براجمها وخططها التنموية، ويف هذه

احلـــال على الدولـــة وقبل ال�سروع يف الدخـــول يف اأي برنامج م�ساعدات

اأن تتلـــك فل�سفـــة وا�سحة ت�سمن تقدمي اإجابـــات وا�سحة ودقيقة على

االأ�سئلة التالية: هل هي بحاجة اإىل تلك امل�ساعدات؟ ما نوع امل�ساعدات

التـــي حتتاجها؟ كيف �ستدير تلـــك امل�ساعدات بحيث تكـــون م�ساعدات

منتجـــة ت�سيف �سيئا للقت�ســـاد؟ ما هي الكيفية التـــي �ساأعيد للممول

اأموالـــه وفوائدهـــا يف حال القرو�ـــس ويح�سل بها علـــى الر�سا يف حال

الهبات؟

لقـــد اأ�سبحت م�ساعـــدات التنميـــة م�ســـدرا متنامي االأهميـــة للدول

الفقرية وال غنى عنه اأحيانا، اإال اأن ما حتتاجه تلك الدول هو اال�ستثمار

يف اإدارة تلـــك امل�ساعـــدات، فم�ساعدات تنمية مـــن دون اإدارة جيدة قد

ال تعنـــي �سيئا �ســـوى اأنها هدر للأمـــوال وكلفة اإ�سافية علـــى االقت�ساد

واالأجيال القادمة.

اأخـــريا، قد يكون مـــن االإن�ساف والواقعية يف نف�ـــس الوقت اأن نلخ�س

امل�سهـــد؛ فهنـــاك حاجات متنامية لدى الدول االأقل منـــوا واأو�ساع قد ال

تـــرتك لها خيارا اإال اللجـــوء اإىل هذا امل�سدر التمويلـــي اخلارجي. فما

الـــذي ميكنك عملـــه عندمـــا ال تتوفر لديك املـــوارد يف حـــني اأن هناك

م�ســـادر تويل يقدمها العـــامل الغني م�سكورا؟! وتبقـــى اإمكانية النظر

اإىل االأمـــر على الطريقـــة التالية: فاأنت ل�ست جمـــربا على اأخذ اأو طلب

تلك امل�ساعدات وال ي�ستطيع الطـــرف االآخر اإكراهك عليها، ويف اجلهة

املقابلة من امل�سهـــد يقف الطرف االآخر غري ملزم باأن يقدم امل�ساعدة.

ويبقى على ال�سيا�سة واالإدارة الناجحة للبلدان النامية اأن تقرر طريقتها

يف اإدارة ال�سرورات واملمكنات.

م�ساعدات التنمية اخلارجية لليمن و�سل

ن�سيب اليمن من امل�ساعدات الدولية الر�سمية اإىل 18 مليار و840 مليون

على اليمن اأن تتجنب االنزالق

اإىل الو�سع الذي ت�سبح فيه

امل�ساعدات اخلارجية نوعا من

اال�ستثمار االأمني ملجتمع املانحن.

وهذا لاأ�سف هو ما يخربنا به

امل�سهد احلايل الذي ي�سهد ن�ساطا

غري م�سبوق يف عاقة اليمن

مبجتمع املانحن

ME

Arc

hiv

E

Page 17: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 34 35ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حتليلت اليمن والعامل

دوالر بني عامي 1970 و2004. وقد تعادلت ح�ستا املنح والقرو�س خلل

تلك الفرتة، وازدادت ن�سبـــة القرو�س غري امل�سروطة منذ 2002، فمثل

بلغـــت تلك الن�سبة 78% بـــني 2002 و2005. اإال اأن ذلك ال يقلل من اأعباء

القرو�س امل�سروطة التي ال تزال ت�سكل رقما يدور حول %22.

لقد تقل�ست م�ساعدات التنميـــة املقدمة لليمن حيث انخف�س ن�سيب

الفرد من م�ساعدات التنمية من 170 دوالر عام 1976 اإىل 12 دوالر عام

2004، �ساعد يف ذلك ارتفاع معدل النمو ال�سكاين ولكنها عادت لت�سهد

ارتفاعـــا وفقا لوثيقة �سيا�سة امل�ساعـــدات التنموية )وزارة التخطيط(؛

فهنـــاك زيـــادة يف املعـــدل ال�ســـايف للتمويـــل اخلارجـــي )خ�سو�ســـا

امل�ساعـــدات( مـــن ن�سبة 1.1 % مـــن اإجمايل النـــاجت املحلي )GDP( يف

2006 اإىل 7.8 % من اإجمايل الناجت املحلي )GDP( يف 2010.

وينبغـــي التنويه اإىل اأنه مهما بلغ حجـــم امل�ساعدات التي تلقتها اليمن

اإال اأن النظر اإىل االأمر من زاوية اأخرى �سيو�سح لنا اأن م�ستويات وحجم

امل�ساعدات واملعونـــات التي تتلقاها اليمن يقل كثريا عن م�ستوى وحجم

تلـــك التي تتلقاهـــا الدول االأقـــل منوا )اليمـــن اإحدى الـــدول الع�سرين

االأقـــل منوا يف العامل(. يت�سح ذلك عندما نقارن ن�سيب الفرد من تلك

امل�ساعدات، ففـــي حني بلغ ن�سيب الفرد يف اليمن عام 2004 حوايل 12

دوالر اأي ما يعادل 2.2% من اإجمايل الناجت املحلي )GDP( يبلغ متو�سط

ن�سيب الفرد يف الدول االأخرى االأقل منوا 33.4 دوالر اأو ما يعادل %18.7

من اإجمايل الناجت املحلي. اإن الدول ذات االأو�ساع امل�سابهة لليمن تتلقى

ما بـــني 5 اإىل 15 �سعف مـــا يتلقاه اليمن من م�ساعـــدات. وب�سكل عام،

ووفقـــا للأمم املتحدة فاليمن حتتل مرتبـــة متدنية جدا يف قائمة الدول

االأقل منوا التي تتلقي م�ساعدات خارجية، حيث تاأتي يف املرتبة 155 من

جممـــوع 177 دولة. وحتتل املرتبة 44 مبتو�ســـط 3.3 درجات يف ت�سنيف

البنـــك الـــدويل، املبنـــي على 16 عامـــل ت�ستخـــدم كمحـــددات قيا�سية

لتخ�سي�ـــس م�ساعدات هيئـــة التنمية الدولية IDA )اإحـــدى موؤ�س�سات

البنـــك الدويل التي تخت�س بالتعامل مع الدول االأفقر، والتي يبلغ معدل

دخل الفرد فيها اأقل من 750 دوالر اأمريكي(. فاليمن اإذن ال يعترب بلدا

معتمـــدا علـــى امل�ساعدات اخلارجيـــة لت�سيري اقت�ســـاده، ووفق ميزانية

2009 )املقدمـــة ملجل�س النواب( فلم تثل املنـــح اخلارجية �سوى %1.4

من الناجت املحلـــي االإجمايل، ومثلت فقط 5.1% من اإيرادات احلكومة.

فهـــل �سي�ستمر الو�ســـع بهذا اال�ستقلل الن�سبي عـــن م�ساعدات التنمية

اخلارجية.

ال يتمنـــى اأي بلد يف العـــامل اأن يجد نف�سه معتمـــدا على معونات الغري

لت�سيـــري اقت�ساده اأو اأن تلى عليه �سروط من خارج حدوده اجلغرافية.

ولكـــن مـــا الذي على هذا البلـــد عمله اإذا وجد نف�سه مـــن دون موارد اأو

مبـــوارد تن�سب مـــع تقدم الوقـــت. وعلينـــا اأن نت�ساءل هل مـــوارد البلد

يف اأعلـــى قيمـــة متفائلـــة تكفي الإحـــداث تنميـــة وتكفل ت�سيـــري اقت�ساد

متنامي؟!

هــل اليمــن بحاجــة اإىل امل�ســاعدات اخلارجيــة

دعونا نتحدث ب�سورة �سديدة االإيجاز عن م�سادر الدخل؛ تواجه البلد

م�ســـاكل انخفا�س متوا�سل للإنتاج النفطـــي )يتوقع اأن تنخف�س ح�سة

احلكومـــة مـــن االإنتـــاج اإىل 195000 برميل يوميـــا يف 2010( م�سحوبا

بانخفا�ـــس وعـــدم ا�ستقرار اأ�سعار النفـــط، وهو مـــا اأدى اإىل انخفا�س

اإيـــرادات البلد بن�سبـــة 22% ح�سب تقديـــرات 2009 )الحظـــوا اأن ثلثي

اإيـــرادات احلكومة تاأتي من النفط(، وهذا يقود اإىل عجز مت�ساعد يف

امليزانيـــة )قدر يف نف�س العـــام بـ 13.7%(. ي�ساف اإىل ذلك، وجود خلل

يف ال�سيطـــرة االقت�سادية نتيجته اإهدار املوارد. وح�سب درا�سة جلامعة

لين�ســـت يف النم�سا لـ 145 بلدا ميثل االقت�ســـاد غري الر�سمي )التهريب

وخلفه( يف اليمن 27.3% من الناجت املحلي االإجمايل.

اإن امل�سهـــد االقت�سادي احلايل يقل�س من اخليارات التي لدى البلد،

وبع�ـــس تلك اخليـــارات �ستكون قا�سيـــة من قبيل اإعـــادة النظر يف دعم

البنزيـــن الذي ميثل 14% من النفقـــات االإجمالية )كما يقرتح �سندوق

النقد الدويل(.

اإذن مـــا الـــذي يجب على اليمـــن فعله، وما هي اخليـــارات التي اأمامه

اأهم معايب م�ساعدات التنمية

ح�سب االجتاه النقدي العام هي

تلك ال�سروط وال�سيا�سات امل�ساحبة

لها والتي ت�ساغ يف مكاتب زجاجية

خلف اأعايل البحار وبعيدة عن

واقع الدول امل�ستفيدة ومن قبل

متخ�س�سن ال يعرفون �سيئا عن

واقع احلال ومعطيات اجلغرافيا

واالجتماع وال�سيا�سة يف الدول التي

ي�ستهدفونها

Mic

hA

El S

hA

kES

ملواجهـــة االأزمـــة االقت�سادية؟ هل علينـــا اأن نبداأ التفكـــري مب�ساعدات

التنمية الدولية والتعامل معها بطريقة جادة وجديدة؟ نعم، م�ساعدات

التنمية اخلارجية اإىل حد االآن هي اأهم اخليارات املتاحة لنا واالأقل كلفة

�سيا�سيا، خ�سو�سا واليمن مل ي�ستنفذ ومل يطرق عدد كبري من م�سادر

التمويـــل الـــدويل. فعدد �سركاءه يف التنمية �سغـــري حتى االآن وميكن اأن

يـــزداد عددهـــم. واإذا مل يكن اأمامنـــا يف املدى املنظـــور اإال اللجوء اإىل

امل�ساعدات الدولية فعلينا اأن جنيب م�سبقا على �سوؤالني ب�سيطني: ماذا

نريد؟ وكيف؟

امللحظ حتى االآن اأننا ال منتلك فل�سفة وال منهج خا�س بنا يف تعاملنا

وفهمنـــا مل�ساعـــدات التنميـــة الدولية. وعلـــى اليمن اأن تتبنـــى منهجها

وفل�سفتهـــا الوا�سحـــة التي توجه وتر�ســـم اخلطوط االأ�سا�سيـــة لتعاملنا

مـــع م�ساعدات التنميـــة اخلارجية، وتقـــود اإىل اإعـــداد �سيا�سة وخطط

تنمويـــة وا�سحة والتـــي بدورها �ست�سهل عملية ان�سمـــام �سركاء التنمية

اجلـــدد وي�سهـــل العمل معهـــم. اإن اأهم مـــا ينبغي الأي �سيا�ســـة نعتمدها

حـــول م�ساعـــدات التنمية هـــو اأن عليهـــا، وبالدرجـــة االأوىل، ا�ستهداف

القطاعـــات االقت�ساديـــة املف�سية اإىل زيـــادة معدالت النمـــو، بدال من

تركيزها علـــى القطاعات االجتماعية. ولتو�سيـــح تلك الفكرة، �سنذكر

هنـــا باأن م�ساعدات التنمية تواجه الكثـــري من االنتقادات حول جدواها

و�سرورتهـــا للـــدول النامية، ولكن اأغلـــب تلك االنتقـــادات ال تدور حول

قيمتهـــا، ولكـــن ترتكز حول نوعيـــة تلـــك امل�ساعـــدات وال�سيا�سات التي

تديرهـــا وحـــول القطاعات التي ت�ستهدفها. فمثـــل يف الفرتة بني عامي

1980 و2004 اأظهـــرت االإح�ســـاءات اأن امل�ساعـــدات االإمنائية يف اليمن

واالأردن وفل�سطني وجهـــت ب�سكل ت�ساعدي على القطاعات االجتماعية

م�سحوبة برتاجـــع امل�ساعدات املخ�س�سة للقطاعات االقت�سادية، وهو

مـــا قلل من فر�س تطوير القاعدة االقت�ساديـــة وحتقيق ن�سب اأعلى من

النمو. ويف نف�س ال�سياق، فاإجمايل امل�ساعدات االأمريكية امل�ستهدفة لعام

2010 مل�سر مثـــل تبلغ 1552 مليون دوالر منهـــا 1300 مليون م�ساعدات

ع�سكريـــة وذلك ميثـــل 83.7% من اإجمـــايل تلك امل�ساعـــدات، فهل كان

االأمر �سي�سكل فرقا لو وجهت تلك االأموال لقطاعات اإنتاجية؟

وهكـــذا فـــاإن مل تكن امل�ساعـــدات التـــي نتلقاها منتجة فـــل نحتاجها

بال�سرورة، وبالعك�س قد تثل عبئا اإ�سافيا على اقت�سادنا وعلى اأجيالنا

القادمـــة )فن�سيـــب الفرد يف اليمـــن من الديون حتـــى االآن ي�سل رقما

يتجاوز 300 دوالر(.

االأمـــر الثـــاين الغاية يف االأهميـــة الأي �سيا�سة قد نتبناهـــا هو التعامل

مـــع اإدارة تلك امل�ساعدات باحـــرتاف، واإذا ظللنا ندير التنمية بو�سائلنا

وطرقنـــا التقليدية غري املعتمدة على التخ�س�س واملهارات فلن يكون ما

نقـــوم به �سيئا غري اإهـــدار ملوارد اأخرى. على اليمن اأن ي�ستثمر يف اإدارة

التنميـــة واأال يبخل عليها، فاإدارة تنمية ناجحة وحمرتفة تعني اقت�سادا

متناميا وم�سادر دخل متزايدة.

على الدولة وقبل ال�سروع يف

الدخول يف اأي برنامج م�ساعدات

اأن متتلك فل�سفة وا�سحة ت�سمن

تقدمي اإجابات وا�سحة ودقيقة

على االأ�سئلة التالية: هل هي

بحاجة اإىل تلك امل�ساعدات؟ ما

نوع امل�ساعدات التي حتتاجها؟

كيف �ستدير تلك امل�ساعدات

بحيث تكون م�ساعدات منتجة

ت�سيف �سيئا لاقت�ساد؟ ما هي

الكيفية التي �ساأعيد للممول

اأمواله وفوائدها يف حال القرو�ض

ويح�سل بها على الر�سا يف حال

الهبات؟

Mik

Ey G

Ott

AwA

Page 18: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 36 37ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حتليلت اليمن والعامل

معوقات م�ساعدات التنمية يف اليمن مل

تكن ومل تنح�سر امل�سكلة يف اليمن فقط يف �سحة املوارد، فاإدارة املوارد

تثل م�سكلة موازية. ورغـــم عدم اعتماد اليمن على م�ساعدات التنمية

اخلارجيـــة )فقط 5% من الناجت املحلي االإجمايل عـــام 2008( اإال اأنها

تظل موردا حمتمل ميكن اللجوء اإليه يف امل�ستقبل اإذا مل ي�سهد القطاع

النفطـــي اأي اكت�سافات معتربة تعو�ـــس التناق�س امل�ستمر يف اإنتاج البلد

مـــن النفط الـــذي ي�سكل ثلثي االإيرادات. ويتوقـــع �سندوق النقد الدويل

اأنـــه لن يكـــون اأمام اليمـــن يف امل�ستقبل القريب �ســـوى اللجوء اإىل طلب

تويلت خارجية.

اإن الغايـــة التي ت�سعـــي الدول الناميـــة والدول االأقل منـــوا بلوغها هي

اإقنـــاع املجتمع الدويل بتقدمي املزيد من امل�ساعدات. ولكن زيادة موارد

وم�ســـادر امل�ساعـــدات م�ساألة مرتبطـــة بالفاعلية وكفـــاءة املخرجات.

والعلقـــة ت�ساعديـــة؛ فكلمـــا زادت فعالية واأثر امل�ساعـــدات على اأر�س

الواقـــع كلما زادت حوافـــز املمولني لزيادة تويلتهـــم، لي�س هذا فقط

بل تـــزداد عوامل اإغـــراء وت�سجيع ممولني جدد للدخـــول وامل�ساهمة يف

ق�سة النجاح التي تتم يف هذا البلد اأو ذاك، فموؤ�س�سات التمويل متعددة

االأطـــراف ت�ستفيـــد اأي�سا؛ فنجاحها هنا اأو هنـــاك يحفز اأع�سائها على

زيادة م�ساهماتهم فيها.

وهكذا ال ميكن اختزال م�ساعدات التنمية كم�ساألة عر�س وطلب وكاأن

االأمر فقط اأنه متى وجدت امل�ساعدات فاإن اال�ستفادة منها تكون م�ساألة

حت�سيل حا�سل، وكما �سبقت االإ�سارة فم�ساكل البلد ال تنح�سر يف �سحة

املـــوارد بل يتعدى االأمـــر اإىل اإدارة املوارد. اإذا مل تكن اإدارة امل�ساعدات

كفـــوءة وفعالة فاإن احل�سيلة منهـــا �ستكون ال �سيء �ســـوى عبئا اإ�سافيا

علـــى البلد وعلى االأجيال القادمـــة. وبالن�سبة لليمن فما هو وا�سح حتى

االآن وقابـــل للملحظة هو وجود موؤ�سرات ومظاهر ل�سيء ال ي�سري ب�سكل

�سحيح. واأحد اأهم املوؤ�سرات تلك هي ظاهرة العجز يف ن�سبة ال�سحوبات

من القرو�س وامل�ساعدات اخلارجية )املخ�س�سات املتاحة(، وهذه تعد

من اأعجب واأخطر امل�سائـــل، وال اأعرف كيف ا�ستوعب البلد ا�ستثمارات

م�ســـروع الغاز بب�سعة مليارات من الـــدوالرات يف ال�سنوات املا�سية، يف

حني عجز االقت�ساد عن ا�ستيعاب مبالغ اأقل من ذلك بكثري حتت حجة

القـــدرة اال�ستيعابية املحدودة للقت�ساد. ح�سنـــا، ملاذا اإذن طلبنا تلك

االأمـــوال من االأ�سا�س. وملـــاذا ال ميكن تف�سري تردد احلكومة يف ا�ستثمار

تلك املخ�س�سات يف م�ساريع عملقة للبنية التحتية.

يواجـــه تنفيذ امل�ساريع العديد من ال�سعوبـــات، وهذا موؤ�سر اآخر على

وجـــود معوقات، واالأمر يتفاقم لدرجة خروج �سكوى العديد من املمولني

اإىل العلـــن، ولقد كان اأمرها �سكوى رئي�س البنك الدويل عام 2004 عند

زيارتـــه لليمن. لقـــد اأو�سح بجـــلء يف معر�س �سكواه من عـــدم التزام

احلكومـــة بتعهداتهـــا، واأن البنك ال ميكـــن اأن ي�ستمـــر مب�ساعدة اليمن

اإىل مـــا ال نهايـــة وعلـــى اليمنيني م�ساعـــدة اأنف�سهم قبـــل اأن ي�ساعدهم

IDA الغـــري. وهكـــذا بـــداأت احلكومـــة اليمنية وهيئـــة التنميـــة الدولية

مبراجعـــة حقيبة القرو�س املمنوحة بهدف الوقـــوف على املعوقات التي

رافقت تنفيـــذ امل�ساريع، واأدت اإىل تدين م�ستـــوى ال�سحب من القرو�س

وامل�ساعدات اخلارجية .

تتعـــدد اأ�سكال ومعوقات م�ساعـــدات التنمية اخلارجيـــة يف اليمن من

حيث طبيعتها واأ�سبابها فل يقع اللوم على الطرف اليمني وحده، فقدرا

حمرتمـــا منها يعود اإىل اأ�سباب خارجة عن ال�سيطرة اليمنية، وحتديدا

اإىل املوؤ�س�ســـات املانحـــة. وت�سنف املعوقـــات التي تواجههـــا م�ساعدات

التنمية يف اليمن يف ثلث حزم:

االإداري االأداء عــن نا�ســئة معوقــات االأوىل: احلزمــة

للموؤ�س�سات اليمنية

• فمـــن وجهـــة نظـــر املمولـــني، ح�ســـب ا�ستطـــلع وزارة التخطيط والتعـــاون الدويل عن املعوقـــات التي حتد من فاعليـــة امل�ساعدات، فاإن

هنـــاك �سعفـــا عامـــا يف التن�سيق بـــني املوؤ�س�سات احلكوميـــة واختلف

اأولوياتها، وعدم التزام موؤ�س�ســـات اجلانب اليمني بنظام معني لتقدمي

ال ميكن اأن يجمع كل اأنواع

امل�ساعدات اخلارجية تو�سيف

واحد اأو اإرجاعها اإىل دوافع

معينة. ولكن باملقابل فالدول

امل�ستفيدة يف طلبها اأو قبولها

تلك امل�ساعدات تنطلق يف

غالب االأحوال من اقت�ساداتها

املتوا�سعة ومواردها املحدودة

Flic

kr

طلباتها للمانحني وتن�سيق �سعيف لتلك الطلبات.

بتعهداتها التي تقطعها للمانحني )كما بالوفاء اليمن التزام • عدم يظهـــر مـــن تقارير البنـــك الدويل مثـــل(، ولعل ذلك يعـــود اإىل �سببني

رئي�سيـــني ميكن التفكـــري فيهما، االأول اأن تلك التعهـــدات قد تكون ذات

كلفـــة �سيا�سية مـــن قبيل رفـــع الدعم عـــن امل�ستقات النفطيـــة. ال�سبب

الثاين: وجود خلل يف اتخاذ القرارات يف النظام االإداري للبلد، ففقدان

ال�سيطـــرة علـــى وحدة القرار هو ما يقود غالبـــا اإىل فقدان قدرتنا على

الوفاء مبا نقطعه من وعود.

• االفتقاد اإىل نظام دقيق و�سامل للمتابعة والتقييم واملحا�سبة خا�س بامل�ساعدات، ي�ساحب ذلك اآلية �سعيفة لتدفق املعلومات وترابطها.

احلزمــة الثانية: معوقات خارجية وترتبط مب�ســادر تلك

امل�ساعدات

• احلجم املتوا�سع للم�ساعدات املقدمة من جمتمع املانحني لليمن. اإن الـــدول ذات االأو�ســـاع امل�سابهة لليمن تتلقى ما بـــني 5 اإىل 15 �سعف

مـــا يتلقاه اليمن مـــن م�ساعدات. وب�ســـكل عام، ووفقا لـــلأمم املتحدة،

فاليمـــن حتتل مرتبة متدنية جدا يف قائمة الدول التي تتلقي م�ساعدات

خارجيـــة حيث تاأتي يف املرتبـــة 155 من جمموع 177. واحلجم املتوا�سع

للم�ساعدات بطبيعة احلال يجعل من م�ساعدات التنمية ذات اأثر حمدود

يف بلد حتتاج التنمية فيه اإىل تدخلت جذرية ووا�سعة النطاق بتمويلت

اأ�سخم. اأما اإذا بحثنا عن اأ�سباب هذا التوا�سع يف حجم تدفقات اأموال

التنميـــة اإىل اليمـــن ف�سيقودنـــا ذلـــك اإىل احلديث عن كفـــاءة وقدرات

املفاو�ـــس اليمني، و�سيحيلنا بنف�س القدر اإىل اأجندات املانحني املحملة

بكثري من االعتبارات ال�سيا�سية وكم ال باأ�س به من ال�سروط.

انتظام امل�ساعدات، فقد ات�سمت امل�ساعدات التنموية املقدمة • عدم للبلـــد عمومـــا بعدم االنتظام مـــا اأثر �سلبـــا يف تخطيـــط وتنفيذ برامج

التنميـــة، و�ساحب ذلك عدم التزام املانحـــني بتعهداتهم. كل ذلك قاد

اإىل غيـــاب اآليـــة لتوقع ان�سياب امل�ساعدات. وال نن�ســـى عامل مهما اآخر

متعلق بعدم مرونة �سيا�سات واإجراءات املانحني.

• تراجـــع امل�ساعـــدات املخ�س�سة للقطاعـــات االقت�سادية. وح�سب االإ�سكـــوا، فـــاإن امل�ساعـــدات االإمنائيـــة وجهـــت ب�ســـكل ت�ساعـــدي على

القطاعـــات االجتماعية )خ�سو�سا بعد تبنـــي برنامج االألفية(، وهو ما

قلـــل من فر�س تويـــل القطاعات االقت�سادية وحتقيـــق ن�سب اأعلى من

النمو.

احلزمة الثالثة: عوائق متعلقة بالنظام العام

• غيـــاب فل�سفـــة حمددة خا�ســـة بالبلد تر�سم اخلطـــوط االأ�سا�سية لتعاملنـــا مـــع امل�ساعـــدات، وتثل اإطـــارا �سيا�سيا اقت�ساديـــا ميكن من

تقييـــم امل�ساعـــدات املختلفة من حيـــث نوعيتها وقطاعاتهـــا امل�ستهدفة

و�سروطهـــا، وميكن البلد مـــن معرفة نوعية وم�ســـادر امل�ساعدات التي

ت�سملهـــا طلباتـــه. ينبغـــي اأن حتدد تلـــك الفل�سفـــة اأمنـــاط امل�ساعدات

املطلوبـــة واملف�سلـــة، وت�ستمـــل على تو�سيفـــات وت�سنيفـــات واإجراءات

مف�سلـــة عـــن امل�ساعدات. وعلـــى تلك الفل�سفـــة اأو املرجعيـــة اأن تو�سح

وت�سبب التف�سيلت وال�سيا�ســـات واالإجراءات. فمثل ملاذا يعترب تقدمي

امل�ساعـــدات املبا�ســـرة للموازنة غري ممكنا حاليا وغـــري مف�سل؟ وملاذا

نف�ســـل الدعم امل�ســـرتك )بني املانحني( لقطاع مـــن القطاعات؟ وعلى

�سبيـــل املثال، وفقا لـــوزارة التخطيط فاإنه »ال يوجد حاليـــا اإر�سادات اأو

توجيهـــات عاملة عن كيفية ت�سميم اأو عمل امل�ساعدات الفنية يف اليمن

كاأداة مـــن اأدوات امل�ساعـــدات، وخا�ســـة للتاأكد باأن امل�ساعـــدات الفنية

مقدمة بطريقه ت�سمن زيادة تاأثري تطوير القدرات«.

اأمرا • ح�سب وزارة التخطيط، فاإن وجود التدخلت ال�سيا�سية يعد معيقا اإ�سافيا خ�سو�ســـا عندما يتعلق االأمر

بالتدخل يف و�سع اأولويات امل�ساريع وطرق

تنفيذها.

• غياب قواعد البيانات )على امل�ستوى الكلـــي والقطاعي للبلد( والتـــي ت�سكل حجر

زاويـــة لي�س فقط للقت�ســـاد وال�سيا�سة بل يف كل مناحي احلياة يف هذا

الع�سر، فهي بو�سلة التنمية واأداتها.

ذكـــر اأحد التقاريـــر الدولية يف معر�س حديثه عـــن فاعلية م�ساعدات

التنمية اأن الدول النامية تقود املمولني الدوليني اإىل ال�سك يف م�سداقيتها

ويف املـــردود الذي ينتج عـــن اأموالهم التي خ�س�سوها للـــدول النامية.

وذلك ب�سبب عدم وجود قواعد بيانات لل�سوؤون العامة وللموؤ�س�سات، واإن

وجـــدت فاإنها تكون غري جديرة بامل�سداقية. ي�سرب التقرير مثال على

ذلـــك يف اأوغندا، فبني الفـــرتة 1991 و1995 كانـــت ال�سجلت الر�سمية

ت�ســـري اإىل اأن الزيـــادة يف ن�سبـــة االلتحاق بالتعليم كانـــت �سفرا، اإال اأن

م�سحـــا حمايدا اأظهر زيادة يف ن�سبة االلتحاق بالتعليم و�سلت اإىل %60

يف تلك الفرتة.

اإن قواعـــد البيانـــات ال�سليمة هي بو�سلة التنميـــة واالأمن، وتوفر املال

والوقت واجلهود، واأهم من ذلك توفر لنا احلقائق. واأول قاعدة بيانات

يجـــب اأن ميتلكهـــا البلد هي عـــن عنا�سر الدولـــة الرئي�سيـــة )االأر�س،

ال�ســـكان، املوؤ�س�ســـات(، بعدهـــا تاأتي �ســـرورة تاأ�سي�س واإعـــداد قاعدة

بيانـــات قطاعيـــة يف كل موؤ�س�ســـة واأخرى خا�سة بامل�ساعـــدات يف وزارة

التخطيط والتعاون الدويل.

اأخـــريا، على اليمـــن اأن تتجنب االنزالق اإىل الو�ســـع الذي ت�سبح فيه

امل�ساعدات اخلارجية نوعا من اال�ستثمار االأمني ملجتمع املانحني. وهذا

للأ�سف هو ما يخربنا به امل�سهد احلايل الذي ي�سهد ن�ساطا غري م�سبوق

يف علقـــة اليمن مبجتمع املانحني، فالتحـــركات واملبادرات واملوؤترات

املتلحقـــة مرتبطـــة بقوة بالو�ســـع االأمنـــي وبن�ساط تنظيـــم القاعدة.

والو�ســـول بق�سية امل�ساعـــدات اخلارجية اإىل هذا الو�ســـع ينطوي على

كثـــري مـــن املخاطـــر. وال ينبغي بالبلـــد اأن يجد نف�ســـه ال يعي�س اإال حتت

ظـــلل الق�سايـــا واالختـــلالت االأمنية. علـــى احلكومـــة اأن ت�سعى بقوة

وبداأب اإىل اإدخال ق�سايا االقت�ساد يف هذا امل�سهد، واإىل جر امل�ساعدات

اإىل حظرية االقت�ساد. وال ميكن القبول بفكرة غياب اإمكانية العي�س اإال

حتت ظلل ال�سيوف.

التايل

املياه يف اليمن

بني ال�سراع والتعاون

بقلم: جرهارد لي�ستنثيلر

Page 19: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 38 39ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليلت

اليمن والعامل

وجهات نظر

وتعتـــرب بلدان ال�سرق االأو�سط ب�سكل عام منطقة جافة وتعاين من قلة

امليـــاه، لكن اليمن هو البلـــد الذي يربز لكرب حجم م�سكلتـــه املائية، بل

اإنـــه من بني البلدان الع�سرة يف العامل التي تعاين من اأقل من�سوب مياه،

حيـــث ت�سل ن�سبة ميـــاه ال�سرب املتوفرة يف كثري مـــن مناطقه اجلبلية،

والتـــي يتم عادة �سحبها من االآبار اأو اخلزانات، اإىل اأقل من ربع جالون

للفـــرد يف اليوم. كما اأنـــه يتم ا�ستنزاف خزاناته املائيـــة، اإىل درجة اأن

م�ستـــوى امليـــاه اجلوفيـــة ينخف�س مـــن 10 اإىل 20 قدما �سنويـــا، مهددا

القطـــاع الزراعـــي وتـــاركا املدن الكـــربى دون كمية مياه �ســـرب �سحية

كافيـــة، في�سبح لزاما حفر الكثري من االآبار اإىل عمق 2.600 اإىل 3.900

قـــدم، وهو العمق الذي يفوق املعايري الدولية كثريا. اأي�سا يختلف اليمن

عـــن باقي بلدان �سبه اجلزيـــرة العربية نتيجة ت�ســـاوؤل �سرعية الدولة،

ومعار�ســـة النا�س ال�سديدة للت�سريعات والقوانـــني التي ت�سدرها القمة

اإىل القاعـــدة. ونظرا لهذه االأ�سباب، تتبنـــى وزارة املياه والبيئة، بدعم

متربعـــني دوليني من بينهم اأملانيا عرب منظمـــة التعاون الفني االأملانية،

ا�سرتاتيجيـــة الإدارة املوارد املائية اللمركزية، وذلك من خلل ت�سجيع

امل�ساهمـــني وال�سراكـــة املجتمعيـــة. وقد بـــداأت املحافظـــات واالأحوا�س

املائية والقـــرى العمل للحفاظ على املخزون املحلي من م�سدر احلياة،

لكن ال نعلم اإىل اأي مدى ميكن لهذه اجلهود اأن تدراأ الكارثة.

ال�سباق اإىل االأعماق حت�سل الزراعة

على ن�سيب االأ�ســـد من املوارد املائية يف اليمن، حيث تت�س ما يقارب

90%. وقبـــل فرتة ال�سبعينيات كانـــت االأ�ساليب التقليدية حتقق التوازن

بـــني كمية العر�ـــس والطلب على املياه، غـــري اأن و�سول االآبـــار االأنبوبية

جرهارد لي�ستنثيلر

جرهـــارد لي�ستنثيلر نال درجة الدكتوراه يف جغرافيـــة املياه من كلية الدرا�سات ال�سرقية

واالأفريقية، جامعة لنـــدن. يعمل لي�ستنثيلر يف اليمن لدى املنظمة االأملانية للتعاون الفني

)GTZ(. واالآراء الواردة يف هذه املقالة تثل اآرائه ال�سخ�سية.

تعتـــرب اليمـــن من اأقدم احل�سارات يف العامل التـــي اعتمدت على نظام الري، فمنـــذ اآالف ال�سنني والفلح اليمني

يقـــوم بالزراعة امل�ستدامـــة م�ستخدما موارد املياه وم�ساحة االأر�س املتوفرة. ومـــن خلل اآالف املدرجات اجلبلية،

وتقنيات ح�سد املياه املعقدة، واإدارة مياه ال�سيول واأنظمة الري الربيعي، ا�ستطاع اليمن توفري لقمة العي�س ل�سعبه

الكبري ن�سبيا. لكنه اأ�سبح االآن يف مواجهة كارثة مائية مل ي�سبق له اأن �سهدها من قبل.

حتى اآخر

املياه يف اليمن بني ال�شراع والتعاون

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 38 ا�سرتاتيجية

العميقـــة )االآبـــار االأرتوازيـــة( اأدى اإىل تو�سع غري عـــادي يف م�ساحات

االأرا�ســـي املزروعـــة، حيـــث زادت خـــلل الفـــرتة 1970 - 2004 م�ساحة

االأرا�سي املعتمدة علـــى الري ع�سرة اأ�سعاف، من 37.000 اإىل 407.000

هكتـــار، و ن�سبـــة 40% منهـــا كانـــت تعتمد علـــى اأحو�س امليـــاه اجلوفية

العميقـــة. ومن العوامل امل�سجعة على مثل هذا التو�سع اأن اآالف اليمنيني

العاملـــني يف اخلارج كانوا ي�ستثمرون حواالتهـــم املالية يف عملية الري،

ناهيك عن احلوافز التي تاأتي على �سكل دعم زراعي ودعم للوقود. وبداأ

الفلحـــون يقللون من زراعة اأنواع حما�سيل احلنطة املقاومة للجفاف،

يف مقابل االإكثار من زراعة املحا�سيل النقدية كالليمون واملوز.

علوة علـــى ذلك، اأدى االقت�ساد النقدي النا�سئ اإىل زيادة كبرية يف

م�ساحـــات اأرا�سي زراعة القـــات – ال�سجرة املنع�سة نوعا ما، والتي يتم

م�سغ اأوراقها يف اليمن. وتقول التقارير اأن اإنتاج اأ�سجار القات ي�ستهلك

ما ن�سبته 37% من كمية املياه امل�ستخدمة يف الري. كما اأن حقول القات

االآن يف اأحوا�ـــس املناطـــق املرتفعة التي تعاين من �ســـح املياه )�سنعاء،

�سعدة، عمران، ذمار( حتتل ن�سف اإجمايل م�ساحة االأرا�سي املزروعة.

وقـــد انخف�س من�سوب املياه اجلوفيـــة يف هذه املرتفعات ب�سكل كبري اإىل

ر حتمل تكاليف ت�سغيل و�سيانة اآبار املياه �سوى العائدات درجة اأنه ال يربر

املربحة من حم�سول القات.

ويعترب القات مـــن اأهم العوامل امل�ساعدة يف االقت�ساد الوطني، حيث

ي�ستفيـــد ب�سورة مبا�ســـرة اأو غري مبا�ســـرة من اإنتاجه ونقلـــه وبيعه ما

يقـــارب 15% مـــن ال�سعب اليمني. كمـــا اأن ثلث اإجمـــايل االإنتاج املحلي

الزراعي وما ن�سبته 6% من اإجمايل االإنتاج املحلي العام ياأتي من �سجرة

القـــات، وهو مـــا ي�سكل 10% مـــن النفقـــات االأ�سرية. ولهـــذه االأ�سباب،

ونظـــرا حلـــب اليمنيـــني لتنـــاول اأوراق القـــات، يعتـــرب مو�ســـوع القات

مو�سوعـــا �سيا�سيا ح�سا�سا جدا. ومع اأن املعايري الثقافية تعطي االأولوية

لل�سرب واالحتياجات املنزلية االأخـــرى، اإال اأن اأهمية القات واملحا�سيل

النقدية االأخـــرى بالن�سبة للقت�ساد تعني خ�سارة تلك املدن، على وجه

اخل�سو�س، قطاع الزراعة يف التناف�س على املوارد املائية.

وتتم اأي�سا زراعة القات يف حو�س �سنعاء، عا�سمة البلد وحمل اإقامة

10% مـــن ال�سعب اليمني. وقد بلغ اإجمايل عـــدد االآبار يف هذا احلو�س

13.500 بئـــر، اأغلبها تخـــدم م�سلحة الفلحني يف حـــني ي�ستمر اختفاء

امليـــاه. ويف الت�سعينيات من القرن املا�سي فاقت كمية املياه امل�ستخرجة

مـــن منطقة جتميع مياه االأمطار كمية امليـــاه العائدة من االأمطار باأكرث

من 400%. وتقول املعلومات املتوفرة اأن اأمام مياه حو�س �سنعاء عقدين

من الزمن حتى تنتهي، وبالتايل تختفي املحا�سيل املزروعة هناك. فثلث

االآبـــار )125 بئرا( التي تقوم املوؤ�س�سة املحلية للمياه وال�سرف ال�سحي

التابعـــة للدولة يف �سنعـــاء بت�سغيلها لتزويد العا�سمـــة باملياه ت�سل اإىل

اأعمـــاق ترتاوح بني 2.600 و3.900 قدم، وبالـــكاد تغطي الكمية التي يتم

�سخها من كل تلك االآبار 35% من احتياج املدينة املتنامية، ويتم تغطية

الفـــارق عن طريق �سبكات مياه �سغرية غري حكومية اأو مئات اخلزانات

املتنقلـــة. ويف الفرتة االأخـــرية، ونظرا لتدهور جودة امليـــاه، تكاثرت يف

�سنعـــاء وغريها مـــن املدن حمـــلت تنقية امليـــاه غـــري احلكومية التي

ت�ستخدم طريقة “التنا�سح العك�سي” يف تنقية املياه.

تت�سمـــن اخليارات امل�ستقبلية لتمويل املياه املطلوبة �سخ املياه املحلة

من البحر االأحمر على بعد 115 ميل، عرب جبال ترتفع اأكرث من 9.000

قدم، اإىل العا�سمة التي تقع على ارتفاع 7.226 قدما فوق �سطح البحر.

لكـــن تكلفة ال�سخ ال�سخمـــة �ستدفع ب�سعر امليـــاه اإىل 10 دوالرات للمرت

املكعـــب )ما يقـــارب 35 قدما مكعبـــا(. واليمن قد تكـــون على ا�ستعداد

لدفـــع هذا الثمن مـــن اأجل اال�ستخـــدام املنزيل، اأمـــا بالن�سبة للزراعة

فمن امل�ستحيل حتمل التكلفـــة الباهظة الأن تكلفة الكمية املطلوبة للفرد

�ست�ســـل على االأقل اإىل مائة �سعف. اأي�سا هنـــاك خيار توفري املياه من

املناطق املجاورة للعا�سمة، وهو خيار حمفوف بامل�ساعب نظرا ملراعاة

حقوق امتلك املياه. فمع اأن الدين االإ�سلمي يقول اإن املاء هبة من اهلل

وال ميكـــن الأحد امتلكه، لكن امتلك االأرا�ســـي موجود، وعندما يقوم

مالـــك االأر�ـــس بحفر بئر على اأر�ســـه فهو له احلق يف �ســـخ وا�ستخدام

مـــا يريده من مياه يف تلك البئـــر. واأدى ارتفاع م�ستوى الوعي يف البلد

حول �سحة املياه اإىل �سباق نحو االأعماق، كل فرد بنف�سه. واأ�سبح ملك

االآبـــار يحاولـــون احل�سول على مـــا تبقى من هذا املـــورد الثمني قبل اأن

يفعل جريانهم.

م�سئولية احلفاظ على املياه من القمة اإىل

القاعــدة توجـــد يف اليمـــن اليـــوم

مـــا بـــني 45.000 و70.000 بئر، معظمها غري حكوميـــة. والواقع اأنه لي�س

ر دون تراخي�س، هنـــاك رقم موؤكد لعدد االآبار الأن جميعها تقريبـــا حفم

حيـــث مل يكـــن لزاما على اأحـــد طلب ترخي�س اإال منـــذ 2002 عندما مت

اإ�سدار قانون املياه الوطني الذي يلزم باحل�سول على ترخي�س للحفر،

بل وحتى لتعميق اأو اإ�سلح البئر املوجودة. ومل تفلح اجلهود التي بذلت

39 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 20: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 40 41ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

لت�سجيـــل عـــدد االآبار املوجودة قبـــل اأن ي�سبح القانون �ســـاري املفعول.

ويخ�سى الفلحـــون اأن عملية ت�سجيل االآبار �ستوؤدي يف النهاية اإىل قيام

الدولة بتحديد كمية املياه التي يحق لهم �سخها، ومن ثم حتديد حقوق

ال�سخ وفقا مل�ساحة االأر�س التي ميتلكونها ويزرعونها منذ عهود طويلة،

وبالتـــايل فاإن الفلح الذي ميتلك عـــددا من االآبار على م�ساحة �سغرية

من االأر�س �سيح�سل على حقوق ل�سخ املياه اأقل من الفلح الذي ميتلك

بئرا واحدة اأو ال ميتلكها على م�ساحة اأر�س اأكرب.

وقد �سهد عام 2003 تاأ�سي�س وزارة املياه والبيئة، ومت تخويلها االإ�سراف

علـــى اإدارة املـــوارد باالإ�سافة اإىل امليـــاه وال�سرف ال�سحـــي يف الريف

واملـــدن. اأمـــا م�سئولية اأكرب م�ستهلك للميـــاه – الزراعة – فهي ال زالت

م�سئوليـــة وزارة الزراعة والـــري التي تركز كثريا على كفاءة الري وبناء

ال�سدود، واإدارة منطقة م�ستجمع املياه. كما اأن معدل اال�ستهلك نف�سه

ما زال مهمـــل يف القطاع الزراعي. ويف �سباط/فرباير 2007 مت تقدمي

م�ســـروع قانون �سيمنـــع، اإىل جانب اأ�سياء اأخـــرى، ا�ستحداث اأي زراعة

للقـــات يف �سهول املرتفعات اخل�سبة. لكن مت اإرجاء مناق�سته يف جمل�س

النواب اإىل اأجل غري م�سمى.

وقبـــل ذلك يف عام 2005 كان قد مت اتخاذ خطـــوة جبارة اإىل االأمام،

وهـــي تبني اإ�سرتاتيجية وطنية وبرنامج ا�ستثمـــار لقطاع املياه. اإذ توؤكد

االإ�سرتاتيجية على جعل اإدارة املياه المركزية، واإعطاء بع�س ال�سلحيات

جلهات متخ�س�سة على امل�ستوى املحلي، مثل جمعيات م�ستخدمي املياه

وجلـــان االأحوا�س، وخا�ســـة ال�سلحيات املتعلقة بو�ســـع خطط العمل

املحليـــة وتنفيذها. ومن

اأهـــم نتائـــج ذلـــك خلق

بـــني وزارتي اأكرث تعاون

امليـــاه والزراعـــة، فمـــن

ال�سنوية املراجعة خلل

امل�سرتكة تقوم الوزارتان

الر�سميـــة ومرافقهمـــا

بتقييـــم م�ستوى التقدم املحقـــق يف جمال املياه. ومبـــا اأن م�سئولية بناء

ال�ســـدود وحت�ســـني اأنظمة الري ال زالـــت تقع على عاتـــق وزارة الزراعة

والـــري، فاإنـــه مطلوب مـــن الوزارة تقـــدمي تقييم للآثـــار املحتملة حتى

تتفـــادى حـــدوث خلـــل يف تـــوازن امليـــاه وت�سمـــن امل�ساركـــة املحلية من

البداية.

حو�ض عمران يقع حو�س عمران على

بعد 30 ميل �سمال �سنعاء، وعلى ارتفاع 6.560 قدما فوق �سطح البحر.

ويف 2008 �سكلت املحافظة جلنة حو�س عمران برئا�سة املحافظ من اأجل

تنظيم عملية ا�ستخدام املياه. كما �سمت ع�سوية اللجنة كل من مدراء

املديريـــات التي ت�سكل احلو�س، وممثلني من الوزارات واجلهات املعنية

باملياه والزراعة، وقائد ال�سرطة املحلي، وكذلك الفلحني وغريهم من

املهتمـــني. ويتم عقد لقاءات كل �سهرين ملناق�سة الق�سايا املتعلقة باملياه

ومراجعة التطبيقيات اجلديدة يف عملية حفر االآبار.

وال �ســـك اأن مـــوارد امليـــاه املت�سائلة مدعـــاة للقلـــق يف اأو�ساط كل من

اأع�ســـاء جلنـــة احلو�س واملزارعني يف املنطقة، فهنـــاك اأكرث من 2.600

م�سخة ت�ستفيـــد من خمزون املياه اجلوفيـــة ال�سئيلة يف منطقة جتميع

املياه، وهو ما يوؤدي اإىل حفر االآبار اإىل اأعماق ممنوعة ال تقل عن 1.200

قـــدم يف بع�س املناطق. وخلل الفرتة 1991 – 2005 كان البد من تعميق

معظـــم االآبـــار املوجودة مبعدل 295 قدمـــا. ويف نف�س الوقـــت قل موفور

االآبـــار، اأي كميـــة املياه التي تتوفر كل ثانية. وخـــلل هذه الفرتة نف�سها

زاد عـــدد االآبار مبعـــدل 126% يف حني مل يرتفع من�ســـوب خمزون املياه

�سوى بن�سبة %26.

وعندما يكت�سف القرويون، ممن اأ�سبحوا يدركون فعل احلاجة للعمل

اجلماعـــي، اأنـــه مت حفر اأكرث مـــن مائة بئر معظمها مـــن دون ترخي�س

خـــلل عـــام 2009 �سي�ست�سيطون غ�سبـــا. ويزرع و�ســـول معدات احلفر

بـــذور الفتنة بـــني املزارعني والقرويني الذين يعربـــون عن قلقهم للجنة

احلو�ـــس. ويعترب بكر علي بكـــر – وكيل املحافظة ورجـــل القبيلة الذي

يتوىل اأعمـــال اللجنة اليومية – اأحد املفاو�ســـني االأ�سا�سيني يف تلطيف

اأزمة املياه يف حو�س عمران.

وتقبـــع على قمة بـــركان غري ن�سط قريـــة بني ميمون، وهـــي تعود اإىل

مديرية عيال �سريح، موطن قبيلة بكيل ومنطقة جممع مياه االأمطار بني

حو�سي �سنعـــاء وعمران. وتعترب الرتبة الربكانيـــة هي االأن�سب لزراعة

اأجود اأنواع القات، ال�سجرة

التي تو�سعت زراعتها كثريا.

وغالبا ما تقـــوم اجلرافات

بت�سوية املنحدرات من اأجل

ا�ست�سلح حقـــول جديدة،

ومـــن ثم يتـــم جلـــب الكثري

مـــن الرتبـــة االإ�سافيـــة عن

بعـــد لتعبئة املدرجـــات امل�ست�سلحـــة. ويف ظل قلة هطـــول االأمطار غري

املتوقعـــة، والتي ال تزيد عن �ست بو�سات �سنويا، البد من نقل مياه الري

عـــرب الطرقات الوعـــرة با�ستخـــدام ال�ساحنات الكبـــرية. والنتيجة هي

وجـــود �ســـوق مياه جديد فقط مـــن اأجل زراعة القـــات. ويف مطلع 2007

ـــال املجتمع. فقد بداأ �س اأ�سعـــل ارتفاع �سعـــر مياه الري �سراعا اأظهر خم

مـــلك االآبـــار من اأهل القـــرى بفر�ـــس 5.000 ريال مينـــي )25 دوالرا(

مقابـــل ح�سة ملدة �ساعة تعمل فيها امل�سخة على �سحب مياه الري. وقد

كان املبلـــغ املتعارف عليه قبل ذلك الوقت يف اأو�ساط الفلحني الذين ال

ميتلكون اآبارا هو ن�سف هذا املبلغ )اأي 2.500 ريال(. لكن ملك االآبار

مل يلتزموا بهذا، وكانت حجتهم اأن طوابري ناقلت املياه امل�سطفة اأمام

االآبـــار ت�سوغ الزيادة يف ال�سعر؛ فباتوا “جتار مياه” يتكيفون مع ظروف

املعايري الثقافية تعطي االأولوية لل�سرب واالحتياجات املنزلية

االأخــرى، اإال اأن اأهميــة القــات واملحا�ســيل النقديــة االأخــرى

بالن�ســبة لاقت�ســاد تعني خ�ســارة قطاع الزراعــة يف التناف�ض

على املوارد املائية

حتليلت اليمن والعامل

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 40 ا�سرتاتيجية

االأ�سواق النا�سئة.

ويف احلـــال و�سل خـــرب النـــزاع اإىل م�سامع بكر علي بكـــر، فا�ستدعى

اأعيان القبائل والقرويني وطلب منهم التو�سل اإىل اإجماع قبلي. وتو�سلوا

اإىل اأنـــه ال يجوز مللك االآبـــار تعبئة الناقلت لري حقـــول القات خارج

منطقتهم، ومت تثبيت �سعر ح�سة ال�ساعة من املياه على ال�سعر ال�سابق.

وقـــد قال بكر: اإنـــه غالبا يتم االلتـــزام من قبل اأفـــراد املجتمع مبا يتم

االتفاق عليه من �سوابط؛ وعندما حاول اأحد ملك االآبار خرق االتفاق

قـــام رجال من بني ميمون باإطـــلق الر�سا�س على اإطارات ناقلة املياه،

وهذا و�سع حدا لتجارة املياه.

م�ســئولية احلفاظ على املياه من القاعدة اإىل

القمة بني ميمون قرية �سغرية واأهلها من اأ�سل

واحد، ويف مثل حالتها يعترب االتفاق ال�سفهي حول جتارة املياه اجلوفية

كافيـــا وملزمـــا. ويف حالـــة ال�سراعات االأخـــرى على مـــوارد املياه تلجاأ

املجتمعـــات القبليـــة اإىل كتابة مـــا يتو�سلون اإليه من اتفاقـــات، ي�سمونه

“املرقـــوم” بالعربية. وتعترب قرية هجرة املنت�سر، الواقعة على ارتفاع 9.842 قدما فوق �سطح البحر يف املنطقة الغربية من جممع مياه حو�س

عمـــران، من االأماكن التي تعر�ست فيهـــا موارد مياه ال�سرب املهمة اإىل

تهديد حفر االآبار.

وعندمـــا زرت هجـــرة املنت�سر عـــام 2007 كانت معـــدات احلفر ت�سد

ع حول تلـــك املعدات الثقيلـــة مزارعي الطريـــق اجلبلـــي ال�سيـــق، وجتم

القات وكاأنهـــم يحمونها. ويف جرف يعلو املوقـــع، تركز خم�سون رجل

كان بع�سهـــم يحمـــل ر�سا�سات من نـــوع AK-47. وبدا االأمـــر وكاأن كل

الفريقـــني كانا يف انتظار و�سولنا، حيث خفت حدة التوتر عندئذ، ونزل

بع�س املتمركزين لتقدمي وجهة نظرهم. وكان املزارعون، اليائ�سون اإثر

جفاف اأحد اآبارهم موؤخرا، على و�سك البدء يف احلفر عميقا يف احلجر

اجلـــريي. اأما القرويـــون من اأبناء هجـــرة املنت�سر فقد كانـــوا يخ�سون

اأن يـــوؤدي �سخ املزيد مـــن املياه اجلوفية اإىل الق�ســـاء على منبع مائهم

ال�سغـــري، وهو امل�سدر الوحيـــد ملياه ال�سرب التي ت�سقـــي 700 فرد من

اأبناء القرية. ولهذا قاموا بح�سد رجالهم ملنع احلفر، واتهموا املزارعني

ومالك اآالت احلفر بعدم احل�سول على ترخي�س �سرعي.

وبعـــد اأن اأقلتنـــا ال�سيارة عرب طريق ق�سري ووعـــر اإىل القرية، وجدنا

الن�ساء واالأطفال يحملون الع�سرات من اأواين املاء الفارغة ويقفون على

طـــول الطريق القريبة من املنبع، حاملني رايات معار�سة ملفتة للنتباه

اأعدهـــا تلميـــذ املدار�س، وكان مكتـــوب على اأحد تلـــك الرايات عبارة

“نحن نحملكم م�سئولية م�ستقبلنا” باللغة العربية. ومبجـــرد اال�ستطلع ال�سريع ات�سحت خطورة املوقف. فتم توزيع مياه

النبـــع بعنايـــة، واأح�سر �سالح املنت�ســـري، اأحد اأعيـــان املنطقة، وثيقة

تن�ـــس علـــى ن�سيب كل اأ�سرة مـــن املاء – تقريبـــا جالونني ون�سف لكل

�سخ�ـــس يف اليوم. وكان علي، حار�س بوابـــة اخلزان، يقوم بعناية بالغة

مبراقبـــة وت�سجيـــل كمية املياه التـــي تخرج من اخلـــزان امل�سقوف الذي

يغذيه النبع اجلبلي.

وبـــداأت معاناة اأ�سحاب القـــات تظهر عندما قام اأبنـــاء قرية القرين

مبنـــع االجتـــار مبيـــاه االآبار املحليـــة وبيعها ملـــن ياأتوا من اخلـــارج، ومت

�سياغة “مرقوم” موقع من اأعيان القرية لتنظيم تفا�سيل ذلك العقد.

وقـــد انخف�س من�ســـوب امليـــاه اجلوفية املحيطـــة بقرية القريـــن ب�سكل

ملحـــوظ، مـــا اأثار املخـــاوف حول م�ستقبـــل املنطقة. ويف نف�ـــس الوقت،

كانت االأ�سر املوؤثرة يف املنطقة تقوم بحفر اآبار جديدة وبيع املياه مللك

التي العامل يف الع�سرة البلدان بن من اليمن

تعاين من اأقل من�سوب مياه، حيث ت�سل ن�سبة مياه

اجلبلية، مناطقه من كثري يف املتوفرة ال�سرب

اأو اخلزانات، والتي يتم عادة �سحبها من االآبار

اإىل اأقل من ربع جالون للفرد يف اليوم

GAv

iN h

AlE

S (y

AvA(

41 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 21: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 42 43ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حتليلت اليمن والعامل

الناقـــلت الذيـــن ينقلونه اإىل مزارع القات اجلديـــدة يف مناطق اأخرى

اإىل جانب احلقول املوجودة بقرب هجرة املنت�سر. وعندما اأ�سبح قرار

املنع �ساري املفعـــول، قرر مزارعو القات املحاولة مرة اأخرى حلفر اآبار

جديـــدة. وعند �سمـــاع ذلك اخلرب اأر�ســـل اأهايل هجـــرة املنت�سر وفدا

مفو�سا اإىل بكر علي بكر.

وبعـــد عـــدة اأ�سابيع من املفاو�ســـات، اتفق الطرفان علـــى قبول نتيجة

وتو�سيـــات درا�سة فنية حكومية. وكانت اأطـــراف النزاع تلتقي يف موقع

معـــدات احلفـــر عـــدة مـــرات، وحتـــول حمـــور نقا�ساتهـــم تدريجيا من

اجلوانب الفنية اإىل االإدارة امل�ستدامة ملوارد مياه القرية.

ويف ربيع 2009 تت دعوتي للعودة لتد�سني م�سروع يف القرية ال�سغرية،

وكانت هي الزيارة االأوىل بالن�سبة لوكيل املحافظة وبع�س ال�سخ�سيات،

وذبـــح اأهايل هجـــرة املنت�سر ثورينم بهذه املنا�سبـــة، وا�سطفت الرايات

للرتحيـــب بال�سيـــوف. وكان اخلـــرب ال�ســـار هـــو توقـــف عمليـــة احلفر.

باالإ�سافة اإىل ذلك، قامت كل اأ�سرة ببناء خزانات ال�سرف ال�سحي من

اأجل حت�ســـني الظروف ال�سحية عموما. وقـــام منظمو املجتمع العاملني

لـــدى ال�سندوق االجتماعي للتنمية بعدد من الزيارات لن�سر الوعي حول

فوائد حت�سن اأو�ساع النظافة.

لكـــن اأي�سا كانت هناك اأخبار �سيئة. فعندما قام علي – حار�س خزان

امليـــاه – بفتح البوابة احلديدية التي ت�سدر �سريـــرا عاليا، اندفع نحوه

عـــدد من ن�ساء القرية يحملن اأواين بل�ستيكية �سفراء فارغة، لكن علي

�ســـرخ قائل: “لي�ـــس هناك ماء اليوم – ارجعـــن اإىل منازلكن”. “غدا

ال�سبـــاح اإن �ســـاء اهلل”. وال�سبـــب اأن تدفـــق املياه اليومي مـــن النبع قد

ت�ساءل، وانخف�س ن�سيب الفرد من جالونني ون�سف اإىل جالون وربع. وال

يعلم اأحد مـــا اإذا كان �سبب االنخفا�س: االفتقار املوؤقت لهطول االأمطار

اأم التغري املناخي الدائم. وقال �سالح املنت�سري: »ال�سيء االأكيد هو اأنه

لـــوال دعمك ملنع احلفـــر قبل �سنتني الألقينا باللوم علـــى مزارعي القات.

وحلدثت م�ساكل وخلفات، يعلم اهلل ما هي نهايتها«.

اأي �ســح هــو؟ تتعامـــل املجتمعـــات

املحليـــة – كقرية هجرة املنت�سر – برباعة مـــع نبعهم املتل�سي. وبلغة

علـــم االجتماع، فهـــم ميتلكون “قدرة قوية على التكيـــف”، والتي تعرف

باأنهـــا جمموع املـــوارد االجتماعية املتاحة ملواجهة �ســـح املوارد الطبيعية

املتزايـــد. ويفرق علمـــاء االجتماع تاما بني “الدرجـــة االأوىل” من �سح

املوارد الطبيعية وبني ت�ساوؤل القدرة على التكيف من “الدرجة الثانية”.

فاالأخـــري، بح�سب طوين اآالن بجامعة لندن واأحـــد اأبرز خرباء العامل يف

امليـــاه، يعتـــرب عامل اأكرث حتديـــدا للنتائج. وتطوير اآليـــات التكيف على

م�ستوى املجتمع املحلي هي خطوة يف االجتاه ال�سحيح.

لكن اآليات التعامل هذه لي�ست كافية حلل م�سكلة اأزمة املياه يف اليمن.

فينبغـــي معاجلة االإ�سكاليـــات البنيويـــة، ومن بينها ا�ستنـــزاف خمزون

امليـــاه لري حقـــول املحا�سيل النقديـــة مثل القات. وكما اأكـــد كري�ستوفر

وارد، حملـــل ق�سايـــا امليـــاه يف اليمـــن منذ وقـــت طويل، فـــاإن »منهجية

اللمركزيـــة وال�سراكة ميكن اأن ينظر اإليها باعتبارها عنا�سر ممار�سة

احلد من ال�ســـرر التي تهدف اإبطاء معدل ن�ســـوب املوارد، حتى يك�سب

اليمـــن وقتا كافيا لتطوير مناذج اقت�ساديـــة اأقل اعتمادا على ا�ستخراج

امليـــاه«. وبكلمـــات اأخرى، يحتاج اليمـــن اإىل اإثبات القـــدرة على التكيف

علـــى امل�ستوى الوطني. وقد بداأ التخطيط لعقـــد نقا�س وطني حول املياه

ناع القرار الكبار. وميثل يف مطلـــع عام 2011، ي�سارك فيه الرئي�ـــس و�س

هـــذا املوؤتر اختبارا حا�سما للإرادة ال�سيا�سيـــة، اإذ يتعني على الطبقة

ال�سيا�سية يف اليمـــن اإعطاء اأولوية ق�سوى لتطويـــر اخليارات والبدائل

الناجعـــة حلـــل م�سكلـــة الزراعة حتـــى ال ينزلـــق البلد اإىل مـــا يعرف بـ

املالتو�سية”. “الكارثة

يحتاج اليمن اإىل اإثبات

القدرة على التكيف

على امل�ستوى الوطني.

وقد بداأ التخطيط

لعقد نقا�ض وطني حول

املياه يف مطلع عام 2011،

ي�سارك فيه الرئي�ض

ناع القرار الكبار، و�س

وميثل هذا املوؤمتر

اختبارا حا�سما لاإرادة

ال�سيا�سية

ME

Arc

hiv

E

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2011 42 ا�سرتاتيجية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

مركز �سباأ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية

هاتف: 682144-1-967+ فاك�س: 967-1-677879+ �س.ب: 16822 �صنعاء - اجلمهورية اليمنية www.shebacss.comE-mail: [email protected]

املحور الأول: املوارد املائية يف اليمن: الأو�صاع والتحديات.

املحور الثاين: الإدارة املتكاملة للموارد املائية.

املحور الثالث: اإ�سرتاتيجيات و�سيا�سات واإجراءات اإدارة وتطوير املوارد املائية.

حمـاور املوؤمتــر

للمزيد من املعلومات، الرجاء التوا�سل مع من�سقة املوؤمتر:

�سهري عاطف، مديرة وحدة الدرا�سات الجتماعية، مبركز �سباأ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية

هاتف: 682144-1-967+ حتويلة )113( فاك�س: 967-1-677879+

[email protected] :الربيد الإلكرتوين

اأو تف�سلوا بزيارة املوقع الإلكرتوين للموؤمتر

www.shebacss.com/water :سمن موقع املركز على الرابط�

ينظم مركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية

برعاية كرمية من فخامة االأخ الرئي�ض/

بالتعاون مع وزارة املياه والبيئة، ووزارة الزراعة والري، وال�سندوق االجتماعي للتنمية،

GTZ وباال�سرتاك مع املكتب االأملاين للتعاون الفني

املوؤمتر الوطني الإدارة وتنمية املوارد املائية يف اليمن

واملقرر انعقاده يف �سنعاء، 15 – 17 كانون الثاين/يناير 2011

Page 22: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 44 45ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

خلفاء الأحزاب ال�شيوعية يف اليمن

واأفغان�شتان بعد احلرب الباردة

تتنـــاول هذه الورقـــة تطور احلزبـــني احلاكمـــني املارك�سيني-اللينيـــني الوحيدين �سابقـــا يف العامل

االإ�سلمي، وهما احلزب ال�سعبي الدميقراطي االأفغاين )حزب الوطن( واحلزب اال�سرتاكي اليمني

بعـــد انهيار االحتاد ال�سوفيتـــي. حيث تقوم الورقة بتتبع تطورهما التاريخـــي وقدرتهما على التاأقلم

مع متغريات ظروف »عامل حقبة ما بعد احلرب الباردة« الذي حقق فيه احلزب اال�سرتاكي اليمني

جناحـــا اأكـــرب من نظريه االأفغـــاين، وذلك نظرا للكثري مـــن االأ�سباب، لعل اأبرزهـــا يكمن يف االإرث

الذي خلفه النظام ال�سابق، اإذ اأن احلزب اال�سرتاكي اليمني كان اأف�سل بكثري يف ماأ�س�سة موقعه يف

املجتمع اليمني مما هو عليه احلال بالن�سبة للحزب ال�سعبي الدميقراطي يف املجتمع االأفغاين.

جون اإ�سياما مدير برنامج رونالد اإيه ماكنري، واأ�ستاذ العلوم

ال�سيا�سية يف ق�سم االجتماع بجامعة ترومان �ستيت االأمريكية.

املنجل

واملئذنة

عني على اليمن فـي 60 يوما

اليمن والعامل

جون اإ�سياما

وجهات نظر حتليلت

ME

Arc

hiv

E

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 44 ا�سرتاتيجية

رغم وجود الكثري من الدرا�ســـات التي تتناول مو�سوع تطور االأحزاب

ال�سيوعيـــة بعـــد انهيـــار االحتـــاد ال�سوفيتي عـــام 1991، لكـــن معظمها

ركـــزت كثريا على بلدان القارة االأوروبية ومل تتناول ما حدث للأحزاب

املارك�سيـــة اللينينية التي كانـــت �سابقا ت�سود البلـــدان النامية، وخا�سة

االأحـــزاب ال�سيوعية يف العامل االإ�سلمي، وهـــي االأحزاب التي يوفر لنا

تطورهـــا موا�سيع مهمة و�سيقـــة. فعلى عك�س االأحـــزاب ال�سيوعية التي

ظهـــرت يف اأوروبا اأو يف بلدان جنـــوب ال�سحراء االأفريقية ما بعد حقبة

النظام ال�سيوعي، تواجه االأحزاب املناظرة لها يف بلدان ال�سرق االأو�سط

االإ�سلمية تيارا دينيا مت�سددا، ويعيق تطورها االفتقار اإىل ثقافة التيار

الي�ســـاري العلمـــاين القوي. ولهذا فـــاإن املحيط الذي ظهـــرت فيه هذه

االأحـــزاب يختلف تاما عن جتارب االأحزاب ال�سيوعية يف بلدان اأوروبا

واأفريقيا.

اإ�سافـــة اإىل ذلـــك، وكمـــا قـــال هاليدي وتانـــني، فاإن نظامـــي احلكم

)1962( اليمـــن مـــن كل يف الراديكاليـــني املارك�سيني/اللينينيـــني

واأفغان�ستـــان )1978( ظهـــرا يف بلدينم يفتقران لتجربـــة الدول القوية،

فقـــد حدث يف كليهما: »حماولـــة للثورة من القمة يف جمتمعني مزقتهما

عوامل عرقية وقبلية، ويف بلدين ولد �سغط الدولة فيهما مقاومة متفككة

ولكن وا�سعة النطاق. اأي�سا مل يكن املحيط التاريخي مواتيا، فقد تفاقم

ال�ســـراع بني النهج الراديكايل االأيديولوجـــي يف القمة واملجتمع املحلي

يف القاعـــدة يف كل البلدين. زاد التدخـــل اخلارجي من تفاقمه يف كل

احلالتني، وانتهـــى االأمر يف اأحد البلدين )اأفغان�ستان( بهزمية ع�سكرية

وت�ستيـــت �سمـــل املجتمع، بينما تفـــادى البلد االآخر )اليمـــن( فقط هذا

امل�سري اإىل حد ما، نتيجة للتو�سل اإىل ت�سوية من الداخل اأكدت ال�سيادة

اللمركزية للمجتمع القبلي وامل�سلح على �سيادة الدولة املركزية«.

وكما قلنا اآنفا، تتناول هذه املقالة تطور احلزبني املارك�سيني/اللينيني

ال�سابقـــني الوحيديـــن اللذين ظهـــرا يف العامل االإ�سلمي خـــارج نطاق

نفـــوذ االحتاد ال�سوفيتـــي، وهما: احلزب ال�سعبـــي الدميقراطي/حزب

الوطن يف اأفغان�ستـــان واحلزب اال�سرتاكي اليمني. وقد حكم كل منهما

يف دولـــة اأعلنت نف�سها مارك�سية/لينينية يحكمها حزب واحد، ولكنهما

خ�سرا ال�سلطة يف نهاية املطاف. اإن هذين احلزبني ي�سرتكان يف الكثري

مـــن اخل�سائ�س، ولكـــن يف نف�س الوقت هناك الكثـــري من االختلفات

بينهمـــا. فقد كان كل احلزبني يعتمدان - بن�سب متفاوتة - على الدعم

ال�سوفيتـــي للبقاء يف ال�سلطة )وكان هذا احلال جليا يف اأفغان�ستان اأكرث

منه يف اليمن(. كما �سدد كلهما، على االأقل فيما يتعلق باالأيديولوجية

الر�سميـــة، على توثيق العلقـــات بجموع اجلماهـــري العاملة والكادحة،

وواجهـــا التيار االإ�سلمـــي املتنامي. لكن بعد االن�سحـــاب ال�سوفيتي من

املنطقـــة )1989 - 1990(، واجـــه كل حزب منهما م�ســـريا وم�ستجدات

تختلف تاما عن ما واجهه احلزب االآخر. ففي اأفغان�ستان تفكك نظام

احلـــزب ال�سعبي الدميقراطـــي ب�سرعة كبرية، ومل يظهر لـــه اأي خليفة

ناجح بعد ذلك. اأما يف اليمن فقد ا�ستطاع احلزب اال�سرتاكي اأن ينجو

من تلك التغريات وانتقل اإىل واقع حقبة ما بعد ال�سيوعية )مع اأنه واقع

غام�س(.

موروثــات املا�ســي كمـــا اأ�ســـار عـــدد

مـــن الباحثـــني، امتـــدت ال�سيوعية عرب فـــرتة تاريخية طويلـــة ن�سبيا يف

العـــامل االإ�سلمـــي خارج نطاق نفـــوذ االحتاد ال�سوفيتـــي، حيث ظهرت

احلـــركات ال�سيوعيـــة خلل احلقبـــة اال�ستعمارية )فـــرتة الع�سرينيات

والثلثينيات من القرن املا�سي(، وكانت تلك احلركات معار�سة ب�سدة

لل�سيطـــرة اال�ستعماريـــة التـــي كان يفر�سها الربيطانيـــون والفرن�سيون

بعد انهيـــار االإمرباطوريـــة العثمانية، وكانت تنظر للحتـــاد ال�سوفيتي

علـــى اأنـــه ن�سريها االأول. تـــوىل قيادة ومنا�ســـرة االأحـــزاب ال�سيوعية

املثقفون املنتمون اإىل الطبقات الو�سطى والدنيا، وازدادت هذه الطبقة

االجتماعيـــة تو�سعا عندمـــا اأحدثت عملية التحديـــث يف ظل اال�ستعمار

حتـــوال كبـــريا يف املجتمع الذي كان يف االأ�سا�ـــس جمتمعا زراعيا. علوة

علـــى ذلك، اأدى دخول القطاعات ال�سناعيـــة االإنتاجية احلديثة خلل

فرتة الع�سرينيات والثلثينيات اإىل خلق طبقة عاملة جديدة تركزت يف

قطـــاع النفط واملواين وطرق ال�ســـكك احلديدية. ومبا اأن ن�سال الطبقة

العاملـــة كان موجهـــا �سد راأ�س املـــال االأجنبي فقد اأ�سبـــح يف االأ�سا�س

ن�ساال قوميـــا اأي�سا. كما اأن االأحزاب ال�سيوعيـــة يف املنطقة ا�ستطاعت

جـــذب تلك الطبقـــات املهم�سة واملحرومة من الرقـــي اإىل االأعلى، وعلى

وجه اخل�سو�س جمموعات االأقليات وطبقة الفقراء.

ويف كل البلديـــن - اليمن واأفغان�ستـــان - ظهرت التنظيمات احلزبية

ال�سيوعيـــة يف بلدان م�سلمـــة لت�سبح اأحزابا حاكمـــة. ففي اليمن، منت

احلركـــة ال�سيوعية من اجلناح الراديكايل جلبهـــة التحرير القومية يف

جنوب اليمن )عدن(، لت�سكل حتديا للحكم الربيطاين الذي كان يفر�س

�سيطرته على جنوب اليمن واملناطق ال�سرقية بعد اال�ستيلء على ميناء

عـــدن يف 1839. وظلـــت اليمن حتى 1937 جزءا مـــن الهند الربيطانية،

ويف هـــذا العـــام اأ�سبحت عدن م�ستعمرة بريطانيـــة ومت ت�سمية ما تبقى

مـــن االأرا�سي مبحمية عدن ال�سرقية وحمميـــة عدن الغربية. ويف 1965

�ســـكل الربيطانيـــون االحتاد العربي الذي تتع بحكـــم �سبه ذاتي وجمع

معظـــم الدويـــلت القبلية �سمن حمميـــات تابعة مل�ستعمـــرة عدن. وقد

كان الهـــدف من هذا تفـــادي انت�سار جبهة التحريـــر القومية، اجلبهة

الي�سارية املناه�سة لل�ستعمار.

ويف 1965 بـــداأت جبهتان وطنيتان متناف�ستان - جبهة حترير اجلنوب

املحتل وجبهة التحرير القومية - باالنتفا�سة �سد اال�ستعمار الربيطاين

اأدت اإىل نهاية احلكم الربيطاين. ويف 1967 ا�سطر اجلنود الربيطانيون

اإىل االن�سحـــاب حتت �سغط العنف املتزايد، وانهار االحتاد الذي �سكله

الربيطانيـــون. ويف اأواخر هذا العام، ا�ستطاعت جبهة التحرير القومية

45 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 23: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 46 47ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

التخل�ـــس من مناف�سيها يف جبهة حترير اجلنوب واأعلنت دولة اجلنوب

العربـــي، التي �سمت عدن، دولة م�ستقلـــة يف 30 ت�سرين الثاين/نوفمرب

1967، و�سميت الدولة اجلديدة جمهورية اليمن اجلنوبي ال�سعبية.

ويف حزيران/يونيـــو 1969 تـــوىل ال�سلطـــة اجلنـــاح الراديكايل جلبهة

التحرير القومية املارك�سية، ويف االأول من كانون االأول/دي�سمرب 1970 مت

تغيـــري ا�سم الدولة يف اليمن اجلنوبي اإىل جمهورية اليمن الدميقراطية

ال�سعبيـــة، وكان القـــادة الرئي�سيني فيها عبد الفتـــاح اإ�سماعيل - املفكر

االأيديولوجي االأول جلمهورية اليمن اجلديدة، وهو من منطقة احلجرية

بجنوب اليمن - و�سامل ربيع علي وعلي عنرت وعلي نا�سر حممد. ويف ظل

جمهوريـــة اليمن الدميقراطية ال�سعبية دجمـــت كل االأحزاب ال�سيا�سية

يف احلـــزب اال�سرتاكي اليمني، الذي اأ�سبح احلـــزب ال�سرعي الوحيد.

وبعـــد ذلك اأقام نظام احلكـــم علقات مع االحتـــاد ال�سوفيتي وال�سني

وكوبا والفل�سطينيني الراديكاليني.

اأما يف اأفغان�ستان فقـــد تاأ�س�س احلزب ال�سعبي الدميقراطي االأفغاين

يف كانـــون الثاين/ينايـــر 1965 على اأيدي جمموعة مـــن املثقفني الذين

كان مـــن �سمنهم مـــري اأكرب خيرب وبابراك كارمـــل ونور حممد طرقي،

وقـــد كان عنا�ســـر هذا احلـــزب ينظرون اإليـــه على اأنـــه و�سيلة للرتويج

لعمليـــة التحديـــث العلمانيـــة يف اأفغان�ستـــان. لكـــن �سرعان مـــا انق�سم

احلزب اإىل جناحني: جناح »بر�سم« )الراية( وجناح »خلق« )ال�سعب(،

وهـــذه اأ�سمـــاء �سحيفتني تراأ�سهمـــا كارمل وطرقي علـــى التوايل. وعلى

عك�ـــس احلـــزب اال�سرتاكـــي

اليمنـــي، الـــذي كانـــت نتاج

ن�سال حتريـــري وطني، كان

احلزب ال�سعبي الدميقراطي

االأفغـــاين يت�سكل يف االأ�سا�س

مـــن جمموعة مثقفـــني �سعوا

اأفغان�ستان. ويف اإىل حتديث

عام 1973، وبدعم من جناح

»بر�سم« نظـــم ابن عم امللك

ظاهر �ساه - حممد داوود -

ب نف�سه رئي�سا انقلبـــا ون�س

اإىل وان�ســـم البـــلد، علـــى

حكومته عدد من �سخ�سيات

جناح »بر�سم« البارزة بينما مت ا�ستبعاد الكثري من عنا�سر جناح »خلق«.

لكـــن يف 1977، ورغم كل هـــذا االن�سقاق، اندمج احلزبـــان مع بع�سهما

حتت �سغوط ال�سوفيت.

ر البارز ويف 19 ني�سان/اأبريل 1978مثلت جنازة مري اأكرب خيرب، املنظر

جلنـــاح »بر�سم« واأحـــد موؤ�س�سي احلـــزب ال�سعبـــي الدميقراطي، الذي

اغتيـــل، نقطة ح�سد لل�سيوعيني االأفغـــان. فقد و�سل عدد الذين جتمعوا

ل�سماع خطابات طرقي وكارمل التي تدين حكومة داوود ما بني 10.000

و30.000 �سخ�س تقريبا. وعلى اإثر ذلك، اأمر داوود باإلقاء القب�س على

قادة احلزب ال�سعبي الدميقراطي، لكن كانت العملية بطيئة جدا، فقد

ا�ستغرق اعتقال طرقي اأكرث من اأ�سبوع، بينما مت و�سع نائبه حفيظ اهلل

اأمني حتت االإقامة اجلربية فقط، وهو الذي كانت تربطه علقات قوية

بفيالـــق ال�سباط وا�ستطـــاع تدبري انقلب وهو يف بيتـــه حتت احلرا�سة

ما اأفراد اأ�سرته كر�ســـل. ويف 27 ني�سان/اأبريل 1978 امل�سلحـــة، م�ستخدم

بـــداأت الوحـــدات الع�سكريـــة املواليـــة للحـــزب ال�سعبـــي الدميقراطـــي

االأفغـــاين االنقـــلب الع�سكـــري، وبعد القتـــال ال�سر�س الـــذي ن�سب بني

اجلانبني انهزمت القوات امللكية ومت اإعدام داوود ومعظم اأفراد اأ�سرته

يف اليـــوم التـــايل داخـــل ق�ســـر الرئا�سة. وبعـــد اإتام ما ت�سمـــى »ثورة

�ســـاور« اأعلن احلزب ال�سعبي الدميقراطي تاأ�سي�س جمهورية اأفغان�ستان

الدميقراطية، ومت اإعلن طرقي رئي�سا للمجل�س الثوري ومناف�سه الدائم

كارمل نائبا له، يف حني اأ�سبح حفيظ اهلل اأمني وزيرا للخارجية.

نظام حكم احلزب ال�سابق والتغلغل يف املجتمع

بعـــد تاأ�سي�ـــس جمهورية اليمن الدميقراطيـــة ال�سعبية عام 1970 جعل

نظام احلكم من اإعادة هيكلة العلقات االجتماعية يف اجلنوب اأولويته

االأوىل. كمـــا اأن قيادة جبهة التحرير القومية كانت تتكون اإىل حد كبري

مـــن ما اأ�سمـــاه فولكـــر �ستانزل الطبقـــة الدنيا املحليـــة، ومعظمهم من

املدر�ســـني والبريوقراطيني اأيـــام نظام اال�ستعمار. ومـــع اأنه كان هناك

الكثري من التاأكيد على »الطبقات الكادحة« اأو العمال والفلحني الذين

يقودهـــم املفكـــرون الثوريـــون، اإال اأنـــه مل يكـــن هناك �ســـوى القليل من

نظـــام الربوليتاريا، بل اأن معظم اأولئك الذيـــن �سكلوا الطبقة الكادحة

والفلحية يف اأهم مدن اجلنوب - عدن - كانوا قد جاءوا من ال�سمال.

وعلـــى الرغم من وجود نوع من طبقة الفلحني يف ح�سرموت واملناطق

املنتجـــة للقطن كلحج واأبني، لكـــن االأغلبية العظمى مـــن �سكان الريف

كانـــوا هم مـــلك االأرا�ســـي ال�سغار القبليـــني الذين مل مييلـــوا لنظام

احلكم الثوري يف عدن.

وحتـــرك النظام اجلديـــد يف جمهورية اليمن الدميقراطيـــة ال�سعبية

ب�سرعـــة الإخ�ساع االقت�ساد للنهج اال�سرتاكي، حيث قام يف مطلع 1969

بتاأميم امل�ساريع التجارية )خا�سة االأجنبية منها(، واإعادة توزيع وا�سعة

النطاق للأرا�سي )تقريبا ن�سف االأرا�سي الزراعية مت توزيعها حلوايل

27.000 اأ�ســـرة فقرية خلل الفـــرتة 1970 - 1973(. لكن كان لذلك ثمن

باهـــظ علـــى االقت�ســـاد اليمني يف اجلنـــوب، فقد �سببـــت االإ�سلحات

االقت�ساديـــة التـــي مت القيام بها خـــلل فرتة ال�سبعينيـــات ا�سطرابات

اجتماعيـــة كبـــرية يف الريـــف وقلة يف اإنتـــاج املحا�سيـــل الغذائية خلل

فـــرتة الثمانينيات، االأمر الذي اأجرب نظـــام احلكم على االعتماد كثريا

علـــى املواد الغذائية امل�ستـــوردة. اأي�سا كانت هنـــاك مقاومة علنية �سد

حتويل املجتمـــع الزراعي اإىل ا�سرتاكي، وبح�سب بول دري�س، فقد هرب

مـــا يقـــارب ربع �ســـكان اليمن اجلنوبـــي نتيجة للإ�سلحـــات التي تت

مطلـــع فـــرتة ال�سبعينيات. ومع هذا، غـــريت االإجـــراءات التي اتخذتها

حتليلت اليمن والعامل

ا�ســتطاع الــذي الوقــت يف

اليمني اال�ســرتاكي احلــزب

تر�ســيخ جــذوره اإىل حد ما،

على االأقــل يف بع�ض املناطق

الريفية )كح�سرموت(، ظل

احلزب ال�سعبي الدميقراطي

االأفغــاين متقوقعــا يف اإطــار

ثلة من املثقفن واملتخ�س�سن

احل�سرين وبع�ض ال�سباط

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 46 ا�سرتاتيجية

جبهة التحرير القومية )وبعـــد 1978 احلزب اال�سرتاكي اليمني( البنية

االجتماعيـــة عـــن طريق اإزاحة احلـــكام ال�سابقني مـــن كرا�سي ال�سلطة:

ال�سلطـــني، والع�سائـــر اأ�سحـــاب احلظـــوة، ورجال الديـــن. ومن خلل

انتفا�سات عفوية وعنيفة تكنت الطبقات االجتماعية الدنيا واالأقل قوة

– الفلحـــون وال�سيـــادون والعمال – من الو�سول اإىل ال�سلطة، وقامت جمعيات االإ�سلح الزراعي والت�سويق التعاونية باإعادة توزيع الرثوة.

ومـــن ال�سمـــات املهمـــة االأخـــرى للإجـــراءات املبكـــرة التـــي اتخذهـــا

نظـــام احلكـــم لتحويل اليمـــن، نظرة احلزب لـــدور االإ�ســـلم يف الدولة

اال�سرتاكية. فقبل اال�ستقـــلل، كان االإ�سلم ميثل الت�سريع االأيديولوجي

االأ�سا�ســـي للنظام االجتماعي وكذلك للدولة، اأما يف ظل جمهورية اليمن

الدميقراطيـــة ال�سعبيـــة فقد تبنـــى النظـــام مقاربة حذرة ولينـــة ن�سبيا

جتـــاه االإ�سلم، موؤكـــدا بالتحديد علـــى اجلوانب امل�سرتكـــة بني النظام

اال�سرتاكـــي واالإ�ســـلم )خا�ســـة فيما يتعلـــق مببـــداأ امل�ســـاواة والعدالة

االجتماعية(. ون�س د�ستور جمهورية اليمن الدميقراطية لعام 1970 اأن

االإ�ســـلم هو الديـــن الر�سمي يف البلد وله حق احلمايـــة طاملا اأنه متفق

مـــع الد�ستور، وكانـــت تعاليم االإ�سلم مطلوبة يف مناهـــج التعليم العام.

كما اأن جمهورية اليمن الدميقراطية ا�ستخدمت االإ�سلم لدعم جهودها

ري احلزب الثوريـــة، وطبقا ملا قالـــه عبد الفتـــاح اإ�سماعيل، كبـــري منظر

االإيديولوجيـــني وخليفـــة �ســـامل ربيع كرئي�ـــس للجمهورية، فقـــد »تعر�س

االإ�سلم للتحريف والتزوير ... ففي عهد العبا�سيني واالأمويني ا�ستطاعت

القوى االر�ستقراطية توجيه االإ�سلم اإىل غايات ومفاهيم غري التي جاء

االإ�ســـلم من اأجلهـــا. وقد فعلوا ذلك خلدمـــة م�ساحلهم وللحفاظ على

كرا�سي حكمهم ومماليكهم واخللفـــة الوراثية، التي مل يكن لها علقة

باالإ�ســـلم مطلقا. واالإ�سلم، الذي هو يف االأ�سا�س اأتى كثورة، مت حتويله

مـــن قبل اأيدي القوى االإقطاعية واالر�ستقراطيـــة التي )�سلبت( االإ�سلم

روحه الثورية ووجهته خلدمة اأغرا�س اأخرى«.

اأما امليزة الثالثة الإ�سرتاتيجية الدولة اجلديدة فهي التغلغل يف املجتمع

عن طريق تاأ�سي�س تنظيم حزبي جماهريي، حيث اأن�ساأ احلزب اال�سرتاكي

اليمني )الذي مت تاأ�سي�ســـه بعد اإعدام �سامل ربيع علي عام 1978( بع�س

اخلليا يف كل من الدوائر اجلغرافية والوظيفية )كامل�سانع والتعاونيات

واجلي�ـــس(، وو�سلـــت الع�سوية احلزبيـــة اإىل 26.000 ع�ســـوا عام 1977

و3.5% مـــن ال�سعب عـــام 1983. وكانت الن�سبة االأكرب مـــن االأع�ساء هم

من »عمال املكاتب« )36% من الع�سوية احلزبية(، بينما فقط 26% من

االأع�ساء هم من الطبقة العاملة و14.6% هم من طبقة الفلحني. ولكن

رغـــم كل هذه اجلهود مل يكن لنظام احلكم اأثـــر كبري يف املجتمع، وهذا

اإىل حـــد مـــا نتيجة للحرب احلزبيـــة العنيفة يف �سفـــوف جبهة التحرير

القوميـــة واحلزب اال�سرتاكي اليمني، وهو ما جعـــل النظام يعتمد كثريا

علـــى اجلانب الع�سكـــري. علوة على ذلـــك، تراجعت اجلهـــود املبذولة

لتبني املبادئ اال�سرتاكية يف اليمن بحلول الثمانينيات، وا�ستطاع النظام

البقـــاء يف االأ�سا�س الأنه تقبل بوجـــود املجتمع اللمركزي القبلي امل�سلح.

ومـــع ذلك، ورغم عدم حتـــول النظام كامـــل، فقد ا�ستطـــاع ك�سب والء

الكثري من العنا�سر القبلية بوا�سطة هذه اال�سرتاتيجية، وذلك من خلل

منح �سلحية كبرية للقيـــادات احلزبية املحلية )الذين كانوا يف الغالب

م�سايخ قبليني حمليني( يف مناطق مثل ح�سرموت.

ويف اأفغان�ستـــان، كما حدث يف اليمن، حـــاول النظام ال�سيوعي اإحداث

ثـــورة مـــن القمة. وكما ح�ســـل يف اأماكن اأخـــرى يف مثل هـــذا النوع من

الثـــورات، فقد كان الراديكاليون يف كل من اليمن واأفغان�ستان نتاج نظام

التعليـــم املتبـــع يف العا�سمة،

ع�سكريـــني معظمهـــم وكان

ح�سريـــني وبريوقراطيـــني

تاأثروا بفكـــرة �سرورة حتويل

الوطـــن ملواكبـــة باقـــي العامل

وكان ميكـــن. مـــا باأ�ســـرع

الدميقراطي احلـــزب اأتبـــاع

االأفغـــاين اإىل حـــد كبـــري من

االأقليـــة املثقفـــة، املقيمني يف

املناطـــق احل�سرية. وب�سورة

عامة تعار�ست مفاهيم وقيم

هـــذه املجموعـــة مـــع مفاهيم

العظمـــى االأغلبيـــة وقيـــم

املحافظـــني االأفغانيـــني مـــن

الريفيـــني. كما اأ�سعفت كـــرثة التناف�س الداخلي، والعنيـــف اأحيانا، قوة

احلـــزب. وبعد مـــرور �سنتني على تاأ�سي�سه يف كانـــون الثاين/يناير 1965

انق�ســـم احلـــزب الدميقراطـــي اإىل ف�سيلـــني عمل من حيـــث الع�سوية

والفكر كحزبني منف�سلني: حزب خلق الراديكايل بقيادة طرقي، وحزب

بر�ســـم االأكرث اعتداال بقيادة كارمل. وت�سكل جناح خلق من الب�ستون من

غري طبقات النخبة، بينما �سم عنا�سر جناح بر�سم اجلماعات العرقية

االأخرى ممن مييلون للطبقات العليا ذات الثقافة الغربية.

وعندمـــا توىل احلزب ال�سعبي الدميقراطي �ســـدة ال�سلطة يف ني�سان/

اأبريـــل 1978 كان اأع�سائـــه الفاعلني قلة رغم امل�سانـــدة الكبرية من قبل

ال�سوفييـــت. وتوجد تقديرات خمتلفة لكن و�سل عدد االأع�ساء يف اأف�سل

احلـــاالت حـــوايل 18.000 ع�ســـوا، ورمبا لي�ـــس اأكرث مـــن 10.000 ع�سو.

ومهمـــا كانـــت ن�سبـــة الع�سوية فهـــي مل ت�ســـكل �سوى واحـــد يف املائة من

اإجمـــايل ال�سعب االأفغاين، ويقدر اأن الدعـــم الفعال يف اأح�سن حاالته مل

يكـــن اإال من حوايل 3% اإىل 5% من اإجمايل ال�سعب. وعند توليه ال�سلطة

بعـــد ثورة �ساور العنيفة عـــام 1978 تقدم نظام احلكم يف البداية بحذر،

موازيـــا بني التيارات احلزبية املختلفة يف احلزب ال�سعبي الدميقراطي.

وعلـــى ما يبدو اأنـــه مت ت�سكيل جمل�س الـــوزراء االأويل بعناية خللق توازن

مت�ســـاوي يف تويل املنا�سب بني اأن�سار حزب خلق واأن�سار حزب بر�سم،

حيث مت اختيار طرقي كرئي�س وزراء وكارمل نائب رئي�س وزراء، يف حني

عني حفيـــظ اهلل، ع�سو حزب خلق، وزيرا للخارجية. وقام نظام احلكم

باإ�ســـدار �سل�سلة من القـــرارات خلل �سهـــري ني�سان/اأبريل واأيار/مايو

اليمنــي اال�ســرتاكي احلــزب

بفــارق “تنظيمــا” اأكــر كان

كبــري مقارنة باحلزب ال�ســعبي

قبــل االأفغــاين الدميقراطــي

التغــريات الكربى التــي طراأت

عام 1991. وكان لهذا دور كبري

يف تف�ســري مــا حــدث خلليفتــي

احلزبن يف اأعقاب خ�ســارتهما

لل�ســلطة يف عقــد الت�ســعينيات

من القرن الع�سرين

47 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 24: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 48 49ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

مـــن عام 1978 اأعلنت مبداأ امل�ســـاواة بني اجلماعات العرقية. وكما كان

احلـــال يف اليمـــن، �سعى النظـــام يف اأفغان�ستان – علـــى االأقل يف بداية

االأمـــر – اإىل التاأكيد على اإمكانية االإ�ســـلم الثورية، حيث قال طرقي:

»نريـــد تطهـــري االإ�سلم مما علـــق به من

عـــادات وتقاليد وخرافـــات ومعتقدات

خاطئة. وبعدهـــا �سنح�سل على اإ�سلم

طاهـــر وتقدمي وحديـــث«. بـــل اأن اأول

ثلثـــة قـــرارات اأ�سدرهـــا نظـــام حكم

احلزب الدميقراطي بـــداأت بالب�سملة،

بينمـــا حذفـــت يف القـــرارات اخلم�ســـة

الباقية.

و�سرعـــان مـــا تخلى احلـــزب ال�سعبي

الدميقراطي عن الطريقة االأولية جتاه

االإ�سلم التي كانت تبدو معتدلة، وذلك

عندمـــا �سعـــى عنا�سر حـــزب خلق اإىل

اإحـــكام �سيطرتهم علـــى ال�سلطة. وبعد

انقـــلب �ساور بفرتة وجيـــزة بداأ جناح

حزب خلـــق، الذي كان يحظى بوالء معظم ال�سبـــاط، بت�سفية عنا�سر

حـــزب بر�سم. وعقـــب موؤامرة حـــزب بر�سم املزعومـــة يف �سيف 1978

ل الكثري قـــام طرقي بت�سفية الكثري مـــن القادة الكبار للحـــزب، مر�سم

منهـــم اإىل املنفى الر�سمي ك�سفراء، ومنهـــم بابراك كارمل )اأر�سل اإىل

ب بزاد )اإىل يوغ�سلفيا(. كما اعتقل وعذر ت�سيكو�سلوفاكيا( واأناهيتا راتم

اآخـــرون، من اأمثال �سلطـــان علي كي�ستماند ونور اأحمـــد نور. ومت تنحية

عبد القـــادر عن من�سبه كوزير دفـــاع يف اآب/اأغ�سط�س 1978، وت�سريح

اأع�ساء حزب بر�سم من املدار�ـــس ومرافق اخلدمة املدنية والع�سكرية،

بـــل ويف اأغلب االأحيـــان مت اعتقالهم وتعذيبهـــم. ويف التا�سع من توز/

يوليـــو قال طرقـــي متفاخرا: »مل يكن هناك �ســـي ا�سمه حزب بر�سم يف

اأفغان�ستان، ولي�س هناك �سيء من هذا القبيل االآن«.

االآخـــرون قمعـــوا اأي�ســـا، ومت اإعـــلن اأربع جماعـــات كاأعـــداء لنظام

احلكـــم نهايـــة 1978، وهي: االإ�سلميـــون؛ واملاويون؛ وجماعـــة ال�سيتام

ميلـــي )وهـــي جماعـــة كان لهـــا ميول ماويـــة واأيـــدت نزعـــة االنف�سال

الطاجيكيـــة واالأوزبكية(؛ وجماعـــة التنظيم الدميقراطـــي اال�سرتاكي

االأفغـــاين »ميلت«. واإثر بـــدء املقاومة وا�سعة النطاق �سد نظام احلكم

يف منت�ســـف 1978، مت اختيـــار االإ�سلميـــني ب�سكل خا�ـــس، حيث اأعلن

طرقـــي بنف�سه احلرب �سد »اأهل الذقون«، اأي رجال الدين، ويف خطاب

تلفزيـــوين يوجه فيه عنا�سر حزب خلق قال: »اإن من يتاآمرون �سدنا يف

الظلم يجب اأن ي�ستاأ�سلوا يف الظلم«.

وبعـــد ا�ستئ�ســـال املعار�سة واإزاحـــة اأي عوائق �سكلهـــا عنا�سر حزب

بر�ســـم، بداأ حزب خلق وب�سرعة �سل�سلة مـــن االإجراءات لن�سر املفاهيم

اال�سرتاكيـــة يف البـــلد ب�سرعة، اإذ حددت القـــرارات التي اأ�سدرت بني

12 توز/يوليـــو و28 ت�سريـــن الثاين/نوفمـــرب 1978 اإجـــراءات �ساملـــة

لتحويل املناطق الريفية ب�سرعة. فمنع اأحد تلك القرارات نظام الفائدة

والرهـــن الذي عمل به قبل 1973، وعفا الفلحني الذي ال ميلكون اأر�سا

من الديون. وهـــذا االإجراء اأق�سى العديد مـــن النخب الريفية، و�سبب

خلـــل يف نظام العلقات الثنائيـــة وااللتزامات التي كانت تنظم احلياة

الريفيـــة. كمـــا �سجع قـــرار اآخـــر امل�ساواة بـــني اجلن�سني، وحـــدد اأعلى

م�ستـــوى ملهـــر العرو�ـــس واأدنى �سن للـــزواج )18 �سنة للرجـــال و16 �سنة

للن�ســـاء(، ومنع الزواج االإجباري. ويف الوقت نف�سه، ركز اأحد القرارات

علـــى ا�ست�سلح االأرا�سي و�سعى اإىل توزيعها على الفئة االأكرث فقرا من

�سكان الريف. وعلى غرار احلال يف اليمن، كان الهدف من هذا القرار

تطويـــر طبقة جديـــدة من مـــلك االأرا�سي ال�سغار الذيـــن من املمكن

تنظيمهـــم يف تعاونيات زراعية، وجعلهـــم يعملون كقاعدة دعم للنظام.

وقد بـــداأت عمليـــة ا�ست�سلح االأرا�ســـي يف كانـــون الثاين/يناير 1979

لكنهـــا واجهت معار�سة كبرية حتولت اإىل ع�سيان م�سلح علني. فمع اأن

النظـــام احلاكم �سعـــى ملهاجمة اأنظمة الفقر وعـــدم امل�ساواة يف الريف

اإال اأن الكثرييـــن اعتربوا �سيا�ستـــه الرمزية هجوما على االإ�سلم نف�سه،

واأ�سبـــح حتـــى االأفغان ممـــن مل يكن لهـــم ن�ساط يف املقاومـــة ينظرون

للنظام بازدراء، وهي النظرة التـــي تفاقمت بتعاون النظام مع ال�سلطة

امللحدة )االحتاد ال�سوفيتي(.

اخلــاف احلزبــي الداخلــي لقـــد اأت�ســـف كل

من احلـــزب اال�سرتاكي اليمني واحلزب ال�سعبي الدميقراطي االأفغاين

بنزعـــة حتزب فئوية Factionalism متطرفة )اأي وجود خلفات حزبية

بـــداأ اليمـــن ففـــي �سديـــدة(. داخليـــة

اخللف حول علقات الدولة اجلديدة

مع االحتـــاد ال�سوفيتي، حيـــث كان اأول

رئي�س جلمهورية اليمـــن الدميقراطية

ال�سعبيـــة، �ســـامل ربيـــع علـــي، تـــراوده

�سكوك عميقة حول النموذج ال�سوفيتي

وانتقـــد ب�سدة منـــو التخطيط املركزي

الـــذي ازداد يف اليمـــن مـــع اأول خطـــة

خم�سية عام 1974، وركز انتقاداته على

جناح جبهـــة التحرير القومية املنا�سر

ـــر احلزب، لل�سوفيـــت الـــذي قاده منظر

عبـــد الفتاح اإ�سماعيـــل. ويف حزيران/

يونيـــو 1978 حـــاول �ســـامل ربيـــع علـــي

القيام بانقـــلب للإطاحـــة بخ�سومة

لكـــن حماولته ف�سلت، ونتيجة لذلك مت

ذ اعتقالـــه واثنني من رفاقه ومن ثم نفر

فيهم حكم االإعدام. وخلفه بعد ذلك جمل�س انتقايل من خم�سة اأع�ساء

بقيادة علي نا�سر حممد. ويف ت�سرين االأول/اأكتوبر 1978 حتولت جبهة

نور حممد طرقي

بابراك كارمل

حتليلت اليمن والعامل

wik

iped

ia, G

oogl

e

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 48 ا�سرتاتيجية

التحريـــر اإىل احلـــزب اال�سرتاكـــي اليمني الـــذي اأعلن عندهـــا احتكاره

لل�سلطـــة ال�سيا�سية. ويف كانـــون االأول/دي�سمرب عنير عبـــد الفتاح رئي�سا

واأ�سبح علي نا�سر حممد رئي�سا للوزراء.

ومع اأنهما كانا مييلن اإىل االحتاد ال�سوفيتي لكنهما اختلفا فيما يتعلق

بال�سيا�ســـة الداخليـــة واخلارجيـــة، اإذ اأيد عبد الفتاح - الـــذي نظر اإليه

باعتباره عقائديا ومت�سددا - تطبيق النموذج ال�سوفيتي يف اليمن. وعبد

الفتاح هـــو مواطن �سمايل )ككثري مـــن العنا�سر الي�ساريـــة الراديكالية

يف جبهـــة التحريـــر القومية( من منطقـــة احلجريـــة يف اليمن ال�سمايل

)اآنـــذاك(، وهاجـــر مثل غريه من ال�سماليـــني اإىل اليمن اجلنوبي للعمل

يف م�سفاة البرتول الربيطانية. ثم قام بالتدري�س يف املدار�س احلكومية

وترقـــى اإىل ال�سفوف االأمامية جلبهـــة التحرير بعد قيامه باغتيال قائد

االحتاد املنا�ســـر للبعث عام 1966. وبالن�سبـــة لل�سيا�سة اخلارجية، فقد

ل الت�سدد اإزاء اليمن ال�سمايل والبلدان املجاورة الغنية بالنفط. كان يف�س

وعلـــى النقي�ـــس من ذلك، كان علـــي نا�سر حممد مـــن منطقة دثينة يف

ل نهجـــا اأكرث تدرجيـــة يف تطبيق املفاهيـــم اال�سرتاكية، اجلنـــوب، وف�س

كمـــا دعا اإىل ت�سجيـــع االقت�ساد املختلـــط واحلد من تاأميـــم القطاعات

ل التقـــارب مع اليمن ال�سناعيـــة الكبـــرية. علوة على ذلـــك، كان يف�سر

ال�سمايل وتطبيع العلقات مع ال�سعودية وعمان.

ويف 1980 اأجربم عبد الفتـــاح اإ�سماعيل على التنحي من ال�سلطة وذهب

اإىل مو�سكـــو بحجة “الدرا�سة” هناك. وخلفـــه علي نا�سر حممد، الذي

بقي اأي�سا يف من�سبه كرئي�س وزراء واأمينا عاما للحزب اال�سرتاكي. ويف

ظـــل حكم علي نا�سر تراخت قب�سة ال�سيطرة املفرو�سة على االقت�ساد،

خا�سة جمال االإن�ساء، ومت ت�سجيع القطاع التجاري اخلا�س، اإذ تت دعوة

ال�ســـركات االأجنبية )مبا فيها الربيطانية( للعمـــل يف جمال ا�ستك�ساف

النفط، وقام اليمن اجلنوبـــي بتطبيع العلقات مع دول اجلوار. لكن مع

تراخـــي �سيطرة الدولة قام من تبقى مـــن حلفاء عبد الفتاح باتهام علي

نا�سر باملقاي�سة والف�ساد وخيانة الثورة. ويف عام 1984 بداأ وزير الدفاع

القوي علي عنرت بتوجيه النقد لعلي نا�سر حممد لتجاوزاته ال�سخ�سية.

ويف �سباط/فربايـــر 1985 اأجـــربم علـــي نا�ســـر على التخلي عـــن من�سبه

ـــح لعبد الفتـــاح اإ�سماعيل بالعودة كرئي�ـــس للـــوزراء. ويف نف�س العام �سمم

اإىل الوطـــن، ومت اإعادتـــه كع�سو �سكرتارية احلـــزب اال�سرتاكي اليمني.

وبعد موؤتـــر ت�سريـــن االأول/اأكتوبر 1985 ازداد ال�سغـــط داخل احلزب

علـــى علـــي نا�سر لكي يتنازل عـــن من�سبه كاأمني عام، ومـــن اأجل ترقية

عبد الفتاح اإىل من�ســـب ال�سكرتري االأيديولوجي )ثاين اأعلى من�سب يف

احلـــزب(. ويف كانون الثاين/يناير 1986 حتول هـــذا ال�سراع ال�سيا�سي

اإىل �ســـراع م�سلح عندما قـــام اأن�سار علي نا�سر بقتـــل عدد من اأع�ساء

املكتـــب ال�سيا�ســـي، مـــن بينهم عبد الفتـــاح وعلي عنرت. وقتـــل اآالف من

عنا�سر احلـــزب وامللي�سيات خلل احلرب االأهلية التي دامت اأ�سبوعني.

وقد �سانـــد اجلي�س اجلناح ال�سمايل يف احلـــزب، وفر علي نا�سر حممد

واالآالف مـــن اأن�ساره اإىل اليمـــن ال�سمايل اأو اإثيوبيـــا. ومت ت�سكيل قيادة

�سيا�سية جديدة بقيادة علي �سامل البي�س، اأحد اأن�سار عبد الفتاح، لكنه

رغم ذلك، وب�سورة عامة، وا�سل �سيا�سات علي نا�سر.

وبرغـــم اأن النزعـــة الفئويـــة املثـــرية للخـــلف احلزبي قـــد �ساعت يف

احلـــزب اال�سرتاكـــي اليمني، لكنهـــا كانت اأكـــرث و�سوحـــا وموؤ�س�سية يف

احلزب ال�سعبـــي الدميقراطي االأفغاين.

وقد تحـــور اخللف حول ال�سخ�سيتني

القياديتني – نور حممد طرقي وبابراك

كارمـــل. فعلـــى امل�ستـــوى االأيديولوجي،

اختلفـــت اآرائهمـــا جتـــاه حتقيـــق الثورة

االأفغانيـــة، فقـــد اأعتقد طرقـــي اأنه من

املمكن حتقيق الثورة بالطريقة اللينينية

التقليدية من خلل بناء حزب للطبقات

العاملة حمكـــم التنظيم، يف حني اأعتقد

كارمـــل اأن اأفغان�ستان متخلفة كثري جدا

لكـــي تتبنـــى اإ�سرتاتيجيـــة لينينيـــة واأنه

البد من تعزيز جبهة دميقراطية قومية

للقـــوى الوطنيـــة واملعاديـــة للإمربيالية

حتـــى تدفع بالبلد خطوة باجتـــاه الثورة اال�سرتاكية. وقـــد فاقمت جهود

كارمل عـــام 1967 الإقناع اللجنة املركزية للحـــزب ال�سعبي الدميقراطي

بتعنيـــف التطـــرف املفرط لطرقي، حـــدة االنق�ســـام يف اأفغان�ستان. لكن

نتائـــج الت�سويت )داخل اللجنـــة( كانت متقاربة، وحـــاول طرقي اإبطال

تاأثـــري كارمل عن طريق تعيني اأع�ساء جدد يف اللجنـــة من اأن�ساره. اأما

كارمـــل فقد قدم ا�ستقالته ومت قبولها، وتـــرك احلزب مع عدد كبري من

اأع�ســـاء اللجنة املركزية للحـــزب. وعقب ذلك عمـــل الفريقان كحزبني

�سيا�سيني منف�سلني، لكل منهما �سكرتريه/اأمينه العام وجلنته املركزية

واأع�سائه.

اإن قـــادة احلزب يف اأفغان�ستان مل يختلفوا اأيديولوجيا فح�سب بل اأي�سا

حـــول م�سائل عرقيـــة وطبقية، ومل تثـــل االأيديولوجيا العامـــل الوحيد،

ورمبـــا مل تكن االأهم، يف اخللف بني حـــزب خلق وحزب بر�سم. كما اأن

طرقـــي وكارمل لهما خلفيات خمتلفة جـــدا، حيث ياأتي طرقي من اأ�سرة

قرويـــة فقـــرية من اإقليم غـــزين، واأبوه تاجر موا�سي ومهـــرب فا�سل كان

كثـــري ال�سفر اإىل الهنـــد الربيطانيـــة. ودر�س طرقي املراحـــل االبتدائية

واملتو�سطـــة يف مدار�س عامـــة يف قندهار، ولفت االنتباه العاملي الأول مرة

عندما بداأ يكتـــب ق�س�سا ق�سرية يف االأربعينيات عن ظروف الفلحني

املعي�سية يف اأفغان�ستان، وحظيت ق�س�سه باإعجاب نقاد االأدب ال�سوفيت

يف ذلك احلني.

د طرقي، امللزم حفيظ اهلل اأمـــني فهو - كطرقي - ينحدر اأمـــا م�ساعم

مـــن طبقة الب�سطاء، وكان اأبوه موظفا حكوميا. وقد ولد اأمني عام 1921

يف مدينـــة بغمان قـــرب كابـــول. وبعد االنتهاء مـــن درا�ســـة الريا�سيات

والفيزيـــاء يف جامعة كابـــول اأ�سبح مدر�سا يف اإحـــدى املدار�س الثانوية،

ثـــم ترقى اإىل مدير مدر�ســـة. ويف �سنة 1957 ذهب يف منحة درا�سية اإىل

د. جنيب اهلل حممد

49 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 25: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 50 51ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

كليـــة املعلمني بجامعة كولومبيا يف نيويـــورك. ويف مطلع ال�ستينيات عاد

اإىل الواليـــات املتحـــدة ليوا�سل درا�سة الدكتـــوراه يف كولومبيا، وعندما

كان علـــى و�سك البـــدء يف الر�سالة طلمب منه العـــودة اإىل الوطن ليعالج

م�ساألـــة عائلية. وعند عودتـــه ان�سم اإىل احلـــزب ال�سعبي الدميقراطي

وركز على ال�سيا�سة وجنـــد لن�سرة احلزب طلبه الب�ستون يف املدار�س

الثانويـــة احلكومية حيث خدم كمدر�س ومدير لعدد من ال�سنني. ونظرا

لكونه ب�ستوين مـــن اأهل الريف، فقد جنح اأمني يف التاأثري على الطلب

الب�ستـــون الذين اأ�سبح الكثري منهم �سباطا يف اجلي�س بعد التخرج من

االأكادميية الع�سكرية يف كابول.

وقـــد اأجتمع طرقي واأمني يف نزعتهما املنا�ســـرة للطبقة الو�سطى من

الب�ستـــون يف الريف، وهي الطبقة التي جترعت مرارة الفقر وطالتها يد

اال�ستبداد. وبف�سل جهود اأمني ح�سل اأن�سار حزب خلق على دعم قوي

يف �سفـــوف فرقة ال�سباط. واأ�سبحت لغتهم االأوىل اللغة الب�ستونية بدال

من »الدارية« التي تعترب لهجة فار�سية يتخاطب بها �سكان املدن االأفغانية

وامل�سئولني احلكوميني. وكاأغلبية عنا�سر حزب خلق، كان طرقي ينتمي

دت من منا�سب ال�سلطة على اإىل القبيلة الب�ستونية »غيلزي« التي ا�ستبعم

اأيدي مناف�سيها من الدورانيني. وغالبا ما كان ينظر لفكرهما املارك�سي

على اأنه و�سيلة لنقل اال�ستياء القبلي.

اأمـــا االأ�ســـول االجتماعية والعرقيـــة لعنا�سر جناح بر�ســـم فقد كانت

تختلـــف تامـــا. فعلى �سبيل املثال، عانى كارمـــل - رغم انتمائه الأحدى

االأ�ســـر الغنيـــة الب�ستونية من اأ�ســـول ك�سمريية واملقيمـــة يف قرية قرب

كابـــول – من �سنـــك العي�س بعد وفاة اأمه، ومل يكـــن من الدورانيني وال

من الغيليزيني، فهو ابن اجلرنال حممد ح�سني خان الذي توىل من�سب

حاكـــم مقاطعة »باكتيا« وكانت تربطه علقات بالعائلة امللكية. ومبا اأنه

كان طالبـــا يف كلية احلقوق بجامعة كابـــول فقد اكت�سب �سمعة كخطيب

ونا�ســـط يف احتـــاد الطـــلب عـــام 1951. وعلـــى عك�ـــس عنا�سر حزب

خلـــق، انحدر كارمل )كمعظم اأع�ساء حـــزب بر�سم( من طبقة النخبة

احل�سرية ومل يكن يتمتع بح�س الهوية القبلية القوية اأو الوالء لها.

اأمـــا اأبناء الدائـــرة االنتخابية املوؤيـــدة لرب�سم فقد كانـــوا من الطبقة

الو�سطـــى اأو الو�سطى-العليـــا احل�سريـــة، ومييلـــون للتخاطـــب بلهجـــة

»داري« بـــدال من اللغة الب�ستونية. وكانـــوا اأكرث ثقافة من عنا�سر حزب

خلـــق، وطغت علـــى عاداتهم ومنط حياتهـــم ال�سبغـــة »الغربية«. وعلى

الرغـــم من اهتمـــام جناحي احلـــزب ال�سعبـــي الدميقراطـــي االأفغاين

كليهما بتغيري اأدوار النـــوع االجتماعي gender واإعطاء املراأة دورا اأكرث

بزاد، فعاليـــة يف مناحي ال�سيا�ســـة، اإال اأن الن�ساء )من اأمثال اأناهيتا راتم

حمبوبـــة كارمـــل، واأحد اأع�ساء احلـــزب ال�سعبـــي الدميقراطي االأربعة

الذيـــن انتخبوا لع�سوية الربملـــان عام 1965( كن اأكـــرث بروزا يف جناح

بر�ســـم، وكانت الرتكيبـــة العرقية يف هذا الف�سيل اأكـــرث تنوعا مما هو

عليـــه احلـــال بالن�سبة جلناح خلق. ومـــع اأن اأن اأغلبيـــة اأع�ساء الربملان

كانوا من اأبناء اإقليم كابول من الب�ستون املتحدثني باللهجة “الدارية”،

لكن اأي�ســـا كان يتم انتخاب ممثلني ب�سكل كبري من الهزارا والطاجيك

وغريهم من االأقليات االأخرى )مبن فيهم قادة بر�سم من اأمثال �سلطان

علي ك�ستماند، رئي�س الوزراء م�ستقبل، وهو من الهزارا(.

ويف مطلع اأيلول/�سبتمرب 1978 اندلع التمرد امل�سلح �سد نظام احلزب

ال�سعبـــي الدميقراطي االأفغـــاين يف اإقليم “نور�ستان”، ثم �سمل يف عام

1979 اأقاليـــم “باكتيا” و”غزين” و”بدرك�ســـان”. ويف �سباط/فرباير

ـــف ال�سفري االأمريكي لدى اأفغان�ستان، اأدولف دوبز، على يد 1979 اختطم

بع�س املتمردين، وقتل اأثناء حماولة اإنقاذ فا�سلة يف اأحد فنادق كابول.

وبعد ذلك بداأت االنتفا�سة يف اإقليم “هريات” يف اآذار/مار�س عام 1979

وراح �سحيتهـــا مئات من امل�ست�سارين ال�سوفيت وذويهم، ومل يتم اإخماد

تلك االنتفا�سة اإال ب�سق االأنف�س. ويف اأيلول/�سبتمرب 1979 اغتيل طرقي،

الـــذي كان يجـــد نف�سه عاجزا عـــن التجاوب مع التحديـــات التي تواجه

نظـــام احلكم، على يد عمـــلء موالني مل�ساعدهم حفيـــظ اهلل اأمني الذي

كان يعترب قوميا مت�سددا اأكرث منه ا�سرتاكيا وحاول تطبيع العلقات مع

املتمرديـــن االإ�سلميني. وبالفعل كان اأمني يحاول تو�سيع قاعدة النظام

من خلل جذب املتمردين اإىل �سفوفه، لكنه اأي�سا قام بت�سفية موؤيدي

طرقي من الدولة واحلزب. ويف احلقيقة، انخف�س عدد اأع�ساء احلزب

خلل تويل اأمني �سدة احلكم )بني �سهري اأيلول/�سبتمرب وكانون االأول/

دي�سمرب 1979( نظرا حلملت الت�سفية الوح�سية التي قام بها �سد كل

مـــن اأع�ساء جناح بر�سم واملوالـــني لطرقي من “اخللقيني”. ويف كانون

االأول/دي�سمرب 1979 اجتاح االحتاد ال�سوفيتي البلد الإنقاذ نظام حكم

احلـــزب ال�سعبـــي الدميقراطي، ومت اإعدام اأمني واأعيـــد بابراك كارمل

اإىل �سدة احلكم م�سحوبا بالقوات ال�سوفيتية.

قـــام كارمل بت�سكيل ائتلف جديد مـــن عنا�سر جناح بر�سم وعنا�سر

جناح خلـــق املعار�سني لنظام اأمني. وبحلول عـــام 1984 كان ثمانية من

االأع�ســـاء الثلثة ع�سر يف “املكتب ال�سيا�سي”، باالإ�سافة اإىل االأع�ساء

البدالء، من عنا�سر جناح بر�سم: كارمل؛ �سلطان علي كي�ستماند؛ جنيب

بزاد؛ عبد القادر؛ وحممود اهلل؛ نور اأحمد نور؛ حممد رايف؛ اأناهيتا راتم

باريـــاالي )�سقيق كارمل(. وقد كان من بني عنا�سر حزب خلق: حممد

اإ�ســـلم وطنجار، �سالح حممد زياري، حممد اإ�سماعيل داني�س، وغلم

دا�ستاجـــر بان�سريي )اأما انتماء الع�سو البديـــل، عبد الزهور رازجمو،

فلم يكن وا�سحا(. وعلوة على ذلك، حاول كارمل تو�سيع قاعدة نظامه

عـــن طريق امل�ســـي يف عملية التقارب مع املتمرديـــن. ويف االأثناء، اأعيد

العلم االأفغاين القدمي ذو االألوان الثلثة، مع اللون االأخ�سر االإ�سلمي،

ويف املقابـــل مت التخلـــي عـــن العلـــم االأحمر )علم حزب خلـــق( ومل يعد

ميثـــل العلم الوطني. ويف بداية ني�سان/اأبريل 1980 اأ�سبحت كل الوثائق

الر�سميـــة تبداأ بالب�سملة، وهـــو التقليد الذي تخلى عنه طرقي. ويف عام

1982 اأعـــاد النظام �سياغة الد�ستور احلزبي وحذف منه اأي اإ�سارة اإىل

املارك�سية اللينينية )وهي خطـــوة عار�سها عنا�سر حزب خلق ب�سدة(.

على اأن اإ�سرتاتيجية اجلبهـــة املوحدة التي تبناها احلزب الدميقراطي

ال�سعبـــي بعـــد االجتيـــاح ال�سوفيتـــي، اأعتربهـــا املراقبـــون اإ�سرتاتيجية

حتليلت اليمن والعامل

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 50 ا�سرتاتيجية

عقيمـــة اإىل حد كبري. ويف 1986، وحتـــت �سغط االحتاد ال�سوفيتي، تت

تنحية كارمل عن ال�سلطـــة ل�سالح الرئي�س ال�سابق للمخابرات االأفغانية

)KHAD(، الدكتور جنيب اهلل.

ويلخ�ـــس اجلدول رقـــم )1( االإرث الذي خلفه النظـــام املا�سي يف ظل

االعتماد الن�سبي على االحتاد ال�سوفيتي، ودرجة اخللف احلزبي داخل

االأحـــزاب ال�سيا�سية، واإىل اأي مدى ا�ستطـــاع احلزب/الدولة التغلغل يف

املجتمع. وكما هو مو�سح يف اجلدول رقم )1(، فعند القيام باملقارنة بني

احلزب اال�سرتاكي اليمني واحلزب الدميقراطي ال�سعبي االأفغاين فاإننا

جنـــد اأن االأول اأقـــل اعتمادا علـــى الدعم ال�سوفيتي. فلـــم يكن يف اليمن

�ســـوى القليل من امل�ست�سارين الع�سكريـــني ال�سوفيتيني )لكن امل�ست�سارين

الكوبيـــني كانوا اأكـــرث( مقارنة بالدعـــم الع�سكري ال�سخـــم الذي قدمه

ال�سوفيـــت للنظام االأفغاين بعـــد 1979. كما اأن االقت�ســـاد االأفغاين كان

اأكـــرث اعتمـــادا بكثري على االحتـــاد ال�سوفيتي )وهذا اإىل حـــد كبري يعود

بب�ساطـــة للتقارب اجلغـــرايف( واأكرث اندماجا مع االقت�ســـاد ال�سوفيتي،

وهـــو مل يكن فقط معتمدا عليـــه فيما يتعلق بالوقود واملـــواد الغذائية بل

ارتبـــط باملوؤ�س�ســـات العابرة للحدود التي يرعاهـــا ال�سوفيت مثل جمل�س

.)CMEA(التعاون االقت�سادي امل�سرتك

وقـــد �سعب االعتمـــاد على االحتاد ال�سوفيتي االأمـــر كثريا على احلزب

ال�سعبي الدميقراطي يف اأن يخلق هوية احلركة الثورية الوطنية. وبالتاأكيد

كان هناك عنا�سر قيادية موالية لل�سوفيت يف احلزب اال�سرتاكي اليمني

وربطتهـــم علقات وثيقة باالحتاد ال�سوفيتـــي )كعبد الفتاح اإ�سماعيل(،

غري اأن معظم قادة احلـــزب اكت�سبوا �سمعتهم كمقاتلني يف احلرب التي

خا�سوهـــا �ســـد االإمربياليـــة الربيطانية اأيـــام جبهة التحريـــر القومية.

وكمـــا الحظ اأحد املراقبـــني، فاإن العنا�سر القياديـــة يف احلزب ال�سعبي

الدميقراطـــي كانوا اإمـــا “مت�سددين غري عمليني، مثل طرقـــي، اأو اأبناء

مـــدن لي�ســـوا متفهمـــني اأو متعاطفـــني مـــع احليـــاة القروية، مـــن اأمثال

كارمـــل”. ويف الوقت الـــذي ا�ستطاع احلزب اال�سرتاكـــي اليمني تر�سيخ

جـــذوره اإىل حد ما، على االأقل يف بع�س املناطق الريفية )كح�سرموت(،

ظل احلـــزب ال�سعبـــي الدميقراطي االأفغـــاين متقوقعا يف اإطـــار ثلة من

املثقفني واملتخ�س�سني احل�سريني وبع�س ال�سباط.

ف�ســـل عن ذلك، كان اخللف احلزبي اأكـــرث �سدة يف اأو�ساط عنا�سر

احلزب ال�سعبي الدميقراطي مما كان عليه احلال يف احلزب اال�سرتاكي

اليمني. ومما ال �ســـك فيه اأنه كانت هناك خلفات وا�سحة بني جناحي

احلزب اال�سرتاكي يف ال�سمال واجلنوب، لكن مت على االأقل تهدئة معظم

تلك اخللفـــات اأمـــام املقاومة امل�سرتكة �ســـد الربيطانيـــني اأيام جبهة

التحريـــر القوميـــة. ورغم التناف�ـــس الذي تخ�س عنـــه يف النهاية عنف

�سديـــد عام 1979 باإعدام �ســـامل ربيع علي واحلرب االأهلية املفتوحة عام

1986، لكن هـــذه االأحداث �ساعدت اإىل حد ما، وب�سكل غري متوقع، على

ت م�سجع اإنهـــاء النزعة الفئوية املثرية للخـــلف احلزبي التي طاملا ق�س

احلـــزب اال�سرتاكـــي، واإىل حـــد كبـــري طهرت هـــذه التقلبـــات الداخلية

العنيفة احلزب من �سوائب التيارات احلزبية املتناف�سة، حتى اأنه عندما

حـــل وقت الوحـــدة كان معظم من تبقى من عنا�ســـر احلزب اال�سرتاكي

اليمنـــي، بطريقـــة اأو باأخرى، مرتبطـــا باالإرث ال�سيا�ســـي واالأيديولوجي

الذي تركه عبد الفتاح اإ�سماعيل.

ومـــن ناحية اأخرى، كانت جذور اخللفات احلزبية يف اأو�ساط اأع�ساء

احلزب ال�سعبي الدميقراطي اأعمق مقارنة مبا كان عليه احلال يف احلزب

اال�سرتاكي اليمني، حيث مل تكن التحزبات نتاج االختلف االأيديولوجي

فح�ســـب بل واالختلف اللغوي والعرقي والطبقي. علوة على ذلك، فاإن

جدول رقم )1(: اأبعاد اإرث احلزب/النظام ال�سابق

التغلغل يف املجتمعاخلاف احلزبياالعتماد على االحتاد ال�سوفيتياحلزب

احلزب

اال�سرتاكي

اليمني

درجة اعتماد اأقل ن�سبيا من احلزب

الدميقراطي ال�سعبي:

1( تقدير عدد القوات ال�سوفيتية اأو

الكوبية/ ال�سكان يف 1990 )تقديراأكرب

عدد للقوات يف الثمانينيات(=0002.

.)2000(

2( االأن�سطة التجارية مع االحتاد ال�سوفيتي

ال ت�ستحق الذكر.

يرتكز على االإنتماءات

االإقليمية والقبلية، لكنه اأقل

ن�سبيا مما هو عليه احلال يف

احلزب الدميقراطي ال�سعبي.

م�ستوى اندماج اأعلى ن�سبيا

من م�ستوى اندماج احلزب

الدميقراطي ال�سعبي، يعززه

اإرث الن�سال الثوري/التحرري

واملنهجية املعتدلة ن�سبيا جتاه

االإ�سلم، بلغت ن�سبية ع�سوية

احلزب 3.5% يف اأو�ساط ال�سعب.

احلزب

الدميقراطي

ال�سعبي

االأفغاين

درجة اعتماد اأعلى ن�سبيا من احلزب

االإ�سرتاكي اليمني:

1( تقدير عدد القوات ال�سوفيتية اأو

)تقديراأكرب الكوبية/ ال�سكان يف 1990

عدد للقوات يف الثمانينيات(= 005.

.)125000(

2( العلقات التجارية واالقت�سادية مع

االحتاد ال�سوفيتي متينة: احتلت اأفغان�ستان

مكانة يف جمل�س التعاون االقت�سادي

.)CMEA(

ن�سبة اخللف اأعلى مما

هو عليه احلال يف احلزب

االإ�سرتاكي اليمني، ويرتكز

على اخللفات العرقية/

اللغوية والقبلية والطبقية.

واأكرث تنظيما موؤ�س�سيا

)عنا�سر جناح خلق مقابل

عنا�سر جناح بر�سم(.

م�ستوى اندماج اأدنى ن�سبيا،

يعيقه االإعتماد على االحتاد

ال�سوفيتي واملنهجية املت�سددة

يف تبني املعتقدات االإ�سلمية.

و�سلت ن�سبة ع�سوية احلزب اإىل

اأقل من 1% يف اأو�ساط ال�سعب.

51 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 26: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 52 53ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

تاأ�سي�س حزبي خلق وبر�سم املختلفني كل االختلف عن بع�سهما بقيادة

طرقـــي وكارمل على التوايل بعد عام 1967 جـــذر اخللف احلزبي، ما

خلـــق يف نهاية املطاف �سدعـــا ي�سعب راأبه. ورغم اجلهـــود ال�سوفيتية

وا�سل احلزبـــان احلفاظ على هويتهما التنظيميـــة ككيانني منف�سلني،

حتى حتت قناع الوحدة الزائف الذي فر�سه ال�سوفيت عام 1977.

درجـــة تفاوتـــت اأخـــريا،

التغلغـــل املجتمعـــي اإىل حـــد

احلـــزب بـــني اأي�ســـا كبـــري

اال�سرتاكـــي اليمني واحلزب

الدميقراطـــي ال�سعبـــي

جانـــب فـــاإىل االأفغـــاين.

ال�سرعيـــة التي نالها احلزب

طريـــق عـــن اال�سرتاكـــي

الن�ســـال التحـــرري، وكذلك

التـــي الرتابـــط علقـــات

ر�سخها مع اأبناء االأرياف يف

اجلنـــوب بوا�سطـــة الروابط

القبليـــة، مل يتخـــذ احلـــزب

خطى جادة بخ�سو�س دور االإ�ســـلم. وهذا االأمر تناق�س ب�سكل �سارخ

مـــع الهجـــوم �سبه التام الذي قـــام به عنا�سر حزب خلـــق �سد االإ�سلم

خـــلل الفـــرتة 1978 - 1989. اإ�سافـــة اإىل ذلـــك، فقـــد حقـــق احلـــزب

اال�سرتاكي جناحا كبريا يف عملية بناء تنظيمات احلزب التي تغلغلت يف

اأو�ســـاط ال�سكان، على االأقل باملقارنة مع احلزب ال�سعبي الدميقراطي.

ويف فرتة الثمانينيات اأ�سبح 3.5% من اأبناء اجلنوب اأع�ساء يف احلزب

اال�سرتاكـــي، يف حني كان اأع�ساء احلـــزب ال�سعبي الدميقراطي ميثلون

اأقل من واحد يف املائة من اأبناء ال�سعب االأفغاين البالغني.

ولهـــذا، فيمكننا القـــول ب�سورة ن�سبية اإن احلـــزب اال�سرتاكي اليمني

كان اأكـــرث “تنظيما” بفارق كبري مقارنة باحلزب ال�سعبي الدميقراطي

االأفغـــاين قبل التغريات الكربى التي طراأت عـــام 1991. وكان لهذا دور

كبري يف تف�سري ما حدث خلليفتي احلزبني يف اأعقاب خ�سارتهما لل�سلطة

يف عقد الت�سعينيات من القرن الع�سرين.

ال�ســعبي واحلــزب اليمنــي اال�ســرتاكي احلــزب

الدميقراطــي االأفغــاين منذ 1986 �سلك االحتاد

ال�سوفيتي م�سلكا جديدا يف علقاته مع الغرب بعد 1985، االأمر الذي كان

له اأثر عميق على النظامـــني املارك�سيني اللينيني يف اليمن واأفغان�ستان.

ففـــي اليمـــن اأدى تن�سيـــب علـــي �ســـامل البي�ـــس كاأمـــني عـــام للحزب

اال�سرتاكـــي اليمني، م�سحوبا بالتغيريات التـــي حدثت يف مو�سكو، اإىل

اإ�ســـراع اخلطى باجتاه توحيد �سطـــري اليمن ال�سمايل واجلنوبي، حيث

تخ�س عـــن املفاو�سات عام 1981 »د�ستور موؤقـــت« لليمن املوحد، لكن

كل اجلانبـــني رف�س قبـــول م�سودة الد�ستـــور. ويف اأيلول/�سبتمرب 1989

انعقـــد اجتمـــاع قمة يف �سنعـــاء، وبحلول ت�سريـــن الثاين/نوفمرب 1989

)نف�س ال�سهر الذي �سقط فيه جدار برلني( اأعلن رئي�س اليمن ال�سمايل

علي عبد اهلل �سالح وعلي �سامل البي�س يف عدن اأنه �سيتم تنفيذ اتفاقية

الوحدة التي يعود تاريخها اإىل عام 1981 بحلول عام 1990. وفعل تت

الوحدة ب�سكل ر�سمي يف 22 اأيار/مايو 1990.

بعد ذلك مت تقا�سم ال�سلطة بالت�ساوي بني قادة ال�سمال وقادة اجلنوب،

فتـــوىل علـــي عبد اهلل �سالح من�ســـب رئي�س اليمن املوحـــد واأ�سبح علي

�ســـامل البي�س نائبا له، بينما مت تعيـــني العطا�س الذي كان رئي�س اليمن

اجلنوبـــي ورئي�س هيئـــة رئا�سة جمل�س ال�سعـــب االأعلى رئي�ســـا للوزراء.

ومبوجـــب االتفاقيـــة ت�سارك املنا�ســـب الوزارية بالت�ســـاوي ممثلون من

كل ال�سطريـــن، وتبنـــت كل وزارة نظام تعيني متـــزن، بحيث على �سبيل

املثـــال اإذا كان الوزير من ال�سمال يكون نائبه من اجلنوب. ويف اجلانب

الع�سكـــري كان وزير الدفاع مـــن اأبناء اجلنوب ورئي�ـــس االأركان العامة

من ال�سمال.

ر الد�ستور املقـــرتح من خلل عملية ا�ستفتاء. ويف اأيار/مايـــو 1991 اأقم

ويف ني�سان/اأبريل 1993 عقدت اأول انتخابات عامة يف اليمن تناف�س فيها

املر�سحـــون على 301 مقعدا نيابيا لق�ساء فـــرتة اأربع �سنوات يف جمل�س

النـــواب. وقد ح�سل املوؤتر ال�سعبي العام، احلزب احلاكم بقيادة علي

عبد اهلل �سالح، على اأغلبية املقاعد التي بلغت 123 مقعدا. اأما احلزب

اال�سرتاكـــي فقد ح�ســـل على 56 مقعـــدا فقط، فهبط مـــن مرتبة ثاين

اأكـــرب حزب يف البلد اإىل ثالث اأكرب حزب، واأ�سبح حزب االإ�سلح حمل

احلزب اال�سرتاكي بح�سوله على 62 مقعدا. ثم قرر احلزب اال�سرتاكي

التخلـــي عن املبـــادئ اال�سرتاكية يف اجتماع جلنتـــه املركزية، لكن هذا

القرار قوبل باالنتقاد من قبل الكثري من العنا�سر الي�سارية يف احلزب.

ويف برناجمـــه االنتخابـــي عـــام 1993 اأعلن احلزب اأن هدفـــه االأ�سا�سي

هـــو ت�سجيع الوحـــدة الوطنية واملبـــادئ الدميقراطية وحتقيـــق العدالة

االجتماعيـــة، واأعترب القبلية م�سكلة )على عك�ـــس املوؤتر ال�سعبي العام

الذي اأثنى عليها بو�سفها »العائلة املمتدة«(، معلنا يف حملته عام 1993

اأنه يبحث عن »اإيجاد حل مل�سكلة الت�سلط القبلي والفو�سى الناجمة عن

ذلـــك«. وعلـــى عك�س حزبي املوؤتـــر واالإ�سلح اللذين اعتـــربا االإ�سلم

جوهـــر احليـــاة، �سعى احلزب اال�سرتاكـــي اإىل اإيجاد جامعـــة اإ�سلمية

فقط يف اليمن.

لكن اخللفـــات التي ا�ستعلت يف اأو�ساط عنا�ســـر احلزب اال�سرتاكي

بني اأن�ســـار اجلناح الي�ساري بقيادة علي البي�ـــس وبني العنا�سر االأكرث

اعتـــداال املتبنني �سيا�سة اال�سرت�ساء بقيـــادة جار اهلل عمر اأعاقت عقد

موؤتر احلزب. ثـــم اأدت االإ�سكاالت ال�سيا�سية بـــني احلزب اال�سرتاكي

واالإ�ســـلح وكذلك املوؤتر ال�سعبي العـــام اإىل �سل�سلة من عمليات القتل

واالغتيـــال للم�سئولـــني يف احلزب اال�سرتاكي، وبلـــغ االأمر ذروته عندما

رف�ـــس نائب الرئي�س علـــي �سامل البي�ـــس تاأدية واجباتـــه وان�سحب اإىل

مدينـــة عدن. وعلـــى اإثر ذلك اإنطلقـــت مبادرات و�ساطة حلـــل االأزمة،

تراجعت اجلهود املبذولة لتبني

املبــادئ اال�ســرتاكية يف اليمــن

بحلــول الثمانينيات، وا�ســتطاع

االأ�ســا�ض يف البقــاء النظــام

املجتمــع بوجــود تقبــل الأنــه

الامركزي القبلي امل�سلح

حتليلت اليمن والعامل

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 52 ا�سرتاتيجية

غـــري اأن املناو�ســـات ا�ستمرت بـــني وحـــدات اجلي�س ال�سمـــايل واجلي�س

اجلنوبـــي، واندلعت حـــرب اأهلية يف اأيار/مايـــو 1994. وقد ان�سم رئي�س

الوزراء العطا�س وغريه من العنا�سر القيادية يف احلزب اإىل قوات نائب

الرئي�س البي�س الـــذي كان يف عدن واأعلن عن ا�ستقلل جمهورية اليمن

الدميقراطية اجلديدة يف اجلنوب.

لكـــن معظم اأع�ساء احلزب اال�سرتاكي رف�ســـوا االن�سمام اإىل البي�س

لوا البقاء يف �سنعاء. ويف اجلنوب رف�س القادة يف اأبني وح�سرموت وف�س

وبع�ـــس املحافظات االأخرى منا�سرة جماعـــة البي�س. ويف نهاية املطاف

تكنـــت قوات الرئي�ـــس �سالح من التغلـــب على قوات البي�ـــس يف ميدان

املعركـــة، وفر البي�ـــس يف توز/يوليـــو 1994 اإىل �سلطنـــة عمان كلجئ

�سيا�ســـي، وبهـــذا انتهت احلـــرب التي دامـــت �سهريـــن وا�سطر احلزب

اال�سرتاكـــي اإىل تـــرك حكومـــة االئتـــلف ومت اال�ستيلء علـــى ممتلكاته

ح الأع�ساء احلزب الربملانيني الذين مبا فيها مبنى مقـــره احلزبي. و�سمم

معظمهم قياديني يف احلزب )53 من 56( مبوا�سلة اأن�سطتهم ال�سيا�سية

والبقاء يف جمل�س النواب كونهم اختاروا املكوث يف �سنعاء خلل االأزمة

ال�سيا�سية.

ومنـــذ 1994 واحلزب اال�سرتاكي اليمني يعاين مـــن االنق�سامات نظرا

للخلفـــات االأيديولوجية واملناطقية امل�ستمـــرة. وبعد مغادرة البي�س اإىل

ل( الذي اختار البقاء يف �سنعاء عمان حل حملـــه علي �سالح عباد )مقبم

اأثنـــاء حـــرب 1994 االأهلية. وقـــد تبنى عباد وبع�ـــس املتم�سكني باحلزب

اال�سرتاكي مـــن اأبناء �سبوة وح�سرموت واأبني )ممن كانت لهم علقات

بالبي�ـــس( �سيا�سة مقاطعـــة االنتخابات، راف�سني التخاطـــب مع الدولة

ومعار�ســـني اأي تغيـــري يف اأيديولوجية احلزب. وقد كان لعلي �سالح عباد

دور يف تنظيـــم مظاهرات احلزب اال�سرتاكي عـــام 1997 يف املكل ودعا

اإىل مقاطعة انتخابات 1997 الربملانية.

ومـــن ناحيـــة اأخـــرى، كان من �سمـــن االإ�سلحيـــني داخـــل املجموعة

القياديـــة الراحل جار اهلل عمر والدكتور �سيـــف �سائل، وهما من �سمال

اليمـــن. وهذه املجموعة اأيدوا بفعاليـــة اإ�سراك ال�سباب والن�ساء و�سمهم

اإىل جمموعـــة القيـــادة، كما اأيدوا التخفيف مـــن اأ�سلوب احلر�س القدمي

للحزب، و�سجعوا تبني لغة خطاب �سلمية مع الدولة لكي ي�ستعيدوا مكانة

وممتلـــكات احلـــزب املفقودة، وعملـــوا على جتديـــد اأيديولوجية احلزب

واأيـــدوا االن�سمـــام لل�سرتاكية الدولية. ويعترب جـــار اهلل عمر �سخ�سية

ذات اأهميـــة خا�سة يف عملية تطور احلـــزب اال�سرتاكي منذ عام 1994.

وجار اهلل عمر من اأبناء ال�سمال وولد عام 1942 يف قرية كهال مبحافظة

اإب، ويف �سبابـــه در�ـــس الفقـــه االإ�سلمي يف ذمار. وخـــلل فرتة احلرب

االأهليـــة يف ال�سمـــال )1962 - 1968( تعر�ـــس جـــار اهلل للعتقال نظرا

ملواقفه ال�سيا�سيـــة الي�سارية، واطلع اأثناء اإقامتـــه يف ال�سجن على الفكر

املارك�ســـي، وعندما خرج من ال�سجن عـــام 1968 جلاأ اإىل اجلنوب، ومن

هناك قـــاد فرقة املغاوير التابعة لقوات الدفاع الوطني يف ال�سمال، وهي

خليط من خم�س فرق منف�سلة خ�س�ست للإطاحة باحلكومة الع�سكرية

يف �سنعـــاء، لكنـــه ا�سطر للفرار اإىل اجلنوب يف فـــرتة ال�سبعينيات. ويف

الثمانينيـــات اأرتقـــى اإىل املكتـــب ال�سيا�سي للحزب اال�سرتاكـــي اليمني،

وربطتـــه علقة بجناح عبد الفتاح اإ�سماعيـــل، وان�سم اإىل جانب البي�س

يف حـــرب 1986 االأهليـــة. لكنـــه تخلى عـــن البي�س يف حـــرب 1994 كونه

كان معار�ســـا لفكـــرة االنف�سال التـــي تبناها البي�س. ومـــع ذلك فر اإىل

خـــارج البلد عام 1994 ومل يعد اإال بعد �سنة. ونظرا ملكانته وكونه يحظى

باحرتام وا�سع بني �سفـــوف عنا�سر احلزب واملعار�سة، فقد كان له دور

مهم يف التو�سل اإىل حتالف 2002 بني احلزب اال�سرتاكي اليمني وحزب

االإ�سلح. وقد اغتيل جار اهلل عمر عام 2002 وهو يلقي خطابا يف موؤتر

حلزب االإ�سلح )تقول امل�سادر الر�سمية اأن ذلك مت على يد علي اجلار

اهلل، اأحد االإ�سلحيني، لكن االإ�سلح اأنكر ذلك ب�سدة(.

وباالإ�سافـــة اإىل تلك االختلفات االأيديولوجيـــة، كانت هناك خلفات

مناطقية وقبليـــة يف اأو�ساط عنا�سر احلزب اال�سرتاكي. وقد ذكر حزام

اليمنـــي مـــا ال يقل عن ثـــلث جماعات مناطقية خمتلفـــة، وهي ف�سائل

ت�سابه العنا�سر املحافظة واالإ�سلحية داخل احلزب اال�سرتاكي. ومنها

اجلماعـــة الثقافية/الفكرية ال�سماليـــة، اأو اأولئك الذين اأتوا من ال�سمال

للعمـــل يف م�ســـايف �سركة البـــرتول الربيطانيـــة )BP( يف اجلنوب اأثناء

حقبـــة االحتـــلل الربيطاين )من اأمثـــال عبد الفتـــاح اإ�سماعيل(. وكان

اأغلـــب هـــوؤالء االأع�ساء، مثـــل جار اهلل عمـــر، عنا�سر قياديـــة يف جبهة

التحريـــر القوميـــة. اأمـــا اجلماعة الثانيـــة فقد كانت اجلماعـــة الفكرية

اجلنوبيـــة )اأو احل�سرميـــة( فقد ارتبطت ب�سخ�سيـــات كالبي�س وعباد.

واجلماعة الثالثة هي اجلماعة

الع�سكرية القبليـــة اجلنوبية،

و�سمت عنا�سر قبلية تقليدية

مت�سددة من اأبناء املحافظات

اجلنوبيـــة )حلـــج؛ ال�سالـــع؛

يافـــع(. واحتـــل عنا�سر هذه

اجلماعـــة منا�سب رئي�سية يف

اجلي�ـــس اجلنوبي، ومـــا زالوا

موجوديـــن بقـــوة يف �سفـــوف

احلـــزب اال�سرتاكـــي. وغالبا

ما تخلق هذه اجلماعة توازنا

االإ�سلحيـــة العنا�ســـر بـــني

ظة ال�سمالية والعنا�سر املحافم

اجلنوبية.

د ومنـــذ املوؤتر احلزبـــي الرابع للحزب اال�سرتاكي اليمنـــي )الذي عقم

يف ت�سريـــن الثاين/نوفمرب 1998 واآب/اأغ�سط�ـــس 2000( بدا اأن اجلناح

االإ�سلحـــي هـــو �ساحـــب اليـــد العليـــا يف ال�ســـراع داخل احلـــزب، ومت

تبني برنامـــج حزبي �سيا�سي جديد اأظهر فيـــه احلزب اال�سرتاكي هوية

دميقراطية اجتماعية، واأعلـــن نف�سه »حزبا دميقراطيا ينا�سل من اأجل

اأفغان�ستان يف احلـــزب قـــادة

ــا ــوجــي ــول اأيــدي يــخــتــلــفــوا مل

م�سائل حول اأي�سا بل فح�سب

متثل ومل وطبقية، عرقية

االأيديولوجيا العامل الوحيد،

ورمبا مل تكن االأهم، يف اخلاف

بن حزب خلق وحزب بر�سم

53 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 27: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 54 55ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

بناء دولة دميقراطية حديثـــة، ترتكز على مبادئ الد�ستور، ويعزز فيها

دور املوؤ�س�ســـات، ويقـــام احلكم املحلـــي الدميقراطي، وي�ســـود القانون،

ويت�ســـاوى املواطنون يف احلقـــوق والواجبات، وت�سان حقـــوق االإن�سان،

وتزدهـــر موؤ�س�ســـات املجتمع املـــدين«. ويف اجلولـــة الثانية مـــن املوؤتر

العام الذي عقد يف اآب/اأغ�سط�س 2000 حدث تغري قيادي كبري ل�سالح

العنا�ســـر االإ�سلحية، وذلك عندما ترقـــى جار اهلل عمر و�سيف �سائل

اإىل نائبـــي اأمـــني عام، ال يفوقهـــم �سوى عباد. وكاإ�ســـارة قبول للعنا�سر

ب علي �سامل البي�س وحيدر اأبو بكر العطا�س كاأع�ساء يف ظة، انتخم املحافم

اللجنة املركزية، يف حني مت اإخراج اأع�ساء اآخرين عنوة من اللجنة.

ومنذ 1994 بداأ احلزب اال�سرتاكي اليمني يعود اإىل ال�ساحة ال�سيا�سية،

ويدعـــي االآن اأن لديـــه 300.000 ع�ســـو، واأن االإنـــاث ميثلـــن 20 - %25

65% فهم حتت عمـــر الثلثني �سنة. مـــن اأع�سائـــه، اأما ما ن�سبتـــه 60 -

وباعتبـــاره كان احلزب احلاكـــم يف ظل جمهورية اليمـــن الدميقراطية

ال�سعبيـــة )اليمن اجلنوبـــي( �سابقا، ال زال احلـــزب اال�سرتاكي اليمني

يجـــذب اأغلبية عنا�ســـره من اأبناء اجلنـــوب. ويف انتخابـــات 1993 بعد

الوحـــدة حقـــق احلزب اال�سرتاكـــي جناحا الأباأ�س بـــه بح�سوله على 56

مقعـــدا من اأ�سل 301 مقعدا نيابيـــا، معظمها يف اجلنوب )اأنظر جدول

ظة، التي كانت ت�سيطر رقـــم 2(. ويف عام 1997 قررت العنا�ســـر املحافم

علـــى قيادة احلزب اآنذاك، مقاطعة االنتخابـــات النيابية، احتجاجا يف

االأ�سا�س على قمع احلزب بعد حرب 1994 واحلكم غيابيا على قادة من

اأمثال البي�ـــس باالإعدام. وكان هذا االأمر خطـــاأ ا�سرتاتيجيا فادحا، اإذ

مل يكن لـــدى احلزب اال�سرتاكي ممثلني وال موارد )فقد تت م�سادرة

معظـــم ممتلكات احلـــزب من قبـــل الدولة بعـــد التمـــرد املجه�س عام

1994(، واختار الكثري من كوادر احلزب )خا�سة املوالني ال�سابقني لعلي

نا�سر حممد( االن�سمام اإىل �سفوف حزب املوؤتر ال�سعبي العام.

ونظـــرا لل�سعـــف الـــذي حلق باحلـــزب اال�سرتاكـــي نتيجـــة امل�سايقة

احلكوميـــة له واخل�سائر يف االأع�ســـاء، �سعى احلزب يف 1998 اإىل تغيري

اجتاه م�ساره ال�سيا�سي. فبعـــد املكا�سب االإ�سلحية التي حتققت داخل

احلزب، والتي تلتها حركة بقيادة جار اهلل عمر لت�سكيل ق�سية م�سرتكة

مع االأحزاب املعار�سة )كحزب

احلـــزب بـــداأ االإ�ســـلح(،

اال�سرتاكـــي ي�ستعيـــد بع�ـــس ما

فقده من قاعـــدة �سيا�سية. ويف

االنتخابـــات املحلية �سنة 2001 ح�ســـل احلزب على عدد من املقاعد يف

املجال�ـــس املحلية علـــى م�ستوى املحافظات واملديريـــات )اأنظر اجلدول

رقـــم 3(، كمـــا ح�ســـل علـــى 227.223 �سوتـــا )3.85% مـــن االأ�سوات(

وثمانيـــة مقاعد )من اأ�سل 301( يف االنتخابـــات الربملانية التي عقدت

يف ني�سان/اأبريـــل 2003 )اأنظـــر اجلـــدول رقم 2(. وما مـــن �سك يف اأن

مـــوت جار اهلل عمر قـــد خلف اأثرا بعيد املدى علـــى احلزب اال�سرتاكي

اليمنـــي. ويف اأيار/مايو 2003 اأ�سدر الرئي�س �سالح عفوا عاما عن قادة

تـــرد 1994 - علي �سامل البي�س وحيدر العطا�س واأربع ع�سرة قياديا يف

احلزب، داعيا اإياهم للعودة من املنفى يف االإمارات العربية املتحدة اإىل

اأر�س الوطن. لكن عودتهم جميعا كاأع�ساء يف اللجنة املركزية قد تعمق

ال�سراعات الداخلية يف �سفوف احلزب اال�سرتاكي اليمني.

علـــى غـــرار ما حـــل يف احلـــزب اال�سرتاكـــي اليمنـــي، ظلـــت الفئوية

احلزبية املثـــرية للخلف الداخلي مع�سلة كبرية اأي�سا بالن�سبة للحزب

الدميقراطـــي ال�سعبـــي االأفغـــاين خلل فـــرتة كارمـــل، وا�ستمر احلال

بعـــد اأن اأخـــذ مكانـــه الدكتـــور جنيب اهلل حممـــد، ع�سو حـــزب بر�سم

الـــذي تراأ�ـــس اإدارة املخابـــرات االأفغانيـــة )خدمات اإطلعـــات دولتي

Khadamate Ettelaate Dowlati(، وهـــي م�سلحـــة للبولي�ـــس ال�سري.

وقد كان لنجيـــب اهلل، وهو ب�ستوين من قبيلة غيلزي مثل طرقي واأمني،

علقـــات مع اأع�ساء حزب بر�سم منذ بدايـــة مهنته العملية، وقد حظي

الحقا ب�سمعة كرئي�س متمكن وقا�سي جلهاز اال�ستخبارات. ولكونه طبيبا

مل تكـــن لديه �سوى خربة قليلة يف كيفية احل�سول على الدعم احلزبي.

وقـــد ظل الكثري من عنا�سر حزب بر�سم يدعمون كارمل رغم ان�سحابه

اإىل مو�سكو عام 1987. ويف بادئ االأمر قاوم اأن�سار كارمل تعيني جنيب

اهلل، واأجـــربوه على تق�سيم �سيا�ساته بـــني كل ما قد يوؤيده اأع�ساء جناح

بر�ســـم وي�ستطيـــع تلبيته وبـــني التحالفـــات التي ي�ستطيع الفـــوز بها من

عنا�ســـر حزب خلق، وفيمـــا بعد من ال�سيا�سيني غـــري املتحزبني. ورغم

النجاح الن�سبي الذي حققه جنيب اهلل يف مفاو�ساته مع زعماء القبائل

الب�ستونيـــة للن�سحاب من املقاومـــة، فاإنه يعترب ب�ســـورة عامة �سنيعة

ال�سوفيـــت، ومل يكـــن اختيـــاره من قبـــل االأخريين اإال لنجاحـــه الوا�سح

يف اإدارة املخابـــرات االأفغانية

)KHAD(، بكفـــاءة اأكرث من

غريه من عنا�سر نظام احلزب

ال�سعبي الدميقراطي. وبهذا ال

جدول )3(: نتائج االنتخابات املحلية )2001(

16على م�ستوى املحافظات )426 مقعدا(

218على م�ستوى املجال�س املحلية يف املديريات )6734(

جدول )2(: املقاعد التي ح�سل عليها احلزب االإ�سرتاكي اليمني

يف االنتخابات الربملانية العامة )1993 – 2003( يف ال�سمال واجلنوب

املقاعد احلا�سل

عليها يف االنتخابات

الربملانية عام 1993

املقاعد احلا�سل عليها

يف االنتخابات الربملانية

عام 1997

املقاعد احلا�سل عليها

يف االنتخابات الربملانية

عام 2003

1501يف ال�سمال

4107يف اجلنوب

حتليلت اليمن والعامل

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 54 ا�سرتاتيجية

ميكننـــا القـــول اإن تعيينه مل يكـــن يف االأ�سا�س نتيجـــة ال�سيا�سة الداخلية

للحـــزب مثلما كان عليـــه احلال يف املا�ســـي، لكنه باالأحـــرى كان نتيجة

مبا�سرة لل�سغط ال�سوفيتي.

ورغم هـــذا كله، فقد كان جنيب اهلل اأكرث فعالية من اأ�سلفه يف اإقامة

بع�س الروابط بني الدولة واملجتمع. ويف اأيلول/�سبتمرب 1986 قام باإن�ساء

الت�سوية الوطنيـــة” للتوا�سل مع خ�سوم النظـــام. ويف ت�سرين “جمعيـــة ل كارمل كرئي�س ر�سمي بالع�سو غري احلزبي حجي الثاين/نوفمرب اأ�ستبدم

حممد �سامكاين، يف اإ�سارة اإىل رغبة احلزب الدميقراطي لفتح احلكومة

اأمام العنا�سر غري املارك�سيـــة، وك�سف النقاب عن برنامج “للم�ساحلة

الوطنيـــة” عر�ـــس وقفا الإطلق النار ملدة �ستـــة اأ�سهر وخو�س حمادثات

تف�ســـي اإىل حكومة ائتلفية ممكنة. اإ�سافة اإىل ذلك، اأقرتح جنيب اهلل

منح قوات املقاومة حق االحتفاظ باملناطق التي ت�سيطر عليها. وب�سورة

اأدق اتبعـــت حكومة جنيب اهلل اأ�سلوب اال�سرت�ســـاء مع قادة املجاهدين

اليائ�ســـني ممـــن �سيوافقـــون على التعـــاون للعمـــل كملي�سيـــات حكومية.

وبالفعل تـــوىل قادة جماهدين �سابقني قيادة اأف�ســـل القوات احلكومية،

وكان مـــن بينهم عبد الر�سيد دو�ستم )الـــذي يحظى حاليا ب�سمعة �سيئة

باعتباره اأحد لوردات احلرب يف اأفغان�ستان ما بعد طالبان(.

وقد اأكد جنيـــب اهلل الأع�ساء احلزب )خا�سة عنا�سر جناح خلق( اأنه

لن يقبل باأي م�ساومة جتاه “منجزات” ثورة �ساور. وجنحت اإ�سرتاتيجية

جنيب اهلل املتعلقة بامل�ساحلة الوطنية يف نيل اإعجاب املثقفني واملقيمني

يف املـــدن، كمـــا زادت من عدد قـــوات امللي�سيـــا التي ميكـــن اأن ت�ستخدم

للدفـــاع عـــن النظام. لكـــن االأهم مـــن هذا كلـــه، اأنها كانـــت عبارة عن

و�سيلة لك�سب الوقـــت من اأجل اال�ستعداد حلرب اأهلية بعد رحيل القوات

ال�سوفيتية. اأ�سف اإىل ذلك، اأعلن جنيب اهلل يف املوؤتر احلزبي املنعقد

يف توز/يوليو 1990 اأن احلزب ال�سعبي الدميقراطي �سينبذ كل املفاهيم

املارك�سية اللينينية وغري ا�سمه اإىل “حزب الوطن”.

مهـــد التوقيع علـــى اتفاقيات جنيف بـــني اأفغان�ستـــان وباك�ستان )دون

م�ساركـــة املجاهديـــن يف املفاو�ســـات( عام 1988، والتـــي اأتفق مبوجبها

الطرفـــان على عدم التدخل يف �سوؤون بع�سهما، مهد الطريق للن�سحاب

الع�سكـــري ال�سوفيتي الذي اكتمـــل بالفعـــل يف 15 �سباط/فرباير 1989.

وكانـــت توقعات معظم املراقبني، ال�سوفيـــت والغربيني، اأن نظام احلزب

ال�سعبـــي الدميقراطي/حـــزب الوطـــن يف كابول �سينهـــار ب�سرعة. ولكن

�سرعـــان ما تبخـــرت هذه التوقعـــات اأمام حقيقـــة االنت�ســـار الع�سكري

للدولـــة على املجاهديـــن يف معركة جلل اأباد، وهـــو الن�سر الذي �سعق

املجاهديـــن واأظهـــر مواطن �سعفهـــم االإ�سرتاتيجيـــة والتكتيكية التي مل

ي�ستطيعـــوا التغلـــب عليها تامـــا خلل ال�سنـــوات الثـــلث التالية. ومن

ناحية اأخرى، اأنع�س االنت�سار يف معركة جلل اأباد الروح املعنوية لنظام

احلزب ال�سعبي الدميقراطي/حزب الوطن كثريا. وبالتايل جتراأ جنيب

اهلل علـــى ك�سف النقـــاب عن وجه احلكومـــة امل�سرتكة واأق�ســـى الوزراء

غـــري احلزبيني من جمل�س الوزراء، وما قـــوى موقفه اأكرث قوافل التمويل

الع�سكـــري واالقت�سادي املقدمة من االحتاد ال�سوفيتي بعد معركة جلل

اأبـــاد. وبحلول 1990 بلغ مقدار الدعم ال�سوفيتي لنظام جنيب اهلل ثلثة

مليار دوالر �سنويا.

لكـــن انهيار االحتـــاد ال�سوفيتي عام 1991 اأنهـــى كل ذلك الدعم، ففي

االأول مـــن كانـــون الثاين/ينايـــر 1992 توقـــف االحتـــاد ال�سوفيتـــي ومعه

الواليـــات املتحدة عـــن تقدمي كل االإعانات التي كانـــوا يقدمونها لزعماء

احلـــرب االأهلية االأفغانيـــة. وبرتكها ع�سكريـــا و�سيا�سيا، بـــداأت حكومة

جنيب اهلل تتداعى بفعل ظهور التناف�سات القدمية داخل �سفوف احلزب

نف�ســـه. وكانت هذه االنق�سامات تت�سمن بـــني الفينة واالأخرى تعاونا بني

املجاهدين وبع�س املنتمني للحزب، ففي اآذار/مار�س 1990 تعاون زعيم

املجاهدين غلب الدين حكمتيار يف حماولة االنقلب التي قام بها ع�سو

حزب خلـــق ووزير الدفاع �ساه نواز تاناي، لكن االنقلب ف�سل وفر تاناي

اإىل باك�ستان.

وكانت االإ�سرتاتيجية التي اعتمد عليها جنيب اهلل هي حماولة �سراء والء

ودعم الكثري من جماعـــات املجاهدين عن طريق تقدمي املوؤن واالأ�سلحة

واملـــال لهم لي�سبحـــوا ملي�سيات تابعـــة للدولة. لكن بحلـــول 1992 جفت

جاراهلل عمر علي نا�سر حممد عبدالفتاح اإ�سماعيل

life

, Goo

gle

55 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 28: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 56 57ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املـــوارد املالية وتفككـــت التحالفات. ويف ربيـــع 1992 ح�سلت ارتدادات

وعمليـــات هروب جماعية من قبل الكثري من امللي�سيات و�سباط اجلي�س

)مـــن بينهم عبـــد الر�سيد دو�ستـــم(، حمدثة خ�ســـارة كارثية يف الروح

املعنويـــة للجي�ـــس. ويف 18 اآذار/مار�س اأعلن جنيـــب اهلل عن ا�ستعداده

لتقدمي ا�ستقالته من اأجل اإعطاء فر�سة لت�سكيل حكومة موؤقتة حمايدة.

ويف 17 ني�سان/اأبريل حـــاول جنيب اهلل الفرار يف اإحدى الطائرات من

كابـــول، ولكن جنود دو�ستم امل�سيطرين علـــى مطار كابول بقيادة �سقيق

بابراك كارمل، حممود برياالي )كان برياالي قائدا جلماعة من عنا�سر

جنـــاح بر�سم الذين تخلوا عن حزبهم لين�سموا للمجاهدين( منعوه من

الهـــرب، فلجاأ جنيب اهلل اإىل مقر بعثـــة االأمم املتحدة يف كابول ومكث

هنـــاك حتى اأعدمته حركة طالبان عـــام 1996. ويف ني�سان/اأبريل دخل

قائـــدا املجاهدين اأحمد �ســـاه م�سعود وعبد الر�سيـــد د�ستم اإىل كابول،

وبذلك انتهى نظام احلزب ال�سعبي الدميقراطي/حزب الوطن.

ماذا حل مبن تبقى من عنا�سر احلزب ال�سعبي الدميقراطي االأفغاين

بعد انهيار نظام احلكم واإعدام جنيب اهلل يف 1996؟ لقد التحق الكثري

منهـــم بكتائـــب املجاهديـــن، وعمل بع�ـــس عنا�سر جناح خلـــق، خا�سة

الع�سكريـــني منهم، لدى جيو�س لـــوردات احلرب املختلفـــة، وبالتحديد

مع زعمـــاء احلرب الب�ستونيـــني يف اجلنوب. فعلى �سبيـــل املثال، ان�سم

يف بـــادئ االأمر �ساه نواز تاناي، وزير الدفـــاع ال�سابق وع�سو حزب خلق

الـــذي حاول االنقلب �سد جنيـــب اهلل عـــام 1990، اإىل �سف حكمتيار

ومن ثم التحق بحركة طالبان. وعندما كان يف باك�ستان منت�سف 1994

�ســـكل تاناي حزبا حتت م�سمى »حركـــة ال�سلم يف اأفغان�ستان« وكان هو

قائده. ويقال اإن هـــذا احلزب زود حركة طالبان ب�سباط مدربني كانوا

عنا�سر يف جناح خلق �سابقا،

واأطقـــم قـــادة وخ�سو�ســـا

فيالق الدبابات، والطيارين،

وجنود املدفعية.

يف حني ن�سج عنا�سر حزب

خلـــق االآخريـــن علقـــات ال

باأ�ـــس بهـــا مع نظـــام احلكم

بابـــراك ومنهـــم القائـــم،

ال�سابق الرئي�ـــس �سنـــواري،

يف ال�سبـــاب �ســـوؤون لق�ســـم

احلزب ال�سعبـــي الدميقراطي بقيادة طرقي واأمـــني، والذي هاجر اإىل

بي�ســـاور يف باك�ستـــان �ستاء عـــام 1992 حيث ظل متواريا عـــن االأنظار.

وقـــد �سارك فيما بعد يف تاأ�س�س جمعية ال�سداقة االأفغانية الباك�ستانية،

ـــب ع�سوا يف جمل�س اللويـــا جريجا )Loya Jirga( من قبل جمل�س وانتخم

اأعيان منطقة نازيان �سيواري التابعة ملقاطعة ناجنار بعد هزمية طالبان

وتويل حامـــد كرزاي ال�سلطة عام 2002. ومن قـــادة حزب خلق ال�سابق

ممن تتعـــوا بحق حماية ال�سيا�سيني الكبار يف ظـــل احلكومة االأفغانية

احلاليـــة، حمافظ قندهار ال�سابق نور احلق علومي، الذي يتمتع برعاية

وزيـــر الدفاع حممد قا�سم فهيم. وعلومي هو موؤ�س�س التنظيم ال�سيا�سي

امل�سمى »احلزب الوطني املوحد االأفغاين«.

كما ذهب اآخرون، خا�سة عنا�سر جناح بر�سم، اإىل املنفى يف البلدان

االأوروبيـــة )وعلى وجـــه اخل�سو�س اململكة املتحـــدة وهولندا(. يف حني

فر عدد من عنا�ســـر حزب بر�سم اإىل اخلارج، وكان من بينهم �سلطان

علي ك�ستماند، رئي�س الوزراء ال�سابق اأثناء حكم بابراك كارمل وجنيب

اهلل، والذي ا�ستقر يف لندن؛ وكذلك �سليمان اليق، وزير الثقافة ال�سابق

وال�ساعـــر الذي كتب كلمات الن�سيد الوطنـــي االأفغاين والذي ا�ستقر يف

اأملانيـــا؛ وحممود بريـــاالي �سقيق بابـــراك كارمل، نائـــب رئي�س الوزراء

�سابقـــا، والذي عـــاد اإىل اأفغان�ستان عام 2002. وبح�ســـب اأحد التقارير

فقد قـــام الرو�س بت�سهيل العـــودة ملحمود برياالي، وهـــم الذين �سجعوا

التحالـــف بني حتالف ال�سمـــال واأع�ساء احلزب ال�سعبـــي الدميقراطي

�سابقـــا )من كل اجلناحني: جنـــاح بر�سم وجناح خلق(، وذلك ملواجهة

حركة طالبان.

لكن، ب�سورة عامة، توجد هناك مفارقة بني عنا�سر جناح خلق وجناح

بر�ســـم. فبينمـــا ان�سم اأو حتالـــف اأع�ساء حزب خلق مـــع طالبان اأو مع

زعماء احلرب االآخرين من املجاهدين، قام اأع�ساء حزب بر�سم اإىل حد

كبري بتنظيم �سفوفهم وهم يف املنفى خارج اأفغان�ستان، وب�سكل اأ�سا�سي

يف الدول االأوروبيـــة والواليات املتحدة. ومن اأكرب التنظيمات ال�سيا�سية

التي ظهرت اإىل حيز الوجود، حزب الوطن الدميقراطي االأفغاين الذي

يعمل خارج اأملانيـــا ويعترب خليفة للحزب ال�سعبـــي الدميقراطي/حزب

الوطن. وقد قام احلزب باإر�سال مبعوثني حل�سور العديد من املوؤترات

الي�ساريـــة االأوروبيـــة منذ عـــام 1995 وحل�سور موؤتـــر الوحدة اخلا�س

بالي�ساريـــني االأفغـــان والباك�ستانيني الذي انعقـــد يف باك�ستان يف اآذار/

مار�ـــس 1999. ويتزعم احلزب حاليا حممد عي�ســـى، وهو اأحد م�سئويل

جناح بر�سم �سابقا ويعترب من امل�سئولني ال�سغار ن�سبيا.

ـــد موؤتـــر للحـــزب يف مدينـــة ويف ت�سريـــن االأول/اأكتوبـــر 2002 عقم

فرانكفـــورت باأملانيـــا، وفيـــه اأبـــدى احلـــزب رف�سه الفكـــر املارك�سي

واللينينـــي، موا�سل دعوته للم�ساحلة الوطنية يف اأفغان�ستان واإقامة

دولـــة علمانيـــة هناك. ومـــع اأن االإ�ســـلم معرتف به كقـــوة مهمة يف

اأفغان�ستان، لكن برنامج احلزب ي�سر على »عدم ال�سماح الأي �سخ�س

بـــاأن ي�سيء ا�ستخـــدام االإ�سلم اأو اأي ديانة اأخـــرى من اأجل م�سلحة

�سخ�سيـــة«، ويحـــث على اإبقاء الديـــن بعيدا عـــن ال�سيا�سة واحلكم.

وهنـــاك حزب �سكلتـــه جماعة اأخرى من عنا�ســـر جناح بر�سم حتت

م�سمى »احلزب الدميقراطي ال�سعبي االأفغاين« بقيادة �سليمان اليق،

وهـــو حزب من�سق عـــن حزب الوطن الدميقراطـــي االأفغاين وتدعمه

�سخ�سيات من النظام ال�سابق مثل ك�ستماند.

وبرغـــم كل هـــذه الن�ساطـــات، فـــاإن ال�سيوعيـــني االأفغـــان ال زالـــوا

منق�سمـــني ب�سدة، لي�س على منط اخلـــلف بني عنا�سر جناحي خلق

ال�ســعبي احلــزب م�ســتقبل

االأفغــاين/ الدميقراطــي

وخلفائــه الوطــن حــزب

احلزبيــن يظــل غري وا�ســح

اإىل حــد كبــري. فقــد تفتــت

احلركــة وهنــاك القليــل من

التقدم جتاه الوحدة

حتليلت اليمن والعامل

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 56 ا�سرتاتيجية

وبر�ســـم فح�سب ولكن اأي�ســـا يف مناحي تتعلق باالأجيـــال. فعلى �سبيل

املثـــال، مـــا زال هنـــاك توتر يف اجلاليـــة املهاجرة بـــني عنا�سر جناح

بر�ســـم ال�سابقني الكبار مـــن اأمثال اليق وك�ستمانـــد وقادة من اجليل

اجلديـــد من اأمثـــال عي�سى. ومع ذلك، مل ي�ستطـــع اأي من التنظيمات

ال�سيوعيـــة اللحقـــة – ال حزب خلـــق وال حزب بر�ســـم – اأن يحظى

بفر�ســـة لتنظيم نف�سه علنا ا�ستعدادا خلو�ـــس االنتخابات الت�سريعية

عـــام 2004، وذلك ب�سبب احلظـــر املفرو�س على الن�ساطـــات ال�سيوعية

مـــن قبل حكومة كرزاي يف �سباط/فرباير 2002، والذي عار�سه احلزب

الوطني االأفغاين املوحد، لكن يف 25 اآب/اأغ�سط�س 2003 ق�ست املحكمة

العليــــا يف اأفغان�ستــــان برف�ــــس االلتما�س الذي قدمه احلــــزب للمطالبة

بالت�سجيل للنتخابات الت�سريعية. ومل تكتفم املحكمة برف�س االلتما�س

ولكنهــــا اأي�سا اأعلنــــت عزمها حماكمة ال�سيوعيــــني ال�سابقني من اأمثال

علومــــي. ولهــــذا ال زال الو�سع يف غايــــة ال�سعوبة اأمــــام خلفاء احلزب

ال�سعبــــي الدميقراطــــي كي يجدوا جمــــاال للعمل يف اأفغان�ستــــان ما بعد

طالبان.

اخلامتة بعد املقارنة بني جتارب كل من

احلزب اال�سرتاكي اليمني واحلزب ال�سعبي الدميقراطي االأفغاين، من

الوا�ســــح اأن االأول قد حقق جناحا اأف�سل بكثــــري من االأخري بعد انهيار

االحتــــاد ال�سوفيتي. وكما اأ�سرنا �سابقــــا، هناك عدة اأ�سباب وراء ذلك،

لعــــل اأهمها قدرة احلــــزب اال�سرتاكــــي اليمني على تاأ�سي�ــــس موقعه يف

اأو�ساط املجتمع اليمنــــي ب�سكل اأف�سل بكثري من نظريه االأفغاين. ورغم

اأن التدخــــل امل�ستمــــر يف ال�سيا�سة االأفغانية من قبــــل االحتاد ال�سوفيتي

�ساهم بالتاأكيد يف اإ�سعاف و�ســــع احلزب ال�سعبي الدميقراطي واأعاق

قدرته على اإثبات هويته احلزبية امل�ستقلة عن مو�سكو، اإال اأن اخليارات

التي �سلكها احلزب مل جتدم نفعا. فمواجهة جناح خلق مع ال�سخ�سيات

الدينيــــة االإ�سلمية، وعدم قدرة احلزب ال�سعبي الدميقراطي على مد

جذوره االجتماعية اأبعد من قاعدته الفكرية ال�سيقة ودعمه الع�سكري

ال�سئيــــل، باالإ�سافة اإىل اخللفات احلزبية املوؤ�س�سية امل�ستمرة )والتي

جتلت يف املنفى اأي�سا(، كانت كلها اإرها�سات تدل على اأن �سحب الدعم

ال�سوفيتي يعني عدم قدرة النظام على البقاء بنجاح. وعلى الرغم من

وجــــود دليل على اأنه ال زال يوجد نوع مــــن التعاطف واحلنني عند كثري

مــــن االأفغاين يف البلد الأيام نظام حكم احلزب ال�سعبي الدميقراطي،

واأي�ســــا على الرغم مــــن حقيقة ا�ستعــــداد الواليات املتحــــدة يف الوقت

الراهــــن للتعاون مع العنا�سر ال�سيوعية ال�سابقــــة كدروع علمانية واقية

�ســــد الفكر االإ�سلمــــي املتطرف، فــــاإن احلزب ال�سعبــــي الدميقراطي

يبقــــى غري فعال اإىل حد كبري ويبدو غري قــــادر على ا�ستغلل الظروف

املتغرية بعد اأحداث احلادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب 2001.

اإذن ما هو م�ستقبل كل من احلزب اال�سرتاكي اليمني واحلزب ال�سعبي

الدميقراطي/حزب الوطن االأفغاين؟ بالن�سبة للحزب اال�سرتاكي اليمني

فمـــازال لديـــه الكثري من مواطن القـــوة التي ي�ستطيـــع ا�ستغللها. فهو،

اأوال، يعترب احلزب الي�ساري الوحيد يف اليمن واأيديولوجيته العلمانية ما

زالت تروق لبع�س املثقفني والن�ساء. وهو، ثانيا، يظل احلزب الوطني يف

جنـــوب اليمن ويحظى بدعم قوي يف تلك املناطـــق. وثالثا، عمل احلزب

كثـــريا لتجديد نف�سه بعـــد 1998، وحتوله هذا جعله اأكــــرث حتررا وحزبا

دميقراطيا.

لكن من ناحية اأخرى، ال زال احلزب يواجه اأزمة مالية حادة، وا�سطرابا

كا بني احلر�س يف القيادة )خا�سة بعد مقتل جار اهلل عمر(، وت�سدعا مربم

القدمي املت�سدد وامل�سلحني الدميقراطيني الليرباليني، وعداوة م�ستمرة

مـــن قبـــل حكومة حزب املوؤتـــر ال�سعبي العام. ومع ذلـــك، من امل�ستبعد

اأن يختفي احلزب اال�سرتاكي

اليمني من ال�ساحة ال�سيا�سية

اللحظـــات، مـــن حلظـــة يف

بـــل مـــن املحتمـــل ا�ستمـــراره

كخليفـــة حزبـــي �سيوعي اأكرث

جناحا يف االنتخابات مقارنة

بغريه من االأحزاب ال�سيوعية

يف العامل االإ�سلمي، باعتباره

يلعـــب دورا مهمـــا يف جتربـــة

اليمن اله�سة يف الدميقراطية

االنتخابية.

اأمـــا بالن�سبة مل�ستقبل احلـــزب ال�سعبي الدميقراطـــي االأفغاين/حزب

الوطـــن وخلفائـــه احلزبيني فهـــو غري وا�ســـح اإىل حد كبـــري. فقد تفتت

احلركـــة وهنـــاك القليل من التقدم جتـــاه الوحدة )رغـــم بع�س اجلهود

الفاتـــرة يف فـــرتة الت�سعينيـــات(. كمـــا اأن الكثـــري مـــن قياديـــي احلزب

ال�سعبـــي �سابقـــا )خا�ســـة اأن�ســـار جناح خلـــق( رموا حظهم بـــني اأيدي

زعمـــاء احلـــرب، ومن غري املحتمـــل اأن يرتكوا رعاتهم اجلـــدد من اأجل

الرتويـــج للدميقراطية االجتماعية يف اأفغان�ستان ما بعد طالبان. اإ�سافة

اإىل ذلـــك، فـــاإن احلكومة اجلديدة يف كابول لي�ســـت متحم�سة اإزاء فكرة

عـــودة اأن�سار احلزب »الطبيعيني« )خا�سة جنـــاح بر�سم( من املفكرين

واملثقفـــني الذيـــن هاجروا بعـــد انهيار النظـــام عـــام 1992. ناهيك عن

املعوقـــات القانونية التي تواجـــه ال�سيوعيني ال�سابقـــني يف اأفغان�ستان، ما

ب عليهم تنظيم خلف �سيا�سي حلزب ال�سعب الدميقراطي. ي�سعر

لكـــن بالنظـــر اإىل حقيقـــة اأن نظـــام حكم كـــرزاي يحتـــاج اإىل اإداريني

مـــن ذوي اخلربة ومثقفـــني متمر�سني الإعـــادة بناء البلـــد، واأن ال�سيا�سة

التي تتبناهـــا الواليات املتحدة حاليا تدعم القـــوى ال�سيا�سية يف املنطقة

التـــي ت�سجع الفكر العلماين، فاإن هناك فر�ســـة بنيوية تكن التنظيمات

احلزبيـــة من الظهـــور كخلفاء للحـــزب ال�سعبي الدميقراطـــي االأفغاين.

اأمـــا عن مدى قدرتهم على ا�ستغلل تلـــك الفر�سة، والقيام بدور بناء يف

الرقي بالدميقراطية االأفغانية )كما فعل ال�سيوعيون ال�سابقون يف اأوروبا

ال�سرقية(، فما زال يف علم الغيب وي�سعب التكهن به.

يختفــي اأن امل�ســتبعد مــن

اليمنــي اال�ســرتاكي احلــزب

يف ال�سيا�ســية ال�ســاحة مــن

حلظة من اللحظات، باعتباره

جتربــة يف مهمــا دورا يلعــب

اليمن اله�سة يف الدميقراطية

االنتخابية

57 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 29: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 58 59ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

وقد �سمحت �سرعية النظم ال�سيا�سية العربية املتاآكلة على ا�ستمرار الوالءات

دون الوطنيـــة وهـــي ثانوية و�سيقـــة االأفق، يف حني اأدى ف�ســـل حتقيق التنمية

و�سعف الهيئات التمثيلية اإىل اإقامة قواعد قبلية واإقليمية وطائفية عمقت من

االنق�سامـــات يف اأو�ساط املجتمع، وهو ما اأ�سعـــف ال�سلطة املركزية وعزز من

الـــوالءات املحلية على ح�ساب التما�سك الوطنـــي. وتكون نتيجة هذا الت�سظي

وجـــود اأفراد وجماعـــات يف الوظائف احلكوميـــة يقومون بتوجيـــه موؤ�س�سات

الدولـــة ومواردها وفقا لوالءاتهم القبليـــة واجلهوية. وال عجب اإذن، اإن كانت

الدميقراطيـــة والتعديلت الهيكليـــة يف اليمن ال تزال متعرثة، مما يوؤدي اإىل

وجـــود الدولة بوظيفتها الق�سريـــة وغيابها يف املجـــاالت االإنتاجية والتوزيعية

واخلدميـــة. واملجتمـــع – باملقابـــل – ي�سلك م�سلـــكا منف�ســـل، حيث ف�سلت

موؤ�س�سات الدولة ال�سعيفة وقدراتها املحدودة يف ا�ستيعاب املجتمع وتنظيمه.

ونظرا لتعدد االنق�سامات الداخلية، عجز املجتمع عن ت�سكيل منظمات مدنية

ت�ستطيع ال�سغط على الدولة من اأجل ال�سالح العام. ويف هذا املحيط، يتقيد

املجتمع بالهويات املت�سظية املبنيـــة على اإنتماءات دون وطنية و�سيقة، وبهذا

ي�سبح اأكرث اإحباطا وبعدا.

تعـــد اليمـــن من اأقـــل دول املنطقة منـــوا، وقد زاد عـــدد �سكانهـــا منذ عام

1980 اإىل مـــا يقارب ثلثة اأ�سعـــاف، حيث ارتفع من 8.4 مليون ن�سمة اإىل 23

مليـــون ن�سمة، واإذا ما ا�ستمر معدل النمو ال�سكاين احلايل فاإان عدد ال�سكان

�سيت�ساعف خلل الع�سرين ال�سنة املقبلة. وتعترب تبعات البنية التحتية، التي

هـــي يف االأ�سل �سعيفة جـــدا، خميفة. وتثل واردات النفط 70% من اإجمايل

واردات الدولـــة، وي�سكل النفط 90% من اإجمايل �سادرات البلد، وهو املورد

الـــذي من املتوقـــع ن�سوبه خلل عقد مـــن الزمان، ما مل حت�ســـل اإكت�سافات

جديـــدة. كما اأن هناك حتديات تنموية مهمة تتمثل يف م�ستوى الفقر العايل،

ومعـــدل االأمية املرتفع، واملخـــزون املائي املت�سائل والـــذي ي�ستنزف ب�سرعة،

واالرتفـــاع احلـــاد يف معـــدل البطالـــة نتيجة للنمـــو ال�سكاين املت�ســـارع مع ما

يرافقه من تدهور اقت�سادي.

ويف اليمـــن لي�س لـــدى الدولة املركزية �سيطرة كاملـــة على مناطقها، وتكاد

تنح�ســـر هذه ال�سيطرة على املناطق احل�سرية الكربى. ويف ظل وجود ثلثة

اأربـــاع ال�سكان يعي�سون يف خارج املـــدن ي�سعب جدا توفري وتو�سيل اخلدمات

اإىل املناطق الطرفية نظرا للعوائق املالية. ومبا اأن القبائل تقوم مبلء الفراغ

الذي خلفته الدولة فما زالت تلعب دورا قويا، وقد تغلغلت يف موؤ�س�سات الدولة

حيـــث تلعب اأدوارا مهمة يف الهيئات الت�سريعيـــة والتنفيذية والقوات امل�سلحة

واأجهـــزة االأمن والنظام ال�سيا�سي اإجماال. لهذا فاإن �سناعة القرار ال�سيا�سي

تتطلب االن�سياع للت�ساور وتقدمي التنازالت وامل�ساومات يف التحالفات املتقلبة

ب�سورة م�ستمرة.

تــوازن ال�ســلطات ترتكـــز ال�سلطـــة يف اأيـــدي

اجلهات التنفيذية، حيث ت�سمن الرتتيبات املوؤ�س�سية اإ�سراك اأطراف عديدة

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

اأحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير، واملدير التنفيذي

ملركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية.

اأحمد عبدالكرمي �سيف[email protected]

البحث عن ال�شتقرار

يف معظ���م الأقطار العربية مل يكتمل بناء الدولة حت���ى الآن على امل�ستويني املوؤ�س�سي القانوين

والوظيفي، وما جنده لي�س �سوى �سلطات ترتاوح بني الإكراه واملرونة تبعا لظروف كل جمتمع،

حي���ث يتم عادة اتخاذ القرارات خارج نطاق املوؤ�س�س���ات الر�سمية. كما اأن �سعف الدولة يحد

من قدرتها على النفاذ اإىل اأو�ساط �رصائح املجتمع، الأمر الذي اأدى اإىل ظهور فراغ متلئه عنا�رص

و�سيطة ت�ستفيد من دميومة نظام احلكم ومتار�س نفوذها يف املجتمع نيابة عن ذلك النظام.

اإعادة التوازن لعالقة

ال�شلطة واملجتمع يف اليمن

مـــع ال�سلطة التنفيذية يف كل القـــرارات املهمة. ويف ظل غياب

الف�سل الوا�سح بني ال�سلطات تفلت الكثري من اأعمال ال�سلطة

التنفيذيـــة مـــن الرقابة، وهـــو ما اأنتـــج ثقافة �سيا�سيـــة تظهر

�سمـــات تركيز ال�سلطـــة على م�ستـــوى الوزارة والهيئـــة العامة

والدائرة )عـــدم ال�سفافية؛ اللم�سئوليـــة؛ الف�ساد؛ احل�سانة

غري القانونية من امل�ساءلة(.

والطريقة التي تار�س بها ال�سلطة يف اليمن لها تبعات مهمة

علـــى عملية �سنع القـــرار، االأمر الذي جعل مـــن ال�سعب على

نظـــام احلكم اأن يتعامل مع حتديات املدى البعيد ذات الطابع

االإ�سرتاتيجـــي. وامل�سكلة احلقيقيـــة ال تكمن يف عدم معرفة ما

هـــو مطلوب القيام به، ولكـــن يف نوعية الدوافع واحلوافز التي

قي اإىل م�ستوى تواجـــه من لهم �سلطة ونفوذ وتنعهم مـــن الر

التحدي بعك�ـــس التوجهات احلالية. وقد و�سفت ذلك

باخت�ســـار �سارة فيليب�ـــس يف قولها: »يعترب

نظـــام املح�سوبيـــة يف االأ�سا�ـــس طريقـــة

الإدارة االأزمـــات – وهـــي طريقـــة جيـــدة

الحتـــواء االأزمات اأو علـــى االأقل ح�سرها،

ولكنهـــا غـــري كافيـــة ال�ستبـــاق االأزمات من

خـــلل و�ســـع ال�سيا�ســـات البديلـــة. فحلـــول

امل�ساكل تكون من خلل توزيع املوارد والفوائد

واملكانات، وطريقة جذب هـــذه االأ�سياء هو عن

طريق خلق االأزمة ومن ثم اخلو�س يف مفاو�سات

مع القيادة للتو�سل اإىل حل«.

ومـــن االأو�ساع التـــي خلقتها الوحـــدة وجود قطاع

عـــام مكتـــظ، فمـــع وجـــود حـــوايل 800.000 وظيفـــة

حكوميـــة جنـــد اأن تكلفة قوة عمل بهـــذا احلجم �سيء

مذهـــل. لكن هـــذا اأدى اإىل خلـــق قطاع عـــام مت�سخم

مـــع مهارات متوا�سعة، وبالتايل ظلـــت القدرات االإدارية

متدنيـــة واملوؤ�س�ســـات ال تعمـــل يف الغالـــب اإال بطريقة ردة

الفعـــل للأزمـــات النا�سئة. وبذلـــك ال�سائـــد احلفاظ على

االإ�ستقرار من خـــلل املح�سوبية واالختيار، وهذا الو�سع هو

مـــا يفر�س الرتكيز التكتيكي ق�سري املدى ويعيق م�سروع بناء

الدولـــة القادرة علـــى معاجلة التحديـــات االإ�سرتاتيجية، وهي

حتديات حقيقية وتزداد منوا.

PAU

l w

illi

AMS

59 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 30: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 60 61ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

متازمــة ال�ســعف املوؤ�س�ســي يف اليمــن لـــن يتحقق

اال�ستقـــرار يف اليمن اإال اإذا تر�سخت الثقة بـــني الدولة ومواطنيها، فقد اأدت

عقود ال�سراع املتوا�سل اإىل انعدام االأمن و�سياع فر�سة بناء الدولة وال�سقوط

يف ويـــلت الفقـــر. وه�سا�ســـة الدولـــة هو ما يقـــف وراء اأزمـــة احلوكمة هذه.

وتعتـــرب م�ساألة ال�سرعيـــة املنفذ الرئي�سي له�سا�سة و�سعـــف الدولة يف اليمن.

وتبـــداأ احللقة املفرغـــة مع تراجع ثقـــة املواطنني يف قـــدرة دولتهم على خلق

نظـــام �سيا�سي واجتماعـــي واقت�سادي �سامل ميكن حتقيقـــه بتطبيق �سيا�سة

القانـــون. وهنـــاك دالئل ت�ســـري اإىل خطورة االأمـــر، منها: زيـــادة املمار�سات

غري القانونيـــة وغري الر�سمية واالإجرامية يف االقت�ســـاد؛ عدم فعالية تقدمي

اخلدمـــات االأ�سا�سية مثل ال�سحة وال�ســـرف ال�سحي والتعليم؛ التقاع�س يف

احلفاظ علـــى اأو تو�سيع البنية التحتية االأ�سا�سيـــة؛ تف�سي الف�ساد؛ اال�ستيلء

علـــى االأمـــلك العامـــة وتخ�سي�سهـــا للم�سلحـــة اخلا�سة. ونتيجـــة لذلك،

ت�سعف ال�سيطرة االإدارية وت�ستخدم البريوقراطية كو�سيلة الإ�ساءة ا�ستخدام

ال�سلطـــة، وبالتايل توؤدي اإىل حدوث اأزمة يف االأموال العامة، حيث ي�سبح من

ال�سعب توقع الواردات والنفقات وي�سبح و�سع املوازنات الطارئة واالإ�سافية

ممار�ســـة دائمة يف اإدارة الطـــوارئ. اأما العلمة اجلوهريـــة فتكمن يف عدم

اإحتـــكار العنـــف امل�سروع من قبل الدولة وظهور اجلماعـــات امل�سلحة التي من

خلل اللجوء اإىل العنف ت�سخر علنا من �سلطة الدولة وتفر�س �سيطرتها على

العديد من املناطق.

تعتـــرب الدولة هي االآليـــة الفعالة ل�سمـــان حتقيق االأمـــن، وحماربة الفقر،

وتوفـــري الفر�س، واال�ستثمار يف الرثوة الب�سرية، وتو�سيع امل�ساركة يف الفر�س

التـــي يوفرها ال�ســـوق. كما اأن املجتمعـــات املدنية واالأ�ســـواق ال�سرعية احلرة

والفاعلـــة تثل عنا�سر اأ�سا�سيـــة الأي اإ�سرتاتيجية تنمويـــة. لكن هذا املقرتح

ي�سرتط بناء الدولة، الذي ميثل �سرط اأ�سا�سي خللق املوؤ�س�ستني االأخريتني.

ويف البلـــدان التـــي تعاين مـــن �سراع م�ستمـــر تتطور �سل�سلة مـــن العلقات

الر�سميـــة وغري الر�سمية تثـــري اأعرا�سا مر�سية موؤ�س�سية، ومـــن الوا�سح اأن

هـــذه العلقـــات اأ�سبحـــت ت�سكل عائقـــا مل�سروع عمليـــة اال�ستقـــرار وال�سلم

االإجتماعـــي وبنـــاء الدولـــة. واال�ستيعاب الوا�ســـح لهذه االأعرا�ـــس املوؤ�س�سية

اأ�سا�ســـي الإعداد اال�سرتاتيجيات من اأجل التغلب على هذه العوائق التي توؤدي

اإىل خلـــق دولـــة فاعلـــة، وت�سبح مبثابـــة اآليـــات لل�ستقـــرار واالزدهار. ومن

العوامـــل امل�ساعدة على التغلب علـــى هذه العوائق: فتح املجال اأمام املواطنني

للم�ساركـــة يف العملية ال�سيا�سية، وخلـــق جمال وا�سع للقطاع اخلا�س امل�سروع

للظهـــور. ومن دون ذلك فاإن خماطر االإق�ساء واالأعمال غري القانونية �سوف

تزيد من فر�س تعر�س بناء ال�سلم االجتماعي وعملية اال�ستقرار اإىل اخلطر

امللزم ملثل هذه الت�سرفات.

ويت�سف تزامن مثل هذه االأعرا�س بالتايل: )1( ظهور اجلماعات امل�سلحة

التـــي تدخل يف �سراعات مع بع�سهـــا ومع الدولة؛ )2( بـــروز نزعة مناطقية

قويـــة داخـــل الوطن، مـــع الرتكيز ب�سكل خا�ـــس على املناطق الغنيـــة باملوارد

)اجلنـــوب(، وامل�ساحـــة ذات الت�ساري�ـــس الوعرة املنا�سبة لتحـــركات التمرد

)ال�سمال(؛ )3( تنامي �سبكات الدعم اللوج�ستي وعمليات التمويل والتهريب

التـــي تعمل خـــارج القانون؛ )4( زيـــادة االعتماد على البلـــدان املجاورة التي

غالبـــا ما تتخـــذ �سكل علقة »ال�سيـــد والتابع«؛ )5( عـــدم ال�سفافية يف �سنع

القـــرار وهيمنة النخـــب واالأقليات علـــى عملية �سنعـــه؛ )6( تل�سي وفقدان

الثقـــة يف املوؤ�س�سات من ناحية، والرغبة ال�سديـــدة للح�سول على دولة فعالة

من ناحية اأخرى.

الطريــق اإىل زيادة فعاليــة الدولة وا�ســتقرار اليمن

هنـــاك ثلثة ع�ســـر وظيفة جوهرية نقرتحها هنا، والتـــي على الدولة اليمنية

القيـــام بها حتى ت�ستطيع البقاء واملناف�سة يف العامل احلديث. وهذه الوظائف

هـــي: )1( االإحتـــكار امل�سروع لو�سائـــل العنف؛ )2( ال�سيطـــرة االإدارية؛ )3(

كفـــاءة و�سفافية اإدارة املـــال العام؛ )4( اال�ستثمار يف الـــرثوة الب�سرية؛ )5(

تو�سيـــح حقوق وواجبات املواطنني واالإلتـــزام القانوين بتطبيقها؛ )6( توفري

خدمـــات البنية التحتية وحتديثها؛ )7( ت�سكيـــل اأ�سواق حرة فعالة وم�ستقلة؛

)8( اإدارة ممتلـــكات الدولـــة بكفاءة )ومن �سمنها البيئـــة واملوارد الطبيعية

واملمتلـــكات الثقافية(؛ )9( اإقامة علقات دوليـــة متزنة )مبا يف ذلك اإبرام

العقـــود الدوليـــة واالقرتا�ـــس(؛ )10( تطبيق �سلطـــة القانـــون؛ )11( اإقامة

علقـــات متزنة بـــني الدولة واملجتمـــع؛ )12( امل�ساواة بـــني املواطنني قانونيا

واإقت�ساديـــا؛ )13( توزيـــع عـــادل للـــرثوة مـــن اأجـــل حتقيق تنميـــة مناطقية

مت�ساوية.

واالتفـــاق اجلماعي على هذه الوظائف اأعله، اأو اأي جمموعة من الوظائف

امل�سابهـــة، �سيقـــود اإىل اإجماع حول هيكلـــة الدولة. ومن املمكـــن تو�سيف كل

وظيفـــة مـــن خلل برامـــج بناء القـــدرة مع اإطـــار زمني ومعايـــري وموؤ�سرات

تعمل كاالأهـــداف التي يتم ح�سد اجلماهري نحوهـــا، وكذلك كو�سائل ح�ساب

يتـــم من خللها تقدمي التقارير لعامة النا�ـــس عن معدل الزخم واالجنازات

التـــي حققها الربنامـــج. ويتطلب اإعـــداد اإ�سرتاتيجية بناء الدولـــة البدء من

االإتفاق حول الهدف من حتقيق بناء الدولة والوظائف التي يتعني على الدولة

القيـــام بها، واالتفاق حول االأطر الزمنية لتحقيق تلك القدرة، وطرق التحول

املوؤ�س�سي. ولكي يتم ك�سب ثقة عامة النا�س واحلفاظ على ا�ستمرارها وتنفيذ

برامـــج معقولـــة حتقق لهم فوائـــد وم�ساركـــة متزايدة، على القـــادة واملدراء

اكت�ساب مهارات جديدة تكنهم من تنفيذ كل ذلك.

اليمن والعامل

لبنــاء الدولــة، ال بــد مــن تقــدمي الدعــم مــن خــال احلــوار

الدبلوما�ســي والو�ســائل التقنية لتطوير روؤية مل�ســتقبل اليمن

متتــد اإىل مــا وراء االأهــداف املحــددة، وت�ست�ســرف الو�ســائل

لاعبــن تثبــت اأن ويجــب ذلــك. اإىل للو�ســول املنا�ســبة

االأ�سا�ســين يف اللعبــة ال�سيا�ســية اأن التغري ممكــن دون فقدان

ال�سلطة واملكانة

وجهات نظر

من الوظائف اإىل الهيكلة تخلق هذه الوظائف دولة

م�سئولـــة و�سفافة من خلل عمليات �سمولية ت�سرك املواطنني قاطبة يف عملية

�سنع القرار. و�سي�سمح قبول هذه الوظائف من قبل الهيئات ال�سيا�سية واملدنية

اإىل تقنينهـــا وتاأ�سي�سها من خلل برنامج بناء القدرة مع اإطار زمني ومعايري

وخطـــة مراقبة وتقييـــم. ويف نف�س الوقت يجب اإطلع عامـــة النا�س با�ستمرار

عن التقـــدم و/اأو املعوقات حتى يتم ح�سد دعمهـــم واحلفاظ على ا�ستمرارية

زخـــم االجنازات. وت�سبح مثل هذه العملية مهمة جدا الإقامة ج�سور الثقة بني

الدولة – باعتبارها ال�سلطة املنظمة للمجتمع – واملواطنني.

تعريــف بنــاء الدولــة بنـــاء علـــى تعريـــف منظمـــة

التعـــاون االقت�سادي والتنمية/جلنة امل�ساعدة التنموية )OECD/DAC( فاإن

»اأب�ســـط �سيغـــة لتعريف بناء الدولة هـــو اأن تعمل الدولة بفعاليـــة اأكرب. وبهذا

ميكـــن تعريفه باأنه عملية داخلية لتطوير قدرة الدولة وموؤ�س�ساتها و�سرعيتها،

تدفعهـــا وتعززها العلقـــات املتوازنة بني الدولة واملجتمـــع. وتت�سمن عمليات

بناء الدولة االإيجابية العلقات الثنائية بني الدولة التي تقوم بتقدمي اخلدمات

ل�سعبهـــا والكتل االجتماعيـــة وال�سيا�سية التـــي ت�سارك دولتها ب�ســـورة بناءة.

وهذا بال�ســـرورة يتطلب وجود عمليات �سيا�سيـــة واقت�سادية تفاعلية �سمولية

واإيجابية بني الدولة واملجتمع«.

ولبنـــاء الدولـــة، ال بـــد من تقـــدمي الدعـــم من خـــلل احلـــوار الدبلوما�سي

والو�سائـــل التقنيـــة لتطويـــر روؤية مل�ستقبل اليمـــن تتد اإىل مـــا وراء االأهداف

املحـــددة، وت�ست�ســـرف الو�سائل املنا�سبـــة للو�سول اإىل ذلك. ويجـــب اأن تثبت

للعبـــني االأ�سا�سيني يف اللعبة ال�سيا�سية اأن التغري ممكن دون فقدان ال�سلطة

واملكانـــة. كما يجـــب احلث على اأن تتم عملية االإ�ســـلح وتن�سق من امل�ستويات

االأعلى. وهذا مهم جدا لي�س لتقدمي الدافع ال�سيا�سي فح�سب بل اأي�سا ل�سمان

معاجلة االإ�سلحات ال�سيا�سية والتقنية دون و�سع عوائق اأمامها.

واأول امل�ســـاكل التي يجب تناولها دعـــم النمو االقت�سادي الذي ال يعتمد على

النفـــط والقادر علـــى توفري فر�س العمـــل واالإيرادات احلكوميـــة املتنوعة. اإذ

توفـــر بالفعل “القطاعـــات الواعـــدة” )الزراعة والرثوة ال�سمكيـــة وال�سياحة

واملعـــادن( بع�ـــس الفر�ـــس وينبغـــي دعمهـــا. لكن هنـــاك عوائق كبـــرية تعيق

معظـــم هـــذه القطاعات، ويجب حلهـــا اأوال. كما اأن هـــذه القطاعات مبفردها

لـــن تكون كافية ملواكبـــة عدد الداخلني اجلدد اإىل �ســـوق العمل، ولهذا ال�سبب

البـــد مـــن ا�ستك�ســـاف �سبـــل اأخـــرى، التي منهـــا بالتحديـــد: تعزيـــز امل�ساريع

التجاريـــة اخلا�سة ال�سغـــرية يف االقت�ساد )باالإ�سافـــة اإىل امل�ساريع الكبرية

واملتو�سطـــة(، ودعـــم الهجرة. ويحتـــاج برنامـــج اال�ستثمار العـــام اإىل اإعادة

هيكلـــة لدعم تخفيف الفقر. وتعتـــرب الهجرة املجال املبا�ســـر ال�سريع الوحيد

الذي ميثـــل �سمام اأمان �سد معدل البطالة املتنامـــي. وميكن للتدريب املهني

اأن ي�ساعـــد يف زيـــادة هجـــرة االأيدي العاملـــة، لكن تا�سيا مع قطـــاع التجارة

فـــاإن قطاع التدريب املهني بحاجة اإىل اإ�سلح من اأجل جعل منهجه الدرا�سي

اأكـــرث توجها جتاه �سوق العمل وملبيا لطلباتـــه. وعلى اال�سرتاتيجيات اأن تاأخذ

بعـــني االعتبار اأن االن�سمام اإىل جمل�س التعـــاون اخلليجي لن يتم قريبا، وقد

ال يتـــم، لذا ينبغي اأن ن�سلك م�سارات اأخـــرى مثل طريق الهجرة التقليدي بني

ر عمليات ح�سرموت والهند و�سرق اآ�سيا. واملبادئ االقت�سادية وحدها لن توفر

اال�ستثمـــار ال�سروريـــة لتحريك االقت�ســـاد، واليمن تتطلب تدخـــل ا�ستثماري

كبري، وهو ال�سيء الذي تلك موارده دول اخلليج فقط وكذلك الرغبة الذاتية

)للحفاظ على ا�ستقرار اأمنهـــا اإزاء اخلطر الذي ي�سكله الو�سع امل�سطرب يف

البلـــد املجاور(. ولهذا ال�سبب، فـــان احلوار على م�ستوى عايل مع دول اخلليج

يعترب اأولوية اإ�سرتاتيجية.

اأما اإ�سلح امليزانية فهو جمال وا�سع. ومن العوامل ذات االأهمية االإ�سرتاتيجية

البالغة يف هذا ال�سدد: بذل اجلهود لتقليل معدل االإنفاق “امل�سي�س”، وهو ما

يتعلـــق ب�ســـورة خا�سة بحجم �سلـــم اأجور وخم�س�سات كبـــار م�سئويل الدولة

)املح�سوبيـــة(، واالإنفـــاق من اأجل دعـــم م�ستقات الوقـــود. و�سيوفر ذلك وفرا

للميزانيـــة يقـــود اإىل توفر خدمـــات اأف�سل ومنو اقت�سادي اأكـــرب، وكذلك اإىل

الوظيفةاالأعرا�ض املتازمة

ال�سيا�سة واملجتمع؛ االحتكار امل�سروع لو�سائل العنفال�سراع؛ الت�سظي

اإدارة موؤ�س�سية فعالة وفقا للد�ستور والقانوناالفتتان ب�سخ�سية القائد؛ البطل الفرد

اإدارة وا�سحة و�سفافة للمال العامالتعتيم؛ عدم القدرة على التنبوؤ

اال�ستثمار يف راأ�س املال الب�سريهجرة االأدمغة؛ البيئة الطاردة

الرعاية؛ التمويل، اجلودة؛ التنظيم، التحديث امل�ستمرغياب اخلدمات

حقوق املواطنني؛ ت�سكيل جمتمع مدينالهويات املتعار�سة

خلق بنية حتتية واحلفاظ عليها وحتديثهاالدمار

اإن�ساء وتنظيم اقت�ساد ال�سوقاالقت�ساد احلربي

علقات دولية بناءة متوازنة قدر االإمكانالتهمي�س؛ انعدام ال�سرعية

لغة ال�سلح؛ و�ساطة غري ر�سمية�سلطة القانون؛ ال�سلطة التنفيذية املركزية/املحلية؛ ال�سلطة الت�سريعية؛

�سلطة ق�ساء حتكمها االإجراءات العادلة

االنتقال من ال�سراع/اله�سا�سة اإىل اال�ستقرار

Ashraf Ghani، Clare Lockhart and Michael Carnahan، ‘An Agenda for State-Building in theامل�سدر بت�سرف:Twenty-First Century’، The Princeton Project on National Security، vol. 30:1, winter 2006, p. 108.

Page 31: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 62 63ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حت�سني �سلم االأجور لباقي موظفي الدولة. لكن كل وجهي االإ�سلح ح�سا�سان

جدا، فعلى املجتمع الدويل دعم هذه االإ�سلحات مع االإدراك التام للمخاطر

املحتملة واحلاجة للت�سل�ســـل التدريجي. كما يجب حت�سني املجاالت اخلدمية

االأ�سا�سيـــة لل�ستثمار اخلدمـــي الأ�سباب ا�سرتاتيجية، والتـــي تتمثل يف توفري

امليـــاه والتعليم وال�سحة االإجنابيـــة. ومع اأنه من املمكن حت�ســـني اإدارة املياه

اإال اأنـــه لي�ـــس وا�سح لنا عمـــا اإذا كان باالإمكان التغلـــب ب�سرعة على املعوقات

ال�سيا�سية الكربى اأمام اال�ستخـــدام امل�ستدام للمياه، ولهذا ال�سبب فاإن املياه

تقع يف فئة االأعمال امل�ساعدة.

ومن ناحيـــة اأخرى، فـــاإن حت�سني التعليم وجودتـــه يعترب عن�ســـرا اأ�سا�سيا

لوجهـــني من اأوجه عملية االإ�ســـلح، هما: العمالة والنمـــو ال�سكاين. ومبا اأن

اأحد اأهداف عملية حت�سني اخلدمـــات يكمن يف تعزيز “العقد االجتماعي”،

فـــل ين�سح البتة اأن تقوم احلكومة اأو اجلهـــات املانحة بتوفري هذا التح�سني

مـــن خلل بنى متوازية بدال من الوزارات املخت�ســـة. وندرك اأن هناك حجة

توؤيـــد الف�سل التكتيكي ق�ســـري املدى بني جهات التنفيـــذ الفعالة، فلبد من

وجـــود اإ�سرتاتيجية لكل تلـــك الوحدات، مع معامل لقيا�ـــس مدى التقدم جتاه

تطوير قدرة الوزارات املخت�سة وذلك للتنمية امل�ستدامة.

وتعتـــرب احلكومـــات املحليـــة والتخطيـــط املحلـــي امل�ســـارك مـــن العنا�سر

االأ�سا�سيـــة يف عمليـــة بناء ال�سرعيـــة وخلق ت�سميم خدمـــي منا�سب. وينبغي

دعـــم ا�سرتاتيجية اللمركزيـــة وتو�سيعها بطريقة ت�سمـــن تخلي�س امليزانية

مـــن املركزية مع حتمـــل امل�سئولية، وت�سمن كذلك اإحالـــة حما�سبة امل�سئولني

املحليـــني ب�ســـكل كبري اإىل عامة ال�سعب بدال مـــن اإحالتها فقط اإىل ال�سلطات

املركزية. كمـــا ينبغي دعمها ل�سمان القدرة علـــى امل�ستوى املحلي للإ�سراف

والعمـــل، وعلى امل�ستـــوى املركزي للقيام بعملية التخطيـــط. وللمجتمع املدين

دور مهـــم هنـــا، اإذ اأن فعالية املجتمع املـــدين يف الت�سويـــات ال�سيا�سية )على

االأقـــل يف الوقـــت الراهن( اأقل بكثري مما يفرت�س. ورمبـــا يكون دعم اأن�سطة

الرقابـــة ال�سعبيـــة على االإنفـــاق العام ورقابـــة املجتمع املدين مدخـــل نافعا،

والبحـــث امل�ستمر عـــن اإمكانية وجـــود ال�سبـــكات واالحتادات عندمـــا ت�سمح

الظروف لوجود ال�سفافية احلقيقية ومبداأ احل�ساب والعقاب.

ووثيـــق ال�سلة بذلك، معاجلة ال�ســـراع وتر�سيخ اال�ستقرار. ومع اأن اأ�سباب

انعدام االأمن متعددة اإال اأن العامل الرئي�سي يتمثل يف الفقر واحلاجة لعملية

التنميـــة )اأو امل�ساواة فيها(. واالإجراءات املذكـــورة اآنفا �ست�ساعد يف معاجلة

بع�ـــس هذه املظامل. كمـــا اأن احلكومة االأكـــرث �سرعية تعتـــرب اأي�سا احلكومة

االأكرث اأمنا. لكن ال يجب اإغفال التايل:

اإن تنفيـــذ اأي برنامج تنميـــة ب�سورة غري ملئمة قـــد ي�سجع على انعدام

االأمن. فعلى جميع الربامج اإدراج ح�سا�سية ال�سراع �سمن اأدواتها.

اإن عملية االإ�سلح �سوف تخلف خا�سرين كون دائرة املح�سوبية �ستتقل�س،

واالجتـــاه نحو تو�سع رقعـــة ال�سراعات املناطقية �سيـــزداد. وتفادي مثل هذه

ال�سراعـــات �سيتطلـــب - وبحكمـــة -اقتطاع جـــزء من قاعدة دعـــم اأي قوى

حملية حمتملة، وذلك من خلل العمل املعزز من قبل الدولة.

اأي�ســـا �سوف تخلف عمليـــة االإ�سلح خا�سرين من خـــلل تغيري الثقافة،

حيث اأن عملية تكني املراأة �سوف تواجه )بل وهذا ما يح�سل االآن( مقاومة

من قبل بع�س العنا�سر املحافظة.

هناك توترات اإقليمية قوية، خا�سة العلقة املتوترة بني ال�سمال واجلنوب.

وعمليـــات اال�ستثمار يف اجلنوب )خا�سة يف مينـــاء عدن احلر( �سوف يوازن

تلك التي يف ال�سمال.

لذا ينبغي القيام بالبحث والتحقيق يف عدد من املجاالت:

تو�سيـــف الدولـــة املوازية، مع فهم اأف�سل لتـــوازن املتغريات بني اللعبني

االأ�سا�سيـــني، وم�ساحلهـــم ومناف�سيهم، وكذلـــك فهم العوامـــل القبلية التي

تكمن وراء الت�سوية ال�سيا�سية؛ فهل الزال يخ�سع اليمن حلكم مر�سح الت�سوية

بني حا�سد وبكيل؟

فهم ثقافة ال�سباب وت�سميم الربامج التي ت�ساعد ال�سباب اأن يلعبوا دورا

بناء يف �سياغة م�ستقبل اليمن.

التحقيـــق يف اليمـــن “التقليـــدي”: كيـــف ي�ستطيـــع النا�ـــس العي�ـــس وحل

النزاعات لكي يتم التعرف على الربامج الداعمة املمكنة.

خو�ـــس غمار جتربة تكني املراأة: هل هي تاأتي من تغري املكانة ال�سيا�سية

اأم اأنها – وهو ما ن�سك فيه – تاأتي من التمكني االقت�سادي؟

بناء دولة فعالة ومتجاوبة اإن عملية التعرف على

التحديـــات النظامية اخلا�سة بالقطاعات مهمة جـــدا “للحوكمة”، اأي كيف

تعمل القوانـــني واملوؤ�س�سات واأجهزة الدولة، وكيـــف ترتبط الدولة باملواطنني

واملجتمع املـــدين والقطاع اخلا�س فيما يتعلـــق بال�سفافية واملحا�سبية. �سوف

تتطلـــب التح�سينات املهمة يف تقدمي اخلدمات اإ�سلحـــات اأ�سا�سية يف اإدارة

املـــال العام واالإدارة العامة. فينبغي على الدولة اأن: )1( تزيد االإيرادات؛ )2(

حت�ســـن اأداء امليزانية حتـــى يتم توفري التمويل املايل للوحـــدات الت�سغيلية يف

الوقـــت املنا�ســـب وب�سكل كامـــل؛ )3( تكييف النفقات العامـــة بح�سب اأولويات

ال�سيا�سة العامة؛ )4( حت�سني �سلم االأجور واإدارة اخلدمة املدنية جذريا.

يعتـــرب الف�ساد من االأعرا�س الدالة على مواطـــن �سعف الدولة. لكن حجم

امل�سكلـــة يف نظر املواطنـــني وال�سركات التجارية واجلهـــات املانحة كبري جدا

وت�ستحـــق االهتمام بحد ذاتها. والف�ساد يـــوؤدي اإىل فقر ال�سعب، حيث عليهم

تعتــرب م�ســاألة ال�ســرعية املنفــذ الرئي�ســي له�سا�ســة

و�ســعف الدولة يف اليمن. وتبــداأ احللقة املفرغة مع

تراجع ثقة املواطنن يف قدرة دولتهم على خلق نظام

�سيا�ســي واجتماعي واقت�سادي �ســامل ميكن حتقيقه

بتطبيق �سيا�سة القانون

وجهات نظراليمن والعامل

اأن يدفعـــوا )اأو يدفعوا اأكرث من( تكاليف ال�سلـــع واخلدمات املقدمة. كما اأن

الفوائـــد املق�ســـودة اأن توجه لهـــم ت�ستخدم الأغرا�س اأخـــرى، ويتم �سلبها يف

ال�سراعـــات مـــع فئات اأخـــرى. وبالتايل يتـــم دعم اخلدمـــات مببالغ زهيدة

و�سياع جمع االإيرادات وهروب اال�ستثمار واإنخفا�س الفر�س الوظيفية.

وال ميكـــن حل م�ســـاكل احلكم كاملة من خلل االإ�سلحـــات من القمة اإىل

القاعـــدة داخل الدولة. لكن ا�ستغـــلل مدخلت املواطنني – فرديا وجماعيا

ال�سفافية واملحا�سبية التي ميكن اأن تعمل اآليات – �ســـوف ي�ساعد على خلق كقـــوة كبرية للحد من دائرة الف�ساد وحت�ســـني الفعالية وامل�ساواة. ومن اآليات

رفـــع م�ستـــوى ا�ستجابة الدولـــة جتـــاه احتياجات املواطنـــني، كمـــا اأ�سار نيل

، فاإن االإ�سلحات ال�سرورية واالأ�سا�سية معروفة:)1(

مكدونالد ورنا خليل

توفري امليزانية الوطنية لل�ستثمار وتقدمي خدمات اأف�سل.

تقليل اأعداد موظفي اخلدمة املدنية.

تقلي�س اأو رفع الدعم للوقود وامل�ستقات النفطية.

تقلي�س دائرة الف�ساد والعقاب عليه.

توفـــري املناخ امللئم لل�ستثمـــار، خا�سة يف القطاعات غري النفطية التي

ت�ستطيع خلق فر�س عمل واإيرادات للدولة.

تطوير نظام �سريبي �سفاف وعادل كقاعدة للعقد االجتماعي بني الدولة

وال�سعب.

زيـــادة معـــدل امل�ساركة االجتماعيـــة يف احلياة ال�سيا�سيـــة واالقت�سادية،

خا�سة م�ساركة املراأة وال�سباب.

اإن معظـــم العوائـــق التـــي تعرت�س �سبيـــل تنفيذ احللـــول منبعهـــا �سيا�سي،

واالأ�ساليـــب ال�سيا�سية واالإرادة ال�سيا�سية تفـــوق كل �سيء. لكن مع ذلك، فاإن

اأجنـــدة النمو متداخلـــة باأجندة احلكم: فمـــن دون زيادة عـــدد الوظائف يف

القطاع اخلا�س من ال�سعب ت�سور كيف ميكن تقلي�س حجم اخلدمة املدنية

ب�سكل كبـــري. فاإذا كان غياب النمو يقوي من احلاجـــة للمح�سوبية فاإن النمو

الت�سوية ال�سيا�سية من خلل تقلي�س عدد تكاليف من يخفف - – باملقابل اأولئك الذين يجب ت�سليمهم م�ستحقاتهم.

اإيــرادات ونفقــات الدولــة كمـــا اأ�سرنـــا �سابقـــا،

فـــاإن قدرة الدولة على رفع معدل اإيراداتها حمـــدودة، وتوفر اإيرادات النفط

“ريعـــا” يزيـــد من االنق�سام بـــني النخبة وجمهور الناخبـــني. اأما االإيرادات ال�سريبية فلم ت�سكل بعد �سوى ح�سة قليلة من دخل الدولة، والقليل من هذا

عبـــارة عن �سرائب دخل مبا�سرة، مع احتمـــال وجود حوايل �ستة مليار دوالر

اأمريكـــي ك�سريبة دخل. ولنفر�س جدال اأن اعتماد الدولة الزائد على النظام

ال�سريبـــي �سيعزز وثاق العقد االجتماعي الذي مبوجبه يوافق املحكومني على

دفع ال�سريبة مقابل ا�ستجابة الدولة ملتطلباتهم وتقدميها على �سكل خدمات،

باملقابل عندما ت�سمل االإيرادات ال�سريبية املح�سلة اأقل من 10% مما ميكن

حت�سيله فاإن هذا يعترب دليل على اله�سا�سة، كما �سيتم تبيانه الحقا.

وي�ســـكل االإنفاق امل�سي�س جزء كبـــريا من نفقات الدولة، حيث اأن هذا اإنفاق

لـــه اأهداف �سيا�سية بـــدال من اأهداف االإدارة العامة. وهـــذا يحد من القدرة

على اال�ستثمار من اأجل النمو االقت�سادي

اأو حت�ســـني جـــودة اخلدمـــات والوظيفـــي

لهـــذا االأ�سا�سيـــة والعنا�ســـر وتغطيتهـــا.

االإنفـــاق امل�سي�ـــس تتمثل يف االأجـــور والرواتب

العامـــة والدعم، خا�سة دعم الوقود. فت�سخم اأعداد موظفي اخلدمة املدنية

لي�ـــس ناجما عـــن احلاجة لتقدمي اخلدمات بقدر ما هـــو ملذ اأخري وم�سدر

للرعايـــة الوظيفية وك�سب الـــوالءات. وقد �سكلت االأجـــور والرواتب ما ن�سبته

32% مـــن موازنـــة 2008، بينما �سكل دعم الوقود ما ن�سبتـــه 36.8%. واإ�سلح

هـــذه النفقـــات يعد اأمرا ح�سا�ســـا �سيا�سيا، وقد تت معار�ستـــه ب�سدة. فعلى

�سبيـــل املثـــال، لو اأن اإ�ســـلح اخلدمة املدنية مت من خلل نظـــام قيا�س فرتة

احليـــاة لتم حذف ما بني 27.000 و60.000 موظف حكومي من قائمة االأجور.

وهذا العـــدد ال ي�سكل �سوى ثلم ب�سيط يف عدد موظفي الدولة البالغ 500.000

موظفـــا، وهي القوة الوظيفية التي يرى الكثري من املراقبني اأنه يجب تقلي�س

على االأقل ن�سفها اأو حتى ثلثيها.

وباالإجمال فاإن القوة الوظيفية للدولة تبلغ حوايل 1.2 مليون موظف. وميكن

مقارنـــة مبالغ االإنفاق امل�سي�س مببلـــغ االإنفاق على ال�سحة العامة الذي ي�سل

اإىل 1.9%، ومبلـــغ االإنفاق على التعليم الذي ي�سل 9.6% من امليزانية العامة.

ويقـــال اأن ميزانية الدفـــاع و�سلت اإىل 6.6% من اإجمـــايل االإنتاج املحلي عام

2006. وتيل اأرقام املوازنة اإىل الغمو�س، ومن بني االأ�سباب وراء ذلك اإقرار

موازنـــات تكميلية. كما اأن هناك عنا�ســـر يف امليزانية اإ�سافية وغري خا�سعة

للفح�ـــس تاأتي من اإيـــرادات النفط وتقلب اأ�سعـــاره. اإ�سافة اإىل ذلك، تواجه

امليزانيـــة �سغوطا من قبل تكاليف خدمة املديونية واحلفاظ على قيمة العملة

اليمنية مقابل الدوالر االأمريكي.

العاقــة بن احلكــم املحلي واملجتمع املــدين والنظام

ال�سريبي اإن املربر وراء تبني حكم حملي خمول تخويل

كامل كاأ�سا�س لرت�سيخ الدميقراطية هو اأن ذلك عبارة عن مقاربة اأكرث دقة

يف حمتواها، واأقل عر�سة للف�ســـاد، واأكرث ملئمة للم�ساركة. ولهذا فاإنها قد

تثـــل اأ�سا�سا اأكرث ملئمـــة لعملية التنمية و�سيادة القانـــون. واأكرث �سيوعا يف

نظـــام احلكم املحلـــي التاأكيد على توزيع ال�سلطة والقيـــم واملمار�سات التي ال

تعتـــرب مطلقة. ويف هـــذا احلالة، يكـــون الت�سديد على املحا�سبـــة وال�سفافية،

وحتى التنمية، بدال من الرتكيز على اإ�سلحات موؤ�س�سية حمددة، وهو االأمر

الـــذي من خلله ت�ستطيع اأدوات املحا�سبة رفـــع �سوتها عاليا. وي�سكل احلكم

املحلـــي، الذي يتكون من عنا�سر وا�سحة وحمـــددة يف اأهدافها، اأ�سلوبا اأكرث

اإ�سهابـــا للممار�ســـات الدميقراطية وحقـــوق االإن�سان، وي�سمـــح للدميقراطية

االإعـــراب عن نف�سها من خلل قنوات مبا�ســـرة وهامة. فاحلكم املحلي بهذا

ال يهتـــم بالفعالية االإدارية فح�سب، بل وبكيفية علقة ال�سعب بعمليات ت�سيري

الدولة.

وهنـــا مـــن املهـــم التمييـــز بـــني الدميقراطيـــة الليرباليـــة والدميقراطيـــة

االنتخابية. فاالأوىل ال تقت�سر على االنتخابات ولكنها تفر�س قيودا على مدى

االأزمة املالية التي تواجهها اليمن حاليا هي اأزمة حقيقية الأن امل�سادر

ال�سابقة للدخل اخلارجي بداأت جتف. وبالتايل فاخليارات ب�سيطة

جدا: فاإما اأن تقل�ض الدولة من نفقاتها، اأو تزيد من الدخل املحلي، اأو كاهما

Page 32: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 64 65ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

�سلحيـــات ال�سلطـــة التنفيذية و�سلطاتها؛ وت�سرتط اأنظمـــة ق�سائية م�ستقلة

ت�سانـــد �سيـــادة القانون؛ وحتمي حقـــوق الفـــرد وحرية التعبـــري واالنتماءات

واملعتقدات وامل�ساركة؛ وتاأخذ يف االعتبار حقوق االأقليات؛ وحتد من التلعب

بالعمليـــة االنتخابية؛ وهـــي �سامنة حلقـــوق املواطن �سد عمليـــات االعتقال

الع�سوائـــي؛ وال ت�سمح بالرقابة على املطبوعـــات؛ وحتد من �سيطرة احلكومة

علـــى و�سائـــل االإعلم. اأمـــا الدميقراطيـــة االنتخابية فهي حكومـــة تاأتي من

انتخابـــات اأقل حريـــة وعدالة، وتفتقر لكثري من ال�سمانـــات االأخرى للحقوق

واحلريات التي تتوفر يف الدميقراطية الليربالية.

واالآن ملـــاذا نحتاج اإىل ربط احلكم املحلـــي باإن�ساء نظام �سريبي فعال؟ اإن

نظـــام احلكم املحلي ينطوي على اإعادة ترتيب العلقات بني الدولة واملجتمع

مـــن ناحية، وبني الوحـــدات املجتمعية من ناحية اأخرى. ويجب اأن يحكم هذه

الرتتيبـــات اإطار عمل توافقي ميثل عقدا اجتماعيا جديدا يذهب اإىل ما وراء

القانون. فاملجاالت الهيكلية والثقافية تثل اإ�سكاالت حقيقية، وال ميكن الرقي

بهـــا اإال من خلل تطوير جمتمعات مدنيـــة حقيقية. واملجتمعات املدنية تن�ساأ

من مطالب كتل متعددة لتمثيل امل�سالح املختلفة يف حميط علقات متغرية.

والعلقـــة بني احلكم املحلي واملجتمع املدين جلية هنا، واملجتمعات املدنية ال

تاأتـــي من العدم، واإال لكانت جمرد دمى، ولكن ميكن تعزيزها باحلوافز التي

منها النظام ال�سريبي الفعال.

وللتو�سيـــح اأكرث، فاإن امل�سكلـــة تعود اإىل بدء ن�سوء وتطـــور الدولة يف اليمن

التـــي بداأت وهي مفتقرة اإىل موظفـــني بريوقراطيني ماهرين. فكل اليمنني،

�سابقـــا، واجهـــا �سعوبة يف اإن�ســـاء دولة بكادر اإداري فاعـــل وكانا مييلن اإىل

تف�سيـــل بناء االأجهزة القهريـــة وتطوير القدرات الع�سكريـــة واالأمنية. ومنذ

البدايـــة مل يتـــم االعتماد على املـــوارد املحلية فقط يف دفـــع رواتب املوظفني

الع�سكريـــني واالأمنيني واملدنيني، ومت االعتماد �سبـــه الكامل على مبداأ الريع.

ولهـــذا فـــاإن االنق�سامات داخـــل املجتمـــع التي كانـــت �ستعك�ـــس االختلفات

الداخلية يف الدولة مل تكن مبنية على نظام �سريبي حملي، ومن ثم مل يتطور

اأي تايز بني املواطنيـــني اأو اإ�سطفاف �سيا�سي اأو موؤ�س�سي يعك�س ال�سيا�سات

ال�سريبية للحكومة.

ومبـــا اأنه مل يتم فر�س ال�سرائب مبا�سرة على ال�سعب مقابل نفقات الدولة

فهـــم مل يطالبوا باال�ســـرتاك يف �سنع القـــرارات التي كانـــت الدولة تتخذها

ب�ســـاأن تلك النفقات. وكان ديـــدن ال�سيا�سة قبل الوحـــدة اإىل حد كبري ح�سد

العنا�ســـر املعار�سة للإمربيالية يف اجلنوب، والعنا�ســـر املعار�سة لل�سيوعية

يف ال�سمـــال. وكان ال�سراع ال�سيا�سي علـــى احلقوق الفردية غائبا فعليا، وهو

مـــا يعني اأن احل�ســـد اجلماهريي ال�سيا�سي وخلق جمتمـــع �سمويل �سبق ومنع

تاأمـــني احلريات الفردية. وهـــذا اأدى اإىل م�ساركة كبرية دون حترير �سيا�سي

ودون �سيا�سة ليربالية.

علوة علـــى ذلك، فـــاإن اإدماج االقت�ســـاد ال�سيا�سي لليمنـــني ال�سابقني يف

االقت�ساد العاملي كان يعني وجود حكومات غري م�سئولة داخليا. فقد اعتمدت

احلكومتان منذ البداية على االإيرادات اخلارجية، بينما كانت ن�سبة اإيرادات

. واأثناء )2(

الدولـــة مـــن ال�سرائـــب املفرو�سة علـــى ال�سعب منخف�ســـة جـــدا

احلرب الباردة اعتمدت احلكومتان على املبالغ املالية التي جنتها عن طريق

اإ�ستقطـــاب القوى العظمـــى لدول العامل الثالث �ســـد بع�سها البع�س. وخلل

ال�سبعينيـــات ا�ستفادتا بطريقة غري مبا�سرة مـــن الطفرة النفطية من خلل

االإعانـــة اخلارجية واحلواالت املالية التـــي كان ير�سلها املغرتبني يف اخلارج.

ويف الثمانينيـــات والت�سعينيـــات – اأثنـــاء تدهـــور اأ�سعار النفـــط – اأ�سبحت

الديون قناة مهمة تزيد من نفقات الدولة.

بالطبـــع هناك نظام �سريبـــي ونظام مايل يف اليمن، لكن مـــن الوا�سح اأن

الدولـــة ال تعتمـــد على ال�سرائـــب كم�سدر اإيراد، لهذا فالنظـــام املايل يعترب

عتيقـــا جدا وغـــري فعال. والنتيجـــة املنطقية لعـــدم دفع ال�سرائـــب هو عدم

التمثيـــل يف �سنـــع القرار. لكن االأزمـــة املالية التي تواجههـــا اليمن حاليا هي

اأزمـــة حقيقيـــة الأن امل�سادر ال�سابقة للدخل اخلارجي بـــداأت جتف. وبالتايل

فاخليـــارات ب�سيطة جـــدا: فاإما اأن تقل�ـــس الدولة من نفقاتهـــا، اأو تزيد من

الدخـــل املحلي، اأو كلهما. ولي�س من الغريـــب اأن ي�ستمر ما ي�سمى بالهام�س

الدميقراطـــي يف اليمن، فمقابل فر�س �سيا�سات اإ�سلح اقت�سادية ت�ستجيب

الدولـــة لعملية التمثيل يف اأدنى م�ستوى. وهـــذه نقطة حتول مهمة، واإذا ما مت

الدفع بها اإىل االإمام اأكرث �ست�سبح �سفقة مربحة قد تبدو متوا�سعة يف بادئ

االأمـــر لكن اأثرهـــا يف االقت�ساد ال�سيا�ســـي وا�سح. وهنا تت�ســـح العلقة بني

احلكـــم املحلي والنظام ال�سريبي: فمع تطوير املجتمع املدين الذي يلعب دور

الو�سيط، تتجلى العلقة بني نظام احلكم املحلي والنظام ال�سريبي واملجتمع

املدين.

ومع ذلك لي�س هناك م�سالح اقت�سادية تيز املواطنني، اأفرادا وجماعات،

عن بع�سهم البع�س جتاه الدولة. وهناك اأي�سا غياب للح�س الفري بامل�سلحة

امل�سرتكـــة مع بع�ـــس اجلماعات املنظمـــة يف املجتمع جتاه جماعـــات اأخرى،

وهـــو احل�س والوعـــي اللذين يعتربا مـــن خ�سائ�س املجتمع املـــدين. وهناك

خربة قليلة بني املواطنني ب�ســـاأن التباينات يف فر�س ال�سرائب، يرتافق ذلك

مع غيـــاب اأنـــواع ال�سيا�ســـات احلكومية التي حتقـــق ال�سفقـــات والتي تخلق

اجلماعات امل�ستعدة للقيام باإبرام �سفقات مع احلكومة. كما اأن هناك خربة

قليلـــة ن�سبيا، يف اإطار عمـــل موؤ�س�سي، للتعبري عن املطالبة بامل�ساركة يف �سنع

القرارات املتعلقة بفر�س ال�سرائب.

ويف اليمـــن ال تعتمـــد احلـــركات ال�سيا�سيـــة واالجتماعية علـــى امل�سالح بل

علـــى القيم. ومع وجود ا�سرتاتيجية لنظـــام احلكم املحلي والنظام ال�سريبي

�سيكـــون هناك تنظيم بطيء ولكـــن ملحوظ للمجتمع املـــدين للإلتفاف حول

امل�سالح االقت�سادية ولي�س حول القيم. وعلى املدى الطويل �سينتظم ال�سعب

حـــول ال�سيا�سات ال�سريبة احلكومية، و�سيظهر املجتمع املدين ككتل م�ستعدة

للمقاي�سة واالتفاق مع كل من احلكومة الوطنية واملحلية ب�ساأن �سيا�ساتهما.

اإ�ســاح العاقات املدنية - الع�ســكرية من

بني امل�ساكل القدمية التي يواجهها اليمن، اإخ�ساع القوات الع�سكرية لل�سلطة

املدنيـــة. واأثناء حقبة ما قبل الوحدة كانت دولـــة احلزب الواحد يف اجلنوب

تنظـــر اإىل اجلانـــب الع�سكـــري على اأنـــه اأداة للحـــزب: فكان علـــى ال�سباط

الع�سكريـــني االنتمـــاء اإىل احلزب، وكان املفو�ســـون واخلليا احلزبية توازي

�سل�سلة القيادة الع�سكرية الطبيعية، وكان الوالء للحزب ولي�س للدولة، وداخل

�سفوف احلزب كان الوالء ينق�سم على جماعات معينة، وهو ما �سي�س اجلي�س

اإىل درجـــة عالية. كمـــا مت جتنيد املجتمع يف ملي�سيـــات �سعبية �سادت احلياة

اليومية يف كل القرى النائية.

وعلى غرار ذلـــك، واإن كان باإتباع منط خمتلف، كان اليمن ال�سمايل الأكرث

مـــن األـــف عام يت�سف بالطابـــع الع�سكري. ومع اأن االأئمـــة مل يكونوا ميتلكون

جيو�ـــس نظامية متخ�س�ســـة اإال اأنهم كانوا ي�سنـــون حروبهم من خلل ح�سد

– 1970 االأهلية هي نقطة التحول، فقد القبائـــل املقاتلة. وكانت حـــرب 1962

وجهات نظراليمن والعامل

)1( راجع:

Neil MacDonald and Rana Khalil، ‘Report of the assessment towards a ‘whole of EU’ approach to state building in Yemen: addressing fragility to prevent state failure’، European Commission، July 2009.

)2( ال ت�سكل ال�سرائب الفعلية �سوى 10% من ال�سرائب املقدرة والتي قد ت�سل اإىل 6 بليون دوالر. لكن �سيا�سة جمع ال�سرائب هذه ت�سابه كثريا تلك التي اتبعتها الدولة العثمانية

)امل�سماة باالإلتزام( والتي كانت تتعاقد مع جامعي ال�سرائب على حت�سيل مبلغ معني وما زاد يكون من ن�سيب العامل.

دفعـــت باملع�سكريـــن املتحاربني )امللكيني واجلمهوريـــني( اإىل االعتماد كثريا

علـــى القوى القبلية. ومنذ تلك الفرتة توا�سلـــت احلالة هذه حتت ظل �سغط

بع�ـــس العنا�سر القبليـــة لتويل منا�سب موؤثـــرة يف موؤ�س�ســـات الدولة وحاجة

نظـــام احلكم اإىل دعم تلك العنا�سر، مثلمـــا حدث يف حروب 1972 و1978 –

1979 و1994. وهـــذا اأدى اإىل وجـــود مراكز قوى تتكون من خليط من العنا�سر

القبلية والع�سكرية تفر�ـــس �سيطرتها، لي�س فقط على اأجهزة واإدارات الدولة،

بل اأي�سا على االأن�سطة ال�سيا�سية والتجارية وحتى على الثقافية موؤخرا.

وبعـــد الوحـــدة اليمنيـــة �ساد النمط الـــذي �ســـاد �سابقا يف اليمـــن ال�سمايل،

وهـــذا خلـــق علقات ن�سبيـــة عك�سية بني قـــوة اجلي�س النظامـــي وتاأثري مراكز

القـــوى املبنية قبليا. وتدرك العنا�سر القبلية، التي ت�سكل خمزون اجلي�س غري

الر�سمي، اأنه ال يجب ال�سماح لقوة اجلي�س النظامي اأن تتجاوز حدود معينة.

لـــذا ظل املجتمـــع وحيدا يع�ســـف به العنـــف وال�سراعات امل�سلحـــة، وهو ما

اأ�سفـــى على املجتمع الطابـــع الع�سكري حيث تتطلع الفئـــات االجتماعية للقوة

امل�سلحة، نظامية و�سعبية وقبلية، من اأجل �سمان االأمن يف االأطراف.

وبهـــذا تواجـــه الدميقراطيـــة يف اليمن حتديا كبـــريا ي�ستدعـــي احلاجة اإىل

اإ�سلح جـــذري للعلقات املدينـــة الع�سكرية. وقد اأوجـــد االأداء غري العقلين

والفاقـــد للحيويـــة الذي تقوم بـــه اإدارة ال�سبـــاط الع�سكريـــني الإدارات الدولة

املدنيـــة، احلنـــني وال�سوق بـــني اأو�ساط ال�سعـــب اإىل احلكم غـــري الدميقراطي

ال�سابـــق الذي وفر االحتياجات االأ�سا�سيـــة واالأمن، و�سري االأمور ب�سورة اأف�سل

ممـــا هي عليه اليوم. لـــذا البد من بذل اجلهود من اأجـــل اإعادة هيكلة وتوجيه

القوات الع�سكرية جتاه املهام الع�سكرية وتعزيز املهارة الع�سكرية وتقليل الدور

الـــذي تلعبه القوات الع�سكريـــة يف املجتمع، حيث اأن واجـــب القوات الع�سكرية

الدفاع عن املجتمع ولي�س حتديده وتعريفه.

اإن ال�سيطرة املدنية مهمة جدا: اإذ يجب اأن يتخذ ويقر القرارات احلكومية،

مبـــا يف ذلـــك القرارات التـــي ت�ـــس االأمن القومـــي، متخ�س�ســـون من خارج

دائـــرة القـــوات امل�سلحة. وهذا اأي�ســـا يتطلب نظاما حكوميـــا م�ستقرا و�سرعيا

ملنـــع التدخل الع�سكري بحجة حماية املجتمع مـــن الفو�سى. كما يجب اإخ�ساع

القوات الع�سكرية للم�ساءلة اأمام جمل�س النواب املنتخب، وفر�س مناق�سة عامة

وفح�ـــس ل�سيا�سات الدفـــاع واملوازنات وحـــاالت االأخطـــاء الع�سكرية وارتكاب

املحظور.

علوة على ذلك، ال ينبغي ملوظفي الدوائر

الع�سكريـــة القائمة باخلدمة اال�سرتاك باأي

حـــال مـــن االأحـــوال يف ال�ســـوؤون ال�سيا�سيـــة

كاأع�ساء الأحزاب �سيا�سية يف ال�سلطات املنتخبة

اأو حتـــى يف اإدارة �سيا�سية على امل�ستوى املحلي اأو الوطني، وهذا ي�سمل وزارات

الدفاع والداخلية. وحني ال ت�ستطيع ال�سلطات التنفيذية والت�سريعية �سبط اأين

ومتى وكيف يتم ا�ستخدام القوات الع�سكرية، فل ميكن القول اأن هناك �سيطرة

مدنيـــة. فيجب تقدمي الدعم الفعال والعلني ملبداأ االإخ�ساع الع�سكري للحكومة

املدنيـــة من قبل اأدوات الفكر: و�سائل االإعلم واجلامعات واالأحزاب ال�سيا�سية

واجلمعيـــات التجارية واملتخ�س�ســـة وغريها مـــن االأدوات. وبينما من املمكن

وجـــود �سيطرة مدنية على القـــوى الع�سكرية مـــن دون الدميقراطية، اإال اأنه ال

ميكن وجود الدميقراطية من دون ال�سيطرة املدنية على القوى الع�سكرية.

البــد مــن بذل اجلهود من اأجل اإعادة هيكلة وتوجيه القوات الع�ســكرية جتاه املهام الع�ســكرية وتعزيز املهارة

الع�ســكرية وتقليل الدور الذي تلعبه القوات الع�ســكرية يف املجتمع، حيث اأن واجب القوات الع�ســكرية الدفاع

عن املجتمع ولي�ض حتديده وتعريفه

الهوامــ�ض

العبودية وحتديات

ما بعد الثورة اليمنية

بقلم: �سيماء اأحمد منري

التايل

ME

Arc

hiv

E

Page 33: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 66 67ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 �سيماء اأحمد منري باحثة وكاتبة من م�سر.

�سيماء اأحمد منري[email protected]

العبودية وحتديات نداء احلريةما بعد الثورة اليمنية

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

علـــى الرغم من اجلهود التى بذلتها اجلمهورية اليمنية منذ االإعلن

عن قيامها اإثر اندالع ثورة 26 اأيلول/�سبتمرب 1962 من اأجل تفعيل اأول

هدف مـــن اأهداف الثورة ال�ستـــة، وهو “اإقامة حكـــم جمهوري عادل،

واإزالـــة الفـــوارق واالمتيـــازات بني الطبقـــات”، وجناحهـــا يف تقلي�س

ظاهـــرة العبودية التي كانت متف�سية يف عهـــود �سابقة، اإال اأنه ما زالت

هنـــاك عدد من مناطـــق اليمن تئن من اآثار العبوديـــة، ومل ت�ستفد من

اأهـــم مميزات الثورة؛ وذلك ب�سبب ت�سافر العديـــد من العوامل، تاأتى

يف مقدمتهـــا �سيطرة م�سايـــخ القبائل على تلك املناطـــق نتيجة �سعف

اأو غيـــاب �سلطـــة الدولة بها. وهـــذا ي�سري بدوره اإىل حجـــم التحديات

التـــي واجهت وال تزال تواجه الدولة اليمنية املعا�سرة يف �سبيل تد�سني

دولـــة وطنية على اأ�س�ـــس د�ستورية وقانونية حديثـــة و�سليمة؛ اإذ يتطلب

ذلك اإحتواء امل�سايخ واإدماجهم داخل نطاق الدولة املركزية من خلل

ب�ســـط �سيطرتها على تلك املناطق املهم�سة حتـــى ت�ستفيد من امل�ساريع

التنموية التى تنعم بها العا�سمة وبع�س حوا�سر البلد االأخرى. اإال اأنه

يف الوقت نف�سه يجب اأن ن�سري اإىل اأن جمرد ال�سماح بو�سول ال�سحافة

ومنظمـــات املجتمع املدنى اإىل تلـــك املناطق، وجناحها يف الك�سف عن

تلـــك الظاهرة ما هو اإال ترجمة لنب�س الدميقراطية املرت�سخة يف قلب

ال�سعب اليمني والتي هي بحاجة اإىل اإبرازها وتفعيلها اأكرث فاأكرث.

ويف هـــذه املقالـــة �سوف نلقـــي ال�سوء على هذه الظاهـــرة، من خلل

درا�سة املحاور التالية: حدود ونطاق انت�سار العبودية يف اليمن املعا�سر،

واأ�سبـــاب ا�ستمرارها حتى الوقت الراهن، واأخريا دور الدولة واملجتمع

املدين يف الت�سدي لها.

اأوال: حدود انت�سار ظاهرة العبودية يف اليمن املعا�سر

تعود اإرها�سات ظاهرة العبودية اإىل القرنني املا�سيني، عندما دعت

حاجـــة ال�سكان اآنذاك اإىل من يقوم بزراعـــة اأرا�سي تهامة التى تت�سم

ME

Arc

hiv

E

باإرتفـــاع درجة حرارتهـــا وخ�سوبة اأرا�سيها. ومع قيـــام الثورة اليمنية

كان يف مقدمة القرارات التي اأ�سدرها جمل�س قيادة الثورة هو ان�سمام

اليمـــن اإىل املعاهدة الدولية لتحرمي الرق. وكنتيجة لثقافة الثورة التى

كانت �سائدة، بادرت بع�س االأ�سر اإىل حترير الرقيق طوعيا، وكان من

بينهـــا اأ�سرة بيت الهيج حيث كانوا اأكرث النا�ـــس امتلكا للم�ستعبدين،

ف�سل عن اأ�سرة اأبو را�س يف اإب.

وعلـــى الرغم من جنـــاح الثورة اليمنيـــة يف تقلي�س تلـــك الظاهرة،

اإال اأن العديـــد مـــن االأ�سر ظلت حتتفـــظ بامل�ستعبدين خا�سة يف اجلزء

ال�سمـــايل الغربي من البلد، ثم انتقلت ملكيتهـــم بالتبعية اإىل القبيلة

اأوالعائلـــة ككل بدال مـــن التبعية لفرد، وبدال مـــن توارثهم من �سخ�س

اإىل اآخـــر، �ساروا يتوارثون عـــرب االأ�سر. ويعود الف�سل يف اكت�ساف تلك

الظاهـــرة يف الوقـــت الراهـــن اإىل “املر�سد اليمني حلقـــوق االإن�سان”

الـــذي ك�ســـف عن حالـــة رق مثبتـــة ب�سكل ر�سمـــي يف اإحـــدى مديريات

1420هــــ. وتعود حمافظـــة حجـــة وم�سجلة ب�سجـــل الب�سائر برقـــم 98/

تلـــك الواقعة اإىل اأن اأحـــد االأ�سخا�س ت�سبب

يف قتـــل رجل عن طريق اخلطـــاأ، وقيل له اإن

عليـــه عتـــق رقبة، ودلـــه اأحدهم علـــى العبد

“قنـــاف” ابـــن )اجلارية( �سيـــار فقرر اأن ي�سرتيه ليحـــرره مببلغ وقدره خم�سمائة األف

ريال من قبل القا�سي هادي اأبو ع�ساج الذي

قدم ا�ستقالته من �سلك الق�ساة نتيجة حملة

االنتقادات التى ان�سبت عليه، نظرا ملخالفة

ذلك العقد لل�سريعة والقانون.

ثـــم تبنـــت اجلمعيـــة الوطنية للدفـــاع عن

احلقـــوق واحلريات “هود”، باال�سرتاك مع �سحيفة “امل�سدر” حملة

ملناه�ســـة جرمية العبوديـــة، وذلك يف �سياق التحقيقـــات التى ن�سرتها

لل�سحفـــي عمر العمقـــي، حيث ر�سد خللها وجود مـــا يقرب من 500

عبـــد وجارية يف مديريتي كعيدنة والزهـــرة يف حمافظة احلديدة، اأما

حمافظة حجة فلديها العدد االأكرب وهو ما يزيد عن ثلثة اآالف حالة.

اإال اأن تلـــك االأرقام ما زالـــت تقديرية وحتتاج اإىل م�سح ميداين ملعرفة

االأرقـــام الفعلية. والواقع ي�سري اإىل اأن ذلك العـــدد قابل للزيادة نظرا

لوجود ما ي�سمى بفئة املعلقني، وهم ممن كانوا عبيدا ثم حترروا اإال اأن

الكثري منهم ال يزالون “معلقني” اأي لي�سوا عبيدا وال اأحرارا، ويعي�سون

ظروفا اقت�سادية �سعبة ال توؤهلهم لكفالة اأنف�سهم.

وميكن ت�سنيف حاالت العبودية يف املجتمع اليمني حاليا اإىل ثلثة فئات:

الفئة االأوىل تت�سمن امل�ستعبدين اململوكني من خلل �سكوك اأو تتوارثهم

االأ�سر، اإال اأنهم يعتربون اأقلية وي�سيطر عليهم �سيوخ القبائل، وتعد حالة

ا�ستعباد �ساملة يتم فيها البيع وال�سراء والعتق واالهداء ب�سكوك ر�سمية.

اأمـــا الفئة الثانية من امل�ستعبدين فهـــم عائلت وجماعات كاملة يطلق

عليهـــم “عبيـــد القبيلة”، وهـــوؤالء لي�س لديهم اأي �ســـك للملكية، اإال

اأنهـــم نظرا لفقرهـــم املدقع وعدم تلكهم �سيء فاإنهـــم ينفذون اإرادة

القبيلـــة، ويطلق هوؤالء على اأنف�سهم “عبيد اأ�سرة كذا”، و”عبيد قبيلة

كـــذا”، وهم عـــادة ال يتقا�سون اأي اأجر مقابـــل عملهم واإمنا يح�سلون

علـــى امل�سكن واملـــاأكل. وعدد هـــوؤالء يقدر بـــاالآالف. اأما الفئـــة الثالثة

فهـــم “املهم�ســـون” اأو “االأخدام”، وهـــذه فئة اجتماعيـــة قائمة بحد

ذاتهـــا يف اليمـــن وينظر اإىل اأفرادهـــا وينظـــرون اإىل اأنف�سهم بدونية،

كما يطلق عليهم اأي�ســـا “املجاربة”، وهم يتمركزون مبناطق هام�سية

وغـــري مبنية وهم منبـــوذون بالكامـــل وعر�سة للإق�ســـاء حتى �سمن

الطبقـــات الدنيا، اإذ يرف�س التعامل معهم اأو حتى التزاوج منهم. وهم

متخ�س�سون بـــاأداء االأعمال الدونية ويعتربون اأدنى م�ستويات املجتمع

اليمنـــي، ويعتمـــدون يف معي�ستهـــم علـــى ال�سدقـــات ب�ســـكل اأ�سا�سي.

ويقت�ســـر تلـــك هـــوؤالء امل�ستعبديـــن علـــى

كبـــار امل�سايخ وبع�ـــس االأع�ســـاء يف الربملان

واملجال�ـــس املحليـــة يف املديريـــات وجمل�ـــس

املحافظـــة، وترتكز تلـــك احلاالت يف مناطق

ال�ساحل وتهامة املتاخمـــة لع�سري بال�سعودية

والتـــي ت�ســـم منطقتـــي حجـــة واحلديـــدة،

ويختلـــف هوؤالء امل�ستعبديـــن من حيث درجة

الوعي والرغبة يف التحرر.

وتختلـــف حجم هذه الظاهـــرة من منطقة

الأخرى، حيث جند اأن مديرية كعيدنة تعاين من ات�ساع حاالت العبودية

ب�سكل ملفت مع تنـــوع �سورها واأ�سكالها، حيث يتمركز امل�ستعبدين يف:

“جمعة، الثلث، الغربي، �سواخ”. ويتميز العبيد يف تلك املناطق بنزعة التمـــرد على اأ�سيادهم، ويرتجم ذلك عمليـــا بهروبهم من كعيدنة اإىل

اململكـــة ال�سعوديـــة اأو اإىل مديرية الزهرة التابعـــة ملحافظة احلديدة.

اإال اأن تلـــك النزعة التحررية تقل يف مديريات “عب�س، املحاب�سة، قفل

�سمر، املفتاح”.

اأما حمافظة حجة – التي ي�سل عدد مديرياتها اإىل 31 - فاإنه يوجد

بهـــا ما يتجاوز ثلثة اآالف عبد وجاريـــة، وهم منت�سرون يف مديرياتها

كافة اإال اأنهم يتمركـــزون بكثافة يف مديريات: كعيدنة، اأ�سلم، حر�س،

م�ستباأ، ميدي، خريان املحرق، ك�سر، واالأخرية فيها مئات العبيد. ويعد

و�سع حمافظة حجة االأ�سواأ نظرا النت�سار اجلهل بني اأبنائها، واالفتقار

للخدمات ال�سحية، وتلوث املياه. وب�سبب �سدة الفقر فاإنه ال يوجد لدى

على الرغم من جناح الثورة

اليمنية يف تقلي�ض ظاهرة

العبودية، اإال اأن العديد من

االأ�سر ظلت حتتفظ بامل�ستعبدين

خا�سة يف اجلزء ال�سمايل الغربي

من الباد، ثم انتقلت ملكيتهم

بالتبعية اإىل القبيلة اأوالعائلة

ككل بدال من التبعية لفرد

Page 34: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 68 69ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

العبيـــد هناك رغبـــة يف التحـــرر خوفا من

م�سريهم املجهول.

اأما الو�سع يف حمافظة احلديدة فهو على

العك�س من حمافظة حجة، فعلى الرغم من

تكتم ال�سكان اأو امللك على حد �سواء على

فئة امل�ستعبدين، اإال اأنه مت التاأكد من وجود

اأعـــداد كبـــرية يف مديرية الزهـــرة، حيث

يتجنب امل�ستعبدين االإف�ساح عن عبوديتهم

هم. اأما يف حمافظة خ�سية من عقوبة ملكم

�سعـــدة فيتمركز امل�ستعبديـــن يف مديريتي

�سدا والظاهر، حيث يتباهى امل�سايخ هناك

بامتلكهـــم للعبيد واجلـــواري، ويتناف�سون

علـــى زيـــادة اأعدادهـــم، مـــن خـــلل دفع

عبيدهـــم اإىل التزاوج واإجنـــاب املزيد من

امل�ستعبدين.

ثانيا: اأ�ســباب ا�ستمرار العبودية

حتى الوقت الراهن

علـــى الرغـــم مـــن اجلهـــود التـــى بذلتها

الثورة اليمنية ودولتها الوليدة للق�ساء على

تلك الظاهرة، وكانت يف طريقها للندثار

تامـــا اإال اأنه ت�سافرت عـــدة عوامل �ساهمت

يف بقاءها حتى الوقت الراهن، وميكن �سرحها على النحو التاىل:

اأ. تعــر تنفيذ م�ســروع بنــاء الدولة الوطنيــة احلديثة:

ويعـــود �سبب تعرث هذا امل�سروع اإىل طبيعـــة البيئة االجتماعية املوروثة،

والتـــي كان ي�سيطـــر عليها حتالـــف تقليدي مـــن �سيوخ القبائـــل وكبار

ال�سبـــاط ال�سابقـــني يف اجلي�ـــس العثمـــاين وجيو�ـــس ملـــوك الطوائف

واالأ�سراف وجتار املدن والوجهـــاء؛ الذين كانوا ي�سكلون نخبا �سيا�سية

غـــري من�سجمـــة حاولـــت ا�ستعـــادة موقعهـــا االجتماعـــي واالقت�سادي

وال�سيا�ســـي من خـــلل اال�ستفـــادة من تاأثـــريات االنق�سامـــات القبلية

واالإثنيـــة والطائفيـــة واملذهبيـــة. وو�ســـط تلـــك ال�سعوبـــات مل ت�ستطع

الدولـــة ب�سط �سيطرتهـــا على الـــرتاب اليمني كامل، ب�سبـــب �سيطرة

فكـــرة القبليـــة وامل�سايخ على العديـــد من املناطـــق. وتت�ساعد خطورة

هـــذه امل�سكلة يف ظل وجود �سراعات داخليـــة تغذيها النزاعات القبلية

والع�سائريـــة، ف�سل عن اإ�سكالية االندماج الوطني، والتى كانت نتيجة

الإنعـــزال املناطق ال�سحراوية والقبليـــة والبدوية؛ حيث �سارت اأطرافا

�سبـــه م�ستقلة تقع خـــارج خارطة الدولة اليمنيـــة، حمرومة من العديد

من احلقوق واخلدمات التى توفرها الدولة، حيث افتقرت تلك املناطق

لوجـــود املوؤ�س�سات احلكومية، وبالتاىل اإنعـــدام و�سائل التنمية، وتف�سي

االأمية، ف�ســـل عن اإنعـــدام مظاهر احلياة

الع�سريـــة التي تتمتع بهـــا العا�سمة �سنعاء

واحلوا�ســـر االأخـــرى كعدن وتعـــز وغريها؛

وذلـــك ب�سبـــب عجـــز الدولـــة عـــن مبا�سرة

مهامهـــا االقت�ساديـــة واالجتماعية يف تلك

الهام�سيـــة، وعـــدم تكنهـــا مـــن املناطـــق

اإيجاد بيئة �سيا�سية وثقافية واأمنية منا�سبة

ت�ساعـــد على اإدارة �ســـوؤون الدولة من خلل

�سلطـــة القانون، وعلى الرغم من تبعية تلك

املناطق ا�سميا للدولة اإال اأنها ظلت – ب�سكل

اأو باآخـــر - م�ستقلـــة عنها؛ ونتيجـــة ملا �سبق

يفتقد املواطن �سعوره باالنتماء الوطني.

وقـــد بـــذل الرئي�ـــس علي عبـــد اهلل �سالح

منـــذ و�سولـــه اإىل احلكـــم يـــوم 17 تـــوز/

يوليـــو 1978 جهودا م�سنية مـــن اأجل تفعيل

اأهـــداف الثـــورة اليمنيـــة بهـــدف اإنقاذهـــا

من �سل�سلـــة االنتكا�سات التـــى تعر�ست لها

ب�سبب احلرب االأهلية واملوؤامرات الداخلية

واخلارجيـــة التي ا�ستهدفت اإ�سقاط النظام

اجلمهـــوري، اإال اأن م�ساعيـــه الراميـــة نحو

تفعيـــل م�سروع بناء الدولة الوطنية احلديثة

التـــى ت�ستند على مبداأ ت�ساوي جميـــع املواطنني يف احلقوق والواجبات

اأمـــام الد�ستور والقانون، ووجهت مب�سروع �سيا�سي اآخر عرب عنه التيار

ال�سلفي احلركي يف حزب التجمـــع اليمني للإ�سلح الذي يعترب القوة

الرئي�سيـــة يف تكتل اأحزاب املعار�سة الذى ي�سمى بـ” اللقاء امل�سرتك”؛

اإذ دعـــم فكـــرة توريث امل�ستعبديـــن وفق وثائق ت�سمـــى »قاعدة ف�سل«،

وهى قاعدة تكر�س عملية توارث وتقا�سم العبيد.

وعلـــى الرغم من تتـــع �سيوخ القبائل ب�سلطـــات وا�سعة على امل�ستوى

املحلـــي مع قيام ثـــورة اأيلول/�سبتمـــرب 1962 اإال اأنهـــم مل ين�سموا اأبدا

للكيـــان ال�سيا�سي للدولة ومل ين�ساعوا ل�سلطتها؛ نظرا لعدم اعتيادهم

علـــى احلكم املركـــزي واخل�سوع ل�سلطة مركزيـــة، ونتيجة لذلك �سعوا

اإىل مقاومـــة بناء دولة مركزية قوية. ويت�سح يف هذا ال�سياق حتد اآخر

وهـــو اأن هوؤالء امل�سايخ الذيـــن ال يزالون ميتلكـــون امل�ستعبدين ي�سغلون

منا�سب مهمة يف اجلهاز االإداري للدولة مثل الربملان واأجهزة ال�سلطة

املحليـــة واملوؤ�س�ســـة الع�سكرية؛ اأى اأنهـــم من املح�سوبني علـــى ال�سلطة

واملعار�ســـة يف اآن واحـــد، وهذا ما يف�سر حر�س بع�ـــس م�سايخ القبائل

وكبـــار االإقطاعيني يف اليمن على الو�ســـول اإىل مقاعد جمل�س النواب،

وتوظيـــف ع�سويتهم فيه، من اأجل �سرعنـــة ممار�ساتهم اخلارجة عن

امل�سايخ الذين ال يزالون ميتلكون

امل�ستعبدين ي�سغلون منا�سب مهمة يف

اجلهاز االإداري للدولة مثل الربملان

واأجهزة ال�سلطة املحلية واملوؤ�س�سة

الع�سكرية؛ اأى اأنهم من املح�سوبن على

ال�سلطة واملعار�سة يف اآن واحد

Flic

kr

وجهات نظراليمن والعامل

الد�ستـــور والقانـــون، واملناه�ســـة ملبادئ الثـــورة اليمنية وقيـــم النظام

اجلمهـــوري الدميقراطي، والتى تتمثـــل يف ت�سهيل امتلك و�سراء وبيع

وتـــوارث امل�ستعبدين. وهذا مـــا يوؤكد اأن ال�سلطـــة القبلية هى التى تعد

احلا�سن الرئي�سي لهذه الواقعة اللن�سانية. كما يعد ذلك دليل قاطعا

علـــى اإدانة امل�ســـروع ال�سيا�سي الـــذي تتبناه رموز م�سايخيـــة معار�سة

وبـــارزة يف املوؤ�س�سة القبليـــة، والتي ت�سر على الوقـــوف دائما مبوازاة

�سلطة الدولة، ومقاومة م�سروع بناء الدولة الوطنية احلديثة.

ب. انت�سار الفقر املدقع: ويعد ذلك �سببا ناجتا عن غياب الدولة

يف تلك املناطق املهم�ســـة؛ ف�سل عن انت�سار اجلهل واالأمية، وقد �سكل

ذلـــك عامل �ساهم يف تكوين حالة مـــن الر�سى لدى امل�ستعبدين نظرا

لعدم وجود بديل اأمامهم �سوى العبودية، و�سار لديهم �سعور باأن و�سعهم

طبيعي ولي�س من حقهم الزواج ممن ي�ستعبدونهم اأو النظر اإىل اأنف�سهم

علـــى قدم امل�ساواة معهـــم؛ ونتيجة لذلك جلاأ بع�سهـــم مبح�س اإرادته

اإىل �سيوخ القبائـــل فمنحوهم قطع اأر�س لل�سكن عليها واأ�سبحوا حتت

حمايـــة �سيخ القبيلة ويعملون لديه ويتبعونه، وبالتايل فهم مل ي�ستعبدوا

بطـــرق العبودية العادية اأي عرب ال�سراء من اأ�سواق النخا�سة اأو االأ�سر.

وهذه الفئة من امل�ستعبدين الذين ارت�سوا بالعبودية ويرف�سون التحرر

يعتـــربون عقبة رئي�سية يف �سبيل مكافحـــة تلك الظاهرة، فالفقر مهما

كانـــت �سعوبته فاإنه اأهـــون بكثري من مرارة العبوديـــة. وا�ستغل امل�سايخ

تلك احلالة من اال�ست�سلم والر�سوخ وت�سكوا بالعبيد، حيث اأدركوا اأن

املجتمع ما يزال متقبل لبقاء هذه الظاهرة بينهم. وعلى الرغم من اأن

بع�ـــس االأ�سر مل ي�سبحوا بذلك النفوذ الذي كان عليه اآباوؤهم، اإال اأنهم

اأ�ســـروا على االحتفاظ بامل�ستعبدين نتيجـــة �سيطرة الرغبة يف التباهي

والتفاخر والنظرة اال�ستعلئية. اإال اأنه على

اجلانـــب االآخر، هنـــاك بع�ـــس االأ�سر التي

ا�سطرت اإىل ت�سريح عبيدها، وبع�سها قام

بعتقهم، نظرا للظـــروف املعي�سية ال�سعبة

التي مرت بها.

ج. انت�سار املفاهيم الدينية املغلوطة:

يف م�سكلة اأى يــوجــد ال ـــه اأن تـــرى ــتــي وال

نطاق على موجودة كانت واأنها العبودية،

حيث االإ�ــســلمــي، التاريخ مــر على وا�سع

ي�ستند رجال الدين يف تلك املحافظات اإىل

ال�سريعة من اأجل تربير هذه الظاهرة نظرا

للفوائد التى تعود على امل�سايخ، ويوؤكدون اأن

حترميها ي�سري اإىل حالة ر�سوخ للت�سريعات

يف مباح هو ما تقييد اأجــل من الو�سعية

وفقا وذلــك االإ�سلمية؛ ال�سريعة اأحكام

الديني اخلطاب توظيف مع لت�سوراتهم،

التحري�سي �سد �سلطة الدولة.

وخروجـــا من هذا املاأزق، فاإن على الدولـــة اليمنية اأن ت�سوغ معادلة

جديـــدة ت�ستنـــد اأرقامها على اإيجـــاد �سيغ توفيقية للتفاهـــم مع هوؤالء

امل�سائـــخ مـــن اأجل احتوائهـــم داخل حـــدود الدولة املركزيـــة االأم، واأن

تكـــون الكلمة العليا للدولة املركزيـــة، ومن ثم �سمان تتع تلك املناطق

املحرومـــة مبزايـــا حمايـــة الدولـــة القومية، ف�ســـل عمـــا يحمله ذلك

مـــن تداعيات اإيجابيـــة على �سعيـــد ال�سيطرة على التوتـــر والنزاعات

الداخلية داخل تلك القبائـــل. و�سار حتميا على الدولة اإذا مل ي�ستجب

هـــوؤالء امل�سايخ مل�ساعيها ال�سلميـــة، اأن ت�ستكمل الثورة اليمنية فاعليتها

مبواجهـــة هوؤالء امل�سايخ الذين ي�سيئـــون ل�سمعة اجلمهورية اليمنية من

اأجل تعظيم منافعهم ال�سخ�سية، فهى اإذن دعوة لتحرير تلك املناطق

واملحافظـــات من �سيطـــرة القبلية عليها وب�سط نفـــوذ الدولة عليها مع

تكثيف حملت التوعية بداخل تلك املناطق والداعية اإىل نبذ العبودية

والتاأكيد على قيم التحرر.

ثالثا: دور الدولة واملجتمع املدين يف مواجهة العبودية

عانـــت املناطق التـــي انت�ســـر فيها اال�ستعبـــاد من حمدويـــة اخلدمات

االجتماعية وامل�ساريع التنموية، ف�سل عن انت�سار االأمية بني اأفرادها؛

وذلك نتيجة لطبيعـــة البنية االجتماعية لليمن التى حالت دون تكنها

مـــن فر�ـــس االندمـــاج االجتماعى وب�ســـط طابعها الثقايف عـــرب اأنحاء

البـــلد، واقت�ســـر ح�سور �سلطاتهـــا ال�سيا�سية على املـــدن واحلوا�سر

الكربى. فهوؤالء امل�ستعبدون لي�س باإمكانهم احل�سول على بطاقة اإثبات

�سخ�سية، وال على جواز �سفر اأو بطاقة �سمان اجتماعي، ب�سبب التمييز

�سدهم. ف�سل عن عدم وجود ن�سب لهم،

وعادة ما يتم توظيفهم �سيا�سيا من خلل

منحهـــم بطاقـــة انتخابية فقط مـــن اأجل

الت�سويـــت ل�سالح اأ�سخا�س بعينهم. وتعد

الن�ســـاء اأكرث الفئات ت�ســـررا، نظرا لعدم

قدرتهم على البحث عن م�سدر رزق بعيدا

عـــن حالة اال�سرتقاق، ف�ســـل عن حرمان

اأطفالهن من االنت�ساب الآبائهم، حيث يتم

اإحلاقهم باأمهاتهم، مما يت�سبب يف اإهدار

حقوقهم.

ويف �سوء ما �سبق، �سار حتميا اأن تت�سافر

جهـــود كل مـــن الدولة اليمنيـــة ومنظمات

املجتمـــع املدين من اأجل حل تلك الظاهرة

باأبعادهـــا االجتماعية اخلطرية. ويتمحور

دور الدولة يف املعاجلة االقت�سادية واإعادة

دجمهم اجتماعيا داخل كنفها، من خلل

عانت املناطق التي انت�سر فيها

اال�ستعباد من حمدوية اخلدمات

االجتماعية وامل�ساريع التنموية،

ف�سا عن انت�سار االأمية بن

اأفرادها؛ وذلك نتيجة لطبيعة

البنية االجتماعية لليمن التى

حالت دون متكنها من فر�ض االندماج

االجتماعى وب�سط طابعها

الثقايف عرب اأنحاء الباد

ME

Arc

hiv

E

Page 35: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 70 71ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

تعوي�س هوؤالء املهم�سني وتوفري فر�س عمل كرمية لهم حتى ال ير�سخوا

ويعـــودوا بعد حتريرهم طوعا اإىل العبوديـــة كبديل مثايل حلالة الفقر

املدقع، وهـــذا يتطلب بدوره اقتلع العبودية مـــن الثقافة املرت�سخة يف

فكـــر وعقيدة كل من املالكني وامل�ستعبدين على حد �سواء. فاإذا جنحت

الدولة - التى �سارت م�سئولة �سرعا وقانونا بتحرير هوؤالء امل�ستعبدين

وتعوي�سهم عن االنتهاكات التي تعر�سوا لها - يف حتقيق ما �سبق فاإنها

�ستكـــون بذلك جنحت يف مواجهة حتد رئي�سي يتمثل يف “الق�ساء على

الفـــروق واالإختلفات بـــني الطبقات االجتماعية”، والـــذي يعد واحدا

من اأهم اأهداف ثورة 1962.

وقد بـــادرت الدولة فعليا باتخاذ خطـــوات ملعاجلة تلك الظاهرة من

خـــلل حترير بلغ اإىل النائب العام مـــن اأجل ت�سكيل فريقني مللحقة

امل�ستعبديـــن، وقـــد اأمـــر النائب العـــام بت�سكيل فريق قانـــوين مللحقة

هـــذه الظاهرة والفاعلني اأو املمار�سني لهـــا، و مت ا�ستهلل ذلك العمل

مبطالبـــة فريق منظمة “هود” احلقوقية يف حجـــة واحلديدة بت�سكيل

فرق ا�ستطلعية تذهب اإىل القـــرى من اأجل معرفة االأرقام احلقيقية

لتلك الظاهرة من خلل م�ساعـــدة النا�سطني احلقوقيني واأهل القرى

هنـــاك. كما كلف جمل�س الـــوزراء وزارة حقوق االإن�سان من اأجل اإعداد

تقريـــر �سامل عـــن امل�ستعبدين، وت�سكيـــل جلنة ملتابعـــة وملحقة هذه

ه اإىل جميع املديريـــات التي حتت�سن هذه الظاهـــرة، من خـــلل التوج

الظاهرة والك�سف عن عدد احلاالت بها. كما دعت احلكومة يف الوقت

نف�ســـه اإىل عقـــد النـــدوات واللقـــاءات العلميـــة لدرا�سة اأبعـــاد ظاهرة

العبودية وتداعياتها.

ويف هـــذا ال�سياق، تت�ســـح اأهمية م�سروع رئي�ـــس اجلمهورية املعروف

بــــ “م�ســـروع ال�سالح” من خلل اإعطـــاء االأولوية الق�ســـوى يف توزيع

الدولـــة والنيابـــة والهيئـــات الذيـــن �ستعمـــل االأرا�ســـي للأ�سخا�ـــس

االجتماعية علـــى حتريرهم مع توفري م�سادر للـــرزق واإعادة دجمهم

باملجتمع. اإذ يعد ذلك خطوة مهمة الحتوائهم داخل كنف الدولة.

ومـــن اأجـــل تفعيـــل اخلطـــوات ال�سابقـــة، فاإنه يجـــب اأن تتعـــاون كل

موؤ�س�سات الدولة الت�سريعية والتنفيذية والق�سائية يف مواجهة العبودية.

فبالن�سبـــة للموؤ�س�سة الت�سريعية يجـــب اأن تقوم بتفعيل القانون 248 من

م هذه الظاهرة ويعاقب باحلب�س قانـــون اجلرائم والعقوبات الذى يجرر

ع�ســـر �سنوت كل من ي�سرتي اأو يبيع اأو يت�ســـرف يف عبد، اإال اأن تفعيل

ذلـــك الن�ـــس القانوين يف ظل العـــدد املتزايد مـــن امل�ستعبدين يتطلب

انتهـــاج �سيا�سة ر�سيدة تعتمد على الت�ساور وحماولة اإقناع م�ستعبديهم

ب�ســـرورة التخلي عنهم وحترريهم طوعـــا. وتت�سح هنا مهمة احلكومة

اليمنيـــة من خلل وزارة حقوق االإن�سان ووزارة العدل من اأجل مراقبة

م�ساألة تطبيق هذا القانون.

عـــلوة علـــى هذا، ياأتـــي دور كل مـــن املوؤ�س�سة الدينيـــة والرتبوية يف

مواجهة ظاهرة العبودية؛ وذلك من خلل ت�سحيح ال�سق الديني لهذه

الظاهـــرة غـــري االإن�سانية، وهو اأمـــر يتطلب تفعيل دور القـــوى الدينية

والفقهـــاء للعمل علـــى حترميها وتوعيـــة امل�ستعبدين بـــاأن احلرية حق

�سرعـــي لهم، والتاأكيـــد على اأن حترمي االأمم املتحـــدة للعبودية يتوافق

مـــع قواعد ال�سريعة االإ�سلمية، مع رف�س حماوالت اإيجاد �سند �سرعي

للـــرق، والت�سديد على اأن الن�سو�ـــس الواردة يف ال�سريعة حول املو�سوع

اإمنـــا كانت ملعاجلة ظاهرة كانت موجودة قبـــل االإ�سلم، واأن ال�سريعة

�سرعـــت اإىل اإلغاء العبوديـــة تدريجيا؛ وذلك من خـــلل التحفيز على

قـــاب وجعلها كفـــارة للذنوب. وقـــد توجه عدد مـــن فقهاء حتريـــر الرر

دين ليقنعوهم باإعتاق امل�ستعبدين. ال�سريعة لهوؤالء امل�ستعبم

وتعتمـــد الدولة يف ت�سديها للعبودية على ركيزتـــني، اأولهما الد�ستور

اليمنـــي الذى ن�س على اأن املواطنـــني �سوا�سية ال فرق بينهم، وثانيهما

اأنـــه ال يوجد ن�س �سرعى يدعو للعبودية، واأن االإ�سلم يرف�س العبودية

ويدعو اإىل حترير االإن�سان. اإال اأن ما يعقد من حل م�سكلة العبودية هو

عدم فاعلية املعار�سة اليمنية يف الت�سدي لتلك الظاهرة؛ نظرا لكونها

تعد م�سئولة ولو جزئيا عن اجلرائم واالنتهاكات التي حتدث، حيث اأن

بع�ـــس القوى املعار�ســـة ت�سهل وت�سارك يف ا�ستمـــرار ظاهرة العبودية،

بالنظر اإىل اأن بع�س املح�سوبني عليها قد توارثوا عبيدا وما زالوا حتت

حمايتهم.

وبالن�سبة ملنظمات املجتمع املدين، فاإنها تعانى من حمدودية ن�ساطها

نظرا القت�سار عملها على املراكز ب�سبب احلماية االإعلمية واحلزبية

وغريهـــا من متطلبات عمل هـــذه املنظمات، ومل تت�ســـع لت�سمل العديد

عدم قدرة الدولة اليمنية على التعامل الفعال

مع تاأثريات القبلية على انت�سار العبودية، ال يعود

اإىل تق�سري من جانبها بقدر ما يعود اإىل حمدودية

اإمكانياتها وقدراتها يف التكيف والتعامل مع هذه

الو�سعية التي تتوغل جذورها يف اأزمنة وعهود

�سبقت وجودها هي ذاتها

Flic

kr

وجهات نظراليمن والعامل

من القـــرى نظرا ل�سعوبـــة الو�سول اإليها الفتقادهـــا ملظاهر التح�سر

والتمـــدن االأ�سا�سية. ويتمحور دور تلـــك املنظمات يف حتفيز املتربعني

واأ�سحاب االأعمال اخلريية يف اإن�ساء �سندوق خا�س ملعاجلة امل�سكلت

االقت�سادية لهوؤالء امل�ستعبدين، وتطوير برامج تاأهيل من اأجل تاأهيلهم

للخروج من عزلتهم االجتماعية واالختلط مع عموم النا�س من خلل

تطويـــر القدرات الفكرية لهوؤالء املحرريـــن وتوعيتهم باأهمية و�سرورة

التحرر، حيث اأن معظمهـــم يرف�سون التحرر خ�سية املوت جوعا، ومن

ثـــم فهم بحاجة اإىل اإتاحة بدائل اأمامهم من خلل تنمية تلك املناطق

وتوفري فر�س عمل لهم.

وتاأتـــي يف مقدمة تلك املنظمات “املر�ســـد اليمني حلقوق االإن�سان”

الذي كان لـــه الف�سل يف الك�سف عن تلك الظاهرة، والذي ي�ستند على

اأن الـــرق يخالـــف الد�ستور اليمني الذي يلتزم يف املـــادة ال�ساد�سة منه

باالإعلن العاملي حلقوق االإن�سان والذي ن�س يف املادة الرابعة منه على

اأنه: “اليجوز ا�سرتقاق اأو ا�ستعباد اأي �سخ�س، بكافة اأو�ساعهما”، وهو

ما ن�ست عليه املادة الثامنة من العهد الدويل اخلا�س باحلقوق املدنية

وال�سيا�سية، ف�سل عن اأن الـــرق يناه�س حرية االإن�سان وكرامته، وكل

قيم احل�سارة والدميقراطية.

ف�ســـل عـــن دور “الهيئة الوطنيـــة للدفاع عن احلقـــوق واحلريات”

)هود( التي نظمت حملة تهدف اإىل اإنهاء العبودية يف اليمن من خلل

حتفيز احلكومـــة على تطبيق اخلدمات االجتماعيـــة وتاأمني امل�ساعدة

القانونية، والتاأكيد على تنفيذ القانون اليمني الذي يعاقب مالك العبد

بال�سجـــن لع�ســـر �سنوات كحـــد اأدنى وتعميمه علـــى اجلميع؛ وذلك من

خلل تعاونهـــا مع اجلهات احلكومية واللجنة امل�سكلة من وزارة حقوق

االإن�سان، وكل منظمات املجتمع املدين االأخرى لتحرير جميع العبيد.

وقـــد تعهـــدت املنظمـــة بالعمـــل علـــى اإح�ســـاء كل حـــاالت الـــرق يف

املحافظـــات التى ما زالت تعاين من العبوديـــة، كما �ست�سعى يف الوقت

ذاته اإىل تقدمي امل�ساعـــدات االإن�سانية عرب دعوة املتطوعني من فقهاء

ال�سريعة للنزول اإىل القـــرى وال�سعي مع كل من يدعي ملكيته ل�سخ�س

الإقناعـــه بالتخلي عنـــه طوعا، واإال يتـــم ملحقته قانونيـــا. ف�سل عن

�ســـرورة تعاون ال�سلطـــات املحلية من اأجل مواجهـــة تلك الظاهرة من

خلل ال�سمود يف وجه ذوي النفوذ من العلئلت الكبرية.

خامتة الوا�سح اأن ظاهرة العبودية بحاجة اإىل تكاتف جميع

اأركان الدولـــة اليمنية بهيئاتها وموؤ�س�ساتهـــا الر�سمية وغري الر�سمية.

وعلى الرغم من قتامـــة امل�سهد الذى خيم على اأجواء املجتمع اليمني،

ف�ســـل عن ال�سعوبات اجلمة التـــى تقف حائل دون التخل�س من هذه

االآفـــة االجتماعيـــة، اإال اأن الواقع ي�سري اإىل اأنه من بـــني تلك الظلمات

يوجـــد العديد من نوافذ االأمل التي فتحت اأمام �سبل الق�ساء على هذه

الظاهرة؛ وذلك من خلل ن�ساط اأجهزة الدولة ممثلة يف وزارة حقوق

االإن�ســـان، والتعاون مـــع منظمات املجتمع املدين للدخـــول اإىل املناطق

التي تنت�سر اأو توجد فيها العبودية من اأجل مبا�سرة اأعمالها.

اإال اأنـــه، ويف الوقت ذاته، �سيظل جنـــاح تلك اجلهود مرهونا بعاملني

رئي�سيـــني، اأولهما هـــو املعادلة ال�سعبة التى حتكـــم العلقة احل�سا�سة

بـــني �سلطـــة الدولـــة ونفوذ م�سايـــخ القبائل، فـــاإذا تكنـــت الدولة من

ا�ستخـــدام �سلطاتها مـــن اأجل احتوائهم واإقناعهم بـــاأن الو�سع مل يعد

يحتمـــل التكتم عليـــه و�سار واجبا وطنيـــا اال�ستجابة لنـــداءات الدولة

والتعاون معها من اأجل ت�سريح هوؤالء امل�ستعبدين، واإيجاد م�سدر رزق

لهم وتاأهيلهـــم اجتماعيا واقت�ساديا من اأجل ا�ستثمار طاقاتهم ب�سكل

متمدن واآدمي خلدمة اليمن كلها ولي�س احتكارهم لفئة بعينها، خا�سة

يف �سوء احلملة التى �سنتها ال�سحافة وحتولها اإىل ق�سية راأى عام.

اأمـــا العامل الثـــاين؛ فيعد مكمل لـــلأول، وهو �ســـرورة توعية اأفراد

املجتمـــع من اأجل الت�ســـدي للعبودية ورف�سها ذاتيـــا حتى ي�سكل ذلك

قـــوة �سغط داخلية على هوؤالء امل�سايخ. ومن ثم فاإن ذلك يتطلب موجة

رف�ـــس �سعبية ت�ستهـــدف امل�سايخ املت�سرتين على جرميـــة العبودية، اإذ

اأن ذلـــك �سيكـــون تاأكيدا من جانب ال�سعب بعـــدم �سرعية �سلطة هوؤالء

امل�سايـــخ ورغبة �سريحة من جانبهم الحتـــواء الدولة لهم، االأمر الذي

�سي�سهـــل على الدولـــة القيام بتطبيـــق القوانني والت�سريعـــات ومعاقبة

هوؤالء امل�سايخ الذين يظنون اأنهم فوق �سلطة القانون.

اأخريا، يجـــب التاأكيد على اأن عدم قدرة الدولة اليمنية على التعامل

الفعـــال مع تاأثريات القبلية على انت�ســـار العبودية، ال يعود اإىل تق�سري

من جانبها بقدر ما يعود اإىل حمدودية اإمكانياتها وقدراتها يف التكيف

والتعامل مع هذه الو�سعية التي تتوغل جذورها يف اأزمنة وعهود �سبقت

وجودها هي ذاتها.

تعتمد الدولة يف ت�سديها للعبودية على ركيزتن،

اأولهما الد�ستور اليمني الذى ن�ض على اأن املواطنن

�سوا�سية ال فرق بينهم، وثانيهما اأنه ال يوجد

ن�ض �سرعى يدعو للعبودية، واأن االإ�سام يرف�ض

العبودية ويدعو اإىل حترير االإن�سان

Flic

kr

Page 36: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 72 73ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

طارق عبداهلل ثابت احلروي

[email protected]

تكتيك اآين

اأم رهان ا�شرتاتيجي؟

م�شاءلة طموحات اليمن اخلليجية

لعـــل الت�ساوؤل املحوري الذي اأ�سبح من الواجـــب اإثارته اأمام الباحثني

واملهتمني بال�ساأن اخلليجي، كي يت�سنى لنا من خلله حتديد بع�س اأهم

اخلطوط العامة احلاكمة لهذا املو�سوع، و�سوال اإىل حماولة الك�سف عن

ماهية وطبيعة املنظمة التي ت�سعى اليمن للن�سواء حتت �سمائها، �سيما

يف �ســـوء ا�ستمرار تنامـــي حاالت التذبذب احلادة التـــي تنتاب املواقف

اخلليجيـــة اإزاء بع�سهـــا البع�س يف العديد من الق�سايـــا الرئي�سة، ذات

العلقـــة الوثيقـــة ال�سلة ببقـــاء وا�ستمـــرار املنظمة مـــن اأ�سا�سها، هذا

الت�ســـاوؤل هو »هل ي�سعنـــا القول اإنه بعد مرور ثلثة عقـــود على تاأ�سي�س

منظمـــة جمل�ـــس التعاون لدول اخلليـــج العربية، اأننا نقـــف بالفعل اأمام

جتربـــة اإقليميـــة مكتملة الروؤيـــة واالأهـــداف واالأبعاد من حيـــث ال�سكل

وامل�سمون، قادرة ب�سورة عملية وفعلية على العطاء والبقاء يف اآن واحد،

بعيدا عن تلك العوامل الدولية واالأمريكية منها بوجه خا�س املن�سئة لها

اأو تلـــك التـــي مثلت – وما تزال تثل - �سببـــا جوهريا وراء بقائها حتى

االآن، ونخ�س بالذكر منها العامل االقت�سادي ب�سقه النفطي يف �سوء ما

طارق عبد اهلل احلروي باحث ميني يف العلقات الدولية

وال�سوؤون اال�سرتاتيجية.

عني على اليمن فـي 60 يوماحتليالت

اليمن والعامل

وجهات نظر

ME

Arc

hiv

E

يدره من عوائد مالية �سخمة تكفي لتغطية اأعبائها، اأم اأننا ما زلنا نقف

اأمام نف�س التجربة الوليدة التي غلب عليها الطابع االأمني، الذي اأن�سئت

الأجلـــه على الرغم مما طراأ عليها من تغيريات كثرية م�ست ال�سكل اأكرث

من امل�سمون، ال�سيما اأنه مل يت�سن لها امل�سا�س بجوهر االتفاقية االأمنية

املن�سئة لها؟«.

يف البـــدء، حري بنـــا التاأكيد على اأن من�ساأ هـــذا الت�ساوؤل هو حماولة

اأولية من قبلنـــا للإحاطة بحيثيات ماهية وطبيعة امل�ساعي اليمنية ومن

ثـــم م�ستقبلها على املدى املنظور، والتـــي تقف وراء ا�ستماتة دوائر �سنع

القـــرار للح�سول على ع�سويـــة املنظمة منذ مطلـــع الن�سف الثاين من

عقد الت�سعينيات، اأو مبعنى اآخر: هل الهدف الرئي�س الكامن ورائها هو

البحث عن منظومة اإقليمية فعلية وفاعلة يف اآن واحد، يف حماولة الإبراز

الهوية اخلليجيـــة لليمن، ت�ستطيع من خللها تلبية طموحاتها االإقليمية

امل�سروعـــة يف تقا�ســـم - هـــذا اإن مل نقـــل تاأديـــة - دور حمـــوري اإقليمي

طـــال انتظاره يت�سق مع جممل ما لديهـــا من مزايا اإ�سرتاتيجية )متاحة

وغـــري متاحـــة(، و�سوال اإىل تعظيـــم مكا�سبها اال�سرتاتيجيـــة املن�سودة،

االقت�ساديـــة منها على وجه خا�س؟ اأم اأن االأمر كان وما يزال ال يتعدى

- يف املح�سلة النهائية- جمرد حماولة جمتزاأة اأخرى يف اجتاه البحث

عن بع�س املزايا االقت�سادية املتوقعة االأكرث اأهمية واإحلاحا، والتي لي�س

لها علقة وثيقة ال�سلة من قريب اأو بعيد بطبيعة وواقع ومن ثم م�ستقبل

املنظمة والدور اليمني املن�سود فيها؟ اأو االثنني معا؟

واجلدير بالذكر اإن اأية حماولة يف اجتاه اإعادة بلورة، ومن ثم �سياغة

طبيعة وواقع خط �سري بع�س اأهم االأحداث الرئي�سة التي ارتبطت بن�ساأة

املجل�ـــس اأو مراحل تطوره، و�سوال اإىل حماولة و�سع اليد على بع�س اأهم

رة لطبيعة املحـــددات املحيطة مب�ستقبله يف �سوء املعـــامل الرئي�سة املف�سر

ما اأ�سبح ميثله املجال احليوي للخليج العربي من اأهمية متزايدة لدوائر

�سنـــع القرار يف اليمن، كانت وما زالت واحدة من اأهم امل�سائل ال�سائكة

التـــي اأ�سبح من املهم التاأين كثريا قبـــل خو�س غمارها، نظرا ملا يحيط

بهـــا من حـــاالت تعقيد حـــادة وح�سا�سية مفرطة، �سيمـــا يف حال ارتبط

هـــذا االأمر بطبيعة املوا�سيع التي �سيتـــم اإثارتها يف �سوء اإحجام الكثري

مـــن الباحثني واملهتمني عن مناق�ستها من هـــذه الزاوية الأي �سبب كان،

واالكتفـــاء مبا هو متاح لهم من بيانـــات وتراكم معريف يحدد من خلله

طبيعـــة وواقع خـــط �سري اأيـــة روؤى ودرا�ســـات تتعلق بال�ســـاأن اخلليجي،

باعتبارها حقائق مو�سوعية ن�سبية ال غبار عليها.

و�سمـــن هـــذا ال�سيـــاق، يت�سنى لنا القـــول من خلل تتبـــع بع�س اأهم

املحـــددات الرئي�ســـة احلاكمة وراء ن�ســـوء وتطور جمل�ـــس التعاون لدول

اخلليـــج العربية، و�سوال اإىل ا�ستمرارية بقاءه على حاله دون حدوث اأية

تغيـــريات جذرية ن�سبيـــة ت�س جوهر االتفاقية املن�سئـــة له منذ تاأ�سي�سه

عـــام 1981، �ســـواء يف اجتـــاه حتقيـــق اأوا�ســـر الوحـــدة االندماجية بني

دولـــه، اأو يف زوالـــه نهائيا من علـــى اخلارطة االإقليميـــة منذ مطلع عقد

الت�سعينيـــات مـــن القرن املا�سي؛ علـــى خلفية انتفاء ال�سبـــب الرئي�س -

اإن مل نقـــل الوحيد - الكامـــن وراء ن�سوءه وبقاءه، ممثـــل بخروج القوة

العراقيـــة مـــن املعادلة االإقليمية عـــام 1991، باعتبارهـــا القوة الوحيدة

التي مثلت تهديدا حقيقيـــا للمخططات االأمريكية- الغربية املتبعة اإزاء

عمـــوم املنطقة وما يجاورهـــا. اأو ب�سبب ا�ستمرار تنامي عوامل ومظاهر

التنافـــر والفرقة بني دولـــه اأكرث منها التجـــاذب والتوحد، لدرجة عجز

عندهـــا الكثريين عن تف�سري ال�سبب اأو اللغز وراء ا�ستمرار بقاء املجل�س

دون حدوث انتكا�سة حادة له طوال هذه الفرتة، وهو االأمر الذي يجعلنا

نقـــف اأمامه طويل يف حماولـــة الإمعان الفكر والب�ســـرية معا، �سيما يف

حـــال تبني بع�ـــس احلقائق التي توؤكـــد اإن ا�ستمرار بقائـــه قد ارتبط يف

االأ�سا�ـــس با�ستمـــرار بقاء الـــدور املحوري الـــذي تلعبه اململكـــة العربية

ال�سعوديـــة �سمـــن نطاق حـــدود اإ�سرتاتيجية املحـــور االأمريكي- الغربي

وحلفائه، باعتبارها القوة االإقليميـــة الوحيدة �ساحبة االإنتاج واملخزون

النفطـــي ومن ثـــم القدرة املاليـــة الهائلـــة – اأوال -، و�ساحبـــة امل�سروع

الدينـــي- ال�سيا�سي ومن ثـــم النفوذ والطموح االإقليمـــي – ثانيا -، واإال

كيف ي�سعنـــا اإعطاء اأية تف�ســـريات حول ا�ستمرار تنامـــي حجم االأعباء

ال�سخمـــة )املادية/املعنويـــة( التي يتحملها الطـــرف ال�سعودي بالنيابة

عن باقي دول املجل�س.

وانطلقـــا مـــن كل ذلك، تت�سح لنا طبيعة واأبعـــاد هذه ال�سورة اأكرث

من هـــول وفداحة احلقائـــق التي نقـــف اأمامها؛ جراء ا�ستمـــرار تنامي

�سعـــة الفجوة القائمـــة بني دول املجل�س على املجـــاالت كافة �سمن اإطار

املنظمة التي ت�ستظل بهـــا، لدرجة ي�سعب معها القول اإننا نقف ب�سورة

فعليـــة بعد مرور ثلثة عقـــود تقريبا، اأمام نظـــام اإقليمي حموري يغلب

عليـــه الطابع اال�سرتاتيجي اأكرث منه ال�سيا�ســـي- االأمني، مكتمل الروؤية

واالأهـــداف واالأبعـــاد من حيث ال�ســـكل وامل�سمون- ولو ب�ســـورة ن�سبية؟

خا�سة اإنه ما يزال عاجزا عن تلبية اأجزاء جوهرية من متطلبات االأمن

م�ساعي دوائر �سنع القرار اليمني الرامية

اإىل احل�سول على ع�سوية املجل�ض مل –

ولن - تتعدى م�ساألة تعظيم جزء مهم من

املكا�سب االقت�سادية املتوقعة على اأكر

تقدير، يف حماولة لرفد م�سرية البلد

التنموية املن�سودة

Page 37: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 74 75ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

القومـــي لدولـــه، جـــراء ارتباطه لي�س مبـــا ا�ستطاعت دولـــه منفردة اأن

حتققه مـــن مظاهر للنه�سة التنموية �سملت كافـــة نواحي احلياة فيها،

بحكـــم ما اأ�سبح متوفرا لديها من موارد مالية هائلة، اأو مبا ا�ستطاعت

اأن حتققـــه من خطوات نوعيـــة عملية ذات طابـــع ا�سرتاتيجي يف اجتاه

حتقيـــق هدف الوحدة االندماجية بني دوله ال�سعيفة املتنافرة، بل بتلك

الهيـــاكل ال�سكلية التي عجزت حتى عن بنـــاء منظومة ع�سكرية- اأمنية

يعتد بهـــا، على الرغم مـــن �سخامة طبيعة وحجم النفقـــات الع�سكرية

واالأمنية الهائلة التي و�سلت اإىل تريليونات الدوالرات يف الفرتة الواقعة

بني عامـــي )1973-2010(، وعلـــى الرغم من توقيـــع اأول اتفاقية اأمنية

للدفـــاع امل�سرتك بـــني دول املجل�س عـــام2000. غري اأن معظـــم الدالئل

التاريخيـــة ت�سري اإىل اأنها مل تكن �سوى جمرد خطوة �سكلية، ا�ستطاعت

مبوجبها تقنني ا�ستمـــرار عمليات اال�ستنزاف الهائلـــة ملواردها املالية؛

مـــن حيث اأن جمرد االإعـــلن عن تبني م�سروع ع�سكـــري- اأمني �سخم

اأطلق عليه »درع اجلزيرة« ال يتعدى كونه جمرد عملية ا�ستباقية تتمحور

حـــول اإعـــادة تهيئة للم�ســـرح العملياتي للقوات االأمريكيـــة - الغربية يف

املنطقـــة، مبا تت�سمنه مـــن �سل�سلة �سخمة من البنـــي التحتية واملخازن

واالأ�سلحـــة والعتاد...، واإال �سوف تظل الت�ســـاوؤالت املهمة يف هذا ال�ساأن

مثارة تبحـــث لها عن اإجابات وافية عن اأهميـــة وجدوى ا�ستمرار وجود

منظومـــة اإقليميـــة ع�سكرية- اأمنية بهذا احلجـــم )ملن و�سد من؟(، ثم

مـــا م�سري تر�سانـــات االأ�سلحة ال�سابقة، ال�سيما يف ظـــل انتفاء االأ�سا�س

املو�سوعـــي الإمكانيـــة التقريب ولي�س توحيد العقيـــدة الع�سكرية لها، يف

�سوء اأجيال االأ�سلحة ال�سخمة التي تتلكها دول املجل�س كل واحدة على

حده؟

اإذن يف �ســـوء بقـــاء االقت�ساد القومي لدول جمل�س التعاون اخلليجي

اأحـــادي اجلانب، وعـــدم وجود منظومـــة ع�سكرية- اأمنيـــة واقت�سادية

م�سرتكـــة، وبالتايل ال جي�س موحد وال عقيـــدة ع�سكرية موحدة ومن ثم

تر�سانة اأ�سلحة موحدة، وال �سوق م�سرتكة وال عملة موحدة..، واأخريا ال

مواقف �سيا�سية موحدة يعتد بها، و�سوال اإىل �سعف وندرة وجود م�سالح

حقيقيـــة م�سرتكة فيما بني دوله ال�ست املوؤ�س�سة له، يبقى ال�سوؤال االأكرث

اإثـــارة وجدال يدور حول االأ�سا�س املادي واملعنـــوي اأو املو�سوعي والذاتي

الـــذي تقف عليـــه دول املجل�س يف مواجهة اأيـــة حتديات اأو خماطر ذات

طابع اأمني قد تهدد بلدانها يف ال�سميم؟

وعليـــه، ال ي�سعني اإال القـــول باأن م�ساعي دوائر �سنـــع القرار اليمني

الراميـــة اإىل احل�سول على ع�سوية املجل�ـــس مل – ولن - تتعدى م�ساألة

تعظيم جزء مهـــم من املكا�سب االقت�سادية املتوقعـــة على اأكرث تقدير،

يف حماولـــة لرفـــد م�سرية البلـــد التنموية املن�ســـودة، م�ستندين يف ذلك

علـــى طبيعة ما اأ�سبحت تت�سم به العلقات اليمنية- الدولية واخلليجية

منهـــا بوجه خا�س مـــن ان�سيابية عالية ن�سبيا، اأكـــرث منها حماولة ذات

طابع ا�سرتاتيجي، ت�سعى مـــن ورائها اإىل حماولة فر�س نف�سها بقوة يف

املعادلة اخلليجية، بهدف تبوء موقع مميز يت�سق �سواء مع ما تتلكه وما

�ستوظفه من موارد يف هذا ال�ساأن، اأو مع ما تطمح للقيام به، خ�سو�سا

يف حال تعلق هذا االأمر مبحاولة لعب دور حموري فيها؛ و�سواء اأخذ هيئة

ن على اأقل تقدير، نظرا الفاعل/امل�ساوم على اأكرث تقدير، اأو هيئة املوازم

الأن هـــذا االأمر يتوقع له اأن يتعار�س بقوة مع طموحات اأدوار قوى فاعلة

اأخرى )ال�سعودية بوجه خا�ـــس(، باالإ�سافة اإىل ارتباط مثل هذا االأمر

ئة للمجل�ـــس، ب�سورة يتوقع لها بحـــدوث تغري جـــذري يف االتفاقية املن�سم

اأن تف�ســـي اإىل زوال ال�سيغة احلاليـــة، ون�سوء منظومة جديدة تتما�سى

مـــع املعطيات اجلديدة، وبالتـــايل ت�سبح احتمالية دخول كل من اإيران

والعراق فيها اأمرا اأكرث ورودا يف �سوء الرتتيبات االإقليمية اجلارية على

قدم و�ســـاق �سمن اإ�سرتاتيجية املحور االأمريكي- الغربي وحلفائه، وهو

االأمر الذي ن�ستبعده علـــى املدى املنظور يف ظل بقاء م�سري امل�سروعني

االأمريكي- الغربي واالإيراين يف العراق معلقا على كف عفريت.

�ســعة الفجــوة القائمــة بن دول

املجل�ض على املجاالت كافة �سمن

اإطــار املنظمة التي ت�ســتظل بها،

تنامت لدرجة ي�سعب معها القول

بعــد فعليــة ب�ســورة نقــف اإننــا

مــرور ثاثة عقود تقريبــا، اأمام

نظــام اإقليمي حموري يغلب عليه

الطابــع اال�ســرتاتيجي اأكر منه

ال�سيا�سي- االأمني

2spa

ce.n

et

وجهات نظراليمن والعامل

�شدر حديثا

عن مركز �شباأ للدرا�شات الإ�شرتاتيجية

العمالة اليمنية ومتطلبات �شوق العمل اخلليجي

الفر�ص والتحديات

بحوث واأوراق عمل املوؤمتر

الذي نظمه املركز خال الفرتة 22-23 �سباط/فرباير 2010

حترير:

حفـظ اهلل االأحمدي و ماجـد �سراج

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 38: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 76 77ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

عني على اليمن فـي 60 يومـا

�سهرا اأيلول/�سبتمرب - ت�سرين االأول/اأكتوبر 2010

وجهات نظرحتليالت

اليمن والعامل

اأيلول/�سبتمرب 2010

1 ناق�ـــس وزيـــر الداخلية مطهر ر�ســـاد امل�سري يف لقائه مـــع ال�سفري الربيطاين ب�سنعـــاء تيـــم تريلوت جمـــاالت التعاون االأمنـــي بني البلديـــن، وخا�سة يف جمايل

التاأهيل والتدريب وال�سرطة املجتمعية.

2 اتفقت حكومات اجلمهورية اليمنية واململكة العربية ال�سعودية واململكة املتحدة، علـــى عقد االجتماع القـــادم لوزراء خارجية الـــدول االأع�ساء مبجموعـــة اأ�سدقاء

اليمن يف مدينة نيويورك االأمريكية يف الـ24 من اأيلول/�سبتمرب. وحددت حكومات

الـــدول الثلث يف بيان م�سرتك، اأجندة االجتماع والتي تت�سمن ا�ستعرا�س التقدم

املحـــرز منذ االجتماع رفيع امل�ستوى بلندن يف كانـــون الثاين/يناير 2010، واإعطاء

دفعة قوية للعمل امل�ستقبلي الأ�سدقاء اليمن.

5 التقى نائب رئي�س الوزراء لل�سوؤون االقت�سادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبدالكـــرمي االأرحبي، ال�سفري الربيطاين ب�سنعاء تيم تريلوت. جرى خلل اللقاء

ا�ستعرا�س جملة من الق�سايا املت�سلة بتعزيز التعاون الثنائي، كما ناق�س اجلانبان

الرتتيبات النهائية النعقاد االجتماع املرتقب نهاية ال�سهر ملجموعة اأ�سدقاء اليمن

يف نيويورك وطبيعة الق�سايا املدرجة على جدول االأعمال.

6 الرئي�س علي عبد اهلل �سالح يجري ات�ساال هاتفيا بالعاهل البحريني حمد بن عي�ســـى اآل خليفة، اأطمئن خلله على االأو�ســـاع يف البحرين عقب اكت�ساف اأحدى

اخلليـــا التي ت�ستهدف اأمن وا�ستقرار البحرين. واأكد الرئي�س وقوف اليمن قيادة

وحكومة و�سعبا اإىل جانب البحرين يف كل ما ي�سون اأمنها وا�ستقرارها.

6 وقـــع يف �سنعـــاء على اتفاقيـــة تقدمي منحة ماليـــة تبلغ مائة األـــف و396 دوالر لتمويل م�سروع حت�سني نظام توين املياه يف وادي ال�سجن مبديرية احلزم حمافظة

اجلـــوف. وتاأتـــي االتفاقية يف اإطـــار الربنامج اليابـــاين اخلا�س بــــ »املنح املقدمة

مل�ساريـــع االأمن الب�سري االأهلية« الهادف اإىل دعم امل�ساريع االأهلية �سغرية احلجم

يف املجاالت املرتبطة بال�سحة، واملياه، والتعليم االأ�سا�سي يف الدول النامية.

15 ناق�ـــس الدكتور علي حممد جمـــور رئي�س جمل�س الـــوزراء ب�سنعاء مع وفد وزارة اخلزانـــة االأمريكيـــة برئا�ســـة وكيل الـــوزارة اأندرو باوكول علقـــات التعاون

بـــني البلدين يف املجالني االقت�سادي والتنمـــوي واأولوياتها للفرتة القادمة يف اإطار

جمموعـــة اأ�سدقاء اليمن. وركز اللقاء على املوا�سيع التي �سيقف اأمامها االجتماع

القـــادم للمجموعـــة املقرر انعقـــاده يف مدينة نيويـــورك االأمريكيـــة، وبوجه خا�س

املقرتح االأمريكي الإن�ساء �سندوق لدعم التنمية يف اليمن.

16 انتخـــب �سفري اليمـــن ومندوبها الدائم لدى املقـــر االأوروبي للأمم املتحدة واملنظمات الدولية يف جنيف الدكتور اإبراهيم العدويف، نائبا لرئي�س منظمة االأمم

املتحدة للتجارة والتنمية »االأونكتاد«.

16 بحث وزير الداخلية مطهر ر�ساد امل�سري، مع ال�سفري الربيطاين ب�سنعاء تيـــم تريلوت، علقات التعـــاون االأمني بـــني البلدين وخا�سة يف جمـــايل االإرهاب

وخفر ال�سواحل.

20 الرئي�ـــس علـــي عبد اهلل �سالـــح ي�ستقبل م�ساعـــد رئي�س الواليـــات املتحدة االأمريكيـــة ل�سوؤون مكافحة االإرهـــاب و�سوؤون االأمن الداخلي جـــون بريينان، الذي

نقل له ر�سالة خطية من الرئي�س باراك اأوباما، ت�سمنت جوانب العلقات وجماالت

التعاون امل�سرتك وال�سراكة القائمة بني البلدين على خمتلف االأ�سعدة.

20 وقعـــت اجلمهورية اليمنية وجمهورية كوريا اجلنوبيـــة مبقر البعثة اليمنية لدى املقر االأوروبي للأمم املتحدة بجنيف على االتفاق الثنائي الن�سمام اليمن اإىل

منظمة التجارة العاملية، وتت�سمـــن االتفاقية �سقوف التعرفة اجلمركية اأو »الربط

التعريفي« للبنود ال�سلعية التي مت االتفاق عليها بني البلدين.

تفاعالت اليمن

يومافـيوالعامل 60

21 الرئي�ـــس علـــي عبـــد اهلل �سالح ي�ستقبل �سفـــري جمهورية اأملانيـــا االحتادية ب�سنعـــاء مايكل كلـــور بري�ستول، جـــرى خلل اللقـــاء مناق�سة العلقـــات الثنائية

وجمـــاالت التعاون امل�ســـرتك بني البلدين، وكـــذا دور اأملانيا يف جمموعـــة اأ�سدقاء

اليمـــن، باالإ�سافة اإىل الق�سايا املت�سلة باالجتماع القادم ملجموعة اأ�سدقاء اليمن

املقرر انعقاده يف نيويورك.

22 وقع يف العا�سمة القطرية الدوحة، على الربنامج التنفيذي الثالث للتفاق 2012 بني وزارة الرتبيـــة والتعليم الرتبـــوي والعلمـــي للأعـــوام الدرا�سيـــة 2010 -

ووزارة التعليـــم والتعليم العـــايل القطرية، وذلك على هام�س املوؤتر الرتبوي حول

جودة التعليم يف البلد العربية.

22 الرئي�ـــس علـــي عبـــد اهلل �سالـــح ي�ستقبل ال�سيـــد لي�س كامبـــل، نائب مدير املعهـــد الدميقراطـــي االأمريكي ل�ســـوؤون ال�سرق االأو�ســـط و�سمـــال اأفريقيا، جرى

خـــلل املقابلة ا�ستعرا�س جوانب العلقات بني اليمن والواليات املتحدة االأمريكية

واأن�سطـــة املعهد الدميقراطي االأمريكي لدعـــم النهج الدميقراطي واالنتخابات يف

اليمـــن، كما تنـــاول اللقاء بحث �سري عمليات احلوار الوطنـــي ال�سامل تعزيزا ملبداأ

الدميقراطية واإجراء االنتخابات يف موعدها املحدد عام 2011.

22 وقعت اجلمهورية اليمنية واإيطاليا على اتفاقية تويل م�سروع التنوع البيئي يف اأرخبيـــل �سقطرى، تق�سي بتقدمي اإيطاليا مبلـــغ ثلثة مليون يورو للم�ساهمة يف

دعم م�سروع التنوع البيئي يف االأرخبيل.

22 بحـــث وزيـــر الداخلية مطهر ر�ساد امل�سري، ب�سنعـــاء، مع م�سئول التعاون يف وزارة اخلارجيـــة االيطالية امل�ست�سار فران�سي�سكوفورتـــي، اأوجه التعاون االأمني

بـــني البلديـــن، وخا�سة يف جمال خفـــر ال�سواحـــل والتدريب والتاأهيـــل، كما ناق�س

اجلانبان املرحلة الثانية مـــن م�سروع منظومة الرادارات للرقابة ال�ساحلية والذي

�سيبداأ من �سقرة مبحافظة اأبني اإىل ن�سطون مبحافظة املهرة بتمويل من احلكومة

االيطالية.

23 وقعـــت اليمن ولبنان يف العا�سمة بريوت، على حم�ســـر تبادل وثائق اإبرام اتفاقيـــة تاأ�سي�س اللجنة العليـــا امل�سرتكة للتعاون االقت�ســـادي والعلمي والفني بني

البلديـــن، وقعهـــا �سفـــري اليمن لـــدى بريوت في�ســـل اأبو راأ�ـــس، واأمني عـــام وزارة

اخلارجية اللبنانية بالوكالة ال�سفري وليم حبيب.

24 عقـــد يف مدينة نيويـــورك االأمريكية، االجتماع الـــوزاري ملجموعة اأ�سدقاء اليمـــن برئا�سة م�سرتكة من قبـــل وزير اخلارجية الدكتور اأبـــو بكر القربي، ووكيل

وزارة اخلارجيـــة ال�سعـــودي االأمـــري تركي بن حممـــد اآل �سعود، ووزيـــر اخلارجية

الربيطاين ولييم هييج، و�سارك يف املوؤتر وزراء خارجية وممثلني عن 27 دولة من

الـــدول االأع�ساء يف جمموعة اأ�سدقاء اليمن وعن االحتاد االأوروبي والبنك الدويل

واملنظمـــات الدولية املانحة. واأكد امل�ساركون دعـــم حكومات بلدهم وموؤ�س�ساتهم

الدولية جلهـــود اليمن الرامية للدفع بعملية االإ�سلحـــات االقت�سادية وال�سيا�سية

والتخفيـــف من الفقر وم�ساندة جهودها يف مكافحـــة التطرف واالإرهاب، وجددوا

مواقـــف دولهـــم الداعمة لليمـــن وم�ساندة جهـــوده للحفاظ على وحدتـــه و�سيادته

وحتقيق اأمنه وا�ستقراره.

25 اأكـــدت اليمن على احلـــق الثابت جلميع الدول يف امتـــلك الطاقة النووية للأغرا�س ال�سلمية، واحلد من انت�سار االأ�سلحة النووية، واإن�ساء مناطق خالية من

اأ�سلحـــة الدمـــار ال�سامل خا�سة يف منطقـــة ال�سرق االأو�سط. جـــاء ذلك يف الكلمة

التـــي األقاهـــا �سفـــري اليمـــن لـــدى

لـــدى الدائـــم ومندوبهـــا النم�ســـا

الدولية االأمم املتحدة واملنظمـــات

عبـــد احلكيـــم االإريـــاين يف الدورة

الـ54 للموؤتر العـــام للوكالة الدولية

للطاقة الذرية الذي عقد يف فينا خلل

24 اأيلول/�سبتمرب. - الفرتة 20

25 وزيـــر الداخليـــة مطهر ر�ســـاد امل�سري يبحـــث ب�سنعاء مع الوفـــد االأمني ال�سعـــودي برئا�سة

العميد اأحمد الزهراين م�ساعـــد املدير العام للمديرية العامة

ملكافحـــة املخـــدرات اأوجـــه التعاون االأمني بـــني البلدين، خا�ســـة يف جمال جرائم

مكافحة املخدرات واالإرهاب.

25 وزيـــر النقل خالـــد الوزير يلتقي ب�سنعاء اخلبري الـــدويل يف �سيا�سة االأمن وال�سلمـــة البحرية باالحتاد االأوروبي اأدمريال هوبرت دوغوليري، ومديرة برنامج

و�سائل حتقيـــق اال�ستقرار يف املفو�سيـــة االأوروبية ب�سنعاء �سيلـــك بيكوالي. جرى

خـــلل اللقاء مناق�سة االإجراءات النهائية لتجهيز املركز االإقليمي للتن�سيق وتبادل

املعلومـــات ملكافحة القر�سنة البحرية وال�سطو امل�سلـــح على ال�سفن مبنطقة غربي

املحيط الهندي وخليج عدن قبالة ال�سواحل ال�سومالية ومقره الرئي�س �سنعاء.

28 الرئي�ـــس علـــي عبـــد اهلل �سالح يتلقـــى ات�ســـاال هاتفيا من رئي�ـــس املكتب ال�سيا�ســـي حلركة املقاومـــة االإ�سلمية الفل�سطينية »حما�س« خالـــد م�سعل، اأطلعه

خلله على م�ستجدات االأو�ساع على ال�ساحة الفل�سطينية وجهود حتقيق امل�ساحلة

الفل�سطينيـــة – الفل�سطينية، ف�سل عن اإطلعـــه على املعاناة االإن�سانية واالأو�ساع

ال�سعبـــة التـــي يعي�سهـــا اأبناء ال�سعـــب الفل�سطينـــي يف قطاع غزة جـــراء احل�سار

االإ�سرائيلي اجلائر املفرو�س على القطاع.

29 وزير الداخلية مطهر ر�ساد امل�سري يلتقي ب�سنعاء نائب قائد قوات عملية اأتلنتا يف البحرية االأوروبيـــة االأدمريال توما�س ارن�ست والوفد املرافق له بح�سور

رئي�س بعثة االحتاد االأوروبي ب�سنعاء ميكيليه �سريفونه دور�سو، جرى خلل اللقاء

بحث اأوجه التعاون والتن�سيق االأمني بني اليمن واالحتاد االأوروبي �سيما يف ما يتعلق

بالتعـــاون الثنائـــي والتدريب والتاأهيل يف جمال خفـــر ال�سواحل ومكافحة االإرهاب

والقر�سنة البحرية.

ت�سرين االأول/اأكتوبر 2010

3 اختتمـــت ب�سنعـــاء جل�ســـات اأعمـــال امل�ســـاورات الر�سميـــة اليمنيـــة- االأملانية برئا�سة نائب رئي�س الـــوزراء لل�سوؤون االقت�سادية وزير التخطيط والتعاون الدويل

عبدالكـــرمي االأرحبـــي، وال�سفري االأملـــاين ب�سنعاء مايكل كلـــور بري�ستولد وم�سئول

منطقة ال�سرق االأو�سط و�سمال اأفريقيـــا بوزارة التعاون االقت�سادي االأملانية برون

زوول. ووقـــع اجلانبان يف ختام اجلل�ســـات على ثلث اتفاقيات للتعاون الثنائي بني

البلدين، منها اتفاقية الدعم االإ�سايف االأملاين املقدم لربنامج االأمن الغذائي مببلغ

مليونـــني وخم�سمائـــة األف يورو، واالتفاقيـــة التنفيذية لربنامـــج دعم االإ�سلحات

مببلـــغ ثلثة مليـــني و�سبعمائة األف يورو، اإىل جانب االتفاقيـــة التمويلية اخلا�سة

مب�سروع تو�سعة حمطة املجاري يف مدينة اإب مببلغ مليونني وثمامنائة األف يورو.

5 الرئي�ـــس علـــي عبـــد اهلل �سالح ي�ستقبـــل ع�سو اللجنـــة املركزيـــة حلركة فتح

Page 39: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 78 79ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

الفل�سطينيـــة الدكتور نبيل �سعث، املبعوث ال�سخ�ســـي للرئي�س الفل�سطيني، والذي

نقـــل اإليه ر�سالة من الرئي�س حممود عبا�س اأبو مازن تتعلق بتطورات االأو�ساع على

ال�ساحـــة الفل�سطينية يف �سوء املفاو�ســـات الفل�سطينية - االإ�سرائيلية التي ترعاها

الواليات املتحدة االأمريكية.

5 الرئي�ـــس علـــي عبـــد اهلل �سالـــح ي�ستقبـــل وليم برينـــز وكيـــل وزارة اخلارجية االأمريكيـــة، وبحـــث معـــه جوانب العلقـــات الثنائية وجمـــاالت التعـــاون امل�سرتك

القائـــم بني البلديـــن، ونتائج اجتماع جمموعة اأ�سدقاء اليمـــن الذي انعقد موؤخرا

يف نيويورك.

5 جمل�ـــس النـــواب يوافـــق على ان�سمـــام اليمـــن اإىل اتفاقيـــة املنظمـــة الدولية للت�ســـاالت املتنقلة عرب االأقمار اال�سطناعية »االأم�ســـو« ب�سيغتها املعدلة يف عام

.2008

5 اأ�ســـادت الواليات املتحدة االأمريكية بجهود اليمـــن يف مكافحة االإرهاب واأداء اأجهزتـــه االأمنيـــة يف ملحقة عنا�سر تنظيم القاعدة، جـــاء ذلك على ل�سان وكيل

اأول وزارة اخلارجيـــة االأمريكيـــة وليم برينـــز، يف موؤتر �سحفي عقـــده بال�سفارة

االأمريكية ب�سنعاء يف اإطار زيارته لليمن.

6 بلغـــت مديونية اليمـــن اخلارجية، خم�ســـة مليارات و914 مليـــون دوالر بنهاية توز/يوليـــو 2010، اجلـــزء االأكرب منهـــا ملوؤ�س�سات التمويل الدوليـــة مبقدار ثلثة

مليـــارات و126 مليون دوالر. وبح�سب تقرير �سادر عن البنك املركزي اليمني فقد

توزعـــت بقية املديونية على الـــدول االأع�ساء يف نادي باري�ـــس، مبقدار مليار و742

مليـــون دوالر، بينمـــا بلغت املديونية ل�سالح الدول غـــري االأع�ساء يف نادي باري�س،

844 مليون دوالر، واأورد التقرير 201 مليون دوالر مديونية جلهات مل ي�سمها.

6 وقعـــت وزارة النفـــط واملعـــادن، مع �سركة كويـــت اإنرجي للطاقـــة على مذكرة تفاهـــم لتنفيذ درا�سة عـــن ا�ستخدامات واحتياطيات الغـــاز يف اليمن تق�سي قيام

ال�سركـــة بتنفيذ درا�سة ا�ستخدامات الغاز حمليـــا وزيادة املوارد الوطنية من الغاز

الطبيعي اإىل اأق�سى حد ممكن.

6 اأدان الربملان االأوربي ب�سدة االعتداءات التي ا�ستهدفت دبلوما�سيني وموظفني اأوروبيني يف �سنعاء، وقال رئي�ـــس الربملان االأوروبي جري�سي بوزيك يف ت�سريحات

اأدىل بها يف بروك�سل »اإن اعتداءات �سباح االأربعاء وا�ستهداف دبلوما�سيني ورعايا

اأوروبيـــني يف اليمـــن، يوجه اإنذارا للمجتمع الدويل ويدعـــوه للتحرك العاجل لدعم

اليمـــن وتعزيز قدراته يف مواجهة االإرهـــاب والت�سدي للأعمال االإرهابية«، و�سدد

علـــى �ســـرورة م�ساعدة احلكومـــة اليمنية من اأجـــل معاجلة الو�ســـع االأمني وبناء

الدولة.

6 دانـــت اململكة املتحدة وجمهورية فرن�سا، وا�ستنكرتـــا ب�سدة االأعمال االإرهابية التي يتبناها تنظيم القاعـــدة يف اليمن والتي كان اآخرها ا�ستهداف بريطانيني يف

�سنعاء، موؤكدتني اأن تلك االأعمال تزيد من اإ�سرار املجتمع الدويل على دعم اليمن

وتعزيز قدراته ملواجهة التحديات الراهنة ويف مقدمتها االإرهاب وم�ساندة جهوده

على ال�سعد التنموية املختلفة.

7 الرئي�ـــس علي عبد اهلل �سالح ي�ستقبل عبد الرحمن حممد حممود رئي�س والية

بونت النـــد بال�سومال، وجرى يف اللقـــاء تناول العلقات اليمنيـــة – ال�سومالية،

واالأو�ساع يف ال�سومال ومنهـــا االأو�ساع يف والية بونت الند، ونتائج املباحثات التي

اأجراهـــا رئي�س والية بونـــت الند مع امل�سوؤولـــني يف اليمن، باالإ�سافـــة اإىل الق�سايا

املت�سلـــة مبكافحة القر�سنة البحريـــة يف خليج عدن وتن�سيـــق اجلهود املبذولة يف

هذا املجال.

7 الرئي�ـــس علي عبـــد اهلل �سالح ي�ستقبل الدكتور حممد برهـــان الدين، �سلطان البهـــرة، الذي يزور اليمن. وجرى يف اللقاء احلديث حـــول طائفة البهرة والعديد

من الق�سايا التي تهم االأمة االإ�سلمية.

7 عقد يف العا�سمة االأمريكية لقاء مو�سع ملمثلي جمموعة اأ�سدقاء اليمن نظمته وزارة اخلزانـــة االأمريكية علـــى هام�س االجتماع ال�سنوي للبنـــك الدويل و�سندوق

النقد الدويل املنعقد حاليا يف وا�سنطن، بح�سور الوفد اليمني برئا�سة نائب رئي�س

الوزراء لل�سوؤون االقت�سادية وزير التخطيط والتعاون الدويل عبد الكرمي االأرحبي،

ووكيلة وزارة اخلزانة االأمريكية ل�سوؤون العلقات الدولية ليل برينارد.

8 عقـــد الرئي�ـــس علي عبد اهلل �سالـــح والرئي�س الليبي معمـــر القذايف يف مدينة �ســـرت الليبية قمة مينية- ليبيـــة بحثا فيها تطورات االأو�ســـاع الراهنة يف املنطقة

والق�سايا وامل�ستجدات االإقليمية والدولية التي تهم البلدين واالأمة العربية.

9 الرئي�ـــس علي عبـــد اهلل �سالح يلقي كلمة اليمن يف القمـــة العربية اال�ستثنائية التـــي بـــداأت اأعمالها يف مدينة �سرت الليبية، اأكد فيها علـــى االأهمية التي تكت�سبها

هـــذه القمـــة اال�ستثنائيـــة نظرا الأهميـــة املو�سوعات التـــي تناق�سهـــا ويف مقدمتها

مو�سوع تفعيل العمل العربي امل�سرتك وتطوير اآلياته.

11 الرئي�ـــس علي عبـــد اهلل �سالح ي�ستقبل مبقـــر اإقامته بباري�ـــس ال�سيخ حمد بـــن جا�ســـم بن جرب اآل ثاين رئي�س الوزراء وزيـــر اخلارجية بدولة قطر، الذي نقل

لـــه ر�سالة مـــن ال�سيخ حمد بـــن خليفة اآل ثاين اأمـــري دولة قطر تتعلـــق بالعلقات

الثنائيـــة وجماالت التعـــاون امل�سرتك ويف مقدمتها التعـــاون يف املجال االقت�سادي

واال�ستثماري.

11 الرئي�ـــس علـــي عبد اهلل �سالح ي�ستقبل مبقر اإقامتـــه يف العا�سمة الفرن�سية باري�ـــس هوم بوليه، م�ست�سار الرئي�س الفرن�سي للأمن القومي وال�سيد كورما كونقو

رئي�ـــس االأمن اخلارجي الفرن�ســـي وال�سيد �سوار زينيه رئي�س االأمن الداخلي، جرى

خـــلل اللقاء بحث جماالت التعاون اليمنـــي– الفرن�سي، ال�سيما يف املجال االأمني

ومكافحـــة االإرهاب والقر�سنة البحرية، باالإ�سافة اإىل بحث االأو�ساع يف ال�سومال

ومنطقـــة القرن االإفريقـــي، والعديد من الق�سايا التي تهم االأمن يف اليمن وفرن�سا

ومنها التعاون يف جمال تبادل املعلومات والتدريب.

12 عقـــد الرئي�ـــس الفرن�ســـي نيكوال �ساركـــوزي والرئي�س علي عبـــداهلل �سالح بق�ســـر االإليزيه قمة مينية فرن�سية بحثت �سبـــل تعزيز العلقات الثنائية والتعاون

وال�سراكـــة القائمة بني البلدين علـــى خمتلف االأ�سعدة، ومنهـــا التعاون يف املجال

االقت�ســـادي واالأمني ومكافحـــة االإرهـــاب والقر�سنة، باالإ�سافـــة اإىل بحث الدور

الفرن�ســـي لدعـــم اليمن يف اإطار االحتـــاد االأوروبي وجمموعـــة اأ�سدقاء اليمن، يف

�سوء نتائج اجتماع نيويورك وما �سيتم بحثه يف االجتماع القادم يف الريا�س.

فـي 60 يومـااليمن والعامل

12 رئي�ـــس الوزراء الفرن�سي ال�سيد فران�سوا فيون يلتقي الرئي�س علي عبد اهلل �سالح، وجرى يف اللقاء بحـــث العلقات الثنائية وجماالت التعاون امل�سرتك وعلى

خمتلـــف االأ�سعدة ال�سيا�سيـــة واالقت�سادية والثقافية واالأمنيـــة ومكافحة االإرهاب

والقر�سنـــة البحريـــة، و�سبـــل تعزيزها وتطويرهـــا، وملا يحقق امل�سالـــح امل�سرتكة

للبلدين.

13 وقـــع اليمن وبرنامج االأغذية العاملي ب�سنعـــاء مذكرة تفاهم لدعم الفئات املتاأثـــرة بتداعيـــات االرتفاع العاملـــي يف اأ�سعار املواد الغذائيـــة بكلفة ت�سل اإىل 37

مليـــون دوالر، تق�سي بتخ�سي�س الربنامج مبلغ 37 مليـــون دوالر للتو�سع يف عملية

تقـــدمي الدعم الغذائـــي وتديد الربنامج املعـــد يف هذا ال�سدد حتـــى نهاية �سهر

كانـــون االأول/دي�سمرب 2010، وبحيث ي�سمل الدعم ما يقدر مبليون و�سبعمائة األف

م�ستفيـــد ويوزع على 11 حمافظة هي رمية، اإب، عمران، ال�سالع، حجة، املحويت،

البي�ساء، حلج، احلديدة، تعز، و�سبوة.

17 وقعـــت اللجنة العليـــا للنتخابـــات واال�ستفتاء والربنامـــج االإمنائي للأمم املتحدة ومفو�سية االحتاد االأوروبي ب�سنعاء وثيقة م�سروع الدعم االنتخابي بكلفة

اإجماليـــة ت�سل اإىل مـــا يقارب 3 مليـــني دوالر اأمريكي، تخ�س�ـــس لدعم اأن�سطة

م�ســـروع الدعم االنتخابي، واملتمثلـــة بتعزيز قدرات اللجنـــة العليا للنتخابات يف

عملية التوعية االنتخابية، ودعم االأطر القانونية والتنظيمية، ودعم عملية حتديث

�سجل الناخبني، اإىل جانب تثقيف الناخبني واملراقبة املحلية، ودعم زيادة م�ساركة

املراأة يف العملية االنتخابية.

17 وقعـــت يف �سنعـــاء مذكرة تفاهم يف جمال النقل اجلـــوي بني الهيئة العامة للطريان املدين واالأر�ساد و�سلطة الطريان املدين مبملكة البحرين، ت�سمنت تعيني

الناقـــلت اجلوية بحيث تقبـــل اجلمهورية اليمنية اأن تكـــون �سركة طريان اخلليج

و�سركـــة طريان البحرين كناقلت وطنية معينة من قبـــل حكومة مملكة البحرين

وتقبـــل احلكومة البحرينيـــة باأن تكون اخلطوط اجلوية اليمنيـــة وطريان ال�سعيدة

كناقلت وطنية معينة من قبل اجلمهورية اليمنية.

18 وقعـــت اجلمهوريـــة اليمنية يف العا�سمـــة الكويتية، حم�ســـر م�ساهمتها يف احل�ســـاب اخلا�س بتمويل م�ساريع القطاع اخلا�ـــس ال�سغرية واملتو�سطة يف الدول

العربية ومببلغ قدره خم�سة مليني دوالر.

18 افتتـــح ب�سنعـــاء اأعمال املوؤتر الثالث للنفط والغـــاز واملعادن الذي تنظمه وزارة النفـــط واملعادن مب�ساركة 75 �سركـــة عاملية وعربية واأكرث من 500 �سخ�سية

عربية ودولية وحملية يف جمال البرتول والطاقة، ويعر�س املوؤتر على مدى يومني

21 فر�ســـة جاهـــزة لل�ستثمـــار منها ع�سر يف جمـــال النفط والغـــاز ت�سمل ع�سرة

قطاعـــات نفطية مفتوحة �ستة قطاعات برية واأربعـــة قطاعات بحرية، و11 فر�سة

يف جمال ا�ستغلل املعادن وال�سخور ال�سناعية واالإن�سائية.

18 وقـــع ب�سنعاء على هام�ـــس املوؤتر الثالث للنفط والغـــاز واملعادن مذكرتي تفاهـــم الإن�ساء م�سنـــع للرخام واجلرانيـــت واإن�ساء اأول م�سنـــع للجب�س يف اليمن

بتكلفة ا�ستثمارية تقدر بـ38 مليون دوالر، تنفذ امل�ساريع �سركة تريند بلوم ليمتيد،

و�سركة ثروة لل�سناعات اال�ستخراجية.

املتابعـــة جلنـــة وقعـــت 21املنبثقة عن اللجنـــة العليا اليمنية-

ال�سوريـــة امل�سرتكـــة املح�سر اخلتامي

بدم�ســـق، عقـــدت التـــي الجتماعاتهـــا

والـــذي ت�سمـــن االتفاق علـــى اآليـــة املتابعة

بـــني اجلانبـــني وحتديد اإجـــراءات تنفيذ ما مت

االتفاق عليـــه يف اجتماعات الـــدورة العا�سرة للجنة

العليـــا اليمنية ال�سورية امل�سرتكـــة املنعقدة يف اآب/اأغ�سط�س

املا�سي ب�سنعاء.

21 اأو�ســـى االجتماع الدويل للفريق العامل ملحاربة القر�سنة امل�سكل من االأمم املتحـــدة، باعتماد االإ�سرتاتيجية الوطنية اليمنيـــة ملحاربة القر�سنة. واأكد الفريق

خـــلل اجتماعه يف مقر املنظمة البحرية الدوليـــة بلندن اأن االإ�سرتاتيجية اليمنية

ملحاربـــة القر�سنة تعترب خطة فاعلة، وحتتاج اىل تقـــدمي الدعم اللزم لتنفيذها

من املجتمع الدويل.

24 وقـــع ب�سنعـــاء، علـــى اتفاقيتي تويل يف جمـــال االأمن الغذائـــي بني اليمن واملفو�سيـــة االأوروبيـــة بتكلفـــة اإجمالية 24 مليـــون يورو، تقدم املفو�سيـــة االأوروبية

مبوجـــب االتفاقية االأويل تويـــل بقيمة 17 مليون يورو تكر�ـــس لدعم برامج االأمن

الغذائي يف اليمن، فيما ت�سمنـــت اتفاقية التمويل الثانية تخ�سي�س �سبعة مليني

يـــورو مـــن املفو�سية لتمويـــل برامـــج واأن�سطة يف جمـــال االأمن الغذائـــي يف اليمن

وبخا�سة التغذية ال�سحية.

28 عقدت بالعا�سمة االأريرتيـــة اأ�سمرة، قمة مينية - اإريرتية برئا�سة الرئي�س علـــي عبد اهلل �سالـــح والرئي�ـــس اإ�سيا�س اأفورقي بحـــث خللها علقـــات التعاون

امل�ســـرتك بني البلديـــن يف خمتلف املجاالت و�سبل تعزيزهـــا، خ�سو�سا التعاون يف

املجال التجاري واال�ستثمار واال�سطياد ال�سمكي والتعاون االأمني.

29 وقع �سفري اليمن ومندوبها الدائم باملقر االأوروبي للأمم املتحدة واملنظمات الدولية الدكتـــور اإبراهيم العدويف، و�سفري اليابان باملنظمة �سيني�سي كتاجيما، يف

جنيـــف، علـــى االتفاقية الثنائيـــة يف اإطار عمليـــة ان�سمام اليمن ملنظمـــة التجارة

العاملية.

30 الرئي�ـــس علـــي عبد اهلل �سالـــح يتلقى ات�ســـاال هاتفيا من رئي�ـــس الوزراء الربيطاين ديفيد كامريون، جرى خلله بحث علقات التعاون الثنائي بني البلدين

وخ�سو�ســـا يف جمـــال مكافحـــة االإرهاب، يف �ســـوء ما تردد عن �سبـــط ال�سلطات

الربيطانية طرد م�سبوه على من طائرة �سحن كانت متجهة اإىل الواليات املتحدة.

واأكـــد الرئي�س ورئي�ـــس الوزراء الربيطـــاين احلر�س امل�سرتك علـــى تنمية وتو�سيع

التعاون الثنائي بني البلدين يف مكافحة االإرهاب يف اإطار ال�سراكة الدولية ملكافحة

هذا اخلطر الذي يهدد االأمن وال�سلم الدوليني.

30 الرئي�ـــس علـــي عبـــد اهلل �سالـــح يتلقى ات�ســـاال هاتفيا مـــن م�ساعد رئي�س الواليـــات املتحـــدة االأمريكيـــة ل�ســـوؤون مكافحة االإرهـــاب و�سوؤون االأمـــن الداخلي

جـــون بريينان، بحث االت�سال جوانب التعـــاون وال�سراكة القائمة بني البلدين ويف

مقدمتهـــا اجلوانب االأمنية ومكافحة االإرهاب. وتناول االت�سال ما ذكر عن �سبط

طردين م�سبوهني، كانا يف طريقهما اإىل الواليات املتحدة.

Page 40: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 80 81ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ز تركيز االإعلم الربيطاين على امراأة م�سلمة يربم

بريطانيـــة �سابـــة قامت بطعن ع�ســـو يف الربملان

الربيطـــاين ال�سهـــر املا�سي مرة اأخـــرى منظورا

مظلما علـــى اليمن. وبح�سب �سحيفة الغارديان،

قالت رو�سونـــارا ت�ساودري، الطالبـــة البالغة من

العمر 21 عامـــا والتي طعنـــت ال�سيا�سي لدعمه

احلـــرب يف العراق، لل�سرطة اأنها »كانت ت�سغي

ملحا�سرات اأنور العولقـــي ... اإنه عاملم اإ�سلمي

يعي�س يف اليمن«.

وبينمـــا يركـــز االإعـــلم علـــى خطـــب العولقي

علـــى �سبكـــة االإنرتنـــت ودوره يف اإطـــلق جملة

القاعـــدة اجلديـــدة وعلـــى معركـــة احلكومـــة

اليمنيـــة املتوا�سلة �سد القاعـــدة، جرى اإغراق

اليمـــن احلقيقي يف ظلم اإعلمـــي. اإال اأن هذا

الطرح بالـــذات، وهو اخلا�ـــس بغالبية ال�سكان

ولي�س جمـــرد ب�سع مئـــات مـــن املت�سددين، هو

الذي ميلك مفتاح تفهم اأف�سل، فيك�سر ال�سور

النمطيـــة ورمبـــا يـــوؤدي يف النهايـــة اإىل تطرف

اأقل.

يجل�ـــس اأبـــو بكـــر ال�سماحـــي، اليمنـــي املولود يف

بريطانيـــا والبالغ من العمر 21 عاما داخل مقهى

قرب حمطة »كينغز كرو�س« بو�سط لندن يحت�سي

ال�سوكوال ال�ساخنة ويتحـــدث بعاطفة جيا�سة عن

وطنه االأ�سلي. وهو ال يتحدث بتاتا عن التطرف.

بـــدال من ذلك يتحـــدث عن الف�ســـاد وخوفه من

اأال ت�ســـرف اأموال املانحني ب�ســـكل �سحيح على

التنميـــة على املـــدى البعيـــد. وي�سحـــك اأبو بكر

من حماوالت االأهايل اليمنيني ترتيب العلقات

الزوجية، ويتغنى بجمال مدينة �سنعاء القدمية.

مل يتاأثر اأحد يعرفه بخطب العولقي املتطرفة.

هـــذا هو اليمـــن احلقيقـــي. لي�س هـــو طروحات

العولقـــي الزائفة حول مين يكـــره الغرب ويدرب

مـــا يقطنـــه بلـــد اإنـــه املت�سدديـــن. املتمرديـــن

يزيـــد على 22 مليـــون �سخ�س، اأكـــرث من �سبعني

باملائـــة منهم حتـــت �ســـن اخلام�ســـة والع�سرين،

ينا�ســـل من اأجل التطـــور واالن�سمام اإىل منظمة

التجـــارة العاملية. هذا ما يخرب بـــه �سباب اليمن

الـــذي يتحـــدث االإجنليزية العامل علـــى �سفحات

الفي�سبـــوك. اجتـــذب الكندي من اأ�ســـول مينية،

ع�سمت االأخايل، وعمره 32 �سنة، اأكرث من 4500

م علـــى �سفحتـــه وعنوانها »اأنـــا اأعرف م�ستخـــدم

�سخ�سا يف اليمن، وهو/هي لي�س اإرهابيا!«، التي

اأطلقها يف كانون الثاين/يناير. وموؤخرا، اأطلقت

ال�سابة اليمنيـــة اأطياف اأ. م�سروع فيديو اأ�سمته:

»اأنا مينية، ل�ست اإرهابية«.

مـــع ذلك، يقـــول العولقي يف مقابلـــة اأجراها يف

�سهـــر اأيار/مايو املا�سي اأنه تتع بحرية احلركة

بـــني القبائـــل اليمنية الأن »اأهـــل اليمن يكرهون

االأمريكيني.« هذا لي�س �سحيحا. فاأغلب �سباب

اليمـــن يتعلمون اللغة االإجنليزيـــة الأنهم، وفيما

عـــدا كونها اللغة العامليـــة يف عامل االأعمال، هم

يحلمون بالهجرة اإىل الواليات املتحدة اأو اأوروبا

للدرا�سة اأو العمل.

لليمنـــي بالن�سبـــة اليوميـــة ال�ســـكاوى تعتـــرب

ال�ساب العادي اأكـــرث اأهمية من ال�سيا�سة. ياأمل

اخلريجـــون اأن يجـــدوا عمل، ويكافـــح ال�سباب

لتجميع ما يكفي من الوظائف حتى يتمكنوا من

الـــزواج. ويكافح املتزوجون اجلـــدد �سد زيادة

االأ�سعـــار. يعي�س حوايل ن�سف ال�سكان على اأقل

مـــن دوالريـــن يف اليـــوم، بينما تبقـــى موؤ�سرات

النمـــو االقت�ســـادي، مثـــل �ســـوء التغذيـــة عند

االأطفال ون�سبة الوفيـــات عند الوالدة ومعدالت

التح�سيل العلمـــي، �سعيفة جدا ح�سب برنامج

الغذاء العاملي التابع للأمم املتحدة.

ويف �سمال البلد، نزح مئات االآالف من اليمنيني

نتيجة ل�ست جــــوالت من احلروب بني احلكومة

واملتمرديــــن احلوثيني. اأمــــا يف اجلنوب فتهدد

حركة انف�سالية متناميــــة وحدة الدولة، بينما

ي�ســــل اآالف اللجئني وال�ساعني للح�سول على

اللجوء واملهاجرين االقت�ساديني، اإىل ال�ساحل

من القرن االإفريقي. وعلى م�ستوى الدولة ككل،

�ســــوف يكافح اجليل التــــايل للح�سول على ماء

ال�سرب بينما ي�ستمر �ســــكان الدولة يف الزيادة

وبينمــــا ت�ستنفــــذ مياههــــا اجلوفيــــة امل�ستهلكة

اأ�سل وب�سرعة.

وبدال مــــن الرتكيز دائما على القاعدة، يتوجب

ز جهود املبادرات علــــى االإعلم الدويل اأن يــــربم

اليمن هو اأكثـر مما نراه يف الأخبار

عني على اليمن فـي 60 يومـا وجهات نظرحتليالت

اليمن والعامل

األي�ض هاكمان

خدمة »االأر�سية امل�سرتكة« االإخبارية

10 كانون االأول/دي�سمرب 2010\

حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*

* التحليلت الواردة تعرب عن اآراء كتابها فقط.

Resonate! Yemen التي يقودهــــا ال�سباب مثــــل

و«اأنـــا من اأجل بلدي«، و«عيـــون �سابة«، و«برملان

اأطفال اليمن« للتعامل مـــع بع�س ق�سايا الدولة

االأخـــرى. ويتوجب عليه عر�ـــس جهود اأ�سحاب

االأعمـــال املبدعـــني مثـــل حيـــاة احلب�ســـي التي

اأن�ساأت جمعية مل�ساعدة الفتيات من املجتمعات

املهم�سة على الذهاب اإىل املدار�س.

يتوجـــب على االإعـــلم كذلك اأن يـــربز التبادل

االإيجابـــي بني املجتمعات امل�سلمـــة يف بريطانيا

واليمـــن، مثل اجلمعية الربيطانيـــة ال�سومالية

اخلرييـــة التـــي �ساعـــدت علـــى اإن�ســـاء مراكـــز

ح�سانة يومية للأمهـــات اللجئات ال�سغريات

يف �سنعاء يف بداية هذه ال�سنة.

وميكن للمزيد مـــن تركيز االإعلم على التغيري

الـــذي تقـــوده املجتمعـــات يف اليمـــن، بـــدال من

االإرهـــاب، اأن يجابـــه ال�سور النمطيـــة ال�سلبية

لكل من اليمنيـــني وامل�سلمني يف الغرب. و�سوف

ينتج عن ذلـــك املزيد من االحـــرتام للم�سلمني

يف الغـــرب وم�ساعر اأقل من االنعزال اأو الغ�سب

بـــني اأطفالهم، ورمبا اأ�سباب اأقل للإن�سات اإىل

واعظ متطرف من حيث املبداأ.

ك�سفت جملة »ال�سيا�سة اخلارجية« موؤخرا عن �سغوط

خارجية، خا�سة من قبـــل الواليات املتحدة االأمريكية

واأوروبا، تار�س �سد اأع�ساء جمل�س التعاون اخلليجي

للتعجيـــل يف قبـــول اليمن كع�سو كامـــل يف هذا التكتل

اخلليجـــي، حيث يتوقع اأن اأع�ســـاء املجل�س �سيتخذون

قرارهـــم النهائي بهذا ال�ساأن يف القمـــة املقبلة املقرر

انعقادها يف اأبو ظبي يف كانون االأول/دي�سمرب2010.

اأذكر باأن قادة اخلليـــج وافقوا يف 2001 بقمة م�سقط،

علـــى االن�سمام اجلزئي لليمـــن اإىل منظومة اخلليج،

لذلـــك نرى اليمـــن ع�ســـوا يف كل من جلـــان التعليم،

ال�سحـــة، ال�سوؤون االجتماعية والعمـــل ومباريات كرة

القدم. لكـــن قبل اأن يكون هنـــاك ان�سمام كامل لهذا

اجلار اجلنوبـــي، يجب اأن نرجع اإىل الهدف االأ�سا�سي

الذي من اأجله مت اإن�ساء املجل�س. ويف الوقت ذاته، البد

من ت�سطري الو�ســـع الداخلي يف اليمن والتهديد الذي

مـــن املمكـــن اأن ي�سكله على ا�ستقـــرار ووحدة اخلليج.

وثمـــة �سوؤال يطرح نف�سه: هل هنـــاك �سرعية للواليات

املتحـــدة االأمريكيـــة واحتـــاد االأوروبـــي الأن ميار�ســـا

�سغوطـــا على دول املجل�س للتعجيل يف ان�سمام اليمن

اإىل النادي اخلليجي؟

النظام االأ�سا�سي ملجل�ض التعاون

ت�سري املـــادة اخلام�سة مـــن النظـــام االأ�سا�سي ملجل�س

التعـــاون اخلليجـــي اإىل اأن املجل�س )يتكـــون من الدول

التي ا�سرتكت يف اجتماع وزراء اخلارجية يف الريا�س

اإىل النظـــام يتطـــرق هـــذا 1981/2/4(، وال بتاريـــخ

اإمكانيـــة ان�سمـــام الـــدول االأخرى اإىل هـــذا التحالف

االإقليمـــي، لكـــن، ت�سمح املـــادة ال�سابعة، مـــن النظام

ذاته، للمجل�س االأعلى بــــ »تعديل هذا النظام«. تعديل

يف اإمكانيـــة االن�سمام ي�سمح للـــدول االأخرى، كاليمن

مثل، بتقـــدمي طلباتها باالن�سمـــام اإىل هذه امللحمة.

اأ�ســـف اإىل ذلك اأن النظـــام االأ�سا�سي ي�سري، يف بداية

الديباجـــة اإىل اأن االأ�سا�ـــس يف بناء هـــذا التحالف هو

ت�سابه اأنظمة الدول االأع�ســـاء فيما بينها. وهذا يعني

اأنه مـــن دون هذا الت�سابه، ي�ستحيـــل اإن�ساء وا�ستمرار

مثـــل هـــذا التكتل، مما يـــدل على اأن الـــدول االأع�ساء

تنظر اإىل عن�سر الت�سابه بني االأنظمة ك�سرط اأ�سا�سي

يف بناء وحدة املجل�س.

غـــري اأنه وقبل اأن يبا�سر املجل�ـــس االأعلى يف قبول هذا

الطلـــب اأو رف�ســـه، يجـــب اأن يفكر يف تعديـــل النظام

االأ�سا�ســـي واإدراج مـــادة ت�سمح لدول اجلـــوار بتقدمي

طلبـــات ان�سمـــام مقابـــل اأن يوافـــق املجل�ـــس االأعلـــى

على هـــذا الطلب بغ�ـــس النظر عـــن موا�سفات نظام

الـــدول املتقدمـــة بالطلـــب. ويجـــب االإ�ســـارة هنا اإىل

الهدف االأ�سا�ســـي االأويل الذي اأن�سئ من اأجله جمل�س

التعـــاون اخلليجي: االأمـــن االإقليمي. ونذكـــر باأن هذا

التكتـــل ال�سيا�سي قد اأن�سئ يف فـــرتة احلرب العراقية

- االإيرانيـــة، وخوف دول املجل�س مـــن اأن يكون هناك

ت�سديـــر للثـــورة االإيرانيـــة، اأو على اأقـــل تقدير تدخل

يف ال�سوؤون الداخلية مـــن قبل القوة اجلديدة املهيمنة

اإقليميـــا. لذلـــك قامت دول اخلليـــج مب�ساندة العراق،

علـــى اأقل تقديـــر ماليا و�سيا�سيـــا، يف حربه ال�سرو�س

�سد اإيران يف ثمانينيات القرن املا�سي.

اإذن، ال�سوؤال الذي يطـــرح نف�سه، يف هذه املرحلة، هو

هل من املمكن اأن يقبل املجل�س االأعلى ملنظومة اخلليج

التعديـــل على النظام االأ�سا�سي مبـــا يتطابق وان�سمام

اأع�ساء جوار جدد؟ اإذا كانت االإجابة على هذا ال�سوؤال

»نعـــم«، فيجـــب علـــى القـــادة اأن يفكـــروا يف م�ستقبل

املنظومة ودورها يف احتـــواء مع�سلت املنطقة. حيث

مـــن املمكن اأن ن�سمع م�ستقبل بطلب العراق، اإيران اأو

باك�ستـــان باالن�سمام اإىل هـــذه امللحمة. فملف العراق

على �سبيل املثال من املمكـــن اأن ياأخذ منهجا �سيا�سيا

واقت�ساديـــا يف الوقت ذاته. فاملنهـــج ال�سيا�سي يتمثل

يف اإمكان دول اخلليج تقومي ال�سيا�سة الداخلية للعراق

بعـــد ويلت الغزو االأمريكي. وهـــذا يعني جعل العراق

يبتعـــد �سيئا ف�سيئا عن التدخـــلت االإيرانية يف �سوؤونه

الداخليـــة وجلبه اإىل �سداقـــة �سيا�سية مع دول اخلليج

العربية، مما يعني �سمنيا �سداقة مع القوى االأجنبية.

امللحمـــة دور فيتمثـــل يف االقت�ســـادي، املنهـــج اأمـــا

اخلليجيـــة يف اإجبار تقـــومي االقت�ســـاد العراقي حتى

يتطابق ومتطلبات املجل�س اخلليجي. اأ�سف اإىل ذلك،

املوقع اجلغـــرايف واملكانة احل�ساريـــة التي حتظى بها

بلد الرافديـــن. لكن، هل من املمكن اأن ي�ستبعد قادة

اخلليج طلب ان�سمام العراق ملجل�س التعاون اخلليجي

يف امل�ستقبل القريب؟

اأمـــا امللف االإيراين، على الرغم من تعار�سه مع هدف

االإن�ســـاء االأ�سا�ســـي للمجل�س والنظـــرة االإيرانية الأمن

املنطقـــة التـــي تتعار�س مـــع نظرة العـــرب، فلبد اأن

نواجه هذا الطلب بكل مو�سوعية. فاإيران قوة اأ�سا�سية

�سليمان ال�سق�سي

جملة »اآراء حول اخلليج«

كانون االأول/دي�سمرب 2010

اليمن: ع�شو يف املنظومة اخلليجية

Page 41: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 82 83ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

يف ميـــاه اخلليـــج، وحت�سنت علقاتهـــا موؤخرا مع دول

اخلليج العربيـــة. وجند اأنها حتظـــى بعلقات وطيدة

مـــع �سلطنة عمان ودولة قطـــر، وحت�سنت علقاتها مع

بع�ـــس دول اخلليج كالكويت وقطـــر وال�سعودية. لكن،

الربنامج النـــووي االإيراين - على الرغم من اختلف

وجهة نظر قادة اخلليج حول هذا الربنامج- واالحتلل

االإيـــراين للجـــزر االإماراتيـــة الثلث يف ميـــاه اخلليج

العربي، هما مو�سوعـــان يعرقلن، ب�سكل قاطع، ملف

االن�سمـــام اإىل املجل�س اخلليجي. لكـــن جتدر االإ�سارة

هنا اإىل رغبة اإيران يف اإن�ساء نظام �سيا�سي موحد بني

دول املنطقـــة حفاظا على اأمن االإقليم اخلليجي، بعيدا

عن التدخلت االأجنبية فيه.

واأخـــريا، نظـــرا للـــدور الذي مـــن املمكـــن اأن تقوم به

باك�ستان يف حماية اأمـــن اخلليج، وذلك نظرا الرتباط

مياه اخلليج وبحر عمان بال�سواحل الباك�ستانية، فلبد

اأن ننظـــر، وب�ســـكل جـــدي، اإىل احتمـــال تقـــدمي طلب

ان�سمام اإ�سلم اأباد اإىل امللحمة اخلليجية.

اخلليـــج اأمـــن ت�ســـرتك يف حمايـــة الـــدول هـــذه كل

العربي. اأ�ســـف اإىل ذلك ا�سترياد دول اخلليج العربية

لليـــد العاملـــة مـــن بع�س هذه الـــدول، بجانـــب القرب

اجلغـــرايف هـــل هذا يكفي لتقـــدمي طلـــب ان�سمام اإىل

جمل�ـــس التعـــاون؟ يجـــب اأن ينظـــر القـــادة اإىل ملـــف

ان�سمـــام اأع�ساء جدد بحذر �سديد، حيـــث اإن التو�سع

مـــن املمكن اأن يفقـــد الرتابط بـــني االأع�ساء احلاليني

ممـــا يعني بدايـــة �سعـــف جمل�ـــس كمنظمـــة اإقليمية.

ولي�ســـت ملفات اإيران والعراق وباك�ستـــان اإال اأمثلة من

املمكـــن اأن تطبق على اأر�ـــس الواقع ويكون هناك طلب

ان�سمام. اأما بالن�سبـــة مللف اليمن لن�سع عد�ستنا على

الو�ســـع الداخلي يف اليمن الذي مـــن املمكن اأن ي�سكل

العائـــق االأ�سا�ســـي الن�سمام هـــذه الدولـــة العربية اإىل

النـــادي اخلليجي، فعدم اال�ستقـــرار ال�سيا�سي و�سعف

االقت�ساد وانت�ســـار الف�ساد، كل هـــذه العوامل ت�سعف

احتمال قبول ان�سمام اليمن.

الو�سع الداخلي يف اليمن واال�ستقرار

اخلليجي

ال ميكـــن اأن يتجاهـــل قادة اخلليـــج الو�ســـع الداخلي

يف اليمـــن اأثنـــاء مناق�ستهم ان�سمام هـــذه الدولة اإىل

جمل�س التعاون. فلو نظرنا اإىل تقييم جملة »ال�سيا�سة

اخلارجية« لليمن يف درا�ستها للدول الفا�سلة يف العامل

لل�سنـــوات االأربع املا�سيـــة، لوجدنـــا اأن م�ستوى اليمن

يف تدهـــور م�ستمـــر، حيث اأن اليمن حتـــول من املرتبة

الــــ24 يف عـــام 2007 اإىل املرتبـــة الــــ15 يف 2010 يف

مقيا�س الدولة الفا�سلة، فالو�سع الداخلي يف اليمن ال

ميكن اأن ي�ستهان به يف ملـــف الع�سوية ملنظومة اأمنية

كمجل�س التعاون اخلليجي.

وكنظـــرة داخليـــة يف ال�ســـوؤون اليمنية، مـــا زال اليمن

يعاين مـــن م�ســـكلت ف�ساد تثقـــل الكاهـــل ال�سيا�سي

للدولـــة، حيـــث ي�سري تقرير ملـــف الف�ســـاد يف اليمن،

ال�سادر عـــن مكتب امل�ساعـــدات االأمريكية لليمن اإىل

اأن »هيـــاكل الدولـــة اليمنيـــة �سعيفة جـــدا«، اإذ ي�سري

هـــذا التقريـــر اإىل اأن ال�سيطـــرة االجتماعيـــة يف هذه

الدولة تتم عن طريـــق توزيع امل�سالح للنخب بدال من

ا�ستخـــدام االإجـــراءات املوؤ�س�ساتيـــة لتوفـــري مثل هذه

اخلدمـــات. واأدت هذه العملية اإىل اإ�سعاف املوؤ�س�سات

الر�سمية، مما جعل عملية بنـــاء الدولة �سعبة. اأ�سف

اإىل ذلك، وهذا ما اأ�سار اإليه التقرير نف�سه، اأن اليمن

يعـــاين من ف�ســـاد اإداري وا�ســـح – ب�سكل تعـــود عليه

ال�سعـــب ومل ينكـــروه يف جمـــاالت اأ�سا�سيـــة كالق�ساء،

ال�سرطة والربملان. وكتقييـــم ملوؤ�سر الف�ساد يف اليمن،

قـــدرت منظمـــة ال�سفافيـــة العاملية، يف عـــام 2009 اأن

حجـــم الف�ساد يف اليمن كبري جـــدا، حيث احتل اليمن

املرتبـــة الـ 154 عامليـــا يف مكافحة الف�ســـاد، من اأ�سل

180 دولة.

وبعـــد اأن توحـــد �سطرا اليمن، منـــا االقت�ساد الوطني

اليمني نوعـــا ما، لكن �سرعان ما انهار هذا االقت�ساد

من عدة نواح لعدة اأ�سباب منها : -1 ترحيل ال�سعودية

ملا يقـــارب املليـــون ميني مـــن بلدها وذلـــك مل�ساندة

احلكومـــة اليمنيـــة العـــراق يف غزوه �ســـد الكويت.-2

احلـــرب االأهليـــة التـــي ن�سبـــت بالبـــلد عـــام 1994،

اأحدثـــت هذه احلرب دمـــارا كبـــريا يف البنية التحتية

للجار اجلنوبي. اأ�ســـف اإىل هذه القائمة الهجرة غري

�سرعيـــة التي يعاين منها اليمن ب�سكل م�ستمر من قبل

اللجئني ال�سوماليـــني. فاليمن يفتقر اإىل اال�ستقرار

ال�سيا�ســـي حتى ي�ستطيع اأن ي�سبع حاجاته االقت�سادية

ب�سكل ع�سري. لهذا، �سمت االأمم املتحدة اليمن اإىل

قائمة الدول االأكرث فقرا يف العامل.

وتطبيقـــا لنظرية )الدومينو( التـــي تقول اإذا »�سففنا

قطـــع الدومينـــو واقفـــة اأمـــام بع�سها بع�ســـا وحركت

القطعـــة االأوىل باإ�سبعـــك، فاإن قطـــع الدومينو �سوف

تتحـــرك كلهـــا وراء بع�سهـــا نتيجـــة حلركـــة القطعـــة

االأوىل، ممـــا يـــوؤدي اإىل انهيـــار كل القطـــع«، فاملوقف

الداخلي يف اليمن من املمكن اأن يوؤثر �سلبا يف ا�ستقرار

دول اخلليـــج العربية. وبكلمـــات اأخرى، من املمكن اأن

تتاأثـــر دول اجلوار بـ »الف�سل« اليمني مما يعني تدهور

االأو�ســـاع الداخلية لدول املنطقة، مـــا يعطي االنطباع

بتطبيق نظرية الدومينو باأف�سل م�ستوياتها.

ال�سغوط اخلارجية

يف عامل يت�سم بالفو�ســـى، بح�سب ما تنتهجه املدر�سة

املرجعيـــة اأن نـــرى الدوليـــة، للعلقـــات الواقعيـــة

االأ�سا�سيـــة هـــي �سيـــادة الدولـــة. فكمـــا ذكـــرت جملة

»ال�سيا�سة اخلارجية« اأن دول املجل�س تتعر�س ل�سغوط

خارجية من قبل الواليات املتحـــدة واالحتاد االأوروبي

للتعجيـــل بقبول اليمن يف امللحمـــة اخلليجية. وتعودت

دول اخلليج يف �سوؤونها اخلارجية اأن تنتهج منهج عدم

التدخـــل يف �ســـوؤون الغـــري مقابل اأن يعاملنـــا االآخرون

باملثـــل. لكـــن نـــرى اأن مثـــل هـــذه ال�سغـــوط تتعار�س

مـــع املنهجيـــة اخلليجية التـــي من املمكـــن اأن توؤدي يف

حالـــة قبـــول ال�سغـــوط اأو رف�سها اإىل اإعاقـــة امل�سالح

اخلليجيـــة امل�سرتكـــة. ومل يقبـــل االحتـــاد االأوروبي اأي

�سغـــوط خارجية ب�ســـاأن امللف الرتكـــي للن�سمام اإىل

اأوروبـــا. ومل تقم الواليات املتحـــدة با�ستخدام طاقتها

الدبلوما�سيـــة لل�سغـــط على اأوروبا يف هـــذا امللف. ومت

رف�س امللـــف الرتكي من قبـــل اأوروبا الأ�سبـــاب تختلف

تباعا مع كل ما تدعو اإليه الدميقراطية االأوروبية. لكن

باملقابل، يف ملف اليمن، جند اأن اأوروبا ت�سعى جاهدة

مع وا�سنطن، لل�سغـــط دبلوما�سيا على دول اخلليج يف

م�ساألة امللف اليمني.

ال ميكن اأن جنزم بالرد اخلليجي جتاه هذه ال�سغوط.

لكن، وبكل تاأكيد، توؤثر هذه ال�سغوط يف العلقات بني

الطرفـــني. فاخلليـــج يعتمد يف م�ساألـــة االأمن على قوى

خارجيـــة قد ي�سطـــر اخلليج للقبـــول باليمن رغبة من

الـــدول املوؤ�س�سة يف عدم اخلد�ـــس مب�ساحلها الوطنية

مبكعـــب االأمن مع الـــدول العظمى، ممـــا يعني فقدان

االأهميـــة التي توليهـــا كل دولة يف الوقـــت الراهن لدى

املجل�ـــس، فت�سبح هذه املنظومة بنايـــة خاوية لي�س لها

اأي قوة يف تطبيق قراراتها.

اأخـــريا ال يـــزال اليمـــن »دولة قليلـــة التطـــور« بح�سب

اللفـــظ امل�ستخـــدم ملنظمة التجـــارة العامليـــة، التي مل

ين�سم اإليها اليمن بعـــد. وتعرت�س هذه الدولة عقبات

كثرية حتى يتمكن من تقومي اقت�ساده الوطني، ون�سري

هنـــا اإىل اأن عـــدد �سكان اليمـــن ي�ســـل اإىل 20 مليون

ن�سمـــة، ربعهـــم يعي�س حتـــت م�ستوى الفقـــر وربع اآخر

يعاين من البطالة. وي�سل الناجت االإجمايل لهذا البلد

اإىل 26.5مليـــار دوالر لعـــام 2008، هـــذا يجعل ن�سيب

عني على اليمن اليمن والعامل

الفرد من الناجت املحلي 1160 دوالرا �سنويا. واإذا قارنا

هذه االأرقـــام باأرقام دول اخلليج، فاإننـــا �سنجد فرقا

�سا�سعـــا، يجعلنا نفكر يف م�ساألة ان�سمام اليمن ب�سكل

اأمنـــي واقت�ســـادي يف الوقـــت نف�سه. اأ�ســـف اإىل هذه

الت�سل�ســـلت الرتكيبة الطبقيـــة االجتماعية يف اليمن

التي تختلف جدا مقارنة بجريانها اخلليجيني.

ال اأود اأن اأعرقـــل م�سروع االن�سمام اليمني اإىل امللحمة

اخلليجية. لكن، ما اأود ت�سطريه هنا هو اأن الوقت لي�س

منا�سبـــا ملثل هـــذا االن�سمام الأ�سباب اأمنيـــة و�سيا�سية

واقت�ساديـــة. واأقرتح، من هـــذا املنرب اأن يقوم املجل�س

بو�سع �ســـروط اقت�سادية واأمنية يجـــب على اليمن اأن

يحـــاول حتقيقها، حتى يحق لـــه االن�سمام اإىل امللحمة

اخلليجيـــة ومـــن دون اأي معوقات. فـــاإذا كانت الرغبة

اليمنية �سادقة يف االن�سمـــام مع حتمل م�ساألة اليمن،

ف�ســـرنى حت�سنـــا يف االقت�ســـاد الوطنـــي ويف امل�سائـــل

االأمنية، غـــري اأن التعجيل يف م�ساألة القبول قد ي�سعف

قوة املجل�س.

يف 25 كانـــون االأول/دي�سمـــرب 2009 حـــاول االإرهابـــي

املر�ســـل من قبـــل تنظيـــم “القاعدة يف �سبـــه جزيرة

العـــرب” تفجري رحلة رقم 253 التابعة ل�سركة “نورث

وي�ســـت اإيراليـــن” يف �سمـــاء مدينـــة ديرتويـــت بوالية

�سيغـــن االأمريكية، ومنـــذ ذلك احلني بـــرزت ق�سية مم

اال�ستقـــرار يف اليمـــن كاأحـــد اأولويات االأمـــن القومي

االأمريكـــي. ورغم تل�سي املخـــاوف التي تلت احلادثة

اإال اأن االأ�سابيـــع االأخرية �سهدت ما يوحي باأن التهديد

الـــذي ت�سكله “القاعدة يف جزيـــرة العرب” يف اليمن

قـــد فـــاق التهديد الـــذي ت�سكله “القاعـــدة املركزية”

كتهديـــد رئي�سي للأمن القومـــي االأمريكي. وياأتي هذا

التقييـــم مـــن منطلـــق ا�ستمـــرار تدهـــور االأو�ســـاع يف

اليمن، وت�ســـاءل خيـــارات ال�سيا�ســـة االأمريكية اأمام

تزامن االأزمات يف اليمن.

كما باتت “القاعـــدة يف جزيرة العرب” تثل تنظيما

خطريا �سريع التفكري والتحركات، وذلك نظرا ل�سجل

العمليات املتزايدة �سواء علـــى امل�ستوى املحلي اليمني

اأو امل�ستويـــني االإقليمي والدويل، حيـــث كانت القاعدة

وا�سحـــة يف اأهدافهـــا املر�سومـــة، بـــل ونفـــذت مرارا

وعيدها. وقد عمق هذه املخاوف وجود الداعية الديني

اليمنـــي - االأمريكـــي املقيـــم يف اليمن اأنـــور العولقي،

ودوره املزعـــوم يف حتري�س االأجانـــب الناطقني باللغة

االإجنليزية على االنخـــراط يف اأعمال العنف والقتال.

وهناك اأي�سا خماوف متنامية حول تورط عنا�سر من

جن�سيـــات غربية، خا�ســـة ذوي اجلن�سيـــة االأمريكية،

يف املخططـــات االإرهابيـــة املحليـــة املزعومـــة املتعلقة

اأو املرتبطـــة باليمـــن و”القاعدة يف جزيـــرة العرب”

واأنور العولقي. علوة على ذلك، حتولت اليمن نف�سها

مـــن ميـــدان لل�سرتاحـــة والتدريب اإىل م�ســـرح فعلي

للجهاد.

وتتناول هذه املقالة تطـــور وتغري التهديد الذي ت�سكله

“القاعـــدة يف جزيرة العـــرب”، مبا يف ذلك احتمال قيـــام اجلماعـــة بتجنيد عـــدد من االأمريكيـــني. اأي�سا

ت�ستعر�س كيف اأن القاعدة ا�ستطاعت اأن حتول اليمن

اإىل م�سرح للجهاد من خلل اإتباع ا�سرتاتيجية تهدف

اإىل خلـــق حالة من عدم اال�ستقـــرار يف الدولة وقواتها

االأمنية.

قيا�ض مدى التهديد

وفقا لتقارير و�سائل االإعلم، اأ�سارت موؤخرا تقديرات

جمتمـــع املخابـــرات االأمريكية اإىل وجـــود حوايل 100

مقاتـــل مـــن مقاتلـــي القاعـــدة يف اأفغان�ستـــان، ومـــا

يقرب مـــن 300 مقاتل يف باك�ستـــان. ورغم االعرتاف

ب�سعوبة احل�سول على اأرقام دقيقة حلجم “القاعدة

يف جزيـــرة العـــرب” لكـــن التقديـــرات امل�ست�سهد بها

دومـــا ت�سري اإىل وجـــود مئات املقاتلـــني يف اليمن، من

بينهـــم مينيـــني و�سعوديـــني وجن�سيـــات عربيـــة اأخرى

اإىل جانـــب بع�س االأجانب مبن فيهـــم الغربيني، حيث

مت منـــذ كانـــون الثاين/ينايـــر 2009 قتـــل واأ�سر ما ال

يقـــل عن 12 م�ستبها من جن�سيـــات عربية غري مينية،

يف حـــني اعتقلـــت ال�سلطات اليمنيـــة 50 اأجنبيا ي�ستبه

وهم يف تورطهم مـــع “القاعدة يف جزيـــرة العرب”،

مـــن جن�سيات بريطانيـــة وفرن�سيـــة وماليزية وغريها

مـــن اجلن�سيات االأخرى. ويقـــال اإن هناك 12 اأمريكيا

من بني اخلم�سني اأجنبيـــا املحتجزين يف اليمن، رغم

قلـــة املعلومات املتوفرة حـــول و�سعهم القانوين و�سبب

اعتقالهم.

ولقـــي نوع االإغـــراء الذي يوفـــره اليمـــن تغطية كبرية

نظرا للقلق الكبري حيال الغربيني الذين ي�سافرون اإىل

اليمـــن، ففي كانـــون الثاين/ينايـــر 2010 اأ�سار تقرير

�ســـدر عن جلنة العلقـــات اخلارجية مبجل�س ال�سيوخ

االأمريكـــي اإىل اأن مـــا ال يقـــل عـــن 36 اأمريكيـــا ممن

اأدينـــوا �سابقـــا واعتنقوا االإ�ســـلم اأثنـــاء اإقامتهم يف

ال�سجـــن �سافروا اإىل اليمن عـــام 2009 بغر�س درا�سة

اللغـــة العربية. وبح�ســـب التقرير املقدم مـــن اللجنة،

فقد اختفى بع�س اأولئك املدانني �سابقا وي�ستبه باأنهم

ان�سموا اإىل “القاعدة يف جزيرة العرب”.

وقد اتخذت احلكومة اليمنية بع�س االإجراءات ملعاجلة

هـــذه الق�سايـــا، اإذ اأ�سبحت فرتة االنتظـــار للح�سول

علـــى التاأ�سرية اأطـــول االآن؛ وبح�سب احلكومة اليمنية

مل يعد اإعطـــاء التاأ�سرية ممكنا مبجـــرد الو�سول اإىل

مطار �سنعاء الدويل. اإ�سافة اإىل ذلك، ونظرا لتدهور

الو�سع االأمني يف البلد )والتقارير املبالغ فيها اأحيانا

عن �ســـوء االأو�ساع هناك(، قل عدد الطلب االأجانب

الدار�سني اللغة العربية يف اليمن.

وعند املقارنـــة مبا تواجهه القيـــادة العليا للقاعدة يف

جنوب اآ�سيـــا، جند اأن “القاعـــدة يف جزيرة العرب”

تواجـــه �سغطـــا اأقـــل بكثري، فقـــد كان لوجـــود القوات

الع�سكريـــة االأمريكيـــة الكبري يف اأفغان�ستـــان واحلملة

كري�ستوفر بوت�سيك

جملة »�سي تي �سي �سينتينل« االأمريكية

اأيلول/�سبتمرب 2010

خطر الإرهاب املتنامي يف اليمن

Page 42: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 84 85ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ال�سر�ســـة التي تقـــوم بها الطائرات مـــن دون طيار يف

باك�ستـــان دورا كبـــريا يف احلـــط من مقـــدرة القاعدة

املركزيـــة هنـــاك، بينما لي�ـــس هناك وجـــود ع�سكري

اأمريكـــي يف اليمن ما عدا مـــا يتعلق مبهمات تدريبية.

وبعد القيام بعدد من ال�سربات اجلوية يف عامي 2009

و2010 التي �سهلت تنفيذها الواليات املتحدة، يقال اإن

تلـــك املهام تقريبا توقفت عقب ال�سربة اجلوية يف 25

اأيار/مايو، التي قتلت دون ق�سد وكيل حمافظة ماأرب

جابـــر ال�سبـــواين. ولكن رغم الهجمـــات ال�ساملة التي

نفذتهـــا احلكومة اليمنيـــة �سد عنا�ســـر ي�ستبه باأنهم

ينتمون اإىل “القاعـــدة يف جزيرة العرب” يف مدينتي

لودر واحلوطة جنوب اليمـــن، اإال اأنه لي�س وا�سحا من

هي العنا�سر احلقيقية التي تقاتلها احلكومة اليمنية:

اأم اأهـــي عنا�ســـر “القاعـــدة يف جزيـــرة العـــرب”،

االنف�ساليني من اأبناء اجلنوب، اأم القبائل ال�ساخطة

على الدولة؟.

وبح�سب بع�س التقارير ال�سادرة موؤخرا، فاإن اجلدل

القائـــم ب�ساأن اأي مـــن ف�سائل القاعـــدة تثل اخلطر

االأكرب علـــى االأمن القومي االأمريكـــي يركز على مدى

خطـــورة وقرب التهديـــد الذي ت�سكلـــه كل جماعة، اإذ

ي�سود اعتقـــاد باأن “القاعدة” املركزيـــة ما زالت هي

م�ســـدر اخلطر االأكرب نظـــرا لقدرتهـــا على تخطيط

وتنفيـــذ عمليات معقدة و�ساملة مثـــل اأحداث احلادي

ع�ســـر مـــن اأيلول/�سبتمـــرب. لكـــن باملقابـــل يقـــال اإن

اليمـــن هي من العـــرب” يف “القاعـــدة يف جزيـــرة ي�ســـكل التهديد املبا�سر، وهي اجلماعة االأكرث احتماال

قيامهـــا مبهاجمـــة الواليـــات املتحدة، رغـــم اأ�ساليبها

االأقـــل تعقيـــدا. وعلوة علـــى ذلك، ثمـــة خماوف من

اأن “القاعـــدة يف جزيـــرة العرب” قـــد حققت جناحا

يف عمليـــة جتنيـــد عنا�ســـر غربية، مبن فيهـــم اأولئك

الذين تخلوا عـــن دياناتهم، والذيـــن ال تنطبق عليهم

�سفة االإرهـــاب املعروفة، االأمر الذي يزيد من �سعوبة

املهمة اأمـــام ال�سلطات االأمنية االأمريكية للتعرف على

املخططات التي يقوم بها اأولئك االأفراد واإجها�سها.

انت�ســار عنــف »قاعدة �ســبه جزيرة

العرب« يف اليمن

ا�ستطاعـــت »القاعـــدة يف جزيـــرة العـــرب« ا�ستغلل

غياب �سلطة الدولة املركزيـــة يف اليمن لتو�سيع دائرة

نطـــاق وجودها يف مناطق وا�سعـــة من البلد، ومن ثم

القيام بالتخطيط واالإعداد والتنفيذ لعمليات على كل

امل�ستويـــات املحلية واالإقليمية والدوليـــة. فمنذ اإعلن

ت�سكيلهـــا يف كانـــون الثاين/ينايـــر 2009 زادت وترية

الهجمـــات، اإذ يبني اأحد التقييمـــات موؤخرا اأن هناك

اأكرث من ثلثـــني حادثة قامت بهـــا القاعدة يف اليمن

حتى االآن خلل هذا العام.

ويبدو وا�سحـــا اأن اأهداف القاعـــدة متطابقة اإىل حد

كبـــري، وت�سمـــل االأجانب واملغرتبـــني والبنيـــة التحتية

للطاقـــة وقوات االأمـــن احلكومية. ومنـــذ الدمج الذي

نتـــج عنـــه »القاعـــدة يف جزيـــرة العـــرب«، ا�ستهدفت

هجمات اجلماعة اأي�سا ال�سعودية، ومنها تنفيذ حملة

تفجريات انتحارية يف اململكة وحماولة اغتيال م�سئول

مكافحة االإرهاب االأمري حممد بن نايف. ومن نواحي

عدة تعلمـــت »القاعدة يف جزيرة العـــرب« درو�سا من

احلملـــة الفا�سلة التي قامت بهـــا القاعدة )االأم( على

الرتبة ال�سعودية؛ فهي تتحا�سى االعتداء على املدنيني،

وطـــورت كثريا من اأنظمتهـــا االإعلمية، وحتر�س على

عـــدم تكرار نف�س االأخطاء التـــي حدثت يف ال�سعودية.

وما يثري املخـــاوف اأكرث اأنه عندمـــا اأخفقت العمليات

االأولية، قامـــت »القاعدة يف جزيرة العرب« مرة ثانية

مبهاجمـــة نف�ـــس االأهداف، مثـــل ال�سفـــارة االأمريكية

يف �سنعـــاء، واالأمري حممد يف ال�سعوديـــة. وهذا ميثل

حتذيـــرا �سارخا فيمـــا يتعلق بف�سل حماولـــة ليلة عيد

امليلد لتفجري الرحلة رقم 253 التابعة ل�سركة »نورث

وي�ست اإيرالين«.

وخـــلل معظم فرتة عـــام 2010 كان هناك �سجال بني

الهجمـــات التي قامت بها »القاعدة يف جزيرة العرب«

والهجمـــات امل�ســـادة التـــي قامت بها الدولـــة )بدعم

وثيق مـــن قبل الواليـــات املتحدة(. وتدعـــي احلكومة

اليمنية قيامهـــا بتوجيه �سربات قا�سيـــة للتنظيم، اإال

اأن الواقـــع اأثبت عادة مبالغة احلكومة يف هذا ال�ساأن.

ففـــي 26 ني�سان/اأبريل 2010 جنـــا ال�سفري الربيطاين

تيم تورلوت مـــن حماولة اغتيال، عندما قام انتحاري

مبهاجمـــة موكبـــه اأثنـــاء عبـــوره يف �ســـوارع �سنعـــاء

وتفجـــري نف�ســـه، لكـــن دون اإحلـــاق اأي اأذى بال�سفـــري

وجرح عدد مـــن املارة. وعقب ذلك، عـــزت »القاعدة

يف جزيـــرة العرب« م�سئوليـــة احلادثة اإىل نف�سها، ويف

اأيلول/�سبتمرب اتهمت ال�سلطـــات اليمنية اأربعة اأفراد

بامل�ساركة يف التخطيط لعملية االغتيال.

وهذه احلادثـــة �سديدة ال�سبه باحلـــادث الذي ح�سل

يف اآذار/مار�س 2009، عندما قام انتحاري باعرتا�س

حركـــة ال�سري وفجر ما كان يحمله مـــن مواد متفجرة

تاما يف الوقت الذي كان موكب �سفارة كوريا اجلنوبية

ميـــر يف طريقـــه اإىل املطـــار حامـــل املحققـــني وذوي

�سحايـــا التفجري االنتحـــاري ال�سابق لهـــذه احلادثة،

الـــذي مت تنفيذه يف مدينة �سبـــام وت�سبب مبقتل اأربعة

كوريـــني جنوبيني. ويف كل احلادثتني كان االنتحاريان

يعرفان املركبات امل�ستهدفة وطريقها وموعد مرورها،

وهو ما ينم عن معرفـــة �سابقة لكل التفا�سيل. وتعترب

هاتان احلادثتـــان ب�سورة خا�سة م�ســـدر قلق، نظرا

ل�سهولة التعر�س للهجمات االإرهابية مبجرد الرتب�س

اأثناء حركة ال�سري يف �سوارع �سنعاء.

ويف منت�سف حزيران/يونيو هاجم عنا�سر »القاعدة

يف جزيـــرة العـــرب« مقر االأمـــن ال�سيا�ســـي يف مدينة

عدن، وتكنوا من اإخراج عدد من زملئهم امل�سجونني

ـــذي الهجوم كانوا يرتدون الزي هناك. ويقال اإن منفر

الع�سكـــري الر�سمـــي، وقتلـــوا علـــى االأقـــل ع�سرة من

موظفي االأمن. وا�ستمرت اأعمال العنف يف عدن خلل

فرتة ف�سل ال�سيف، وكان مـــن �سمنها انفجار خارج

مبنى االأمن ال�سيا�سي.

ويف اأواخـــر فـــرتة ال�سيـــف نفـــذت احلكومـــة اليمنية

عمليتـــني وا�سعتـــي النطـــاق يف املدن التي قيـــل اإن بها

عنا�سر ي�ستبه انتمائهـــم لتنظيم »القاعدة يف جزيرة

العـــرب«، حيـــث ن�ســـب اقتتـــال �سديـــد يف �سهـــر اآب/

اأغ�سط�س مبدينة لودر مبحافظة اأبني وقتل فيه، بح�سب

التقاريـــر ال�سحفية، اأكرث مـــن ثلثني �سخ�سا، منهم

ت�سعـــة ع�سر مقاتل من مقاتلي القاعـــدة. ويف اأيلول/

�سبتمرب نفذت قـــوات االأمن اليمنية عملية م�سابهة يف

مدينة احلوطة مبحافظة �سبوة. وخلل كل العمليتني

حا�سرت القوات اليمنية املدينتني بعد اإبلغ املواطنني

بـــاأن يلـــوذوا بالفـــرار، ونتج عـــن ذلك القتـــال ت�سريد

اآالف مـــن مواطنـــي مدينة احلوطـــة. وبح�سب تقارير

ال�سحافـــة اليمنيـــة، كان مـــن بـــني عنا�ســـر القاعدة

�سعوديون و�سوماليون يقاتلون �سد الدولة يف احلوطة.

وبعد ا�ستعـــادة ال�سيطرة على املدينـــة قالت احلكومة

اليمنيـــة اإنهـــا قتلت خم�سة مـــن مقاتلـــي القاعدة اإىل

جانـــب اعتقال اثنـــني وثلثني اآخريـــن. ولكن رغم اأن

هاتـــني الهجمتـــني وا�سعتـــا النطـــاق اإال اأن املوؤ�ســـرات

املبكـــرة ت�سري اإىل اأن الكثري مـــن عنا�سر »القاعدة يف

جزيرة العرب« الذيـــن يعتقد باأنهم كانوا يف املدينتني

تكنوا من االن�سحاب اإىل الريف.

حملة االغتياالت

خـــلل فرتة �سيـــف 2010 �سنت »القاعـــدة يف جزيرة

العـــرب« حملة اغتياالت من�سقـــة يف املناطق اجلنوبية

مـــن اليمـــن، ا�ستهدفت كبـــار رجال االأمـــن وم�سئويل

خمابـــرات الدولـــة. ويف الكثـــري مـــن الهجمـــات كان

اإطـــلق النار علـــى ال�سحايا يتم مـــن راكبي دراجات

نارية. وقال اأحد امل�سادر االإعلمية يف اليمن اإن عدد

�سحايـــا احلملة و�سل اإىل حوايل خم�سني م�سئوال. اأما

بح�ســـب اأحد امل�سئولـــني اليمنيني، فاإن العـــدد الفعلي

و�ســـل اإىل اأكرث من �ستني �سحية. وقد اأجربت احلملة

ال�سلطات احلكومية على منع حركة الدراجات النارية

يف املناطق احل�سرية مبحافظة اأبني.

وخـــلل �سهـــر رم�ســـان 2010 )املوافـــق تقريبـــا اأول

اأ�سبـــوع مـــن اآب/اأغ�سط�ـــس وحتـــى اأول اأ�سبـــوع مـــن

اأيلول/�سبتمرب(، نفـــذت »القاعدة يف جزيرة العرب«

مـــا يقارب اثنا ع�ســـر هجوما ا�ستهدفـــت اأمن الدولة،

و�سعـــدت القاعـــدة تلك احلملـــة يف اأيام عيـــد الفطر

عندمـــا اأ�سدرت قائمة حتتوي على اأ�سماء امل�ستهدفني

بلغ عددهم خم�سة وخم�ســـني م�سئوال من رجال االأمن

يف اأبـــني، مـــن بينهم واحـــد وثلثني م�سئـــوال يف جهاز

االأمن ال�سيا�سي وخم�سة ع�سر م�سئوال يف اإدارة البحث

اجلنائـــي وت�سعة مـــن م�سئويل املخابـــرات الع�سكرية.

وقد ا�ستمرت حملة اأعمال العنف حتى اأيلول/�سبتمرب

عندمـــا اأطلق املقاتلـــون قنابل �ساروخيـــة على موكب

وكيـــل حمافظ اأبني اأحمـــد غالب الرهـــوي، لكنه جنا

مـــن الهجـــوم مثلما جنـــا مـــن حماولة االغتيـــال التي

ا�ستهدفته من قبل يف اآب/اأغ�سط�س 2009.

والهـــدف الرئي�سي وراء حملـــة االغتياالت هو اإ�سعاف

ا�ستقـــرار الدولـــة يف اليمـــن، ويف نف�ـــس الوقت تفادي

وقـــوع �سحايا مـــن املدنيني حتى ال يثـــور عامة ال�سعب

�ســـد »القاعدة يف جزيرة العـــرب«. وتدل حدة ووترية

الهجمـــات على قـــدرة القاعدة على توجيـــه ال�سربات

متى �ســـاءت �سد اأولئك الذين يخدمون »نظام احلكم

غـــري ال�سرعي«. اأي�ســـا تثل تذكريا جليـــا ملن يوا�سل

العمل يف اأجهزة االأمن واملجال الع�سكري مبا ينتظرهم

مـــن م�سري اإذا مل ي�سحبوا اأنف�سهم من خدمة الدولة.

كمـــا تعترب هـــذه احلملة مثـــاال وا�سحا علـــى ا�ستمرار

تل�سي �سلطة الدولة يف جنوب اليمن.

اخلامتة

يف مطلـــع اأيلول/�سبتمرب 2010 قـــال جوناثان اإيفانز،

مدير عـــام االأمن الربيطاين، اإن م�ســـدر التهديدات

التـــي تتعر�س لهـــا اململكـــة املتحدة اإىل حـــد كبري هو

اليمـــن وال�سومال. وبح�سب اإيفانـــز، �سهد هذا العام

»موجـــة« كبرية يف درا�سة احلالة االجتماعية يف اليمن

اأمـــام مكتـــب املخابـــرات الربيطـــاين )MI5(. وعلى

غـــرار ما قالـــه اإيفانـــز، اأ�ســـار مدير مركـــز مكافحة

االإرهـــاب مايكل ليرت يف �سهادة له اإىل �سعف القاعدة

يف باك�ستـــان بينما اأكد على حالـــة اليمن باأنها “اأر�س

املعركـــة االأ�سا�سية”، م�ست�سهـــدا باأ�سلوب القاعدة يف

حادثـــة ليلـــة عيـــد امليلد كاأ�سلـــوب يزيد مـــن �سعوبة

جناح ردع عمليات القاعدة واإجها�سها.

وال �سك يف وجود التهديد املتنامي الذي ي�سكله اليمن،

حيـــث اأن “القاعـــدة يف جزيـــرة العرب” قـــد اأعادت

ت�سكيـــل البلـــد بفعالية كم�ســـرح �سرعـــي للم�ساركة يف

اجلهاد �سد “احلاكم غري ال�سرعي”، وكمكان ملقاومة

“العدوان” االأمريكي. وال بد اأن ندرك اأنه اإذا ما ظل تركيـــز امل�ساعدات االأمريكية املقدمـــة لليمن ملكافحة

االإرهاب فقـــط يف جمال التعـــاون الع�سكري واالأمني،

فاإن هـــذا لن يزيد �سوى املظامل التـــي تثري القتال من

قبـــل القاعدة وجبهـــات معار�سة اأخـــرى. وهناك قلة

قليلة مـــن اخليـــارات ال�سيا�سية امللفتـــة للنتباه فيما

يتعلـــق بال�سيا�سات جتاه اليمن، غـــري اإنها ال تقدم اأي

ر بحـــل التحديات التـــي ت�سكلهـــا االأو�ساع وعـــود تب�سر

املتدهـــورة يف البلد. لكن مع ذلـــك، فاأول خطوة مهمة

هـــي اإدراك اأن جتاهـــل االأمـــر يف اليمن لي�ـــس اخليار

ال�سحيـــح، فعلى الواليـــات املتحـــدة واملجتمع الدويل

تقـــدمي امل�ساركـــة الكاملـــة يف اليمـــن، حيـــث مل يعـــد

باالإمكان احتواء م�سكلت البلد داخل حدوده.

تقدمت جمموعات الدفاع عن احلريات املدنية واأ�سرة

ال�سيـــخ اأنـــور العولقي، �سهـــر اآب/اأغ�سط�ـــس الفائت،

بدعـــوى ملنع احلكومـــة االأمريكيـــة من قتـــل العولقي،

حامـــل اجلن�سية االأمريكية ويعي�ـــس يف اليمن، وتعتربه

هذه احلكومة، التي حتاول رد الدعوى، مبنزلة تهديد

لتورطـــه املزعـــوم يف موؤامـــرات اإرهابيـــة وحتري�ســـه

املجاهدين املعادين للواليات املتحـــدة. يعتقد بالتايل

باأنه هدف للقتل خارج االإطار الق�سائي.

تثري هـــذه الدعـــوى �ســـوؤاال مهمـــا: متى يجـــوز قانونا

للحكومـــة، اإن �سح ذلك، تنفيذ عمليـــة اغتيال؟ بينما

ال يحـــق الأي فرد من القطاع اخلا�ـــس القتل با�ستثناء

حـــاالت الدفـــاع عـــن النف�س، فـــاإن حق اأولئـــك الذين

يعملـــون حتت عبـــاءة القانـــون مثل �سبـــاط ال�سرطة،

واجلنـــود اأو وكالة اال�ستخبـــارات املركزية االأمريكية،

اأكـــرث تعقيدا بكثري. ال ميلك حتى اجلندي الذي يقاتل

يف حرب معلنة حقا مطلقا يف قتل العدو.

معيار نورميبريغ

مع نهاية احلـــرب العاملية الثانية، وحـــني اأثري ال�سوؤال

حـــول كيفيـــة التعامـــل مـــع القـــادة النازيـــني، اقـــرتح

رئي�س الـــوزراء الربيطاين، وين�ستـــون ت�سر�سل، قتلهم

بالر�سا�س. وافقه الـــراأي يف ذلك الزعيم ال�سوفياتي

اأيـــدت املتحـــدة الواليـــات لكـــن �ستالـــني، جوزيـــف

رونالد �سوكول

�سحيفة »كري�ستيان �ساين�ض مونيتور« االأمريكية

29 اأيلول/�سبتمرب 2010

هل يجوز لوا�شنطن اغتيال

مواطن اأمريكي يعي�ص يف اليمن؟

Page 43: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 86 87ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اإخ�ساعهم ملحاكمة. يف هذا االإطار، جادلت وا�سنطن

احلكومتـــني الربيطانيـــة وال�سوفياتيـــة، واأقنعتهما يف

النهاية، باأن الرد االأعمى لي�س امل�سار ال�سحيح، واإمنا

حكـــم القانون. راأت الواليات املتحدة �سرورة حماكمة

قادة احلكومتـــني واجلي�سني االأملـــاين والياباين ب�سكل

قانوين ل�سنهم حربا عدوانيـــة وارتكابهم جرائم �سد

االإن�سانيـــة. فـــل يعاقبون اإال حني يتبـــني اأنهم مذنبون

بعـــد حماكمة يحق لهـــم خللها الدفاع عـــن اأنف�سهم

وتقدمي االأدلة.

طغـــى املوقـــف االأمريكـــي يف ذلـــك احلـــني، وو�سعت

املحاكمات يف نورنبريغ وطوكيو معيارا ذهبيا تاريخيا

بعد احلرب ملا بات يدعى حركة حكم القانون. يق�سي

املبداأ االأ�سا�سي ب�ســـرورة اأن حترتم احلكومة القانون

على القادة عينها كما االأفراد. وهكذا تبنت هذا املبداأ

جميع االإدارات االأمريكية التي تعاقبت منذ عام 1945،

لكن الواليات املتحدة وجدت �سعوبة يف االلتزام به.

بعـــد م�ســـي خم�ســـة وع�سرين عامـــا علـــى حماكمات

نورنبريغ، حاولت وكالة اال�ستخبارات املركزية اغتيال

الزعيـــم الكوبي فيديـــل كا�سرتو. لكن هـــذا االنتهاك

حـــح يف عـــام 1976 حني اأ�سدر الرئي�ـــس فورد اأمرا �س

تنفيذيـــا مينـــع فيـــه جميـــع املوظفـــني احلكوميني من

تنفيـــذ عمليات اغتيال. دامت تلك ال�سيا�سة حتى عام

2002 حني طلب الرئي�س بو�س من وكالة اال�ستخبارات

املركزية اغتيال قادة املجموعات االإرهابية الذين ترد

اأ�سماوؤهـــم يف »قائمة االأهداف العاليـــة القيمة«، لكن

مل يت�ســـح اأبدا علـــى اأي اأ�سا�س يرد ا�ســـم يف اللئحة

اأو ي�سطب.

ال حماكمة قانونية للعولقي

عـــرب اإعطاء االإذن على ما يفرت�ـــس باغتيال العولقي،

وهـــو مواطن اأمريكي يعي�س يف اليمـــن، تظهر االإدارة

االأمريكية الراهنة باأن ال�سيا�سة االأمريكية مل تعد بعد

اإىل معيـــار نورميبـــريغ. يبـــدو اأن االإدارة ا�ستندت يف

قرارهـــا اإىل واقع جوهري، اأال وهـــو اأن العولقي يقيم

يف اليمـــن. فلو كان هـــذا املواطن يقيـــم يف �سيكاغو،

ملـــا اقرتحـــت االإدارة اغتيالـــه. كان �سيعتقـــل، ويتهم

بارتكابه جرما مـــا، ويحاكم، واإن وجد مذنبا، يعاقب

وي�سجـــن. ينطبق االأمر عينـــه على ما يفرت�س اإن كان

يقيـــم يف فرن�سا، اأو اإنكلـــرتا، اأو اأملانيـــا، اإذ قد يعتقل

ويحاكـــم اأو يرحـــل. ال �ســـك اأن كون اليمـــن دولة تعم

فيهـــا الفو�سى يزيد امل�سائل تعقيدا، لكن حتى لو كان

املواطن يف اإيران اأو �سورية فذلك لن يغري من امل�ساألة

�سيئا. كيف تربر اإذن عملية االغتيال؟

لعل القتل خارج االإطار الق�سائي يتما�سى مع »معايري

املافيـــا«، اإمنـــا ال يتما�ســـى مـــع متطلبـــات املحاكمـــة

القانونيـــة يف مـــا يتعلـــق باحلـــق الـــوارد يف التعديـــل

اخلام�ـــس اأو ال�ساد�ـــس مـــن الد�ستـــور االأمريكـــي يف

اخل�ســـوع ملحاكمـــة ومواجهـــة ال�سهود. وحتـــى بغ�س

النظر عـــن حقوق املواطنـــني الد�ستوريـــة، من املقلق

جدا اأن تعطي احلكومة االأمريكية لنف�سها احلق بقتل

اأي �سخ�س قررت زج ا�سمه يف الئحة االإرهاب.

منطقيـــا، ي�ستحيـــل اإنـــكار حـــق احلكومـــة يف اللجوء

اإىل القتـــل يف ظروف معينة، لكن يجـــب اأن يتم ذلك

بهدف حماية نف�سها ومواطنيها من اأي خطر و�سيك،

مـــع �سرورة اأن تتكافاأ االإجـــراءات الوقائية مع طبيعة

هذا اخلطر. اأما يف حالـــة العولقي، فتطالب الدعوى

باإ�ســـدار اأمـــر مينـــع احلكومة مـــن قتله مـــا مل ي�سكل

تهديـــدا مبا�ســـرا. فاملواطن االأمريكي الـــذي يختبئ

يف اليمـــن الغـــارق يف الفو�سى ال يهـــدد ب�سكل مبا�سر

علـــى وجود احلكومـــة االأمريكيـــة، اإمنا ي�ســـكل اأفراد

مثل العولقي خطـــرا ع�سوائيا على مواطنني يف بلدان

عدة، وذلك التهديد يربر اأخـــذ احلكومات اإجراءات

وقائية.

احلاجة اإىل االإ�سراف الق�سائي

اإن كان االإجـــراء الواجب اتخـــاذه عملية اغتيال، فاإنه

ينبغـــي تطبيقه حتت اإ�سراف اجلهـــاز الق�سائي. وما

يقلـــق يف عمليـــات االغتيال التـــي تنفذ خـــارج االإطار

الق�سائـــي اأن الفـــرع التنفيـــذي يقـــوم مقـــام املدعي

العـــام، والقا�ســـي، ومنفذ االإعـــدام. ال يوجد بالتايل

رقيـــب اأو ح�سيـــب، وال اأحـــد يعلم معيـــار االأدلة الذي

ي�ستنـــد اإليه، فهل يجيز االغتيال علـــى اأ�سا�س اأ�سباب

مرجحـــة للجرميـــة املرتكبة اأم باال�ستنـــاد اإىل اأدلة ال

تقبل ال�سك؟

من جهتهـــم، يزعـــم امل�سوؤولون بـــاأن اأحـــد املواطنني

االأمريكيـــني يف اليمـــن يدعـــم اأعمـــاال اإرهابية ورمبا

ي�ســـارك فيها، اإمنا ال يقدمون اأي دليل على ذلك، فما

من طـــرف م�ستقل يحكـــم اإن كان هنـــاك اأدلة كافية

تـــربر القتل، وال اأحد يك�سف عن املعيار املحدد للأدلة

الـــذي ي�ستخدمـــه الفـــرع التنفيذي. بالفعـــل، يطالب

املدعى عليهم يف ق�سيـــة العولقي اأن ت�سفي احلكومة

�سفافيـــة علـــى امل�سار املتبـــع لتحديد مـــا اإذا كان من

امل�سموح قتل مواطن من دون حماكمة.

حني ت�ســـر احلكومـــة االأمريكية علـــى �سلحية غري

قابلة للمراجعـــة بقتل مواطنيها، فهـــي تزدري بذلك

حكـــم القانـــون، وتنـــح نف�سهـــا �سلطة ماألوفـــة عادة

لـــدى االأنظمـــة اال�ستبداديـــة اأكـــرث منـــه لـــدى تلـــك

الدميقراطية.

�سيظــــل التاريخ يكرر نف�سه لكــــن يف �سكل ماأ�ساة.

هكذا قيل. ذلك اأنها بداية جديدة مل�سل�سل الف�سل

االأمريكي القدمي املت�سكل حلظيا والذي مل ت�ستطع

الواليات املتحدة اأن حتجم جموحها ال�سيا�سي فيه

حتى لو قادها نحو االرتداد الذاتي وع�سف بهيبتها

ودعمهــــا كاأكذوبة كــــربى يف العقــــل اال�سرتاتيجي

اإذ اأنهــــا دائما مــــا تلجاأ حلل م�سكلتهــــا العار�سة

بالطريقة نف�سها التــــي كانت �سببا مبا�سرا ملا حل

بها من ماآزق وحمن وتوعكات ما�سية!

فبذريعة مقاومة االإرهاب تفتح اأمريكا خطا ناريا

الجتثــــاث جــــذوره با�ستئنــــاف ال�سغب مــــع تنظيم

»القاعــــدة« ذلك التنظيم الفــــوالذي اجلبار الذي

ا�ستع�ســــى علــــى الرت�سانــــة الع�سكريــــة االأمريكية

طيلة عقود وعقود. فها هي تزعم اليوم اأن كوادره

حممد ح�سن اأبو العا

�سحيفة »احلياة« اللندنية

24 نوفمرب 2010

اأوباما وببليوغرافيا الأخطاء ...

اليمن منوذجا

االأ�سيلة تغلغلت يف �سعاب اليمن ال�سعيد، م�سدرة

مــــا قد �سمــــي جمازا بطــــرود املوت، مــــن ثم ال بد

مــــن تو�سيع اخليارات الع�سكريــــة املت�سمنة لفريق

مــــن نخبة القــــوات اخلا�سة املنوطــــة بتعقب وقتل

املت�سدديــــن االإ�سلميني يف �سكل �سري واعتبار اأن

اليمــــن لها اليد العليا يف الرد على حماولة اإر�سال

تلــــك الطــــرود وهو مــــا اأطلقــــه ل�ســــان اأوباما نحو

االإعلن عن �سرورة تدمري القاعدة واإبادتها على

االأرا�سي اليمنيــــة وهي الرتجمــــة ال�ساذجة لتلك

النيــــات االأمريكيــــة القاتة نحو ال�سمــــاح اأو حتى

عــــدم ال�سماح لهــــا باختيار م�سرح اآخــــر تدور فيه

االأحداث املقبلة.

وطبقــــا للعديــــد مــــن الــــروؤى ال�سيا�سيــــة فهل تعد

الطرود امل�سبوهة هي امل�سطلح اجلديد للمخطط

االأمريكي االإقليمــــي مبا ي�ستهدف النيل من اليمن

و�سيادتــــه، ذلــــك على غــــرار م�سطلحــــات اأخرى

كال�ســــرق االأو�ســــط الكبري اأو الفو�ســــى اخللقة؟

وملاذا كانت اليمن هــــذه املرة هي موقع االختيار؟

وما اأ�س�س هذا االختيار؟ وما هي البواعث اخلفية

نحو اأن تكــــون اليمن هي اجلوكــــر ال�سيا�سي؟ وما

هــــي العوائد اال�سرتاتيجيــــة وراء ذلك؟ وهل تثل

هذه الطــــرود �سيغة خا�سة الأعمــــال ا�ستخباراتية

على درجة من املهــــارة واالإتقان؟ وهل يكفي ذلك

ملنح حــــق التدخــــل املبا�سر يف ال�سيا�ســــة اليمنية؟

وماذا جنت بريطانيــــا من عرى التحالف املقد�س

مــــع اأمريكا حتــــى تدعم ذلــــك اخليــــار الع�سكري

يف اليمــــن؟ وما هو �ســــر الرعونــــة ال�سيا�سية وراء

دعــــوة اأوبامــــا اإىل �ســــرورة اغتيــــال رجــــل الدين

اليمني اأنــــور العولقي واعتباره الفاعــــل االأ�سا�سي

يف عمليــــة الطرود املفخخــــة بينما مل تبــــداأ جلنة

املحققــــني االأمريكيني اأعمالهــــا يف �ساأن املتورطني

يف هــــذه العملية؟ وملاذا تتجدد حماوالت ا�ستعداء

الــــدول بينما اأمــــريكا مل تبلغ غايتهــــا نحو تطهري

وتنقيــــة �سمعتهــــا يف املحيــــط الــــدويل؟ بــــل كيف

تخو�ــــس مغامــــرة جديدة وهي مل تنــــج من ويلت

امل�ستنقــــع العراقي؟ ومــــا هي االإجنــــازات الفعلية

التي حققتها مــــع القاعدة يف اأفغان�ستان؟ وما هي

الفروق اجلوهرية بــــني ملحقة وتتبع القاعدة يف

اأفغان�ستان اأو اليمن؟!

واإذا كان املوقف اليمني جاء معتمدا على مبداأين

اأولهمــــا رف�س االأعمال االإرهابيــــة واإعلنه اعتماد

�سبــــل التعاون وال�سراكة كافة مــــع املجتمع الدويل

ملواجهــــة ظاهــــرة االإرهــــاب، ثــــم رف�ســــه املطلــــق

التدخــــل يف ال�ســــاأن اليمني حتــــت اأي م�سمى وهو

موقــــف يف كل اأحوالــــه يبــــدو متوازنــــا ومو�سوعيا

باالإ�سافــــة لتلــــك الفاعليــــة نحو تطبيقــــه حا�سرا

وم�ستقبــــل ذلك درءا لل�سكوك والهواج�س امل�سولة

للكيــــان االأمريكــــي �ســــن احلــــروب يف اأي حلظــــة

و�ســــد اأي كيان مهما يكن باعتبار اأن كل الكيانات

الدوليــــة هــــي يف حــــال عــــداوة �سافــــرة للواليــــات

املتحــــدة ما مل توؤكد العك�س دائما واأبدا، وذلك ما

هو حادث بالفعل مع دولة كاليمن، لكن كيف يكون

ميكانيــــزم التو�سيــــف وامتــــد االأمر حتــــى اليونان

وح�سدت لــــه اأوروبــــا اآليــــات اال�ستعــــداد والتاأهب

ورفــــع درجة التوتر االأمني وهــــو ما يقطع يف داللة

�سادقــــة اأن االإرهاب لي�س له وطن واإمنا له م�سرية

زمنية ات�سقت مع م�سرية الظلم الدويل والبلطجة

ال�سيا�سية والقهر املعنوي و�سيوع مفهومات االإبادة

والعن�سرية التي مل ت�ستطع بكل �سطوتها اأن تحو

حتــــى ملمح ذلك الف�سل االأمريكي الذي ال مياثل

يف توجهاتــــه ال�سعــــواء �ســــد القاعدة بعــــد تعقبها

هبــــاء يف كل من اأفغان�ستان وباك�ستان لتظل هناك

معاجلــــات اأخرى هــــي االأوقــــع واالأف�ســــل واالأكرث

منطقــــا واإن�سانيــــة وحت�سرا وجــــدارة يف �سيادتها

لعامل يعي�س احلداثة وما بعد احلداثة فكرا ويعي�س

الوح�سية ع�سقا و�سلوكا وممار�سة!

»اإن الواليـــات املتحدة االأمريكيـــة تركز ب�سورة

مل ي�سبـــق لها مثيل على اليمن« دانيال بنجامني،

وزارة يف االإرهـــاب مكافحـــة �ســـوؤون من�ســـق

اخلارجية االأمريكية. مبوجب ما ت�سميه االإدارة

االأمريكيـــة برنامج مكافحة »االإرهاب«، عر�ست

قيادتها املركزيـــة الع�سكرية حزمة »م�ساعدات«

جديـــدة على احلكومة اليمنية، بلغت قيمتها 2.1

مليار دوالر على امتداد اخلم�س �سنوات القادمة،

كمـــا ورد مبقـــال: اآالك�ـــس �سبيليو�ـــس، ال�سادر

2010. وكان اأن ب�سحيفـــة ديلي تلغـــراف 16/9/

اأثار هـــذا القـــرار وال يزال حفيظـــة العديد من

امل�سوؤولـــني داخل املوؤ�س�ســـة الر�سمية والع�سكرية

االأمريكيـــة ممن اعتـــربوا ذلك »ا�ستثمـــارا« يف

حكومـــة متداعية ودولة فا�سلـــة، وتدخل �سافرا

قـــد يوؤجج نـــار الفتنـــة الداخلية �سمـــاال وجنوبا

وينذر بحرب اأهلية غري حممودة العواقب اأخذا

بعني االعتبار م�سالح الواليات املتحدة احليوية

وو�سع املنطقة القابل للنفجار.

االإدارة االأمريكية ت�سخ كل هذه االأموال الطائلة

مربرة ذلـــك، ر�سميا، مبا ت�سميـــه »تنامي نفوذ

تنظيـــم القاعـــدة يف �سبـــه اجلزيـــرة العربيـــة«

وعزمهـــا ا�ستئ�سالـــه باملهـــد، وحـــق الواليـــات

املتحـــدة بالتدخل اأينمـــا �ساءت �سيانـــة للأمن

القومـــي االأمريكـــي، وهـــي تتـــذرع بـــكل احلجج

والتعـــلت، املختلقـــة يف اأغلبها، لت�ســـع لنف�سها

موطـــئ قدم باليمن لن يلبـــث ويتحول اإىل وجود

ع�سكـــري ياأخذ �ســـكل اال�ستعمار املقنـــع، ولي�س

من باب اجلـــود اأو الراأفة باأمن اليمنيني و�سونا

لوحدتهـــم، وال حر�ســـا علـــى اأمن املنطقـــة، اأن

�س لـ«معونة« اليمن قد قفز بقدرة املبلـــغ املخ�س

قادر مما يقل عن 5 مليني دوالر �سنة 2006 اإىل

70 �سنـــة 2009، اإىل 190 هذه ال�سنة، فمليارين،

نبيل نايلي

�سحيفة »العرب اأوناين« االإلكرتونية

5 ت�سرين االأول/اأكتوبر 2010

التدخل الأمريكي باليمن:

بعبع القاعدة اأم احتواء ال�شني؟

Page 44: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 88 89ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

م�ستقبل!

دانيـــال بنجامـــني، ي�ســـرح ودون مواربـــة: »اإن

الواليـــات املتحـــدة تركـــز ب�ســـورة مل ي�سبق لها

مثيل علـــى اليمن«. جدير باالإ�سارة اإىل اأن خطة

امل�ساعدة يقف وراءها كل من رئي�س هيئة االأركان

امل�سرتكة االأدمريال مايك مولني، وقائد القوات

اأفغان�ستـــان، اجلـــرنال االأمريكيـــة احلـــايل يف

ديفيـــد برتايو�ـــس، كمـــا حتظى بدعـــم واهتمام

اجلرنال جيم�ـــس ناتي�س. اأما حمـــاور الربنامج

�س للع�سكريني اليمنيني والذي التدريبي املخ�س

ك�سفه اإريك �سميت، و�سكـــوت �سني، بتقريرهما

2010، في�سمل ال�سادر بنيويورك تاميـــز 15/9/

النقاط التالية:

- معاجلة جوانب الق�سور ونق�س الكفاءة الذي

يعاين منه الطريان احلربي اليمني.

ـــت واجلو�س�ســـة و�سقل - تطويـــر اآليـــات التن�س

قدرات واأ�ساليب االت�سال.

املعلومـــات، حتديـــد قاعـــدة جمـــع - حت�ســـني

االأهداف ب�سكل اأجنع ور�ســـد العنا�سر ومن ثم

�سربها.

- اإعـــادة بنـــاء وتاأهيـــل اأربـــع اأو خم�ـــس قواعد

ع�سكريـــة داخل العمق اليمنـــي لـ«مواجهة خطر

تنظيم القاعدة«.

- اإعـــداد الع�سكريـــني ممن تنـــاط بعهدتهم ما

ت�سمى بالعمليات التكتيكية.

رغم ال�سريـــة والتكتم ال�سديديـــن، اإال اأن لوليتا

بالـــدور قـــد ك�سفـــت يف الوا�سنطـــن تاميـــز، اأن

الواليـــات املتحدة تبعـــث بالنخبة مـــن املدربني

الع�سكريـــني، واأن عددهم قـــد ت�ساعف ليبلغ 50

عن�ســـرا، يركـــزون يف تدريبهـــم لليمنيـــني على

التكتيكات االأر�سية والعمليات اجلوية با�ستخدام

الطائـــرات من دون طيار والقوات اخلا�سة التي

يناهـــز عددها 200 اأو يزيـــد، وتويل متعاقدين

للتج�س�ـــس وتدريـــب لعمـــلء حمليـــني مللحقـــة

»االإرهابيني«.

واأهـــم من يعتقـــد اأن التغلغل االأمريكـــي باليمن

االإدارة ت�سميـــه مـــا مكافحـــة علـــى يقت�ســـر

»االإرهـــاب«، الأن خطـــة االأمريكيـــة مبكافحـــة

امل�ساعدة تتعدى املعلن وتخفي بني طياتها حربا

�سعـــواء �سد الزحف ال�سيني الذي اخرتق نحو

اأفريقيا ويحاول اأن يلج مياه اخلليج الدافئة.

الواليـــات املتحـــدة االأمريكية تعمـــل على خنق

التنـــني ال�سيني وذلك مبنع �سيطرة بيكني على

مينـــاء عدن، مرفـــاأ العبور نحـــو اآ�سيا، وم�سيق

ملقا، وهي العليمة بـــاأن طرق امللحة باملحيط

الهندي ت�سكل ع�سب حياة االقت�ساد ال�سيني،

وبو�ســـع اليد على هذه املنافـــذ، تبعث الواليات

املتحـــدة ر�سالـــة وا�سحـــة لبيكني مفادهـــا: اأال

يذهنب اإىل ظـــن �سانع القرار بال�سني، اأن قوة

الواليات املتحدة قد اأزفت وحان اأوان مرياثها.

وحليفهـــا االأمريكيـــة االإدارة ت�سعـــى لذلـــك

املحـــاوالت الإحبـــاط الهنـــدي اال�سرتاتيجـــي

ال�سينية الرامية لتقوية العلقات مع �سريلنكا

وميامنـــار وذلـــك بغيـــة فتـــح طريـــق جتـــاري

جديـــد نحو ال�سرق االأو�ســـط، واخلليج العربي،

فاأفريقيـــا. واإذا كانـــت بيكـــني حتلـــم بخف�ـــس

م�ستـــوى مدى اعتمـــاد مبادالتهـــا التجارية مع

اأوروبـــا واآ�سيا الو�سطى على م�سيـــق ملقا، فاإن

الواليـــات املتحدة عازمة علـــى اأن تظل ال�سني

حما�سرة حتى تختنق بني اإندوني�سيا وماليزيا.

االأمريكيـــون مل يغفـــروا �سعي ال�ســـني املحموم

لبلـــوغ ميـــاه اخلليج الدافئـــة مرورا عـــرب اآ�سيا

الو�سطـــى وباك�ستان وهذا ما يف�سر اأن للواليات

نف�س برنامج »امل�ساعـــدات« اخلا�س بباك�ستان

والـــذي تغلفه نف�س �سعـــارات الربنامج اليمني،

واإن اختلفـــت االأ�ساليب واحلجم اال�سرتاتيجي.

لعـــل اأبلـــغ مـــا قيـــل تعليقا علـــى هـــذا التكالب

االأمريكـــي علـــى اليمـــن مـــا ورد بتقريـــر خطه

ال�سفـــري الهندي، بادراكومار : »اأنت ال ت�ستطيع

اأن حتارب ال�سني دون اأن حتتل اليمن«!

اإن املحور االأمريكـــي- ال�سهيوين- الهندي هو

مـــن يقـــف وراء كل هذه التحـــركات والربامج،

لتظـــل املنطقـــة العربيـــة رقعة ال�سطـــرجن التي

يحـــرك عليهـــا �سانعـــو القـــرار قطعهـــم وراء

دخـــان كثيـــف يخنقنـــا منـــذ اأن ا�ستكانـــت اأمة

باأكملهـــا لتقبـــل اأن توؤخـــذ بجريـــرة املجموعـــة

التـــي كانـــت وراء اأحـــداث 11 اأيلول/�سبتمـــرب،

هـــذا اإذا افرت�سنا اأنها فعـــل من وقف وراءها،

ذلـــك الدخان املعتم هو ما ي�سمونه احلرب على

»االإرهـــاب«، االإرهـــاب الذي فرخـــوه وكانوا هم

اأول من و�سع لبناته ومولوه واأ�سرفوا على قواعد

تدريبه.

مـــن ي�ســـكك فليعـــد ليطلـــع على ن�ـــس احلوار

لونوفـــال اأجرتـــه �سحيفـــة الـــذي ال�سحفـــي

اأوب�سارفاتـــوار الفرن�سيـــة، مـــع �ساحب نظرية

»االإ�ســـلم« بعبـــع الكـــربى، عـــراب اأورا�سيـــا

الراديـــكايل، م�ست�ســـار كارتر للأمـــن القومي

وكبـــري م�ست�ساري اأوباما، زبيغنيو بريجن�سكي،

لعلـــه يقتنـــع. تذكـــرة فح�ســـب، نـــورد رده على

�ســـوؤال ال�سحفـــي الفرن�سي، فان�ســـون جوفار،

عـــن االأ�سولية االإ�سلمية وخطر »االإ�سلميني«

الذيـــن ي�سفهـــم بـــــ »بع�ـــس املت�سنجـــني« على

العامل، اأجـــاب بريجن�سكي: »اأية حماقة هذه..

لي�س هنـــاك اإ�سلم عاملي موحـــد.. اأيهما اأهم

بنظـــر التاريـــخ: طالبـــان اأم �سقـــوط االإحتـــاد

ال�سوفيتـــي؟ حفنة من املت�سنجني »االإ�سلميني«

)�سنيعتنـــا يق�ســـد( اأم حترير اأوروبـــا ونهاية

احلرب الباردة؟

اليمن كما ال�ســـودان وال�سومال وباقي االأواين

امل�ستطرقـــة، يف خطر، واالأمريكيـــون تاريخهم

ي�سهـــد اأنهم ما مدوا يوما اأياديهم مل�ساعدة اأمة

ما اإال ودفعت ال�سريبة باهظة: قواعد ع�سكرية

اأو تدخل مبا�سرا. فهل �سنظل يتامى »�سايك�س-

بيكو« حتـــى االأزل، بيادق رقعـــة �سطرجن اللعبة

الدوليـــة، ال خيـــار لنـــا اإال مطرقـــة اال�ستعمـــار

املقنـــع اأو �سندان التحـــول اإىل دول فا�سلة؟ من

ميلك تـــرف اللمباالة اليوم، لـــن يجد لنف�سه

ملجاأ حني ت�سري النار يف اله�سيم!

مـــع كل يوم تزداد ال�سواهد على اأهمية طرح هذا

ال�ســـوؤال، فاملواجهة بني ال�سلطـــات اليمنية وقوى

»احلـــراك اجلنوبـــي« تدخـــل ف�سل جديـــدا مع

ازدياد العنف املوجـــه اإىل رموز ال�سلطة و�سموله

لكل حمافظـــات اجلنوب تقريبا، كال�سالع وحلج

واأبني التي تعد معقل الأكرث اجلماعات اجلهادية

االأ�سوليـــة املتطرفـــة، وموؤخـــرا حمافظات �سبوة

وعدن وح�سرموت.

ويكت�ســـب هـــذا امل�سهـــد اأهمية خا�ســـة مع قرب

موعد اإجـــراء بطولة »خليجي 20« التي ينتظر اأن

ت�ست�سيفهـــا حمافظـــات عدن واأبـــني اجلنوبيتني

يف الفـــرتة مـــن 22 ت�سريـــن الثاين/نوفمرب حتى

2010. فبينما تتوعد االأول/دي�سمـــرب كانـــون 4قـــوى احلـــراك باإف�ســـال البطولة وتـــرى يف ذلك

فر�ســـة الإثبات قدرتها واإنعا�س اآمالها بـ »حترير«

اجلنوب، تعترب الدولة اإقامة »خليجي 20« ق�سية

وطنيـــة، توؤكد مـــن خللهـــا قدرتهـــا على حفظ

االأمـــن واال�ستقرار يف قلب عا�سمة دولة اجلنوب

ال�سابقة، وفيما يبدو يرى كل جانب اأنه يف �سباق

مـــع الزمـــن، االأول يف �سبـــاق نحو تاأكيـــد الدولة

وب�ســـط الهيمنة، وثاين يف �سباق نحو اإثبات عجز

الدولة واإنهاء ما ي�سميه باحتلل اجلنوب.

و�سوف حتـــدد نتيجة هذه املواجهة جـــزءا كبريا

من م�سهد ال�سراع امل�ستقبلي يف اليمن؛ فاإما اأن

تتمكـــن الدولة من تاأكيـــد اأن ال م�ستقبل للحراك

املنادي بـ »فك االرتباط« بني �سمال اليمن وجنوبه

واإنهـــاء »االحتلل« مـــن قبل ال�سمـــال وا�ستعادة

دولـــة اجلنـــوب، اأو اأن تتمكن قـــوى احلراك من

اإحراج الدولة واإف�سال اإقامة البطولة.

»احلراك« و»القاعدة«

تكت�سب نوعية العلقة بني قوى احلراك اجلنوبي

وتنظيـــم القاعـــدة يف اجلزيرة العربيـــة - الذي

يتخـــذ من اليمن مقرا لـــه - اأهمية خا�سة ب�ساأن

م�ستقبل مطالب احلـــراك. ومن الناحية املعلنة،

حتر�ـــس قوى احلـــراك علـــى تييـــز نف�سها عن

تنظيم القاعدة وتعلـــن اأنها ذات طابع �سلمي وال

تنتهج العنـــف و�سيلة لـ »التحرير«، ويرتدد اأنه يف

عـــام 2009 �سعى تنظيـــم القاعـــدة للتقارب من

احلراكيني ولكنهم رف�سوه، ويف الوقت الذي تعلن

فيـــه قوى احلـــراك ابتعادها عن القاعـــدة فاإنها

تتهـــم النظام باأنه هو الـــذي يرعى هذا التنظيم

ويوؤويـــه ليجد مربرات ال�ستمـــرار حربه ولي�ستدر

التعاطـــف الـــدويل، وي�سل بع�ـــس رموز احلراك

اإىل اتهـــام الرئي�س علـــي عبـــد اهلل �سالح نف�سه

برعاية القاعدة، ويوؤكـــدون اأن الق�سر الرئا�سي

وم�ست�ساريه متورطون يف ذلك.

ولي�ـــس مـــن ال�سعـــب اإدراك الفـــوارق الفكريـــة

واالأيديولوجية الدالة على التباعد بني اأغلب قوى

احلـــراك اجلنوبي وتنظيم القاعدة، بالنظر اإىل

مرياث االعتـــدال والتح�سر والفكـــر اال�سرتاكي

يف اجلنوب مقارنـــة بحركة �سلفية تتبنى العنف،

ولكن مـــن املمكن اأي�ســـا اإدراك بع�ـــس التداخل

خ�سو�ســـا مع ا�ستمال احلراك على قوى متعددة

بع�سها ذو خلفيات دينية، وتثل مناطق اجلنوب

خمزونا هائـــل لل�سغـــار الذين يحملـــون دوافع

خا�ســـة ولديهـــم الرغبـــة يف القتـــال. وقد الحظ

البع�ـــس اأن م�سمون االحتجـــاج اجلنوبي اليمني

بداأ يتطعم موؤخرا بنكهة اأ�سولية �سلفية جهادية،

حيث جنح التنظيم يف التغلغل يف تلك اجلماعات

ليجعلها رديفا لـــه يف عمليات ا�ستهداف اجلي�س

واالأجهزة االأمنية.

مـــن الناحيـــة الواقعيـــة، مل تعلن قـــوى احلراك

اجلنوبي م�سوؤوليتها عن اأعمال العنف، وال يرتك

تنظيم القاعدة يف جزيرة العرب فر�سة الأي عمل

من اأعمال العنف اإال ويعلن م�سوؤوليته عنه، �سواء

التفجريات واالغتياالت الواقعة �سد جهاز االأمن

العام اأو االأمن ال�سيا�ســـي الذي تعر�س ل�سربات

عنيفـــة على مدى االأ�سهـــر الثلثة املا�سية ب�سكل

خا�س. لذلك ال ميكن القول اإن اأعمال العنف هي

مـــن فعل قوى احلـــراك، على االأقل مـــن الناحية

ال�سكليـــة، التـــي تتمثـــل يف تاأكيدات تلـــك القوى

ذاتها وخطاب الدولة نف�سه، الذي يعلن اأنه ي�سن

احلرب على تنظيم القاعدة ولي�س احلراك.

وعلـــى امل�ستـــوى الفعلـــي، فـــاإن هنـــاك حالة من

التماهـــي بني قوى احلراك واأعمـــال العنف التي

يقوم بهـــا تنظيم القاعـــدة، �سحيـــح اأن اأهداف

احلراك اجلنوبي تختلـــف عن اأهداف القاعدة،

لكـــن هناك جوانـــب لللتقاء بـــني الطرفني على

االأقـــل يف املرحلـــة احلاليـــة التـــي يتوافـــق فيهـــا

اجلانبـــان على الرغبـــة يف االإجهاز علـــى �سلطة

الدولـــة. فمن جانبه يهدف تنظيـــم القاعدة اإىل

جعـــل اليمـــن موطنا وقاعـــدة للجهـــاد امل�سلح يف

منطقـــة اجلزيرة، ولتنظيم القاعدة يف اجلزيرة

العربيـــة اأحلم تتجاوز اليمـــن، وهذا ما بدا من

اإعـــلن امل�سوؤول الع�سكري لفـــرع تنظيم القاعدة

يف اليمن موؤخرا عن اإن�ساء جي�س اأطلق عليه ا�سم

»جي�ـــس عدن- اأبـــني« بهدف حتريـــر اليمن »من

ال�سليبيني وعملئهم املرتدين«. ويعمل التنظيم

علـــى اإقنـــاع ال�سبـــاب اجلنوبي بـــاأن الوقت حان

خلروج اجلي�س الذي ب�ســـرت به بع�س االأحاديث

النبوية ال�سريفة من وجهة نظرهم.

بالطبـــع ال ميكن ت�ســـور وجود التقـــاء يف الروؤية

النهائيـــة بـــني دولـــة اجلهـــاد ودولـــة اجلنـــوب،

فالتوليفـــة االأيديولوجيـــة لقوى احلـــراك تختلف

لتنظيـــم االأيديولوجيـــة الرتكيبـــة عـــن تامـــا

معتز �سامة

ملف االأهرام اال�سرتاتيجي

ت�سرين الثاين/نوفمرب 2010

ا�شتعادة من اليمن يف »احلراك« يتمكن هل

دولة اجلنوب؟

Page 45: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 90 91ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

القاعدة. مع ذلك، فاإن التعاون التكتيكي بينهما

ميكـــن اأن يحـــدث ب�ســـورة ملمو�ســـة يف بع�ـــس

املناطـــق. وطبقا ملا ذكره اأحـــد اأع�ساء احلراك

اجلنوبـــي، فـــاإن احلركة قد تتحالـــف مع تنظيم

»القاعـــدة االإيـــراين، اأو حتى مـــع ال�سيطان« من

اأجـــل حتقيـــق اأهدافها. ومن الناحيـــة امليدانية،

فاإن جزءا كبريا مـــن �سباب احلراك ينخرطون

يف تنظيـــم القاعدة كلما ازداد الياأ�س من �سرعة

جني النتائج.

ومن الناحيـــة التكتيكية، فـــاإن اأ�سلوب الدولة يف

ق بـــني احلـــراك والقاعدة على املواجهـــة ال يفرر

نحو ميكـــن اأن يخلق قاعـــدة لتغذيـــة االإح�سا�س

امل�ســـرتك بني اجلانبـــني يقوي التعـــاون بينهما،

فمـــن املتوقـــع اأن يت�سع نطاق العنـــف ومطالبات

الثاأر مع �سقـــوط عنا�سر من القاعدة اأو �سحايا

اأبرياء وراءهـــم قبائل متنفذة. ومـــن املتوقع اأن

تكون بطولـــة »خليجي20« فر�ســـة ملعرفة الكثري

مـــن اأبعـــاد التداخـــل بـــني احلـــراك اجلنوبـــي

والقاعـــدة. اإذ يهدد احلـــراك باإف�سال البطولة،

وهـــو اأمـــر ميكن اأن يقـــرب منهجـــه يف »حترير«

اجلنـــوب مـــن منهج تنظيـــم القاعـــدة يف اإقامة

دويلـــة اإ�سلمية، وميكن للأيـــام واالأ�سهر املقبلة

اأن تزيـــد من فر�س االنخراط واالندماج اليومي

بـــني القاعـــدة واحلـــراك اجلنوبـــي، لذلك على

الرغـــم مـــن اأن الفـــرتة املقبلة تت�سمـــن فر�سة

لقوى احلراك الإثبات ذاتهـــا عربيا ودوليا فاإنها

تت�سمـــن االختيار االأ�سعب لها املتمثل يف القدرة

على تييز ذاتها عن تنظيم القاعدة.

اآفاق االنف�سال

ي�ســـل الو�سع يف اجلنـــوب اإزاء معادلة خمتلفة؛

ففي كل يـــوم يتاأكد اأن حتقيـــق اأهداف احلراك

باالنف�ســـال لن يكون عمل �سهـــل على االأقل يف

االأمد املنظور. فمـــع كل انهيار اأمني يف اجلنوب

يبتعـــد اجلنوبيون اأكـــرث عن حتقيـــق اأهدافهم،

وبقـــدر ما يتمكن احلـــراك اجلنوبي مـــن اإطالة

اأمـــده كحراك �سلمـــي مييز نف�سه عـــن القاعدة

بقـــدر قدرته علـــى اإحـــراج النظـــام يف �سنعاء،

وهـــو اختبار �سعب له مـــع جتاهل الدولة ملطالبه

ومواجهتهـــا بالعنـــف الر�سمـــي. والبديـــل اأمـــام

ن احلـــراك هو تطويـــر خطابه بدال مـــن التح�س

خلـــف هـــدف االنف�ســـال، فيمكنـــه بنـــاء توافق

وطني يجتذب اإليه اأطيافا من القوى يف ال�سمال،

على �سبيل املثال اإعادة النظر يف م�سروع الوحدة

والتخلـــي عن هـــدف االنف�ســـال بهـــدف اإ�سابة

اأهداف اأخـــرى يف الدولة الوحدوية، بهذا ميكنه

�سحـــب الب�ســـاط مـــن حتـــت اأقـــدام النظام يف

�سنعاء.

لقـــد جنحت قوى احلراك، من الناحية الفعلية،

يف اإعـــادة طرح ال�سوؤال حول دولة الوحدة وطرح

هـــدف »التحرير« على اجلنوبيـــني، وهو ما ميثل

تطورا يف اأهدافهـــا احلقيقية التي بداأت يف عام

2007 مبجموعة من املطالب املعتدلة تثلت فقط

بـ: املطالبـــة بتحقيق قدر من العدالـــة وامل�ساواة

حني من يف التنميـــة مع ال�سمال، وباإعـــادة امل�سر

اجلي�س اإىل اخلدمة، وتوفري الوظائف، وتدعيم

�سلحيات �سلطـــة �سنع القـــرار املحلي، ومزيد

من ال�سيطرة على مـــوارد اجلنوب االقت�سادية،

مبـــا فيهـــا اأكـــرب حقـــل نفـــط مينـــي يف امل�سيلـــة

بح�سرمـــوت. وعلـــى الرغم من جنـــاح احلركة

يف اإعـــادة ال�ســـوؤال حـــول الوحـــدة اإىل الواجهة،

فاإن حتقيـــق االنف�سال يبدو بعيـــد املنال يف ظل

االأو�ساع الراهنة والتداخـــل امليداين واملناطقي

بني احلـــراك والقاعدة، وذلك علـــى الرغم من

كل م�سكلت اليمن املتمثلة يف ثالوث: احلوثيني،

�ســـوت اأن جنـــد واالآن القاعـــدة. احلـــراك،

االنف�سال يطغى على �ســـوت الوحدة، وال�سوت

اجلنوبي هو االأعلى واالأبرز.

مـــع ذلك، فاإن هـــذا االجتـــاه اإىل االنف�سال من

املنتظـــر اأن يت�ساعـــد اإذا مل تتمكـــن الدولة من

تقدمي روؤيـــة �ساملة تعيـــد تدار�ـــس االأ�س�س التي

قامـــت عليها الوحـــدة، وت�ســـع مرة ثانيـــة قرار

الوحدة على حمـــك الت�ساوؤل، وتاأخذ يف االعتبار

تايـــزات حمافظات اجلنـــوب، وتطـــور خطابا

مع اجلنوبيني يتجاوز احلـــل االأمني والع�سكري،

ليت�سمـــن حـــل تنمويـــا و�سيا�سيا اأ�سمـــل، وهذا

يتطلب تغيريا يف قواعـــد توزيع ال�سلطة واحلكم

يف �سنعاء، قد ال يكون املركز يف ال�سمال م�ستعدا

له حاليـــا. وبقدر قدرة الدولة على حتقيق تنمية

متوازنة يف ال�سمـــال واجلنوب بقدر قدرتها على

كبح جماح احلراك.

يف االأمـــد املنظـــور ميكـــن القـــول اإن االأ�سهر -

ورمبـــا ال�سنـــوات املقبلة - جتعـــل �سلطة الدولة

هي االأقوى، حيث ال ي�ستطيع املجتمع الدويل اأن

يطلب من اليمن اال�ستجابة ملطالب قوى احلراك

اجلنوبي يف ظل احلـــرب ال�سر�سة مع القاعدة،

وهذا ي�سع قيودا على خيارات اجلنوبيني، ولكن

يف االأمد االأبعد �سيـــزداد انتباه املجتمع الدويل

وتركيزه على الو�ســـع االإن�ساين للجنوب، ورمبا

ينتهي االأمـــر اىل التعاطي مع الهدف ال�سيا�سي

باالنف�سال والتعامل معه على غرار التعامل مع

جنـــوب ال�سودان، خ�سو�سا حـــني يفرغ النظام

مـــن الق�ســـاء علـــى تنظيـــم القاعـــدة، و�سوف

يتوقـــف امل�ستقبل على مدى قـــدرة النظام على

ا�ستمرار خلط املعركة يف اجلنوب باملعركة �سد

القاعدة، على االأقل خلل هذه الفرتة احلرجة

التـــي ال تتوافـــر فيهـــا الفر�ســـة لتطويـــر االأفق

ال�سيا�سي للنظام، كما �سيتوقف امل�ستقبل اأي�سا

على مدى قـــدرة اجلنوبيني على تييز اأنف�سهم

يف �سياق الن�سال ال�سلمي.

وتبقـــى احلالـــة الراهنـــة حالـــة اأف�ســـل ن�سبيا

لل�سلطـــة، الأنه يف الوقـــت الذي �ســـوف يتم فيه

الق�ســـاء علـــى تنظيـــم القاعدة �ســـوف تتجلى

اأكـــرث مطالبات اجلنـــوب. لذلك مـــن م�سلحة

الدولة اليمنية اأن توجـــد عنا�سر تداخل دائمة

بـــني القاعـــدة واحلـــراك خ�سو�ســـا يف فـــرتة

ال�سعف الراهنـــة، ومن املهم اأن ترتافق حربها

مـــع القاعدة مب�ساعيهـــا لل�ستجابـــة للمطالب

املعتدلـــة للحراكيـــني، عرب اإ�سلحـــات حقيقية

تعيـــد ثقة قوى احلراك بدولة الوحدة. وبالطبع

هنـــاك اأبعـــاد كثـــرية جتعـــل مـــن املمكـــن لهذا

الطـــرف اأو ذاك اإحـــراز انت�ســـارات تكتيكية،

لكن االنت�سار احلقيقي �سوف يتمثل يف القدرة

علـــى حتقيق اخـــرتاق ا�سرتاتيجي على اجلانب

االآخر.

عني على اليمن اليمن والعامل

املحــورق�سيـــة العــدد

املراقب االإ�سرتاتيجي

�سيا�سات اليوم وم�سارات الغد

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

Page 46: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 92 93ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

خالد الرماح باحث ومدير برنامج درا�سات القرن االأفريقي

مبركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية.

خالد اأحمد الرماح

[email protected]

ينظر اإىل التا�سع من كانون الثاين/يناير 2011، كيوم مف�سلي يف تاريخ ال�سودان احلديث. ففي

هـــذا اليـــوم �سيقرر �ســـكان اجلنوب االنف�سال اأو البقـــاء يف دولة واحدة مع ال�سمـــال. املوؤ�سرات

والدالئـــل توؤكـــد اأن الكفة ترجـــح ل�سالح االنف�سال، مـــا يعني االإعلن الر�سمـــي عن والدة دولة

جديـــدة ت�ساف اإىل دول املنطقـــة )�ستكون الدولة رقم 193 يف االأ�ســـرة الدولية(. وهذا احلدث

�سيكـــون مبثابة زلزال �سيا�ســـي وا�سرتاتيجي يهدد ا�ستقرار ال�سودان وحميطـــه االإقليمي، ويعيد

تركيـــب املعادلـــة اجليو�سرتاتيجية يف منطقة القـــرن االأفريقي. ومن املتوقـــع اأن تتد تداعياته

واآثـــاره اإىل املنطقة برمتها، بالنظـــر اإىل اأ�سلوب والدة الدولة، وموقعهـــا اجلغرايف، واجتاهاتها

ال�سيا�سية املتوقعة، وطبيعة علقاتها بالدول املجاورة والفاعلني الدوليني، وعلى �سبكة التحالفات

االإقليمية، وانعكا�سات كل ذلك على االأمن القومي العربي واال�ستقرار االإقليمي ب�سكل عام.

التداعيات االإقليمية النف�سال جنوب ال�سودان

املراقب اال�سرتاتيجي

ما بعـد النف�شال

�سابقة »تقرير امل�سري« وانعكا�ساتها االإقليمية

ابتـــداء فـــاإن التاأثـــري االإلهامي الأ�سلـــوب والدة دولة جنـــوب ال�سودان عرب

اال�ستفتـــاء علـــى حق تقرير امل�ســـري، �سيثري تطلعـــات وطموحات مناطق

�سراعـــات اأخـــرى يف املنطقة، ويعطـــي اجلماعـــات االنف�سالية يف بع�س

دولها مـــربرا و�سندا قانونيا للمطالبة باالنف�سال با�ستخدام نف�س احلق،

الـــذي حظي يف حالة ال�سودان بقبول وتاأييـــد دويل وا�سع. ومن املتوقع اأن

يخلـــق هذا احلدث �سابقة خطـــرية يف اأفريقيا قد تنتقل اإيل دول اأفريقية

جماورة، خ�سو�سا تلك التي تزخر بتباينات عرقية ودينية عميقة �سبيهة

بال�ســـودان. وميثل اخلـــرق االأول من نوعه – رمبـــا - ملبداأ حرمة احلدود

اال�ستعماريـــة امل�سطنعـــة بـــني دول القـــارة االأفريقية، والـــذي ن�س عليه

ميثـــاق االحتاد االأفريقي يف موؤتر القمـــة االأفريقية االأوىل الذي عقد يف

القاهـــرة يف توز/يوليـــو 1964. ولهذا هناك خمـــاوف اأن يفتح انف�سال

اجلنـــوب الباب اأمام اأقليـــات دينية وعرقية اأخـــري يف اأفريقيا للمطالبة

باالنف�ســـال وتكوين كيانات م�ستقلـــة اأ�سوة بجنوب ال�ســـودان، اأو يطالب

بع�سها االنف�سال واالن�سمام اإىل دولة اأخرى تنتمي اإليها عرقيا اأو دينيا.

وقـــد يكون هذا احلـــدث مبثابة �سرارة ت�سعل نـــريان اخللفات واحلروب

بـــني االأقليـــات والدول، ورغبـــة بع�سها تعديـــل حدودها التـــي ورثتها عن

اال�ستعمار مبا من �ساأنه تهديد اال�ستقرار االإقليمي.

وهناك خماوف اأن ي�ســـل التاأثري االإلهامي ال�ستفتاء جنوب ال�سودان اإىل

دول اأخرى يف املنطقة، كاليمن والعراق واملغرب ولبنان على �سبيل املثال.

وهـــي خماوف موجـــود ومربرة لكنها مبالغ فيها –علـــى االأقل فيما يتعلق

باليمـــن- ب�سبب الفـــارق بني الو�سعني، وطبيعة م�سكلـــة جنوب ال�سودان،

الناجتـــة يف االأ�سا�ـــس عـــن التباين الكبري بـــني ال�سمال واجلنـــوب دينيا،

وعرقيـــا وثقافيـــا، وف�سل الطرفـــني يف التمازج واالن�سهـــار على امل�ستوى

االجتماعـــي، وال يقت�ســـر االأمـــر عند رغبة فئـــة من ال�ســـكان االنف�سال

الأ�سبـــاب �سيا�سيـــة اأو اقت�سادية، لذلك ياأتي االنف�ســـال رمبا كحل اأخري

الإنهـــاء معاناة ما يقارب 22 عاما من احلرب االأهلية، وهو و�سع ال ينطبق

علـــى اليمن. لكن ذلك ال مينـــع من القول اأن التاأثـــري االإلهامي النف�سال

جنـــوب ال�ســـودان عرب حق تقريـــر امل�سري، �سيثـــري تطلعـــات العديد من

القوى الطاحمة لت�سكيل كيانات م�ستقلة مبا فيها اليمن. ومن االأف�سل اأن

يكون هذا احلـــدث حمفزا للحكومات – بدال اأن يكون حمفزا للجماعات

االنف�ساليـــة- مـــن اأجل ال�سعـــي اجلاد حلـــل م�ساكلها الداخليـــة ما دام

مبقدورها ذلك، قبل اأن ت�ستفحـــل وتخرج عن ال�سيطرة وتتيح للأطراف

اخلارجية التدخل وتوجيهها مبا يخدم م�ساحلها.

ال�سودان بوؤرة مرجحة للتوتر و�سع ال�سودان

بعـــد اال�ستفتاء هـــو االآخر يثري العديد مـــن الت�ســـاوؤالت، وال�سيناريوهات

املتوقعة التي قد حتوله فعل اإىل بوؤرة للتوتر وعدم اال�ستقرار يف املنطقة. S. A

lEX

AN

Dr

E /

Flic

kr

93 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 47: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 94 95ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املراقب اال�سرتاتيجي

فعلـــى م�ستـــوى اجلنوب، هناك من يـــرى اأن االنف�سال �سيـــوؤدي اإىل خلق

دولـــة فا�سلة غري قـــادرة على احلياة، تثـــل تهديدا للأمـــن االقت�سادي

وال�سيا�ســـي لل�ســـودان واالأقاليم املجاورة، خ�سو�ســـا يف حال عجزها عن

ت�سدير نفطها الذي ميثل 95% من مواردها، كونها دولة حبي�سة ال منافذ

بحريـــة لهـــا، اإال عرب ال�سمـــال، اأو كينيـــا يف اأق�سى ال�ســـرق على املحيط

الهنـــدي. باال�سافـــة اإىل �سعـــف بنيتها التحتيـــة وهياكلهـــا االقت�سادية

)كامل�ست�سفيـــات، املدار�ـــس، الطـــرق، خطـــوط الكهرباء، �سبـــكات املياه

وال�ســـرف،... الخ(، وافتقارها اإىل الكوادر الب�سرية املوؤهلة )املدر�سون،

االأطباء، املهند�سون، ال�سيادلة.... الـــخ( ال�سرورية ملواجهة احتياجات

بنـــاء الدولة. واإن كان �سكوت غري�سون مبعوث االإدارة االأمريكية لل�سودان

قد ا�ستبعد ميلد دولة فا�سلة يف اجلنوب، ب�سبب اأن هذا الربنامج مدعوم

- علـــى حد قوله- دعما كامل على اأعلـــى م�ستوى من االدارة االأمريكية،

وباإ�سراف ومتابعة �سخ�سية من نائب الرئي�س جو بايدن.

بينمـــا يذهـــب البع�ـــس اإىل اأن اخلطـــر االأكـــرب يف اجلنـــوب ال ياأتـــي من

احتمـــاالت ف�ســـل الدولة الوليـــدة، واإمنا من قدرتها علـــى خلق االن�سجام

والتما�سك الداخلي على ال�سعيدين االجتماعي وال�سيا�سي، والقدرة على

حتقيق اال�ستقرار يف اجلنوب بعد االنف�سال، يف ظل تركيبته االجتماعية

املعقدة والتـــي ت�سم حوايل 500 جمموعة اأثنيـــة اأكربها قبائل الدنكا ثم

قبائـــل النوير فقبائل ال�سلـــك، ولها امتدادات عرقيـــة يف الدول املجاورة

كاأوغندا واإثيوبيا وكينيا والكونغو، وي�سود العلقات فيما بينها عدم الوفاق

والتناحـــر اأحيانا، وكثريا مـــا حتدث حاالت ترد مـــن بع�سها على قبيلة

الدنكا امل�سيطرة على احلركة ال�سعبية وعلى املوارد وال�سلطة يف اجلنوب،

كما حدث على �سبيل املثال عام 1991 عندما قاد بع�س اأبناء قبيلة النوير

)رياك م�سار واآخرون( ومعهم عنا�سر من ال�سلك

تـــردا �ســـد جـــون قرنق تعبـــريا عـــن التذمر من

هيمنـــة الدنكا، والـــذي تطور اإىل حـــرب اإثنية يف

الفـــرتة مـــن 1992-1999، وفاق فيها عـــدد القتلى

بـــني الدينكا والنوير كل من قتلوا بوا�سطة اجلي�س

ال�ســـوداين يف الفـــرتة مـــن 1983-1999. والتمـــرد

االأخـــري الـــذي يقوده جـــورج اأطور داخـــل اجلي�س

ال�سعبي نف�سه �ســـد �سيطرة الدنكا، يثري ال�سكوك

حـــول اإمكانية بقاء احلركة ال�سعبية متما�سكة بعد

االنف�ســـال، خ�سو�سا اأنها تتكـــون من خليط غري

متجان�ـــس قابـــل للت�سظي يف اأي وقـــت، ت�سم حتت

عباءتهـــا ما يقـــارب 40 ف�سيل م�سلحـــا تنت�سر يف

اجلنوب، جميعها م�سكلة على اأ�سا�س اأثني.

لـــذا يذهب الكثـــري من املراقبـــني اإىل اأن ال�سراع

بـــني الدينكا وبـــني ال�سلـــك والنوير قد يـــوؤدي اإىل

ن�سوب نزاع عرقي داخـــل اجلبهة ال�سعبية، يحول

اجلنوب اإىل �ساحـــة للمعارك بـــني اأبنائه وقبائله

من اأجل ال�سيطرة على ال�سلطة ال�سيا�سية والرثوة

بعد زوال تهديـــد ال�سمال الذي كان يوحد القبائل

اجلنوبية يف جبهة واحدة متما�سكة.

اأما ال�سمال فاأو�ساعه لن تكون اأح�سن حاال، فانف�سال اجلنوب عرب حق

تقريـــر امل�سري �سيفتح الباب وا�سعا اأمـــام مطالبة اأقاليم �سودانية اأخرى

باالنف�ســـال با�ستخدام نف�س احلق اأ�سوة باجلنـــوب، وحتديدا يف مناطق

التوتـــر الرئي�سية )دارفـــور، وجنوب كردفـــان، ومنطقة النيـــل االأزرق(،

واأقربهـــا متمردي دارفـــور، حيث طالبت فعل حركة العـــدل وامل�ساواة يف

اأحـــد بياناتها بهذا احلق �سراحة. ويف حال اأ�سفر االنف�سال عن علقات

متوتـــرة مـــع اجلنوب ب�سبـــب الق�سايـــا اخللفيـــة العالقة، فـــاإن اجلبهة

ال�سعبيـــة احلاكمة يف اجلنوب �ستعمـــد اإىل تقدمي الدعم وامل�ساعدة وفتح

اأرا�سيها كماأوى وقاعدة انطلق حلركات التمرد االأخرى.

ودون التـــزام الطرفـــني ب�سمـــان اأمن وا�ستقـــرار الطرف االآخـــر فاإنهما

�سيكونان معا عر�ســـة للقلقل وعدم اال�ستقرار، فيوجد على �سبيل املثال

اأعداد كبـــرية من اأبناء الواليـــات ال�سمالية املتاخمة للحـــدود )من اأبناء

النوبـــة والنيل االأزرق( �سمن اجلبهة ال�سعبيـــة لتحرير ال�سودان، وميكن

اأن يكـــون هوؤالء م�سدر الإثـــارة القلقل وعدم اال�ستقرار يف حال ال�سراع

بـــني ال�سمـــال واجلنـــوب. باالإ�سافة اإىل وجـــود عدد من حـــركات دارفور

غري املوقعة على اتفاقيـــة ال�سلم يف اجلنوب، وتاأمل احل�سول على دعم

اجلبهة ال�سعبية لتتمكن من خو�س جولة جديدة من احلرب �سد احلكومة

املركزية يف اخلرطوم. واجتـــاه حكومة اجلنوب لتبني ق�سايا املجموعات

املتمردة يف ال�سمـــال، �سي�سكل خطورة كبرية على ا�ستقراره، وعلى جهود

حكومة اخلرطوم لل�سيطرة على م�ساكلها الداخلية.

و�سيعمـــق من خطـــورة االأو�ساع يف ال�سمـــال تردي اأو�ساعـــه االقت�سادية

جـــراء انقطاع عائـــدات النفط القادمـــة من حقول

اجلنـــوب، والتـــي تثل نحو 80% مـــن كل عائدات

النفـــط )وت�ســـكل بالن�سبة لل�سمـــال نحو 45% من

املـــوارد، ونحـــو 95% مـــن ال�ســـادرات(، واإذا ما

دتت عائدات النفط فـــاإن ذلك �سينعك�س �سلبا فقم

على قدرات الدولة االأمنية والع�سكرية، ويعمق من

ه�سا�سة االأو�ساع ال�سيا�سية.

العاقــات بــن ال�ســمال واجلنوب

ي�ســـري ت�سريـــح الرئي�س عمـــر الب�ســـري منت�سف

كانـــون االأول/دي�سمـــرب 2010، والـــذي دعـــا فيـــه

اجلنوبيني للبقاء حتت �سقف الوحدة مقابل تنازل

احلكومة املركزيـــة يف اخلرطوم عن ح�ستها من

عوائـــد النفـــط القادمة من حقـــول اجلنوب، اإىل

رغبـــة حقيقة وجـــادة للحفـــاظ علـــى الوحدة مع

اجلنـــوب حتـــت اأي �سيغة يختارهـــا، كخيار بديل

التمــرد الــذي يقوده جورج اأطور داخل اجلي�ض ال�ســعبي يثري ال�ســكوك

حول اإمكانية بقاء احلركة ال�ســعبية متما�سكة بعد االنف�سال، خ�سو�سا

اأنها تتكون من خليط غري متجان�ض قابل للت�سظي يف اأي وقت

عـــن االنف�سال وت�سكيـــل دولة م�ستقلـــة. لكن ردة

الفعـــل اجلنوبية على هذا العر�س توحي باأنه جاء

متاأخـــرا جدا لي�ستطيع اإقنـــاع القيادات اجلنوبية

بالعدول عن االنف�سال، والتي طالبت -عو�سا عن

اال�ستجابة له- بقرارات اأكرث �سجاعة من الرئي�س

الب�ســـري حل�ســـم اخللف احلدودي حـــول منطقة

اأبيي املتنازع عليها.

علـــى وترغـــب حكومـــة اخلرطـــوم يف احلفـــاظ

علقـــات وديـــة ومتطـــور مـــع اجلنـــوب يف حـــال

االنف�ســـال، لكـــن ذلـــك حمـــل �سك كبـــري يف ظل

االإرث العدائي العميق الناجت عن اأكرث من 22 �سنة

مـــن احلرب، ووجود العديد مـــن الق�سايا العالقة

املثرية للخـــلف املتعلقة باحلـــدود وبالنزاع حول

منطقـــة اأبيي الغنية بالنفط. وحـــدوث االنف�سال

قبـــل ح�سم هذه الق�سايا بطرق وديـــة ير�سح لعلقات عدائية ورمبا عودة

احلرب جمددا بني اجلانبني.

وتعد النزاعات احلدودية والتداخـــل الدميوغرايف بني ال�سمال واجلنوب

وحتديدا يف مناطق اأبيي، والنيل االأزرق، وجنوب كردفان، اأقوى التحديات

التي تواجه عملية االنف�سال، ومن املرجح اأن تتحول اإىل مناطق نزاعات

وتوتـــرات بعد االنف�سال، وتوؤدي اإىل ه�سا�ســـة يف االأو�ساع احلدودية، يف

ظـــل تداخل ال�سكان وملكيات االأرا�ســـي على جانبي احلدود، وتعود بع�س

القبائـــل التي تتهن الرعـــي التنقل بحرية بحثا عن املـــاء واملرعي، دون

مراعاة للفوا�سل احلدودية.

كما يوجد اأعداد كبرية من اجلنوبيني يف ال�سمال، واأعداد من ال�سماليني

يف اجلنـــوب، مـــن ال�سعب ترتيـــب اأو�ساعهـــم دون تفاهـــم م�سرتك بني

احلكومتـــني، وميكن اأن ت�سبح يف حال ال�سراع م�سادر تهديد، ويف نف�س

الوقت عر�سة للنتهاك واالإ�ساءة بذرائع اأمنية.

خريطة حتالفات اإقليمية جديدة االأو�ساع

اجلديدة �ستوؤثر حتما يف الـــدول املحيطة بال�سودان، وقد توؤدي اإىل ن�سوء

خريطـــة حتالفـــات اإقليمية جديـــدة، نتيجة التقـــارب الثقـــايف والعرقي،

ونتيجـــة لدعم العديـــد منها انف�ســـال جنوب ال�سودان. فقـــد �سدرت يف

االآونـــة االأخرية ت�سريحات ومواقف من جانـــب اأوغندا تو�سح مبا ال يدع

جماال لل�سك اأنهـــا تدفع باجتاه انف�سال جنوب ال�سودان، وحماولة جذبه

اإليهـــا مـــن اأجل اال�ستفـــادة من ثرواتـــه النفطية. وتطمح كينيـــا اأن تكون

الدولـــة الوليدة �سوقا ملنتجاتها ومنفذا لت�سديـــر منتجاتها النفطية عرب

اأرا�سيها. وكل الدولتان - كينيا واأوغندا- ي�ستفيد

من و�سع جنوب ال�سودان بعيدا عن اخلرطوم، اأما

اأثيوبيا فتطمح يف احل�سول على ن�سبة من النفط

ال�ســـوداين لتغطية حاجاتها الداخليـــة املتزايدة.

وترغـــب هذه الدول يف جذب جنـــوب ال�سودان يف

حـــال انف�ساله اإىل جمموعـــة دول �سرق اأفريقيا.

ومـــن املحتمل ظهور جماعة اأمنية جديدة يف هذه

املنطقة ت�سم جنوب ال�سودان مع باقي دولها حتت

اإ�سراف ورعاية اأمريكية.

القومــي التداعيــات علــى االأمــن

االأهميـــة تاأتـــي العربــي

االإ�سرتاتيجيـــة لل�ســـودان مـــن كونه البلـــد االأكرب

م�ساحـــة يف كل اأفريقيـــا والعـــامل العربـــي، بحيث

ت�ســـل م�ساحتـــه اإىل اأكرث من مليـــوين مرت مربع،

كما ي�ســـكل بحدوده مع ع�سر دول اأفريقية وعربية

مفـــرتق طـــرق ا�سرتاتيجـــي، وج�ســـرا يربط بني

الدول العربية واالأفريقيـــة مبوقعها اال�سرتاتيجي

يف قلـــب القارة االأفريقية. باالإ�سافة اإىل ما ميلكه

مـــن م�ســـادر اأوليـــة واحتياطيات نفطيـــة )يقدر

االحتياطـــي النفطي لل�سودان مبا يقارب 2 مليـــار برميل ح�سب تقديرات

2006(، ف�سل عن ثرواته احليوانية والزراعية والتعدينية.

والقيمـــة االقت�ساديـــة وال�سيا�سيـــة واالإ�سرتاتيجية التي ميثلهـــا ال�سودان

للنظـــام العربي ترتبـــط ارتباطا مبا�سرا بحجمـــه وموقعه اال�سرتاتيجي،

وموارده الواقعة داخل حـــدوده. ودون �سك فاإن انف�سال جنوبه وحرمانه

مـــن: 21 – 33% من موارده الب�سرية، و25% مـــن االأر�س البكر ال�ساحلة

للزراعـــة طـــول العـــام لوجود االأمطـــار، و60% مـــن الغابـــات، و70% من

احليـــاة الربيـــة، و55% من الرثوة احليوانية، و30% مـــن الرثوة ال�سمكية

النهريـــة، و80% من النفـــط، وحرمان ال�سمال من عمقـــه اال�سرتاتيجي؛

اإذ ميثـــل اجلنوب 26% مـــن الكتلة احليوية، يعني ذلـــك انتقا�سا من قوة

ال�سودان ال�ساملة االقت�سادية وال�سيا�سية واالإ�سرتاتيجية واالجتماعية...

الخ، وبالتـــايل اقتطاعا من ر�سيد الوطن العربـــي وعمقه اال�سرتاتيجي،

خ�سو�ســـا اأن انف�سال جنوب ال�سودان لن يـــوؤدي اإىل اإ�سافة دولة عربية

جديـــدة، بل يف الواقع ق�سم اأو ف�سل جزء من هـــذا الكيان خارج االإطار

العربي واالإ�سلمي، ووالدة دولة اأفريقية جديدة، من املتوقع اأن تكون اأبعد

ما تكون عـــن الثقافة العربية واالإ�سلمية، ويف و�ســـع اأقرب اإىل القطيعة

والعـــداء معها، لعـــدة اأ�سبـــاب اأهمها: طبيعـــة النخبة احلاكمـــة املعادية

للثقافـــة العربيـــة واالإ�سلمية، وتركيبتهـــا العرقية والقبليـــة االأقرب اإىل

الدول االأفريقيـــة املحيطة بال�سودان، وثالثها طبيعـــة القوى الدولية التي

تدعمها وتقف خلفهـــا كالواليات املتحدة، والـــدول االأوروبية، واإ�سرائيل،

واحتـــاد الكنائ�ـــس العاملي، كل هذه القـــوى �ستجذب الكيـــان اجلديد اإىل

قيمهـــا وم�ساحلهـــا، لذلـــك فاالأقـــرب اأن تتحـــول اإيل مركـــز للحـــركات

النزاعــات احلدودية والتداخل الدميوغرايف بن ال�ســمال واجلنوب

اأقوى التحديات التي تواجه عملية االنف�سال، ومن املرجح اأن تتحول

اإىل مناطق نزاعات وتوترات بعده

Page 48: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 96 97ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

التب�سريية والتن�سريية ومركز نفوذ للدول الغربية.

تغريب اجلنوب يقدر ن�سبة امل�سلمني يف

جنوب ال�سودان بـ18%، مقابل 17% من امل�سيحيني، و65% من االإحيائيني

)وثنيـــني واأرواحيني(. كما توجد قبائل عربيـــة تعي�س يف اجلنوب، ورغم

انت�ســـار لهجـــات متعددة يف اجلنـــوب ي�سل عددهـــا اإىل 12 لهجة، اإال اأن

اللغة العربية “املحلية” التـــي تنطق بلكنة اأفريقية هي اللغة التي يتعامل

بها اأغلب ال�سكان تقريبا، بينما تعد اللغة االإجنليزية لغة النخبة، وتو�سح

اجتاهاتهـــا اأنها ت�سعـــى جلعل االجنليزيـــة اللغة الر�سميـــة االأوىل، بينما

ترتاجـــع اللغة العربية لتكون اللغة الثانيـــة اأو الثالثة على حد تعبري ممثل

جنوب ال�سودان يف وا�سنطن اإيزكيل لول جاتكوث.

ومـــن املتوقع اأن تعمل النخبة احلاكمة اجلديـــدة يف جنوب ال�سودان على

تر�سيـــخ قيـــم ثقافية جديـــدة اقـــرب اإىل الغـــرب، وتقلي�س فر�ـــس ن�سر

االإ�ســـلم، مقابل فتح الباب على م�سراعيه للحركات التب�سريية. وح�سب

موقع »تقرير وا�سنطن« فاإن زعماء تيار املحافظني اجلدد املتدينني لديهم

خطـــط معـــده �سلفا الإعادة بنـــاء مئـــات الكنائ�س التي دمرتهـــا احلكومة

ال�سودانية وامللي�سيات املوالية لها يف جنوب ال�سودان اأثناء احلرب.

وقـــد كان جنـــوب ال�ســـودان منذ وقـــت مبكر �ساحـــة مفتوحـــة للمب�سرين

امل�سيحيني لن�سر الن�سرانية بـــني ال�سكان، ولعب جمل�س الكنائ�س العاملي

دورا كبـــريا يف دعـــم حركـــة التمرد يف اجلنـــوب بو�سائـــل خمتلفة، بينما

دخلت منظمـــات الدعوة االإ�سلمية يف فرتة متاأخرة حلبة املناف�سة لن�سر

االإ�ســـلم يف اجلنوب. ومن املتوقـــع اأن يوؤدي االنف�سال اإىل الت�سييق على

املنظمـــات الدعويـــة االإ�سلمية، ليكـــون اجلنوب حكرا ب�ســـكل كامل على

املنظمـــات التب�سريية امل�سيحية، وليتحول ما تبقى من ال�سكان اللدينيني

اإىل الن�سرانيـــة خـــلل �سنوات قليلـــة، وي�سبح امل�سلمـــون اأقلية معر�سة

لل�سطهاد. وتتبدا ملمح هذا اال�سطهاد من االآن، حيث ت�سري التقارير

الر�سمية ال�سودانية اإىل وجود »عمليات ت�سييق على امل�سلمني يف اجلنوب،

تتمثـــل يف منـــع االأذان يف عـــدد من واليـــات اجلنوب، واإغـــلق اخللوي

)اأماكـــن تعليم القراآن(، واجلامعـــات والكليات وامل�ســـارف االإ�سلمية،

وا�ستبدال املنهج ال�سوداين العربي باملناهج الكينية واالأوغندية«.

و�سبق اأن ك�سفت وثيقة �سادرة عن رئا�سة اجلمهورية ال�سودانية يف اأيلول/

�سبتمرب 2007 عن »خروقات« قامت بها »احلركة ال�سعبية« التفاقية �سلم

»نيفا�ســـا«، �سد امل�سلمني يف اجلنـــوب، وا�سطرت احلكومـــة املركزية يف

اخلرطـــوم للتدخل عدة مـــرات لوقف هذه االنتهـــاكات، والتي تف�سر على

اأنهـــا حماولة الإجبـــار امل�سلمني علـــى الرحيل من اجلنـــوب، بخلف منع

ارتداء احلجاب بالن�سبة للفتيات الطالبات، والت�سييق على وجود مكاتب

ديوان الزكاة. ومن املتوقع اأن يجلب االنف�سال مزيدا من املخاطر مل�سلمي

جنـــوب ال�سودان، يف ظل دولة قد تكون معاديـــة للإ�سلم وتفتح ذراعيها

للمب�سريـــن، و�سيـــربز م�سلمو اجلنوب ككيان لـــه اإ�سكاالته، ورمبا يجدون

اأنف�سهـــم مواطنـــني من الدرجـــة الثانيـــة، يف و�سع حتكمه نظـــرة الريبة

واتهامهم بالعمالة لل�سمال.

ومع تراجع البعـــد العربي واالإ�سلمي يف دولة اجلنـــوب �ست�سبح الفجوة

الفا�سلة بينها وبني العـــامل العربي واالإ�سلمي وا�سعة و�ستكون اأقرب اإىل

حميطهـــا االأفريقي. كما اأن االنف�ســـال �سيعزل ال�سمال ثقافيا عن جواره

االأفريقي، وتكون دولة اجلنوب مبثابة جدار عازل بني ال�سمال واالت�سال

املبا�ســـر ب�سرق اأفريقيا، وحرمانه مـــن لعب دوره كج�سر يو�سل احل�سارة

والثقافـــة العربيـــة الأفريقيـــا. ومنـــع االإ�سلم مـــن التمـــدد واالنت�سار من

ال�سمال اإىل اجلنوب، واإىل دول اجلوار االأفريقية.

الــدور االإ�ســرائيلي ي�ســـري ت�سريـــح

�سيلفا كري رئي�س جمهورية جنوب ال�سودان املرتقبة “اأن اأول دولة �سيقيم

معها علقات دبلوما�سية فـــور االنف�سال هي اإ�سرائيل”، اإىل حقيقة دور

اإ�سرائيـــل، وحجم وجودها يف جنـــوب ال�سودان، وما اإذا كان �سيتحول اإىل

موطئ قدم ومرتع للدولة العربية يف خا�سرة ال�سودان والعرب؟

وحقيقـــة الوجود االإ�سرائيلي يف جنوب ال�سودان يعود اإىل البدايات االأوىل

لن�سوء حركات التمرد اجلنوبي، يو�سح ذلك العميد االإ�سرائيلي املتقاعد

)مو�ســـي فرجـــي( يف كتابه “اإ�سرائيـــل وحركة حترير جنـــوب ال�سودان:

نقطـــة البدايـــة ومرحلة االنطـــلق”، وال�سادر عن مركز ديـــان الأبحاث

ال�ســـرق االأو�سط واأفريقيا بجامعة تل اأبيب، والذي يو�سح فيه كيف قامت

اإ�سرائيـــل بتطويـــر اجلي�س ال�سعبـــي وامل�ساعدة يف ت�سكيـــل جي�س نظامي

جنوبـــي، وم�ساعـــدة احلركة اجلنوبيـــة بال�سيا�ســـة واالأ�سلحـــة والتدريب

واملعلومات وغريها حتى تنمو وتزداد قوة وتاأثري.

وقـــد تلقى قرنـــق نف�ســـه دورات ع�سكرية خا�ســـة يف كلية االأمـــن القومي

االإ�سرائيلي، وقال قرنق يف بداية عام 2002 يف اأ�سمرة العا�سمة االريرتية

اأثنـــاء لقائـــه م�سئـــول اإ�سرائيلـــي كبـــري يف وزارة الدفاع، معرتفـــا بف�سل

اإ�سرائيـــل عليه وعلى حركته: »اأنتم ظهر اجلماعـــات واالأقليات املقهورة،

ولوالكـــم ملا حترر االأكـــراد من العبودية العربية وملـــا نف�س اجلنوبيون يف

ال�ســـودان عـــن كاهلهم غبار اخل�ســـوع واخلنوع والـــذل والعبودية، ونحن

نتطلـــع اإىل ا�ستمرار هذا الدور حتى بعد اأن يتمكن اجلنوبيون من ت�سكيل

كيان �سيا�سي وقومي خا�س بهم مت�سلحا ومنف�سل عن �سيطرة ال�سمال«.

وقد توىل �سباط اإ�سرائيليون من اأ�سل اأثيوبي )من يهود الفل�سا( مهمة

تدريـــب اجلي�س ال�سعبـــي وت�سليحه. وتتاأكـــد اأوا�سر التعـــاون االإ�سرائيلي

ومتمردي جنوب ال�سودان ب�سورة اأكرب، حني نعلم اأن من بني قادة التمرد

ديفيـــد ب�سيونـــى اليهودي االأ�ســـل، والـــذي كان مر�سحـــا لرئا�سة حكومة

اجلنوب التي �سكلتها احلركة ال�سعبية لتحرير ال�سودان يف ني�سان/اأبريل

.2001

وتوجـــد اإ�سرائيـــل حاليـــا بقـــوة يف جنـــوب ال�ســـودان اأمنيـــا وا�ستخباريا

واقت�ساديـــا، وت�ســـارك بفعاليـــة يف التح�سري لقيام الدولـــة اجلديدة من

خـــلل التدريـــب وتقدمي اال�ست�ســـارات الفنيـــة وال�سيا�سية، ولهـــا العديد

مـــن اال�ستثمارات وامل�سالح االقت�ساديـــة يف جوبا. ودورها رئي�سي وكبري

يف اإعـــداد وتدريب وتكوين اجلي�س اجلنوبـــي، وحتويله اإىل جي�س نظامي

ليكون �سناعة اإ�سرائيلية كاملة.

واخلطـــط االإ�سرائيليـــة لتفتيـــت واإ�سعـــاف ال�ســـودان ت�ســـري وفـــق نظرة

اإ�سرتاتيجيـــة، تعـــرب عنها كلمـــات وزير االأمـــن الداخلـــي االإ�سرائيلي اآيف

ديخـــرت، يف حما�سرة لـــه يف 4 اأيلول/�سبتمـــرب 2008، اإذ قال: “ال�سودان

املراقب اال�سرتاتيجي

مبـــوارده وم�ساحته ال�سا�سعة وعدد �سكانه ميكـــن اأن ي�سبح دولة اإقليمية

قويـــة مناف�سة مل�سر والعراق وال�سعودية... وي�ســـكل ال�سودان مل�سر عمقا

اإ�سرتاتيجيـــا، جتلى ذلك بعد حرب 1967 حيـــث حتول اإىل قواعد تدريب

واإيـــواء �ســـلح اجلو امل�سري والقـــوات الربية، واأر�سل قـــوات اإىل منطقة

القنـــاة اأثناء حـــرب اال�ستنزاف، ... واإ�سعاف ال�ســـودان وانتزاع املبادرة

منـــه لبنـــاء دولة قويـــة موحـــدة �ســـروري لدعم وتقويـــة االأمـــن القومي

االإ�سرائيلي”.

ومـــن الوا�سح اأن اإ�سرائيل لن تكتفـــي بدعم انف�سال جنوب ال�سودان، بل

�ستمتد يدها اإىل اأجزاء اأخرى، ال�ستكمال املخطط يف اإ�سعاف ال�سودان،

وتطويـــق م�سر، ونزع م�سادر اخلطر امل�ستقبلـــي املحتمل �سد اإ�سرائيل،

وا�ستكمـــال اإ�سرتاتيجيتهـــا امل�سماة “التحالف الدائـــري” التي تقوم على

بناء حتالفات حول الدول العربية املهمة، ومبوجبها قامت بتكوين علقات

متميـــزة مع اإثيوبيا واأوغندا واريرتيا وجنـــوب ال�سودان. وخطوتها التالية

�ستكـــون دعم حركات التمرد االنف�سالية يف غـــرب ال�سودان وحتديدا يف

اإقليم دارفـــور، والتي لبع�سها ممثلني حاليا يف تـــل اأبيب، كحركة حترير

ال�سودان التي يتزعمها عبد الواحد اأحمد نور.

النيــل ميــاه تقا�ســم وق�ســية اجلنــوب انف�ســال

كمـــا هو معروف فقد اأثـــريت اإ�سكالية ميـــاه النيل على نطـــاق وا�سع منذ

اأيار/مايو 2010، بعد قيام خم�س دول من دول حو�س النيل، هي: اإثيوبيا،

واأوغندا، وروانـــدا، وتنزانيا، وكينيا بالتوقيع على اتفاق اإطاري جديد يف

مدينة عنتيبـــي االأوغندية، يعيـــد توزيع ح�س�س مياه نهـــر النيل، يف ظل

مقاطعة كل من م�سر وال�سودان اللتني تتم�سكان باتفاق تقا�سم مياه النيل

املوقع عام 1929 بني م�سر وبريطانيا.

وقـــد جتددت املخاوف مـــع ت�سريحـــات الناطق الر�سمـــي با�سم احلركة

ال�سعبيـــة لتحرير ال�سودان باأن اجلنـــوب �سيكون الدولة رقم 11 يف حو�س

النيل، وهو ما ي�ستلزم اإعادة توزيع ح�س�س املياه يف �سوء الواقع اجلديد،

واملطالبـــة بتعديل اتفاقية حو�س النيل ا�ستعـــدادا الن�سمام دولة جديدة.

لذا يرجح البع�س اأن ين�سم جنوب ال�سودان اإىل دول املنبع، بحكم �سلته

القوية معها، يف مواجهة دول امل�سب )م�سر و�سمال ال�سودان(.

اإال اأنه، ومن جانب اآخر، هناك من يقلل من خطورة تاأثر انف�سال جنوب

ال�ســـودان على مياه النيـــل، باعتبار اأن النيل االأزرق )الذي ميثل 86% من

مياه النيل الوا�سلة اإىل م�سر و�سمال ال�سودان( ال مير بجنوب ال�سودان،

كمـــا اأن معظـــم اأجزاء جنـــوب ال�سودان غنيـــة باالأمطـــار، وحاجتها ملياه

النيـــل يف الري حمدودة، وبالتايل فان اخلطـــر ال ياأتي من احتمال �سعيه

لتق�سيـــم ح�سة م�ســـر وال�سودان يف مياه النيل علـــى ثلث دول، بدال من

دولتـــني كما هو حا�سل حاليا، واإمنا اخلطر احلقيقي ياأتي من احتمال اأن

ي�سبح اجلنوب مرتعا خ�سبا الإ�سرائيل، والتي ت�سعى لتعظيم وجودها يف

الـــدول املهمة بالن�سبة للأمن القومي امل�ســـري، كاأداة لل�سغط عليه فيما

اإذا تغـــريت التوجهـــات امل�سرية احلالية جتاه اإ�سرائيـــل، واأي�سا حتدوها

اآمـــال وا�سعـــة يف احل�سول علـــى مياه النيـــل عرب م�ســـر، اإذا ا�ستطاعت

الت�سييق وال�سغط عليهـــا بوا�سطة دول املنبع وباقي دول احلو�س، وذلك

يف ظـــل حالة الندرة ال�سديدة للمياه التي تعانيهـــا اإ�سرائيل، والذي يهدد

م�ستقبلها، ويحول دون تو�سعها واإمكانية ا�ستقدام مزيد من اليهود اإليها.

ويعـــرتف اخلبري االإ�سرائيلي اآرنون �سوفـــري يف كتابه “�سراعات املياه يف

ال�سرق االأو�سط”، باأن حدوث اأزمة مياه يف م�سر تعد م�سلحة اإ�سرائيلية

اإ�سرتاتيجيـــة، الأن ذلـــك �سيـــوؤدي اإىل حتجيم دورهـــا يف املنطقة. وكانت

العا�ســفة املقبلة: اخلطر االأكرب يف جنوب ال�ســـودان ال ياأتي من احتماالت ف�سل الدولة الوليدة،

واإمنا من قدرتها على خلق االن�سجام والتما�سك الداخلي على ال�سعيدين االجتماعي وال�سيا�سي

ME

Arc

hiv

E

Page 49: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 98 99ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املراقب اال�سرتاتيجي

اإ�سرائيل قد عر�ست على م�سر التدخل الإنهاء اخللفات بينها وبني دول

املنبـــع حول االتفاقية االإطارية مقابل موافقـــة م�سر على اإقامة اإ�سرائيل

م�ساريـــع مائية يف اإثيوبيـــا، وكان الرد امل�سري على ل�سان الرئي�س ح�سني

مبارك “اأن مياه النيل لن تتجاوز حدود م�سر”.

التعاطي مع انف�ســال قادم ال حمالة ميكن القول

اأن انف�ســـال جنوب ال�ســـودان اأ�سبح اأمرا واقعا ال مفـــر منه، وال يعدو اأن

يكـــون م�ساألـــة وقـــت ال اأكرث، ومن ال�سعـــب احليلولـــة دون حدوثه يف ظل

معطيـــات الواقع الراهن، بحيث مل تعد اخليـــارات املتاحة بني الوحدة اأو

االنف�ســـال، بل بـــني انف�سال ودي و�سل�س وانف�ســـال متوتر وعنيف. ومن

االإن�ســـاف القول اأن النظام ال�ســـوداين ال يتحمل وحده م�سئولية انف�سال

اجلنـــوب، فالنظام العربي يتحمل جزءا من امل�سئولية، فقد وقفت معظم

الـــدول العربية الأكرث من 22 عاما موقف املتفرج، وكاأن احلرب وال�سراع

الدائـــر يف ال�ســـودان ال يعنيهـــا. ورمبـــا �سجـــع بع�سهـــا حـــركات التمـــرد

االنف�ساليـــة ومدها باملال وال�ســـلح. واأ�سبحت م�سكلـــة جنوب ال�سودان

بفعل التدخل الكثيف للقوى اخلارجية و�سعف املوقف العربي، فوق قدرة

ال�سمال مبفرده على التعاطي معها، بل واأ�سبحت عبئا ثقيل على كاهله،

ا�ستنزفـــت موارده واإمكانياته وطاقاتـــه الب�سرية، واأعاقت جهود التنمية.

وعجـــز ال�سودان عن ح�سمهـــا ع�سكريا خلل 22 عامـــا من احلرب، وهو

اأعجز عن ذلك االآن يف ظل ظروفه الراهنة.

وقـــد اختار ال�سودان يف اتفـــاق نيفا�سا 2005، طريـــق ال�سلم والتفاو�س

ك�سبيل حلـــل هذه امل�سكلة وقدم من اأجل ذلك تنـــازالت �سخمة، هي التي

اأو�سلـــت خيار االنف�سال يف واقع االأمر اإىل مرحلة اللعودة، ولي�س اأمامه

�سوى امل�سي يف هذا الطريق حتى النهاية. فاالنف�سال ال�سك ي�سكل خ�سارة

كبرية لل�ســـودان وللوطن العربي، لكن اخل�سارة �ستكون اأكرب واأ�سد فداحة

اإذا قاد االنف�سال اإىل علقات متوترة اأو عدائية مع اجلنوب، اأو اأدى اإىل

ابتعاد الدولة الوليدة عن العامل العربي، وارتائها يف اأح�سان قوى اأخرى

معادية للم�سالح العربية وللأمن القومي العربي. وذلك يحتم على العرب

خلق مزيد من التقارب مع دولة اجلنوب املرتقبة، والتاأ�سي�س لوجود عربي

قوي وفاعل اقت�ساديا وجتاريا و�سيا�سيا، يوازي الوجود االإ�سرائيلي فيها،

ويحول دون حتولها اإىل موطئ قدم لقوى مناف�سة اأخرى.

وعلى الدول العربية اأي�ســـا اتخاذ مواقف جادة وم�سئولة ت�ساعد ال�سودان

يف جتـــاوز مرحلـــة مـــا بعد االنف�ســـال، وامل�ساهمـــة يف تخفيـــف ال�سغوط

الداخليـــة واخلارجيـــة عليـــه للحيلولـــة دون انف�ســـال اأجزء اأخـــرى منه،

فاخلطوة التالية �ستكون دارفور، ويجب دعم اجلهود املبذولة حلل وت�سوية

هذه الق�سية يف اأ�سرع وقت ممكن، قبل اأن ت�ستفحل وتخرج عن ال�سيطرة.

واأي�ســـا بذل و�ساطات عربية وتدخل عربي مبكر حلل امل�ساكل العالقة بني

�سمال وجنوب ال�سودان، والرتتيب حلدوث انف�سال اآمن يحافظ على قدر

مـــن العلقات االأخوية بني الطرفني. وم�ساعـــدة اخلرطوم اقت�ساديا من

خلل �سخ مزيد من اال�ستثمارات وامل�ساعدات والقرو�س، ت�ساعدها على

جتاوز �سائقتها االقت�سادية املتوقعة يف مرحلة ما بعد االنف�سال.

وبالن�سبة حلكومة اخلرطوم فاخليار االأف�سل بالن�سبة لها يف ظل معطيات

الواقـــع، هـــو العمل على االحتفـــاظ بعلقات ودية ومتطـــورة مع اجلنوب،

وجتنـــب اإثـــارة التوتر اأو اخللفـــات، وحـــل الق�سايا العالقـــة بطرق ودية

مـــا اأمكن، ك�سبيل وحيـــد لتقليل خ�سائر االنف�ســـال اإىل اأدنى حد ممكن.

مـــع االعرتاف بـــاأن مهمة اخلرطوم يف حماولـــة االحتفاظ بعلقات جيدة

ووديـــة مع دولة اجلنـــوب لي�ست بالهينة، وتكتنفها عقبـــات كبرية، ت�سببها

ح�سا�سيات االنف�سال وامل�ساعر االنفعالية لدى الطرفني، وكذلك الق�سايا

العالقـــة وال�سائكة التي حتتـــاج اإىل تنازالت كبرية وموؤملـــة، باالإ�سافة اإىل

وجـــود اأطراف خارجيـــة دولية واإقليميـــة لها م�سلحـــة يف ابتعاد اجلنوب

عـــن ال�سمال، وتتمنى لي�س فقـــط ف�سله، واإمنا الدفع باجتاه خلق علقات

عدائية ومتوترة بينه وبني ال�سمال.

لكـــن ي�ساعد الطرفان يف الدفع باجتاه علقات تعاون ودية، وجود ق�سايا

عديـــدة متداخلـــة، ياأتـــي يف مقدمتها ق�سيـــة النفط، باعتبارهـــا االأكرث

ح�سا�سية واأهمية، ويحتاج ا�ستمرار اال�ستفادة منه تعاون الطرفني، ب�سبب

وجـــود حوايل 80% من حقول النفط يف اجلنـــوب، بينما منافذ الت�سدير

وم�سايف التكريـــر يف ال�سمال. ومن م�سلحة الطرفـــني ا�ستمرار التعاون

امل�ســـرتك يف هذا اجلانب، خا�سة اأن اخليارات االأخرى بالن�سبة للجنوب

مكلفة وعالية اخلطورة. وبالن�سبة لل�سمال الذي �سيخ�سر جزءا كبريا من

موارده النفطية ي�ستطيع التعوي�س عنها من خلل اأجور مرور النفط عرب

اأرا�سيه، والتكرار واملعاجلة الكيميائية، والتخزين، والت�سدير.

كما يواجه الطرفان العديد من التحديات االأمنية امل�سرتكة، ودون التزام

كل منهما ب�سمان اأمن وا�ستقرار الطرف االآخر؛ فاإن الطرفني معا �سيكونا

عر�ســـة للقلقل وعـــدم اال�ستقرار، وذلك ب�سبب وجـــود اأعداد كبرية من

اجلنوبيني يف ال�سمال، واأعـــداد من ال�سماليني يف اجلنوب، ومن ال�سعب

ترتيـــب اأو�ساعهم دون تفاهم م�سرتك بني احلكومتني، وكونها ت�سبح يف

حال ال�سراع م�سادر تهديد، ويف نف�س الوقت عر�سة للنتهاك واالإ�ساءة

بذرائع اأمنية.

اأخـــريا، مـــن م�سلحـــة حكومة اخلرطـــوم اال�ستمـــرار يف احلفـــاظ على

النمـــوذج امل�ســـرق والنا�سع لتعامـــل ال�سمال مع م�سكلـــة اجلنوب، والذي

�ســـرب مثـــل رائعـــا للت�سامح والتعـــاون، والرغبـــة يف ال�ســـلم، �سواء يف

اتفـــاق نيفا�سا لل�سلم ال�سامـــل اأو اأثناء الفرتة االنتقاليـــة، والتي اأعطت

اجلنوبيـــني الكثـــري مـــن احلقـــوق وال�سلحيات التـــي ما كانـــت اجلبهة

ال�سعبية لتحلم بها، كال�سمـــاح لها ببناء هياكل دولة اجلنوب، وامل�ساركة

يف احلكومة املركزيـــة وحكومات الواليات االنتقالية، واإعطاوؤها 50% من

اإيرادات النفط اجلنوبي، وفـــوق ذلك اإعطاوؤها حق تقرير امل�سري، وهي

�ســـورة �ستبقى را�سخة يف الذاكرة. ويف حال ف�سل بناء الدولة يف اجلنوب

الأ�سبـــاب اجتماعية نتيجـــة التعدد االإثنـــي الكبري اأو الأ�سبـــاب �سيا�سية اأو

غريها، �سيكون النموذج امل�سرق عامـــل جذب م�ستقبل الإمكانية الرجوع

اإىل �سيغـــة مـــن �سيغ التوحـــد الفيـــدرايل اأو الكونفيدرايل مـــع ال�سمال،

خ�سو�ســـا اأن قطاعا كبريا من النخبة اجلنوبيـــة عا�س جزءا من حياته،

وتلقـــى تعليمه يف ال�سمال، وتربط بع�سهم علقات �سداقة وم�ساهرة مع

�سماليـــني، ويف�سل جزء منهم - واإن كانـــوا اأقلية اليوم- بقاء الوحدة مع

ال�سمـــال حتت اأي �سيغة من �سيغ التوحد. اإال اأن ما �ست�سفر عنه االأو�ساع

يف اجلنـــوب، قد تـــوؤدي اإىل تعاظم هذه ال�سريحـــة الراغبة يف العودة اإىل

الوحدة م�ستقبل.

فـي بوؤرة االهتمام

قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�ساد وال�سوؤون اجلارية

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

Page 50: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 100 101ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

هاين املغل�س باحث ميني يف العلوم ال�سيا�سية.

هاين املغل�ض[email protected]

اجلذب والنبذيف العالقة امللتب�شة

بني ال�شلطة العربية والعلماء

تــــكاد تكون ال�سلطــــة ال�سيا�سية طرفا اأ�سيــــل وثابتا يف جممل االإ�سكاليــــات التي ي�سهدها

املجتمــــع العربي، لذلك ميكن احلديث عــــن اإ�سكالية ال�سلطة واملجتمع، وال�سلطة واملثقف،

وال�سلطــــة والعامل، وال�سلطة واملراأة، وال�سلطة وال�سحافــــة. وال يعود ال�سبب - يف تقديرنا

- اإىل طبيعــــة قــــارة يف ال�سلطــــة ال�سيا�سية بقدر ما يرجع اإىل نهمهــــا و�سعيها الدءوب اإىل

ال�سيطــــرة. ونزعــــة ال�سيطرة تلك تختلــــف اآلياتها من جمتمع اإىل اآخر لكــــن نتائجها تكاد

تكون متطابقة، فال�سلطة اال�سرتاكية جعلت من اأدوات االإنتاج اأداة لل�سيطرة بزعم حترير

الفرد من اال�ستغلل االقت�سادي لكنها يف نهاية املطاف �سيطرت على الفرد والدولة معا،

اأمــــا الدولة الليرباليــــة فاأداتها يف ال�سيطرة هي القانون، ذلك الذي قال عنه برودون ذات

يوم اإنه ال يعك�س �سوى رغبات القوى امل�سيطرة وهي الربجوازية يف حال الدولة الليربالية،

لذلــــك ال غرابــــة اأن جند مفكرا ليرباليا كـــــ »دونو« يف كتابه »بحث حــــول الد�ستور«، الذي

واكب مرحلة ما بعــــد الثورة الفرن�سية )1789(، يطالب بتقلي�س م�ساحة القانون الأن ميل

احلكومة الوا�سع اإىل اإ�سدار القوانني يعني الت�سييق على الفرد واملجتمع.

فـي بوؤرة االهتمام

اجلذب والنبذ

ME

Ar

ch

ivE

Page 51: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 102 103ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ال�ســلطة والعلمــاء يف الدولـــة عـــرب

التاريـــخ االإ�سلمي تنوعت اأدوات ال�سيطرة لكن اأهمها على االإطلق

كان الديـــن. ت�ستوعب ال�سلطة الدين لتعيد اإنتاجـــه كاأيديولوجيا، اأو

لتمار�ســـه ك�سعـــار يوؤمن لها قدرا من ال�سرعيـــة، ويف اأح�سن االأحوال

ت�ستدعـــي الفقـــه اأو جـــزءا منه لي�سبـــح قانونا موجهـــا �سد املجتمع

ولي�ـــس قانونا له، مبعنى اأن ينظم الفقـــه �سوؤون املجتمع يف معاملته

وعلقاته و�سراعاته دون اأن مي�س �سوؤون ال�سلطة اأو علقاتها. هكذا

ح�سرت اأحكام العقوبات وغابت ال�سورى، وتدد فقه العبادات على

ل مبداأ االأمـــر باملعروف والنهي ح�ســـاب نظرية يف ال�سيا�ســـة، واختزم

عـــن املنكر يف بعـــده االجتماعي )احل�سبـــة(، واأ�سبح كـــرم ال�سلطة

بديل عن عدلها، و»اأخلق امللوك« عو�سا عن قوانني االإن�ساف.

لكن ا�ستخدام الدين كان مير غالبا عرب و�سيط حيوي هم العلماء،

فقدميا حاولـــت ال�سلطة االأموية ا�ستح�سار الديـــن لتاأكيد �سرعيتها

فف�سلت ب�سبب توتر علقتها بالعلماء وعلى راأ�سهم الفقهاء من اأبناء

ال�سحابـــة الذين رف�سوا توجهات الدولة االأموية نحو التوريث واإلغاء

ال�ســـورى، فلجاأت اإىل العنف املفرط الذي طال العلماء واملجتمع ومل

ي�ستثنم حتى املقد�سات.

ـــر علقة لي�ـــس باإمـــكان ال�سلطـــة يف الف�ساء االإ�سلمـــي اأن تبا�سم

تلقائية بالدين، وهذا مينح العلماء دورا مبالغا فيه يف بع�س االأحيان

لكنه اأي�سا يجعلهم عر�ســـة للم�ساومة واالبتزاز ورمبا القمع، وفكرة

الو�سيط املرفو�سة يف املجال االجتماعي ال�سيما التعبدي منه معرتف

بهـــا يف املجال ال�سيا�سي، بحيث ي�سعب ت�ســـور اأن دولة ما ميكن اأن

تكـــون اإ�سلمية – اأو تزعم لنف�سهـــا تلك ال�سفة - يف حني هي تقمع

اأو تق�ســـي العلماء. وطوال التاريخ االإ�سلمـــي كان تقريب العلماء -

وهم هنا اأهل الفقه واحلديث حتديدا - موؤ�سرا على ا�ستقامة الدولة

اأخلقيـــا ومعرفيا، وكان التنكيل بهـــم اأو ترجيح كفة خ�سومهم من

املتكلمني والفل�سفة وغريهم علمة انحراف �سائنة.

هكـــذا ن�ســـاأت اإىل جوار ال�سلطـــة ال�سيا�سية ورمبـــا بالتوازي معها

�سلطـــة علميـــة كان ميثلها العلمـــاء يف امل�ساجـــد والزوايـــا واالأربطة

واملدار�ـــس الدينية التي ن�ساأ بع�سها برعاية ال�سلطة الأهداف تعليمية

كمـــا هو احلـــال بالن�سبـــة للمدر�ســـة النظاميـــة يف بغـــداد وني�سابور

وغريهـــا. والنظـــم املختلفـــة مبـــا فيها تلـــك التي مل تعـــرتف بوجود

مثل تلـــك ال�سلطة اأو قللت مـــن �ساأنها عملت علـــى احتوائها وحلمها

ببنيتهـــا لتغدو جزءا منهـــا ال �سدا عليها. لكن عمليـــة االحتواء تلك

كانـــت ن�سبية، وكان الق�ساء هو �ساحتها الكـــربى بينما ظلت الفتوى

رغم حمـــاوالت ا�ستيعابها موؤ�سرا على ا�ستقـــلل العلماء وفاعليتهم

االجتماعيـــة والعلميـــة؛ فالفتوى، مبا هي عمليـــة تفاعل مبا�سرة بني

املفتـــي وامل�ستفتـــي )فـــردا اأو جماعـــة( جتـــري حتت �سقـــف الن�س

وت�ستجيب حلقائـــق الواقع املتغرية، تثل عمـــق العملية االجتهادية،

واأداة الو�سل بني العامل وبيئته االجتماعية.

لقـــد ظـــل التفكـــري االإ�سلمي بعيـــدا عـــن حماولة تاأطـــري الفتوى

�سيا�سيـــا، وخلت كتب االأحـــكام ال�سلطانية وال�سيا�ســـة ال�سرعية من

اأي تنظيـــم اإداري اأو �سيا�سي للفتوى كمـــا هو احلال بالن�سبة للق�ساء

اأو اإمـــارة احلـــج اأو احل�سبـــة التي ا�ســـرتط النعقادها جميعـــا تعيني

ال�سلطـــان، فلم ينظر للفتوى على االإطلق بو�سفها والية �سلطانية اأو

من�سب ديني يدخل يف البنية الر�سمية لل�سلطة.

كذلـــك مل يكن مت�ســـورا تقييد الفتـــوى اأو ح�سرها مـــن الناحية

العلميـــة، فابـــن القيم الذي يعد من اأبرز الفقهـــاء الذين عمدوا اإىل

التنظيـــم الفقهي للفتوى اأبقى على الفتوى الفردية دون اأن يدعو اإىل

ح�سرهـــا، واإن اأورد كلمـــا يفهم منه اإعطـــاء ال�سلطان حق منع من

يت�ســـدر للفتوى اإن مل يكن اأهل لها مـــن الناحية العلمية وال�سرعية،

وهـــي احلالة التي جارى فيها ابن القيم كل من ابن اجلوزي والنووي

واخلطيب البغـــدادي، لكنه فيما عدا تلك احلالـــة - وكما هو احلال

بالن�سبة ل�سابقيه اأي�سا - مل مينح ال�سلطة حق ح�سر الفتوى يف عدد

من العلماء، كما مل يطالب باإيجاد كيان مرجعي للفتوى، بل اإنه رف�س

نا القول بالرجوع اأن يكون راأي احلاكم معيارا ل�سحة الفتوى م�ستهجم

اإىل احلاكـــم يف حال الفتـــوى املعلقة ب�سرط، وذلـــك على الرغم من

فو�سى الفتاوى العارمة يف ع�سره.

لقـــد كان املجتمع العربي الأ�سباب منها تركز ال�سلطة وعدم تعقد

اأجهزتهـــا اأقل قابليـــة لل�سيطرة عما هـــو عليه اليـــوم، لذلك مل تكن

ال�سلطة تقوى على تقييد الفتوى كما مل يكن باإمكانها اإحكام ال�سيطرة

. مـــا قامت به ال�سلطة طوال تاريخنا االإ�سلمي هو )1(

عليها ب�سهولة

حماولة اإخراج �سوؤون احلكم عـــن دائرة الفتوى، لقد تركت الفقهاء

يختلفون كما ي�ساءون يف اأمور العبادات واملعاملت لكنها فيما يت�سل

ب�ســـوؤون احلكم كانـــت تدفع باجتاه اإحداث توافـــق حول ق�سايا ت�س

جوهـــر ال�سلطـــة من قبيـــل طاعة »ويل االأمـــر« والت�سديـــد على عدم

اخلـــروج ووجوب البيعة، هكذا اأمكنهـــا اأن توجد م�سرتكا فقهيا حول

ق�سايا ال�سلطة بات يطلق عليه فيما بعد »االإجماع«.

االإذن بالفتــوى ق�سيـــة االإذن بالفتـــوى

اأثارها موؤخرا مر�سوم ملكي �سعودي ق�سى بح�سر احلق يف االإفتاء يف

ال�سوؤون العامة على هيئة كبار العلماء - »... ومن ناأذن لهم بالفتوى«

بح�سب �سيغة املر�سوم. تل ذلك اجتاه ال�سلطة يف اليمن اإىل ت�سكيل

جلنة مرجعية من العلماء لق�سايـــا احلوار الوطني، واإن�ساء جمال�س

للإفتاء يف جميع حمافظات اجلمهورية بح�سب امل�ساورات التي تت

بني ال�سلطة والعلماء خلل �سهر اآب/اأغ�سط�س املا�سي.

امل�ســـروع ال�سعودي انطلـــق ظاهريا مما بات يطلـــق عليه »فو�سى

الفتاوى«، خا�سة بعـــد اأن بداأت بع�س الفتاوى ت�س �سيا�سات الدولة

فـي بوؤرة االهتمام

كما هو احلال بالن�سبة جلامعة امللك عبد اهلل املختلطة، وهي ق�سية

كانـــت �سببـــا يف اإقالة اأحد كبـــار العلماء من من�سبـــه يف �سابقة من

نوعهـــا. اأما امل�سروع اليمنـــي فينطلق من »فو�ســـى ال�سيا�سة«، ويجد

مـــربره فيما تنظر اإليه ال�سلطة على اأنـــه دور تدخلي اأكرب للعلماء يف

ال�سيا�ســـة، وحتديدا فيما مي�س علقاتهـــا اخلارجية املثرية للجدل،

وهي النقطة اجلوهريـــة التي حافظ عليها النظام بعيدا عن متناول

اأي طرف داخلي وجنح يف ا�ستثمار عائداتها طوال عقود.

تعـــود نقطـــة البدايـــة اإىل بيان العلمـــاء الذي �سدر بعـــد الق�سف

اجلوي ملنطقـــة املعجلة يف اأبني 17 كانـــون االأول/دي�سمرب 2009 على

خلفيـــة ما ي�سمـــى بـ »احلرب علـــى االإرهـــاب«، والـــذي راح �سحيته

الع�سرات اأغلبهم من الن�ساء واالأطفال. يف ذلك البيان طالب العلماء

»احلكومـــة« بالتوقف عن قتل االأبرياء خـــارج الق�ساء ال�سرعي ودون

حماكمـــات عادلة، كمـــا طالبوا بدور الأهل احلـــل والعقد من العلماء

وامل�سايخ والوجهـــاء اإىل جانب جمل�سي النواب وال�سورى فيما يت�سل

بـــاأي تعـــاون اأمني مع طـــرف خارجـــي، واأر�سل اإ�ســـارة حتذيرية اإىل

موؤتر لندن مفادها اأن اأي تدخل يف ال�سوؤون اليمنية �سيعترب عدوانا

ي�ستوجب اإعلن اجلهاد، ومن جهة اأخرى طالب البيان برفع املظامل

ورد احلقوق اإىل اأهلها واال�ستجابة للمطالب امل�سروعة من اأي طرف

كان يف اإ�سارة وا�سحة اإىل البعد املطلبي للق�سية اجلنوبية.

كان وا�سحا اأن البيان اأطاح بحدود كثرية حافظ عليها العلماء يف

علقتهـــم الطويلة واملتعرجة بال�سلطة، والم�ـــس ال�سيا�سة يف مناطق

تفوق قـــدرة ال�سلطة علـــى االحتمـــال. ويف عمومه ابتعـــد البيان عن

التقليـــد املراتبي يف العلقة مع ال�سلطة، فجـــاء خاليا من اأي اإ�سارة

ملـــا ي�سمـــى يف الفقه التقليـــدي بـ »ويل االأمـــر«، كمـــا مل ياأخذ �سورة

الن�سيحة فطالب احلكومة اليمنية �سراحة االلتزام بال�سوابط التي

اأو�سحهـــا العلماء يف البيان، وتوجـــه اإىل ال�سعب طالبا منه االلتفاف

حول مطالب العلماء.

بعـــد ذلك باأيام خرجت �سحيفة »الثورة« الر�سمية بكلمة افتتاحية

و�ســـع لها عنـــوان الفت »ملـــاذا التباكي علـــى االإرهـــاب«، حملت فيه

علـــى بيان العلماء، ثم جتـــاوزت البيان الذي وقعه ما يربو على املائة

وخم�سون عاملا اإىل العلماء اأنف�سهم فاتهمتهم بالتحري�س على العنف،

ومل تن�ـــس االإملاح اإىل اأن بع�س االإرهابيـــني خرجوا من عباءة العلماء

وتاأثروا بفتاواهم التحري�سية على العنف والت�سدد واالإرهاب.

كان البيـــان والكلمة االفتتاحية تعبريا عـــن انعطافة غري م�سبوقة

يف العلقـــة بني العلماء وال�سلطـــة اليمنية، فالثـــورة – ال�سحيفة -

مل تكـــن تار�ـــس عمل مهنيا �سرفـــا، كما اإن العلمـــاء كانوا يدركون

دون �ســـك اأبعاد بيانهـــم التاريخي. واحلال اأن عـــني ال�سلطة مل تكن

لتخطـــئ الطاقـــة العلمائيـــة التي ك�ســـف عنها ذلك البيـــان وما تله

، فتدعهـــا طليقة ومتحفزة خارج منطق )2(

من ا�سطفافات وبيانات

اال�ستيعـــاب، لذلـــك جـــرى توجيهها اإىل دائـــرة افرتا�سيـــة مرحلية

)دائرة احلـــوار الوطني( ليتم التلويح لها بـــدور تاريخي لي�س بو�سع

العقـــل الفقهي بطبيعته الرتكيبية �سوى االإذعان له، وهو الدعوة اإىل

االحتكام ل�ســـرع اهلل يف الق�سايا الوطنية، مع مـــا ميثله هذا ال�سعار

من جاذبية خا�سة بغ�س النظر عن اأغرا�سه احلقيقية.

لي�س وا�سحا ما اإذا كان العلماء بحاجة اإىل اإذن للتدخل يف ق�سايا

وطنيـــة هم بطبيعة احلـــال جزء ال يتجزاأ منهـــا، ول�سنا ندرك معنى

لي�ض باإمكان ال�ســلطة يف الف�ســاء االإ�ســامي اأن تبا�ســر عاقة تلقائية بالدين، وهذا مينح العلمــاء دورا مبالغا

فيه يف بع�ض االأحيان لكنه اأي�سا يجعلهم عر�سة للم�ساومة واالبتزاز ورمبا القمع، وفكرة الو�سيط املرفو�سة يف

املجال االجتماعي ال�سيما التعبدي منه معرتف بها يف املجال ال�سيا�سي، بحيث ي�سعب ت�سور اأن دولة ما ميكن اأن

تكون اإ�سامية – اأو تزعم لنف�سها تلك ال�سفة - يف حن هي تقمع اأو تق�سي العلماء

ME

Arc

hiv

E

Page 52: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 104 105ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املرجعيـــة يف مثل هذه احلالـــة، وما اإذا كان االأمر يتطلـــب حوارا اأم

فتـــاوى، وما دور املرجعية العلمائية يف وجود د�ستور وقوانني يفرت�س

اأنها جت�سد ال�سريعة يف بلد ين�س د�ستوره على اأن ال�سريعة االإ�سلمية

هي امل�سدر الوحيد للت�سريع؟!

يف اأواخـــر اأيلول/�سبتمرب 2010 �سدر قـــرار رئا�سي باإن�ساء »جلنة

العلمـــاء املرجعية لتقدمي الن�سح وامل�سورة«، اأو�سحت ديباجة القرار

الغر�ـــس منـــه، وهو »تكني العلماء مـــن اأداء اأمانتهـــم بحق املجتمع

والدولـــة، وخا�سة يف مواجهة الغلو والتطرف واالأعمال االإرهابية ...

“، وا�ستكملت املواد والبنود اللحقة دائرة اال�ستيعاب. فالنظر يف الق�سايـــا العامة املت�سلة بالق�سايا الوطنية بح�سب املادة الثالثة من

القرار، ياأتي بطلب من رئي�س اجلمهورية الذي له اأن يحيل اإىل اللجنة

مـــا يراه مـــن ق�سايا ويطلب تدخلها فيها باإبداء الـــراأي اأو امل�سورة اأو

الن�سيحـــة، وبعد اأن مي�سي القرار يف الت�سديد على اأن يكون الن�سح

خال�ســـا لوجـــه اهلل ي�سرتط اأن يتـــم اإ�سداء الن�ســـح اإىل اأويل االأمر

كتابة بعد تدار�س اللجنة ملو�سوع الن�سيحة واإقرارها لذلك.

يف ال�سيغـــة اليمنية التي اأردنا اإحداث ال�سلـــة بينها وبني احلالة

ال�سعودية – وهي �سلة غري مفتعلة يف �سوء ما نادى به بع�س العلماء

مـــن �سرورة االأخـــذ بالتجربـــة ال�سعودية يف ح�سر الفتـــوى يف كبار

العلمـــاء - جتـــاوز االأمر م�ساألة االإذن بالفتـــوى، الذي اأ�سبح مبوجب

القرار حقا ح�سريا يف جمل�س االإفتاء اليمني، اإىل اإعادة تر�سيم دور

العلمـــاء وتنظيم علقتهم بال�سلطة. مـــا اأرادت ال�سلطة قوله بجلء

هو اأن املمار�سة االآمنة واملرجعية لل�سيا�سة حتت �سعار احلاكمية ويف

اإطار تكوين ترعاه وتعرتف به، اأف�سل من املمار�سة املجردة لل�سيا�سة

عرب بيانات وجتمعات خارج الف�ساء الر�سمي.

الديني وال�سيا�سي يف عاقة ال�سلطة بالعلماء

ترف�س الدولة تدخل الديـــن يف ال�سيا�سة اإال بالطريقة التي تراها

منا�سبـــة، فالدولـــة العربية مبا فيها تلك التـــي تدعي لنف�سها احلكم

بال�سريعة حتتفظ لنف�سها باحلق يف االإجابة على �سوؤال: ما ال�سريعة؟

لذلـــك ي�ستقيم يف اللوعـــي املت�ساوق مع منطق ال�سلطـــة اأن دولة ما

حتكم بال�سريعة، يف حني هي تار�س الف�ساد، وتنمي الفقر، وتنتهك

احلقوق، وجتايف قواعد العدل.

تلك اإ�سكالية قدمية يقبع جذرها املعريف يف املمار�سة االأموية التي

اأدارت ظهرهـــا للخلفة الرا�سدة وحاولـــت يف ذات الوقت ا�ستلحاق

ال�سريعـــة وا�ستتباع قيمهـــا، �سحيح اأن تلك املحاولـــة مل تنجز كاملة

يف حينـــه حيث جوبهـــت ب�سل�سلة من الثورات، اإال اأنهـــا تركت اآثارها

املعرفيـــة التـــي من اأهمهـــا قبول مبـــداأ حرا�ســـة الدولـــة للدين على

اإطلقـــه، وهو مبداأ ال تزال تلح عليه بع�س النظم الد�ستورية العربية

حتى اليوم.

فـي بوؤرة االهتمام

الدولــة العربيــة مبا فيهــا تلك التــي تدعي

لنف�ســها احلكــم بال�ســريعة حتتفظ لنف�ســها

باحلق يف االإجابة على �ســوؤال: ما ال�سريعة؟

لذلك ي�ستقيم يف الاوعي املت�ساوق مع منطق

ال�سلطة اأن دولة ما حتكم بال�سريعة، يف حن

هــي متار�ض الف�ســاد، وتنمي الفقــر، وتنتهك

احلقوق، وجتايف قواعد العدل

Flic

kr

منذ اأن�ســاأت الدولــة العثمانية اأول من�ســب

لاإفتاء اأواخر القرن اخلام�ض ع�سر امليادي

حافظت دولة اال�ستقال العربية – مبا فيها

العلمانية - على هذا املن�سب، واأ�سافت اإليه

بع�ض التنويعات بح�سب مقت�سى احلال

حتـــت هـــذا املبـــداأ مار�ســـت ال�سلطـــة اال�ستبـــداد، والتوريث

)واليـــة العهـــد(، والقمع املـــادي واملعنوي، واال�ستئثـــار واإق�ساء

املجتمع، والتنكيل باخل�سوم، مع ذلك كله كان يكفي اأن يحارب

»ال�سلطـــان« الزنادقة واملبتدعة والثنويـــة وامللحدة والفل�سفة

ليعتـــرب يف نظـــر الكثرييـــن حار�ســـا للديـــن وحاميا للملـــة. هذا

املنطق التباديل بـــني الدين والدولة اأر�ساه املاوردي الذي جارى

التطـــورات ال�سيا�سية يف عهـــد انهيار مركز اخللفـــة العبا�سية

وتناثره بني اأمراء االأقاليم ووزراء التفوي�س، فاأطلق احلديث يف

حاجة الدين للدولة بعد اأن كان العقل االإ�سلمي يدور حول حاجة

الدولـــة للدين. طبقا لذلـــك الت�سور، فاإن حاجـــة الدولة للدين

ال تقـــل عن حاجته اإليهـــا »الدين وال�سلطان تواأمـــان«، وتلك اأول

خطوة يف طريق حترير ال�سلطة من الدين واملجتمع يف اآن، رغم

اإقرارنا اأن املاوردي اأراد غري ذلك قطعا. هنا تكف ال�سريعة عن

اأن تكـــون �سابطا للفعل ال�سيا�سي، وترتاجع اإىل م�ستوى التوجيه

الطوعي اأو اال�ستجداء اأو الن�سح يف اأح�سن االأحوال، ليهيمن يف

نهاية املطاف منطق ال�سلطة الذي تعرب عنه املقولة االآتية: »يزع

اهلل بال�سلطان ما ال يزع بالقراآن«.

املمار�سة، من النوع هذا احلديثة العربية الدولة ت�ستمرئ

العثمانية الدولة اأن�ساأت فمنذ املنطق، هــذا مثل لها ــروق وي

القرن اأواخــــــر لـــلإفـــتـــاء مــنــ�ــســب اأول

حافظت املـــيـــلدي عــ�ــســر اخلــامــ�ــس

فيها مبا – العربية اال�ستقلل دولــة

العلمانية - على هذا املن�سب، واأ�سافت

اإليه بع�س التنويعات بح�سب مقت�سى احلال. هكذا تلتقي الدولة

التي تزعم تطبيق ال�سريعة – بال�سورة التي حتدثنا عنها - مع

الدولة العلمانية يف هذا الفهم، االأوىل تزعم اأنها حتمي العقيدة

اإبعاد طريق عن اأنها فرتى الثانية اأما الدين، بي�سة وت�سون

وحتفظ ال�سيا�سة رج�س من الدين تطهر ال�سيا�سة عن الدين

له روحانيته. يف كل االأحوال لكل من الدولتني منطقها اخلا�س،

ولكل منها اأزمتها مع الدين وم�سكلتها مع املجتمع.

lUk

E rO

biN

SON

مالحظ�����ات

)1( تنامـــت قدرة ال�سلطـــة يف املجتمعات العربية علـــى ال�سيطرة ب�سبب

ات�ساع منظوماتها القانونية وتكويناتها املوؤ�س�ساتية. باإمكان ال�سلطة اليوم

اأن جتمـــع قوى املجتمع واأطيافه وطوائفـــه املختلفة حتت قبة برملان واحد

حتكـــم ال�سيطرة عليه، وهذا مل يكن متاحـــا يف ال�سابق، لذا ينبغي النظر

اإىل املوؤ�س�ســـات ال�سيا�سية ومنها املنتخبـــة، واأي�سا املوؤ�س�سات ذات الطابع

الديني على اأنها تثل – يف الو�سع العربي الراهن - »موؤ�س�سات �سيطرة«

اأكرث مما تعني �سيئا اآخر.

)2( وجـــه العلمـــاء يف ني�سان/اأبريل 2010 خطابـــا اإىل رئي�س اجلمهورية،

طرحوا فيه جملة من الق�سايا طالبوا معاجلتها على وجه ال�سرعة، اأهمها

حماية املنظومة القانونية امل�ستمدة من ال�سريعة االإ�سلمية و�سيانتها من

العبـــث والتعديـــلت املخالفة لل�سريعـــة ب�سغط من املنظمـــات االأجنبية،

كم�سروع تعديـــل قانون اجلرائم والعقوبات وقانـــون االأحوال ال�سخ�سية،

وم�ســـروع حتديد �سن الـــزواج. لكن اخلطاب بعد اأن تنـــاول ق�سايا تتعلق

بالرتبية والتعليـــم والرقابة على املدار�س االأجنبيـــة، والتحذير من خطر

التن�ســـري، واملوؤامرة على احلجاب واالأخـــلق االإ�سلمية، وما تتعر�س له

مراكز حتفيـــظ القراآن الكرمي من اإهمال، وتقلي�ـــس املقررات الدرا�سية

يف القـــراآن الكـــرمي والرتبيـــة االإ�سلميـــة واللغـــة العربيـــة، طالـــب برفع

املعانـــاة االقت�سادية واإيجاد �سيا�سة اقت�سادية وا�ستثمارية هادفة ونافعة

ومن�سبطـــة باأحكام ال�ســـرع، والتعجيل برفع املظـــامل واإعادة احلقوق اإىل

اأهلهـــا، واإطـــلق �سراح امل�سجونـــني دون اأمـــر ق�سائي، واإحالـــة اأ�سحاب

الق�سايا منهم اإىل املحاكم ال�سرعية اتقاء لدعوة املظلوم التي لي�س بينها

وبني اهلل حجاب كما جاء يف اخلطاب.

الت�سحر احل�سري

بقلم: حممد الدعمي

التايل

Page 53: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 106 107ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ال ميكـــن ملوؤرخ االأفكار، العربي اأو امل�سلم خا�سة، اأن يفلت من ملحظة ظاهرة الت�سحر احل�سري

التي اأملت باملراكز املدينية العربية منذ ع�سر فجر ال�سلالت يف بلد ما بني النهرين، وهي الظاهرة

التـــي حا�سرتهـــا وحمقتها حتـــى الع�سر احلديث كي تقـــدم اأغلب املدن العربيـــة م�سرقية كانت اأم

مغربية، نف�سها كقرى اأو واحات مت�سخمة، فيزياويا واإجتماعيا، تتناءى حافاتها و�سواحيها حمتلطة

باأل�سنة ال�سحارى املكونة من الرمال ال�سماء التي ال تلم�س مكانا اإال وتركته مت�سحرا.

ما وراء هيمنة البادية على املدينة يف عاملنا العربي املعا�شر

حممد الدعمي

[email protected]

حممد الدعمي باحث واأكادميي عراقي.

فـي بوؤرة االهتمام

الت�شحر احل�شري

ME

Arc

hiv

E

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 106 ا�سرتاتيجية

ال ميكـــن ملـــوؤرخ االأفـــكار، العربـــي اأو امل�سلـــم خا�ســـة، اأن يفلـــت من

ملحظة ظاهرة الت�سحر احل�سري التي اأملت باملراكز املدينية العربية

منذ ع�سر فجر ال�سلالت يف بلد ما بني النهرين، وهي الظاهرة التي

حا�سرتها وحمقتها حتى الع�سر احلديث كي تقدم اأغلب املدن العربية

م�سرقية كانت اأم مغربيـــة، نف�سها كقرى اأو واحات مت�سخمة، فيزياويا

واإجتماعيـــا، تتنـــاءى حافاتهـــا و�سواحيها حمتلطة باأل�سنـــة ال�سحارى

املكونة من الرمال ال�سماء التي ال تلم�س مكانا اإال وتركته مت�سحرا.

لقـــد تواترت هذه احلال عرب احلقـــب التاريخية ومتغرياتها الكربى

نظـــرا حلقائق جتاور املراكز املدينية يف العـــامل العربي مع البوادي، اأو

على حافات ال�سحارى الكربى القادرة على اإبتلع كل �سيء عرب ربوعها

اخلاليـــة، االأمر الـــذي يف�سر طغيان »فيزياء الباديـــة« الرملي املت�سحر

اجلـــاف علـــى هذه املـــدن، الغيـــا املناطق واالأنطقـــة اخل�ســـراء ودافنا

باأتربتـــه ال�سفراء اخلانقـــة منابع املياه والرطوبة النـــادرة يف الفيزياء

املدينيـــة ال�ســـرق اأو�سطيـــة. اإنها حـــال طوبوغرافية ت�ستحـــق امللحظة

والر�سد والدرا�سة علـــى �سبيل حماولة كنه �سر هيمنة قيم البادية على

اأ�سبـــاه احلوا�سر اأو اأن�ساف املدن التـــي نفتخر بها اأحيانا، تلك املراكز

التـــي ن�ستورد لها ناطحات ال�سحاب اجلاهـــزة امل�سلفنة كي تبدو �سبيهة

مبدن العامل الغربي العملقة ولكن دون جدوى، للأ�سف.

لقد حاولت االأقوام القدمية يف بلد اأودية االأنهار اخل�سبة )الرافدين

وال�سام والنيل( التاأ�سي�س حلوا�ســـر ت�سودها قيم احلا�سرة والتح�سر،

وفعل جنحت بع�س املحاوالت حتى ظهرت يف منطقتنا مراكز ح�سرية

كوزموبوليتانيـــة يف الع�ســـور الغابـــرة، ومنهـــا بابـــل واآ�ســـور والقد�ـــس

)اأور�سليـــم حقبـــة ذاك( واالإ�سكندريـــة مـــن بني مدن عظيمـــة اأخرى،

منتفعـــة من جمـــاورة م�ســـادر املياه املاحلـــة وغري املاحلة علـــى �سبيل

اإقامة حوا�ســـر ومراكز اإ�سعاع ح�سري وثقايف عظمى تناأى بنف�سها عن

ال�سحـــراء و�سكانها علـــى �سبيل تقدمي اأمنوذج مدينـــي عملق ي�ستحق

الدرا�سة وحتى املحاكاة.

وللمـــرء اأن يلحـــظ يف �سياق كهذا اأن ظاهـــرة ت�سحر املدينة يف هذا

االإقليم قد تبلورت فيما بعد عرب ع�سر الفتوحات االإ�سلمية، اإذ الحظ

الفاحتـــون االآتون من بطون البوادي لدحـــر جيو�س الفر�س على الفرات

والروم علـــى �سهول ووديان بلد ال�سام وحوايل دلتـــا النيل، الحظوا اأن

عليهـــم اأن يوؤ�س�سوا »مع�سكـــرات« )ولي�س مدن( يرتكـــز فيها الفاحتون

وعوائلهم بطريقة جتعلهم دائما على حافات ال�سحارى حتى ميكن من

هـــذه املراكز اأو املع�سكـــرات ممار�سة عمليات الكر والفـــر اأمام جيو�س

االإمرباطوريات القدمية. وهكذا ظهرت اأوىل املدن العربية على �سواحل

الفـــرات والنيل: مت�سحـــرة مقفرة، حتت عنـــوان »االأم�ســـار«: الكوفة

والب�سرة والف�سطاط ثم القريوان. حول هذه النوى )جمع نواة( اأخذت

املـــدن العربيـــة اجلديدة تت�سخم وتتو�سع. ويف الوقـــت الذي انتخب فيه

االإمـــام علي بـــن اأبي طالـــب )كرم اهلل وجهـــه( الكوفـــة عا�سمة لدولة

اخللفة الفتية، كانت تلـــك املدينة/املع�سكر مق�سمة على نحو اأحياء اأو

مناطق باأ�سمـــاء القبائل العربية التي قطنتها وكونـــت اأو �سكلت القوات

الفاحتة التي جاءت اإىل العراق واإنتقت موقع الكوفة مع�سكرا ثم مدينة

لهـــا. وتنطبـــق ذات احلـــال على بقيـــة االأم�ســـار الرئي�سية بـــني الكوفة

والقريوان.

املهم يف هذا ال�سياق التاريخي هو اأن هذه املدن النا�سئة بقيت �سحية

لفيزياء البادية الداهم الذي كان يغزوها من اآن الآخر على نحو عوا�سف

رملية خانقة اأو موجات بدوية، اأو اأحيانا على نحو جراد �سحراوي جائع

ال يبقـــي وال يذر. اأما بقاء اأو توا�سل عن�ســـر البادية داخل هذه املراكز

احل�سريـــة، فقد عرب عـــن نف�سه يف خطـــط هذه املـــدن املق�سمة ح�سب

اأ�سماء الع�سائر والقبائل: فهذا حي تيم، وذاك حي بنو ا�سد، اأو ج�سعم

اأو طي، وهكذا.

مل حتـــاول اأم�ســـار العـــرب امل�سلمـــني القادمني من بطـــون البوادي

نـــزع جلدها ال�سحراوي على �سبيل حمـــاكاة حوا�سر الرافدين وال�سام

وم�ســـر املتطـــورة القدميـــة الغناء، بل هـــي ت�سكت بهـــذا اجللد وناأت

بنف�سهـــا عما ظهر ل�سكانها وكاأنه »تـــرف« اأو نعومة اأهل الكفر وال�سرك

مـــن بقايا الثقافـــات القدميـــة التي هزمها العـــرب على اأر�ـــس العراق

وبـــلد ال�سام. لذا راحـــت املراكز املدنية العربيـــة اجلديدة تد ج�سور

ال�سلـــة والتوا�سل مـــع ال�سحراء ولي�س مع ب�ساتـــني الوديان اخل�سيبة،

االأمـــر الذي قاد اإىل �سيـــادة قيم البادية يف هذه املـــدن اأو اأ�سباه املدن،

بديل عن قيم التمدن واالإ�ستقرار: وهكذا راح �سكان هذه املدن يعرفون

بانت�ساباتهـــم القبلية واألقابهم الع�سائرية، لي�ـــس فقط بحدود التعريف

والهويـــة، واإمنـــا كذلك بحدود ال�سلـــوك واأمناطه الفرديـــة واجلماعية،

حيـــث هيمنت وحتى االآن قيم البداوة على مـــدن و�سط وجنوب العراق،

مثـــل، بديل عن قيـــم املدينة الثقافيـــة املتح�سرة، االأمـــر الذي يف�سر

دوافع واإرها�سات التم�ســـك باملمار�سات البدوية العتيقة كالثاأر ون�سرة

اأقربـــاء الـــدم وغ�سل العار من بـــني �سواها من املمار�ســـات والقيم التي

نهى االإ�سلم عن بع�سهـــا، ولكنها بقيت متوا�سلة تتحرك وت�سري حتت

»رادار الرقيب امل�سلم« القادم من املدينة.

قـــد تكـــون هذه مداخلة مهمـــة االآن بقدر تعلق االأمـــر مبا نلحظه من

ت�سبـــث االإن�ســـان املدينـــي يف امل�ســـرق العربـــي خا�سة بقيـــم ال�سحراء

وباأ�سولها البدوية التي قد تتناهى اإىل »جاهلية« من النوع املخيف الذي

يراد جتنبه واحلذر منه اليوم.

رمبـــا كانت هـــذه املداخلة مهمة كذلك من ناحيـــة �سرورات ملحظة

اأويل االأمـــر يف احلكومات العربية عمليـــة واأهمية التخطيط احل�سري:

107 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 54: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 108 109ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

م�سادر املياه، االأنطقة وامل�ساحات اخل�سراء التي تنح االإن�سان املديني

مـــا يحتاج اإليه من �سفـــاء ورواق املدينة القابلة للرتجمة على نحو علوم

وفنون واإبداع، مدار�س وجامعـــات. كم من خمططينا احل�سريني و�سع

ن�ســـب عينيـــه اأو يف اأولوياته وجـــود مكتبة عامة، للن�ـــسء وللكبار؟ وكم

مـــن هوؤالء فكـــر مبدار�س للمو�سيقى والباليـــه يف خططه ملدننا القدمية

واجلديـــدة؟ هـــل نتذكـــر بنـــاء م�ســـارح ودور �سينمـــا كافيـــة للأن�سطة

االإجتماعيـــة يف جمتمعات تقيم اأعلى اجلدران الفا�سلة بني اجلن�سني..

هـــذه ق�سايا ت�ستحـــق امللحظة واأن�سطـــة تبادل الراأي مـــا دامت مدننا

ت�ستجيب للت�سحر وال�سحرنة، فيزيائيـــا واإجتماعيا على نحو متوا�سل

خميف.

لي�س هناك ثمة �سك يف اأن بغداد قد بنيت لتكون مدينة، بل وعا�سمة،

باملعنـــى احلقيقـــي للكلمـــة، كمـــا اأرادهـــا اخلليفـــة اأبو جعفـــر املن�سور

العبا�ســـي؛ وتنطبـــق ذات احلـــال علـــى القاهـــرة كمـــا اأرادهـــا اخلليفة

الفاطمي. بغداد مدينة والقاهرة مدينة، ولكن الكوفة والب�سرة )االإبلة

يف االأ�ســـل( مل تكن مدنا باملعنـــى احلقيقي للكلمة، ذلك اأن عددا كبريا

مـــن املدن العربيـــة العريقة بنيت كمع�سكرات. هـــذه احلال تنطبق على

الكوفـــة والب�ســـرة، بكل تاأكيد، وهـــي تنطبق كذلك علـــى �سامراء )�سر

مـــن راأى(، اإذ يتحـــول املع�سكر اإىل نـــواة للمدينة كي تت�سخـــم وتتو�سع

حتـــى تدخل اإليهـــا االأ�سواق واحلواري واالأحياء، ثـــم ليتبع ذلك موجات

الهجرات من الريف اإىل املدينة كي تختلط الدماء كما تختلط الثقافات

والعادات والتقاليد.

من هنا يتوجب علينا اأن نناق�س مو�سوعا مهما �سبق واأن طرح من قبل

اأذكى العقول العربية املعا�سرة؛ وهو مو�سوع مفتوح للجميع ممن يودون

امل�ساهمة يف اأن�سطة تبادل الراأي حوله. املو�سوع، باخت�سار هو: ملاذا ال

منلك يف العامل العربي “مدنا” اأو “حوا�سرا” باملعنى الدقيق للفظني،

اأي مدنا مثل لندن اأو نيويورك، حيث ي�سعر املرء اأنه يف ظل ح�سارة مدنية

اأخـــاذة باملعنى ال�سحيح؟ ثمة �سعور باالإنغمار يف اأجواء املدينة يعرتيك

واأنـــت تتم�ســـى بني اأنواع خمتلفة مـــن املارة يف �ســـوارع “مونامارتر” اأو

يف اأزقـــة “�سوهو”: هل تكت�ســـب املدينة �سفتها “املدينية” من �سكانها،

اأم ممـــا يحملوه يف دواخلهم من اأخلقيات وقيـــم اإجتماعية؟ وهل هذا

قـــد حتقق يف اأيـــة مدينة عربية �سابقا كي ندعي بـــاأن لنا مدنا ميكن اأن

تقارن باملـــدن االأوربية اأو االأمريكية؟ بلى، حاولـــت بريوت ما قبل 1973

اأن تبلـــور �سورة ملدينة عربية، �سرق اأو�سطيـــة ميكن اأن تقارن �سوارعها

)احلمـــرا خا�سة( ب�سوارع ومقاهي مدن اأوربية جميلة، اإال انها �سرعان

مـــا ابتلعت يف غياهـــب الع�سبيات الطائفيـــة وال�سيا�سية كي تبقى اليوم

طلـــل من حلم مديني عربـــي كان يجتذب اجلميع اإليه بحثا عن الراحة

و�سيء من احلرية.

هـــذا �سوؤال ي�ستدعـــي الكثري مـــن املناق�سات واجلدل الـــذي ميكن اأن

يقودنا، من منظور اأول، اإىل نظرية الفيل�سوف االإجتماعي العراقي، علي

الوردي، الذي الحظ “اإزدواجية ال�سخ�سية العراقية”، مبعنى ال�سرخ

املوؤمل الذي تعانيه وتئــــن حتت وطاأته بني االإنتماء للمدينة من ناحية،

وبــــني الوالء لقيــــم البداوة من الناحيــــة الثانية. اأهميــــة هذه النظرية

الوردية، براأيي، ال تنطلق من ر�سد ال�سخ�سية املدينية العراقية فقط،

اإذ اأن االإزدواج ال يتحــــدد بابــــن بغــــداد اأو املو�سل فقــــط، الأنه ينطبق

كذلــــك على اأبناء دم�سق وعمــــان والقاهرة وبــــريوت و�سنعاء من بني

�سواهــــا من املــــدن العربية التي مل تفلح احليــــاة يف دواخلها من تنقية

االإن�ســــان املديني العربي من قيم البداوة املختفية يف اأعماق اأعماقها.

اإن االأدلــــة على ما نذهب اليه اليوم من تو�سيع وتعميم لنظرية الوردي

على جميع دول ال�ســــرق االأو�سط تاأخذ مدياتها كاملة يف حنو االإن�سان

املدينــــي يف اأغلب املــــدن العربية الأخلقيات ال�سحــــراء، وت�سييده لها

بدال من ت�سييد قيم احلا�سرة واملدينة.

هــــذه القيم ال�سحراوية اجلــــرداء تتج�سد، لي�س فقــــط يف االإعتزاز

والتباهي الذي يعك�سه االإن�سان احل�سري العربي بانت�سابه لل�سحراء؛

بــــل كذلك يف االإهتمــــام الذي يخ�س به �سكان املــــدن العربية االألقاب

الع�سائريــــة والقبليــــة، وهي من بقايا �سيــــادة روح القبيلــــة يف البادية

وع�سبياتهــــا، االأمر الــــذي يدل، كمــــا اأرى، على اأن الباديــــة هي التي

حتكــــم املدينة يف العامل العربي، ولذا كانت قيم الثاأر واالإنتقام وغ�سل

العــــار واالإ�ستخدام الق�سري املهني للمراأة كـ”ديــــة” اأو كاأداة لت�سفية

النزاعات القبلية ولت�سوية اخللفات الع�سائرية والعائلية!

الحــــظ، يف هذا ال�سيــــاق، دموية طرائق ت�سويــــة احل�سابات يف املدن

العربيــــة، والحــــظ كذلــــك رفــــع الكلفــــة مــــع القانــــون واأدوات تنفيذه

كال�سرطــــة واجلي�س والدرك. االإن�سان املدينــــي العربي يف�سل ت�سفية

ح�ساباتــــه بنف�ســــه الأنه مل يــــزل ي�سعر بحماية اجلار وابــــن العم، وهي

فـي بوؤرة االهتمام

القيم ال�سحراوية اجلرداء تتج�سد، لي�ض فقط يف االعتزاز

والتباهي الذي يعك�ســه االإن�سان احل�سري العربي بانت�سابه

لل�ســحراء؛ بــل كذلــك يف االإهتمام الــذي يخ�ض به �ســكان

املدن العربية االألقاب الع�ســائرية والقبلية، وهي من بقايا

�سيادة روح القبيلة يف البادية وع�سبياتها

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 108 ا�سرتاتيجية

االأهــــم من حمايــــة القانون واجلي�ــــس وال�سرطة بالن�سبــــة له: ال داعي

للرجتــــاع اإىل عدد كبري مــــن االأحداث الدموية التــــي ع�سفت مبدن

عربيــــة ب�سبــــب تف�سيــــل االإن�ســــان العربي، بغ�ــــس النظر عــــن دينه اأو

والئــــه املذهبي، اأدواته اخلا�سة لت�سفيــــة احل�سابات. هذه هي عدالة

الباديــــة امل�ستوحاة من خلو البادية من ال�سلطة املركزية ومن قدراتها

اللحمدودة على توفري املخابيء ملن يريد اأن ال يرى!

اإذا كانــــت هــــذه هي االآفــــاق الوا�سعــــة التي قد يقودنــــا اإليها عقل

الوردي الذكي )الحظ تعدد الدهاليز واملنعطفات الفكرية الرثة التي

ميكــــن اأن تظهــــر وترتى(، فاإن علينا اأن نرد مع�سلــــة هيمنة القرية اأو

�سيادتها على املدينة العربية اإىل اأ�سل اآخر، وهو: اأن الغالبية العظمى

مــــن املدن العربية اإمنا كانت قــــرى مل تلبث واأن ت�سخمت على ح�ساب

جوارها الريفي لت�سم الريفيــــني وقيمهم اإىل دواخلها، كي تخرج من

ناحيــــة ثانية “قريــــة مت�سخمة”، قرية يف�سل �سكانهــــا تربية اخليول

واالأبقــــار والنعــــاج علــــى التعامل مــــع ال�سيــــارة وو�سائل النقــــل العام،

من الطائــــرة اإىل القاطرة والرتمــــواي، بينما ي�ستبدلــــون الديوانيات

باملقاهي والعابها.

اأعتقد اأن علينا جميعا ونحن نقود �سياراتنا يف �سوارع مدن زاهرة

كم�سقــــط اأو دبــــي اأو الريا�ــــس، اأن نعيــــد تقييم الــــذات، لي�س فقط يف

قوة و�سيادة قيم القريــــة واأمناطها ال�سلوكية )وهي قيم واأمناط طاملا

تبخرتنــــا باملحافظة عليها حتت عناوين من نوع “نظرية الرتاث”!(.

هي اأمناط �سلوكية ميكن اأن يح�سدنا عليها اأهل البادية ب�سبب تفوقها

لدينــــا )نحــــن �سكان املدن( علــــى اأمناط ال�سلوك البــــدوي يف القفار،

حيث االأر�س اليباب التي ال تتيح ل�ساكنها �سيئا قط �سوى االإ�ستذكارات

والتاأمل وال�سعر املتناغم مع ذبذبة حركة اجلمل.

هــــذه اأ�سئلــــة تقودنا كذلك اإىل �سوؤال اأكرث اأهمية، وهو: هل املدينة

العربيــــة حتكــــم نف�سهــــا بنف�سهــــا؛ اأم اأن القريــــة اأو الباديــــة هي التي

حتكمها؟ هــــل اأن االأنظمة ال�سائدة يف هذه املــــدن يقودها “مدنيون”

باملعنــــى ال�سحيح للكلمة، من نواحي القيم

امل�ستنــــرية يف دواخلهــــم ومــــن نواحي

اآفاقهم الفكرية والثقافية، اأم اأن اأغلب

هوؤالء يحتفظون بقيم ال مدنية، بل قروية

اأو بدويــــة غري قادرة على حتمل التو�سع املــــدين اأو املديني الذي يطراأ

علــــى العقليــــات قبل اأن يتج�ســــد يف بناء اجلامعات الكبــــرية واالأبراج

العاليــــة، مــــن بني �سواها مــــن م�ستملت املــــدن الغربيــــة، كاملراق�س

والنــــوادي الليليــــة، وكظواهر االختلط يف جميــــع نواحي احلياة. هي

اأ�سئلة ت�ستحق التاأمل واالإرتدادات الفكرية الذكية.

العرب ودرو�س

التجربة املاليزية

بقلم: حممد اأبو غزله

التايل

راحــت املراكــز املدنيــة العربية اجلديدة متد ج�ســور ال�ســلة والتوا�ســل مــع ال�ســحراء ولي�ض مع ب�ســاتن الوديان

اخل�سيبة، االأمر الذي قاد اإىل �سيادة قيم البادية يف هذه املدن اأو اأ�سباه املدن، بديا عن قيم التمدن واال�ستقرار

lUc

iE D

EbEl

kO

vA

109 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 55: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 110 111ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

رمبا ال يوجد هناك دولة يف العامل االإ�سلمي، ورمبا العامل

النامـــي ككل، تكنت من حتقيق تطور �سيا�سي واقت�سادي

يف فرتة وجيـــزة ن�سبيـــا كماليزيا. فبعد �سنـــوات قليلة من

اال�ستقـــلل عن بريطانيـــا عـــام 1957، اأ�سبحـــت ماليزيا

ت�سنـــف - وفقـــا ملعايـــري البنـــك الـــدويل اآنـــذاك- كدولة

متو�سطـــة الدخل. ومنذ ذلك التاريخ حافظت ماليزيا على

معدالت منو �سنوية عالية ن�سبيا تراوحت ما بني 6-7 باملائة

يف الفرتة من 1970 اإىل 2000.

فـي بوؤرة االهتمام

حممد اأبو غزله مدير املركز الرتبوي الثقايف، دارم�ستات - اأملانيا.

حممد اأبو غزله

[email protected]

اللتفات �شرقاالتجربة املاليزية والدرو�ص امل�شتفادة عربيا

وكنتيجـــة لذلـــك، انخف�س عدد العاطلني عن العمـــل اإىل حوايل مليون

%. كما مـــن 26.5 مليون هو عـــدد �سكان ماليزيا، اأي بن�سبـــة اأقل من 4

تطورت ماليزيا �سيا�سيا ب�سكل كبـــري، فمنذ اال�ستقلل وماليزيا تتمتع

بانتخابات دميقراطية حرة ونزيهة، وتداول �سلمي لل�سلطة على الر غم

مـــن الرتكيبـــة الدميوغرافية املعقدة ن�سبيا مقارنـــة بغريها من البلد

االإ�سلميـــة. فكيـــف تكنـــت ماليزيا من حتقيـــق هذا التطـــور، وكيف

ميكـــن للعامل العربـــي اأن ي�ستفيد من هذه التجربـــة الفريدة يف حتقيق

اال�ستقرار ال�سيا�سي والتطور االقت�سادي وال�سلم االجتماعي؟ �سنحاول

يف هـــذه الورقة ا�ستك�ســـاف بع�س اأهم جماالت التـــي ميكن اال�ستفادة

منها يف هذه التجربة، ولن نخو�س يف اأ�سباب جناحها، فقد �سبق وقمنا

بهـــذا يف درا�سة ن�سرت عام 2008، وهي متوفـــرة على ال�سبكة الدولية.

و�سيقت�ســـر احلديـــث على م�ستويـــني هامني، وهما امل�ستـــوى ال�سيا�سي

وامل�ستوى االقت�سادي.

اأوال: امل�ســتوى ال�سيا�ســي: نظام �سيا�ســي يجمع بن ال�ســلطة

املدنية/العلمانية وال�سلطة الدينية

يعترب النظام ال�سيا�سي املاليزي فريدا يف �سكله ورمبا يف جوهره اأي�سا،

وقد كان لهذا دورا هاما يف حتقيق اال�ستقرار ال�سيا�سي ومن ثم ال�سري

بثبات يف عملية التحديث. فهو خليط من دميقراطية برملانية فدرالية،

وملكية د�ستورية: فمن حيث ال�سكل، هناك برملان يتم انتخابه بطريقة

حـــرة ونزيـــه مبا�سرة من ال�سعـــب، ومنه تنبثق احلكومـــة وفقا لقاعدة

الغالبيـــة، ولهذا فاإن رئي�ـــس الوزراء هو احلاكم الفعلـــي للبلد و�سانع

القـــرار داخليـــا وخارجيا. وهنـــاك ملك للبلد يتـــم انتخابه كل خم�س

�سنـــوات من قبل جمل�ـــس ال�سلطني الت�سعة )هنـــاك �سلطان لكل والية

من الواليـــات الت�سعة ذات الغالبية امل�سلمة(. وعلى عك�س ما هو احلال

يف النظـــم امللكية �سواء الدميقراطية منها كربيطانيا اأو التي يتمتع فيه

امللـــك باحلكم املطلق اأو �سبهـــه كما هو احلال يف امللكيات العربية، فاإن

امللك يف ماليزيا، واإن كان ال يحكم فعليا، فهو يتمتع ب�سلحيات مهمة

لي�س فقـــط كرئي�س للدولة واإمنا كزعيم لل�سلطـــة الدينية على امل�ستوى

الفدرايل، وهي ال�سلطة التي تتمثل يف حماية الدين االإ�سلمي و�سمان

تطبيق تعاليمـــه يف بع�س جماالت كاالأحوال ال�سخ�سية واالآداب العامة

كاخللوة ال�سرعية، حيث يوجـــد �سرطة خا�سة ت�سمى “اأجاما اإ�سلم”

اأي ال�سرطة الدينية، وتتبع امللك مبا�سرة.

وميكـــن اأن ي�ستفـــاد مـــن النظـــام املاليـــزي يف العـــامل العربـــي على

م�ستويـــني: م�ستـــوى الدولـــة القطريـــة، وم�ستـــوى الوحـــدة الفدرالية.

ويف كل امل�ستويـــني، ال بـــد مـــن وجـــود دميقراطيـــة حقيقة تقـــوم على

انتخابـــات حرة ونزيهة ومبا�سرة تاأخذ بعـــني االعتبار الطبيعة الدينية

واخل�سو�سية الثقافيـــة للمجتمع العربي. وهـــذا يت�سمن اإيجاد برملان

فـــدرايل على امل�ستوى االأول يتكون من جمل�ســـني: جمل�س ال�سيوخ الذي

Flic

kr, G

oogl

e, M

E A

rch

ivE

Page 56: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 112 113ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

فـي بوؤرة االهتمام

يتـــم تعيني ن�ســـف اأع�سائه من امللك اأو الرئي�ـــس، بينما تختار املجال�س

الت�سريعيـــة للواليـــات الن�سف الثاين؛ وجمل�س للنـــواب الذي يتكون من

نـــواب فدراليني يتم انتخابهـــم مبا�سرة من ال�سعـــب يف دوائر انتخابية

فرديـــة وفقا للتعددية احلزبيـــة. وتعقد االنتخابـــات كل خم�س �سنوات.

ولـــكل والية جمعية ت�سريعيـــة اأو برملان حملي ينتخـــب اأع�سائه مبا�سرة

بالتزامن مع االنتخابات الفدرالية، وجمال�س حملية تنفيذية يتم تعينها

وفقـــا ملعايري معينة من قبل جمل�س الوزراء. ويتم اختيار اأع�ساء جمل�س

الوزراء مـــن بني اأع�ساء الربملان. واملجل�س ورئي�ســـه م�سئولون م�سئولية

مبا�سرة اأمام الربملان.

اأمـــا بالن�سبـــة للوالية العامـــة التي تتمثـــل يف امللك اأو الرئي�ـــس، �سواء

على امل�ستـــوى الوطني القطري اأو حتى على امل�ستـــوى الفدرايل املن�سود

يف العـــامل العربـــي، فيمكن للملـــك اأو الرئي�س كراأ�س للدولـــة اأن ميتلك

�سلحيـــات اأ�سا�سية يف اإدارة ال�سلطـــة الدينية وال�سوؤون الثقافية، وتتبع

له املحاكم ال�سرعية وال�سرطة الدينية.

وبنـــاء علـــى مـــا �سبق، فـــاإن هذا النظـــام املختلـــط ميكـــن اأن ي�سمن

املحافظـــة علـــى اخل�سو�سيـــة الدينيـــة والثقافيـــة للعـــامل العربي كما

هـــو احلـــال يف ماليزيا، ويعمل يف نف�ـــس الوقت على حتقيـــق اال�ستقرار

ال�سيا�سي ال�ســـروري الأية تنمية اقت�ساديـــة اأو علمية؛ فهو نظام ب�سيط

يقوم علـــى تفعيل العلقة بني الدوائر االنتخابيـــة وممثليها يف الربملان

مـــن جهة، وي�ساعد على توحيد والتقاء امل�سالح اجلماعات املتعددة من

جهة اأخرى، بب�ساطة الأن االأحزاب ال�سيا�سية التي تثل هذه اجلماعات

والتـــي تعمـــل يف ظل نظام االأغلبية تعتمد على قاعـــدة �سعبية وا�سعة و/

اأو تبحـــث يف الغالب عن ائتلفـــات �سيا�سية وا�سعة عادة ما تتيح املجال

مل�ساركة االأحزاب ال�سغرية التي يتم تهمي�سها يف ظل االأنظمة الرئا�سية.

هذه امليزات تزيد من فر�س اال�ستقرار احلكومي وال�سيا�سي الذي يعترب

متطلبـــا اأ�سا�سيـــا لتطور املجتمعات النامية. ورمبـــا ينا�سب هذا النظام

فعـــل الدميقراطيـــات النا�سئة. ولهـــذا جند اأن هذا النظـــام قد �ساعد

علـــى اإيجاد ائتلف حكومي وا�سع يف حالـــة ماليزيا ولفرتة طويلة نادرا

مـــا حتدث يف الدول التـــي تتبنى هذا النظام. ففـــي الوقت الذي يخدم

فيه هـــذا النظام احلزب اأو االئتلف احلاكم، فاإنـــه اأي�سا ميثل حافزا

قويا الأحزاب املعار�سة للندماج اأو ت�سكيل ائتلف موازى من املعار�سة

ملناف�ســـة احلكومـــة، والعمل علـــى حما�سبتهـــا اإن جتـــاوزت حدودها اأو

اخرتقت القانون.

كما اأن مثل هذا النظام يعمل على ا�ستيعاب التباينات العرقية والدينية

والثقافيـــة املتعـــددة اإن وجـــدت، ويحافـــظ على اال�ستقـــرار االجتماعي

ال�سروري لعملية التحديث: فهو نظام يروج للقيم واملفاهيم االإ�سلمية

يف الوقـــت الذي ميار�ـــس فيه اأمناطا اقت�ساديـــة راأ�سمالية، حيث يجمع

مثـــل يف ال�سيا�ســـة االقت�ساديـــة بـــني الراأ�سمالية الليرباليـــة من جهة،

وبني التدخل احلكومـــي يف االقت�ساد من جهة اأخرى؛ وهو نظام يحمي

اخل�سو�سية االإثنية والثقافية للأعراق املختلفة، بينما يعمل على غر�س

امل�ساعر الوطنية يف اأذهان املواطنني على اختلف م�ساربهم.

ويت�سح من هذا اأن النظام ال�سيا�سي واالنتخابي يف ماليزيا لعب دورا

هامـــا واأ�سا�سيا يف حتقيق اال�ستقرار االجتماعي وال�سيا�سي واحلكومي،

كما �ساعد على حتقيق اأهـــداف ال�سيا�سة االقت�سادية اجلديدة وعملية

التحديـــث التي بـــداأت يف ال�سبعينيات وهو ما ميكـــن اأن ي�ستفاد منه يف

العامل العربي.

ثانيا: على امل�ستوى االقت�سادي

لعـــل االقت�ساد هو من اأكـــرث املجاالت التي ميكـــن اأن ي�ستفاد منها يف

التجربـــة املاليزيـــة. فالنموذج املاليـــزي يف هذا املجال لي�ـــس فريدا يف

هيكلـــه واإطاره، ولكنـــه فعال يف تطبيقه وممار�ستـــه. فهناك الكثري من

الـــدول التي حاولت تبني نظام خمتلط يجمع ما بني مميزات االقت�ساد

احلـــر ويف نف�س الوقت يعتمد علـــى التدخل والتوجيـــه احلكومي، ولكن

قليـــل من هذه الدول من ا�ستطاعت تطبيقـــه بنجاح على اأر�س الواقع،

ولعلنـــا ال نبالـــغ اإذا قلنـــا اإن ماليزيا مـــن اأكرث الدول - هـــذا اإن مل تكن

اأبرزهـــا- التي تكنت من حتقيق هذا بفعالية وجناح م�سهودين. وفيما

يلي اأهم جماالت التي ميكن اال�ستفادة منها:

النمو امل�ستدام والتوزيع العادل للدخل والروة: يعترب النمو

االقت�سادي حجـــز الزاوية يف اأية تنمية. فمن دون �سيا�سات وموؤ�س�سات

وا�ستثمارات اقت�سادية فعالة من ال�سعب على اأية

دولة اأن تقوم بتح�سني امل�ستوى املعي�سي ملواطنيها.

فاالأ�سل يف النمو الدائم اأن يزيد من الدخل ويوفر

فر�ـــس عمـــل، ويعـــزز االأمـــن الغذائـــي، ويخف�س

الفقـــر. ولكن هـــذا ال يتحقـــق دائما كمـــا نرى يف

العديـــد مـــن البلـــدان العربيـــة. ولهـــذا فالتنمية

االقت�ساديـــة احلقيقية هي التي تهـــدف اإىل تخ�سي�س املوارد بطريقة

ت�سمن منو الدخل احلقيقي لكل فرد، وتتاأكد من اأن الدخل والرثوة يتم

توزيعها بطريقة عادلة و�ساملة. ولقد كانت االإ�سرتاتيجية املاليزية دائما

تاأخذ بعني االعتبـــار هذين الهدفني، وقد �ساغت ال�سيا�سة االقت�سادية

اجلديـــدة التـــي طبقت يف الفرتة ما بـــني 1971 و1990 منوذجـــا ناجحا

الإعادة توزيع الدخل والرثوة ولكن دون الت�سحية بالنمو، وهي ال�سيا�سة

التـــي ميكن اأن تكون منوذجـــا قابل للتطبيق يف العـــامل العربي. فبينما

حتقـــق العديد مـــن الـــدول العربية معدالت منـــو عالية ن�سبيـــا وبع�سها

معقـــول، فاإن معدالت البطالة والفقر يف ازدياد م�ستمر، وهو ما ينعك�س

ب�سكل �سلبي على االأمن االجتماعي وحتى على الوحدة الوطنية يف بع�س

البلدان. ولهذا حتتاج الـــدول العربية اإيل �سيا�سة اقت�سادية توؤدي لي�س

فقط اإىل حتقيق معدالت منو مرتفعة اأو م�ستقرة وهذا اأمر مطلوب، واإمنا

النظام ال�سيا�ســي واالنتخابــي يف ماليزيا لعب دورا هاما واأ�سا�ســيا يف حتقيق

اال�ســتقرار االجتماعي وال�سيا�سي واحلكومي، كما �ساعد على حتقيق اأهداف

ال�سيا�سة االقت�سادية اجلديدة وعملية التحديث التي بداأت يف ال�سبعينيات

وهو ما ميكن اأن ي�ستفاد منه يف العامل العربي

اأي�ســـا �سيا�سة ت�سمن توزيعا عـــادال للدخل والرثوة، ومن ثم ت�ساعد على

تخفي�س معـــدالت البطالة والفقر وبالنتيجة حتقيـــق الرفاه االقت�سادي

واالجتماعي للمواطنـــني. وهذا النمو امل�ستدام هو الـــذي ينتج باالأ�سا�س

عن �سيا�سات وموؤ�س�سات تدعم االأ�ســـواق اخلا�سة، وتهتم باال�ستثمارات

العامـــة يف املوارد الب�سريـــة والبنى التحتية. فما هي اأهـــم الدرو�س التي

ميكن اأن ت�ستفاد من التجربة املاليزية يف النمو االقت�سادي امل�ستدام؟

اأوال، قامـــت احلكومة بخلـــق بيئة من�سجمة مع معـــدالت منو عالية من

خـــلل �سيا�ســـات مرنة، وا�ستثمـــارات رئي�سيـــة يف البنـــى التحتية، ومنو

�سريـــع لراأ�س املـــال الب�سري. وقد اعتربت العديد مـــن الدرا�سات مرونة

احلكومة املاليزية على اأنـــه العن�سر احلا�سم يف حتقيق النمو امل�ستدام.

فقد اأظهرت احلكومة خا�سة خلل فرتة ال�سيا�سة االقت�سادية اجلديدة

ق ما بني قدرتهـــا علـــى التكيف مع الظروف املتغرية. فكان عليهـــا اأن توفم

النمو من جهة، واعتبارات امل�ساواة والعدل من جهة اأخرى، بينما دفعتها

الظـــروف املتغرية اإىل حتويـــل تركيزها واهتمامها من فـــرتة اإىل اأخرى

فقـــد قاومت بقوة املنا�ســـدات للتخلي عن اأحد الهدفـــني. وعندما ننظر

اإىل �سيا�ســـة احلكومـــة، فمن املهم اأن منيز بـــني التدخل وبني التغطية اأو

التعتيم. فاالأول هو حماولة من حلكومة للتاأثري يف االأداء االقت�سادي من

خلل �سيا�سات االإنفاق، بينما يتعلق الثاين بتغطية اأو رمبا ت�سرت حكومي

علـــى االإ�ســـارات ال�سلبية التي قد ير�سلها اأدائهـــا االقت�سادي، من خلل

على �سبيل املثال ال�سيطرة على العملة اأو االأ�سعار.

عـــلوة على ما �سبق، فـــاإن �سيا�سة احلكومـــة ال�سريبية مل تكن م�سرة

بقطـــاع الزراعة، وذلك من اأجل تكينه مـــن النمو ومن ثم امل�ساعدة يف

تويل التطور االقت�سادي يف القطاعات االأخرى. فنجاح ماليزيا يف تعزيز

النمو واإعادة توزيع الدخل، وكذلك اإنهاء الفقر يف االأماكن الريفية يعود

ب�سكل كبري اأي�ســـا اإىل االهتمام الذي اأعطي للتنمية الزراعية والريفية.

كما اأن اال�ستثمار يف البنية التحتية �سجع القطاع اخلا�س على اال�ستثمار

يف الزراعة الذي مكن احلكومة باملقابل من تويل بع�س جوانب القطاع

ال�سناعـــي. اإن النجاح الـــذي حققته ال�سيا�سة اجلديـــدة يف هذا املجال

�ساعـــد على حتقيـــق اال�ستقرار ال�سيا�ســـي الذي اأ�سبح فيمـــا بعد عامل

هاما يف جذب اال�ستثمارات اخلارجية، خا�سة يف القطاع ال�سناعي.

بينمـــا وفـــر النمـــو يف القطاع الريفـــي املزيد من فر�ـــس العمل،

ومكن مـــن تخفي�س ورمبـــا احلد ب�سكل كبـــري جدا من

الفقر، فاإن النمو يف قطاع احل�سري احلديث خلق

اأي�سا الكثري من فر�ـــس العمل االإنتاجية. وهذا

ما �ساعد احلكومـــة على خلق فر�س العمل مع

املحافظـــة على اقت�ساد مفتـــوح ولكن بنظام

تعرفـــة منخف�سة ن�سبيا، بينمـــا وفرت البنى

التحتية ال�سروريـــة، و�سجعت بقوة النمو عن

طريـــق ال�سادرات. فتوفـــري التعليم وال�سحة

وغريهـــا مـــن الت�سهيـــلت مكنت جميـــع فئات

املجتمـــع، خا�سة الفقراء، مـــن اال�ستفادة من تلك

ماليزيـــا دولة تقع يف جنوب �سرق اآ�سيا وهـــي تتكون من 13 والية

وثلثـــة اأقاليم احتادية، مب�ساحة كلية تبلغ 329.845 كيلو مرت مربع

)127.354 ميـــل مربـــع(. العا�سمة هـــي كواالملبـــور، وي�سل تعداد

ال�ســـكان اأكرث من 28 مليون ن�سمة. ينق�سم البلد اإىل ق�سمني يف�سل

بينهما بحـــر ال�سني اجلنوبي، هما �سبه اجلزيرة املاليزية وبورنيو

املاليزيـــة )املعروفة اأي�سا با�سم ماليزيـــا ال�سرقية(. يحد ماليزيا

كل من تايلند، اإندوني�سيا، �سنغافورة و�سلطنة بروناي. تقع ماليزيا

بالقرب من خـــط اال�ستواء، ومناخها مداري. راأ�س الهرم املاليزي

هـــو يانـــغ دي بريتـــوان اأغونغ، وهـــو ملك منتخـــب، بينمـــا يرتاأ�س

احلكومة رئي�س الوزراء.

مل يكـــن ملاليزيا كدولة موحدة وجود حتى عام 1963. يف ال�سابق،

ب�سطت اململكة املتحـــدة نفوذها يف م�ستعمرات تلك املناطق اأواخر

القرن الثامن ع�ســـر. ويتكون الن�سف الغربي من ماليزيا احلديثة

من عدة ممالـــك م�ستقلة. عرفت هذه املجموعـــة من امل�ستعمرات

با�ســـم مااليا الربيطانية حتـــى حلها عام 1946، عندمـــا مت اإعادة

تنظيمهـــا �سمن احتـــاد املليو. نظـــرا للمعار�سة الوا�سعـــة، اأعيد

تنظيمها مـــرة اأخرى �سمن احتاد مااليا الفـــدرايل يف عام 1948،

ثـــم ح�سلت علـــى اال�ستقلل يف وقـــت الحـــق يف 31 اآب/اأغ�سط�س

1957. ودجمـــت كل مـــن �سنغافـــورة، �ساراواك، وبورنيـــو ال�سمالية

الربيطانية واحتـــاد مااليا جميعها لت�سكل ماليزيـــا يوم 16 اأيلول/

�سبتمرب 1963.

خـــلل اأواخـــر القـــرن 20، �سهـــدت ماليزيـــا طفـــرة اقت�ساديـــة

وخ�سعت لتطور �سريع. حيث يحدها م�سيق ملقا، وهو طريق بحري

مهـــم يف امللحة الدولية، كما اأن التجارة الدولية جزء اأ�سا�سي من

اقت�سادها. وت�سكل ال�سناعة اأحد القطاعات الرئي�سية يف اقت�ساد

البلد.كما تتلك ماليزيا تنوعـــا حيويا من النباتات واحليوانات،

حيث تعترب من بني الدول 17 االأكرث تنوعا يف العامل.

اللغة الر�سمية: امللوية.

نظــام احلكــم: ملكـــي د�ستـــوري، فيـــدرايل، برملـــاين

دميقراطي.

�سلطان ماليزيا: ميزان زين العابدين.

رئي�ــض الــوزراء: حممـــد جنيـــب بـــن تـــان عبد

الرزاق.

النــاجت املحلي االإجمــايل )تقدير 2009(:

384.119 مليار دوالر.

العملة: رينغيت ماليزي.

معلومات اأ�سا�سية

امل�سدر: ويكيبيديا، املو�سوعة احلرة.

wik

iped

ia, G

oogl

e

Page 57: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 114 115ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

الفر�س. مـــن جهة اأخرى، فاإن ال�سيطرة علـــى الت�سخم وكذلك ت�سجيع

اال�ستثمـــارات اخلارجيـــة املبا�سرة �ساعد ب�سكل كبـــري على طلب االأيدي

العاملـــة. وعليه ميكننا اأن نوؤكد هنـــا اأن معدالت النمو العالية امل�ستدامة

التـــي عملـــت ال�سيا�سات احلكومية بجـــد على حتقيقها و�سمـــان التوزيع

العـــادل للدخـــل والـــرثوة امل�ساحبـــة لها، جعل مـــن املمكن خلـــق فر�س

كبـــرية اأدت يف النهايـــة اإىل تخفي�ـــس ن�سبة الفقر ب�ســـكل قيا�سي. وهذه

هـــي ال�سيا�ســـات التي حتتاجها الـــدول العربية لتحقيق اأهـــداف التنمية

امل�ستدامة فيها و�سمان رفاهية �سعوبها.

اخل�سخ�ســة امل�ســروطة للقطــاع العــام: تقـــوم االقت�ساديـــات

الراأ�سمالية على مبداأ امللكيـــة الفردية وبالتايل اخل�سخ�سة. وقد تبنت

احلكومـــة املاليزية هذا املبداأ منذ البداية ولكـــن ب�سيغة مطورة ت�سمن

تدخل الدولة امل�سروط عند احلاجة، وقد مت تطبيق وتفعيل هذا ال�سيا�سة

ب�ســـكل وا�سع يف عهـــد مهاتري حممد، حيث قامـــت حكومته بخ�سخ�سة

�سبـــه كاملـــة للقطـــاع العام، ولكن مـــع �سمان حـــق الدولـــة واملجتمع يف

عائدات هذه القطاعات. فعلـــى �سبيل املثال ال احل�سر، قامت احلكومة

بخ�سخ�ســـة الطـــرق املعبدة ال�سريعة التي تربط املـــدن والواليات ولكن

�سمن �سروط ت�سمن حقـــوق ال�سركات امل�ستثمرة وحق املجتمع والدولة.

فقـــد كانت العقود تقوم على عن�سريـــن: حت�سل ال�سركات على عائدات

ا�ستخدام الطـــرق الرئي�سية مدة ع�سرين عاما، وهي مدة كافية ل�سمان

ا�ســـرتداد راأ�س املال وحتقيق ربح م�سمون للم�ستثمرين مع تطبيق �سارم

لنظـــام ال�سريبـــة امل�ساحـــب، ومن ثم تنتقـــل امللكية والعوائـــد كليا اإىل

الدولة. وحيث اأن غالبية الدول العربية تعي�س مرحلة انتقالية فيما يتعلق

بخ�سخ�ســـة القطاع العام، فيمكن اال�ستفادة مـــن التجربة املاليزية يف

هذا املجال بحيث يتم خ�سخ�ســـة القطاعات املكلفة التي ترهق خزينة

الدولـــة، مبا ي�سمن حقـــوق امل�ستثمريـــن وحقوق الدولـــة، بيمنا حتتفظ

الدولـــة اأو يكـــون لها الن�سيب االأكـــرب يف القطاعات االأقـــل كلفة واالأكرث

ربحية مثل قطاع االت�ساالت.

املحافظة على ا�ستقرار االقت�ساد الكلي: واحد من اأهم الدرو�س

التي ميكن اأن ن�ستفيدها من التجربة املاليزية وحتى االآ�سيوية ب�سكل عام

هـــو الدور املركزي الذي يلعبه ا�ستقرار االقت�ساد الكلي يف ت�سهيل النمو

االقت�ســـادي امل�ستدام. وهناك ثلثة اأ�سبـــاب هامة تدعونا اإىل االعتقاد

بحاجة النمو امل�ستدام اإىل ا�ستقرار يف االقت�ساد الكلي للبلد: فاالأ�سعار

الن�سبيـــة مثـــل معـــدالت ال�ســـرف والفائدة تكـــون اأو�سح عندمـــا يكون

الت�سخم منخف�سا وم�ستقرا. هذا الو�سوح يف ال�سعر يقلل من حالة عدم

التاأكد، وبالتايل ي�سجع اال�ستثمار اخلا�س. ثانيا، اإن ا�ستقرار االقت�ساد

الكلـــي خا�سة فيما يتعلق باملحافظة على معدل ت�سخم منخف�س ي�ساهم

يف اإيجاد م�ستويات اإدخار اأعلى يف القطاع العام، وذلك من خلل تو�سيع

القاعـــدة ال�سريبة وزيادة عملية حت�سيلهـــا. كما اأن الت�سخم املنخف�س

ي�سهـــل االدخار اخلا�ـــس واالأ�سول املالية املحلية. وبالتـــايل فاإن االدخار

العايل يعزز من النمو من خلل توفري املوارد املحلية لل�ستثمار. واأخريا

ال بد من االإ�سارة اإىل اأن معدل ال�سرف احلقيقي ي�سمح بتوجيه االقت�ساد

خارجيـــا. وعليه، فاإن التقييم املتدرج ملعدالت ال�سرف كان من�سجما مع

منو ال�سادرات ال�سريع يف ماليزيا وغريها من النمور االآ�سيوية.

ولهـــذا كانـــت ماليزيـــا اأقل الـــدول ت�ســـررا يف اأزمـــة اآ�سيـــا يف اأواخر

الت�سعينيـــات، كمـــا كانـــت اأول دول اآ�سيـــان انتعا�سا، ويعـــود ذلك ب�سكل

رئي�ســـي اإىل تدخـــل الدولـــة املن�سبط خا�ســـة فيما يتعلـــق بتثبيت �سعر

ال�ســـرف، حيـــث كان لـــه دور حا�ســـم يف تخفيف خمـــاوف امل�ستثمرين

اخلارجيني من جهة، ومن ثم ت�سجيع ال�سادرات من جهة اأخرى.

تنميــة املــوارد الب�ســرية: اإن تنميـــة وتطوير املهـــارات الب�سرية

كانـــت عن�سرا هاما جدا يف االإ�سرتاتيجيـــة املاليزية على املدى البعيد.

فمعـــدالت االإنفاق العالية مـــن قبل الدولة على تنمية املـــوارد الب�سرية،

اأدت اإىل م�ساركـــة وا�سعـــة للماالويني - الذين كانـــوا قبل هذا مه�سمني

اأ�ســـل - يف القطاعات احلديثـــة للقت�ساد، وكذلـــك يف عملية االإنتاج

العالية يف القطاعات التقليدية. فاال�ستثمار يف التعليم وال�سحة كان له

نتائج مهمة على النمو واالإنتاجية اأي�سا.

برجماتيــة الدولة: اإن اخلـــربة املاليزية ت�ســـري اإىل اأن للحكومة

دور رئي�ســـي واإيجابـــي يف االإ�سلحـــات االقت�ساديـــة. فـــدور احلكومـــة

كان حا�سمـــا يف تفعيـــل عمل االأ�سواق، والتعامل مـــع املوؤثرات اخلارجية

وت�سهيـــل اال�ستثمارات العامة. فقـــد اأجنزت احلكومـــة املاليزية مهاما

اقت�ساديـــة رئي�سية مثـــل توفري ال�سلـــع العامة والبنـــى التحتية، وقامت

باإن�ســـاء موؤ�س�ســـات تدعـــم تطوير االقت�ســـاد وتفعيل القطـــاع اخلا�س،

بينمـــا حتافظ على معايري عالية يف اإدارة القطاع العام. فتوفري التعليم

واخلدمات �سحية العالية امل�ستوى هو دليل على التزام احلكومة بتنمية

االقت�ســـاد وتطويره. كمـــا اأن احلكومـــة �ساهمت بفعاليـــة يف االإنتاجية

مـــن خلل تاأ�سي�ـــس قطاع عام ت�سيطـــر عليه �سركات وقطـــاع االأعمال.

فعندما تبنت الدولة �سيا�سة اإدارية اأكرث مرونة خا�سة منذ تويل مهاتري

احلكم يف بداية الثمانينيات من القرن املا�سي، كانت تنظر اإىل القطاع

اخلا�س ك�سريك اأ�سا�سي يف تنمية وتطوير االقت�ساد. ويف هذا ال�سياق،

جنـــد اأن مـــن اأهم مميـــزات احلكومة املاليزيـــة وكذلـــك حكومات دول

النمور االآ�سيوية ب�سكل عـــام هي ا�ستجابتها ال�سريعة والفعالة للتحديات

اجلديدة فور ظهورها.

اأثبتــت التجربــة املاليزية اأن تبني العنا�ســر االإيجابية يف �سيا�ســة ال�ســوق احلر مــع منهج مدرو�ض

لتدخل الدولة ل�سبط م�ساره ميكن اأن يكون منوذجا ناجحا لتحقيق التنمية والرفاه االقت�سادي

فـي بوؤرة االهتمام

اخلا�سة هناك عوامل عديدة �ساعدت

علـــى حتقيق النمو االقت�سادي يف ماليزيـــا وخف�س معدالت الفقر

خلل فرتة ال�سيا�سة االقت�سادية اجلديدة. ولعل اأهم در�س ميكن

اال�ستفـــادة منه يف البلد العربية هـــو اأهمية النمو وا�سرتاتيجيات

تعزيـــزه، ولكـــن يف اإطار �سيا�ســـات ت�سمن التوزيع العـــادل للدخل

والـــرثوة. فالنمو االقت�سادي العـــايل وامل�ستدام يوفـــر للحكومات

عوائد عالية ميكنهـــا من توزيعه يف جماالت مغذية للتنمية خا�سة

يف التعليـــم والتدريب، والرعاية ال�سحية واالإ�سكان. والأنه من غري

املتوقـــع حتقيق الدول العربية املعنية معدالت منو عالية كتلك التي

حققتهـــا ماليزيا خلل ال�سيا�سة اجلديدة، فاإن الوقت الذي �سوف

تاأخذه �سيا�سات خف�س الفقر رمبا تكون اأطول.

لقـــد اأظهـــرت التجربـــة املاليزيـــة اأن م�ستـــوى عاليا مـــن كفاءة

اخلدمة العامة يعترب اأ�سا�سيا لنجاح ال�سيا�سات احلكومية يف هذا

املجال. ويف هذا ال�سياق، فاإن التعليم والتدريب والربامج احلديثة

والعمليـــة يفرت�س اأن تهدف اإىل تغيري النمـــط ال�سائد يف اخلدمة

املدنيـــة اإىل منـــط يثمـــن الفعاليـــة والتوجه للخدمـــات. فالتنظيم

التناف�ســـي واملعني واملوجـــه ب�سكل وا�سح يعزز تطبيـــق ال�سيا�سات

والربامج العامة التي تهدف اإىل حت�سني م�ستوى حياة املليني من

العاطلني عن العمل يف العامل العربي.

اأمـــا يف جمـــال الزراعـــة فـــاإن عمليـــات ا�ست�ســـلح االأرا�ســـي،

واال�ستثمـــار يف نظـــم الري واالإنتـــاج والدعم املـــايل وتوفري البنى

التحتية االأ�سا�سيـــة خا�سة ل�سغار املزارعني، تعترب اأمورا اأ�سا�سية

لتح�ســـني االأداء وتطويـــر قطاع الزراعة املهمـــل يف العامل العربي.

فهـــذا �سي�ساهـــم من دون �سك يف الق�ساء علـــى الفقر الذي ترتفع

ن�سبتـــه يف املناطـــق الريفيـــة، و�سيخلـــق فر�ـــس عمـــل جديدة. يف

حالـــة ماليزيا ينظـــر اإىل حت�سني اإنتاجية قطـــاع الزراعة على اأنه

يف احلقيقـــة داعـــم لقطاعـــات اأخـــرى يف االقت�ســـاد الوطني مثل

ال�سناعة واخلدمات.

كمـــا اأن على الـــدول العربيـــة تعزيز قطـــاع ال�ســـادرات املتدين

جـــدا، فـــاإذا مـــا ا�ستثنينـــا قطاع النفـــط يف بع�ـــس االأقطـــار فاإن

العامل العربـــي يف احلقيقة عامل م�ستـــورد وم�ستهلك يف اآن واحد،

وهو يحتـــاج بالطبـــع اإىل ا�ستثمار حكومي يف البنيـــة التحتية التي

يحتاجهـــا قطـــاع ال�سناعـــات. واإذا مـــا اأرادت البـــلد العربية اأن

تزيد من ن�سبـــة �سادراتها ب�سكل كبري فعليها اأن جتذب راأ�س املال

االأجنبـــي املبا�سر وبالتايل تعزيز الثقة لـــدى الراغبني باال�ستثمار

مـــن اخلـــارج والداخل، وهـــذا يتحقق فقط من خـــلل بناء �سمعة

جيـــدة الإدارة االقت�ســـاد الكلي كما فعلت ماليزيـــا. وجتدر االإ�سارة

هنـــا ونحن نتحـــدث عن جتربـــة ماليزيا الناجحة يف جمـــال التنمية

واالقت�ســـاد، اإىل توفر االأيدي العاملة الرخي�ســـة مقارنة بنظرياتها

يف الـــدول ال�سناعيـــة، وهو االأمر الذي تت�سابه بـــه ماليزيا مع العامل

العربي ب�سكل كبـــري، وهذا يعترب عامل م�ساعدا على جذب وت�سجيع

اال�ستثمار.

واأخـــريا، فاإن ماليزيـــا حققت منوها وطبقـــت ا�سرتاتيجيات اإعادة

التوزيـــع اعتمـــاد على تدخل حكومـــي كبري يف االقت�ســـاد احلر، فقد

�سمنـــت احلكومة املتطلبات االأ�سا�سية الأي اقت�ساد فعال ومن اأهمها

اال�ستقـــرار ال�سيا�ســـي، وا�ستقرار جوانب اقت�سادهـــا الكلي، وعملت

علـــى اإيجـــاد قطـــاع زراعي منتـــج، وحافظت علـــى الفعاليـــة يف اأداء

اخلدمـــات العامة. كما كانت احلكومـــة برجماتية يف عملها، فهي مل

تلتزم بو�سفات املوؤ�س�ســـات الدولية كالبنك و�سندوق النقد الدوليني

التـــي ترف�س عادة التدخل احلكومـــي يف االقت�ساد، بل ومل ترتدد يف

تعديـــل اأو التخلي عـــن اأي �سيا�سات غري فعالة. فقـــد اأثبتت التجربة

املاليزيـــة اأن تبنـــي العنا�ســـر االإيجابيـــة يف �سيا�سة ال�ســـوق احلر مع

منهـــج مدرو�س لتدخل الدولة ل�سبط م�ســـاره ميكن اأن يكون منوذجا

ناجحا لتحقيق التنمية والرفاه االقت�سادي.

هـــذه هي التجربـــة املاليزية وبع�س مظاهرهـــا احليوية التي ميكن

للعامل العربي اأن ي�ستفيد منها. فهل منلك االإرادة ال�سيا�سة، وال�سجاعة

القياديـــة لكي نتقارب من هـــذا النموذج ونتفاعل معـــه بحيوية. لقد

اأمتثلنا للعديد مـــن النماذج الغربية والو�سفات اخلارجية ولكن دون

نتائج فعالة؛ اأفل جنرب النموذج االآ�سيوي االإ�سلمي الفريد كما فعل

غرينا، اأما اآن لنا اأن ننظر �سرقا - ال غربا- كما فعلت ماليزيا!

املراجــــع

- مهاتري حممد، امل�ستقبل امل�سروق، ترجمة اأمري �سديق وحممد اخلادم )د. م.: ال�ساهد الدويل للخدمات االعلمية، دون تاريخ(.

- حممد اأبوغزله، »ال�سيا�سة الداخلية املاليزية: عوامل التطور والنجاح«، جملة العلوم االإن�سانية، ال�سنة 5، العدد 36، كانون الثاين/يناير 2008.

-Zin, Ragayah H. M. Growth with Equity: Policy Lessons from the Experience of Malaysia, in Growth with Equity: Policy Les-sons from the Experiences of Selected Asian Countries, Economic And Social Commissionm, United Nations Publications.- Crouch, A. Government and Security in Malaysia. Ithaca: Cornell University Press, 1996. - Federal Constitution of Malaysia, Part I and Part XII. - Government of Malaysia. Yearbook of Statistics. Malaysia: Department of Statistics, 2000. - Milne, R. S. and Diane K. Mauzy. Malaysian Politics under Mahathir. London: Routledge, 1999. - Muzaffar, Chandra. Challenge and Choices in Malaysian Politics and Societies. Gelugor, Penang: ALIRAN, 1989. - Yong, Joseph. Continuity and Change in Malaysia Politics. Singapore: Institute of Defense and Strategic Studies, 1999.

Page 58: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 116 117ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�شلحة واحلد من انت�شارها

الد�افع، ال�سيا�سات، املعوقات

عاي�ض على عوا�ض

�شدر حديثا

يف �شل�شلة درا�شات اإ�شرتاتيجية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

العددان 4 - 5، يوليو/اأكتوبر 2010 ا�سرتاتيجية

املحـــور

ق�سيــــة العـــدد

الوجوه املتغرية لاإ�سامويةحتــوالت وجتــارب

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

Page 59: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 118 119ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

لوران بونفوا[email protected]

تنوع الإ�شالميني يف اليمن

منطق الدمج حتت ال�شغط

مـــن اأبـــرز ال�سمـــات امللحوظة يف النظـــام ال�سيا�سي اليمنـــي احلايل هي قدرته علـــى التعامل مع كل اأنـــواع املذاهب

والطوائـــف الدينيـــة من خـــلل االعتماد على مبـــداأ االختلط والتعاي�س واختيـــار اأي منها على حـــد �سواء بدال من

قمـــع مذهب اأو طائفـــة ل�سالح مذهب اأو طائفة اأخرى. وقـــد كانت خمتلف الطوائف كاالإخـــوان امل�سلمني وال�سلفية

واجلماعـــات اجلهاديـــة املت�سددة وال�سوفية والزيدية املجددين تتعاون مع الدولة اإىل حد ما. ومنذ ال�سبعينيات من

القـــرن املا�سي وهذا النوع من التوازن يثبـــت اأنه حل عملي، اإذ اأنه خفف من حدة العنف ال�سيا�سي و�سمح مب�ساركة

االأغلبيـــة وحافـــظ على ا�ستقرار الدولة. ولكـــن نظرا للتطورات الداخلية وال�سغـــوط اخلارجية بعد اأحداث احلادي

ع�سر من اأيلول/�سبتمرب اأ�سبح هذا التوازن يف خطر مع اإمكانية ح�سول تبعات مل تزل يف علم الغيب.

لوران بونفوا باحث فرن�سي متخ�س�س يف �سوؤون اجلماعات االإ�سلمية.

املحــور

ME

Arc

hiv

E

يف ربيـــع عـــام 2005، ويف اأحـــد الزوايـــا النائيـــة من اليمـــن اجلنوبي

�سابقـــا، كان �سائق �سيارة قدمية من نوع “النـــد كروزر” ي�سع �سورتني

متناق�ستني على ما يبدو على االإطار الزجاجي االأمامي لل�سيارة. وكانت

ال�ســـورة االأوىل لعلي عبد اهلل �سالـــح، الرئي�س اليمني منذ توز/يوليو

1978 واحلليـــف اجلديـــد للواليات املتحـــدة فيما ي�سمـــى “احلرب على

االإرهاب”، بينما كانت ال�سورة الثانية الأ�سامة بن الدن، الذي هو عبارة

عن جت�سيد معروف عامليا للإرهاب العابر للحدود. وهذا يو�سح الكثري

عـــن طبيعة املجتمع اليمني ونظامـــه ال�سيا�سي. لكن يف نف�س الوقت من

ر ذلك ب�سور خمتلفة. ر ويف�سر املمكن اأن يوؤطر

فمـــن ناحية، قـــد يف�سر الت�سامـــح الن�سبي من قبـــل ال�سلطات املحلية

)التي البد اأنها كانـــت على علم مبرور تلك ال�ساحنة عرب القرية( جتاه

مثـــل ذلك الوالء املزدوج على اأنه دليل على ت�سلل اجلماعات االإ�سلمية

املت�ســـددة اإىل البلد، وكذلك على الت�سامح جتـــاه ما ي�سمى باحلركات

“اجلهاديـــة”. وقـــد اأ�سبحت هذه اجلماعات يف اليمن حتظى بالكثري من االهتمام منذ عمليات التحقيق يف تفجري املدمرة االأمريكية “كول”

يف ت�سريـــن االأول/اأكتوبـــر 2000 يف خليج عدن على اأيـــدي عنا�سر اأحد

اخلليـــا االإرهابية املرتبطة بتنظيم القاعدة. ويف هذا االإطار، عادة ما

تتهم ال�سلطـــات اليمنية باأنها ال تقدم للأجندة االأمريكية �سد االإرهاب

�ســـوى اأدنى املجاملت ال�سفهية املتملقة بينما هناك الكثري من عنا�سر

الدولة مبا�سرة يوؤيدون العنف ويغ�سون الطرف جتاه من يقدمون الدعم

الن�ســـط للعنا�سر املقاتلة. وبالتايل، من املمكن القول اأن ق�سة ال�سيارة

التي حتمل ال�سورتني )مع اأن ذلك لي�س اأمرا �سائعا بال�سرورة( عبارة

عـــن �سورة وا�سحة للعلقات املتذبذبة بـــني الدولة واالإ�سلميني. اأي�سا

قـــد يرمز ذلك اإىل التعـــدد الوظيفي للدولة واحلكومـــة. وينبغي اعتبار

دمج اجلماعات االإ�سلمية املتعددة يف اأجهزة الدولة عامل من عوامل

اال�ستقرار، فهو و�سيلة لتقليل العنف اإىل اأدنى م�ستوياته من خلل الدمج

االجتماعي وال�سيا�سي بدال من ت�سجيعه من خلل الت�سويه والقمع.

منـــذ زمـــن طويل والدين يف املرتفعـــات واملناطـــق ال�ساحلية يف اليمن

علـــى علقة وثيقـــة بال�سلطة ال�سيا�سية، فبعد حكـــم دام الأكرث من مائة

عـــام )حتى �سنة 1962( اأف�سح �سقوط مملكة االأئمة الزيدية املجال اأما

الف�ســـل املبا�سر بني ال�سيا�سة والدين يف البلد، وذلك من خلل ظهور

احلكم اجلمهوري الذي ا�ستلهم نظامه من حكم جمال عبد النا�سر يف

م�ســـر. لكن عملية التحديث التـــي حدثت يف الدولة واملجتمع يف كل من

اليمن ال�سمايل واليمن اجلنوبي املارك�سي )الذي كان اأحد امل�ستعمرات

الربيطانيـــة �سابقا حتى نـــال ا�ستقلله عام 1967 وظـــل الدولة العربية

ال�سيوعية الوحيدة حتى �سقوطه عام 1990(، مل ت�سعف تاأثري االأطراف

واجلهـــات الدينيـــة وال�سيا�سية الفاعلة. وميكننا قـــول ال�سيء ذاته على

وحدة اأيار/مايو 1990 بني �سطري اليمن ال�سمايل واجلنوبي.

ومن منظـــور تاريخي ينق�سم املجتمع اليمنـــي اإىل مذهبني اأ�سا�سيني،

همـــا: املذهب الزيـــدي واملذهب ال�سافعـــي. والزيدية هـــم من طوائف

ال�سيعـــة ويو�سفـــون باأنهـــم الطائفـــة املعتدلة يف فقههـــا، ويختلفون عن

ال�سيعـــة االثنا ع�سرية يف اإيران، فهم اأقـــرب اإىل اأهل ال�سنة من نواحي

كثـــرية. اأمـــا ال�سافعية فهم من اأهل ال�سنة. لكـــن اخللف بني املذهبني

تل�سى كثريا خلل القرن الع�سرين، حتى اأنه مل يعد للخلف اأثر كبري

كمـــا كان يف املا�سي اأثنـــاء حكم االأئمة الزيديـــني يف ال�سمال. وبالرغم

مـــن عدم وجود اإح�سائيات دقيقة يعتمد عليها اإال اأن ال�سافعية ي�سكلون

االأغلبيـــة العظمى من بني اأربعة وع�سريـــن مليون ن�سمة يف اليمن، بينما

ي�سكل الزيدية ما ن�سبته 35% من ال�سعب اليمني، مع مراكزها يف اليمن

ال�سمايل.

ونظـــرا للتغـــريات االأخرية – خا�ســـة الهجرة الداخليـــة واخلارجية،

والتمييـــز بـــني الهويات الدينيـــة والرتويج لها، وكذلك تطـــور م�ستويات

التعليـــم – اأ�سبح معظم اليمنيـــني االآن يعتربون اخللف جمرد خلف

رمزي، ويبـــدو اأن امل�ساعب االأخرية نتيجة لل�ســـراع ال�سر�س يف �سمال

اليمـــن �سد قوات اجلي�ـــس من قبل جماعـــة الزيدية املجـــددة امل�سلحة

امل�سمـــاة “ال�سباب املوؤمن” مل يكن لها اأثر كبري يف بنية تقارب املذاهب

الدينيـــة يف اليمـــن، بل اأنه على الرغم من روايـــات الت�سويه التي توؤلفها

د للود ق�سية يف اأو�ساط بع�ـــس اجلماعات املتطرفة اإال اأن ذلـــك مل يف�سم

االأغلبيـــة الكـــربى من عامة ال�سعـــب. فعلى �سبيل املثـــال، جند الرئي�س

نف�ســـه زيـــدي االأ�سل لكنـــه ال ي�سري اإىل ذلـــك مطلقا. اأمـــا على م�ستوى

نـــة ال ميانعون من ال�ســـلة يف م�ساجد العامـــة، فنجد الكثري مـــن ال�س

الزيدية والعك�س �سحيح، وبالتايل فاإن اخللف الديني يبني االنتماءات

ال�سيا�سية ب�سكل هام�سي فقط ويلت�سق بجماعات اإ�سلمية معينة.

الطوائف واجلماعات االإ�سامية الرئي�سية يف اليمن

يوجـــد يف املحيط اليمنـــي تعددية يف الطوائف واجلماعـــات االإ�سلمية

تتج�سد مـــن خلل خم�ـــس طوائف/جماعـــات رئي�سية خمتلفـــة، وهي:

جماعة االأخوان امل�سلمون، واجلماعـــات اجلهادية املتطرفة، وال�سلفية،

وال�سوفيـــة، والزيديـــة املجدديـــن. وكل هـــذه الطوائـــف اخلم�ـــس لهـــا

جـــذور را�سخة يف تاريخ البلد القدمي واملعقـــد والغني، ولكنها يف نف�س

الوقـــت تعترب نتاج عوامـــل ديناميكية معا�سرة عامليـــة وعابرة للحدود.

وقـــد تتداخل هذه الطوائـــف مع بع�سها وتتغري االأو�ســـاع ب�سرعة نتيجة

للـــوالءات املتقلبـــة، لكن لكل طائفة منها طريقتهـــا اخلا�سة وحتاول اأن

تربز بنف�سها من بني باقي الطوائف من خلل القيام بعدد من االأ�سياء

الرئي�سيـــة، مثـــل: امل�ساركـــة يف ال�سيا�ســـات احلزبية، والـــوالء للحاكم،

�سل�ســـل املواجهـــات مـــع الدولـــة، والت�سويه ال�سافـــر للهويـــات الدينية

وال�سيا�سية االأخرى.

االأخــوان امل�ســلمون اإن اجلماعـــات

التـــي األهمتهـــا تعاليم حركـــة االأخـــوان امل�سلمني هي االأكـــرث انت�سارا يف

الطيـــف العري�ـــس للإ�سلميـــة اليمنية. ومنـــذ االأربعينيـــات من القرن

املا�ســـي واحلـــركات االإ�سلحيـــة والثوريـــة املعار�سة للحكـــم االإمامي

مرتبطة باملفكرين االإ�سلميني. وبينما كان االإ�سلحييون – مبن فيهم

حممد اأحمد نعمان )�سافعي املذهب( وحممد حممود الزبريي )زيدي

Page 60: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 120 121ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املذهـــب( - يدر�سون يف القاهرة، اطلـــع الكثري منهم على اأفكار ح�سن

البنا، مع اأن معظمهم على ما يبدو مل ينتموا ر�سميا للإخوان امل�سلمني.

وقـــد ا�ستلهمـــت – على االأقـــل من بع�س النواحـــي – كل من ثورة 1948

الفا�سلـــة �سد االإمـــام يحيى وثـــورة 1962 الناجحة �ســـد حفيده حممد

البـــدر )بعد توليه احلكم بب�سعـــة اأيام(، اأفكارها مـــن تعاليم االأخوان

امل�سلمني.

القوميـــون توحـــد عندمـــا ،1962 اأيلول/�سبتمـــرب 26 ثـــورة واأثنـــاء

والنا�سريـــون واالأخوان امل�سلمني واحلداثيون للإطاحة باحلكم االإمامي

وتاأ�سي�س النظام اجلمهوري، دبت اخللفات ب�سرعة يف اأو�ساط الزعماء

اجلـــدد. ومن خـــلل تاأ�سي�س حزب اهلل عـــام 1964 كان الزبريي، الذي

اعتقد اأن النظام املدعوم من قبل م�سر يفتقر لل�سرعية، ينوي مل �سمل

ف�سائل املجتمع املختلفة وطبقة املفكرين )الذين ميكن ت�سمية اأكرثهم

باالإ�سلميـــني( والعنا�سر القبلية على وجـــه اخل�سو�س. وعندما اغتيل

الزبـــريي عـــام 1965، اأ�سبح م�سروعـــه للتوفيق بني االأحـــزاب ودجمها

املبـــداأ املوؤ�س�ـــس للجمهوريـــة. ويف ذلـــك االإطار، مت ا�ستقطـــاب عنا�سر

االأخـــوان امل�سلمني اإىل عدد مـــن املوؤ�س�سات املختلفـــة، ال�سيما يف نظام

التعليم وقوات االأمن.

ويبـــدو اأن هذا التنظيم حقـــق جناحا وما زال باقيـــا من خلل حزب

التجمـــع اليمني للإ�ســـلح، والذي يو�سف باأنه الفـــرع اليمني للإخوان

امل�سلمـــني. وقد تاأ�س�س هذا احلـــزب يف اأيلول/�سبتمرب 1990، وجمع بني

�سخ�سيات اإ�سلمية وم�سايخ قبلية ورجال اأعمال. ومنذ اأن تاأ�س�س حتى

عـــام 2007 كان يتزعمه ال�سيخ عبد اهلل بـــن ح�سني االأحمر، زعيم اأبرز

احتاد قبلي )قبيلة حا�سد، التي تعترب قبيلة الرئي�س علي عبد اهلل �سالح

– �سنحـــان – فرعـــا منها( ورئي�س جمل�ـــس النواب. وبرغم مرور عدة �سنوات منذ اأن توفى ال�سيخ عبد اهلل يف 29 كانون االأول/دي�سمرب 2007

اإال اأن التبعات ال�سيا�سية والقبلية ما زالت غري وا�سحة تام الو�سوح.

ويجمع احلزب دون تييز عنا�سر لهم اأجندة وا�سرتاتيجيات خمتلفة،

وقد اأثبت قدرته على التكيف مع املحيط الداخلي والدويل املتغري. ومنذ

تاأ�سي�ســـه اأخذ ي�سارك بفعالية يف عملية التطور الدميقراطي، والتناف�س

يف االنتخابـــات احلـــرة، وامل�ساركة يف مقاعد جمل�س النـــواب. ومع اأنها

قـــد توجـــد داخل حـــزب االإ�سلح نقا�سات حـــول ما اإذا هنـــاك �سرعية

دينيـــة للنظام الدميقراطـــي، اإال اأنه يقبل علنـــا بالتعددية احلزبية ومل

ي�سبـــق له تاأييد املواجهة امل�سلحة املبا�سرة مـــع الدولة ويتعاون مع نظام

احلكـــم، بل وميكن اعتباره جزءا اأ�سا�سيا من النظام، ففي �سيف 1994

اأثناء حرب االنف�سال قامـــت ملي�سيات مدعومة من االإ�سلح مب�ساندة

القـــوات احلكومية للتغلب على االنف�ساليـــني اال�سرتاكيني. واليوم جند

جذور حزب االإ�ســـلح را�سخة يف معظم حمافظات اجلمهورية اليمنية

)مبـــا فيها حمافظات اجلنوب املارك�ســـي �سابقا، حيث توجد ردة الفعل

املناه�ســـة للنظـــام اال�سرتاكي بقـــوة وتوؤيـــد عنا�سر النهـــج االإ�سلمي

ومنابره(. وعلى ال�سعيد الوطني، ح�سل حزب االإ�سلح على ما ن�سبته

18% من االأ�سوات يف االنتخابات الربملانية للأعوام 1993 و1997 و2003

)مع اأن عدم ال�سفافية يقلل من �سحة هذه املعلومات(.

ومـــع حلـــول االألفيـــة اجلديـــدة ظهـــرت يف اأو�ســـاط قيـــادة احلـــزب

اإ�سرتاتيجية جديدة للتحالف والتعاون مع احلركات املعار�سة االأخرى،

خا�ســـة مع احلزب اال�سرتاكي اليمنـــي الذي قاد اليمن اجلنوبي والعدو

ال�سابق حلـــزب االإ�سلح. ورغم اأنه مل يكن بال�ســـرورة يحظى ب�سعبية

يف اأو�ســـاط النا�سطني، اإال اأنه مت ت�سكيـــل منرب م�سرتك )اأحزاب اللقاء

امل�ســـرتك(، واختري في�سل بن �سملن )وزيـــر النفط االأ�سبق( مر�سحا

للم�ســـرتك �سد الرئي�ـــس �سالح يف االنتخابـــات الرئا�سية التي جرت يف

اأيلول/�سبتمـــرب 2006، وك�سب ما ن�سبتـــه 22% من االأ�سوات االنتخابية.

وقـــد فتـــح جناحـــه الن�سبـــي )اإذا مـــا اأخذنـــا بعـــني االعتبـــار الو�سائل

املحتكـــرة لتحقيق اإعادة انتخاب الرئي�س( اآفاقا جديدة اأمام املعار�سة

واالإ�سلميـــني. و�ستمثـــل االنتخابـــات الربملانيـــة املقبلة اختبـــارا مهما

ال�سرتاتيجية املعار�سة االأمامية والتحالف التي يتبناها احلزب بدال من

عملية االختيار يف الت�سعينيات، وقد هددت املعار�سة مبقاطعة �سناديق

االقرتاع بحجة غياب ال�سفافية.

وباالإ�سافـــة اإىل ال�سيـــخ الراحل عبد اهلل االأحمـــر واأبنائه )مبن فيهم

حميد، رجل االأعمال الناجح(، فاإن من اأبرز �سخ�سيات حزب االإ�سلح

يحيى لطفـــي الف�سيل، وحممد قحطان، وحممـــد اليدومي )الذي توىل

قيادة احلـــزب بعد وفاة االأحمر(، وعبد املجيـــد الزنداين، الذي يعترب

د اجلنـــاح املتطرف للإ�سلح. اأبـــرز هذه ال�سخ�سيـــات ويقال اإنه يج�سر

والزنداين – الـــذي كان من رفاق الزبريي – هو رئي�س جامعة االإميان

يف �سنعـــاء وق�سى فـــرتة طويلة جـــدا يف ال�سعودية، وهو الـــذي رتب يف

الثمانينيـــات ل�سفر املقاتلـــني اليمنيني اإىل اأفغان�ستـــان، وهذا ما اأك�سبه

جد�ل رقم )1(: ملخ�س ا�سرتاتيجيات الطوائف الإ�سالمية املختلفة يف اليمن املعا�سر

القادة اأو التنظيمات

االأ�سا�سية

امل�ساركة املبا�سرة

والعلنية يف ال�سيا�سات

احلزبية والدميقراطية

الوالء التلقائي

للحاكم اجلمهوري

املواجهات العنيفة

مع الدولة

امل�ساركة يف اأعمال

العنف والت�سويه

الطائفية

نعمالالنعمحزب االإ�ساحاالأخوان امل�سلمون

اجلماعات

اجلهادية املتطرفةنعمنعمالالفروع تنظيم القاعدة

ال�سلفيونمقبل الوادعي

)تويف عام 2001(نعمالنعمال

الالنعمالدار امل�سطفىال�سوفيون

الزيدية املجددون

حزب احلق؛ ح�سن بدر

الدين احلوثي

)قتل عام 2004(

نعمنعمالنعم

املحــور

مكانـــة وحظـــوة يف املجتمـــع. وبعـــد اأحداث احلـــادي ع�سر مـــن اأيلول/

�سبتمـــرب و�سفـــت االإدارة االأمريكيـــة الزنداين عدة مـــرات باأنه �سريك

ابـــن الدن. لكـــن دوره التاريخي �سفع له وجنبـــه التعر�س ل�سغط الدولة

املبا�سر. ويلعب الزنداين دورا غام�سا، فهو يت�سرف ك�سخ�سية حتظى

ب�سعبيـــة )وانتقـــاده لل�سيا�ســـة اخلارجيـــة االأمريكية مقبـــول يف اأو�ساط

ال�سعـــب اليمني(، كما اأنه ميثل ج�سرا لنوع مـــن القتال العنيف الذي ال

يروق للكثري من اليمنيني.

اجلماعات اجلهادية املتطرفة بالرغم

من قلة عدد هـــذه اجلماعات اجلهادية لكنها تلعب دورا مهما يف تاريخ

اليمـــن، وغالبـــا ما ت�ســـع البلد علـــى خارطـــة االإرهاب العاملـــي. ومنذ

ت�سعينيـــات القـــرن املا�ســـي وهذه اجلماعات تـــزداد ظهـــورا يف و�سائل

االإعـــلم؛ وهذه حقيقـــة تعترم علـــى الطوائف االإ�سلميـــة االأخرى. وقد

اأثـــرت م�ساركـــة اليمنيني يف احلرب االأفغانيـــة يف الثمانينيات، ومن ثم

يف البو�سنة وال�سي�ســـان والعراق، على ال�سيا�سة الداخلية يف اليمن. ويف

عـــام 1994، اأثناء احلرب االأهلية �سد حركـــة االنف�سال اال�سرتاكية يف

اجلنـــوب، �ساعـــدت امللي�سيات )املكون بع�سها مـــن “االأفغان العرب”(

اجلي�ـــس الوطنـــي وقتلت العنا�ســـر اال�سرتاكيـــة وخربـــت مدينة عدن،

وان�سم بع�ـــس عنا�سرها لقوات االأمن واملوؤ�س�سات القبلية املحلية. ومن

هـــذه العنا�سر طارق الف�سلي، وريـــث �سلطان اأبني وقائد املجاهدين يف

اأفغان�ستان، والذي عينه الرئي�س فيما بعد كع�سو يف جمل�س ال�سورى.

وتقيـــم بع�ـــس العنا�سر االأخـــرى خليا لهـــا تربطها

علقات عابرة للحدود، مثل جي�س عدن اأبني االإ�سلمي

وغـــريه من اجلماعـــات التـــي تنتمي لتنظيـــم القاعدة

وانقلبـــت يف االأخري �ســـد م�سالح الدولـــة وا�ستهدفت

رعايـــا الغرب ب�ســـكل علني. كما �ساركـــت يف اختطاف

ال�سياح عام 1998، وتفجري املدمرة “كول” عام 2000،

وعمليـــات االغتيال اأو حماوالت التفجريات )التي ف�سل

معظمهـــا( يف اأنحاء البلد منذ اأيلول/�سبتمـــرب 2001، والتي ا�ستهدف

بع�سهـــا البنية التحتية. ويف ت�سريـــن الثاين/نوفمرب 2002 قامت طائرة

اأمريكية من دون طيار باإطلق �ساروخ قتل اأبو علي احلارثي يف حمافظة

مـــاأرب، الـــذي يقـــال اأنه زعيـــم القاعـــدة يف اليمن. ويف الوقـــت نف�سه،

قامـــت ال�سلطات باعتقـــال بع�س النا�سطني وحاكمتهـــم، لكن ال�سيطرة

االأمنيـــة حلليف اأمريكا اجلديد اعتربت غري كافية، وقد اأثار هروب 23

مـــن مقاتلي القاعـــدة يف �سباط/فرباير 2006، وبينهـــم القيادي جمال

ن و�سديد احلرا�ســـة يف اليمن، اأثار ت�ساوؤالت البـــدوي، من �سجن حم�س

عن اخرتاق اأجهزة الدولة.

ويف �سنـــة 2008، واإثر حملة منخف�ســـة امل�ستوى )وفا�سلة يف معظمها(

من الهجمـــات �سد م�سالح الدولة والغرب، مبـــا يف ذلك عملية تفجري

ال�سفـــارة االأمريكية يف �سنعاء يف ال�سابع ع�سر من اأيلول/�سبتمرب والتي

اأودت بحيـــاة ت�سعة ع�سر �سخ�ســـا، بدا اأنها مثلت مرحلـــة ا�سرتاتيجية

جديـــدة. فالهجـــوم الذي وقـــع يف مدينة �سيئـــون يف �سهـــر توز/يوليو

من نف�ـــس العام وا�ستهدف مباين اخلدمات االأمنيـــة، واالإدعاء اللحق

مـــن قبـــل منفذي الهجـــوم، اأظهـــرا اأن نظـــام احلكم يف اليمـــن اأ�سبح

هدفـــا للجماعـــات اجلهادية اأكرث مـــن ال�سابق. وبالتاأكيـــد فاإن عمليات

قمع املقاتلـــني، وتبني الدولة لل�سيا�سات اجلديـــدة املناه�سة للإرهاب،

وال�سجـــن والتعذيـــب، كلهـــا عوامـــل زادت مـــن تطـــرف اإ�سرتاتيجيات

اجلماعات اجلهادية. ووراء هذا التوجه، ا�ستمر البع�س يف التاأكيد على

وجـــود علقات بني هذه احلـــركات والدولة، قائلـــني اإن موجات العنف

مل تكـــن تاما دخيلة علـــى التناف�س وال�سراعات داخـــل اأجهزة الدولة

الوا�سعة.

وب�سكل عام، ت�ستهر اجلماعات اجلهادية يف املناطق املعزولة التي تقل

فيهـــا التنمية )مثل مـــاأرب و�سبوة واجلوف واأبـــني(، ويف اأو�ساط قبائل

املناطق النائية التـــي ال ت�ستفيد من م�ساريع الدولة اال�ستثمارية والبنية

التحتية. هذه املناطق هي التي ت�ستهدفها اجلهات املتربعة الدولية لكي

تقلل مـــن اأعمال العنف والدعـــم الذي تتلقاه اجلماعـــات املتطرفة من

خلل اإقامة امل�ساريع التنموية.

ال�ســلفية غالبـــا ومـــن دون دقـــة

تو�ســـف الطائفة الثالثة – اأي ال�سلفيـــة )التي ي�سميها اأحيانا خ�سومها

“الوهابيـــة” نظرا الرتباطها الفعلي اأو املزعوم بالعربية ال�سعودية( – بـــاأن لها علقة باجلماعات اجلهادية، ورغـــم احتمال وجود روابط بني

اجلماعات اإال اأنه قد توجد اأي�سا خلفات �سديدة.

وقـــد ظهـــرت ال�سلفيـــة يف اليمـــن مطلـــع الثمانينيات حـــول �سخ�سية

مقبـــل الوادعي، الذي تلقى تعليمـــه يف ال�سعودية خلل فرتة ال�ستينيات

وال�سبعينيات، وظلت له علقـــات غام�سة باحلكام ال�سعوديني والنخبة

من رجـــال الدين حتى تويف عام 2001. ومن معتقـــدات ال�سلفية: طاعة

ويل االأمـــر، حتى لـــو كان فا�سدا اأو ظاملا، اإ�سافـــة اإىل الرغبة يف جتاوز

ال�سياقـــات املحلية والوطنية مـــن خلل اإي�سال ر�سالـــة عاملية للجميع.

وبهـــذا فاإن هـــدف ال�سلفية هو احلفـــاظ على كل امل�سلمني مـــن الفتنة،

من خلل االبتعاد عن اأي ميـــول �سيا�سي وعدم امل�ساركة يف االنتخابات

واملظاهـــرات والثورات. وبدال من كل هذا، فهـــم يوؤمنون باأنهم قادرون

على اأن يلعبوا دورا يف توجيه �سيا�سات الدولة عن طريق اإ�سداء الن�سح

لـــويل االأمر. كما اأنهم يرف�ســـون ا�ستخدام العنـــف وينتقدون العمليات

االإرهابية التي ت�ستهدف املدنيني.

ويف الواقع لقد ظل الوادعي، �سيخ ال�سلفية، �سديد االنتقاد الإ�سرتاتيجية

اجلهاديـــني علـــى امل�ستـــوى العاملـــي واملحلـــي داخـــل اليمن منـــذ مطلع

الت�سعينيات حتى وفاته. ويف ذلك الوقت، وجه االتهام الأ�سامة بن الدن،

ل الذي كان يحـــاول بعد اأفغان�ستان اأن يبداأ بحـــروب جديدة، باأنه يف�سر

اإذا كان يف اليمن نوع من الدميقراطية، وتعاين من الف�ساد امل�ست�سري

وتدين م�ستوى التنمية وارتفاع ن�سبة الق�سوة، اإال اأنها مل تعان من

م�ستويات عالية من العنف املدعوم من الدولة مقارنة بعراق �سدام

ح�سن، اأو من �سلب احلريات ال�سيا�سية مقارنة بال�سعودية

Page 61: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 122 123ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اال�ستثمـــار يف ال�سلح ولي�ـــس امل�ساجد، بل اأن الوادعـــي ا�ستطاع اإف�سال

خطط بن الدن الهادفة للجهاد �سد اال�سرتاكيني يف جنوب اليمن. وبعد

اأحداث احلـــادي ع�سر من اأيلول/�سبتمرب )بعد وفـــاة الوادعي( اأ�سبح

�سجب العنف اأ�سلـــوب ال�سلفية الإ�سباغ ال�سرعية على موقفها يف حميط

م�سطرب. فقـــد دعم اأبو احل�سن املاربي الرئي�ـــس اليمني يف انتخابات

2006 الرئا�سيـــة، بينما عقد خ�سمه حممـــد االإمام، الذي رمبا هو االآن

اأهـــم �سخ�سيات ال�سلفية يف اليمن، لقاء عام 2003 اأدان فيه اجلهاد يف

العـــراق �سد قوات االحتـــلل الذي تتزعمه الواليـــات املتحدة، وقال اإن

�سرعيـــة اجلهاد تتوقف على موافقة احلكومة اليمنية، التي من الوا�سح

اأنها لن جتروؤ على فعل ذلك باعتبارها حليف جديد للواليات املتحدة يف

“احلرب على االإرهاب”. ويف ظل هذا املحيط، مل يكن اليمنيون الذين �سافروا اإىل العراق جماهدين �سرعيني.

ودون �سك فقد حولت هذه املواقف ال�سلفيني اإىل حلفاء جدد للحكومة

اليمنية يف م�ساألة تذكرنا بقدرة ال�سلطة الدينية يف ال�سعودية على تاأييد

�سيا�ســـات وقرارات الدولة يف ظل كل الظـــروف. ويف نف�س الوقت �ساند

ال�سلفيـــون عمليات �ســـد اأفراد زيديـــني واأ�سرحة �سوفيـــة، وي�ستهرون

بت�سويـــه كل الطوائـــف الدينيـــة وال�سيا�سيـــة االأخرى، خا�ســـة االأخوان

امل�سلمـــني، وو�سمهـــم باأنهـــم م�سلمـــون خمالفـــون وفا�ســـدون اأخلقيا.

ويف املجتمـــع اليمنـــي املعا�ســـر يتميز ال�سلفيـــون بعدد مـــن املمار�سات

املتميزة، وباأ�سلوبهـــم يف اللب�س واالألفاظ اللغوية والعادات االجتماعية.

ويعربون �سراحة عـــن رغبتهم يف االبتعاد عن املجتمع “الفا�سد” بقدر

االإمكان من خـــلل رف�سهم للم�ساركة يف املحافـــل االجتماعية الكبرية

كاالحتفـــاالت الدينيـــة واملهرجانـــات املو�سيقية التقليديـــة واالنتخابات

وجل�سات القات.

ويلعـــب ال�سلفيون – الذين يزعمون عدم اهتمامهم باالأمور ال�سيا�سية

– دورا �سيا�سيـــا قويـــا، وقـــد تلقوا م�ساعدة غري مبا�ســـرة والت�سامح مـــن قبل الدولـــة، وعقيدتهـــم منا�سبة باعتبـــار اأنها تقلل مـــن م�ساندة

اجلماعـــات االإ�سلميـــة ال�سيا�سيـــة مثل االأخـــوان امل�سلمـــني والزيديني

املجدديـــن واال�سرتاكيـــني يف جنـــوب اليمـــن. وبالفعل ت�ساعـــد العقيدة

ال�سلفيـــة احلديثة على اإبقـــاء �سرائح معينة من املجتمـــع اليمني بعيدة

عـــن ال�سيا�سة، وتعتـــرب اأن كل اأنواع املعار�سة لـــويل االأمر غري �سرعية.

وبالتـــايل، فاإن االمتناع عـــن امل�ساركة يف االنتخابـــات املحلية والوطنية

يخـــدم مر�سحـــي احلزب احلاكـــم. ومنذ زمـــن طويل و�سيا�ســـة تفريق

خ�سوم احلزب احلاكم هي االإ�سرتاتيجية التي يتبعها النظام احلاكم،

ويبدو اأنها اإ�سرتاتيجية ناجحة نوعا ما.

ال�سوفية ي�سكل ال�سوفيون الطائفة

الرابعـــة يف اليمن املعا�سر. ومثل ال�سلفيني – خ�سوم ال�سوفية – يوؤيد

ال�سوفيـــون العقيـــدة التي ال تهتم باأمور ال�سيا�سة، لكـــن لهم دورا مهما

يف ال�سيا�ســـة اليمنية. ونظرا لل�سعبية التي كانـــوا يتمتعون بها يف اليمن

اجلنوبي �سابقا، خا�سة يف ح�سرموت، عانوا من التع�سف ال�سديد يف ظل

النظـــام اال�سرتاكي وجلاأ الكثري من رجـــال الدين اإىل ال�سعودية واليمن

ال�سمايل. وبعـــد الوحدة اليمنية وا�سل بع�س زعمـــاء ال�سوفية دعمهم

للنف�ساليـــني عام 1994 )نظرا لعلقاتهم برجـــال اأعمال �سعوديني(،

ت الدولة الطرف جتاه وعندما انتهت احلرب بهزمية االنف�ساليني غ�س

عمليات تدمـــري املقد�سات الدينية لل�سوفية يف عـــدن وح�سرموت على

اأيدي ال�سلفيني وبع�س االإخوان امل�سلمني املت�سددين.

ومنـــذ اأواخر الت�سعينيات من القرن املا�ســـي انتع�ست ال�سوفية كثريا

ممثلـــة مبعهـــد دار امل�سطفى يف مدينـــة ترمي. ونظـــرا الأن اإدارة املعهد

تديرهـــا �سخ�سيتـــان معروفتـــان عامليـــا، هما احلبيب عمـــر بن حفيظ

واحلبيـــب علـــي اجلفري، ح�سي هـــذا املعهـــد الديني باهتمـــام الدولة

ودعمهـــا. ومقابل ذلك ح�سل مر�سحي حزب املوؤتر احلاكم على دعم

يف االنتخابات النيابية عام 2003 �سد مر�سحي حزب االإ�سلح. ومع اأن

ق بها اخلطر من كثـــريا من املحللني و�سفوا ال�سوفية باأنها جماعة يحدم

كل جانـــب نتيجة ل�سيا�سات الدولة واجلماعـــات االإ�سلمية االأخرى، اإال

اأن احلالـــة تغريت تاما. ففي 2003، وبرغم قلـــة خربته، عنير احلبيب

ق للربامج الدينيـــة التي يذيعهـــا التلفزيون الوطني عمـــر كمذيـــع ومن�سر

يف �سهـــر رم�ســـان. وكموؤ�سر على العلقـــة اجلديدة بني هـــذه الطائفة

الدينيـــة والدولة قـــام الرئي�س علي عبد اهلل �سالح بعـــدد من الزيارات

لـــدار امل�سطفـــى م�ستفيدا مـــن علقاتهـــا )اأي ال�سوفيـــة( اخلارجية

التاريخية.

وكمعتقدات ال�سلفيـــة، يبدو اأن املعتقـــدات ال�سوفية

لها فائدة مـــن الناحية ال�سيا�سيـــة. فال�سوفية ت�ساعد

على اإ�سعاف الدعم احلكومي للمجموعات االإ�سلمية

االأخـــرى بينمـــا تن�ســـر روؤيـــة اإ�سلميـــة معتدلـــة، اأكرث

ت�ساحمـــا و�سلمية. وبالفعل تركـــز ال�سوفية على تعليم

الروحانيـــة الفرديـــة وتقومي الذات بدال مـــن االن�سغال

باأمـــور �سيا�سية. عـــلوة على ذلك، ال تتعار�ـــس ال�سوفية مع االقت�ساد

احلر وامل�ساريع التجارية ولهذا تروق لطبقات املجتمع العليا والو�سطى.

واإحيـــاء ال�سوفية هو جزء من عملية ن�سر الدعوة الوا�سعة التي تعي�سها

كل املجتمعـــات امل�سلمـــة، واأف�سل من يج�سدها الداعيـــة امل�سري عمرو

خالد والداعية الكويتي طارق ال�سويدان.

الزيدية املجددون ميكن ت�سنيف

الطائفة الدينيـــة اخلام�سة يف اليمن بالزيدية املجددين، وهي الطائفة

الوحيدة من بـــني اخلم�س الطوائف التي ميكن و�سف اأ�سولها باأنها من

منبع مينـــي لكن لها علقات خارج حدود اليمـــن، وهي ردة فعل فكرية

املحــور

يبــدو اأن عامل العاقات بــن الدولة والفئات ال�سيا�ســية املتعددة،

خا�سة الفئات االإ�سامية، ودجمها يف املوؤ�س�سات العمومية )كاجلي�ض

وال�ســرطة واجلامعات وغريها( هو ال�سبيل اإىل فهم ا�ستقرار اليمن،

فت�سارك ال�سلطة هو من خ�سال النظام الرئي�سية

ل�سقوط النظام االإمامي يف عام 1962. ومعظم اأن�سار الزيدية هم ممن

ينتمـــون اإىل �سريحة معينة مـــن املجتمع اليمن، وهم ال�سادة، اآل البيت.

ومـــع خ�سارتهم يف احلرب االأهليـــة بعد ثورة 1962 وموت قادتهم ونهاية

مـــا كان ي�سكل العن�ســـر املركزي ملذهبهـــم الديني، كان علـــى الزيدية

البحث عن طرق جديدة لتاأكيد �سرعية موقفهم ووجودهم. و�سعر بع�س

الزيديـــة اأن النظـــام اجلمهوري يف االأ�سا�س مناه�ـــس للمذهب الزيدي

واأنه يوؤيد االإخوان امل�سلمني وال�سلفية والوهابية التي تدعمها ال�سعودية،

وذلك من اأجل طم�س املذهب الزيدي ومعتقداته الدينية.

يف ذلـــك املحيط، �سرع الزيديـــة املجددين يف الرد وتنظيم �سفوفهم.

ويف الثمانينيـــات علـــى وجـــه اخل�سو�ـــس، اجتهـــت اأقلية �سغـــرية نحو

املذهب ال�سيعي االإيراين، تاركني الكثري من املعتقدات الزيدية ومبدين

اإعجابهم بثورة 1979 االإيرانية. وبينما يتوق البع�س اإىل ت�سوير الزيدية

علـــى اأنهـــا مذهب ديني حديـــث لديه القـــدرة على االإ�ســـلح والتنوير،

فاإنهـــم كمثقفني متحررين اأخـــذوا يذيقون الدولة اأ�ســـد ل�سعات النقد.

وتقـــوم جماعـــة اأخـــرى – ما زالت مواليـــة للمذهب الزيـــدي – باإن�ساء

معاهـــد دينيـــة وطبع الكتب، ويف �سنـــة 1990 اأ�س�ست احلـــزب ال�سيا�سي

امل�سمـــى “حزب احلـــق”. ويف 1993 انتخب اثنان مـــن قادة احلزب يف

جمل�ـــس النـــواب، ويف 1997 مت اختيار االأمني العام حلـــزب احلق وزيرا

للأوقاف.

لكـــن ان�سقاقا حدث يف �سفوف حزب احلـــق يف منت�سف الت�سعينيات

واأدى اإىل ت�سكيـــل جماعـــة اأكرث ت�سددا حتت م�سمـــى “ال�سباب املوؤمن”

بزعامـــة ح�سني بدر الدين احلوثي، ممثل حزب احلق �سابقا يف جمل�س

النـــواب. وكان الهـــدف من هـــذه اجلماعـــة، التي يدعمهـــا املثقفني يف

�سعدة، مقاومة انت�سار ال�سلفية. وقد تلقت هذه اجلماعة دعم الدولة يف

بـــادي االأمر، لكن بعد احلادي ع�سر مـــن اأيلول/�سبتمرب بداأت االأو�ساع

تتوتـــر، وانتقد احلوثـــي واأن�ســـاره ا�سرتاتيجية نظـــام احلكم اجلديدة

وتعاونها يف “احلرب على االإرهاب”. ويف حزيران/يونيو من عام 2004

حاولـــت الدولة القب�ـــس على ح�سني احلوثـــي، الذي اتهمتـــه الدولة اأنه

تلقى دعما من اإيران ومن حزب اهلل اللبناين و�سعيه ال�سرتجاع االإمامة

الزيديـــة )وهي التهمة التي اأنكرها احلوثي(. وبداأ احلوثيون باملقاومة،

ومـــا بداأ كعملية على م�ستوى ال�سرطة حتولت وب�سرعة اإىل حرب �ساملة

خلفت اآالف القتلى واجلرحى. ويف �سهر اأيار/مايو 2005 اعرتف رئي�س

الوزراء علـــى �سا�سة التلفاز مبقتل 525 جنديا من اجلي�س اليمني، لكنه

مل يعطم اأي تقديرات عن ال�سحايا املدنيني واملتمردين.

ومـــع اأن “ال�سباب املوؤمـــن” يختلف كثريا عن تنظيـــم القاعدة اإال اأن

�ســـة الإظهار احلكومـــة اليمنيـــة، حتت �سغـــط الواليات املتحـــدة، متحمم

م�ساركتها يف العمليات التي ت�ستهدف مكافحة االإرهاب. وظهر الزيدية

املجـــددون كهدف بديل يف احلـــرب العاملية على االإرهـــاب، باعتبارهم

�سلطة التقاليد: وجود »جمتمع متمدن« تقليدي قوي على �سكل جماعات قبلية واإ�سالمية – وهي يف معظمها م�سلحة اأو قادرة على معار�سة الدولة –

قلل من قدرة نظام احلكم على احتكار كل القوى املحركة لل�سلطة

kr

ivic

MAt

jAz

Page 62: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 124 125ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

العـــدو الـــذي لن يوؤثر يف العلقـــات القائمة بني بع�ـــس عنا�سر ال�سلطة

واحلـــركات االإ�سلمية االأخرى. ورغم مقتل ح�ســـني احلوثي يف اأيلول/

�سبتمـــرب 2004 اإال اأن ال�ســـراع مل يح�سم بعد وما زالت تن�سب �سدامات

جديدة وعنيفة بـــني الفينة واالأخرى.. وخلل جوالت احلرب املتعاقبة،

جنـــح الزيدية املجددون يف اإيجاد دعم بني اأو�ساط �سرائح قبلية �سئمت

مـــن القمع احلكومي وغياب م�ساريع اال�ستثمار يف املناطق ال�سمالية من

اليمـــن. وبرغم ما �سهدته هذه احلروب – التـــي بكل املقايي�س ال ميكن

اعتبارها عمليـــة �سرعية ملكافحة االإرهاب – من عنف �سديد، فاإنها مل

تنل �سوى القليل من نقد القوى الغربية واهتماما اإعلميا �سئيل. ولكن

ـــل هذه احلرب بالتـــوازن ال�سيا�ســـي والطائفي الذي مـــن املمكن اأن تخم

اأثبت فعاليته حتى فرتة قريبة.

منطق الدمج يف الوقت الذي ي�سور الكثري

من املحللني وال�سحفيني اليمن باأنه على �سفا الهاوية جند اأن اليمن يف

الواقع ما زال ثابتا ب�سورة مده�سة. وبرغم وجود معار�سة داخلية قوية

)�سيا�سيـــا وقبليـــا(، والعداء املتكرر مع الدول املجـــاورة وب�سفة خا�سة

العربيـــة ال�سعودية، ا�ستطاع النظام اجلمهوري وحكم الرئي�س علي عبد

اهلل �سالـــح موا�سلة املقاومة والتغلب على الكثري من االأزمات: احلروب

التـــي ن�سبت بني االأنظمـــة اليمنية املتعادية، وال�سدامـــات مع ال�سعودية

واإريرتيـــا، وتوحيد �سطري اليمـــن، وحرب اخلليج وما

تلهـــا من طـــرد ما يقـــارب 800.000 عامـــل ميني من

ال�سعوديـــة والكويت، واأزمة فـــرتة ما بعد احلادي ع�سر

من اأيلول/�سبتمرب.

واإذا مـــا قارنا مبا يحـــدث الأنظمة احلكـــم يف العامل

العربـــي ب�ســـورة عامة لوجدنـــا اأن الثمن الـــذي دفعه

ال�سعب اليمني لتحقيق هـــذا اال�ستقرار املوؤ�س�سي قليل

ن�سبيـــا. واإذا كان يف اليمن نـــوع من الدميقراطية، وتعـــاين من الف�ساد

امل�ست�ســـري وتدين م�ستـــوى التنمية وارتفـــاع ن�سبة الق�ســـوة، اإال اأنها مل

تعـــانم من م�ستويات عالية من العنـــف املدعوم من الدولة مقارنة بعراق

�ســـدام ح�سني، اأو من �سلب احلريات ال�سيا�سية مقارنة باململكة العربية

ال�سعوديـــة. كما مل تواجه الكثري مـــن �سفك الدماء وعمليات القمع التي

�سهدتهـــا اجلزائر خـــلل الت�سعينيات مـــن القرن املا�ســـي اأو يف م�سر

خلل ال�سبعينيات، �سواء من قبل الدولة اأو اجلي�س اأو املتمردين. وحتى

يف حـــرب 1994 بني اجلي�س ال�سمـــايل واالنف�ساليني يف اجلنوب مل تكن

ن�سبـــة ال�سحايا عاليـــة، بل اإنه مت دمـــج الكثري من قـــادة االنف�سال يف

اأجهـــزة الدولة واأ�سبح البع�س االآخر مـــن م�ست�ساري الرئي�س املقربني.

ولهـــذا ال�سبـــب على االأقل ميكـــن اعتبار عـــدد امل�سرديـــن داخليا الذي

ي�ســـل حوايل مائة األـــف وتدمري بع�س القرى خلل حـــرب �سعدة منذ

حزيران/يونيـــو 2004 �سدعـــا وا�سعـــا يف جـــدار العلقات بـــني الدولة

و�سرائح املجتمع.

م�ســاركة االإ�ســامين بالنظر

اإىل و�ســـع اليمـــن يف ذلك االإطار يبـــدو اأن عامل العلقـــات بني الدولة

والفئـــات ال�سيا�سية املتعددة، خا�سة منها الفئـــات االإ�سلمية، ودجمها

يف املوؤ�س�ســـات العموميـــة )كاجلي�ـــس وال�سرطـــة واجلامعـــات وغريها(

هو ال�سبيـــل اإىل فهم هذا اال�ستقرار، فت�ســـارك ال�سلطة هو من خ�سال

النظـــام الرئي�سية. كمـــا اأن وجود “جمتمع متمـــدن” تقليدي قوي على

�سكل جماعات قبلية واإ�سلمية – وهي يف معظمها م�سلحة اأو قادرة على

معار�ســـة الدولة – قلـــل من قدرة نظام احلكم علـــى احتكار كل القوى

املحركـــة لل�سلطة وحتقيق اأي اأحلم ا�ستبدادية. ولكن ل�سوء احلظ يبدو

اأن هناك قوى داخلية وكذلك �سغوط خارجية تهز كفتي الو�سع املتوازن

بدال من حماولة احلفاظ عليه.

اأمـــا يف ال�سابـــق فقـــد ح�ســـت ثـــورة 1962 اجلمهوريـــة بدعـــم م�سر

النا�سريـــة، التي اأر�سلت جنودهـــا اإىل اليمن ملدة خم�س �سنوات ملحاربة

امللكيـــني املدعومني من ال�سعودية. وكان نظـــام احلكم اجلديد مت�سددا

يف بـــادئ االأمـــر لكنـــه �سرعـــان مـــا فتح بـــاب احلـــوار مـــع االإ�سلميني

باالإ�سافـــة اإىل املجاميـــع القبلية، التي كان بع�سهـــا يف البداية معار�سا

للجمهورية. ومنذ عام 1967 و�ساعدا، �سعت احلكومة اليمنية اإىل دمج

امللكيني ال�سابقني عن طريق الرتا�سي بني الطرفني، اإذ مت اإعطاء بع�س

رجـــال الدين الزيديني منا�سب رفيعة يف الدولـــة، ومنها من�سب مفتي

اجلمهورية.

اأي�ســـا كان هنـــاك االإخـــوان امل�سلمـــني وكانـــوا مـــن اأن�ســـار النظـــام

الرئي�سيـــني، وركزوا جل اهتمامهم – كما يفعلون يف البلدان االأخرى –

علـــى اإ�سلح نظام التعليم ل�ساحلهم. ويف نف�س العام ال�سابق عني اأحد

زعمائهم، عبد امللك الطيب، وزيرا للرتبية والتعليم يف اليمن ال�سمايل.

ويف ال�سبعينيات توىل عبد املجيد الزنداين، الذي يعترب ع�سوا مت�سددا

يف حزب االإخوان امل�سلمني، م�سئولية االإ�سراف على التعليم الديني، ومت

توظيف مدر�سني م�سريني و�سودانيني ممن تلقوا تعليمهم يف اجلامعات

الدينيـــة كجامعـــة االأزهـــر. ويف نف�ـــس الوقت تراأ�ـــس اأفـــراد م�سابهون

للإخـــوان امل�سلمني نظام التعليم املوازي للمدار�ـــس، وهو نظام املعاهد

العلميـــة. وقـــد كان الغر�س من اإن�ســـاء هذه املعاهـــد يف البداية ت�سكيل

معار�ســـة ملنع تو�سع النظام اال�سرتاكـــي يف املناطق احلدودية مع اليمن

اجلنوبي �سابقا، وكانت ال�سعودية هي امل�سدر املمول الرئي�سي لها، حتى

مع حتقيق الوحدة اليمنية عام 1990. وبعد نقا�س حاد اأ�سبحت املعاهد

العلميـــة، التي قيـــل اأن بها حوايل 600.000 طالبـــا، �سمن نظام التعليم

العام يف 2002.

وخـــلل الت�سعينيات �سلكت هذه ال�سراكـــة يف ال�سلطة مع االإ�سلميني

م�سلـــكا �سيا�سيـــا ب�ســـورة مبا�ســـرة. فمـــع اأن الوحدة اليمنيـــة بنيت يف

االأ�سا�ـــس علـــى ال�سراكة بني احلزبـــني احلاكمني يف ال�سمـــال واجلنوب

اإال اأن النخبـــة ال�سيا�سيـــة يف ال�سمال كانت تتـــوق اإىل اإيجاد حلفاء جدد

لهـــا. ويف 1993 بعـــد اأول انتخابـــات عامة اأ�سبح عبـــد املجيد الزنداين

املحــور

ظــل قمع اجلماعــات االإ�ســامية يف اإطار حمدود، وا�ســتطاع

واالإخــوان املجــددون والزيديــة وال�ســوفيون ال�ســلفيون

امل�ســلمون، بل وحتى اأفراد متعاطفون مــع املبادئ اجلهادية،

التو�سل اإىل مواقع النخب ال�سيا�سية والقبلية

اأحـــد االأع�ســـاء اخلم�سة يف جمل�س الرئا�سة بينمـــا مت انتخاب عبد اهلل

بـــن ح�ســـني االأحمر – رئي�ـــس حزب االإ�سلح – رئي�ســـا ملجل�س النواب،

م�ستفيدا من اأ�ســـوات اأع�ساء جمل�س النواب املوؤتريني. وعندما بداأت

العلقـــات مع قادة احلـــزب اال�سرتاكي تتوتر، وافـــق الرئي�س علي عبد

اهلل �سالـــح على م�ساركـــة احلكم مع حزب االإ�ســـلح، ف�سارك االإخوان

امل�سلمـــني مبا�ســـرة يف احلكومـــة خـــلل الفـــرتة 1993

– 1997، ولعبـــوا دورا اأكـــرب بعـــد حـــرب 1994 وزوال

اال�سرتاكيـــني. كمـــا عـــني عبد الوهـــاب االن�ســـي نائب

لرئي�س الـــوزراء، وتوىل االإ�سلحيون منا�سب مهمة يف

موؤ�س�ســـات الدولة )كوزارة العـــدل، والرتبية والتعليم،

والتجارة، واالأوقاف(.

ومـــع اأن م�ساركـــة االإ�سلحيـــني يف احلكومة تعرقلت

عـــام 1997 اإال اأن دمج كل فئات اجلماعات االإ�سلمية يف اأجهزة الدولة

ا�ستمر ب�سورة ر�سمية وغري ر�سمية، وما زال الكثري من املنا�سب الهامة

يف اجلي�س وقوات االأمن يتوالهـــا اأ�سخا�س معروف اأنهم اإ�سلميون من

كل امل�ســـارب ال�سيا�سيـــة. وهذا هو حال اأهم �سخ�سيـــات النظام االأكرث

جـــدال – وهو علـــي حم�سن االأحمر، اأحد اأن�ســـاب الرئي�س علي عبد اهلل

�سالـــح وقائد اأحد االألوية يف العا�سمة �سنعـــاء. ونتيجة لذلك، ظل قمع

اجلماعات االإ�سلمية يف اإطار حمدود، وا�ستطاع ال�سلفيون وال�سوفيون

والزيديـــة املجددون واالإخوان امل�سلمون، بـــل وحتى اأفراد متعاطفون مع

املبادئ اجلهادية، التو�سل اإىل مواقع النخب ال�سيا�سية والقبلية.

التــوازن حتــت ال�ســغط علـــى

الرغم من اأن االأزمـــة التي حدثت يف اأعقاب هجمات احلادي ع�سر من

اأيلول/�سبتمـــرب قد اأثرت يف تلـــك الرتتيبات ال�سيا�سية، لكنها حتى االآن

مل ت�ســـكل تهديدا لبقائهـــا وا�ستمرارها. ويف ظل ال�سغـــط الذي ي�سكله

كل مـــن املجتمـــع اليمني واحلليف االأمريكي اجلديـــد، حاولت احلكومة

اليمنيـــة اإثبـــات م�ساركتها يف احلـــرب على االإرهـــاب، ويف نف�س الوقت

ظلـــت تتوق اإىل اإثبـــات ا�ستقلليتها عـــن القوى الغربيـــة. وبالتعاون مع

الواليـــات املتحدة نفذت الدولـــة اأي�سا ا�سرتاتيجيـــة ت�سالح جديدة مع

املتطرفني عام 2002، وقـــام بتطبيقها على اأر�س الواقع القا�سي حمود

الهتـــار، الـــذي اأ�سبح وزيرا للأوقـــاف واالإر�ساد عـــام 2007، وذلك من

اأجـــل اإثبات جنـــاح مبداأ احلوار بدال من اأ�سلـــوب القمع املح�س. وغالبا

مـــا تعر�س اتفاقيات على املقاتلني العائديـــن اإىل اليمن بعد م�ساركتهم

يف اجلهـــاد خارج وطنهم، وهـــي اتفاقيات تقدم من قبل م�سئولني كبار:

ومن هـــذه االتفاقيات تقدمي منح مالية للبـــدء باأعمال جتارية �سغرية،

واإعطـــاء ال�سمانات بـــرتك املقاتلني العائدين و�ساأنهـــم ب�سرط توقفهم

عن ممار�سة االأن�سطة غري امل�سروعة على االأقل داخل اليمن. لكن عادة

مـــا يغ�س الطرف عن املقاتلني امل�سافرين اإىل العراق اأو غريها ملمار�سة

اأعمـــال عنـــف. وقد اأثبت هذا الت�سرف جناحـــا اإىل حد كبري، حيث مل

يعد نظام احلكم يواجه �سوى القليل من اأعمال العنف الداخلي من قبل

بع�س اجلماعات االإ�سلمية.

لكن ال�سغط والنقد الدويل املتنامي )خا�سة من قبل الرئي�س االأمريكي

ال�سابق جورج بو�س، الذي وجه خطابا لنظريه اليمني عام 2006 يت�ساءل

فيـــه عن م�سداقية التزام اليمن باحلرب على االإرهاب( بداأ يوؤدي اإىل

تغيري. وقد دفع ذلك التوجه نخبة من داخل احلكومة اليمنية اإىل تعزيز

�سلطتهـــم اخلا�سة. ومنذ 2004 يبدو اأن عمليات حماربة االإرهاب، التي

اتخـــذت �سكل اعتقـــاالت، واإغلق للمعاهـــد الدينية )مبـــا فيها التابعة

حلـــزب االإ�سلح(، وغارات للجي�ـــس، تتزامن مع ارتفـــاع م�ستوى عدم

اال�ستقرار واأعمال العنف من قبل عنا�سر اإ�سلمية ينتمون اإىل القاعدة

اأو ي�ستلهمـــون اأفكارهم من خطابها، اإذ تدل تفجـــريات اأيلول/�سبتمرب

2006 التـــي ا�ستهدفت من�ساآت نفطية، والعمليـــات االنتحارية يف توز/

يوليـــو 2007 التي ا�ستهدفت �سياح اأ�سبان وخلفـــت ع�سرة قتلى، والقتال

الذي ن�سب بني املقاتلني وقوات اجلي�س يف اآب/اأغ�سط�س 2007، وهجوم

اأيلول/�سبتمـــرب 2008 علـــى ال�سفـــارة االأمريكيـــة، تـــدل كلهـــا على هذه

التوتـــرات يف البلد. ويف خ�سم ذلك يبـــدو اأن الدولة تفقد توا�سلها مع

جماعـــات العنف التي كانـــت ذات مرة ت�سيطر عليهـــا من خلل الدمج

ال�سيا�سي واالقت�سادي.

وطاملا اأن اخللف مع اجلماعات اجلهادية ما زال حمل ت�ساوؤل، وغري

تام ورمبا قابل للإبطال )باعتبار اأن عددا من املنتمني للأجهزة االأمنية

ما زالوا على توا�سل مع هذه اخلليا املتطرفة(، فاإن احلرب يف �سعدة

�ســـد احلوثـــي واأن�ساره منـــذ 2004 يبدو اأنهـــا تزيد من ات�ســـاع الفجوة

التـــي تعطيها طابعا طائفيا مناه�سا لل�سيعـــة يذكرنا باحلال يف العراق

ومناطـــق اأخـــرى يف ال�سرق االأو�ســـط. واإىل جانب املجدديـــن الزيديني

املت�سدديـــن، ي�ستهدف نظام احلكم رجال الديـــن الزيديني واملنظمات

التي كانت ذات مرة من حلفائه. كما يثري العنف الذي ميار�سه اجلي�س

دون تييز �سخط الفئات القبلية واالجتماعية التي هي يف االأ�سل ت�سعر

باإق�ساء الدولة لها.

ويبدو اأن قيام احلكومة مبهاجمة الزيديني املجددين يعر�سها ملخاطر

اأقـــل ممـــا لو كانت ت�سعـــى لتلبية كل مطالـــب حلفائها الغربيـــني اأو قمع

جماعـــات اإ�سلمية لها تثيـــل اأكرب يف اأو�ساط ال�سعـــب اليمني، خا�سة

تلـــك اجلماعات التـــي لها علقـــة باالإخوان

�س بهذا قاعدتها امل�سلمني، وكانت �ستعرر

ال�سيا�سيـــة كاملـــة للخطر ورمبـــا املزيد

من اأعمـــال العنـــف. وبالفعـــل يتم عزل

الزيديـــني، بل اأنهـــم يف االأ�سل قـــد تعر�سوا

للتدمـــري اإىل حد كبري من خلل التطـــورات التاريخية التي حدثت، وما

تقـــوم به الدولة �سدهم ال يعر�سها الأي تهديد حقيقي طاملا اأنها توا�سل

جهودهـــا يف حت�سني علقتهـــا بباقـــي الطوائف الدينيـــة االإ�سلمية يف

اليمن.

يف ظل ال�سغط الذي ي�سكله كل من املجتمع اليمني واحلليف

االأمريكي اجلديد، حاولت احلكومة اليمنية اإثبات م�ساركتها

يف احلــرب علــى االإرهــاب، ويف نف�ــض الوقت ظلــت تتوق اإىل

اإثبات ا�ستقاليتها عن القوى الغربية

ال�سري نحو

االعتدال

بقلم: �ستيج هان�سن و اأتل ميزوي

التايل

Page 63: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 126 127ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ال�شري نحو العتدالجتربة جماعة »الإخوان امل�شلمني« يف اليمن

يتتبـــع املقـــال التـــايل، من �جهة نظر غربية، تاريخ جماعـــة »الإخوان امل�سلمني« يف اليمن - �ذلـــك �سمن خارطة اأ��سع

ت�سم تنظيمات جماعة الأخوان يف منطقة القرن الأفريقي الكبري - بغية التعرف على ما اإذا كان من املمكن للجماعة

اأن تعمل �ســـريكا يف اجلهود الرامية اإىل تعزيز ال�ســـتقرار �التنمية يف البالد. �ي�ستك�ســـف املقال كذلك �ســـجل »الإخوان

ر لن�ســـاطهم ال�سيا�ســـي )التجمع اليمني لالإ�ســـالح(، ب�ســـاأن اإمكاناتهم ك�ســـانعني حمتملني اليمنيني«، �حزبهم املوؤط

لل�ســـالم، �يتو�ســـل اإىل اأن اأجندتهم ال�سيا�ســـية توؤثر يف ��ســـطيتهم، على الرغم من اأن الإخوان يظلون طرفا مهما يف

تفاعالت ال�سيا�ســـة املحلية. �تعد اإمكانات التجمع اليمني لالإ�ســـالح كحزب �سيا�ســـي يف �سنع ال�سالم – كما يرى كاتبا

املقال - عظيمة على امل�ســـتوى املحلي �يف املفا��ســـات مع اأقرانهم من امل�ســـلمني ال�ســـنة، بالنظر اإىل اعتدالهم الن�ســـبي

مقارنة بجماعات اإ�سالمية اأخرى.

�ستيج هان�سن و اأتل ميزوي

�ستيج هان�سن و اأتل ميزوي باحثان يف املعهد الرنويجي

للبحوث املدنية واالإقليمية، اأو�سلو.

املحــور

بدايــات متوا�ســعة يعـــد التاريـــخ

املبكر جلماعة االإخوان امل�سلمني يف اليمن مثريا لللتبا�س اإىل حد ما،

فرمبـــا تعود جذوره االأوىل اإىل نادي االإ�سلح الذي تاأ�س�س يف القاهرة

عـــام 1934، الذي كان يقوم على فل�سفة ر�سيد ر�سا وحممد عبده اأكرث

منـــه على فل�سفة ح�سن البنا. ويف عـــام 1939، غري التنظيم ا�سمه اإىل

الكتيبـــة االأوىل. وكان من قادة هـــذه اجلماعة زعيم االإخوان امل�سلمني

اجلزائريـــني، الف�سيـــل الورتلين، الزميـــل املقرب من ح�ســـن البنا،

املر�سد العام جلماعة االإخوان امل�سلمني.

وعلى الرغم من اأن عمر تلك اجلماعة كان ق�سريا، اإال اأن الورتلين

ا�سطلـــع بـــدور مهم يف ن�ســـر فكرة االإخـــوان يف اليمـــن، النخراطه يف

االأن�سطة املناه�سة لل�سيعة مع جماعة االإخوان امل�سرية. كذلك، �سارك

اأفراد االإخوان يف الكفاح �سد االإمام حتى مت خلعه عام 1962.

ويبـــدو اأن هناك تنظيمات عديـــدة ذات علقة باالإخوان ظلت تظهر

ثم تختفي اإىل اأن مت تاأ�سي�س تنظيم منظم للإخوان امل�سلمني يف اأواخر

ال�ستينيـــات من القـــرن املا�سي كما تتفـــق امل�سادر علـــى ذلك ب�سفة

عامة. وبحلـــول بداية ال�سبعينيـــات، قاد التنظيم اليمنـــي عبد املجيد

الزنـــداين، الذي كان االإخوان امل�سريون م�سدر اإلهام له اأثناء اإقامته

يف م�ســـر على الرغم من اأنه كان اأكرث ت�ســـددا من التنظيم امل�سري.

ونظرا اإىل �سجله املثـــري للجدل واملت�سدد، فقد حل حمله الحقا يا�سني

عبـــد العزيز القباطي. وخلل الثمانينيات من القرن الع�سرين، تو�سع

تنظيـــم االإخوان، فاأن�ســـاأ يف عام 1985 جريدته اخلا�ســـة »ال�سحوة«،

التـــي ما زالت موجودة حتى اليوم. ويف عـــام 1988، فاز االإخوان بعدد

كبري من املقاعد يف انتخابات املجل�س اال�ست�ساري.

تاأ�س�ـــس التجمع اليمني للإ�ســـلح يف 13 كانون االأول/دي�سمرب 1990

ح بتكوين االأحـــزاب ال�سيا�سيـــة يف اليمـــن. وكان التنظيم - حـــني �سمم

بالعديـــد من الطرق - زواجا عن ترا�س بـــني ال�سيخ عبداهلل االأحمر،

�سيـــخ احتـــاد قبائل حا�سد، التي تعد من اأكـــرب القبائل يف اليمن، وبني

جماعة االإخوان االأكرث مدنية، التي كان يقودها ال�سيخ يا�سني القباطي،

الذي ال يزال هو الزعيم الروحي لها حتى اليوم. وعلى الرغم من كونه

اندماجا بني اإحـــدى جماعات االإخوان وجماعة ال تنتمي اإىل االإخوان،

اإال اأن االإخوان قبلوه بو�سفه من اإخوان اليمن، وهو كثريا ما يذكر بهذه

ال�سفة يف موقع االإخوان امل�سريني.

ويف الواقـــع، كان التجمع اليمنـــي للإ�سلح - وال يزال - ي�سم بع�سا

مـــن العنا�سر ال�سريحة التي ال تنتمـــي اإىل االإخوان. وقد جذب �سجل

االإ�سلح، املناه�س لل�سيعة، الكثري من العنا�سر الوهابية، االأمر الذي

اأدى اإىل ن�ســـوء جماعـــة وهابيـــة فرعية داخـــل التنظيـــم. وقد تعززت

هذه اجلماعـــة الفرعية برغبة اململكـــة العربية ال�سعوديـــة يف تاأ�سي�س

م�سروعـــات اأطلقها اأع�ساء االإ�سلح. وكان الحتاد قبائل حا�سد تثيل

قـــوي داخـــل التنظيـــم. ويف هذا ال�سدد يجـــب اأال ين�ســـى اأن العنا�سر

القبلية لها نفوذ قوي يف ال�سيا�سة اليمنية ب�سفة عامة، فالقبائل تثل

قوى مقابلة للدولة االأتوقراطية. وتثل القبائل بالن�سبة اإىل العديد من

املواطنني درعا يقيهم من اال�سطهاد والطموحات ال�سمولية للحكومة.

كمـــا يظل التوريث والروابط العائلية مـــن العنا�سر املهمة للديناميكية

الداخلية للتنظيم.

وعلـــى الرغم مـــن وجود هـــذه التجمعـــات الغريبة بع�ـــس ال�سيء يف

تنظيمهـــم، اإال اأن ال�سيطرة على التنظيم تبـــدو يف يد االإخوان. فاأثناء

الدرا�ســـات امليدانيـــة التي اأجريـــت من اأجل هذا التقريـــر، كان يزعم

كثـــريا اأن االإخـــوان كانـــوا، وما زالوا، هـــم امل�سيطرين علـــى التنظيم.

ويقال غالبـــا اإن االإ�سلح كان ميتلك غالبـــا جمموعة غري ر�سمية من

اأع�ســـاء االإخوان، الذيـــن امتلكـــوا، وحافظوا علـــى امتلكهم، �سجل

اإخوانيا داخل احلزب.

حـــذا احلزب حذو جماعات االإخوان االأخرى يف تركيزه على النظام

االإ�سلمـــي وال�سريعـــة؛ اإذ اأكد علـــى اأن ال�سريعة هـــي اأ�سا�س الد�ستور

اليمنـــي، ال بـــل اإنـــه قـــاد حملة غـــري ناجحة ملقاطعـــة اال�ستفتـــاء على

الد�ستور الذي اأجري يف عام 1991، الأن الد�ستور ذكر ال�سريعة بو�سفها

امل�ســـدر »الرئي�سي« ولي�س امل�سدر »الوحيـــد« للد�ستور. وبحلول كانون

االأول/دي�سمـــرب 1992، نظم االإ�سلح موؤتـــرا لل�سلم والوحدة، حتت

�سعار »القراآن وال�سنـــة يجبان الد�ستور والقانون«. كما اأن احلزب كان

قريبا من احلـــزب احلاكم، املوؤتر ال�سعبي العام، وال غرابة يف ذلك؛

حيـــث كان االإخوان قريبني بل ومندجمني مع دوائر �سنع القرار داخل

النظـــام احلاكم منذ اأواخـــر ال�ستينيات من القـــرن الع�سرين. اإ�سافة

اإىل ذلك، فقد قام االأع�ساء، ب�سفاتهم الفردية، بدور مهم يف تاأ�سي�س

اجلبهـــة االإ�سلمية يف عام 1979، وهو تنظيـــم حارب كحليف للرئي�س

احلـــايل علي عبد اهلل �سالح �ســـد دولة اليمن اجلنوبي يف ال�سدامات

املختلفـــة التـــي وقعت خـــلل الثمانينيات مـــن القـــرن الع�سرين. ومن

ثـــم، كان اأع�ساء االإ�سلح غالبا بـــني حلفاء الرئي�س �سالح يف معركته

�ســـد املارك�سيني يف اجلنـــوب، وكانوا قريبني من احلـــكام منذ اأواخر

ال�ستينيات على االأقل.

كذلـــك، كانت هناك علقات عائلية و�سخ�سية بني اأع�ساء االإ�سلح

واملوؤتر ال�سعبي العام. وكان هناك زعماء بارزون، ومنهم مثل اأبو بكر

القربـــي، اأع�ساء يف احلزبني. ال، بـــل اإن مر�سحني من حزب االإ�سلح

ان�سحبـــوا يف دوائر انتخابيـــة عديدة مل�سلحة مر�سحـــي حزب املوؤتر

يف عـــام 1993. وكان القـــرب مـــن حـــزب املوؤتر، ومناه�ســـة العقيدة

Page 64: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 128 129ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املارك�سيـــة يعنيـــان اأن االإ�ســـلح اأحد امل�سادر التي تقـــف خلف التوتر

الـــذي اأدى اإىل احلرب االأهلية الق�ســـرية يف 1994، حني هاجم موؤيدو

اأحد اأبنـــاء االأحمر مكاتب احلزب اال�سرتاكـــي اليمني يف مدينة حجة

ال�سماليـــة بقاذفـــات ال�سواريـــخ. واأثناء احلـــرب، كان زعماء التجمع

ـــدون االإ�سلميني اليمنـــي للإ�ســـلح، مثل عبدالوهـــاب الديلمي، يجنر

لقتـــال اجلنوبيني. ومن ثم، فاإن االإ�سلح، ف�سل عن كونه اإحدى قوى

ال�ســـلم، كان �سريكا فاعل يف اجلهـــود احلربية للنظام احلاكم. ومع

ذلك، يبدو اأن ذلك كان مدفوعا بعنا�سر قبلية، ولي�س من قبل االإخوان

املت�سددين.

وعلـــى الرغـــم مـــن اأن التجمع اليمنـــي للإ�سلح كان يبـــدو م�ستقرا

للعيـــان، اإال اأنـــه كانـــت هنـــاك �سائعـــات عن وجـــود خلفـــات داخله.

فكانـــت هنـــاك مزاعم بـــاأن امل�ست�ســـار العـــام حلزب االإ�ســـلح، عبد

املجيـــد الزنداين، كان معار�سا ملجل�س ال�سورى الدويل للإخوان. وبعد

حمـــاوالت ح�سن الرتابـــي اإن�ساء تنظيمـــات موازية، ن�ســـط االأخري يف

رعاية حماوالت الزنداين لل�سيطرة الكاملة على التجمع

اليمني للإ�سلح م�ستخدما يف جانب من ذلك االأموال

ال�سعودية حتى ي�سبح احلزب مرتبطا بالوهابية. وبهذا

املعنى، اأ�سبح الزنداين العبا فاعل يف دعم الرتابي يف

�سراعه �سد جماعة االإخـــوان امل�سلمني امل�سرية. واأدى

هـــذا اإىل اإ�سعـــاف موقف الزنـــداين يف التنظيم، ولكن

الزنداين ظل على الرغم من ذلك رئي�سا ملجل�س �سورى

التجمع اليمني للإ�سلح حتى �سباط/فرباير 2007.

نظـــرا اإىل ت�ساوؤل حاجة حزب املوؤتـــر ال�سعبي العام

اإىل التجمـــع اليمنـــي للإ�ســـلح فقـــد تدنـــت العلقـــة

اجليدة بني الطرفني. وقد اأدت املمار�سات اخلاطئة يف

عملية ت�سجيل الناخبني اإىل دخول االإ�سلح يف ترتيبات

تعاون مـــع جماعـــات املعار�ســـة االأخـــرى، فان�سم اإىل

جمل�س التن�سيق االأعلى للمعار�سة يف ني�سان/اأبريل 1997. وكان دخول

االإ�ســـلح يف هـــذا املجل�س يعني تعـــاون التجمع اليمنـــي للإ�سلح مع

احلـــزب اال�سرتاكي اليمني، وهو احلزب القائـــم على اأنقا�س االأعداء

القدامـــى للتجمـــع اليمني للإ�سلح يف اجلنـــوب. وكانت تلك اخلطوة

تعبـــريا عن حـــدوث تغيري جذري يـــدل على رغبـــة يف التو�سل اإىل حل

و�سط حول الق�سايا االإيديولوجية.

بيـــد اأن التجمع اليمنـــي للإ�سلح عاد لفرتة وجيـــزة بعد عام 1997

اإىل حلفائـــه يف حـــزب املوؤتـــر ال�سعبي العـــام، واأبـــرم اتفاقات تعاون

مـــع املوؤتر ال�سعبـــي يف العديد مـــن املناطق. ومع ذلـــك، كان التجمع

اليمنـــي للإ�ســـلح ي�سعر باالإهانـــة العميقة الأن املوؤتـــر ال�سعبي العام

مل يقـــدم له اأي �ســـيء يف مقابل هذه التنازالت؛ ال بـــل اإن اأحد الوزراء

ل من من�سبه؛ التابعـــني للتجمع اليمني للإ�سلح )وزير االأوقاف( عزم

ومت عر�ـــس املن�ســـب على احلزب ال�سيعي - الزيـــدي املحافظ، حزب

احلـــق. حـــاول االإ�سلح على م�س�ـــس االجتاه مرة اأخـــرى نحو جمل�س

التن�سيـــق االأعلـــى للمعار�سة علـــى الرغم من معار�ستـــه االأيديولوجية

لهـــذا التحالـــف. وبحلول عام 2000 اعرتف التجمـــع اليمني للإ�سلح

باملظـــامل التي وقعت بحق اال�سرتاكيني، بل وهدد مبقاطعة االنتخابات

املحلية التي اأجريت يف عام 2001 )على الرغم من اأنه �سارك فيها يف

النهاية(.

�سيا�ســات متغــرية تعر�ســـت �سيا�ســـات

االإ�ســـلح لتغيريين حا�سمني خـــلل تلك ال�سنوات: التغيـــري االأول هو

قبـــول اال�سرتاكيني بو�سفهم حلفاء حمتملني؛ فقد كان التجمع اليمني

للإ�ســـلح ينظر اإىل اال�سرتاكيني، الذيـــن �سبق اأن اتهمهم باأنهم غري

موؤمنـــني، باأنهـــم اأكـــرث قيمة مـــن املوؤمنني يف احلـــزب احلاكم، وذلك

يعـــود يف االأ�سا�ـــس اإىل االأ�ساليـــب واملمار�سات القمعيـــة واال�ستبدادية

التي ميار�سها احلـــزب احلاكم. والتغيري الثاين كان بالرتكيز املتزايد

لتجمـــع االإ�ســـلح علـــى الدميقراطيـــة. فعندما �سعر

التجمـــع اليمنـــي للإ�ســـلح باأنـــه يتعر�ـــس للخديعة،

ركـــز يف خطابه على القيـــم الدميقراطية، وكان هذا

الرتكيـــز علـــى القيـــم امل�سرتكة هو الـــذي حافظ على

علقتـــه باال�سرتاكيني. ويجب اأال يغيـــب عن البال اأن

التجمع اليمني للإ�سلح قد حقق بالفعل هدف اإر�ساء

الد�ستـــور اليمنـــي علـــى ال�سريعـــة االإ�سلميـــة، ولكن

بعـــد حتقيق هذا الهـــدف، ركز التنظيـــم على العملية

اجلدليـــة للنتخاب تركيزا كبريا حتى اإنه اختار دعم

اأعدائه القدامى، اال�سرتاكيني.

وبو�سفهـــا الفكـــرة املركزية للإخـــوان، كان التجمع

اليمني للإ�ســـلح يركز على وجود عملية دميقراطية

�سوريـــة و�سرعيـــة اأ�سا�ســـا للدولة، ولكـــن تركيز احلزب

االآن ين�ســـب علـــى الدميقراطية احلزبية. ويبـــدو اأن اجلناح احلداثي

يف التجمـــع اليمني للإ�سلح، الذي كان ي�سم كل من حممد اليدومي

وعبـــد الوهاب االآن�سي وحممـــد قحطان ف�سل عن اأع�ســـاء اأ�سا�سيني

مـــن جماعة االإخوان داخـــل احلزب، هو الذي دفع هـــذه العملية. وقد

قـــام اليدومي بدور مهم بو�سفه رئي�سا لتحرير جريدة ال�سحوة، وهي

جريدة االإخـــوان امل�سلمني التي �سبقت االإ�سارة اإليهـــا، اإذ اأتيحت لديه

فر�سة ممتازة للتاأثري يف اأع�ساء احلزب.

كذلك، قـــام املعهد الدميقراطي الوطني االأمريكـــي بدور رئي�سي يف

هـــذه العملية عن طريق جمعه بني االإ�سلح واالأطراف االأخرى، االأمر

الذي اأدى اإىل ت�سكيل اأحزاب اللقاء امل�سرتك. وقد حقق التعاون يف هذا

�س الإخفاقات؛ فلم ينجح اجلناح املعتدل يف الت�سكيل جناحات كما تعر

حزب االإ�سلح يف دفع وجهات نظرهم، وف�سل املعتدلون يف عام 2003

كان التجمع اليمني

لاإ�ساح يركز

على وجود عملية

دميقراطية �سورية

و�سرعية اأ�سا�سا

للدولة، ولكن تركيز

احلزب االآن ين�سب

على الدميقراطية

احلزبية

املحــور

يف احل�سول على مر�سحات. ومع ذلك، يبدو اأن التغيريات التي حدثت

يف جمل�ـــس �سورى التجمع اليمني للإ�ســـلح – ومنها ا�ستبدال حممد

علـــي عجلن نائب رئي�س املجل�س بالزنـــداين رئي�س املجل�س، وانتخاب

13 امراأة اأع�ساء يف الهيئة التي تتاألف من 130 مقعدا للمرة االأوىل يف

تاريـــخ حزب التجمع اليمنـــي للإ�سلح، وهذا ي�ســـري اإىل اأن املعتدلني

كانوا يكت�سبون قوة.

ويف النهايـــة، اأ�سبح الزنداين عبئـــا على احلزب بعد اتهامه من قبل

الواليات املتحدة االأمريكية بتمويـــل تنظيم القاعدة، وباإ�سدار بيانات

تنم عن تغيريات مت�سددة ن�سبيا، زعم فيها، من بني اأمور اأخرى، عدم

االعتـــداد ب�سهادة املراأة الواحدة يف الق�سايـــا املعرو�سة اأمام املحاكم

ب�سبـــب �سعف املراأة العقلي. وقد واجه الزنداين كذلك معار�سة داخل

التجمـــع اليمني للإ�سلح. ففي خريـــف 2008، كانت هناك دعوة اإىل

اإن�ساء جلنة للأمر باملعـــروف والنهي عن املنكر، لتكون جهازا للرقابة

االأخلقيـــة، وكان من املقـــرر اأن يكون الزنداين هو رئي�س اللجنة، غري

اأن التجمع اليمني للإ�سلح رف�س الفكرة من البداية، ما يدل علنية

على اأن نفوذ الزنداين كان حمدودا.

ويبدو اأن التجمع اليمني للإ�سلح اآخذ اليوم يف االعتدال؛ بيد اأنه ال

يـــزال فيه جناح اأكرث تطرفـــا وجناح قبلي ال يزال حمافظا. ويف الوقت

الذي يبدو فيه الزنداين، الذي يعد اأبرز العنا�سر املتطرفة، ال يحظى

بالنفوذ الـــلزم، فقد ظل العن�سر القبلي بقيـــادة ال�سيخ عبد اهلل بن

ح�سني االأحمر على قوته حتى تويف االأخري يف 29 كانون االأول/دي�سمرب

.2007

ويتزعـــم التجمـــع اليمنـــي للإ�ســـلح الوجـــه املعتـــدل، اليدومي، يف

الوقـــت احلايل، وهـــو االأمر الذي رمبا ي�سري اإىل وجـــود رغبة متجددة

للتعـــاون على اإيجـــاد حلول �سيا�سية لليمن. ومع ذلـــك، ينبغي اأال يغيب

عـــن االأذهـــان اأن التنظيـــم ال يـــزال حمافظا علـــى اهتمامـــه ال�سديد

بتطبيـــق ال�سريعـــة، واأن اإرادة التو�سل اإىل حل و�ســـط قد تاأ�س�ست بناء

على راأي التجمع اليمني للإ�سلح باأن هذا االإطار كان موجودا بالفعل

يف الد�ستور اليمني. ماذا يقـــول تاريخ التجمع اليمني للإ�سلح ب�ساأن

اإمكاناته يف �سنع ال�سلم؟

اأوال، اأن التنظيم كان اأحد االأطراف املتحاربة يف ال�سراعات اليمنية،

واأنه كان �سبه ديني يف طبيعته، واأنه كان مناه�سا لل�سيعة واملارك�سيني،

واأنه قدم عنا�سر للحكومة اليمنية يف حروبها مع كل املجموعتني. بيد

اأن تاريخـــه يربهن كذلك على قدرته على تخفيف موقفه االإيديولوجي

يف فكـــر جماعة االإخـــوان امل�سلمني الكبـــري، الذي يتخذ مـــن ال�سريعة

االإ�سلميـــة اأ�سا�سا له. اإن عنا�سر التجمع املعتـــدل تزداد قوة، واالأمن

يف اليمـــن اآخذ يف التدين، واأعلن التجمع اليمني للإ�سلح موؤخرا عن

ا�ستعداده للقيام بدور �سانع ال�سلم.

اإن اليمن اليوم بلد ه�س ويتعر�س للت�سدع مبا ي�سمى التمرد احلوثي

)ال�سباب املوؤمن( املتنامي يف ال�سنوات االأخرية يف ال�سمال. لقد حتول

هذا ال�ســـراع يف ال�سنوات االأخرية اإىل �ســـراع قبلي، وذلك بانخراط

العديد من القبائـــل ال�سمالية يف ال�سراع ب�سكل جماعي. وبحلول عام

2009، مت جـــر اململكـــة العربية ال�سعوديـــة اإىل ال�سراع يف الوقت الذي

كانـــت تتهم فيـــه احلكومة اليمنيـــة كل من ليبيا واإيـــران بدعم حركة

التمرد.

كذلـــك، ت�ساعدت وترية ال�سراع بني اليمنيني اجلنوبيني واحلكومة

منـــذ عام 2007 ب�سبـــب ا�ستياء اجلنوبيني مما يعتربونـــه ف�سادا و�سوء

اإدارة يف املحافظـــات اجلنوبيـــة. ويف خ�ســـم ذلـــك، تكونـــت معار�سة

جنوبيـــة رخـــوة �سد احلكومة، يطلـــق عليها »احلـــراك اجلنوبي«. ويف

عـــام 2009، عمل التجمع اليمني للإ�سلح على كبح القوى املندفعة يف

اليمـــن، ولكنه قام بذلك يف اإطار اأحـــزاب اللقاء امل�سرتك، حيث نظم

عدة موؤترات واجتماعات وطنية للحوار كان اأكربها »ملتقى احلوار«،

وموؤتـــر »االإنقـــاذ الوطنـــي«، واأطلمقت خطـــة اإنقاذ وطنـــي يف اأيلول/

�سبتمـــرب 2009 واأن�سئمت جلنـــة لل�سلم حتت م�سمـــى »جلنة التح�سري

ظــل العن�ســر القبلــي داخــل التجمــع اليمني لاإ�ســاح

بقيــادة ال�ســيخ عبد اهلل بن ح�ســن االأحمــر على قوته

حتى تويف االأخري يف اأواخر كانون االأول/دي�سمرب 2007

ME

Arc

hiv

E

Page 65: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 130 131ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

للحوار«.

كانـــت اأحزاب اللقاء امل�سرتك تدعـــو اإىل تدويل عملية ال�سلم وعقد

موؤترات لتحديد امل�ســـاكل واإيجاد حلول لها. وكان الرتكيز الرئي�سي،

�سواء با�ســـم التجمع اليمني للإ�سلح اأو حتـــت املظلة االأكرب الأحزاب

اللقـــاء امل�ســـرتك، من�سبـــا على �سنـــع ال�سلم بني احلركـــة اجلنوبية

ال�سعبية واحلكومة. هذا رمبـــا يو�سح �سعف التجمع اليمني للإ�سلح

يف التعامـــل مع جماعة اإ�سلميـــة اأخرى، هي جماعـــة احلوثيني، التي

خا�ـــس التجمع قتاال �سدها يف ال�سابق، ف�سل عن قدرة حليف التجمع

اليمنـــي للإ�سلح يف اأحزاب اللقاء امل�سرتك، وهم اال�سرتاكيون، على

التعامل مع احللفاء القدامى يف اجلنوب.

وعلـــى الرغم من ذلك، فاإن جميع االأطـــراف املتحاربة رف�ست حتى

االآن حمـــاوالت ال�ســـلم التي قامـــت بها اأحزاب اللقـــاء امل�سرتك. فل

يزال التجمع اليمني للإ�سلح ينظر اإليه نظرة �سك من قبل جماعات

التمـــرد ال�سيعي، يف حني تتهمه با�ستغلل االأزمة الراهنة للو�سول اإىل

ال�سلطـــة. ومع ذلك، يبقى االإ�سلح اأحـــد التنظيمات القليلة امل�ستقرة

يف اليمـــن، وال بد من اأن يكـــون جزءا من اأي حـــل لل�سراعات اليمنية

املختلفة. كما اأنه يعد اأكرث اعتداال من معظم التنظيمات االإ�سلمية يف

اليمـــن. وبهذا املعنى، اأ�سبح التجمع اليمني للإ�سلح على الرغم من

ال�سعوبـــات التي يتعر�س لها، عن�ســـرا حا�سما يف مفاو�سات ال�سلم،

�سواء بو�سفه �سريكا يف التفاو�س اأو جزءا من اأحزاب اللقاء امل�سرتك،

بو�سفه و�سيطا يف مفاو�سات ال�سلم بني احلكومة واجلنوب.

االأعمــال اخلرييــة تظـــل االأعمـــال

اخلريية �سمة مهمة مـــن �سمات التجمع اليمني للإ�سلح؛ فعلى �سبيل

املثـــال، ين�ـــس برنامج احلزب علـــى اأنه يهـــدف اإىل: “العمل اخلريي

املنتظـــم، واالعت�سام باهلل. و�سحذ طاقات الفـــرد الروحية من خلل

تعزيـــز االإميان ال�سحيح بـــاهلل، وتعزيز مبداأ التعدديـــة، يف اإطار من

االلتزام بعقيدة املجتمع وال�سريعـــة، والعدالة، التي يق�سد بها اإعطاء

االأولوية لتحقيق التوازن االجتماعي على املطالب االأخرى، واأن الهدف

مـــن التنمية ال ينبغـــي اأن يكون فقـــط زيادة الناجت املحلـــي االإجمايل.

وفـــق كل ذلـــك، فاإنه من املهـــم الت�ســـدي للفقر واحلرمـــان واختلل

التوازن االجتماعـــي، وحتقيق تنظيم توزيع ثمـــار التنمية االقت�سادية

واالجتماعيـــة بـــني املناطـــق الريفيـــة واحل�سريـــة وبـــني حمافظـــات

اجلمهورية اليمنية”.

ينظر ن�سطاء التجمع اليمني للإ�سلح اإىل اأنف�سهم على اأنهم يقدمون

للمنظمات غري احلكوميـــة العلمانية بديل يعتمد على االإميان، ويرون

اأعمـــال مكافحـــة الف�ســـاد اأداة رئي�سية لزيادة رفـــاه اليمنيني، وكذلك

اإ�سرتاتيجيـــات النمو االقت�ســـادي التقليدية. وهنـــاك اأي�سا جماعات

ر�سمية داخل احلـــزب تتعامل مع ق�سايا التنمية؛ فبناء على اأحد اأرفع

القادة ال�سيا�سيني يف التجمع اليمني للإ�سلح، حممد حممد قحطان،

تعمل الدائـــرة االقت�سادية داخل احلـــزب، املتمثلة يف جمموعة عمل،

علـــى التنمية، كما تفعل دائرة العمل مع املجتمع املدين. ووفقا للقانون

رقم 1 لعام 2001، مبوجب املادة رقم 19 من القانون اليمني للمنظمات

غري احلكومية، حتظر اجلمعيات اخلريية القائمة على اأ�سا�س �سيا�سي

اأو التـــي تقوم باأن�سطة تـــروج ل�سخ�سيات دينية. وهـــذا بطبيعة احلال

يدفع التجمع اليمني للإ�سلح اإىل الرتدد يف اإعلنه عن االنخراط يف

االأعمال اخلريية، غري اأن هذه الروابط توجد بالفعل.

وعلى الرغم من ذلك، فقد �ساركت بع�س ال�سخ�سيات البارزة داخل

التجمع اليمني للإ�سلح ب�سفتهم ال�سخ�سية؛ ف�سارك الزنداين نف�سه

يف اأعمـــال ذات علقـــة باأعمال خرييـــة، وتعد جامعة االإميـــان التابعة

املحــور

Goo

gle

للزنـــداين، والتي ت�سم عـــددا من الطلب يـــرتاوح عددهم بني 4000

و5000 طالب، على حد قول الباحثة �سارة فيليب�س، معروفة بتعليماتها

غري املت�ساحمة.

ويوجـــد يف اليمن اأي�ســـا اثنتان من كربى املنظمـــات اخلريية، هما:

اجلمعيـــة اخلريية للرعاية االجتماعية )جمعيـــة االإ�سلح االجتماعي

اخلرييـــة( وموؤ�س�ســـة ال�سالـــح االجتماعية للتنميـــة، وترتبط االأخرية

باحلزب احلاكم. ويدعي مديـــر جمعية االإ�سلح االجتماعي اخلريية

عبـــد املجيد عبد القوي فرحان عدم وجود علقة بني املوؤ�س�ستني. وقد

اأعطت املقابلت التي اأجريت خلل الدرا�سات امليدانية اإ�سارات قوية

اإىل عك�ـــس ذلـــك، حيث اإن اثنني مـــن االأع�ساء اخلم�سة

ع�سر الذين يتاألـــف منهم جمل�س اإدارة املوؤ�س�سة اأع�ساء

يف املوؤتـــر ال�سعبي العام، واأن املوؤ�س�سة لها ات�سال جيد

بالرئي�س.

وتعـــد اجلمعيـــة اخلرييـــة للرعايـــة االجتماعيـــة ثاين

اأكـــرب منظمة غري حكومية يف اليمـــن، وهي موؤ�س�سة غري

مركزية تقـــدم معظم خدماتها داخـــل القطاع اخلريي،

ولكن يف اإطار التنمية يف الوقت نف�سه. وجلمعية االإ�سلح

االجتماعـــي اخلريية مكاتب يف جميع املحافظات، اإذ بلغ

عدد فروع وجلان اجلمعية 23 فرعا و236 جلنة يف 2007.

ويقـــود اجلمعيـــة جمعية عامـــة وجلنة للرقابـــة وجمل�س

اإداري وجمل�ـــس ا�ست�ســـاري اأعلى. وحتت هـــذه الهيئات،

يوجـــد جمل�ـــس تنفيـــذي، حتتـــه املديـــر العـــام للجمعية.

علوة علـــى ذلك، تنق�سم جمعيـــة االإ�سلح االجتماعـــي اخلريية اإىل

ثمانيـــة اأق�سام هي: ق�سم تنمية االأ�سرة، وق�ســـم تنمية ال�سباب، وق�سم

التنميـــة امل�ستدامة والرعايـــة االجتماعية، وق�ســـم املعلومات واملوارد،

وق�سم كفالة االأيتام، وق�سم ال�سوؤون ال�سحية واملالية واالإدارية، وق�سم

التخطيط والتطوير.

كمـــا تعد هـــذه اجلمعية واحدة من املنظمات غـــري احلكومية القليلة

التـــي تعمل يف كل حمافظات اليمن. وقـــد �سدد مدير اجلمعية على اأن

اجلمعيـــة ت�ساعد جميع املحتاجـــني، واأنه لي�س لديهـــا فل�سفة اإ�سلمية

توجـــه عملها. كمـــا اأو�سح اأن املنظمة بداأت على �ســـكل برنامج اإغاثة،

واأنهـــا �ساركـــت يف اأعمـــال اخلـــري وتقـــدمي القرو�س ال�سغـــرية وبناء

امل�ست�سفيـــات واملدار�ـــس. وت�ســـارك املوؤ�س�ســـة اأي�سا يف جامعـــة العلوم

والتكنولوجيـــا، التي تعد واحدة من اأكرب اجلامعات يف �سنعاء، ولكنها

تزعـــم اأنها ت�سيطر على اأقل من 50 يف املائـــة من منها. ووفقا للباحث

اأناهـــي األفي�ســـو مارينـــو، يرجع جنـــاح جمعيـــة االإ�ســـلح االجتماعي

اخلريية اإىل خطابها ال�سيا�ســـي املعتدل ودورها املركزي الذي تربطه

باالإ�سلم.

ويبـــدو اأن جمعيـــة االإ�سلح االجتماعـــي اخلريية ت�ستخـــدم املبادئ

االإ�سلميـــة يف بع�ـــس م�ساريعهـــا، ولكن هـــذه املبادئ تغيـــب على نحو

ملفـــت عن م�ساريـــع التعـــاون التي تنفذها مـــع االأمم املتحـــدة. كتبت

جانني كلرك اأن الكثري من االأعمال التي ت�سطلع بها املراأة يف جمعية

االإ�ســـلح االجتماعـــي اخلريية ميكن اأن ينظـــر اإليها علـــى اأنها �سكل

مـــن اأ�ســـكال عمل النا�سط، من وجهـــة النظر الدينيـــة اأو ال�سيا�سية اأو

منهمـــا معا. وتعمل جمعية االإ�ســـلح االجتماعي اخلريية مع الغربيني

يف م�سروعـــني: امل�سروع االأول، م�ساعدة االأطفال على اخلروج من حيز

CHF العمـــل واالندمـــاج يف املجتمع، وهو م�سروع تعاوين بـــني موؤ�س�سة

International وهي منظمة غري حكومية �سوي�سرية،

وجمعية االإ�سلح االجتماعي اخلريية. وت�سع اجلهة

املانحـــة للم�ســـروع، وزارة العمـــل االأمريكية، مبادئ

�سارمـــة. وقد اأعربـــت م�سادر دوليـــة، معرفة وثيقة

بامل�ســـروع عن �سرورها بكثري مـــن التعاون مع جمعية

االإ�سلح االجتماعي اخلريية.

ومـــع ذلـــك، فـــاإن اجلانـــب املتعلـــق بامل�ســـاواة بني

الرجـــل واملـــراأة )اجلنـــدر( يبـــدو اأنه ميثـــل م�سكلة؛

حيـــث مل يتـــم توظيف اأي امـــراأة مديـــرا، ف�سل عن

وجود دالئـــل على وجود حمـــاوالت ملمار�ســـة الدعوة

من خـــلل امل�سروع. لقد تركـــت االأيديولوجية اأثرها

علـــى امل�سروع، الـــذي مور�س فيه الف�ســـل االإ�سلمي

بـــني االأوالد، حيـــث تق�سي القاعدة بـــاأن يكون هناك

مباعـــدة ملدة عامـــني بني كل طفل واآخـــر. وكانوا يعمـــدون اإىل تثقيف

االأئمـــة، ولكنهم كانوا ي�ستخدمـــون توجيهات االأمم املتحدة وتوجيهات

حقـــوق االإن�سان يف هذا املجـــال. و�ساركت ال�سفـــارة الهولندية جمعية

االإ�سلح االجتماعي اخلريية يف م�سروع اإمنائي بعنوان “ختان االإناث

وزيادة الوعي يف ح�سرموت”. وكانت ال�سفارة الهولندية اإيجابية جدا

نظـــرا اإىل اأهمية االت�ساالت املحلية يف حتقيق نتائج عملية، وقد اأثبت

ا�ستخـــدام اخلطـــاب االإ�سلمي لتغيـــري اآراء ال�سيـــوخ املحليني فاعلية

�سديدة. ومع ذلك، ي�سدد الدبلوما�سيون الهولنديون اأي�سا على حتفظ

جمعية االإ�سلح االجتماعي اخلريية على املعايري الغربية، وعلى وجود

جماعـــة قوية مـــن املحافظني داخل التجمع اليمنـــي للإ�سلح. بيد اأن

هـــذا كان ينظـــر اإليه علـــى اأنه ت�سحيـــة �سروريـــة الأن املجتمع اليمني

جمتمع حمافظ جدا ب�سفة عامة.

وعنـــد تقييم اأثر االأعمـــال التنموية واخلريية التـــي يقوم بها التجمع

اليمنـــي للإ�ســـلح يف اليمـــن، ينبغـــي اأوال اأن نتذكـــر اأن اليمـــن واحد

من اأفقر الـــدول االإ�سلمية واأ�سدها حمافظـــة، واأن احلكومة ال تلك

ال�سيطـــرة ال�سيا�سيـــة الكاملـــة علـــى البـــلد وال على املـــوارد اللزمة

يبقى االإ�ساح اأحد

التنظيمات القليلة

امل�ستقرة يف اليمن،

وال بد من اأن يكون

جزءا من اأي حل

لل�سراعات اليمنية

املختلفة. كما اأنه

يعد اأكر اعتداال من

معظم التنظيمات

االإ�سامية يف الباد

Page 66: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 132 133ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

مل�ساعدة كل من يحتاج اإىل م�ساعدة. فاإذا ا�ستطاعت موؤ�س�سة م�ساعدة

املحتاجني اأو تكنت من اأن تقوم بدور مهم يف تطوير قرية على �سبيل

املثال، ف�سوف حتظى تلك املوؤ�س�سة باحرتام كبري لدى النا�س. كما اأنه

ال بـــد من اأن يكـــون العاملون يف جمعية االإ�ســـلح االجتماعي اخلريية

من نف�ـــس اخللفية الثقافيـــة والدينية التي ينتمي اإليهـــا الذين يتلقون

امل�ساعدة.

ونتيجة لذلـــك، تبدو جمعيـــة االإ�سلح االجتماعـــي اخلريية متمتعة

مبكانـــة قوية بني اليمنيني. ولكـــي ي�ستفيد حزب االإ�سلح من هذا، قد

يكون كافيا له اإميان اليمنيني ب�سفة عامة بوجود هذه العلقة. كذلك،

رمبـــا يكون للعمـــل اخلريي والتنمـــوي الذي يوؤديه االإ�ســـلح يف اليمن

جانب �سلبي. فقد عربت اإحدى امل�ستجوبات عن وجهة �سديدة االنتقاد

للحـــزب: “هنـــاك قواعد �سارمة علـــى الذين يريـــدون احل�سول على

اأموال اأو م�ساعدات من املوؤ�س�سات اخلريية وموؤ�س�سات التنمية التابعة

للإ�ســـلح”، “تعطى االأمـــوال للطفل حتى ي�سبح قـــادرا على ح�سور

املدر�سة، ولكن هناك اأنظمة اإ�سلمية �سارمة بخ�سو�س ال�سلوك”.

وم�سى ع�سو �سابق يف حزب التجمع واالإخوان يقول: “لكنني اكت�سفت

بعد حني اأن م�سلحة النا�س لدى التجمع اليمني للإ�سلح كانت عائقا

اأمام االإ�سلح والتنميـــة...”، و”لكونك رجل، فل تذهب مع الن�ساء،

ويجب عدم التدخني اأو اال�ستمـــاع اإىل املو�سيقى. هذه ال�سروط للنا�س

العاديـــني، ولي�س للأبنـــاء وال�سيوخ”، “وبعبارة اأخـــرى، يرتبط تقدمي

العمل اخلريي والتنموي بقيود معينة”.

من اجلوانب االأخرى املثرية للهتمام التي تتميز بها االأعمال اخلريية

التـــي يقوم بها االإ�سلح، هو الـــدور الذي توؤديه الطبقة الو�سطى. ترى

جانني كلرك، اإحدى الباحثات القلئل الذين در�سوا حزب االإ�سلح

واملنظمـــة اخلرييـــة التابعـــة لـــه، اأن العمـــل اخلريي الـــذي ت�سطلع به

املراأة املرتبطة بجمعية االإ�سلح االجتماعي اخلريية يوؤدي اإىل تعزيز

الطبقـــة الو�سطـــى. وتخل�س اإىل اأن العمل اخلريي هـــو املجال الوحيد

املفتوح اأمام املراأة لتحقيق دخل معني، كما اأنه �سلم يوؤدي اإىل التطوير

الذاتي للن�ساء اللواتي ي�ستطعن امل�ساركة يف االأعمال اخلريية.

وهـــي تت�ســـور اأن االأعمـــال اخلريية التي تقـــوم بها املـــراأة تعد نوعا

من اأنـــواع الن�ساط املقبولة لدى االأ�سرة واملجتمـــع. وبهذا، فاإن جمعية

االإ�ســـلح االجتماعي اخلريية تخفق يف تكني ال�سكان املحليني الذين

حتاول اأن ت�ساعدهم؛ اإذ اإنها تعاملهم على اأنهم عملء ولي�سوا �سركاء

يف عمليـــة التنميـــة، وهـــي ممار�سة �سائعـــة يف اأو�ســـاط املنظمات غري

احلكوميـــة الغربية، ولكـــن لها اآثار �سلبية كثرية ومـــن ذلك منع ملكية

العملء لربامج خريية.

واجه عبداملجيد الزنداين

معار�سة داخل التجمع اليمني

لاإ�ساح. ففي خريف 2008،

كانت هناك دعوة اإىل اإن�ساء

جلنة لاأمر باملعروف والنهي

عن املنكر، لتكون جهازا للرقابة

االأخاقية، وكان من املقرر اأن

يكون الزنداين رئي�ض اللجنة،

غري اأن التجمع اليمني لاإ�ساح

رف�ض الفكرة من البداية،

ما يدل عانية على اأن نفوذ

الزنداين كان حمدودا

املحــور

ME

Arc

hiv

E

مــــا هي النتائج املرتتبــــة على م�ساركة �ســــركاء غربيني حمتملني يف

عمليــــة التنمية؟ لقــــد اأثبتت املنظمات غري احلكوميــــة التابعة للتجمع

اليمني للإ�سلح اأنها �سريك يتمتع بالكفاءة واملوثوقية، ولكنها تنطلق

مــــن اأجندة اأيديولوجية. ومع ذلك، فاإن هذه االأجندة قد تخف حدتها

عنــــد التعاون مع منظمات غربية يف م�سروعــــات حمددة، االأمر الذي

يعني اأن امل�ساركة اأمر ين�سح به، و�سوف يكون لها تاأثري معتدل يف تلك

املنظمات. واالأهــــم من ذلك، اأنه من غري املوؤكد اأن تلك امل�ساركة من

�ساأنها اأن تخفف اأيديولوجية االإ�سلح نف�سه؛ اإذ اإنه اأمر يطول اجلدل

حولــــه، بيــــد اأنها قد تــــوؤدي اإىل االعتــــدال يف م�سروعــــات حمددة، ما

ميكن االإ�سلح وال�ســــركاء الغربيني من حتقيق مكا�سب متبادلة. ثمة

خلفات داخل التجمع اليمني للإ�سلح، ورمبا تكون هناك منظمات

غري حكومية تابعة له خا�سعة لهيمنة عنا�سر خمتلفة. وبالتايل، يجب

توخي احلذر عند اختيار املنظمات غري احلكومية، وعدم التعامل مع

العنا�سر املتطرفة يف التجمع اليمني للإ�سلح. وميكن دعم العنا�سر

القبليــــة بطريقــــة حذرة، مــــع الوعي باأنهــــا قد ت�ستبعــــد املتربعني من

خارج القبيلة.

النتيجــة النهائيــة علــــى الرغــــم مــــن

تناق�ــــس عدد الناخبني، اإال اأن التجمــــع اليمني للإ�سلح يعد تنظيما

قويا يعمل يف ظروف �سعبــــة. ويحظى احلزب بالتقدير واالحرتام يف

اأو�ساط االإخوان االأخــــرى، على الرغم من وجود عنا�سر

تعــــد غريبة ن�سبيا عن فكــــرة جماعة االإخوان امل�سلمني

بــــني �سفوفه. ورمبا تكون قــــوة التنظيم هي ال�سبب يف

ف�سل فريق البحث يف التعرف على الروابط التنظيمية

بينــــه وبني جماعات االإخــــوان االأخرى خــــارج التن�سيق

املعلوماتــــي واملناق�سات االأيديولوجيــــة الودية، ومل يكن

احلــــزب يف حاجــــة اإىل دعــــم خارجــــي مــــن منظمات

االإخوان االأخرى.

عند حماولة ا�ستك�ساف نتيجة العمل اخلريي واأعمال

التنميــــة التــــي يقوم بهــــا التجمع اليمنــــي للإ�سلح، ال

بــــد من التعرف علــــى وجهات نظر احلــــزب ال�سيا�سية

والدينيــــة. ونظــــرا اإىل اأن احلــــزب ي�ســــم جمموعــــة

�سديــــدة التنوع من االأفــــراد، فمن املمكــــن العثور على

اآراء خمتلفــــة داخله. وتتنوع درجة املحافظــــة الدينية بني املجموعات

الفرعيــــة داخل التجمع. وتتاأثر درجة اعتــــدال كل من التجمع اليمني

للإ�ســــلح وجمعيــــة االإ�ســــلح االجتماعــــي اخلريية باملجتمــــع الذي

يعملن ويعي�سان فيه.

ومــــن اجلوانــــب التي يظهــــر فيهــــا التجمــــع اليمني للإ�ســــلح هذا

االعتــــدال هو م�ساركــــة املراأة. فاملــــراأة ممثلة تثيل جيــــدا ن�سبيا يف

اأو�ســــاط القيــــادة العليا حلــــزب االإ�ســــلح؛ حيــــث اإن 20 يف املائة من

اأع�ســـاء جمل�س ال�سورى من الن�ساء، وهو عدد مرتفع يدعو للده�سة يف

جمتمع مثل اليمن.

عـــلوة على ذلك، يتاأثـــر اعتدال التجمع

اليمني للإ�سلح عـــن طريق االأحزاب

ال�سيا�سيـــة االأخـــرى امل�ساركـــة معه يف

حتالف اأحزاب اللقاء امل�سرتك، وتتجه

م�ساريـــع حمـــددة ت�ســـرتك فيهـــا جمعيـــة

االإ�سلح االجتماعي اخلرييـــة اإىل االعتدال بفعل العديد من اجلهات

املانحة الغربية واالأمم املتحدة.

اإن االأعمـــال اخلرييـــة والتنمويـــة التـــي تقوم بهـــا جمعيـــة االإ�سلح

االجتماعي اخلريية ودعمها من هم يف حاجة ما�سة اإىل امل�ساعدة من

ال�ســـكان، ي�ساهم يف خلـــق اال�ستقرار. وعلى الرغم من ذلك، توجد يف

احلقـــل التعليمي اإمكانيـــة اأن تكون املناهج الدرا�سيـــة واملعلمني داخل

املنظمات غـــري احلكومية التابعـــة للتجمع اليمنـــي للإ�سلح �سديدي

املحافظة.

ومـــن املـــربر اأن نتوقـــع تاأثر امل�ستفيديـــن من االأعمـــال اخلريية التي

يقدمهـــا التجمـــع اليمنـــي للإ�سلح بدرجـــة اإتباعهم للتجمـــع اليمني

للإ�سلح واأفـــكاره االأيديولوجية وال�سيا�سيـــة. اإ�سافة اإىل ذلك، يتاأثر

هـــوؤالء امل�ستفيدون من خلل العمل معا يف مهمة مقد�سة واإن�سانية، قد

ينظـــر يف الوقـــت نف�سه على اأنها نوع مـــن الن�ساط الذي

توؤديـــه من اأجـــل تطوير البـــلد واالأمـــة. وت�ستلزم اأية

�سراكة تنموية اإجراء حوار وثيق بني ال�سركاء الغربيني

واملنظمـــات غـــري احلكومية التابعـــة للتجمـــع اليمني

للإ�ســـلح مـــن اأجـــل رعايـــة م�سالـــح كل الطرفني،

ويتعني عدم اإغفال امليول االأيديولوجية للتجمع اليمني

للإ�سلح.

ومع ذلـــك، يعـــد التجمع اليمنـــي للإ�ســـلح �سريكا

مهمـــا يف تطوير املجتمع اليمنـــي، وينبغي عدم جتاهل

قدراته. كذلـــك، ميكن اأن يكون االإ�سلح �سريكا مهما

يف اأيـــة عملية لل�سلم جتري يف اليمـــن؛ بيد اأن قدرته

علـــى االإ�سهام املبا�سر يف �سنع ال�سلم حمل �سك، الأن

روابطـــه القبلية ومنهجـــه االأيديولوجي يجعل احلزب

مثار جدل كبري.

وبالتايل، فاإن تعزيز تعاونه مع املوؤ�س�سات االأخرى ورمبا اإقامة روابط

مـــع املوؤ�س�ســـات ال�سيعية، من ال�سمـــات املهمة. ومن املهـــم اأي�سا عدم

ال�سذاجـــة عند التعاون مع التجمع اليمنـــي للإ�سلح، الذي ي�سم بني

�سفوفـــه عنا�سر متطرفة واأخرى معتدلة، وينبغـــي اأن يدعم اأي تعاون

مـــع اأفراد احلزب املعتدلني فيه. ومـــع ذلك، فاإن اأيديولوجية االإ�سلح

يف حد ذاتها من بني اأكرث نظم االعتقاد اعتداال يف اليمن.

ميكن اأن يكون االإ�ساح

�سريكا مهما يف اأية

عملية لل�سام جتري

يف اليمن؛ بيد اأن

قدرته على االإ�سهام

املبا�سر يف �سنع ال�سام

حمل �سك، الأن روابطه

القبلية ومنهجه

االأيديولوجي يجعل

احلزب مثار جدل كبري

التايل

�سيا�سات

»اإمارة املوؤمنني«

بقلم: منت�رص حمادة

Page 67: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 134 135ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حدود االختلف واإمكانية االتفاق

بيـن االإ�سلميني والنظام املغربــي

�شيا�شـات

»اإمارة املوؤمنني«

ثمة تو�سيحات منهجية ال بد من التوقف عندها بداية، قبل احلديث

عن حــــدود االختلف واإمكانية االتفاق بــــني النظام واالإ�سلميني يف

ال�ساحة املغربية، وتتعلق بطبيعة النظام ال�سيا�سي احلاكم من جهة،

وطبيعة الواقع االإ�سلمي احلركي من جهة ثانية؛

1. ففــــي احلالة االأوىل، نحــــن اإزاء �سلطة زمنية يتداخل فيها البعد

ال�سيا�ســــي بالبعــــد الديني، علــــى اعتبــــار اأن ملك البلد، هــــو اأي�سا

“اأمــــري املوؤمنــــني”، مبا يكر�س واقع “ملكيــــة تنفيذية” )اأي ملكية ت�ســــود وحتكم(، ولي�ــــس “ملكية د�ستورية” )ملكيــــة ت�سود وال حتكم،

كمــــا هو احلــــال يف بريطانيا اأو هولندا اأو اإ�سبانيــــا، على �سبيل املثال

ال احل�ســــر(، ووا�سح اأن هذا النمط من احلكم يكاد يكر�س “ملكية

ذات �سمــــت علماين”، حيث يجتمع فيها البعدين ال�سيا�سي والديني،

وهــــذا ما قــــام بتزكيته وزير االأوقــــاف وال�ســــوؤون االإ�سلمية املغربي،

اأحمــــد التوفيــــق، يف م�ستهل �سل�سلــــة الدرو�س الرم�سانيــــة التي تلقى

اأمــــام ملك البلد، وحتديــــدا يف الدر�س الرم�ســــاين ل�سنة 2004، يف

حما�ســــرة حتت عنــــوان: “تدبري العلقــــة بني ال�سيا�سيــــة والدين”،

عندمــــا اأكد على اأن “مقام اأمري املوؤمنني الديني وال�سيا�سي، مقام ال

ينف�سل يف م�ستواه االأمران، يف اأي عمل من اأعماله، فهو عندما ياأمر

ببنــــاء مدر�ســــة اأو عندما يد�ســــن م�سجدا اأو يخطــــط ملر�سى اأو ي�سيد

ــــز يف عمله بني ما هــــو ديني وما هو �سيا�ســــي، فالتاريخ �ســــدا، ال ميير

والوحي يف اأفقه و�سخ�سه مندجمان”.

جلــــي اإذن اأن تيز ال�سلطة الزمنيــــة املغربية بهذه ال�سفة )تداخل

البعد ال�سيا�سي بالبعد الديني(، �سوف يوؤ�س�س الأهم معامل االختلف

مع احلركات االإ�سلمية، على االأقل يف بدايات تاأ�سي�س هذه احلركات،

قبــــل اأن تتطــــور االأمور اليوم نحــــو حركات تدافع عــــن موؤ�س�سة اإمارة

املوؤمنــــني، وبالتــــايل عن املوؤ�س�ســــة امللكية )منوذج حركــــة “التوحيد

واالإ�ســــلح” التي تعترب مبثابة النواة ال�سلبة واحلليف اال�سرتاتيجي

منت�سر حمادة

[email protected]

منت�سر حمادة باحث من املغرب.

املحــور

حلــــزب “العدالــــة والتنمية” االإ�سلمي(، مقابــــل حركات ت�سكك يف

�سرعية ذات املوؤ�س�سة )منــــوذج جماعة “العدل واالإح�سان”، وتعترب

كربى احلركات االإ�سلمية باملغرب(.

2 . بالن�سبــــة لواقع احلركات االإ�سلميــــة يف ال�ساحة املغربية، فاإنه

موؤ�س�ــــس علــــى تيارين اثنني، ال ينفــــك عن طبيعة علقة هــــذا التيار

ب�سنــــاع القرار، بني حركات واأحزاب اإ�سلميــــة معرتف بها ر�سميا،

مقابل حركات واأحزاب اإ�سلمية غري معرتف بها.

توجد حركة “التوحيد واالإ�سلح” ومعها حزب “العدالة والتنمية”

)معار�ســــة حكومية(، علــــى راأ�س احلــــركات واالأحــــزاب االإ�سلمية

املعــــرتف بها ر�سميا، اإىل جانب حزب “النه�سة والف�سيلة”، ويقوده

قيــــادي �سابــــق بحــــزب “العدالة والتنميــــة”، يف حني توجــــد جماعة

على يا�سني، ال�سلم عبد الكاريزمي واالإح�سان” ب�سيخها “العدل راأ�س احلركات االإ�سلمية غري املعرتف بها ر�سميا، اإىل جانب حزبي

“البديــــل احل�ساري، وحزب “االأمة”، والتيار “ال�سلفي اجلهادي”، اخلارج لتوه منذ منعطف اعتداءات نيويورك ووا�سنطن، من معطف

“ال�سلفيــــة التقليديــــة”(، ومــــع اأن التيار “ال�سلفيــــة العلميــــة” )اأو “ال�سلفــــي العلمي” يرتبط ارتباطــــا مذهبيا وثيقا باململكة العربية ال�سعوديــــة، اإال اأن مــــا ي�سفع له اأمنيا ومذهبيا جتــــاه النظام املغربي،

كونه ي�ستغــــل يف اإطار موؤ�س�سات دينية ر�سمية باملغرب اأو حتت غطاء

جمعيات دينية معرتف بها ر�سميا من طرف ال�سلطات االإدارية.

حدود االختاف يقف موقف االإ�سلميني

املغاربــــة من موؤ�س�ســــة »اإمارة املوؤمنني«، يف مقدمــــة االأ�سباب الباعثة

علــــى االختلف بــــني ال�سلطة الزمنيــــة احلاكمة )املوؤ�س�ســــة امللكية/

اإمــــارة املوؤمنــــني(، وخمتلــــف اأطيــــاف التيــــار االإ�سلمــــي احلركي،

العتبــــار بدهي، مفــــاده اأن عدم االعرتاف ب�سرعية هــــذه املوؤ�س�سة اأو

حتــــى الت�سكيك فيها، يوؤ�س�س بال�سرورة للت�سكيك يف �سرعية ال�سلطة

Ola

f Sch

uelk

e/v

ii

Page 68: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 136 137ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

احلاكمة، وميهد بالتايل لتاأ�ســــي�س �ســــرعية دينية موازية اأو مناف�سة

ملنظومــــة »اإمــــارة املوؤمنني«، وهذا ما ي�ســــدر باخل�سو�س عن ال�سيخ

عبــــد ال�سلم يا�ســــني، مر�ســــد جماعة »العــــدل واالإح�ســــان«، والذي

ا�ستهــــر لــــدى املراقبني والــــراأي العام وقبــــل هوؤالء جميعــــا، النظام،

بتوجيه �سل�سلة ر�سائل ن�سح اإىل ملك البلد، �سواء تعلق االأمر بامللك

الراحــــل احل�ســــن الثاين، الــــذي تو�ســــل بر�سالة �سادمــــة من مر�سد

اجلماعة جاءت حتت عنوان: »االإ�سلم اأو الطوفان«، اأو امللك احلايل

حممــــد ال�ساد�س، الذي ا�ستقبل اأوىل اأيــــام واليته احلكم، بعد رحيل

امللــــك احل�سن الثــــاين، بر�سالة ن�سح من نف�ــــس ال�سيخ، وجاءت هذه

املــــرة حتت عنوان: »اإىل مــــن يهمه االأمر«، حيث الدعــــوة ال�سريحة

اإىل مــــا و�سفه اآنذاك بـ«التوبة العمريــــة«، ن�سبة اإىل اخلليفة عمر بن

عبد العزيز.

مواقــــف مر�سد »العدل واالإح�سان« من النظــــام املغربي، تقف وراء

عــــدم اعرتاف هذا االأخري باجلماعــــة، وتقف وراء �سل�سلة حماكمات

تعر�س لها قياديون يف اجلماعة، ويف مقدمتهم كرمية املر�سد، نادية

يا�ســــني، )ب�سبب اإدالئها بحوار �ســــادم، يف منت�سف 2005، اأكدت يف

ثنايــــاه على اأن »النظام امللكي فا�سل«، واأن املوؤ�س�سة »امللكية ال ت�سلح

للمغــــرب«( وغريهــــا من املحاكمــــات التي ال زال بع�سهــــا قائما حتى

اليوم.

ومل ي�سفــــع للجماعــــة من الت�سدي لهــــذه املحاكمــــات، �سوى تدخل

امل�سوؤولــــني االأمريكيــــني، عرب بوابــــة ال�سفارة االأمريكيــــة يف الرباط،

وهــــذا اأمر معلوم لدى متتبعــــي اأداء االإ�سلميني املغاربة، ولو اأنه غري

معلن عنــــه ر�سميا، با�ستثناء ما ن�سمع عنــــه يف كوالي�س االإ�سلميني،

لــــوال اأن الن�سخة املغربية من ن�سر غ�سيــــل موقع »ويكيليك�س« ال�سهري،

جــــاءت لتوؤكد هذا املعطى املثري، كــــون االإدارة االأمريكية، عرب نافذة

ال�سفــــارة يف الرباط، ج�ســــدت حاجرا اأمام ت�سييــــق النظام املغربي

اخلنــــاق على اأع�ساء جماعة »العدل واالإح�ســــان«، باعتبار اأنها تدين

اللجــــوء اإىل العنــــف وتدعو يف اأدبياتهــــا اإىل »القومــــة« )اأو الثورة يف

ن�سختهــــا االإ�سلميــــة احلركية(، بخــــلف موقــــف ذات ال�سفارة من

تعامــــل النظــــام املغربي مع اأغلــــب االإ�سلميني املح�سوبــــني على تيار

»ال�سلفيــــة اجلهاديــــة«، حيــــث طبقت ال�سفــــارة ال�سمت جتــــاه خيار

»املقاربة االأمنية ال�سارمة« التي كانت عنوان تعامل ال�سلطة مع هذا

التيار.

علــــى �سعيــــد اآخــــر، يقف التعاطــــف العلنــــي لبع�س قيــــادات حزب

»البديــــل احل�ساري« وحزب »االأمة« مع الثورة االإيرانية، و�سدور هذا

التعاطف يف عز حقبة ومقت�سيات م�سروع »ت�سدير الثورة االإ�سلمية

االإيرانيــــة«، وراء تاأخــــر �سدور االعرتاف الر�سمــــي بهذين احلزبني،

ومــــرد ذلك، العلقــــة ال�سيا�سية املتوترة بني الربــــاط وطهران، على

خلفية انخراط القادة االإيرانيني يف ت�سدير امل�سروع اإياه، اإىل درجة

قطــــع العلقــــات الدبلوما�سية بــــني البلديــــن يف مطلــــع اآذار/مار�س

.2009

وتطــــورت االأمــــور نحــــو االأ�ســــواأ لــــدى حزبــــي »البديــــل احل�ساري«

و«االأمــــة«، عندما مت اعتقــــال بع�س قيادات احلزبــــني يف 18 �سباط/

فربايــــر 2008، علــــى هام�ــــس تفكيك خلية و�سفت مــــن طرف و�سائل

االإعلم الر�سميــــة باأنها »اإرهابية«، وتت اإدانة القيادات وحل حزب

»البديــــل احل�ساري« بقرار ا�ستعجايل �سادر عن الوزير االأول عبا�س

الفا�ســــي، مقابل االإبقــــاء على خيار عدم االعــــرتاف بحزب »االأمة«.

واملثــــري اأن الئحة االتهامــــات املوجهة اإىل قيــــادات احلزبني، ترتبط

بــــاأوىل بدايات العمل االإ�سلمــــي احلركي، ومرت عليهــــا عقود، قبل

تدخــــل بع�س �سانعي القرار الإعادة فتــــح ملفات املا�سي، يف �سيناريو

اأمني/�سيا�ســــي ال زال مفتوحــــا علــــى جميــــع االحتمــــاالت، قد يكون

اأبرزهــــا، �سيناريو التدخل امللكي للعفو عن املعتقلني االإ�سلميني، من

كــــرثة ال�سكوك وعلمات اال�ستفهام الكثرية التي حتوم حول الدوافع

احلقيقية الإعادة فتح ملفات قدمية، �سد اإ�سلميني دون �سواهم.

تختلف حالــــة حركة »التوحيد واالإ�ســــلح« وبالتايل حزب »العدالة

والتنمية« مع احلاالت �سالفة الذكر، فاالأمر يتعلق باأول حركة اإ�سلمية

معــــرتف بها ر�سميا مــــن ال�سلطة، بل و�سل »التطبيــــع ال�سيا�سي« بني

النظــــام واحلركة اإىل درجة دعوة رئي�سهــــا ال�سابق، اأحمد الري�سوين

- اأحــــد اأ�سهر القيــــادات االإ�سلمية احلركية يف املغــــرب - اإىل اإلقاء

در�ــــس رم�ســــاين اأمام امللــــك يف كانــــون االأول/دي�سمــــرب 1999، فيما

اعترب حت�سيــــل حا�سل بتعبري املناطقة، فالرجــــل كان يقود احلركة

االإ�سلمية الوحيدة االأكرث دفاعا عن موؤ�س�سة اإمارة املوؤمنني وبالتايل

املوؤ�س�ســــة امللكيــــة، اإ�سافة اإىل قيادتــــه للحركة االإ�سلميــــة الوحيدة

املعرتف بها ر�سميا.

مهــــم جدا اال�ست�سهــــاد ب�سهادة الري�سوين يف املو�ســــوع، الأنها غنية

بالــــدالالت واالإ�سارات: »يف اأحد االأيام من خريــــف 1999، ات�سل بي

م�ســــوؤول رفيع بالق�ســــر امللكي وطلب مني اللقاء، فلمــــا التقينا، ذكر

يل اأنــــه قــــراأ كتابي )نظريــــة املقا�سد عنــــد االإمام ال�ساطبــــي( واأنه

اأعجبه، ثم قال يل اإنه يريد اأن يقرتحني الإلقاء در�س ح�سني بني يدي

جللــــة امللــــك، فرحبت ووافقت فورا، ثم عر�ســــت االأمر على االإخوة

يف املكتــــب التنفيــــذي للحركة فرحبوا وتفاءلوا خــــريا بهذه اخلطوة.

وبعد اأيام جاءتني دعوة كتابية من وزير االأوقاف الدكتور عبد الكبري

العلــــوي املدغري، فاأجبته باملوافقة«، وعبــــد الكبري العلوي املدغري،

هــــو الوزير ال�سابق للأوقاف وال�ســــوؤون االإ�سلمية، ويعترب اأحد اأذرع

النظــــام التــــي �ساهمت يف م�سل�ســــل اإ�سراك االإ�سلميــــني واإدماجهم

يف املوؤ�س�ســــات الدينيــــة الر�سمية )وخا�ســــة وزارة االأوقاف وال�سوؤون

املحــور

االإ�سلميــــة، دار احلديث احل�سنية، املجل�س العلمي االأعلى، املجال�س

العلمية املحلية(، وذلك عرب م�سروع »جامعة ال�سحوة«، وهي �سل�سلة

حما�ســــرات يف ق�سايــــا اإ�سلمية كانــــت ي�ستدعى اإليهــــا العديد من

االإ�سلميــــني امل�سارقة، مع م�ساركة اإ�سلميي ال�ساحة، ويف مقدمتهم

املح�سوبــــون على حركة »التوحيد واالإ�ســــلح«: نحن اإزاء حما�سرات

ظاهرهــــا الدر�س الفقهــــي والنظــــري، وباطنها االإدمــــاج االإ�سلمي

والعملي!

اإمكانية االتفاق من ح�سن حظ الطرفني

معــــا )النظام واالإ�سلميــــني(، اأن اإمكانيات االتفــــاق اأكرث بكثري من

حــــدود االختــــلف، خا�ســــة يف الظرف الزمنــــي الراهــــن، والذي ال

تخرج معاملها عن الئحة من اال�ستحقاقات املرتبطة مبا�سرة ب�سدمة

اعتداءات نيويورك ووا�سنطن.

وبدايــــة، وبا�ستثناء جماعة »العــــدل واالإح�سان«، فــــاإن االإ�سلميني

املغاربة يعرتفون ب�سرعية املوؤ�س�سة امللكية ومبنظومة اإمارة املوؤمنني،

يف �سقهــــا التنفيــــذي: »نحن مع موؤ�س�ســــة ملكية ت�ســــود وحتكم«، كما

اأكــــد على ذلك مــــرارا القيادي عبد االإله بنكــــريان، اأمني عام حزب

»العدالــــة والتنمية«، والرجل القوي يف حركــــة »التوحيد واالإ�سلح«،

واملتحكم يف كل دواليــــب املوؤ�س�سات املتفرعة عن احلركة )»التوحيد

واالإ�سلح«( واحلزب )»العدالة والتنمية«(، من منظمات طلبية اأو

جمعيات ن�سائية، اأو حتى قطاعات نقابية.

ووحدهــــا هذه الت�سريحات، والتــــي ت�سدر اأي�سا عن قيادات حزب

»النه�سة والف�سيلة« )ال ي�سم اإال ع�سوا برملانيا واحدا مقابل 45 نائبا

لدى »العدالة والتنمية«، ولذلك يتم الرتكيز اأكرث على هذا االأخري(،

وحدهــــا هذه الت�سريحات اإذن، توؤ�س�ــــس الآفاق رحبة من االتفاق بني

النظام املغربــــي )املوؤ�س�سة امللكية حتديــــدا(، واالإ�سلميني املغاربة،

�ســــد م�ساريع املناف�ســــني االإيديولوجيني، مــــن ذوي التوجه العلماين

الذي يدعو اإىل حتمية ف�سل الدين عن الدولة، واالنتقال من »وزارة

االأوقــــاف وال�ســــوؤون االإ�سلمية« نحو »وزارة ال�ســــوؤون الدينية«، و�سد

ال�سغــــوط الغربية )االأوروبية على اخل�سو�ــــس(، التي ي�سعب عليها

»تقبــــل« وجود نظام �سيا�سي تتداخل فيه اأبعاد �سيا�سية باأبعاد دينية،

ويوؤ�س�ــــس يف اآن مللكيــــة تنفيذيــــة، ت�ســــود وحتكــــم، وهو و�ســــع ال تردد

قيادات احلركات واالأحزاب االإ�سلمية املغربية يف الدفاع عنه اأثناء

اللقــــاءات احلواريــــة والت�سريحــــات الر�سمية التي يدلــــون بها ملنابر

اإعلمية غربية اأو على هام�س لقاءات مع م�سوؤولني غربيني.

وحتــــى بالن�سبة جلماعة »العــــدل واالإح�سان«، وبالرغم من القلقل

ال�سيا�سية واملذهبية التــــي تثريها للنظام ب�سبب ت�سكيكها يف �سرعية

اإمارة املوؤمنني، فاإن اأغلب املراقبني يرجحون تطور االأمور نحو اجتاه

معاك�ــــس يف مرحلة »ما بعد عبد ال�ســــلم يا�سني« )يبلغ من العمر 82

عاما(، وت�سب بع�س الت�سريبات التي �سدرت عن موقع »ويكيليك�س«

االإ�ساميون

املغاربة يف�سلون

العمل مع ملكية

تنفيذية ت�سود

وحتكم، عو�ض نظام

�سيا�سي جمهوري

اأو ليربايل، تغيب

فيه موؤ�س�سة اإمارة

املوؤمنن، ويوؤ�س�ض

حلكم علماين قد

يع�سف مبجمل

احلركات واالأحزاب

االإ�سامية

ME

Arc

hive

Page 69: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 138 139ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

يف تزكيــــة خيــــار انخراط اجلماعــــة يف العمل ال�سيا�ســــي، على غرار

ال�سبــــق االإ�سلمــــي احلركــــي ال�ســــادر �سلفــــا عــــن حركــــة »التوحيد

واالإ�سلح«/حــــزب »العدالة والتنمية«، حيث اأكدت هذه الت�سريبات،

اأن فتح اهلل اأر�سلن، الناطق الر�سمي

با�سم اجلماعة، اأكد يف لقاء له مبقر

اإقامتــــه مــــع م�سوؤولــــني يف ال�سفــــارة

االأمريكيــــة اإن جماعتــــه »طلبت �سنة

1981 مــــن احلكومــــة املغربية التحول

اإىل حــــزب �سيا�سي، لكــــن ال�سلطات

املغربية رف�ست ذلــــك«. )يف تعليقها

علــــى مواقــــف الناطق الر�ســــم با�سم

اأبــــرز حركة اإ�سلمية مغربيــــة، قالت ال�سفــــارة االأمريكية، اإن »قبول

اجلماعــــة بالنظــــام امللكــــي، وحتولهــــا اإىل حــــزب �سيا�ســــي معرتف

بــــه قانونيا، �سيزيد مــــن اال�ستقــــرار يف املغرب، لكنــــه �سيقوي تاأثري

ال�سيا�سيــــة احليــــاة يف االإ�سلميــــني

املغربية«(.

جمــــرد اإن وح�ســــب، هــــذا لي�ــــس

يف ال�سيا�سيــــة« »الدائــــرة تاأ�سي�ــــس

الدائــــرة مــــع باملــــوازاة اجلماعــــة،

والن�سائيــــة واحلقوقيــــة الدعويــــة

والطلبية.. اإلخ، ميهد يف مرحلة »ما

بعد عبــــد ال�سلم يا�ســــني«، لتاأ�سي�س

حــــزب �سيا�سي اإ�سلمــــي، للنخراط

فيما بعد، مع باقــــي اإ�سلميي ال�ساحة، يف االنقياد لبع�س مقت�سيات

االتفــــاق اأو التعاون مع النظام، ويبقــــى االتفاق ال�سارم حول املوقف

مــــن التيــــارات العلمانية يف الداخل واخلــــارج، اأوىل اأوليات التحالف

بــــني االفرتا�ســــي( )اأو املرتقــــب

فالنظــــام واالإ�سلميــــني: النظــــام

يوؤ�س�ــــس �سرعيته ال�سيا�سية كما �سلف

الذكر، علــــى �سرعية دينيــــة موازية،

بــــل اإنها تعتــــرب امليزة االأبــــرز لنظام

عربــــي اإ�سلمــــي اإذا عقدنا مقارنات

عاجلــــة مــــع باقــــي اأ�س�ــــس ال�سرعيــــة

ال�سيا�سية لدى اأغلب االأنظمة العربية

واالإ�سلمية، من ال�سنغال اإىل �سلطنة

بروناي.

اأمــــا االإ�سلميــــون، وكمــــا جــــاءت ذلــــك يف العديد مــــن احلوارات

واالإقــــرارات الكوالي�سيــــة والر�سمية يف اآن، فاإنهــــم يف�سلون العمل يف

ظــــل نظــــام �سيا�سي/دينــــي من هذه الطينــــة )ملكيــــة تنفيذية ت�سود

وحتكــــم(، عو�ــــس نظــــام �سيا�ســــي جمهــــوري اأو ليــــربايل، تغيب فيه

موؤ�س�ســــة اإمارة املوؤمنني، ويوؤ�س�س حلكــــم علماين قد يع�سف مبجمل

احلركات واالأحزاب االإ�سلميــــة، ويف اأح�سن االأحوال، يتبنى مقاربة

اأمنيــــة �سارمة �سد خمتلف التيارات االإ�سلمية، بال�سيغة التي نطلع

عليها جليا يف بع�س النماذج العربية.

ومن ح�سن �ســــدف، لدى النظام بالتحديــــد، اأن �سدمة اعتداءات

الدار البي�ساء، يف 16 اأيار/مايو 2003، تقف وراء نوع من ال�سراع على

اإمــــارة املوؤمنني بني التيارين االإ�سلمــــي احلركي والعلماين احلداثي

يف املغرب، حيــــث اإنه قبل منعطف هذه االعتداءات االإرهابية، كانت

العديــــد من االأ�سوات العلمانية تدعو اإىل حتمية تبني منوذج علماين

يف احلكــــم، ال علقة لــــه مبنظومة »اإمارة املوؤمنــــني«، اأو االإبقاء على

ذات املنظومــــة، �سرط االنتقال اإىل مرتبة/منــــوذج »ملكية د�ستورية

ت�سود وال حتكم«، وكذلك احلــــال مع بع�س التيارات االإ�سلمية )ويف

مقدمتهــــا جماعة »العدل واالإح�سان« بالطبع(، لوال اأن االأمور انقلبت

راأ�سا على عقب مبا�سرة بعد اعتداءات الدار البي�ساء، حيث اأ�سبحت

نف�س االأقلم امل�سككة باالأم�س يف �سرعية واأدوار »اإمارة املوؤمنني«، من

اأ�سد االأقلم املدافعة عن املوؤ�س�سة، الأغرا�س اإيديولوجية للمفارقة:

»اإمــــارة عــــن تدافــــع اأ�سبحــــت العلمانيــــة االأقلم/التيــــارات -

املوؤمنني« �سدا علــــى اإ�سرار االإ�سلميني ال�سهري بخ�سو�س جلوءهم

املــــوؤرق الحتكار النطــــق با�سم االإ�سلم، بدليــــل احلديث عن اأحزاب

�سيا�سيــــة اإ�سلمية، )بالن�سبة حلالتي »العدالــــة والتنمية« و«النه�سة

والف�سيلة«(؛

- يف حني دافعت وتدافع االأقلم/التيارات االإ�سلمية عن املوؤ�س�سة

�سدا على االأطماع القدمية للتيــــار العلماين بخ�سو�س حتمية ف�سل

الديــــن عــــن الدولة يف املغــــرب، والتاأ�سي�س مللكيــــة د�ستورية ت�سود وال

حتكــــم، وهذا م�ســــروع يثري الرعب لدى جميــــع االإ�سلميني املغاربة،

مــــن دون ا�ستثنــــاء، ويقــــف لوحــــده - �سمــــن عوامــــل اأخــــرى - وراء

االنتقــــال التدريجــــي الأغلب هــــوؤالء نحو العمــــل يف اإطــــار املوؤ�س�سات

الدينيــــة الر�سمية )ينطبق االأمر للمفارقــــة، حتى على قيادات وازنة

يف جماعة »العــــدل واالإح�سان«، من الذين مت اإدماجهم يف موؤ�س�سات

دينية ر�سمية، بالرغم من اأن اجلماعة غري معرتف بها ر�سميا، حتى

اأن ب�ســــع هوؤالء، يحتلون مواقع وازنة يف الــــوزارة الو�سية على ال�ساأن

الديني: االأوقاف وال�سوؤون االإ�سلمية(.

بالنتيجة، نحن اإزاء فورة يف العوامل واملقدمات التي تغلرب �سيناريو

االتفاق بــــني النظام املغربي واالإ�سلميني، علــــى �سيناريو االختلف

واالحرتاب الذي ال يخدم م�ساحلهما معا.

عبداالإله بنكريان

اأحمد الري�سوين

عبدال�سلم يا�سني

املحــور

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�شاد

حممد غالب ال�سرعبي

�شدر حديثا

يف �شل�شلة درا�شات اجتماعية

Page 70: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 140 141ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

وقبــــل تاأ�سي�ــــس ال�سبيبة االإ�سلميــــة عــــام 1972، كان منا�سلوها قد

ت�سربــــوا الرتبية الدينية والدعوية من هــــذه اجلمعيات يف حني تلقاها

اآخرون من درو�س تقــــي الدين الهليل يف خطبه يوم اجلمعة ودرو�سه

بعد �سلة الفجر يف مكنا�س الدار البي�ساء، وكذا درو�س بع�س امل�سايخ

ال�سلفيني ال�سعوديــــني وال�سودانيني، مما �ساهــــم يف تزويدهم بر�سيد

مهم من الثقافة ال�سرعية ال�سلفية.

وبعــــد تاأ�سي�س ال�سبيبــــة كان لل�سيــــخ حممد زحل االأثــــر الكبري على

ال�سبيبــــة االإ�سلميــــة وكذلك ال�سيــــخ الزبري، اإذ كان اأع�ســــاء ال�سبيبة

يح�سرون درو�سهم املطبوعة بال�سلفية كما كان ال�سيخ الوهابي اأبو بكر

اجلزائري يزورهم يف رم�ســــان، ومن ثم كون اأع�ساء ال�سبيبة ر�سيدا

اأ�سا�سيــــا يف فهــــم الدين وفقه االلتــــزام به. كان اأ�سا�ــــس هذه الدرو�س

مناه�ســــة البدعــــة والدعــــوة اإىل ال�سنة ال�سحيحة كمــــا درو�س حممد

االأمــــني بوخبــــزة ال�سلفي العقيدة التــــي تعلم االلتزام بال�سنــــة، واأي�سا

ح�سن النتيفي بالدار البي�ساء وال�سيخ الزبري. كما تردد اإ�سلميون يف

طنجة على الفقيه حممد الزمزمي ثم حممد اجلردي يف ذات املدينة،

وكانــــت حم�سلة الدرو�س حماربة التديــــن التقليدي وما يرتبط به من

�سركيــــات وبــــدع وخمالفات عقائديــــة كاالإميــــان باالأ�سرحة وحت�سني

�سبــــاب ال�سبيبــــة �سد الفكــــر ال�سيعي الــــذي ازدهر بعد جنــــاح الثورة

االإيرانية.

بفعــــل الثقافــــة ال�سلفية اجلديــــدة، غــــادر بع�س هوؤالء ممــــن كانوا

يــــرتددون بحكــــم تاأثــــري االأهــــل وال�سغر يف ال�ســــن ما داأبــــوا عليه من

زيارة الزوايا واأوليــــاء الت�سوف، بعدما كانوا يعجبون برتانيم االأذكار

والدعــــوات. فقــــد راأى ال�سبــــاب االإ�سلمــــي يف كل ذلــــك “�سركيات”

تخالف العقيــــدة ال�سحيحة. اأمــــا بع�س االإ�سلميــــني االآخرين الذين

العمق ال�شلفي للحركة

الإ�شالمية يف املـغربعبد احلكيم اأبو اللوز

[email protected]

عبد احلكيم اأبو اللوز باحث يف املركز املغربي يف العلوم االجتماعية، الدار البي�ساء.

كان اأ�ل عمل اإ�سالمي قانوين باملغرب �سلفي العقيدة، �قد مثله علمني اإ�سالميني، الأ�ل هو

علـــي الري�ســـوين رئي�س جمعية الدعوة ب�سف�ســـا�ن �الذي تاأثر يف ذلـــك بطريقة عبد الرحيم

الوكيـــل رئي�س جمعية اأن�ســـار ال�ســـنة املحمدية مب�ســـر بالن�ســـبة جلمعية الدعـــوة. �الدكتور

اإ�ســـماعيل اخلطيـــب من خـــالل رئي�س جمعية البعث بتطوان الذي ت�ســـرب العقائد ال�ســـلفية

من خالل درا�ســـته باملدينة املنورة. �كان يز�ر اجلمعيتني �ســـيوخ الدعوة ال�ســـلفية املعر�فني

مثل ال�ســـيخ مفتي زاده �حممود ال�ســـواف �الألباين، فكانت هاتان اجلمعيتان �غريهما ذات

طابع �سلفي �ا�سح تنا�سل �سد البدع �النحرافات العقائدية �ال�سوفية.

العمق ال�شلفي

املحــورr

afa l

lano

/Flic

kr

Page 71: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 142 143ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

كانــــوا ينتمون اإىل جماعة التبليــــغ والدعوة فكانوا يت�سورون اأن ال فرق

بني عقائد التبليغ وبني ال�سلفية، فكانوا يقومون بتنظيم معر�س للكتب

يحوي الكتــــب اجلديــــدة ذات ال�سلة باحلركــــة االإ�سلميــــة واأدبياتها

العقائدية، لكن جماعة التبليغ مل تكن تتحمل تعدد الوالءات فلم ي�سرب

تابعوهــــا على احللقــــات الرتبوية التي كان يعقدها هــــوؤالء يف امل�ساجد

التابعــــة للجماعة، وفقــــدوا قدرتهم على حتمل هــــذه اللقاءات فطلبت

منهــــم اجلماعة مغادرة هــــذه امل�ساجد، واأ�سبحت اللقــــاءات تعقد يف

البيــــوت والثانوية واملكتبة العموميــــة ودار ال�سباب. وهنا ن�سجت فكرة

تاأ�سي�ــــس اجلمعية االإ�سلمية بالق�سر الكبري التــــي تاأ�س�ست فعل عام

1976، ومل تكن لها اأي علقة وقتئذ بال�سبيبة.

ومع تاأ�سي�س ال�سبيبة االإ�سلمية عام 1992 كذلك، بداأ االنفتاح على

الكتابــــات احلركية االإ�سلميــــة خ�سو�سا كتابــــات �سيد قطب وحممد

قطــــب ورم�ســــان البوطي و�سعيــــد حوى وفتحــــي يكن وكتيبــــات حزب

التحرير مما �ساهم يف تقوية االإميان بالدور الثوري الذي يلعبه الدين

رت كتابات عبد اهلل العــــروي وحممد عابد اجلابري ور يف التغيــــري، و�س

ككتب حماربة للإ�سلم. واملح�سلة اأن تعدد املرجعيات اأ�سبح ي�ساهم

بقوة يف تكوين مرجعية مزدوجة �سرعية وحركية ت�سبعت بهما ال�سبيبة

االإ�سلمية.

واإذا كانــــت املواعــــظ ال�سرعيــــة تلقن اأثنــــاء ح�سور درو�ــــس امل�سايخ

الذيــــن ذكرناهم �سابقا، كانت ال�سبيبة توزع من�سورات احلركة لتوؤطر

بها عنا�سرها يف جمال�سها الرتبوية. كما مل يفت قادة ال�سبيبة حتفيز

لون على التعليم ال�سرعي وحــــده، اإذ كان احلركيون ومنهم الذيــــن يقبم

عبــــد االإله بن كــــريان يتدخلون كثــــريا لتنبيه من اأغرقــــوا اأنف�سهم يف

ر واأنه حت�سيــــل الثقافــــة ال�سرعية بــــاأن العمل الفردي ال ميكــــن اأن يثمم

ال بــــد مــــن حركة وعمل منظــــم. وقد ا�ستجــــاب اأغلب هــــوؤالء متاأثرين

بقراءاتهــــم ال�سابقة الأبجديــــات العمل احلركي املنظــــم والنظر له يف

كتابــــات �سيد قطــــب و�سعيد حوى وفتحي يكــــن، واملبثوث عرب املجلت

امل�سرقية كمجلــــة “ال�سهاب” اللبنانية وجملــــة “التجمع” و”البلغ”

الكويتيتني، واأي�سا اأ�سرطة عبد احلميد ك�سك.

وب�سكل عام، ميكن القول اإن احلركة االإ�سلمية املغربية قد ن�ساأت يف

ال�سبعينيات وهي حاملة للمعتقــــد ال�سلفي. مل تكن احلركة االإ�سلمية

باملغــــرب من ثمار االإ�ســــلم املحلي، بل مل يكن لهــــذا االإ�سلم اأي دور

يف ن�ساأتهــــا )ال�سوفية، عبادة االأوليــــاء(، اإذ كانت انعكا�سا الأثر الفكر

االإ�سلحــــي بامل�سرق ومنــــه الفكر ال�سلفــــي. كانت درو�ــــس تقي الدين

الهليل االإ�سلحية واأمثاله من علماء ال�سلفية باملغرب، مغذية للوعي

الديني احلركي الــــذي انطلق فيما بعد يف �سورة حديثة تاما كحركة

ال�سبيبــــة االإ�سلميــــة وغريها، فــــكان قادة احلركــــة االإ�سلمية اآنذاك

واملوؤطريــــن لهــــا على امل�ستويني الفكــــري والت�سوري )زحــــل، القا�سي

برهون، علل العمراين( تلمذة لل�سيخ الهليل.

فمنــــذ تاأ�سي�س ال�سبيبة االإ�سلمية �سنــــة 1972، كانت تلك املجموعة

تتلقى العقيدة من خلل الدرو�س التي كان يلقيها الهليل يف كل زيارة

له اإىل الدار البي�ساء، وذلك يف م�ساجد متفرقة. يقول زحل يف �سهادته

حول هــــذه الفرتة: »عند بدايــــة ال�سبيبة االإ�سلميــــة حر�سنا اأن تكون

النبتة طبية ومتميزة يف �سلوكها ومعتقدها، حتى اإن التقيد باملذهب ال

نعريه اأي اهتمام يف مناهجنا ودرو�سنا الرتبوية، وال ناأبه باأقوال االأئمة

اإذا تعار�ســــت مــــع هذه االأدلة. كمــــا اأن البناء العقــــدي الذي اعتمدناه

يف اجلماعــــة كان ياأخــــذ من كتــــب العقيدة ال�سحيحــــة ومنها: »كتاب

التوحيد« لل�سيخ االإمــــام حممد بن عبد الوهاب، و«العقيدة الطحاوية«

ور�سائل �سيخ االإ�سلم ابن تيمية كالوا�سطية.. واأذكر اأنني التقيت مرة

الدكتــــور تقي الدين الهليل اأثناء زيارتــــي له مبكنا�س وال�سبيبة بارزة

اآنذاك، ف�ساألني عن عقيدتنا فاأخربته مب�سادرنا ومعتمدنا يف العقيد

فقال يل، جزاكم اهلل خريا«.

ن�ساأت احلركة االإ�سلمية اإذن وهي حاملة للفكر ال�سلفي، ومنقطعة

ال�سلــــة برتاث االإ�سلم املحلي. وقد تعمقت �سلفية هذه احلركة حينما

بداأت اأطر ال�سبيبة تتجه اإىل ال�سعودية من اأجل الدرا�سة، والتي بداأت

بعــــد رجوعها يف تدري�س العقيدة يف املقــــرات ال�سرية واخلليا التابعة

للحركــــة. وا�ستمــــر احلال علــــى هذا النحــــو حتى هروب القيــــادة اإىل

اخلارج. يقول زحل: »كان املنهج نبتة طيبة مل يف�سده اإال

التوجه ال�سيا�سي لعبــــد الكرمي مطيع.. فوقع بعد حادثة

اغتيــــال بنجلــــون خلط كبري، فاآثر التيــــار الدعوي داخل

ال�سبيبــــة التوقف اإىل حني واختــــار العمل الدعوي احلر،

مــــن دون اأن يح�سبوا علــــى التنظيمات التــــي تكونت بعد

انحلل ال�سبيبة«.

علــــى العموم فقد �سمحت الرتبية الدينية التــــي تلقاها اجليل االأول

مــــن االإ�سلميني، وتدربهم علــــى قراءة املتــــون االإيديولوجية للإخوان

امل�سلمــــني، يف اأن يكــــون لديهم تعاطف مع ال�سبيبة ومــــع عموم الفكرة

االإ�سلمية. وقد كانت االنتماءات الدينية ال�سابقة )التبليغ وال�سوفية(

هــــي املــــلذ الوحيد الــــذي كان متوفرا لهــــوؤالء يف فــــرتة ال�سبا بحكم

العائلــــة واملن�ساأ، قبل اأن يختاروا احلــــل االإ�سلمي يف جانبية ال�سرعي

واحلركي عن وعي كامل.

اإن ت�سبــــع االإ�سلميــــني املغاربــــة باملعتقــــد ال�سلفــــي اأدى اإىل نوع من

التمايز لــــدى احلركة االإ�سلميــــة املغربية، وهو لي�س تايــــزا �سيا�سيا

اأو اجتماعيــــا اأو حركيــــا، بل هو تايز عقائــــدي. بحيث ميكن احلديث

عــــن وجود ن�سبي الجتاه غالب ي�سم غالبية التيار االإ�سلمي يف املغرب

التيار ال�ســلفي ال ينح�ســر يف اجلماعات التي حتمل لوائه

و�سعاره، ولكنه يدخل يف الرتكيب الع�سوي لكل اجلماعات

والتنظيمات التي تتنازع ال�ساحة الدعوية عموما

املحــور

وهــــو االجتاه ال�سلفــــي يف العقائد. لقد كانت درو�ــــس ال�سيوخ ال�سلفيني

م�سلــــكا تعليميا نهل منــــه االإ�سلميون املغاربة ثقافــــة عقائدية �سلفية،

ليتم االنتقال اإىل ال�سبيبة اأو اإىل اأ�سر اجلماعة اليا�سينية، والتي كانت

م�سلــــكا اآخر موازيا نهلوا منه ثقافتهم ال�سيا�سية، كما مكنهم ن�سالهم

اليومــــي يف اجلامعــــة ويف ال�سارع مــــن التاأدلج االإ�سلمــــي ومن الت�سبع

بالوعي احلركي.

وب�سبــــب االرتياد املبكر من العقيدة ال�سلفية، نخل�س اإىل القول باأن

التيــــار ال�سلفــــي ال ينح�سر يف اجلماعــــات التي حتمل لوائــــه و�سعاره،

ولكنــــه يدخل يف الرتكيــــب الع�سوي لكل اجلماعــــات والتنظيمات التي

تتنازع ال�ساحة الدعوية عموما. فعلى �سبيل املثال، فاإن عامة االأع�ساء

يف التوحيد واالإ�سلح مثل ال يعرفون غري العقيدة ال�سلفية، وال يدينون

اإال بهــــا، بل اإن اأكــــرث االأتباع يف جماعة العــــدل واالإح�سان ال يدينون اإال

بالعقيدة ال�سلفية، واإن اأكــــرث الذين ان�سموا اإىل يا�سني وان�سووا حتت

لوائه كانوا مــــن فلول ال�سبيبة االإ�سلمية ومــــن ال�سلفيني، وقد رغبهم

يف ذلــــك النهج ال�سيا�ســــي ليا�سني ومواقفه املعار�ســــة وح�سانته جتاه

امل�ساومات.

لكن اخلطــــاب االإ�سلمي املغربي �سجل تايــــزات مهمة مقارنة مع

املذهبية ال�سلفيــــة الراديكالية كما يروج لهــــا يف امل�سرق العربي، ومن

ذلك: تراجع حدة الرف�ــــس الفكري للتقاليد املذهبية والعقائدية التي

تقــــوم على وجود الو�سائــــط بني اخلالق واملخلوق، وحتــــري الت�سدد يف

اجلزئيــــات على الرغم من ا�ستمرار مظاهــــر التقوى والتوكل والذكر،

واالن�سراف عن التعر�س بالنقد للمذهبية وال�سوفية واإعلن اعتماد

املذهــــب املالكــــي، واالنقطاع جملة عــــن التعر�ــــس لل�سوفية، واحرتام

العــــادات الدينيــــة يف االحتفــــال باملوا�ســــم واالأعياد وح�ســــن توظيفها،

وتخفيف التوتر اإىل اأق�سى حد جتاه بع�س البدع يف التو�سل والزيارات

واملمار�ســــات الطرقية واعتبارها جزئيــــات ال ت�ستاأهل احلرب �سدها،

حتــــى اإن عددا من ال�سوفيــــة دخلوا يف احلركــــة االإ�سلمية واأ�سبحوا

اأ�سدقاء لها.

فعلى الرغــــم من ا�ستمرار االقتناع

باملعتقد ال�سلفي، فقد اأعاد الن�سطاء

االإ�سلميون املغاربــــة النظر تدريجيا يف

مــــا غلب على هــــذا املنهج من �سرامة و�سكلنية ونظــــر جزئي اأحيانا،

واقتنعــــوا باأن هذا التوجه ال يرقى اإىل النظــــرة ال�سمولية وال ميكن اأن

يتفاعل مع بيئــــة مغربية وريثة تقليد مالكي اأ�سعري �سويف. فاقت�سروا

منــــه اجلوانــــب العقدية، مبا تت�ســــم به من �سفاء بعيــــدا عن التخريف

واجلدل الكلمي على جانب منهــــج التحقيق احلديثي يف تناول االآثار

االإ�سلميــــة. لكنهــــم مع ذلك وا�سلــــوا الدفاع عن احلــــركات ال�سلفية،

خ�سو�سا تلك تقرتب منهم اأيديولوجيا وتنظيميا.

علــى الرغم من ا�ســتمرار االقتنــاع باملعتقد

ال�ســلفي، فقــد اأعاد الن�ســطاء االإ�ســاميون

املغاربة النظر تدريجيا يف ما غلب على هذا

املنهــج من �ســرامة و�ســكانية ونظــر جزئي

اأحيانــا، واقتنعوا بــاأن هذا التوجه ال يرقى

اإىل النظرة ال�ســمولية وال ميكن اأن يتفاعل

مع بيئة مغربية وريثة تقليد مالكي اأ�سعري

�سويف

ME

Arc

hiv

E

التايل

ال�سلفيون اجلهاديون

يف موريتانيا

بقلم: مراد بطل ال�سي�ساين

Page 72: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 144 145ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

مراد بطل ال�سي�ساين حملل متخ�س�س يف �سوؤون اجلماعات االإ�سلمية- لندن.

�شراع دويل وتو�شع اإقليمي وعجز حملي

ال�شلفيون اجلهاديون

يف موريتانيا

مراد بطل ال�سي�ساين

[email protected]

ارتبـــط تطـــور االأيديولوجيـــة ال�سلفية-اجلهاديـــة يف موريتانيـــا، وبـــروز

التيار فيه بتطورها يف اجلزائـــر املجاورة والتي برز فيها التيار ال�سلفي-

اجلهـــادي مبكرا منذ بدايـــة الت�سعينيات. ومل ت�سهـــد موريتانيا زخما يف

بروز اجلهاديني، اإال مع حتول التيار ال�سلفي-اجلهادي يف اجلزائر لتبني

اأجنـــدة اإقليمية اأو�سع �سملت دول ال�ساحل جنـــوب ال�سحراء، وموريتانيا

كانت يف القلب من هذه اال�سرتاتيجية اجلديدة.

املحــور

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 144 ا�سرتاتيجية

I. ال�سياق ولعل فهم هذا التطور ي�ستدعـــي فهمـــا لتطور تاريخ اجلهاديـــني، اأو التيـــار ال�سلفي-اجلهادي

يف اجلزائـــر، حيث مر مبراحل ثلثة، بـــداأت االأوىل ما بني 1989 وحتى

1994، وهي مرحلة »اجلماعـــة االإ�سلمية امل�سلحة«، والتي تعرف با�سم

االأحـــرف االأوىل من ا�سمها باللغـــة الفرن�سيـــة GIA، وكانت تعبريا عن

جتمع ملجموعـــات من العائدين من اأفغان�ستان الذيـــن بداأوا العمل منذ

عـــام 1991 ب�سن هجمات متنوعـــة، ومن ثم توحدوا حتت ا�سم اجلماعة

عـــام 1992، وقـــد �سيطـــرت اجلماعة علـــى امل�سهد يف اجلزائـــر وتولت

“احلركـــة اجلهاديـــة فيها”. وقد ا�ستطاعت بحكـــم عملياتها العنيفة والدمويـــة، اأن تت�سيد امل�سهد، وكانت لها فتـــاوى ت�سدر لها من عوا�سم

غربية خا�سة لندن، كما اأن من�سوراتها كانت ت�سدر من هناك، وهو ما

دفع املجموعات االإ�سلمية يف العام 1994 اإىل التوحد حتت ا�سمها، على

الرغـــم من اأن جماعـــات - خا�سة االإنقاذ - تن�سلت من ذلك، اإىل اأنها

البداية لذوبان تلـــك املجموعات ل�سالح “اجلماعة االإ�سلمية امل�سلحة

يف اجلزائر”.

لهـــم واالن�سقاقات يف وقـــد تـــوىل اأ�سخا�س عـــدة قيادة اجلماعـــة، وتبد

اجلماعـــة اأذنت ببدء املرحلة الثانية من تطور التيار ال�سلفي-اجلهادي

يف اجلزائـــر، والتي كانت تره�ـــس با�ستيعاب االإيديولوجيـــة ال�سلفية-

اجلهاديـــة، وهي مرحلة تاأ�سي�س “اجلماعـــة ال�سلفية للدعوة والقتال”،

والتـــي جاءت ان�سقاقا عن الغلو يف اأ�ساليب قائد اجلماعة جمال زيتوين

باأنه قتل على يد رفاقه-، وعنرت زوابري، الذي ورث جماعة – ي�ســـك تعـــاين العديد من االن�سقاقات وفقدت دعمهـــا من اخلارج، عام 1997،

وهـــو نف�سه تبنى �سيا�سات �سلفـــه، بارتكاب عمليات دموية �سد مدنيني،

ممـــا و�سع دائرة االن�سقاق يف اجلماعة، حتى ان�سق عنها ح�سان حطاب

الـــذي اأ�س�ـــس “اجلماعة ال�سلفية للدعـــوة والقتال”، وبقـــي على راأ�سها

حتـــى عـــام 2003، وا�ستقال ثم تراجع عن اأفـــكاره القتالية، وان�سم اإىل

فكـــرة العفو عن امل�سلحني التـــي طرحها الرئي�س اجلزائري عبد العزيز

بوتفليقة.

وبعـــد ا�ستقالـــة حطـــاب اختـــار “جمل�ـــس االأعيـــان” باجلماعـــة، نبيل

�سحـــراوي املدعو م�سطفى اأبو اإبراهيم قائدا جديدا، وبداأت اجلماعة

ترتبـــط �سيئا ف�سيئا مع اأجندة تنظيـــم “القاعدة” الدولية، وتف�سرياته

الفقهيـــة. وبعـــد مقتـــل �سحـــراوي عـــام 2004، عـــني خريـــج الكيمياء،

عبـــد امللك دروكدال املعـــروف باأبي م�سعب عبد الـــودود زعيما جديدا

للجماعـــة، الـــذي ما لبـــث بعد ما يزيد عـــن العامني بقليـــل، ويف خطوة

145 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 73: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 146 147ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

متوقعـــة مـــن املتابعـــني، اأن غـــري ا�ســـم اجلماعـــة، ليعلن عـــن تاأ�سي�س

“القاعـــدة يف بلد املغرب االإ�سلمي”، ويقدم الوالء الأ�سامة بن الدن، واالأهـــم طـــراأ تغري على ا�سرتاجتيـــات اجلماعة، لتكـــون املرحلة الثالثة

يف تطـــورات اجلهاديني باجلزائر ويتبنى اأجنـــدة اإقليمية ودولية اأو�سع،

تت�سق وروؤى القاعدة اجليوبوليتيكية، وانطلقا من اجلزائر باتت حركة

اإقليمية ميتد ن�ساطها لي�س اإىل دول اجلوار فح�سب بل اإىل دول ال�ساحل

جنـــوب ال�سحـــراء، وهنا بـــداأ دور ال�سلفيون-اجلهاديـــون يف موريتانيا

بالربوز.

موريتانيا: اخللفية التاريخية منذ تبني .II»القاعـــدة يف بلد املغرب االإ�سلمي« �سيا�سة التو�سع االإقليمي، تزايدت

اأن�سطة التيـــار ال�سلفي-اجلهـــادي يف موريتانيـــا، ودول ال�ساحل جنوب

ال�سحـــراء، ب�سكل ملحوظ خلل العامني املا�سيني، ب�سكل يدلل على اأن

اجلماعات التابعة لتنظيم القاعدة اأ�سبحت اأكرث فعالية يف تلك الدول،

كما اأن وترية الهجمات وطبيعة االأ�ساليب امل�ستخدمة ت�سري اإىل اأن عدد

امل�سلحني ال�سلفيني-اجلهاديني يف موريتانيا اآخذ يف االزدياد.

ومع بروز النزوع التو�سعي للتنظيم يف دول ال�ساحل وجنوب ال�سحراء،

فقـــد تبنى عمليات يف موريتانيـــا، ويف النيجر، واأ�سارت تقارير عدة اإىل

وجـــود مع�سكرات تدريب للتنظيم يف مايل. واالأهـــم اأ�سارت تقارير اإىل

اأن قيادات �سلفية-جهادية حمليـــة من تلك الدول، وحتديدا موريتانيا،

تدربت يف مع�سكرات تدريب �سلفية-جهادية يف اجلزائر.

يف اآذار/مار�ـــس 2010 اأ�سدرت »موؤ�س�سة االأندل�ـــس للإنتاج االإعلمي«،

وهـــي الذراع االإعلمي لـ »القاعدة يف بلد املغرب االإ�سلمي«، ت�سجيل

م�ســـورا الأبي عبيدة يو�سف، اأحد قيادات التنظيم، بعنوان »خطاب اإىل

�سعوب وحكام منطقة ال�ساحل وجنوب ال�سحراء«، حذر فيه تلك الدول

مـــن »االن�سمام للجزائر ودول غربية مثـــل الواليات املتحدة وفرن�سا يف

حربهـــا �سد تنظيم القاعدة«. وقال يو�ســـف اإنه مل يكن هدف »القاعدة

يف املغـــرب االإ�سلمي« جر دول ال�ساحل اإىل �ساحة املعركة، »الأنها كانت

ت�ستهدف فقط ال�سليبيـــني وم�ساحلهم يف تلك البلدان«. وذكر يو�سف

اأن »بع�ـــس احلوادث املحـــدودة« التي وقعت يف وقـــت �سابق �سد جيو�س

دول ال�ساحل كانت دفاعا عن النف�س.

III. العامــل اجليوبوليتيكــي موريتانيـــا،

وبحكم تراميها اجلغرايف، وامل�ساكل االقت�سادية-ال�سيا�سية التي تعاين

منها، ك�سعف احلكومة املوريتانية ووجود اأكرث من مليون كيلومرت مربع

مـــن االأرا�ســـي ال�سحراوية غري خا�سعـــة للحكومة، باتـــت بيئة جاذبة

لل�سلفيني-اجلهاديـــني، فاأول ظهور للحـــركات ال�سلفية-اجلهادية فيها

يعود اإىل منت�ســـف الت�سعينيات، عندما اأعلنـــت ال�سلطات القب�س على

اأع�ســـاء يف منظمـــات جهادية عدة، مثل لواء م�سعـــب بن عمري وجي�س

حممـــد، وجهاد. يف وقت الحق، ظهر اأكرث احلركات ال�سلفية-اجلهادية

تنظيمـــا يف موريتانيـــا، واأي�ســـا ارتباطـــا بتنظيم القاعـــدة، حتت ا�سم

»املرابطـــون«، ومن ثـــم مت تغيـــريه اإىل »اجلماعـــة املوريتانيـــة ال�سلفية

للدعوة والقتال«، وذلك يف العام 2000.

هـــذه املجموعة، وكما يوحـــي اال�سم، ا�ستنـــدت على �سبـــان موريتانيني

تدربوا يف مع�سكـــرات »اجلماعة ال�سلفية للدعـــوة والقتال« اجلزائرية،

ب�سكل يوؤكد التحول يف اأجندة اجلهاديني يف اجلزائر، منذ تويل حطاب

وان�سقاقـــه عن »اجلماعة االإ�سلمية امل�سلحة«. ويف اأعقاب ذلك، اأ�سبح

ال�سلفيون-اجلهاديـــون يف موريتانيا اأكـــرث تنظيما، ويف عام 2005 �سنوا

هجمـــات على قاعدة للجي�س يف ملغيطـــي �سمال البلد التي قتل فيها 15

جنديا.

ويف عـــام 2007، بداأ ال�سلفيون-اجلهاديـــون يف موريتانيا تنفيذ هجمات

اأكـــرث تطـــورا، مثل قتل اأربعة �سيـــاح الفرن�سيـــني يف اأالك )جنوب �سرق

نواك�ســـوط، قرب احلدود مـــع ال�سنغال(، وقد األقـــي القب�س على ت�سعة

مـــن اأع�ساء القاعـــدة يف املغرب االإ�سلمي يف علقة مـــع عملية القتل.

وبعـــد ب�سعة اأيام، قتل ثلثة جنود موريتانيني اجلهاديني يف هجوم على

قاعـــدة للجي�ـــس بالغلوية. وقـــد اأدى هذا الن�ساط املتزايـــد لل�سلفيني-

اجلهاديـــني، اإىل اإلغاء رايل دكار للمرة االأوىل منذ تاأ�سي�سه قبل ثلثني

عاما. بعد ذلك، هاجم اجلهاديون يف موريتانيا ال�سفارة االإ�سرائيلية يف

نواك�سوط �سباط/فرباير 2008، وذلك قبل اإغلقها ر�سميا.

منذ كانـــون االأول/دي�سمرب عام 2009، بـــداأ اجلهاديون بخطف العديد

مـــن الغربيني وهم ي�سعون ملبادلتهم بزملئهم امل�سجونني يف موريتانيا.

ويف 18 اآب/اأغ�سط�ـــس 2009، كانـــت »القاعدة يف املغرب االإ�سلمي« قد

اأ�سدرت ت�سجيـــل مرئيا من اأجل الك�سف عن ا�ســـم موريتاين انتحاري

با�سم اأبو عبيدة، والذي ف�سل يف الو�سول اإىل هدفه، ال�سفارة الفرن�سية

يف نواك�ســـوط، وفجـــر نف�سه يف ال�سارع اأمام ال�سفـــارة يف اآب/اأغ�سط�س

.2009

ويـــربز ارتباط تطـــور احلركـــة ال�سلفية-اجلهاديـــة يف موريتانيا مع

تطورهـــا يف اجلزائـــر، يف اأن كبـــار قـــادة اجلهاديـــني يف موريتانيا مثل

اخلـــادم ولد ال�سمـــان اأحد موؤ�س�سي »اجلماعة ال�سلفيـــة للدعوة والقتال

يف موريتانيـــا«، تلقوا تدريبات يف اجلزائر، حيـــث ت�ستقطب مع�سكرات

اجلهاديني اجلزائريني االأكرث خربة ال�سبان من دول اجلوار، بالتزامن

مع تبني القاعدة يف اجلزائر الأجندة اإقليمية تعك�س ت�سورات القاعدة.

وقد تبدى االأمر اأي�سا يف تعيني يحيى جوداي )اأبو عمار( من قبل زعيم

تنظيـــم القاعـــدة يف بلد املغـــرب االإ�سلمـــي اأبو م�سعب عبـــد الودود

)عبد امللـــك دوركال(، اأمريا ملنطقة ال�ساحل وجنـــوب ال�سحراء، بدال

مـــن خمتار بلمختـــار )خالد اأبو العبا�س(، حيث ت�ســـري التقارير اإىل اأن

االأول، وح�ســـب نظرة عبد الودود اأقدر على تو�سعة ن�ساطات التنظيم يف

املنطقـــة، عدا عـــن اأن بلمختار رف�س »مبايعـــة« الزعيم اجلديد، ويقال

اإنه فتح خط تفاو�سي مع ال�سلطات اجلزائرية لي�ستفيد من العفو الذي

اأعلنه الرئي�س اجلزائري عبد العزيز بوتفليقة.

ال�سيا�سات احلكومية تك�سف .IVالوثائق االأمريكية التي �سربهـــا موقع ويكليك�س تقديرا اأمريكيا للموقف

يف دول ال�ساحـــل يـــرى باأن كل مـــن الواليات املتحـــدة وفرن�سا تريان يف

موريتانيـــا راأ�س حربـــة يف مواجهة القاعدة. فقد اأ�ســـارت وثيقة �سربها

املحــور

موقـــع ويكيليك�ـــس اإىل اأن الواليات املتحدة وفرن�ســـا تفاهمتا على الدفع

مبوريتانيـــا لتكون »راأ�س احلربـــة« يف مواجهة تنظيـــم القاعدة يف بلد

املغـــرب االإ�سلمـــي، وذلـــك يف اجتمـــاع بـــني م�سوؤولني كبار مـــن قيادة

االأركان االأمريكية اخلا�سة باأفريقيا »اأفريكوم« وم�سوؤولني فرن�سيني.

ويف هـــذا ال�سياق، فـــاإن اأنظمة احلكم املتعاقبـــة يف موريتانيا، منذ عام

�ســـواء اأجاءت باالنقلب اأم باالنتخـــاب، انتهجت اأمناطا خمتلفة 2003

من التعامل مع ال�سلفيني-اجلهاديني، ولعل ما يجمع بينها على امل�ستوى

املوؤ�س�ســـي، ثلثة اأمناط: التعامل الفكري، والتعامل القانوين، والتعامل

االأمني.

هذه االأمنـــاط الثلثة، مل ت�سجل ن�ساطا ملحوظـــا، فالتعامل الفكري

واإن اأفـــرز حـــوارا بـــني ال�سلطـــات وال�سلفيني-اجلهاديـــني، علـــى غرار

ما حـــدث يف ليبيا وم�ســـر، بغيـــة اإي�سالهم اإىل نوع مـــن »املراجعات«،

فـــاإن نتائج احلـــوار مل تكن حا�سمـــة ل�سببني، اأولهما ارتبـــاط ال�سلفية-

اجلهاديـــة يف موريتانيـــا بالقاعـــدة يف املغـــرب االإ�سلمـــي املوجـــود يف

اجلزائـــر املجاورة والقرارات االأ�سا�سية بيـــد قياداتها، وال�سبب الثاين،

اأن منظـــري ال�سلفيني-اجلهاديـــني املوريتانيني اجلدد فيمـــا يبدو اأنهم

خارج موريتانيا.

واأمـــا فيمـــا يتعلق بالتعامـــل الق�سائي واالأمني، على حـــد �سواء، فاإنه

يبـــدو اأن اجلهازين يعانيان من م�سكلت بنيوية، ت�سعف منهما كاآليتني

ملواجهـــة التيـــار ال�سلفي-اجلهـــادي، كمـــا بـــرز يف حوادث هـــروب من

ال�سجـــن، واملواجهـــات االأمنيـــة التـــي اأودت بحياة مدنيـــني. وعلى ذلك

فـــاإن الروؤية االأمريكية والفرن�سية باتت تقوم علـــى دعم موريتانيا ماليا

وتدريب قواتها االأمنية.

V. اخلامتــة وجـــود القاعـــدة اأو التيـــار ال�سلفي-اجلهـــادي يف موريتانيا يرتبط بوجـــوده يف اجلزائر الذي بداأ ومنذ عام

2009 يرتبـــط اأكـــرث بتنظيـــم القاعـــدة االأم يف اأفغان�ستـــان وباك�ستـــان،

وبالتـــايل باتت موريتانيا يف القلب مـــن ا�سرتاتيجية القاعدة يف التو�سع

االإقليمـــي وفتح جبهات خمتلفة وملذات اآمنـــة متفرقة. وباملقابل، فاإن

الواليـــات املتحـــدة، ومعها فرن�ســـا، ذات

التاريـــخ الطويل يف املنطقـــة، ت�سعيان

ك�ســـكل موريتانيـــا علـــى للعتمـــاد

من اأ�ســـكال »احلـــرب بالنيابـــة«، من

خلل تقدمي الدعـــم املادي واللوجي�ستي،

والتدريب للأجهزة االأمنية.

وبـــني هذا وذاك يزداد العبء على احلكومـــة املوريتانية، وخا�سة اأن

بيئتها اجلغرافيـــة وظروفها االجتماعية-ال�سيا�سيـــة جاذبة لل�سلفيني-

اإىل ت�سعـــى االإ�سلمـــي« املغـــرب »القاعـــدة يف اأن كمـــا اجلهاديـــني،

ا�ستخدامهـــا كملذ اآمن تلجاأ له كلما ا�ستد ال�سغط عليها يف اجلزائر.

وعلـــى ذلك، فاإن موريتانيا يتوقع اأن يـــزداد دورها كاأر�س الأحد ف�سول

ال�سراع بني القاعدة والغرب امل�ستمر واملنت�سر.

car

avin

agre

/Flic

kr

اجلهازان االأمني والق�سائي يف موريتانيا يعانيان من م�سكات بنيوية، ت�سعف منهما كاآليتن ملواجهة

التيــار ال�ســلفي-اجلهادي، كمــا برز يف حــوادث هروب من ال�ســجن، واملواجهات االأمنيــة التي اأودت

بحياة مدنيني

التايل

هل ميكن اإعادة

تاأهيل اجلهاديني؟

بقلم: كاثرين �سيفرت

Page 74: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 148 149ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ظالل العنف ..

املحــور

هل من �شبيل لإعادة

تاأهيل اجلهاديني؟

ناع ال�سيا�سة االأمريكيني قلقني على نحو متزايد ب�ساأن م�سري من بينما ي�سبح �س

تبقـــى من املحتجزين حاليا يف معتقل غوانتانامـــو، اأخذت ما ت�سمى برامج اإعادة

تاأهيـــل اجلهاديني التي تقـــام يف اخلارج حتظى باهتمام اأكـــرب من ذي قبل. فقد

تبنت الكثري من الدول مثل ال�سعودية واليمن و�سنغافورة وكندا وبريطانيا، برامج

ت�سعـــى لتاأهيـــل االإرهابيني االإ�سلميني اأو احلد من تطـــرف املزيد من املتعاطفني

مع اجلهاديـــني. وحتاول دول خمتلفـــة تكييف براجمها مبـــا يتنا�سب واحتياجات

جمتمعاتها، فالبلدان ذات االأغلبية امل�سلمة تركز على املتطرفني الذين اأخذوا يف

االنخـــراط يف ن�ساطات اإرهابية فعلية اأو االأع�ساء الفاعلني املنتمني اإىل تنظيمات

اإ�سلميـــة ت�سكل تهديدا للدولة. اأما املبـــادرات الغربية فرتكز على االأفراد الذين

قد ي�سعون الإن�ساء علقة �سداقة مع اجلماعات املتطرفة عرب االإنرتنت اأو امل�ساجد

املحليـــة، حيـــث ت�سعى براجمهـــا ملنع حدوث املزيـــد من التطرف. ورغـــم التباين

الوا�ســـح بني املنهجيتني، فاإن ال�سوؤال الذي يجـــب على كل اجلانبني االإجابة عنه

مفـــاده: هـــل اأثمرت جهودهما، اأم فقـــط مت اإطلق �سراح املعتقلـــني لين�سموا اإىل

جمتمعاتهم االأ�سلية التي تدعي التخل�س من »ال�سموم« لكن التزامهم باجلهاد ال

زال يعمـــل يف اخلفاء؟ اإن اأي اإجابة خاطئة عن هذا ال�سوؤال ت�سكل تهديدا خطريا

للأمن العاملي واملحلي اأي�سا.

Can Jihadis Be Rehabilitated? كاثريـــن �سيفرت طالبة بكليـــة براين مور ومتدربة يف منتدى ال�سرق االأو�سط. والعنوان االأ�سلي للمقـــال

.30 - ون�سر يف ف�سلية ال�سرق االأو�سط The Middle East Quarterly، عدد ربيع 2010، ال�سفحات 21

كاثرين �سيفرت

ME

Arc

hiv

E

Page 75: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 150 151ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املنهجية امل�سرية »اللينة« يف عام 1997 اأ�سبحت

م�ســــر مكان ميلد نهج جديد ملكافحة االإرهاب عندما �سمحت للأع�ساء

امل�سجونــــني مــــن اجلماعــــة االإ�سلمية، اأحــــد الفــــروع العنيفــــة للإخوان

امل�سلمــــني، بااللتقاء الإعادة تقييم اأيديولوجيتهــــم االأ�سا�سية، على اأمل اأن

يتخلــــوا عن مبداأ العنف مثلمــــا فعل التنظيم االأب يف فــــرتة ال�سبعينيات.

ففي تلك ال�سنــــة، اأعلن قادة التنظيم امل�سجونني وقف اإطلق النار، وبعد

�سنــــوات مــــن ذلك وبعد الت�ســــاور مع علمــــاء م�سلمني من جامعــــة االأزهر

اأ�ســــدر كبار قادة التنظيم خم�سة وع�سرين جملدا حتت عنوان “ت�سحيح

تت�سمــــن املفاهيــــم”

.)1(

مراجعات لفل�سفتهم

املراجعات، هــــذه وتقول

اإن املثــــال، �سبيــــل علــــى

االإ�ســــلم ال يجيــــز قتــــل

املدنيــــني غــــري امل�سلمني

وتتنــــاول اإرهابهــــم، اأو

.)2(

املخاطر التي ي�سكلها تنظيــــم القاعدة على امل�سلمني يف اأنحاء العامل

ــــح للجماعــــة اأي�سا باإبقــــاء قيادتها يف ال�سجن، على اأمــــل اأنه ي�ساعد و�سمم

نبــــذ كبار اأع�ســــاء اجلماعة للعنــــف يف اإقناع االآخرين علــــى اإتباع طريقة

اأكــــرث و�سطية واعتداال. ويف عــــام 2007 �سار قــــادة م�سجونني ينتمون اإىل

جماعة اجلهاد االإ�سلمي امل�سرية، وهي جماعة اإ�سلمية اأخرى تاأ�س�ست

يف اأواخر ال�سبعينيات، على خطى عنا�سر اجلماعة االإ�سلمية من خلل

اإطــــلق ما �سمــــوه “االإ�سلح اجلماعــــي” اخلا�س بهــــم. وبدعم �سلطات

االأمــــن امل�سريــــة مت ال�سمــــاح لقادة جماعــــة اجلهاد االإ�سلمــــي امل�سرية

امل�سجونــــني – ومن بينهم موؤ�س�س اجلماعة �سيد اإمام ال�سريف )املعروف

اأي�ســــا با�ســــم الدكتــــور ف�ســــل( – بعقــــد لقاءات مــــع اأع�ســــاء اآخرين يف

ما ال�سجن. ويف اأيار/مايو 2007 اأعلن ال�سريف عن �سجبه للعنف، م�ستخدم

. وتفاعل مع )3(

�سفحــــات �سحيفة “ال�سرق االأو�سط” اللندنيــــة ال�سهرية

ذلك، قامت �سلطات اأمن ال�سجون بف�سل اأولئك الذين رف�سوا فكرة هذه

املبــــادرة اجلديدة عــــن اأولئك الذين يرغبون يف االقتــــداء بال�سريف ونبذ

.)4(

العنف

ومــــن خلل عملية ت�سجيع املتطرفني على اإعادة النظر يف اأيديولوجيات

جماعاتهــــم، تكنت ال�سلطــــات امل�سرية من اإقناع بع�ــــس قادة اجلماعة

االإ�سلمية وجماعة اجلهاد االإ�سلمي امل�سرية ظاهريا على اإعادة النظر

يف ا�سرتاتيجياتهــــم واإبعاد اأع�سائهما عن م�سار العنف. ويف نف�س الوقت،

رمبا �ساعد ال�سماح للقياديني بالبقاء دون اأن يلحق بهم اأذى، على �سرعنة

هــــذه اجلماعــــات ور�سائلها التي حتــــاول اإي�سالها. لكن مــــع مرور الزمن

ت�سظــــت تلــــك اجلماعــــات اإىل فئات واأجنحــــة يرف�س بع�سهــــا االعرتاف

باالإ�سلحــــات ال�سلمية. فعلى �سبيل املثال، تذمر الع�سو البارز يف جماعة

االأخــــوان امل�سلمني ع�سام العريان، والذي اأبــــدى تخوفه من اأن مبادرات

االإ�ســــلح ال تقدم حلــــوال للأع�ساء الذين ينتظــــرون االإ�سلح على اأر�س

الواقــــع، اإذ قال: “نحن نرحب بتلك املراجعــــات الأننا قد دعونا منذ زمن

طويل لوقف العنف... اإال اأنها لي�ست مكتملة. فهي ترف�س العنف لكن دون

.تقدمي اإ�سرتاتيجية جديدة للإ�سلح والتغيري”)5(

وبرغــــم ما يقال عــــن برنامج مكافحة التطرف امل�ســــري، واأنه “االأكرث

، اإال اأنه من ال�سعــــب احل�سول على �سمــــوال من اأي بلــــد عربي اآخــــر”)6(

معــــدالت دقيقة حول انتكا�س املعتقلني �سابقا من عنا�سر تلك التنظيمات

.االإرهابيــــة. ويقول اأحد امل�سادر اإن الربنامــــج مل “يتوا�سل بفعالية”)7(

ويف هــــذه االأثناء، اأطلقــــت احلكومة امل�سرية مئــــات املعتقلني ممن كانوا

ذات مرة حتت قيــــادة مقاتلني رف�سوا

.)8(

اأ�سلوب العنف

ومــــن ال�سعب جــــدا معرفة مــــا اإذا

كانــــت حــــوارات ال�سجــــن عبــــارة عن

جزء مــــن اجلهود اجلماعيــــة الإظهار

تعاون زائف و�سمان اإطلق املعتقلني

ب�سرعــــة اأم اأنهــــا فعــــل �سادقــــة. ومع

هــــذا فاإن هنــــاك دوال ذات اأغلبية م�سلمة تقتدي مب�ســــر يف هذا املنحى،

مة املوجهــــني ورجال الدين الإقناع االإرهابيــــني املعتقلني بالرجوع م�ستخدم

عن فكرهم وحماولة تو�سيل الر�سالة ال�سحيحة.

املحــاوالت اليمنيــة يف مطلــــع عــــام 2000

بــــداأ القا�ســــي حمود الهتــــار بزيــــارة ال�سجنــــاء املتطرفــــني يف املعتقلت

. ويف 2002 تراأ�س جلنة احلوار، )9(

اليمنيــــة وخو�س حوارات دينية معهــــم

وهــــي املبادرة التي انطلقــــت بقرار رئا�سي، مع القليل مــــن اإعادة التاأهيل

. ويف ظــــل وجــــود اأيديولوجيــــة تتم�ســــك بهــــا )10(

للجهاديــــني املعتقلــــني

التنظيمــــات املتطرفــــة، اأعتقد امل�سئولــــون اليمنيون اأن احلــــوار وت�سحيح

املعتقــــدات �سيدفــــع باملعتقلني اإىل نبذ العنف بعد اإطــــلق �سراحهم. وقد

اختــــارت اللجنة امل�سكلــــة للحوار جمموعــــة �سغرية مــــن ال�سجناء ملعرفة

اآرائهم ب�ساأن االإ�سلم، ولتحــــدي ا�ستخدامهم للقراآن واال�ست�سهاد باآياته

لتربير جلوئهم اإىل العنف.

للأ�سف مل يحقق الربنامج النتائج املرجوة منه، باعرتاف الرئي�س علي

. فقد اأطلق اليمن )11(

عبــــداهلل �سالح اأن ن�سبة النجاح و�سلت 60% فقط

خم�سمائة معتقل، عاد اأكرث املعروفني منهم اإىل ما�سيهم العنيف، ما جعل

. وتكمن عدم )12(

اليمــــن واحدة من اأهم معاقل جتنيد عنا�ســــر القاعدة

ل مــــع املعتقلني، فقد خ�سعوا فعاليــــة املبادرة اليمنية يف االأ�سلوب املت�ساهم

لعمليــــة التاأهيــــل مبجــــرد التوقيع على وريقــــة تنحهم احلريــــة وتلزمهم

مبراجعــــة امل�سئولني عن اإطــــلق �سراحهم امل�سروط ب�ســــكل منتظم. لكن

الع�سرات منهم عادوا الأ�سلوب العنف اجلهادي وتكنت القوات االأمريكية

مــــن اإلقاء القب�س عليهم؛ ف�سل عن اأن الربنامج بات مو�سع �سخرية بني

املعتقلــــني. وقد قال اأحد املعتقلــــني يف مقابلة اأجرتهــــا جملة “نيوزويك”

االأمريكية: “ب�سراحة، اأ�سبح )القا�سي الهتار( جمرد م�سخرة يف اأو�ساط

.املعتقلني”)13(

من ال�سعب جدا معرفة ما اإذا كانت حوارات ال�سجن

عبارة عن جزء من اجلهود اجلماعية الإظهار تعاون زائف

و�سمان اإطاق املعتقلن ب�سرعة اأم اأنها فعا �سادقة

املحــور

واأ�سطــــر الربنامــــج للإغــــلق عــــام 2005، غــــري اأن ال�سلطــــات اليمنية

تتعر�س االآن لل�سغط من قبل م�سئويل مكافحة االإرهاب االأمريكيني لبناء

من�ساأة جديدة للمعتقلني العائدين من معتقل غوانتنامو )هناك ما يقارب

. لكن )14(

مائــــة معتقل ميني من بني حــــوايل 229 معتقل ما زالوا هناك(

الرئي�ــــس �سالــــح يرف�س البدء يف عمليــــة اإن�ساء مركــــز دون الدعم املايل

االأمريكي، اإذ يقول اإنه قد مت اإعطائه وعد بتقدمي مبلغ اأحدى ع�سر مليون

. وبح�سب اأحد امل�سادر، فقــــد راأى ال�سجناء اأن )15(

دوالرا لبنــــاء املركــــز

الربنامج االأ�سلي جمرد حماولــــة غري �سادقة لتح�سني �سمعة اليمن كبلد

يق�سو علــــى االإرهابيني فيه. وي�سفي رف�س الرئي�س �سالح للعمل على بناء

املركز نوعا من امل�سداقية على اإدعاء اأحد طلب الهتار ال�سابقني، حيث

قــــال: “كنا ندرك جميعا اأن امل�ساألة جمرد ابتــــزاز للمال من االأمريكيني.

.لقد كانوا فقط يلعبون معنا”)16(

النمــوذج ال�ســعودي واجهــــت احلكومــــة

ال�سعودية نوعا من ال�سك والريبة من قبل �سجنائها عندما بداأت الأول مرة

�سجونها املنا�سحــــة” يف “مبــــادرة عــــام 2004، لكــــن منذ ذلــــك الوقت

بــــاأن املعتقلــــني اإقنــــاع ا�ستطاعــــت

العلمــــاء القائمني على الربنامج هم

فعل رجــــال دين حمرتمــــني ولي�سوا

.حكوميــــة”)17( “دمــــى جمــــرد

ال�ساملــــة االإ�سرتاتيجيــــة وتعــــرف

التــــي تتبعهــــا اململكــــة بـــــ “الوقاية،

.والنقاهة”)18( التاأهيــــل، واإعــــادة

وتت�سمــــن حما�سرات تنظمها وزارة

التــــي التعليــــم وبع�ــــس املطبوعــــات

ت�سجب العنــــف، اإىل جانب الربامج

احلكومية الهادفة اإىل ردع املواطنني

مــــن تبنــــي الفكــــر املتطــــرف. ولكن

لي�ــــس وا�سحــــا بال�سبــــط كيــــف يتم

اإجنــــاز هذا، اإذ اأن التف�سري الوهابي

للإ�سلم والذي يعمــــل كاأ�سا�س لكل

هذه اجلهود، هو اأحد اأكرث املذاهب

ت�ســــددا كما اأنه اأي�سا املذهب الر�سمي يف ال�سعودية. فعلى �سبيل املثال، ال

ت�ستطيع احلكومة �سجب اجلهاد بحد ذاته الأنه مفهوم متاأ�سل يف القراآن،

وبدال من ذلك، يقوم رجال الدين يف املبادرة بو�سع �سروط يكون اجلهاد

.)19(

مبوجبها م�سروعا بدال من اإنكاره جملة وتف�سيل

ويقــــوم برنامــــج املنا�سحــــة يف ال�سجــــون ال�سعوديــــة التــــي مت حتديثهــــا

لتتنا�ســــب مــــع احتياجــــات اجلهاديني املعتقلــــني، حيث يخ�ســــع ال�سجناء

اجلــــدد للمقابلة والفح�ــــس النف�سي ويتم تقييــــم معتقداتهم ال�سخ�سية.

وعلى خلف ال�سجون املعتادة، يحتوي كل جناح على جهاز تلفزيوين يبث

، وي�ستطيع النــــزالء مناق�سة االآراء مع العلماء عرب )20(

حما�ســــرات دينية

االت�ســــال الداخلــــي. وتقول ال�سلطات ال�سعودية اإنــــه من عام 2004 وحتى

2007 مل يعــــد اإىل اأعمال التطرف �سوى 3% اإىل 5% ممن اأطلق �سراحهم

، لكــــن من ال�سروري االإ�ســــارة اإىل اأن املبادرة ذاتها تعتمد )21(

امل�ســــروط

. اإن االإح�سائيات املوثوقة لي�ست متوفرة، ويريد )22(

على االختيار الذاتي

ال�سعوديون اإعطــــاء �سورة اإيجابية عن اأنف�سهــــم، فهم معر�سون للتهام

بــــاأن رجــــال الديــــن عندهم هم من بــــني االأكــــرث تطرفــــا. وامل�ساركون يف

الربنامج هم مــــن اأولئك الراغبني يف التخلي عــــن معتقداتهم، واأكرثهم

كانوا جمندين جــــددا لن�ساطات جهادية، وهناك دليــــل على اأنهم قابلني

للتاأثــــر باالإر�ســــاد الذي يقوم بــــه برنامج املنا�سحــــة مثلما تاأثــــروا �سابقا

. ويبدو اأن الكثري مــــن امل�ساركني يف الربنامج )23(

مبدربيهــــم املتطرفــــني

لي�س لديهم خلفية دينية كبرية، وذلك على عك�س القادة املت�سددين ممن

األقــــي القب�س عليهم خــــارج البلد ثم مت ترحيلهم مــــن معتقل غوانتنامو

وت�سليمهم اإىل االأيدي ال�سعودية.

ويف 2007 ات�ســــع نطاق عملية االإر�ساد للإرهابيني يف ال�سعودية، و�سملت

خليطــــا مــــن الو�سائــــل عرفت مبركــــز الرعايــــة، ملوا�سلة عمليــــة التاأهيل

و�سفت )24(

فيمــــا بعد فرتة ال�سجــــن. ويف ت�سرين الثاين/نوفمــــرب 2008

كاثريــــن زوبف املركز باأنه يحتــــوي على م�سابح وملعــــب للكرة الطائرة

واألعــــاب “بلي �ستي�ســــن” وطاوالت التن�ــــس. وعند و�ســــول املعتقلني يتم

اإعطائهــــم ملب�ــــس و�ساعــــات وبع�ــــس احللــــوى ملنحهــــم بع�ــــس الراحة.

وتت�سمن املحا�ســــرات املقدمة تف�سري بع�س امل�سطلحات مثل “اجلهاد”

و”التكفري”، وذلك بالطريقة التي تتطابق مع تعريف احلكومة ال�سعودية

الداء والدواء: اأعتقد امل�سئولون اليمنيون اأن احلوار وت�سحيح املعتقدات �سيدفع باجلهاديني املعتقلني اإىل نبذ العنف

ME

Arc

hiv

E

Page 76: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 152 153ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

للإ�ســــلم “ال�سحيــــح” )وهو الذي يرى اأن امل�سلمــــني من غري الوهابيني

مبتدعــــني(. والربنامــــج، علــــى �سبيل املثال، بــــدال من اأن يحــــرم اجلهاد

يقوم بتدري�س ال�سروط التي مبوجبها ي�سبح اجلهاد مقبوال )اأي مبوافقة

احلكومــــة ال�سعوديــــة واأحد الوالديــــن(. ويتم ت�سجيع اأفــــراد االأ�سرة على

زيــــارة املن�ساأة بحيث يتعهد كل من املعتقــــل وذويه بنبذ العنف قبل اإخلء

�سبيل ال�سجني.

وعند اخلروج مــــن الربنامج مينح املتخرج ب�سعــــة اآالف من الدوالرات

. كما يتم ت�سجيــــع من �سفي )25(

و�سيــــارة واأحيانا مبلغــــا اإ�سافيا للــــزواج

وا حكاياتهم مــــن املتخرجني على معــــاودة زيارة مركز العناية لكــــي يق�س

للم�سجلــــني يف الربنامج بغر�ــــس تعليمهم. واإذا عــــاد املعتق من الربنامج

.)26(

ب�ســــروط اإىل اأعمــــال العنف فقد تتعر�ــــس االأ�سرة باأكملهــــا للعقاب

جان من الربنامج حممد العويف و�سعيد ال�سهري على وعندما ظهر املتخرر

اأحد اأ�سرطة الفيديو التابعة للقاعدة يف كانون الثاين/يناير 2009، قامت

اأ�سرهما باإ�سدار بيان للتــــربوؤ منهما باعتبارهما “منحرفني عن املجتمع

. ويف �سريط الفيديو اأ�سار العويف بالتحديد وال �سبيل اإىل تقوميهما”)27(

اإىل الربنامج، حمــــذرا من املحاوالت ال�سعودية لتقومي املتطرفني، قائل:

ر اإخواننــــا ال�سجناء )العائديــــن من غوانتنامــــو( من برنامج نحــــذر “اإننــــا العنايــــة هذا ... فقــــد مت ا�ستغللنا ... وحاولوا اإبعادنا عن االإ�سلم، لكن

. ويف املقابل، اأعرب اأحد احلمــــد هلل اأننــــا ا�ستطعنا اأن نفلت منهــــم”)28(

العائديــــن مــــن غوانتنامو عن احتقاره ملــــا يفعله العــــويف وال�سهري، حيث

قال: “لقد ن�سيا جهود الدولة املبذولة الإطلق �سراحهما. كان ينبغي لهما

تقــــدمي ال�سكر والعرفان للدولة على الثقة التــــي اأولتها اإياهما بدال من اأن

يع�ســــا اليد التي امتدت النت�سالهما. هذا دليل على اأنهما لي�سا اأهل للثقة

.واأنهما ال ي�ستحقان هذه املعاملة الكرمية والنبيلة”)29(

وقد ادعى برنامج مركز الرعاية يف البداية اأن معدل انتكا�س امل�ساركني

منخف�ــــس، ويف مطلــــع عــــام 2009 اأ�ســــدر ال�سعوديون قائمــــة حتتوي على

، اأحد ع�سر �سخ�سا منهم كانوا من )30(

ا�ســــم خم�سة وثمانني م�ستبها بــــه

خريجــــي مبادرة التنا�سح. ومــــا زال امل�سئولون ال�سعوديــــون مقتنعني باأن

برناجمهم يعمل بنجاح، واأن معدل انتكا�س امل�ساركني يرتاوح ما بني %10

وهو املعدل الذي يدعي البع�س اأنه مرتفع اإىل حد ما نظرا )31(

اإىل %20،

الرتفــــاع ن�سبة املتطرفــــني املت�سددين العائدين مبا�ســــرة من معتقل خليج

غوانتنامــــو، وكذلك بت�سمــــني اأولئك الذين ف�سلــــوا اأو رف�سوا امل�ساركة يف

الربنامج وبقــــوا حمتجزين. ويعترب معدل االنتكا�س هــــذا �سئيل جدا اإذا

مــــا نظرنا للــــدور االأ�سا�سي الذي يلعبه املتطرفــــون ال�سعوديون يف اجلهاد

العاملــــي لوال اأنه لي�ــــس من الوا�سح كيــــف �سيتمكن خريجــــو الربنامج من

الوفــــاء بالتزامهم بالو�سطية واالعتدال وهــــم يعي�سون يف اأو�ساط املجتمع

ال�سعــــودي الوهابي، املجتمــــع املت�ساهل علنا مع التطــــرف اإذا كان �سيوقع

االأذى بالغرب.

ورغم هذا فقد اأثنت وزارتي الدفاع

والعدل االأمريكيتني يف كانون الثاين/

ينايــــر 2009 علــــى مركــــز الرعاية وما

يبذلــــه من جهــــود لــــردع املعتقلني عن

. ولي�س وا�سحا ما الذي )32(

التطرف

يقف وراء هذا املديح العلني، وما يثري

التخمــــني اأن اإدارة اوباما كانت ت�سعى

وراء اإيجــــاد طريقــــة �سريعــــة للوفــــاء

بوعدهــــا باإخــــلء معتقــــل غوانتنامــــو

بحلول كانون الثاين/يناير 2010.

الربامج االأمريكية يف العراق

اأن علــــى االأمريكــــي اجلي�ــــس ي�ســــر

الربامــــج التــــي طورها اأثمــــرت نتائج

. ويف البدايــــة اأعرتف )33(

اإيجابيــــة

امل�سئولــــون الع�سكريــــون االأمريكيون

اأن مراكــــز االعتقــــال التــــي اأداروها

كانــــت تفرخ متطرفــــني، حيث عمل االإرهابيون املعتقلــــون كعوامل لتحفيز

جمنديــــن جدد، وكانــــوا يحولون املعتقلــــني املعتدلني �سابقــــا اإىل عنا�سر

متطرفــــة. وتل هــــذا االكت�ساف وب�سرعــــة تطوير برنامج الإعــــادة التاأهيل

م�ستلهــــم من النمــــوذج ال�سعودي، ونافحت وحدة قــــوة املهام 134 – وهي

الوحدة امل�سئولة عن االإ�سراف على عمليات االعتقال التي تقوم بها قوات

االئتلف - عن طريقة جديدة تهدف اإىل دمج املعتقل �سمن اإ�سرتاتيجية

اأمريكية اأو�سع ملكافحة التمرد. وتعتمد اخلطة على التكتيكات التي تهدف

اإىل ف�ســــل املتطرفني عن بع�سهم، وتتعهد املعتدلني وت�ساعدهم، وت�سمن

»برنامج رعاية«: مت حتديث ال�سجون ال�سعودية لتتنا�سب مع احتياجات اجلهاديني املعتقلني

ME

Arc

hiv

E

املحــور

توفر رعاية وعناية من الدرجة االأوىل لكل معتقل. كما يخ�سع كل

معتقل جديد لعمليــــة تدقيق كامل خللفيتــــه، ويقوم متخ�س�سون

نف�سانيــــون بتحليل التعليم واملهارات والدوافع والتدين املفرط، ما

دين الذين يبحثون عن ن ال�سلطات من عزل النزالء عن املجنر ميكر

.)34(

�سجناء لتحري�سهم على التطرف

ف علــــى مع�سكرينم وتقــــوم وحدة قــــوة املهــــام 134، التــــي ت�ســــرم

للمعتقلــــني، بتقدمي ما هو اأكرث من احلــــوارات الدينية التي تعتمد

عليهــــا برامج اإعادة التاأهيل االأخــــرى. فباالإ�سافة اإىل املناق�سات

الدينيــــة التي يجريها اأئمة عراقيون حتققت الواليات املتحدة من

ما�سيهــــم، يتم تعليــــم ال�سعب العراقــــي القراءة والكتابة )تبــــني اأن %64

، وذلك لي�ستطيعــــوا قراءة الن�سو�ــــس الدينية )35(

منهــــم كانــــوا اأميــــني(

. كما يدر�سون منهجا تعليميا )36(

باأنف�سهــــم الأول مرة دون م�ساعدة اأحــــد

يحتوي على مادتي اللغة االإجنليزيــــة والريا�سيات ومواد اأ�سا�سية اأخرى.

كذلك تعترب برامج العمل من اأهم مقومات برنامج وحدة قوة املهام 134،

حيث يتدرب العراقيون يف عدة حقول مهنية مثل النجارة والبناء واللحام

و�سناعة الغزل والن�سيج.

وبح�سب احلكومة االأمريكية، فقــــد اأثبتت هذه املبادرة التوعوية جناحا

كبريا،؛ فهناك من االأهايل العراقيني من طالب بت�سجيل اأبنائهم )الذين

، بينما بقي بع�ــــس املعتقلني بعد )37(

مل ي�سبــــق اعتقالهــــم( يف الربنامــــج

انتهــــاء فرتة ال�سجــــن الإنهاء درا�ستهــــم يف الربنامج. وخــــلل الفرتة بني

كانــــون الثاين/يناير واأيلول/�سبتمــــرب 2008 األقي القب�س مرة اأخرى على

مــــا يقارب مائة معتقــــل من اأ�سل خم�ســــة ع�سر األف اأطلــــق �سراحهم من

.)38(

برنامج “مكافحة اجلهاد االأمريكــــي” )كما ي�سميه بع�س اجلنود(

وقــــد اأ�سار اللواء دوغل�س �ستون، امل�سئول ال�سابق عن املع�سكرين، اإىل اأن

معــــدل االنتكا�س بني املعتقلني املفرج عنهم من الربنامج مبكرا و�سل اإىل

– 15%، لكنه قال يف اآذار/مار�س 2009 اإن هذا املعدل انخف�س حوايل 10

، وهــــي ن�سبة انخفا�س كبــــرية، يجب - رمبا - النظر اإىل حــــوايل %1)39(

اإليها ب�سك.

منهجيــة �ســنغافورة اإن ق�سيــــة اإطــــلق

�ســــراح املعتقلــــني املتطرفني للعي�ــــس يف اأو�ساط جمتمعات فيهــــا اأقلية من

امل�سلمــــني ت�ســــكل جمموعــــة منف�سلــــة من امل�ســــكلت. فبعــــد االعتقاالت

2002/2001 التــــي طالت اأكرث من ثلثني ع�سوا من اأع�ساء فرع اجلماعة

االإ�سلمية املتطرفة يف جنوب �سرق اآ�سيا، كانوا يخططون لتنفيذ هجمات

، قامــــت احلكومة هناك بتاأ�سي�س فريق الإعادة )40(

اإرهابية يف �سنغافورة

. ونظرا الأن )41(

التاأهيــــل الديني بهدف ردع االإرهابيني عن نهج التطرف

امل�سلمني ي�سكلــــون 16% من ال�سعب ال�سنغافــــوري، فقد اختارت احلكومة

خيــــار التعامل بحذر مع عملية تاأهيل املعتقلني، وذلك من خلل ت�سحيح

معتقداتهــــم بدال من اتخــــاذ اإجراءات قا�سية بحقهــــم. وهناك ما يقارب

اأربعني عاملا ومر�سدا دينيا خم�س�سني الإبطال “برجمة” املعتقلني، فمن

خلل التعامل مع اجلهاديني من منطلق ديني ي�سعى فريق اإعادة التاأهيل

الديني اإىل معاجلة امل�سكلة من جذورها. وكما اأو�سح اأحد �سباط االأمن،

فاإنــــه “عندما تاأخذ اليمني وحتلف بــــاهلل، فاإن االأمر يتطلب �سخ�سا اآخر

.من ال�ساحلني الإبطاله )اأي اليمني(”)42(

ويعقــــد املر�سدون جل�سات مــــن �سخ�سني فقط مع النزالء )واحد مقابل

واحــــد( لدح�س حججهم االأيديولوجية املتطرفــــة، ويقومون مبقابلة اأ�سر

املعتقلــــني للتاأكــــد مــــن اأن “عدوى” التطــــرف مل تنتقل بعــــد اإىل ذويهم.

ن وظائــــف للمعتقلني عند وتقــــدم احلكومــــة الدعم املــــايل للأ�ســــر، وتوؤمر

االإفــــراج عنهم، وت�ســــرتط موا�سلة تقــــدمي الن�سح بعد االإفــــراج. وقد مت

تاأهيــــل واإطلق �ســــراح اأربعني اإرهابيــــا )اأي ثلثي املعتقلــــني منذ 2001(،

.)43(

وابتــــداء من اأيار/مايو 2009 ال يبــــدو اأن اأحدا عاد الأعمال التطرف

اأما الثلث الباقي، الذين لي�سوا جاهزين للندماج يف املجتمع، فما يزالون

يف الربنامج. واإذا �سدقت هذه االأرقام فاإن مقاربة �سنغافورة تعترب فعالة

ن�سبيــــا. وبح�سب مــــا قاله ويليام دوب�ســــون، مدير التحريــــر ال�سابق ملجلة

ن بولي�سي” )ال�سيا�سة اخلارجية(، فاإنه “ال يطلق �سراح املعتقل يف “فورم�سنغافورة حتى يوقــــع امل�سئول عن ق�سيته واالأخ�سائي النف�ساين واملر�سد

.الدينــــي. وحتى بعد ذلك يرجع القرار اإىل جمل�س الوزراء الإقراره”)44(

وعــــلوة على هذا، تعطي قوانــــني اخل�سو�سية يف �سنغافــــورة حرية اأكرب

ملراقبة االأفراد وت�ساعد احلكومة على مراقبة من مت اإطلق �سراحهم.

االأ�سلوب الربيطاين: »درهم وقاية« على

عك�ــــس الربامج التي تقــــام يف البلدان ذات االأغلبيــــة امل�سلمة و�سنغافورة،

اأو اجلهــــود االأمريكية يف العراق، فاإن برنامج “تطهري ال�سموم” الذي مت

تطويــــره يف بريطانيا العظمى يعتمد علــــى اتخاذ االإجراءات الوقائية قبل

اأن يلجــــاأ االأفراد املعر�ســــني كثريا خلطر التطــــرف اإىل ممار�سة العنف.

لكن حتديــــد ن�سبة جناح هذا الربنامج اأ�سعب من غريه، الأنه لي�س هناك

طريقة وا�سحــــة لقيا�س ما اإذا كان ال�سخ�س املتعاطف مع اجلهاديني قد

تخطى فعل عتبة بوابة الدخول يف دائرة االإرهاب.

بــــداأ برنامــــج “م�ســــروع القنــــاة” The Channel Project، وهي مبادرة

رت عام 2007 حتــــت اإدارة رابطة مــــدراء ال�سرطة، بداأ يف اإجنليزيــــة طــــور

“المبث” )منطقة يف لندن( و”النك�ساير” وتو�سع الربنامج لي�سمل اأحد ع�ســــر )وقريبا خم�سة ع�ســــر( موقعا يف اأرجاء اململكــــة املتحدة. وبح�سب

، فقــــد مت حتويل اأكرث من مائتي �سخ�سا )45(

وزارة الداخليــــة الربيطانية

)مــــا بني �سن 13 - 50 عامــــا( اإىل الربنامج، الذي يقال اإنه ي�سمل �سباط

مراقبة املطلق �ســراحهم ب�سروط وكذلك اأن�سطة االنرتنت

عوامــل م�ســاعدة لتحديــد م�ســتوى جنــاح برامــج اإعــادة

التاأهيــل، ولكن الطريقة الرئي�ســية لقيا�ــض عدد املعتقلن

اخلريجــن الذيــن ال زالوا متطرفن ومدمنــن على العنف

هي عودتهم للعنف

Page 77: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 154 155ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

�سرطة يعملون اإىل جانب اأع�ساء من اجلاليات امل�سلمة ليتعرفوا على من

. وقد لفت الربنامج )46(

قد يكون عر�سة لتعاليم املتطرفــــني االإ�سلميني

اهتمام عامة النا�س عندما �سرح اأحد املراهقني علنا كل التفا�سيل ب�ساأن

. لكن ال�ساب )47(

كيفيــــة اإعداده للجهاد يف اأحــــد امل�ساجد بجنوب لنــــدن

تلقــــى جل�ســــات اإعادة تاأهيل مــــع خم�سة واأربعــــني �سابا اآخريــــن يف مركز

د فيه للجهاد. تعليمي مل�سق لنف�س امل�سجد الذي جنر

ويقــــول امل�سئولــــون عــــن الربنامج اإنــــه م�سمم لي�ــــس ملعاجلة مــــا تلقنه

ال�سباب عن االإ�سلم فح�سب بل ي�سمل اأن�سطة تهدف اإىل حماربة ال�سعور

“بالنفــــور مــــن االأ�سرة اأو ،

املجتمــــع املحلــــي”)48(

اأدلــــة كثرية رغم وجــــود

علــــى اأن جهاديي اململكة

اأو الفعليــــني املتحــــدة

يف جتنيدهــــم املتوقــــع

يف اندجمــــوا امل�ستقبــــل

. وهناك خماوف تثار حول نوعية املعلمني الذين )49(

املجتمــــع الربيطاين

اختارتهم ال�سلطات الربيطانية لردع املعتقلني عن انتهاج �سبيل التطرف.

فطــــارق رم�سان علــــى �سبيل املثال، والذي ت�سوب االإفــــادة باأنه “معتدل”

، ا�ستخدم من قبــــل احلكومة بعــــد تفجريات )50(

الكثــــري مــــن ال�سوائــــب

7 توز/يوليــــو يف لنــــدن، ليجــــادل �ســــد االإرهاب اأمــــام م�سلمــــي اململكة

.)51(

املتحدة

ورغم وجود املزاعم القائلة اإنه منذ حزيران/يونيو 2009 مل يرتكب جرم

، فاإنه بالكاد )52(

من قبل اأي من االأفراد الذين اأحيلوا اإىل برنامج القناة

يوجــــد وقــــت كايف لتقييم مدى جنــــاح الربنامج ب�ســــورة دقيقة. اأكرث من

هذا، فقد �سدر تقرير موؤخرا عن رف�س الكثري من امل�سلمني الربيطانيني

املعتقلــــني امل�ساركــــة يف جل�سات اإعــــادة التاأهيل اأو الــــدورات التي تنظمها

املحكمة املكر�سة لتقييم املواقف الفكريــــة والتغريات ال�سلوكية للمعتقلني

ح اأحد ال�سجناء فــــاإن “هناك مفهوما ثابتا ومــــدى تاأثرهم بها، وكما و�س

يف ال�سريعــــة يق�ســــي باأنه ال يجوز للم�سلم اخلو�ــــس يف احلرام، وبالتاأكيد

. ويف نف�ــــس الوقت، ال ينبغــــي اإعــــلن االأخطــــاء املا�سيــــة للأقــــران”)53(

تقــــول بع�س التقارير اإن امل�سلمني يف ال�سجــــون الربيطانية يقومون باإقناع

.)54(

االآخرين بتغيري دياناتهم ويتحكمون يف اأمور اإجرامية متعددة

ورغــــم الفعاليــــة غري االأكيــــدة مل�سروع القنــــاة لكن وحــــدة ردع التطرف

العنيــــف اال�سكتلندية قررت تطوير منطهــــا اخلا�س للربنامج. وباالإ�سافة

اإىل امل�سلمني املتطرفني، �سي�ستهدف الربنامج من يتم “ا�ستدراجهم اإىل

اأ�ســــكال العنف ال�سيا�ســــي االأخرى، مثل املتع�سبني للقوميــــة اال�سكتلندية

. وياأمــــل منظمــــو امل�ســــروع اأن ي�ساهــــم وحــــركات حقــــوق احليــــوان”)55(

عنا�ســــر املجتمعات املحليــــة كاملدر�سني واالأهايل يف حتويــــل امل�ستبه بهم

اإىل الربنامج “للتدخل”. لكن لي�س وا�سحا ما مدى النجاح املكتوب لهذا

الربنامــــج، كونه يجمــــع الفئات القابلــــة للتاأثر بال�سخ�سيــــات الدينية مع

اجلماعــــات العلمانية مثل “احتاد حماربة االألعــــاب الريا�سية القا�سية”

)الذي يناه�س �سيد الثعالب(.

اجلهــود الكنديــة علــــى اجلهــــة

االأخرى للمحيط االأطل�ســــي، قدم ال�سيخ �سيد اأحمد اأمري الدين يف كانون

االأول/دي�سمــــرب 2008 برناجمــــا الإعــــادة التاأهيــــل مكون مــــن اثنتي ع�سر

خطوة، الأفراد اجلاليات الكندية امل�سلمة املختلفة و�سرطة اخليالة امللكية

الكنديــــة. ويعترب اأمري الدين - رجل الدين ال�ســــويف - من اأ�سد منتقدي

التف�ســــريات الوهابية للن�سو�س القراآنية وامل�ستــــوردة من ال�سعودية، وقد

تعر�ــــس هــــو اأي�ســــا للنقــــد مــــن قبــــل

مواطنيــــه بو�سفــــه خائــــن للم�سلمني

. ويوؤكــــد امل�سروع على )56(

الكنديــــني

اأهمية ال�ســــلم والت�سامح يف اأو�ساط

جمتمــــع علمــــاين مثــــل كنــــدا، وعلى

التنا�ســــح �ســــد “النمــــط العقائــــدي

. وقــــد مت تبني اخلطة ال�سيــــق”)57(

بل حممد �سيــــخ، اإمام م�سجد النــــور يف تورنتو، والــــذي حتدث عن مــــن قم

املتطرفني امل�سلمني، قائل: “يتقوقع تفكري مدمني الكحول يف اإطار منط

تفكــــري معــــني يجعلهم يعتمدون علــــى الكحول. وذات ال�ســــيء ينطبق على

املتطرفــــني الذين ال ي�ستطيعون التفكــــري فيما يدور حولهم من اأحداث اإال

.من زاوية واحدة”)58(

فــــت الــــذي اعتنــــق االإ�سلم وقــــد ا�ستخــــدم �سيــــخ والكنــــدي روبــــرت هم

ا�سرتاتيجيــــات اأمــــري الديــــن يف برناجمهمــــا امل�سمــــى “برنامــــج التدخل

املتخ�س�ــــس الجتثاث التطــــرف”، وذلك للتاأكيد على قبــــول التعاي�س بني

.)59(

املعتقــــدات واإظهار خطاأ تعاليــــم تنظيم القاعدة من منظــــور ديني

فت اإىل ت�سجيــــع مبداأ تفهم وتهــــدف اخلطوات التي يت�سمنهــــا برنامج هم

الديانات االأخرى، وتو�سيح كيف ي�سيء املتطرفون فهم وتف�سري االأحداث

يف التاريــــخ االإ�سلمــــي بغر�ــــس الرتويــــج الأجندتهــــم اخلا�ســــة. ومن بني

اخلطــــوات التــــي يت�سمنها الربنامــــج “ا�ستخــــدام االآيــــات القراآنية التي

تتحدث عــــن ال�سلم وال�سلوك احل�سن”، وتعليــــم خ�سال الر�سول حممد

من “رحمة ودماثة وتوا�سع وحكمة و�سرب”، وكذلك “ا�ستخدام االأحاديث

النبويــــة التي حتث علــــى االأخلق وقيم التهذيب االأخــــرى”، والبحث عن

ق�س�ــــس من التاريخ لفهم “املحيط والعوامل االأ�سا�سية، التي قد ال تكون

اليهودية الرتابط بني “مــــدى ا�ستك�ساف دائمــــا لتمجيد اهلل”، وكذلك

.وامل�سيحية واالإ�سلم”)60(

فــــت و�سيــــخ اأن يتم حتويــــل عنا�ســــر جمموعة “تورنتــــو 18”، وياأمــــل هم

اجلماعــــة االإرهابيــــة التي خططــــت ل�سن هجمات تفجري ملــــدة ثلثة اأيام

، اإىل الربنامج حال اإطلق �سراحهم مــــن ال�سجن. ويتمنيا )61(

يف كنــــدا

اأن يعــــاد دمــــج هــــوؤالء اجلهاديني يف املجتمــــع الكندي. ومــــع اأن الربنامج

يحظــــى بتغطية اإعلميــــة من عدد مــــن ال�سحف الكنديــــة اإال اأنه مل يتم

ن�ســــر معلومات عن معــــدل االنتكا�ــــس )اإىل االإرهاب والتطــــرف(، وذلك

الزمن وحده كفيل باإخبارنا عن مدى فعالية برامج اإعادة

التاأهيل، لهذا ينبغي اإف�ساح املجال لبع�ض التحفظ اإزاء اأي

برنامج قبل اإيداع الثقة فيه كعاج ناجع للتطرف

املحــور

الأن الربنامــــج حتى االآن مل يخرج ر�سميا اأيا من امل�ساركني، وهو ما يجعل

تقييم فعالية الربنامج اأمرا م�ستحيل.

اخلامتة اإن ال�سوؤال الذي يطرح نف�سه بقوة

اأمام احلكومة االأمريكية، هو: يف حال اإغلق معتقل غوانتنامو، اأين يجب

اإر�سال املعتقلني؟ وهل �سيتم كبح الرغبة يف الرجوع اإىل اأعمال العنف عن

طريق التنا�سح االأيديولوجي؟

ــــل على اجلهاديني املعتقلني ويف حــــني يبدو اأن برامج ردع التطرف ت�سهر

العــــودة اإىل املجتمــــع، اإال اأن ال�سجنــــاء ال�سابقــــني رمبــــا ال يزالــــون يكنون

التعاطــــف االأيديولوجــــي للجماعــــات االإرهابية، وبالتايل قــــد يعودون اإىل

�سلوك التطرف الــــذي تبنوه من قبل. اإن الربنامج ال�سعودي، الذي حظي

�سابقــــا بثناء �سناع ال�سيا�سة، تعر�س موؤخرا لنريان النقد اللذع، خا�سة

واأن �سعيــــد ال�سهري “خريج” الربنامج ال�سعودي واأحد النزالء ال�سابقني

يف معتقل غوانتنامو هو نائب زعيم القاعدة يف اليمن وله علقة مبحاولة

.)62(

تفجري الطائرة املتجهة اإىل مدينة ديرتويت ليلة عيد امليلد

اأن الربنامــــج لــــو فر�سنــــا وحتــــى

ال�سعودي حقق جناحا ال غبار عليه،

فــــل ن�ستطيــــع القــــول اإن كل الــــدول

قادرة على توفري الدعم اللزم لقيام

مبــــادرات مكثفة مثل تلــــك التي قام

بها برنامــــج “النقاهــــة” ال�سعودي.

اأ�ســــف اإىل هذا، هنــــاك ق�سية عدم

معرفــــة طبيعــــة التعاليــــم االإ�سلمية

التي من املمكــــن اأن يتبعها ال�سجناء

املطلق �سراحهم ومدى تاأثري ذلك يف

االأمن العاملــــي. فالنموذج ال�سعودي،

على �سبيــــل املثال، مبني على منظور

�سلفــــي لــــه روؤيتــــه ال�سيقــــة جتاه من

الذي يعترب كافرا ومن الذي ال يعترب

كذلــــك، وكيــــف ينبغــــي معاملــــة مثل

هوؤالء “الف�سقة”.

وقد تكون الربامــــج يف الدول ذات

االأقليــــة امل�سلمــــة م�سدر قــــوة فعلية

للجهــــود املبذولــــة ملكافحــــة التطــــرف الداخلــــي، حيث ال يجــــد خريجيها

نف�س االإغراء للعــــودة اإىل اأعمال العنف اأو حتى منا�سرتها مثلما هو عليه

احلــــال يف الدول ذات االأغلبية امل�سلمة. ومع ذلك، تظل ال�سغوط موجودة

طاملــــا واأن املوؤ�س�سات العمومية امل�سلمة يف هذه البلدان تتاأرجح بني رف�س

االأيديولوجيات اجلهادية والتعاطف مع اأهدافها طويلة املدى.

وال تعترب االأرقام التي تقدمها احلكومات حول معدل االنتكا�س والوعود

املوقعة معايريا دقيقة ملدى جنــــاح جهود ردع التطرف. ومعدالت النجاح

التي ن�سرتها بع�س ال�سلطــــات ال تغطي �سوى فرتة زمنية ق�سرية، وبذلك

فهــــي تقريبا ال معنى لهــــا. وقد تكون االأرقام الدقيقــــة التي جمعت خلل

فــــرتة زمنية اأطــــول، يف النهاية، معيــــارا اأ�سدق لقيا�س مــــدى االجناز اأو

الف�ســــل، لكن يف ظل عــــدم وجود طريقة ملقارنة �سلوك مــــن خ�سعوا لهذه

الربامج ب�سلوك ممــــن مل يخ�سعوا لها فاإن تقييم معدالت النجاح ي�سبح

غري مقنعا.

وتعتــــرب مراقبــــة اجلمعيات للمطلــــق �سراحهم ب�ســــروط وكذلك اأن�سطة

االنرتنت اإىل حد ما عوامل م�ساعدة لتحديد م�ستوى جناح هذه الربامج،

ولكــــن يف نهايــــة املطاف فــــاإن الطريقــــة الرئي�سية لقيا�س عــــدد املعتقلني

اخلريجــــني الذيــــن ال زالوا متطرفــــني ومدمنني على العنــــف هي عودتهم

للعنــــف. وبينما ت�سري البيانات املحدودة اإىل اأن االأغلبية مل يعودوا لذلك،

فاإنــــه من املمكــــن اأن البع�س ما زالوا يوا�سلون دعــــم احلركات اجلهادية

املتطرفــــة بطرق غري عنيفــــة ولكن فعالة، اإذ اأن جماعــــات - كالقاعدة -

�ستظــــل بحاجــــة اإىل جمندين جــــدد وجامعي تربعات حتــــى حتافظ على

اإدارة عملياتهــــا. ويف احلني ذاته، قد ي�سعى املطلق �سراحهم ب�سروط اإىل

تبنــــي “اجلهاد اللني” من خلل االنخراط يف دعاوى ق�سائية تافهة �سد

قــــني بذلك منابر احلــــوار والنقد احلــــر ومثريين قوانني خ�سومهــــم، مغلم

خطــــب الكراهية، ف�سل عن العمل من اأجل فر�س ال�سريعة االإ�سلمية يف

اأو�ساط ال�سعوب الغربيــــة. ومبهاجمة امل�سكلة من املنظورين االأيديولوجي

واملجتمعــــي معا، فاإن هذه الربامج قــــد تكون م�سدر عون جلهود مكافحة

االإرهــــاب. لكــــن االأكيد اأن الزمن وحــــده كفيل باإخبارنا عــــن مدى فعالية

برامــــج اإعادة التاأهيل، لهذا ينبغي اإف�ساح املجال لبع�س التحفظ اإزاء اأي

برنامج قبل اإيداع الثقة فيه كعلج ناجع للتطرف.

ME

Arc

hiv

E

وماذا بعد؟: الأرقام التي تقدمها احلكومات حول معدل النتكا�س لي�ست معيارا دقيقا ملدى جناح جهود ردع التطرف

Page 78: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 156 157ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

الهوامـــ�ض

)1( �سحيفة “�سرتيت تاميز” ال�سنغافورية، 3 اآب/اأغ�سط�س 2009.

توز/يوليو 2007. )2( موقع اإ�سلم اأونلين، 9

)3( لورن�س رايت، »التمرد من الداخل«، جملة “نيويوركر”، 2 حزيران/يونيو

.2008

)4( نيكـــول �سرتاكـــه، »ال�سجـــون العربية: اأماكـــن للحوار واالإ�ســـلح«، جملة

.2007 ،4 العدد تريورزم”، اأون كتيف�س “بري�سبم)5( رايت، »التمرد من الداخل«.

)6( �سحيفة “اجلارديان” اللندنية، 27 توز/يوليو 2007.

)7( �سحيفة “�سرتيت تاميز” ال�سنغافورية، 3 اآب/اأغ�سط�س 2009.

)8( هويل فليت�سر، »اجلماعة االإ�سلمية«، جمل�س العلقات اخلارجية،

30 اأيار/مايو 2008.

)9( كيفن بريينو، »اإعادة تاأهيل اأبو جندل«، جملة “نيوزويك” االأمريكية،

29 اأيار/مايو 2009.

)10( �سحيفـــة “مين تاميز” اليمنية، 12 اآب/اأغ�سط�س 2009؛ غريغوري دي.

جون�ســـن، »الـــدور اليمني الفاتر يف احلرب على االإرهـــاب«، تريوريزم مونيتور

)مراقب االإرهاب(، موؤ�س�سة جيم�ستاون، 23 �سباط/فرباير 2006.

)11( بريينو، »اإعادة تاأهيل اأبو جندل«.

)12( �سحيفة “مين تاميز”، 12 اآب/اأغ�سط�س 2009.

)13( بريينو، »اإعادة تاأهيل اأبو جندل«.

)14( جملة “التامي” االأمريكية، 7 كانون الثاين/يناير 2010.

)15( بريينو، »اإعادة تاأهيل اأبو جندل«.

)16( امل�سدر ال�سابق نف�سه.

)17( لورن�س اإي. كلين، »تغيري ال�سلوك اجلهادي: النموذج ال�سعودي«، جملة

احلروب ال�سغرية، 10 ني�سان/اأبريل 2009.

)18( كري�ستوفر بوت�سيك، »االإ�سرتاتيجية ال�سعودية اللينة يف حماربة االإرهاب:

الوقايـــة والتاأهيل والنقاهة«، اأوراق كارنيغي، موؤ�س�سة كارنيغي لل�سلم العاملي،

اأيلول/�سبتمرب 2008.

)19( �سحيفة “نيويورك تاميز”، 7 ت�سرين الثاين/نوفمرب 2008.

)20( �سرياز ماهر، »عيادة بيتي فورد للجهاديني«، �سحيفة “�سنداي تاميز”

اللندنية، 6 توز/يوليو 2008.

)21( �سرتاكه، »ال�سجون العربية: اأماكن للحوار واالإ�سلح«.

)22( كلين، »تغيري ال�سلوك اجلهادي: النموذج ال�سعودي«.

)23( امل�سدر ال�سابق.

)24( �سحيفة “نيويورك تاميز”، 7 ت�سرين الثاين/نوفمرب 2008.

)25( امل�سدر ال�سابق نف�سه.

)26( بريينو، »اإعادة تاأهيل اأبو جندل«.

)27( �سحيفة “�سعودي جازيت”، 29 كانون الثاين/يناير 2009، مت احل�سول

عليها يف 11 ت�سرين االأول/اأكتوبر 2009.

)28( كيلي مكيفري، »حاولوا اإجبار حممد العويف للذهاب اإىل مركز التاأهيل«،

موقع freedetainees.org، مت الدخول اإليه يف 3 �سباط/فرباير 2010.

)29( �سحيفـــة “�سعودي جازت”، 29 كانون الثاين/يناير 2009، مت احل�سول

عليها يف 11 ت�سرين االأول/اأكتوبر 2009.

)30( �سحيفة “نيويورك تاميز”، 3 �سباط/فرباير 2009.

)31( بوت�سيك، »االإ�سرتاتيجية ال�سعودية اللينة يف حماربة االإرهاب: الوقاية

والتاأهيل والنقاهة«.

)32( »امل�سئولـــون االأمريكيون يثنون على برنامج تاأهيـــل املعتقلني ال�سعودي«،

ال�سفارة ال�سعودية بالعا�سمة وا�سنطن، 8 توز/يوليو 2009.

)33( جيفـــري اأزارفـــا، »هل �سيا�سة االعتقال االأمريكيـــة يف العراق ناجحة؟«،

.14 - ف�سلية ال�سرق االأو�سط، �ستاء 2009، �س 5

)34( امل�سدر ال�سابق.

)35( جوديـــث ميلر، »مكافحة اجلهـــاد االأمريكي«، جملة “�سيتي” االأمريكية،

2 اأيار/مايو 2008.

)36( اأزارفا، »هل �سيا�سة االعتقال االأمريكية يف العراق ناجحة؟«.

)37( امل�سدر ال�سابق.

)38( امل�سدر ال�سابق.

)39( موقع مالي�سيان اإن�سايدر ، 22 اآذار/مار�س 2009.

)40( فالـــريي ت�سو، »موؤامـــرة اجلماعة االإ�سلمية لتفجـــري بعثات دبلوما�سية

يف �سنغافـــورة، 2001/2002«، مو�سوعة »اإنفوبيديا �سنغافورة«، جمل�س املكتبات

الوطنية يف �سنغافورة، 20 كانون الثاين/يناير 2009.

)41( »حـــول جماعـــة التاأهيل الدينـــي«، �سنغافورة، مت احل�ســـول عليها يف 12

ت�سرين االأول/اأكتوبر 2009.

)42( وليـــم جي. دوب�سون، »اأف�سل مر�سد جليتمو؟ انظر ل�سنغافورة«، �سحيفة

17 اأيار/مايو 2009. بو�ست”، “وا�سنطن )43( امل�سدر ال�سابق نف�سه.

)44( امل�سدر ال�سابق نف�سه.

)45( اإ�سرتاتيجيـــة الردع: مر�سد لل�ســـركاء املحليني يف اإجنلرتا )لندن: وزارة

الداخلية الربيطانية، اأيار/مايو 2008(، �س 28.

)46( �سحيفة “االإندبندينت” اللندنية، 28 اآذار/مار�س 2009.

)47( �سحيفة “�سنداي تاميز” الربيطانية، 17 اأيار/مايو 2009.

)48( اإ�سرتاتيجيـــة الـــردع: مر�ســـد لل�ســـركاء املحليـــني يف اإجنلـــرتا، �س 28؛

�سحيفة “�سنداي تاميز”، 17 اأيار/مايو 2009.

)49( اأنظر مثل �سحيفة “التليغراف” اللندنية، 28 �سباط/فرباير 2008.

)50( �ستيفن �سوارتز، »التخلي عن طارق رم�سان«، جملة “اأمريكان ثينكر”،

28 اآب/اأغ�سط�س 2009.

)51( �سحيفة “اجلارديان” الربيطانية، 31 اآب/اأغ�سط�س 2005.

)52( �سحيفة “�سكوتلند اأون �سنداي”، اإدنربة، 14 حزيران/يونيو 2009.

)53( �سحيفة “التليغراف”، 11 كانون الثاين/يناير 2010.

)54( بي بي �سي. االإخبارية، 12 اآذار/مار�س 2010.

)55( �سحيفة “�سكوتلند اأون �سنداي”، 14 حزيران/يونيو 2009.

)56( مدونة “لتل جرين فوتبول”، 9 حزيران/يونيو 2006.

)57( �سحيفة “تورنتو �ستار” الكندية، 3 حزيران/يونيو 2009.

)58( موقع العربية نت، دبي، 11 اآذار/مار�س 2009.

)59( �سي بي اإ�س االإخبارية، 20 توز/يوليو 2006؛ موقع العربية نت،

11 اآذار/مار�س 2009.

)60( �سحيفة “نا�سنل بو�ست” الكندية، 11 �سباط/فرباير 2009.

)61( �سحيفة “تورنتو �ستار” الكندية، 23 حزيران/يونيو 2009.

)62( بي بي �سي االإخبارية، 2 كانون الثاين/يناير 2010.

جيوبوليتيك

نظرات فـي ق�سايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�سرة

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

Page 79: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 158 159ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اأ�ستـــاذ ونائب رئي�س مركز الدرا�سات االأمريكية يف جامعة فودان ب�سنغهاي. وقد وو �سينبـــو

ن�ســـر املقال يف ف�سليـــة »وا�سنطن كوارتريل« يف عددها ال�ســـادر يف ت�سرين االأول/اأكتوبر

2010، وقام بنقله اإىل العربية الباحث يف العلقات الدولية، علي ح�سني باكري.

النعكا�شات اجليو�شيا�شية

لالأزمة املالية العاملية

معاناة الواليات املتحدة ارتكز موقع الواليات

املتحـــدة البـــارز يف العامل على دعامتني اأ�سا�سيتـــني: قوتها االقت�سادية

والع�سكريـــة ال�ساحقة. ومـــع ذلك، فقد تعر�ست هاتـــني الركيزتني اإىل

التحطـــم خلل العقد املا�سي. فبينما اختـــربت احلروب يف اأفغان�ستان

والعراق حدود القوة الع�سكرية االأمريكية، ك�سفت االأزمة املالية العاملية

ه�سا�سة االقت�ساد االأمريكي.

ففـــي ال�سبعينيـــات والثمانينيـــات، فر�ســـت كل مـــن اليابـــان واأملانيا

حتديـــات متزايدة علـــى الواليات املتحدة مقو�ســـة تفوقها االقت�سادي.

لكـــن يف الت�سعينيـــات، �سهدت الواليـــات املتحدة اأطـــول دورة للزدهار

االقت�ســـادي على االإطلق متفوقة على اليابـــان واأملانيا باأ�سواط وتاركة

اإياهما خلفها.

�ســـكل الناجت املحلي االإجمايل ال�سنوي للواليات املتحدة يف تلك الفرتة

املمتـــدة من العـــام 1999 وحتـــى 2001 اأكرث من 28% مـــن حجم الناجت

املحلي االإجمايل العاملي، وهـــي الن�سبة االأعلى امل�سجلة منذ عقود. لكن

ة الواليات املتحدة من حجم الناجت املحلي ومنذ العام 2002، اأخذت ح�س

االإجمايل العاملي باالنخفا�س ن�سبيا نظرا لتباطوؤ منوها االقت�سادي من

جهـــة، و�سعود االقت�سادات النامية من جهة اأخرى ويف طليعتها ال�سني

والهنـــد. لقد �سلطـــت االأزمة ال�سوء بكل ب�ساطة علـــى �سعف االقت�ساد

االأمريكـــي والتغـــري الكبـــري يف امل�سهـــد االقت�ســـادي العاملـــي، لعدد من

االأ�سباب منها:

1. اأن الواليـــات املتحـــدة اعتمدت على الدعم املايل من ال�سني وعدد

من الدول االأخرى ملواجهة االأزمة.

2. اأن اأداء ال�ســـني االقت�ســـادي واأداء االقت�ســـادات الناميـــة االأخرى

خـــلل االأزمـــة يف العـــام 2008 و2009 كان اأف�ســـل مـــن اأداء الواليـــات

املتحدة.

3. اأن ال�سني واالقت�سادات الناميـــة االأخرى ولي�س الواليات املتحدة،

هي التي ا�ستلمت زمام املبادرة يف قيادة االقت�ساد العاملي للتعايف.

لكـــن وب�ســـكل عـــام، قد تبقـــى االأزمة املاليـــة العاملية جمـــرد حلقة يف

علـــى الرغـــم مـــن اأن الأزمة املالية العاملية التي تفجرت يف خريف العام 2008 تتجه نحو النح�ســـار ��ســـول اإىل

نهايتها، فما زال من املبكر جدا معرفة مدى حجم اخل�ســـائر التي ت�ســـببت بها لالقت�ســـاد العاملي بدقة. فمن

منظور ماكر��سيا�ســـي �اقت�ســـادي، ��سع ال�سطراب املايل العاملي هذا �ب�سكل ر�ســـمي حدا لالأحادية القطبية

حلقبة ما بعد احلرب الباردة التي �ســـهدت هيمنة القوة الأمريكية �منوذجها التنموي ال�سيا�ســـي �القت�سادي

العاملي املزعوم، �نفوذها الد�يل ال�ســـاحق �الذي �ســـكل عالمة فارقة يف تلك احلقبة. �تتميز احلقبة اجلديدة

التي تلوح يف الأفق برب�ز بنية قوة متعددة الأقطاب، �بنماذج �سيا�سية �اقت�سادية متعددة، �بالعبني متعددين

على ال�ساحة الد�لية.

وو �سينبو

[email protected]

جيوبوليتيك

�سل�سلـــة التغريات البعيدة املدى للقت�ساد العاملي. ومن املمكن اجلدال

يف هذا املجال باأن االأزمة مل تطلق اجتاها جديدا واإمنا اأدت اإىل ت�سريع

االجتـــاه الذي كان قائما اأ�سل كا�سفة عـــن عمق وات�ساع التحوالت التي

اأدت اإىل بروزها.

هت لكن ولكون الواليات املتحدة يف �سلب االأزمة املالية العاملية، فقد وجر

انتقادات وا�سعـــة لنموذجها التنموي. فقد عززت نهاية احلرب الباردة

�سابقا والطفـــرة االقت�سادية التـــي �سهدتها البلد خـــلل الت�سعينيات

موقع الواليـــات املتحدة باعتبارها مركز ال�سيا�ســـة االقت�سادية واالأداء

االقت�ســـادي يف العامل، وقد دفع ذلـــك وا�سنطن اإىل الرتويج لنموذجها

التنموي بحما�سة. ويقوم لب هذا النموذج على اأ�سطورة االأ�سواق احلرة

التـــي تقول اإن ال�سوق هي العن�سر االأكـــرث فعالية وكفاءة يف توليد النمو

االقت�ســـادي، بينمـــا يجب اأن ينح�سر دور الدولـــة واحلكومة يف احلياة

االقت�سادية يف حده االأدنى. لكن اال�سطراب املايل الذي ح�سل، ك�سف

اجل�ســـع غـــري املحـــدود والتدمري الهائل الـــذي اأحدثتـــه »وول �سرتيت«،

و�سلطت ال�سوء على الوجه الب�سع واخلطر لل�سوق احلرة. وتثل الدر�س

يف اأن دور الدولـــة ال يكمن فقط يف التدخل واإعداد خطة االإنقاذ عندما

يقع االقت�ساد يف ورطـــة كبرية، لكن االأهم من ذلك مراقبة ال�سوق عن

كثب يف خمتلف االأوقات.

ومن االأ�سباب الرئي�سية التي يعتقد اأنها م�سوؤولة عن الت�سبب بالكارثة

املاليـــة، عـــدم وجود رقابـــة فعالة علـــى ال�سوق مـــن جهـــة، اإ�سافة اإىل

االعتمـــاد الزائد على االقت�ســـاد االفرتا�سي. فمنـــذ ال�سبعينيات حيث

كان القطـــاع ال�سناعي ميثل 23.8% من اإجمـــايل الناجت املحلي للبلد،

غـــري اأن هذا القطاع بـــداأ يف الرتاجع ل�سالح القطـــاع املايل الذي اأخذ

يتحول اإىل العن�سر االأكـــرث م�ساهمة يف املخرجات االقت�سادية للبلد.

ففي العام 2007، اأي قبل عام واحد من االأزمة املالية العاملية، بلغ حجم

االقت�ســـاد االفرتا�ســـي حوايل 8% من الناجت املحلـــي االإجمايل للبلد،

Page 80: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 160 161ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

بينمـــا انخف�ست م�ساهمـــة القطاع ال�سناعـــي اإىل 11.7% )يف املقابل،

بلغـــت ن�سبـــة م�ساهمة هذين القطاعني يف ال�ســـني يف نف�س العام %4.4

و43% علـــى التوايل( ، وبدا وا�سحا اأن االعتماد املتزايد على االقت�ساد

االفرتا�ســـي اأدى اإىل ن�سوء فقاعة مالية �سخمة انفجرت يف نهاية االأمر

يف خريف عام 2008.

اأدى اال�سطراب املايل اأي�سا اإىل الت�سكيك يف ا�ستقرار الدوالر، االأمر

الـــذي دفـــع بـــدوره اإىل اإ�سعاف ثقة العـــامل به كاأكرب عملـــة احتياط يف

العامل. ففي 24 اآذار/ مار�س 2009، وقبل اأ�سبوع واحد من قمة الع�سرين

)G-20( يف لنـــدن، طالـــب ت�ســـو �سياو�ســـوان حاكم امل�ســـرف املركزي

ال�سينـــي باإيجـــاد عملة جديدة حتل حمل الـــدوالر يف التعاملت املالية

العامليـــة. وكان �سابقا قد اقـــرتح تو�سيع حقوق ال�سحـــب اخلا�سة )وهو

نـــوع م�سطنع مـــن العملة اأوجده �سندوق النقد الـــدويل يف ال�ستينيات(

لت�سهيل االنتقال من االعتماد على نظام احتياطي الدوالر اإىل االعتماد

على نظام احتياط عاملي جديد. ويعك�س اقرتاح حاكم امل�سرف املركزي

قلـــق ال�سني على ا�ستقرار النظام املـــايل العاملي، وهو قلق تت�ساطره مع

العديـــد من الدول كرو�سيا، ومت تكـــراره يف تقرير للأمم املتحدة اقرتح

يف حينه “اإمكانية اإن�ساء نظام احتياط عاملي جديد، نظام ال يعتمد على

الدوالر فقط كعملة رئي�سية وحيدة للحتياط العاملي”.

ويف الوقـــت الذي يعتـــرب فيه اإن�ساء عملة احتيـــاط دولية جديدة هدفا

بعيـــد املـــدى، دعت ال�ســـني - التي تتلـــك ح�سة كبرية مـــن ال�سندات

احلكوميـــة االأمريكيـــة - وا�سنطن العتماد �سيا�ســـات مالية واقت�سادية

م�سوؤولـــة ب�ســـكل اأكرب لتفـــادي ح�ســـول املزيد من االنخفا�ـــس يف قيمة

الـــدوالر. ويف القمـــة الرابعة ملجموعـــة الع�سريـــن )G-20( التي عقدت

نتاو يف تورونتـــو يف حزيران/ يونيو 2010، اأعـــاد الرئي�س ال�سيني هو جم

طـــرح ملحظاتـــه التـــي كان اأعلنها يف اجتمـــاع بطر�سبـــورغ يف اأيلول/

�سبتمرب 2009 داعيـــا »البلدان الرئي�سية التي تتلك احتياطي كبري من

العمـــلت اإىل �سرورة اأن تاأخذ بعني االعتبار وتوازن بني اآثار �سيا�ساتها

النقديـــة بالن�سبة القت�ساداتها وبالن�سبة للقت�ســـاد العاملي، عرب روؤية

تعمـــل علـــى دعـــم ا�ستقـــرار االأ�ســـواق املالية العامليـــة«. كما �ســـدد على

احلاجة اإىل »ت�سديـــد الرقابة على ال�سيا�سات املاكرو اقت�سادية جلميع

البلـــدان، خا�سة تلـــك االقت�سادات الرئي�سية التـــي ت�ستخدم عملتها يف

االحتياطات العاملية«. يف املا�ســـي، غالبا ما كانت الواليات املتحدة هي

التي ت�سري باإ�سبعهـــا اإىل ال�سيا�سات االقت�سادية واملالية للآخرين. اأما

االآن، فقـــد اأعطت االأزمة الفر�سة للـــدول االأخرى لكي تلوح باأ�سبعها يف

ف فقط ثقة االآخرين فقط يف ا�ستقرار وجـــه وا�سنطن. فاالأزمة مل ت�سعم

الدوالر االأمريكي، واإمنا اأثارت املخاوف والقلق اأي�سا حول مدى �سلمة

ال�سيا�سات املاكرو اقت�سادية لوا�سنطن.

لقـــد اأدى اال�سطراب املايل اإىل تقوي�س التاأثـــري االأمريكي يف احلكم

االقت�ســـادي العاملي. وقد ن�سبت العديد من الدول، ال�سيما تلك النامية

االأزمـــة اإىل عيـــوب النظام املـــايل العاملي الـــذي تهيمن عليـــه الواليات

املتحـــدة، ونـــادت باإن�ساء نظام مـــايل عاملي جديد اأكـــرث �سمولية وعدال

واإن�سافـــا. يف قمة جمموعة الع�سريـــن التي عقدت يف بطر�سبورج، قدم

القادة هذا التجمع »كمنتدى رئي�سي للتعاون االقت�سادي العاملي« ووعدوا

ة الكوتـــا يف �سندوق النقد الدويل اإىل بنقـــل ما ال يقل عن 5% من ح�س

ة االأ�ســـواق ال�ساعدة والـــدول النامية، وزيادة على االأقـــل 3% من ح�س

الت�سويت اإىل الدول الناميـــة يف البنك الدويل. ا�ستخدم الغرب �سابقا

)G-8( والــــ )G-7( والــــ )G-5( الأكـــرث مـــن ثلثة عقـــود جتمعات الــــ

الحتـــكار التن�سيـــق يف ال�سيا�سات املاكرو اقت�ساديـــة الدولية، وب�سفتها

قائدة للعامل الغربي، ا�ستطاعت وا�سنطن اأن ت�سوق اأفكارها فيما يتعلق

بال�سيا�سات املاكرو اقت�سادية الدولية بني اأتباعها من الدول النامية.

ة اأما االآن، ومع حلول جتمع الع�سرين )G-20( مكان الـ )G-8( كمن�س

اأ�سا�سيـــة ملناق�سة االقت�ســـاد العاملي، اأ�سبح لـــدى االقت�سادات النامية

منتـــدى ت�ستطيع مـــن خللـــه اأن تو�سل خماوفهـــا واهتماماتهـــا ب�سكل

اأكـــرث فعاليـــة وتاأثري. علـــى عك�س االقت�ســـادات املتطـــورة، فاإنهم اأكرث

ت�سكيـــكا بالـــدور االأمريكي �سواء فيمـــا يتعلق بكونه منوذجـــا للتنمية اأو

ة قائدا لعملية احلوكمـــة االقت�سادية العاملية. وعلى الرغم من اأن ح�س

الواليـــات املتحدة يف الت�سويـــت يف البنك الـــدويل مل تتقل�س )وكذلك

تها يف �سندوق النقد الدويل يف امل�ستقبل القريب(، االأمر بالن�سبة حل�س

جيوبوليتيك

يعتقــد التــي الرئي�ســية االأ�ســباب مــن

بالكارثــة الت�ســبب عــن م�ســوؤولة اأنهــا

املاليــة العامليــة بــدءا من اأمــريكا، عدم

وجــود رقابــة فعالــة علــى ال�ســوق مــن

جهة، اإ�ســافة اإىل االعتماد الزائد على

االقت�ساد االفرتا�سي

فـــاإن زيادة ثقل االأ�ســـواق ال�ساعدة والدول النامية يف هـــذه املوؤ�س�سات

�سيجعـــل حماوالت وا�سنطن احل�سول على دعم ملوقفها اأكرث �سعوبة يف

امل�ستقبل.

كما اأثارت االأزمة انتقادات لنمط احلياة االأمريكي املتمثل باالقرتا�س

الزائـــد عن حـــده واالدخـــار املنخف�ـــس. اإذ ي�سود االعتقـــاد على نطاق

وا�ســـع بـــاأن اال�ستهلك املفرط املمـــول من االقرتا�ـــس الزائد عن حده

يعـــد جزءا من امل�سكلة التي تقف خلف تفجر االأزمة املالية العاملية. ويف

حقيقـــة االأمر، فاإن ثقافة بطاقة االئتمـــان جعلت الكثري من االأمريكيني

العاديني يعتربون اأن االإنفاق املفرط واالدخار القليل اأمرا مفروغا منه.

ولفـــرتة طويلـــة، ظل احللـــم االأمريكي – العي�س يف منـــزل كبري واقتناء

�سيـــارة فخمـــة- يغـــري النا�س

على احليـــاة بطريقة اأكرب من

اأن يتحملوهـــا فعليـــا. بالن�سبة

الواليـــات للأ�سخا�ـــس خـــارج

املتحدة االأمريكيـــة، فاإن ذلك

لي�ـــس جمـــرد مو�ســـوع مـــايل

فردي فقط، واإمنا مو�سوع بيئة

وطاقة اأي�سا، طاملا اأن الواليات

املتحـــدة ت�ستهلـــك الكثـــري من

الوارد وتنتج الكثري من الغازات

الدفيئـــة اإن مـــن حيث املجموع

ة الفرد الكلي اأو من حيث ح�س

من هذا املجمـــوع. يف املا�سي،

�سكل منـــط احليـــاة الع�سرية

يف الواليـــات املتحـــدة منوذجا

البلـــدان يف للنا�ـــس مغريـــا

الناميـــة ممـــا حفزهـــم علـــى

العمل اجلاد لتحقيق االزدهار

االقت�سادي والفورة يف املواد.

اأما االآن، فاإن احلياة الب�سيطة

وال�سديقـــة للبيئة ت�سبح منطا اأكثري تقدمية مـــن املثال ال�سابق، اإذ اأن

منـــط احلياة االأمريكي بالن�سبـــة له اأ�سبح مرادفـــا للإ�سراف والتبذير

ف�سل عن تبديد املوارد والطاقة.

مكت�ســبات ال�ســن �سحيـــح اأن ال�ســـني

عانـــت اقت�ساديا من االأزمة واإن ب�سكل متو�سط، لكنها ك�سبت يف املقابل

عنا�ســـر اقت�سادية و�سيا�سية ب�سكل ملحوظ. فالنموذج التنموي لل�سني

- الذي يركز على الدور املحوري للدولة يف التنمية االقت�سادية، ويرتكز

علـــى االقت�ساد احلقيقي بدال من االقت�ســـاد االفرتا�سي، ارتفاع معدل

االدخـــار، التحريـــر املدرو�ـــس للأ�سواق املاليـــة، ..الخ - جعـــل ال�سني

تتمو�ســـع يف موقـــع اأف�سل ملواجهـــة العا�سفـــة املالية العامليـــة، وتقل�س

اخل�سائـــر املرتبطة بها اإىل اأقل قدر ممكن. وكدولة نامية، بدا النموذج

ال�سيني اأكرث ملءمة للعامل النامي. فكما الحظ األيك�س بريي من جملة

التـــامي Time »فـــاإن احلكومـــات االأفريقية نظرت اىل عـــدم اال�ستقرار

االقت�سادي للغرب خلل العامـــني املا�سيني ووجدت منوذجا اأف�سل يف

النمو االقت�سادي املذهل الآ�سيا«.

يف حقبـــة ما بعد احلـــرب الباردة، مت تظهري النمـــوذج االأمريكي على

اأنـــه ال�سبيـــل الوحيد لتحقيـــق االزدهار االقت�ســـادي. اأمـــا االآن، فيبدو

اأن النمـــوذج ال�سيني يقـــدم بديل. �سحيح اأن النمـــوذج ال�سيني لي�س

مثاليـــا، فهو يعاين حقيقة من حتديات كبرية كات�ساع الفجوة يف الدخل

والتلـــوث البيئـــي اخلطـــري والف�ساد امل�ست�ســـري. ومع ذلك، فـــاإن �سجله

يف التغلب علـــى اأزمتني ماليتني )االأزمة املاليـــة االآ�سيوية 1999-1998(

و)االأزمـــة املاليـــة العامليـــة 2008-2009( ت�سهد على قوتـــه. فعلى عك�س

وا�سنطـــن، ال حتبذ بكـــني ترويج منوذجها وفر�سه علـــى االآخرين، لكن

ال�سمعـــة املتزايـــدة للتجربة ال�سينيـــة �ستعزز بالتاأكيد مـــن و�سع بكني

العاملي وتزيد من نفوذها بني الدول النامية.

لقـــد كان هناك نقا�س دائـــر اأ�سل حول �سرورة ف�ســـل االقت�سادات

االآ�سيويـــة عـــن الواليـــات املتحـــدة قبـــل مرحلـــة االأزمة االأخـــرية نظرا

للن�ساطـــات االقت�ساديـــة املتناميـــة مـــا بـــني الـــدول االآ�سيويـــة نف�سها.

ة اأ�سا�سية ملناق�سة العبون قدامى والعبون جدد: مع حلول جمموعة الع�رصين مكان جمموعة الثمان الكبار كمن�س

القت�ساد العاملي، اأ�سبح لدى القت�سادات النامية منتدى ت�ستطيع من خالله اأن تو�سل خماوفها واهتماماتها ب�سكل اأكرث فعالية

ME

Arc

hiv

E

Page 81: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 162 163ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

وحقيقـــة اأن ال�ســـني اأ�سبحت بالفعل ال�سريك التجـــاري االأول لعدد من

االقت�ســـادات الرئي�سية يف املنطقة كاليابان وكوريـــا اجلنوبية وتايوان،

�سكلـــت حافزا اإ�سافيا لزيادة التعاون بني اقت�سادات �سرق اآ�سيا. وحتى

يف اليابان حيث و�سل احلزب الدميقراطي الياباين اإىل احلكم يف اآب/

اأغ�سط�ـــس املا�سي، فقد الحظ رئي�س الوزراء يوكيو هاتوياما اأن »االأزمة

املاليـــة احلالية اأظهرت للكثـــري من النا�س اأن حقبـــة االأحادية القطبية

االأمريكية قد تنتهي. كما اأثارت ال�سكوك لدى النا�س حول قدرة الدوالر

على البقاء كعملة عاملية رئي�سية. اأ�سعر اأي�سا، وكنتيجة للف�سل يف حرب

العـــراق واالأزمة املالية العاملية، باأن حقبـــة العوملة التي تقودها الواليات

املتحـــدة �ستنتهـــي، وباأننا نبتعد عن حقبة االأحاديـــة القطبية اإىل حقبة

التعدديـــة القطبية«. واأ�ساف رئي�س الـــوزراء: »تظهر التطورات احلالية

بو�ســـوح، اأن ال�ســـني التي ت�سم اأكـــرب عدد من �سكان العـــامل �ست�سبح

واحدة من الدول الرائدة يف االقت�ساد العاملي، يف الوقت الذي �ست�ستمر

فيـــه اأي�سا بالتو�سع يف قوتها الع�سكرية«. لقد تعهد رئي�س الوزراء بتقوية

علقـــات بـــلده مع دول اآ�سيـــا، وخا�سة مع ال�سني لبنـــاء جمتمع �سرق

اآ�سيـــا. وال �سك اأنه و�سع هذا ويف ذهنه اأهمية ال�سني املتزايدة بالن�سبة

للقت�ساد الياباين م�ستقبل.

وكمـــا اليابان، اأعربـــت كوريا اجلنوبية عـــن حما�ستها بعقـــد اتفاقية

للتجارة احلرة مع ال�سني يف اأقرب وقت ممكن. ووقعت تايوان اأي�سا يف

حزيران/يونيـــو 2009 مع ال�سني االأم اتفاقية اإطار التعاون االقت�سادي

)ECFA(، مـــا يعـــد خطوة كبرية اإىل االأمـــام يف العلقات بني الكيانني

عـــرب امل�سيـــق. وين�س االتفـــاق على توحيـــد التعرفـــة اجلمركية، وعلى

�سمان �سهول الو�سول اإىل االأ�سواق، على اأن يتم اإلغاء التعرفة اجلمركية

مبوجبه خلل �سنتني وتطبـــق على اأكرث من 539 �سلعة تايوانية م�سدرة

اإىل ال�سني بقيمة 13.84 مليار دوالر كما على 267 �سلعة �سينية م�سدرة

اإىل تايـــوان بقيمة 2.86 مليار دوالر. و�سيتيح االتفـــاق اأي�سا للموؤ�س�سات

وال�ســـركات التايوانية الو�ســـول اإىل 11 قطاع خدمـــات يف ال�سني االأم،

من بينها البنوك، واملحا�سبة، والتاأمني واال�ست�سفاء. وال �سك اأن االأزمة

املاليـــة �سمحت لبكني بت�سجيـــع اال�ستهلك الداخلي اأي�ســـا، وهو االأمر

الذي �سي�سمح لل�سني - طاملا اأنه يف ت�ساعد م�ستمر - اأن تعزز روابطها

االقت�سادية مع �سركائها االإقليميني ويقوي من دورها كمحور اقت�سادي

يف �سرق اآ�سيا.

باخت�سار، اأكد اال�سطراب املايل واالقت�سادي موقع ال�سني كمحرك

للقت�ســـاد االإقليمي االآ�سيـــوي، وللقت�ساد العاملي اأي�ســـا. على �سعيد

ال�سيا�ســـة الدولية، فمن املعروف اأن العلقـــات ال�سيا�سية واالقت�سادية

تتبعـــان بع�سهما البع�س. بعد احلرب العاملية الثانية، قامت العديد من

الـــدول االإقليمية بتطوير علقات وثيقة مـــع الواليات املتحدة االأمريكية

تبعهـــا ترتيبات اأمنيـــة و�سيا�سية مع وا�سنطن. ومـــن نف�س املنظور، فاإن

تعميـــق الروابط االقت�سادية ال�سينية مـــع �سركائها االإقليميني حا�سرا

وم�ستقبل يعد بتو�سيع نفوذها ال�سيا�سي يف �سرق اآ�سيا.

اآخذيـــن بعني االعتبار منـــو حجم ال�سني االقت�ســـادي واأدائها املمتاز

خلل االأزمة، فاإنه لي�س من امل�ستغرب اأن اال�سطراب املايل العاملي اأدى

اإىل رفـــع مكانة ال�ســـني يف احلوكمة االقت�ساديـــة العاملية. كما اأظهرت

االأزمة جمموعة الع�سرين )G-20( كمنتدى رئي�سي للتعاون االقت�سادي

العاملي، مغطية على الدور التقليدي ملجموعة الثماين الكبار )G-8( يف

االقت�ساد العاملي. واحتلت ال�سني قلب جمموعة الع�سرين لكونها حتتل

املرتبـــة الثالثـــة يف االقت�ساد العاملـــي، ولكونها �ساحبـــة اأكرب احتياطي

عمـــلت اأجنبيـــة يف العـــامل. كما راجت فكـــرة اإن�ســـاء جمموعة االثنني

الكبـــار )G-2( التي ت�سم الواليات املتحـــدة وال�سني، الإدارة االقت�ساد

العاملـــي واجليوبوليتيـــكا الدولية بـــني الباحثني االأمريكيـــني وامل�سئولني

ال�سابقـــني )علـــى الرغم من اأنها مل تلق ترحيبـــا ال من وا�سنطن وال من

بكني(، وهذه الفكرة – على اأية حال - تثل اعرتافا بالوزن االقت�سادي

واجليوبوليتيكي الـــذي اكت�سبته بكني حديثا. ففي ني�سان/ اأبريل 2010،

ة الت�سويـــت اخلا�سة بها يف هذه املوؤ�س�سة قـــرر البنك الدويل رفع ح�س

جيوبوليتيك

التطلع للقمة: اأفادت الأزمة املالية ال�سني بت�رصيعها املرحلة النتقالية للقوة القت�سادية واملالية، حمولة ال�سني من لعب هام�سي اإىل لعب اأ�سا�سي

ME

Arc

hiv

E

لت�سبـــح ثالث اأكرب م�سوت، ومن املتوقع اأن يقوم �سندوق النقد الدويل

بنف�س االأمر فيعزز تثيل ال�سني فيه.

اإجمـــاال، فقد اأفادت االأزمة املالية ال�سني بت�سريعها املرحلة االنتقالية

للقـــوة االقت�سادية واملالية حمولة ال�سني مـــن العب هام�سي اإىل العب

اأ�سا�سي. اأخـــريا ولي�س اآخرا، اأعطت االأزمة العملـــة ال�سينية )اليوان(

�سمعـــة ح�سنـــة لقوتهـــا وا�ستقرارهـــا. �سحيـــح اأنـــه خلل الفـــرتة التي

�سبقت االأزمة اأي�ســـا كان »اليوان« ي�ستخدم يف التجارة الثائية بني عدد

من جـــريان ال�سني، لكن االأزمـــة املالية ك�سفت عـــدم ا�ستقرار الدوالر

االأمريكـــي و�سلطت ال�سوء يف املقابل على قـــوة »اليوان« ال�سيني. وعلى

الرغم من ان اليـــوان ال�سيني ال يتمتع بحرية التحويل، فقد اأبدا بع�س

كبـــار ال�ســـركاء التجاريني لل�ســـني رغبتهم يف زيـــادة االعتماد عليه يف

الوقت الذي كان يعاين فيـــه الدوالر االأمريكي من ال�سعف، االأمر الذي

اأثار قلقا من اأن يوؤدي عدم ا�ستقرار الدوالر اإىل رفع التكاليف واملخاطر

يف التجارة. ومنذ بدء االأزمة، وقعت ال�سني

اتفاقيات تبادل عملت ثنائية مع االأرجنتني

وبيلرو�سيا واأي�سلنـــدا واإندوني�سيا وماليزيا

وهونـــغ كونـــغ و�سنغافورة وكوريـــا اجلنوبية

بحجـــم اإجمايل كلي بلغ حوايل 803.5 مليار

»يـــوان« )اأي حـــوايل 118.1 مليـــار دوالر(.

وقامت بع�س الـــدول اأي�ســـا باالعتماد على

اليوان ال�سيني كواحـــدة من العملت التي

ميكـــن االعتماد عليهـــا يف احتياطياتها من

العملت االأجنبية.

لقـــد دفعت االأزمة بكني اإىل التفكري جديا

يف جعـــل اليـــوان ال�سيني عملة اإقليمية. ويف بدايـــة العام 2009، وافقت

ال�ســـني علـــى طموح �سنغهـــاي بالتحـــول اإىل مركز مـــايل عاملي بحلول

العام 2020 والتوفيق بني نفـــوذ ال�سني االقت�سادي ومكانة عملتها على

ال�سعيـــد العاملي. �ستكون رحلـــة اليوان ال�سيني لي�سبـــح عملة رئي�سية

للحتيـــاط الـــدويل طويلة بطبيعة احلـــال، لكن من الوا�ســـح اأن اندالع

االأزمة املالية �سكل نقطة االنطلق لهذه الرحلة.

مــا الــذي يتغــري يف العــامل؟ مـــن املنظـــور التاريخي

الوا�سع، فاإن االأزمـــة املالية العاملية �سجلت بع�س التطورات وعجلت من

اأخـــرى �سيكون لها تاأثري كبـــري على املدى البعيد فيمـــا يتعلق بال�سيا�سة

العاملية وبالو�سع االقت�سادي.

اأوىل هـــذه التطورات: تطـــور البنية الهيكلية للقـــوة الدولية. فاإذا كان

هنـــاك اأحادية قطبيـــة يف فـــرتة الت�سعينيات فقد ذهبت هـــذه احلالة،

والعـــامل يتجه االآن بعيـــدا عنها ب�سرعـــة. و�سواء كانت البنيـــة الهيكلية

اجلديدة للقوة يف العامل متعددة االأقطاب اأو ال قطبية اأو �سيئا اآخر، فهي

اأكـــدت على �سيئ واحد على االأقل ب�ســـكل وا�سح وهو اأن قيادة احلوكمة

الدوليـــة �سيعـــاد هيكلتهـــا، و�ستحتل الـــدول الناميـــة اأو دول العامل غري

الغربيـــة موقعا متقدما يف القيادة اجلديدة و�سيكـــون �سوتها م�سموعا.

فال�سعـــود االقت�سادي للأ�ســـواق النا�سئة والدول الناميـــة بدا وا�سحا

حتـــى قبل انـــدالع االأزمة املاليـــة العاملية، ومع ذلك فقـــد اأتاحت االأزمة

الفر�ســـة لهم ترجمـــة وزنهم االقت�سادي املتنامـــي اإىل نفوذ اقت�سادي

و�سيا�سي.

ثانيها: الدور املتحول للواليات املتحدة يف ال�سوؤون الدولية، اإذ مت اعتبار

اأمـــريكا جزءا من امل�سكلة وجزءا من احلـــل اأي�سا. فمن احتلل العراق

اإىل االأزمة املالية العاملية ت�سوهت �سورة الواليات املتحدة كمنارة للأداء

االقت�ســـادي وال�سيا�سي يف العامل. فقد اأظهرت احلرب على العراق باأن

باإمكان الواليات املتحدة اإ�ساءة ا�ستخدام قوتها وحتدي املجتمع الدويل

ل�سالـــح اأولوياتها، بينمـــا برهن اال�سطراب املايل العاملـــي باأنها قادرة

على اإحلاق االأذى االقت�سادي بالعامل مبا يفوق قدرة اأي طرف على فعل

ذلك. ومبا اأنه مل يعد باإمكان وا�سنطن اأن تلعب

دور النا�ســـح يف امل�سائـــل املتعلقة باحلوكمة

املحلية اأو العاملية، فاإنه لن يكون باإمكانها اأن

توجه االأوامر للآخرين حولها. وباعتبار اأن

الواليات املتحدة قوة اقت�سادية وع�سكرية،

فاإنه لن يكون باالإمكان اال�ستغناء عنها فيما

يتعلـــق بحل امل�ساكل التي تواجه العامل، لكن

املوؤكـــد اأن موقعها ونفوذها يف العامل تراجع

ب�سكل كبري.

ثالثها: اأن العامل اأ�سبح ي�سهد االآن جهودا

اأكرث جدية يف البحث عن مناذج جديدة يف

احلكم والتعـــاون االإقليمي والتنمية املحلية.

كمـــا ي�سهد دعـــوات ملفاهيـــم تقدمية مثل »العمـــل اجلماعـــي الفعال«،

و«امل�سوؤوليـــات امل�سرتكـــة لكـــن املتباينـــة«، و«الربـــح املتبـــادل«، و«توازن

امل�سالح«، و«عامل متناغم«، اإىل جانب اإن�ساء نظام اقت�سادي و�سيا�سي

ـــف ي�ستطيـــع اأن يعزز التعـــاون يف احلكم دويل م�ستقـــر وعـــادل ومن�سم

الـــدويل اإىل اأعلى م�ستوى. كما يتم توجيه التعـــاون االإقليمي لي�س فقط

باجتـــاه تعزيز النمـــو االقت�ســـادي واإمنا

اأي�سا باجتاه املحافظة على اال�ستقرار

االإقليمي االقت�سادي واملايل.

اأما فيما يتعلق بالتنمية االقت�سادية

وال�سيا�سيـــة الداخليـــة املحليـــة، يلحـــظ

ابتعـــاد الـــدول عن فكـــرة تبنـــي اأو اإتبـــاع منوذج عاملـــي باجتـــاه اتخاذ

موقف اأكرث واقعيـــة وا�ستك�ساف طرق اأكرث ملءمة ملعطياتهم الداخلية

وظروفهـــم املحلية. كمـــا �سياأخذ النقا�س حول منـــاذج التنمية املختلفة

حيـــزا من وقت اإىل اآخر، وبا�ستثنـــاء حفنة من االأيديولوجيني، فاإن مثل

هـــذه التطورات �ستكون مدفوعـــة مبدى الفعالية التـــي �ستحققها ولي�س

باالأيديولوجيا.

من منظور ماكرو�سيا�سي واقت�سادي،

و�سع اال�سطراب املايل العاملي وب�سكل

ر�سمي حدا لاأحادية القطبية

حلقبة ما بعد احلرب الباردة التي

�سهدت هيمنة القوة االأمريكية

ومنوذجها التنموي ال�سيا�سي

واالقت�سادي العاملي املزعوم

التايل

القر�سنة

يف القرن االأفريقي

بقلم: بيرت �سولك

Page 82: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 164 165ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

القر�شنة يف القرن الأفريقي

االأمن البحري يف مواجهة تهديد متفاقم

ت�سكل املياه املحيطة مبنطقة القرن االأفريقي حاليا املنطقة االأكرث عر�سة يف العامل ملخاطر ظاهرة القر�سنة

البحرية، فقد بلغ عدد هجمات القر�سنة - املنفذة منها وحماوالت التنفيذ - حوايل 420 حادثة خلل الفرتة

املمتـــدة بني �سنة 2008 وحزيران/يونيو 2010، وكلها هجمات جرت يف هذه املنطقة اال�سرتاتيجية التي ت�سمل

ل حوايل 70% من حوادث خليـــج عدن ومنطقة جنوب البحر االأحمر واملياه االإقليمية ال�سومالية، وهو ما ي�سكر

بيرت �سولك

جيوبوليتيك

OFF

iciA

l U

.S. N

Avy

العـــامل خـــلل نف�س هذه الفرتة)1(. وبلغ عدد ال�سفن وطواقمها التي وقعـــت يف قب�سة القرا�سنة ال�سوماليني

حتـــى اآب/اأغ�سط�ـــس 2010 حـــوايل 18 �سفينة و379 �سخ�سا علـــى التوايل، وذلك للح�ســـول على فدية مقابل

م، وقد و�سل متو�سط مبالغ الفدى حتى االآن ما بني ثلثة مليون دوالر ون�سف واأربعة هم اإطلق �سراحها/�سراحم

مليون دوالر مقابل ال�سفينة الواحدة)2(. وقد اأظهرت اجلماعات التي ترتكب مثل هذه االأعمال قدرتها على

Page 83: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 166 167ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

جيوبوليتيك

العمــــل بعيدا عن ال�ساحل والنيل حتى مــــن اأكرب �سفن ال�سحن التي جتوب

املحيطات. ولهذا تتناول هــــذه املقالة كيف تعمل هذه اجلماعات، وكذلك

ما اإذا كان توظيف جهات اأمنية خا�سة متعاقدة حلماية ال�سفن ميثرل حل

ناجعا للتهديــــد الذي ت�سكله اأعمال القر�سنــــة امل�ستمرة يف منطقة القرن

االأفريقي.

مرتكبيها االأفـــريـــقـــي: الــقــرن يف الــقــر�ــســنــة

وديناميكيات الهجوم من الناحية التاريخية، كان

بحرية جنود اأو »مارينز« اأحيانا يدعى )الذي »هوبيو-هارادير« احتاد

ي�سيطرون على معظم بونت الند اإقليم ال�سومال( وجمعيات مقيمة يف

م�سرح اأعمال القر�سنة ال�سومالية. وقد كان احتاد هوبيو-هارادير اإىل

اأحد موظفي وهو حممد عبدي ح�سن، واحــد، اإنتاج رجل حد كبري من

مدينتي خارج اأ�سا�سية ب�سورة يعمل االحتاد هذا وكان �سابقا؛ الدولة

�سمال ميل 250 حوايل بعد على تقعان )اللتني و�سيل-جان �سيل-هور

العا�سمة مقدي�سو(. ويف نهاية اآب/اأغ�سط�س 2006 تراوح عدد عنا�سره

اأ�سطوال من ما ما بني خم�سة و�سبعني رجل ومائة رجل م�سلح، وامتلك

ال يقل عن مائة زورق

وكـــان .)3(

بخاري

فـــرح حــر�ــســي كــوالن

)املـــــعـــــروف اأيـــ�ـــســـا

وكان »بــويــاه«، با�سم

القر�سنة ــو »اأب يعترب

ـــد«( من يف بــونــت الن

االأ�سا�سيني اللعبني

القر�سنة م�سرح على

التجنيد عملية يف الرئي�سي وامل�سغل الفاعل باعتباره النــد، بونت يف

. اأما )4(

واملنظم واملمول ملهام مئات القرا�سنة العاملني خارج منطقة اإيل

اليوم فقد بات هوؤالء اللعبون مناف�سني للجماعات املنت�سرة يف عدد من

املمتد ال�سومايل ال�ساحل الواقعة على طول ال�ساحلية ال�سغرية القرى

ت�سمل اأ�سبحت االأ�سا�سية القر�سنة بوؤر اإن حتى ميل، 1900 طول على

.)5(

مناطق اإيل وجارارد وراأ�س ع�سري

وعلــــى الرغم من اأن معظــــم عنا�سر هذه الع�سابات هــــم من ال�سيادين

،)6(

وتربطهــــم ب�سورة عامــــة ع�سرية م�سرتكــــة و�سلــــة دم ووالءات قبلية

لكن ع�سويتها تظل غام�سة وغري حمددة، اإذ ال يوؤيد اأع�سائها اأي اأجندة

اأيديولوجية معينة وال تربطهم علقات مبتمردي حركة ال�سباب االإ�سلمية

.)7(

الذين يقاتلون حاليا احلكومة ال�سومالية املفرت�سة يف مقدي�سو

وعلــــى عك�س ما يحدث يف ميــــاه جنوب �سرق اآ�سيا التي تعــــج بالقرا�سنة،

فاإن اأغلبية حوادث القر�سنة )اأكرث من 93%( يف منطقة القرن االأفريقي

.)8(

حتــــدث جهارا نهارا، وت�ستمــــر من ثلثني اإىل خم�ــــس واأربعني دقيقة

وال�سفن االأكرث عر�سة الأعمال القر�سنة هي ال�سفن التي ي�سهل اعرتا�سها

وركوبهــــا وتلك التي تثــــل اأكرث اإمكانية يف احل�سول علــــى ربح كبري. ويف

معظــــم احلــــاالت، هذا يعنــــي اأنها تلك ال�سفــــن التي جتوب امليــــاه ب�سرعة

خم�ســــة ع�ســــر عقدة بحريــــة اأو اأقل وهيكلهــــا الطايف )امل�سافــــة بني اأعلى

ظهــــر ال�سفينــــة وخط املــــاء( منخف�ــــس، وتكــــون حمولتها بــــني املتو�سطة

.)9(

واملرتفعة

ورغــــم اأن معظم حوادث القر�سنــــة حت�سل حاليا بالقــــرب من ال�سواحل

ال�سومالية لكن الع�سابات اأظهرت قدرتها على العمل بعيدا عن ال�ساحل

يف اأعــــايل البحار، فقــــد تكن القرا�سنة ال�سوماليــــون - كما يقال - من

الو�ســــول اإىل جــــزر املالديف غربــــا وقناة موزمبيق جنوبــــا، وهم عازمون

علــــى »الهجــــرة« - نظــــرا ل�ســــوء اأحــــوال الطق�س - حــــول منطقــــة القرن

. ومن اأبرز )10(

االأفريقي خلل فرتة الريــــاح املو�سمية ال�سمالية ال�سرقية

ال�سواهــــد الدالة على هذه املقدرة هو االعتداء املعروف عام 2008 عندما

Sirius مت اختطاف الناقلة ال�سعودية العملقــــة امل�سجلة )�سرييو�س �ستار

. وعندما )11(

Star( علــــى بعد اأكرث من خم�سمائة ميل بحري عن ال�ساحل

يتــــم تنفيذ مثــــل هــــذه الهجمات،

وعلى بعــــد هذه امل�سافــــة، ف�سوف

تنفيــــذ القرا�سنــــة ي�ستطيــــع

عملياتهم مــــن “�سفينة اأم” ومن

ثم اإطلق زوارقهم عند اقرتابهم

من هدفهم املن�سود.

وعنــــد اعتلئهــــم ظهــــر ال�سفينة

�سيقــــوم القرا�سنــــة، كمــــا يحدث

ال�سفينــــة طاقــــم بجمــــع عــــادة،

واعتقالهــــم يف اأ�سفلهــــا. وبح�ســــب حجــــم ال�سفينــــة املختطفــــة فاإنهم اإما

امليــــاه اإىل ال�سفينــــة قيــــادة االأول علــــى بــــان وم�ساعــــده الر �سيكرهــــون

ال�سوماليــــة اأو �سيبحــــرون هم بها لرت�سوا يف اأحــــد املوانئ التي تقع حتت

�سيطــــرة القرا�سنة؛ لتقبع هناك حتــــى يتم االنتهاء من مفاو�سات اإطلق

. وحاليــــا توجــــد معظم ال�سفــــن املختطفة يف قــــرى �سغرية )12(

�سراحهــــا

. ومبا اأن تنفيذ )13(

تتــــد على طول ال�ساحل ال�سمــــايل ال�سرقي لل�سومال

الهجمات ال ي�ستغرق �سوى فرتة ق�سرية، وحتدث يف نطاق م�ساحة بحرية

وا�سعــــة، فاإن اإمكانية اعرتا�س عملية االختطاف اأثناء تنفيذها تقل ب�سكل

كبري جدا، ما يعني اأن تلك الع�سابات االإجرامية لن تاأبه كثريا، يف معظم

احلــــاالت، باأ�ساطيل القوات البحريــــة الدولية التي تقــــوم حاليا بحرا�سة

.)14(

املياه قبالة منطقة القرن االأفريقي

وبالتاأكيــــد فــــاإن تكلفــــة الهجمات تتفــــاوت وفقــــا لطبيعتها املعقــــدة، لكن

معظمهــــا ال تكلــــف اأكرث من ثلثمائــــة دوالر اإىل خم�سمائــــة دوالر باعتبار

اأن الع�سابــــة تتلــــك قواربهــــا اخلا�ســــة بهــــا. واأكــــرث ما يكلــــف يف عملية

بيـــرت �سولـــك مـــن كبار املحللني ال�سيا�سيني يف موؤ�س�سة »راند« االأمريكية؛ ويعمل يف عدد من امل�ساريع الدرا�سية حول التهديـــدات االأمنية العابرة للحدود يف اأمريكا اللتينية واأفريقيا واآ�سيا.

وهو م�ساعد حترير جملة »درا�سات يف ال�سراعات واالإرهاب Studies in Conflict and Terrorism«، وهي من اأهم املجلت املتخ�س�سة يف جمال االأمن الدويل؛ كما يعمل كاأ�ستاذ م�ساعد

يف الكلية البحرية للدرا�سات العليا مبدينة مونرتي، والية كاليفورنيا االأمريكية.

انخرطــت �ســركات االأمــن اخلا�ســة ب�ســكل عجيــب يف

ل عن�ســرا حيويا يف �ســناعة ال�ســفن، مدعية اإنها ت�ســك

م�ســاعفة قــوة الدوريــات البحرية املوجــودة يف خليج

عــدن، وذلك من خــال تقدمي احلمايــة املحرتفة التي

تتنا�سب ب�سورة فريدة مع متطلبات زبائنها اخلا�سة

االختطاف هو �سيانة ال�سفينة قبل واأثناء

املفاو�سات، وهو مــــا ي�سيف حوايل مائة

دوالر يوميــــا اإىل املبلــــغ ال�سابــــق، وذلــــك

اأي�سا يعتمــــد على حجــــم ال�سفينة وعدد

. ويف حال تنفيذ )15(

الرهائن املعتقلــــني

عمليــــات اختطــــاف اأ�سغــــر فقــــد يقــــوم

زعيــــم القرا�سنــــة )الذي يح�ســــل اأي�سا

على ن�سيب االأ�سد مــــن الفدية( بتغطية

التكاليــــف اأو يتحملها عنا�ســــر الع�سابة

ب�ســــكل جماعــــي. اأمــــا يف حالــــة عمليات

القر�سنــــة التي ت�ستهــــدف �سفن ال�سحن

العملقــــة، فــــاإن “م�ستثمريــــن” اآخرين

يقومــــون عــــادة بتوفــــري املــــوارد املاليــــة

ال�سرورية لتنفيــــذ عملية االختطاف، اإذ

يتم التمويل نقدا وعرب نظام التحويلت

املالية غري الر�سمي، االأمر الذي ي�سعب

عملية تعقــــب اأماكن املبالغ املالية. ويعتقد

امل�سئولــــون عن تنفيــــذ القانــــون اإن الدعم

يف االأ�سا�س ياأتي مــــن “زعماء” ع�سابات

.)16(

املافيا يف ال�سومال ولبنان ودبي واأوروبا

ويتمتع القرا�سنــــة ال�سوماليون ب�سهولة احل�سول على ت�سكيلة وا�سعة من

االأ�سلحــــة الب�سيطــــة واملتطورة، مبــــا يف ذلك بندقيات الهجــــوم واالأ�سلحة

الر�سا�سة اخلفيفة منها والثقيلة وم�سادات ال�سفن وقذائف �ساروخية )اآر

بي جي(. ويبدو اأن م�سدر معظم هذه االأ�سلحة هي االأ�سواق غري ال�سرعية

وخمازن االأ�سلحة يف ال�سومال واأثيوبيا وال�سودان، اأو يتم �سرائها مبا�سرة

مــــن جتار االأ�سلحــــة اليمنيني. ورغــــم تر�سانة االأ�سلحة ومعــــدات وذخائر

املعارك التــــي تتلكها جماعات القرا�سنة، لكن هــــذه اجلماعات ب�سورة

عامــــة تفتقر اإىل التقنيات عالية امل�ستــــوى، فمن النادر ا�ستخدام نظارات

الروؤية الليلية واأنظمة حتديد املواقع العاملية والهواتف التي تعمل بوا�سطة

.)17(

االأقمار ال�سناعية ووحدات التعرف االآيل على ال�سفن

اإن الهــــدف االأ�سا�سي وراء الهجوم على ال�سفــــن وحمولتها هو ابتزاز املال

مــــن مالكي ال�سفــــن، اإذ ي�سل االآن متو�سط مبالغ الت�سويــــات، كما اأ�سرنا،

اإىل حــــوايل اأربعة مليني دوالر، وهو �سعف ما كان عليه احلال قبل اثنني

وع�سرين �سهرا. وقــــد بلغ اإجمايل مبالغ الفدية التي امت�ستها الع�سابات

ال�سوماليــــة العــــام املا�سي ما يقــــدر بخم�سني مليونــــا اإىل مائة وخم�سني

مليــــون دوالر، مــــن �سمنهــــا �سبعة مليــــون دوالر كفدية لل�سفينــــة اليونانية

)Maran Centarus(. ومبا اأن الهدف الرئي�سي �سنتاري�س” )18( “ماران

وراء احتجاز ال�سفن هو احل�سول على اأكرب مبلغ مايل ممكن، فاإن العنف

عمومــــا لي�س �سمة من �سمات الهجمات )بعك�ــــس ما يح�سل قبالة �سواحل

غرب اأفريقيــــا واإندوني�سيــــا(، ويف اأغلب احلاالت تكــــون معاملة الرهائن

جيــــدة ن�سبيا، ويبــــدو اأن التقاريــــر ال�سادرة عــــن �سوء معاملــــة الرهائن

، حيث مل يقتل بني )19(

وجتويعهــــم باالإكــــراه لي�س لها اأ�سا�س من ال�سحــــة

عــــام 2009 ومنت�ســــف عام 2010 �ســــوى خم�سة اأ�سخا�س مــــن اأ�سل 1381

.)20(

بحارا اخذوا كرهائن

دور االأفريقي: القرن قبالة القر�سنة مكافحة

�سركات االأمن اخلا�سة �سجع القلق الدويل

االأفريقي القرن �سواحل قبالة القر�سنة لة مع�سم ت�سكله الذي املتنامي

ال�سفن حلماية خدماتها تقدمي على اخلا�سة االأمن �سركات من عددا

Eos التجارية التي تعرب املنطقة، من اأبرزها �سركة اإو�س الإدارة املخاطر

Hollowpoint Protection للحماية وهولوبوينت Risk Management

-Anti-Piracy Maritime S نز واأنتي باير�سي ماريتامي �سكيورتي �سلو�سم

Gulf وجمموعة خليج عدن للنقل Secopex ك�س curity Solutions و�سيكوبم

وجمموعة ،Hart Group هارت وجمموعة of Aden Group Transits

-ISSG Hol Olive Group، واآي اإ�س اإ�س جي القاب�سة املحدودة اأواليف

Muse Professional Group وجمموعة ميوز بروف�سنل املتحدة ،ings Ltd

وبح�سب ما قاله املدير التنفيذي ) 21(

.Xe Services ز رفي�سم Inc، وزي �سم

�سك ماناجمنت« ديفيد جون�سون، فقد زادت فر�س العمل ل�سركة »اإو�س رم

اأمام هذه ال�سركات اإىل اأكرث من ثلثة اأ�سعاف ما كانت عليه منذ 2008

.)22(

لقــــد انخرطت �ســــركات االأمن اخلا�سة ب�سكل عجيــــب يف �سناعة ال�سفن،

ل عن�سرا حيويــــا يف م�ساعفة قوة الدوريــــات البحرية مدعيــــة اإنها ت�ســــكر

املوجــــودة يف خليــــج عدن، وذلك من خلل تقــــدمي احلماية املحرتفة التي

تتنا�ســــب ب�سورة فريدة مــــع متطلبات زبائنها اخلا�ســــة. وقد ات�سع نطاق

اخلدمات املعرو�ســــة حاليا من تقدمي الن�ســــح والتدريب لي�سمل عمليات

الدفــــاع الفعالة )املميتة منها وغري املميتــــة(، ومرافقة ال�سفن، وعمليات

اإنقــــاذ الرهائن. وما ينطوي عليه ح�ســــور ال�سركات االأمنية اخلا�سة على

»يف اأي��د اأمين��ة؟«: معظم ع�ساب���ات القر�سنة ال�سومالية ل ته���دف حاليا اإىل اإحلاق ال�رصر بهي���اكل ال�سفن التي

تختطفها ول الرهائن، فالهدف الأ�سا�سي هو رفع م�ستوى الفدية مقابل هذه »الأ�سول املادية«

Flic

kr

Page 84: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 168 169ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

،)23(

ال�ساحة، اأن مالكي ال�سفن لن يحتاجوا اإىل جتهيز طاقمهم بال�سلح

وهو االعتبار املهم اإذ اأن معظم البحارة ب�سورة عامة ال يتقنون اال�ستخدام

املحكــــم للأ�سلحة اخلفيفــــة ولي�س لديهم خربة يف القتــــال، االأمر الذي ال

�ــــس ال�سفــــن للخطر ال�سديد فح�ســــب بل وحياة اأفــــراد الطاقم الذين يعرر

يجدون اأنف�سهم يف موقف ال ميتلكون �سوى القليل من التدريب )اإن وجد(

.)24(

للتعامل معه

وهناك عدد من االأطراف التي تدعم وبفعالية احل�سور املتنامي ل�سركات

االأمن اخلا�سة قبالة �سواحل القرن االأفريقي، ال�سيما الواليات املتحدة، اإذ

اعرتف اللواء البحري وليم غورتني، قائد االأ�سطول اخلام�س، باأن القوات

البحريــــة االئتلفية بكل ب�ساطة ال تتلك امل�سادر الكافية لتوفري الرقابة

البحرية على مدار ال�ساعة يف منطقة ت�سل م�ساحتها اإىل اأكرث من مليوين

.)25(

ميــــل مربع، وت�سهد عبور مــــا يزيد عن ع�سرين األف �سفينة يف ال�سنة

وحتظى هذه الفكــــرة بتاأييد مماثل من قبل ملك ال�سفن االأوربيني، ففي

اأملانيــــا على �سبيل املثال ثمة توجــــه متزايد جتاه تاأ�ســــري ال�سفن بالرايات

يف بلــــدان الت�سجيل املفتوح حتى تتمكن القوات امل�ستاأجرة )املرتزقة( من

الركوب يف ال�سفن املعنية حلماية طاقمها وحمولتها )االأمر الذي ال يجيزه

.)26(

القانون االأملاين(

وقــــد رحــــب عدد من �ســــركات التاأمــــني البحــــري بالرغبــــة املتنامية التي

تبديهــــا �سركات االأمــــن اخلا�سة يف خليــــج عدن، وقام بع�سهــــا بتخفي�س

اأق�ساط التاأمني كثريا )مبا يعادل 40%( على ال�سفن التي ت�ستخدم رجال

�سة بذلــــك التوجه الذي يرى اأن معــــدالت التاأمني اأمــــن تابعني لهــــا، معارم

. ويف اأواخر هذا العام اأطلقت )27(

ت�ساعدت مبا يعادل 400% منذ 2008

�سركة هــــارت غروب الربيطانية اأول عمــــل م�سرتك لها مع

اإحــــدى �ســــركات التاأمني، حيــــث عر�ست االأخــــرية مبوجب

ر ذلــــك تخفي�سات يف اأق�ساط التاأمني على ال�سفن التي تبحم

.)28(

دمة رجال اأمن االأوىل عرب مياه ال�سومال م�ستخم

ورغــــم كل هذه النواحــــي االإيجابيــــة الداعمة، فــــاإن هناك

عددا من احلجــــج �سد ا�ستخدام �ســــركات االأمن اخلا�سة

للقيام بواجبات �سبط االأمن يف القرن االأفريقي. فاأوال، مل

تطور الكثري من ال�سركات حتى االآن قواعد وا�سحة ل�سبط

عمليــــة التدخل االأمني اأو ت�سعى للح�ســــول على اال�ست�سارة

القانونية ملعرفة التبعات القانونية لعملية اإطلق النار على

املجرمــــني امل�ستبه بهــــم. فقد تتعر�س �ســــركات النقل البحــــري للم�ساءلة

القانونيــــة، ورمبــــا لتهم جنائية، نتيجة لقتل اأو جــــرح امل�ستبه بهم ولو دون

.)29(

عمد

ثانيــــا، الكثــــري من الدول ال ت�سمــــح لل�سفن امل�سلحة بالدخــــول اإىل مياهها

االإقليميــــة باعتبــــار ذلــــك يخالــــف حق »املــــرور الــــربيء«. ونظــــرا لوجود

حر�ــــس م�سلحــــني على من ال�سفينــــة، فمن املحتمل اأن تقــــوم بتعزيز كثري

مــــن التعقيدات القانونية وتكاليف اأي رحلــــة تت�سمن التعريج على العديد

. فم�سر تطلب من )30(

مــــن املوانئ، وهو حال معظم الناقلت التجاريــــة

كل ال�سفــــن التجاريــــة التخلي عن اأي �سلح تتلكه قبــــل الدخول اإىل قناة

ال�سوي�س، ما يتطلب فرتة عمل مكثف يرتاوح ما بني ثمان وع�سر �ساعات.

كمــــا اأعلنت اأبو ظبي موؤخــــرا اأنها تنوي م�ســــادرة االأ�سلحة املوجودة على

مــــن اأي �سفينة تــــر عرب مياهها االإقليمية، االأمر الــــذي قد يوؤخر ال�سفن

.)31(

فرتة زمنية ت�سل اإىل �ست �ساعات

ثالثــــا، وب�سورة عامة، ال تقــــوم دول حمطات االإ�ســــارة التقليدية بت�سجيل

ــــع عملية ، ولهــــذا من املحتمــــل اأن ت�سجر)32(

ال�سفــــن التــــي حتمل اأ�سلحــــة

ا�ستخدام حر�س م�سلــــح التحول اإىل البلدان التي توفر »الت�سجيل املفتوح«

)اأو �ســــارات امللئمــــة Flags of Convenience( مثــــل بليــــز وهندورا�س

وليبرييــــا وبنما وجــــزر البهامــــا وبرمودا، وكلهــــا تتبع معايــــري ومتطلبات

قانونيــــة اأكــــرث ت�ساهل، وهو توجه كما اأ�سرنا �سابقــــا بداأ يظهر يف اأوروبا،

جيوبوليتيك

رغــم اأن معظم حوادث القر�ســنة حت�ســل حاليا بالقرب

من ال�ســواحل ال�ســومالية لكن الع�سابات اأظهرت قدرتها

علــى العمــل بعيــدا عــن ال�ســاحل يف اأعايل البحــار، فقد

متكن القرا�ســنة ال�ســوماليون - كما يقال - من الو�ســول

اإىل جزر املالديف غربا وقناة موزمبيق جنوبا

واإذا ما ا�ستمر فاإنــــه �سيوف يوؤدي اإىل تفاقم و�سع الن�ساط البحري الذي

.)33(

هو يف االأ�سل غام�س وغري منظم

رابعــــا، تعتــــرب اأجــــور �سركات االأمــــن اخلا�ســــة باهظة، اإذ ت�ســــل تكاليف

احلرا�ســــة املرافقــــة اخلارجية والقوية من ع�ســــرة اآالف اإىل خم�سني األف

دوالر، وذلك يتوقف على طول الرحلة البحرية. يف حني اأن تكلفة قوة اأمن

ال�سفينــــة املكونة من ثلثة اأ�سخا�س ت�ســــل اإىل واحد وع�سرين األف دوالر

. ورغم اأن مالكي �ســــركات الت�سغيل الكربى قد يكونون قادرين )34(

يوميــــا

على حتمل مثل هذه النفقات، لكن ذلك يفوق كثريا مقدرة حتمل �سركات

النقــــل البحري اخلا�سة ال�سغرى، وهي ال�ســــركات التي - ل�سوء احلظ -

اأكــــرث عر�سة لهجمات القر�سنــــة يف القرن االأفريقي، حيــــث ت�سكل حاليا

.)35(

ثلثي اإجمايل ال�سفن التي تعر�ست للختطاف يف املنطقة

خام�سا، قــــد تت�سبب �سركات االأمن اخلا�سة يف اإحــــداث �سباق ت�سلح غري

�ســــة بذلك ال�سفن اإىل خماطــــر اأكرب ملا قد مق�ســــود مــــع القرا�سنة، معرر

يحــــدث من تبادل اإطلق نار �سر�س. وقــــد ذكرنا اآنفا اأن معظم ع�سابات

القر�سنــــة يف الوقت احلــــايل ال تهدف اإىل اإحلاق ال�ســــرر بهياكل ال�سفن

التــــي تختطفها وال الرهائن، فالهــــدف االأ�سا�سي هو رفــــع م�ستوى الفدية

. ولكــــن اإذا ما واجــــه القرا�سنة �سفنا )36(

مقابــــل هذه »االأ�ســــول املادية«

مــــزودة بو�سائــــل اأمنية ثقيلــــة الت�سليح، فثمة احتمال كبــــري اأن ينتقلوا من

هــــذا امل�ستوى من العنــــف اإىل م�ستوى اأعلى واأن يغريوا على ال�سفن بق�سد

ا�ستخدام قوة �سارية �سد من يقف يف طريقهم. فيجب االأخذ يف االعتبار،

كمــــا جاء على ل�ســــان �سايرو�س مــــودي، اأحد كبار مــــدراء املكتب البحري

ر الــــدويل، ماذا »لو اأ�سهــــر اأحد ما على من �سفينة بندقيتــــه، فهل �سي�سهم

. ومثل هذا املنظور بالفعل اأ�سعر مالكي )37(

اجلانــــب االآخر قنبلة يدوية؟«

ال�سفــــن باخلطر، ويتم »بكل �سرور« دفع الفدية بــــدال من حتمل التكاليف

التــــي قــــد تنتج عن التــــورط يف قتال يــــوؤدي اإىل �سياع ال�سفينــــة وحمولتها

.)38(

واأفراد طاقمها

اأخريا، لي�ــــس هناك مكان ت�سجيل عام لكل ال�ســــركات املختلفة التي تزود

ال�سفــــن التجاريــــة باحلرا�س امل�سلحني، وبالتايل مــــن ال�سعب التدقيق يف

معايريها وموظفيهــــا. ويف معظم احلاالت ت�سطر �سركات النقل البحري

للعتماد على اأ�سلوب االإقناع الذي تتبعه �سركات االأمن اخلا�سة، وهذا ال

. اإ�سافة )39(

يبدو اأنه ميثل اأ�سا�سا يعطــــي تقييما مو�سوعيا مل�ستوى االأمن

اإىل ذلــــك، ومبــــا اأن مالكــــي �سركات النقــــل ي�سعــــون اإىل تخفي�س تكاليف

الت�سغيــــل العامة اإىل اأدنــــى م�ستوى ممكن، فاالأرجح اأنــــه �سيتم ا�ستخدام

ال�سركــــة االأرخ�ــــس. ويف ظل غياب اإجــــراء فح�س ر�سمــــي، فلي�س هناك

و�سيلــــة للتاأكــــد من اأن هــــذا ال�سعر فعل مربــــح باأقل تكلفــــة اأم اأنه جمرد

عاك�ــــس لـ »ذبابــــة تطري ليل يف لبا�ــــس راعي بقر« )اأي اأنــــه بعبارة اأو�سح

.)40(

جمرد »�سحك على الذقون« لك�سب الربح )املرتجم((

اخلامتــة ظلــــت ظاهــــرة القر�سنــــة لفــــرتة طويلــــة

من ويــــلت املا�سي، لكنها اليوم توا�سل ازدهارهــــا قبالة �سواحل منطقة

القرن االأفريقي. واأ�سبحت ع�ساباتها تتلك تر�سانة كبرية من االأ�سلحة،

وم�ستعدة للعمــــل على بعد م�سافات من ال�ساطئ، بل وقادرة على مهاجمة

اأكــــرب الناقلت البحرية التي جتوب املحيطات. ومع اأن ا�ستخدام �سركات

االأمــــن اخلا�ســــة يعترب نوعــــا من القــــوة الرادعة، لكن يبــــدو اأن التكاليف

املحتملة مقابل ا�ستئجار هذه ال�سركات يفوق كثريا معدل الفوائد. علوة

عة« يف على ذلك، لي�س لهذه ال�سركات االأمنية اأي تاأثري على »العوامل الدافم

ال�سومــــال، وهي العوامل التي تغذي جذور امل�سكلة، خا�سة الفقر وانعدام

التنمية، وقبل كل �سيء غياب احلكم املحلي.

الهوامـــ�ض

)1( املكتب البحري الدويل، القر�سنة وال�سطو امل�سلح يف البحر: التقرير ال�سنوي

لعـــام 2009 )لنـــدن: الغرفة التجاريـــة الدولية، 2010(؛ املكتـــب البحري الدويل،

القر�سنـــة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن: تقرير للفرتة 1 كانون الثاين/يناير – 30

حزيران/يونيو 2010 )لندن: الغرفة التجارية الدولية، 2010(.

)2( كارولـــني باندل وكيفن كرويل، »اإغراق القرا�سنة ال�سوماليني �سفينة كبرية

يرفع م�ساريف التاأمني اإىل عنان ال�سماء«، بلومبريغ، 2 اآب/اأغ�سط�س 2010.

)3( برونـــو �سكيم�سكـــي، »مد القر�سنـــة املت�ساعد: تطور القر�سنـــة ال�سومالية

وتنوعها«، جينز اإنتليجن�س ريفيو، 20 كانون الثاين/يناير 2009.

OilPrice. 4( كريين باكهو�س، »القر�سنة يف اإقليم بونت الند ال�سومايل«، موقع(

اأيار/مايو 2010. com،اأ 12

)5( تعتـــرب مدينة بو�سا�سو اأي�سا ماأوى لع�سابات القر�سنة، لكنها لي�ست قاعدة

عمليـــات يف حـــد ذاتها. اأمـــا كي�سمايو فكانـــت ذات مرة وكرا بـــارزا، لكن معظم

اجلماعـــات تركت هذه املدينة منـــذ اأن �سيطرت عليها حركـــة ال�سباب قبل ب�سع

�سنوات.

)6( بيـــرت �سولك، »القر�سنة قبالة منطقة القرن االأفريقي«، 2010، �س 91 – 92.

اأنظـــر اأي�سا: �ستيغ هان�سن، القر�سنة يف خليج عدن االأعظم: االأ�ساطري واالأوهام

واحللول )اأو�سلـــو: املعهد الرنويجي للبحوث املدنيـــة واالإقليمية، 2009(. اجلدير

بالذكر اأن هناك عددا من الع�سابات ال�سومالية قامت بتجنيد عنا�سر جدد من

�ستى ال�سلالت لت�سمن وجود االأف�سل واالأكرث خربة يف �سفوفها.

)7( تعار�ـــس حركة ال�سبـــاب ب�سدة القرا�سنة ال�سوماليـــني، وتعتربهم ل�سو�سا

خمالفـــني للمبـــادئ االإ�سلميـــة. واأثناء فرتة احلكـــم الق�سرية الحتـــاد املحاكم

االإ�سلميـــة انخف�ســـت ن�سبـــة ظاهـــرة القر�سنـــة كثـــريا يف ال�سومـــال، وتعهدت

حركـــة ال�سباب بالتحـــرك مبا�سرة جتاه ت�سفية اأي ع�سابـــات تعمل يف ال�سواحل

ال�سوماليـــة اإذا مـــا �سيطـــرة احلركة كامـــل على البلـــد. وثمة تقاريـــر عن قيام

بع�ـــس الع�سابات بتقا�سم الفدى مـــع املتمردين االإ�سلميني مـــن اأجل احل�سول

علـــى املزيد من االأ�سلحة القوية، لكن لي�س هناك دليل مادي يدعم هذه املزاعم.

عـــلوة علـــى ذلك، لـــدى القرا�سنة ال�سوماليـــون م�سادر �سلح مـــن قبل، منها

اليمنيـــني امل�سلحـــني واأ�سواق/خمازن ال�سلح غـــري ال�سرعية يف �ســـرق اأفريقيا،

خا�ســـة يف ال�ســـودان واأثيوبيا. وملزيد مـــن التفا�سيل حول العلقـــة املزعومة بني

القرا�سنـــة واملتمردين يف ال�سومال، انظر: جيفري غيتلمان، »يف احلرب االأهلية

ال�سوماليـــة: كل الطرفـــني يحت�سنان القرا�سنـــة«، �سحيفة نيويـــورك تاميز، 1

اأيلول/�سبتمرب 2010.

)8( مقابـــلت �سخ�سية مع متخ�س�سني بحريني، كوبنهاجن، الدمنارك، اآذار/

مار�س 2010.

)9( مقابلـــة �سخ�سية مع م�سئول القـــوات البحرية امللكيـــة االأ�سرتالية، كانبريا،

اأ�سرتاليا، توز/يوليو 2010. انظر اأي�سا: »حماربة ظاهرة القر�سنة قبالة القرن

االأفريقي: ال�سراكة وخطة العمل«، جمل�س االأمن القومي االأمريكي، كانون االأول/

دي�سمرب 2008.

Page 85: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 170 171ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

)10( مقابـــلت �سخ�سية مـــع متخ�س�ســـني بحريني، كوبنهاجـــن، الدمنارك،

اآذار/مار�ـــس 2010؛ املكتـــب البحري الـــدويل، “القر�سنة وال�سطـــو امل�سلح على

ال�سفـــن: تقرير للفرتة كانـــون الثاين/ينايـــر – 30 حزيران/يونيو 2010 )لندن:

.21 – الغرفة التجارية الدولية، 2010(، �س 20

)11( روبـــرت وورث، “القرا�سنة يحتجـــزون ناقلة �سعودية قبالة �سواحل كينيا:

اأكـــرب �سفينة تختطـــف”، �سحيفة نيويـــورك تاميز، 18 ت�سريـــن الثاين/نوفمرب

2008؛ �ســـارون اأوترمـــان ومـــارك ماكدونالـــد، “الناقلـــة العملقـــة تر�سو قبالة

ال�سومال”، �سحيفة نيويورك تاميز، 19 ت�سرين الثاين/نوفمرب 2008.

)12( مقابـــلت �سخ�سيـــة مـــع م�سئـــول القـــوات البحريـــة امللكيـــة االأ�سرتاليـــة

ومتخ�س�ســـني بحريـــني، كانبـــريا، اأ�سرتاليـــا، توز/يوليـــو 2009 وكوبنهاجن،

الدمنـــارك، اآذار/مار�س 2010. بينمـــا تقبع ال�سفينة يف ر�سيف امليناء، يتم اأخذ

املوؤن من الباعة املوجودين على ال�ساحل. يف كثري من احلاالت، اأنع�ست القر�سنة

العمـــل املحلـــي يف اأوكار القر�سنـــة مثل اإيل وجـــارارد، وال ي�سعـــر معظم ال�سكان

املحليـــني يف هذه املجتمعات بدافع كبـــري يحفزهم على ا�ستئ�سال هذه املمار�سة

)باعتبارها م�سدر احلياة االقت�سادية(.

)13( هنـــاك بع�ـــس ال�سفن حمتجزة يف منطقة هوبو )علـــى �ساحل بونت الند(

ومنطقة هوبيو.

)14( هنـــاك ما يقارب اأربعة ع�سر قـــوة بحرية دولية وفرقة جماعية من حوايل

ثلثـــني �سفينة تقوم بدوريات حرا�سة يف خليـــج عدن اأو بالقرب منه. ومن بينها

انت�ســـارات اأحاديـــة اجلانب وقـــوات اإئتلفية تعمـــل برعاية قوة املهـــام اخلا�سة

امل�سرتكة 151، واأ�سطول “اأتلنتا” ال�سغري التابع للحتاد االأوروبي، وقوة عملية

درع املحيط التابعة حللف �سمال االأطل�سي )النيتو(.

)15( هان�سن، �س 38.

)16( �سولـــك، “القر�سنة قبالة منطقة القرن االأفريقي”، �س 91؛ باتريك ميو،

“ال�ســـركات الكينيـــة حتقق اأرباحا طائلة من ظاهـــرة القر�سنة”، �سحيفة ديلي ني�ســـن، 23 توز/يوليو 2010؛ جينـــدي كي�سرو، “لغز تهريب 164 مليار �سلن اإىل

كينيـــا”، �سحيفـــة ديلي ني�ســـن، 9 حزيران/يونيو 2010؛ رميونـــد غلنب، ح�ساب

تكاليـــف القر�سنة ال�سومالية )وا�سنطـــن العا�سمة: معهـــد ال�سلم االأمريكي،

2009(، �س 2.

)17( مقابـــلت �سخ�سيـــة مـــع متخ�س�ســـني يف االأمـــن البحـــري، كوبنهاجن،

الدمنارك، اآذار/مار�س 2010.

)18( “القرا�سنـــة ي�سيطرون على �سفينة �سحن ل�سنغافورة يف خليج عدن”، بي

بـــي �سي، 28 حزيران/يونيو 2010؛ تري�ستان مكونيـــل، “احتدام املعركة يف بوؤرة

القر�سنـــة على فدية مببلغ 7 مليـــني دوالر”، التاميز، 19 كانـــون الثاين/يناير

.2010

93؛ انظر اأي�سا: )19( �سولـــك، “القر�سنة قبالة منطقة القرن االأفريقي”، �س

جيفـــري غيتلمـــان، “القرا�سنة ال�سوماليـــون ي�سيطرون على مـــا يقارب خم�س

�سفن اإ�سافية”، �سحيفة نيويورك تاميز، 7 ني�سان/اأبريل 2009.

)20( القر�سنة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن: التقرير ال�سنوي لعام 2009، �س13؛

القر�سنة وال�سطو امل�سلح على ال�سفن: تقرير الفرتة 1 كانون الثاين/يناير – 30

حزيران/يونيو 2010، �س 11.

)21( “�ســـركات االأمن اخلا�ســـة تدعى ملحاربة القر�سنـــة ال�سومالية”، جملة

ذا ا�سرتاتيجـــي، 10 اأيلول/�سبتمـــرب 2009؛ كاثرين هورلد، “�ســـركات ت�ستاأجر

“راكبـــني” �ســـد القرا�سنة ال�سومـــال”، اأ�سو�سيتيد بر�ـــس، 5 حزيران/يونيو 2009؛ �سانـــدرا جونتـــز، “ا�ستئجار م�سلحني يوؤمنون ال�سفن يثري اجلدل”، �ستار

اآند �سرتايبز، 15 �سباط/فرباير 2010.

20 اآب/اأغ�سط�س االإيكونومي�ست، )22( “املهاو�سة واملناو�سة يف املياه العكرة”،

.2009

اإىل حر�ـــس م�سلـــح”، “”ال�سفـــن بحاجـــة املثـــال: )23( انظـــر علـــى �سبيـــل

،FeralJundi.com موقـــع االأمـــن”، �ســـركات روؤ�ســـاء اأحـــد قـــال كمـــا

ت�سرين االأول/اأكتوبر 2008. 20

)24( مقابـــلت �سخ�سية مع م�سئويل الدفاع واالأمن البحري، لندن، اأيار/مايو

.2009

تهـــدد االأفريقـــي القـــرن قبالـــة “القر�سنـــة بـــورث، جاكلـــني )25(

،America.gov غـــوف دوت اأمـــريكا موقـــع والتجـــارة”، االإغاثـــة جهـــود

ت�سرين االأول/اأكتوبر 2008. 31

)26( باتريـــك هيغن، “مـــلك اأملان يتبادلـــون ال�سارات حلمايـــة القرا�سنة”،

لويدز لي�ست، 14 حزيران/يونيو 2010.

)27( “�سركات االأمن اخلا�سة تن�سم اإىل املعركة �سد القرا�سنة ال�سوماليني”،

فوك�ـــس نيوز، 26 ت�سرين االأول/اأكتوبـــر 2008؛ “التاأثري االقت�سادي للقر�سنة يف

خليـــج عدن على التجارة الدوليـــة”، وزارة التجارة االأمريكيـــة، من دون تاريخ؛

400 مليون دوالر لتكاليف تغطية التاأمني”، ليودز لي�ست، “القر�سنة قد ت�سيف 21 ت�سرين الثاين/نوفمرب 2008.

)28( “�سركات االأمن اخلا�سة تن�سم اإىل املعركة �سد القرا�سنة ال�سوماليني”؛

“ارتفاعات حمتملة يف معدالت ال�سحن توؤثر على رحلت العبور يف خليج عدن”، جمموعة غري�سون ليهرمان، 29 اأيلول/�سبتمرب 2008.

)29( »�سركات االأمن اخلا�سة تن�سم اإىل املعركة �سد القرا�سنة ال�سوماليني«؛

هوريلد؛ جونتز.

)30( انظـــر علـــى �سبيل املثـــال: نمك بلكمور، »خـــدع جديدة: درا�ســـة تكتيكات

مكافحة القر�سنة«، جينز اإنتليجين�س ريفيو، 21 كانون االأول/دي�سمرب 2009.

)31( »قانـــون ال�سوي�س لل�سلح يقب�س على حامليـــه«، جملة اأمريكان �سيرب، 12

اآب/اأغ�سط�س 2010.

)32( انظـــر على �سبيل املثال: بيرت �سولـــك، ولورن�س �سموملان ونيكوال�س بريغر،

مواجهـــة ظاهـــرة القر�سنـــة يف الع�ســـر احلديـــث: ملحظات مـــن ور�سة عمل

عقدتهـــا موؤ�س�سة رانـــد ملناق�سة اأف�سل ال�سبـــل للتعاطي مـــع القر�سنة يف القرن

احلـــادي والع�سرين )�سانتا مونيـــكا، كاليفورنيا: موؤ�س�سة رانـــد، 2009(، �س 5؛

و»ال�سفن حتتاج اإىل حر�س م�سلح«.

)33( للح�ســـول على حتليل مهـــم حول فائدة بلدان الت�سجيـــل املفتوح وتفاعلها

املحتمـــل مع اجلرمية واالإرهـــاب، انظر: كاثرين ميلـــدرم، »املياه العكرة: تويل

االإرهاب البحري واجلرمية«، جينز اإنتليجين�س ريفيو، 15 اأيار/مايو 2007.

)34( مقابـــلت �سخ�سيـــة، املكتـــب البحري الـــدويل، لنـــدن، اأيار/مايو 2009،

وم�ست�ســـار االأمن اخلا�س، هونـــغ كونغ، �سباط/فرباير 2010. انظـــر اأي�سا: تيم

في�ـــس، »�سركات االأمن اخلا�سة تزيد من اخليـــارات يف خليج عدن«، جينز نايف

اإنرتنا�سيونال، 18 اآب/اأغ�سط�س 2010.

)35( �سولك، �سموملان وبريغر، �س 3.

)36( غيتلمـــان، »القرا�سنة ال�سوماليون ي�سيطرون على ما يقارب خم�س �سفن

اإ�سافية«؛ بلكمور.

)37( �ساير�ـــس موود، مقتب�س من »�ســـركات االأمن اخلا�سة تن�سم للمعركة �سد

القرا�سنة ال�سوماليني«.

)38( مداخـــلت يف: »مواجهـــة ظاهـــرة القر�سنة يف الع�ســـر احلديث: اأف�سل

ال�سبـــل للتعاطي مع القر�سنة يف القرن احلادي والع�سرين«، ور�سة عمل عقدتها

موؤ�س�سة راند، البنتاغون �سيتي، والية فرجينيا، اآذار/مار�س 2009.

)39( هوريلـــد؛ �ستيفن جونز، »تداعيات واآثار االأمـــن البحري على عمل واإدارة

ال�سفـــن«، يف: روبـــرت هريبرت-برينز، و�سام بيتمان وبيرت لـــري، كتاب اأم اآي يو

لويد للأمن البحري )لندن: �سي.اآر.�سي بر�س، 2009(، �س 107.

)40( اأ�ســـدرت اجلمعية الدولية للمقاولني البحريـــني )IMCA( قائمة ب�سيطة

لتقييم مدى ملئمة �سركات االأمن اخلا�سة. وحتتوي وثيقة الفح�س على بع�س

امل�سائـــل مثل هيكلـــة ال�سركة املتعاقـــدة، ومعايري التوظيف واإجـــراءات التدريب

وكفاءة حر�سها. ورغم فائـــدة هذه القائمة اإال اأنها تغفل م�ساألة التقييم الذاتي،

وهو ما قد يجعلها تفتقر للدقة.

اجتاهات عامليةجيوبوليتيك

اأفكار وروؤى عابرة للحدود

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

Page 86: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 172 173ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اجتاهات عاملية

لقد بتنـــا ن�سهد حتوالت عميقة يف بنية املجتمـــع العاملي، حيث انتقلنا

من املجتمع ال�سناعي اإىل جمتمع املعرفة، بالرتافق مع �سعود ما ي�سمى

باقت�ساد املعرفة، باالإ�سافة الإنتقالنا من الثنائية القطبية اإىل االأحادية

الن�سبية، واالنتقال من احلداثة اإىل ما بعد احلداثة. ولقد انتقلنا اأي�سا

مـــن مفهوم جمتمـــع االأمن الن�سبـــي اإىل مفهوم جمتمـــع اخلطر، خطر

التلـــوث البيئي، االإرهاب، جنون البقر، البـــذور امل�سرطنة، اال�ستن�ساخ،

التقنيات احليوية..الخ.

ومـــن الوا�سح اإن كل تلـــك املتغريات واملعطيات علـــى ال�سعيد العاملي

ت�سعنـــا اأمام ت�ساوؤل حول نظرية الواقعيـــة يف العلقات الدولية القائمة

علـــى ن�سق وتوازن دوليـــني. ويق�ســـد بالن�سق الدويل انتظـــام اآيل يعرب

عـــن طبيعة العلقة بني الدول، وهـــذه العلقة خا�سعة لنوع من التوازن

تعرب عن واقع القوة. ومـــا مييز تلك الطروحات النظرية اإرتكازها على

مبداأين:

1. مبداأ الدولة اللعب الوحيد على ال�سعيد الدويل.

2. مبداأ القوة، اأي توازن دويل قائم على القوة املادية.

ولكن من خلل حماكاة الواقع العاملي املعا�سر، جند اأنه اأ�سبح زاخرا

بكثري مـــن التطورات وعلى كافـــة االأ�سعدة، الذي يلزمنـــا التوقف عند

بع�س املعطيات التي ميكن التعبري عنها بال�سوؤالني التاليني: هل ما زالت

الدولة وحدها القادرة على حتديد العلقات الدولية؟ وهل ميكن حتليل

هذا الواقع امل�ستجد من خلل االإرتكاز على معيار القوة املادية فقط؟

اأوال: على �سعيد الدولة اإن اأكرب اإ�سكالية

مطروحة يف ع�سر العوملة هي جدلية العلقة بني الدولة والعوملة، لدرجة

اأن كثريا من النظريات تب�سر بزوال الدولة اأو تاآكل واأفول مكانتها. وكثري

مــــن الق�سايا التي جتعل من مقولة “الدولة اللعب الوحيد يف العلقات

الدوليــــة” هي مو�ســــع ت�ساوؤل؟ �سواء علــــى �سعيد الفاعلــــني، اأم من باب

طبيعة الق�سايا العالقة، فهناك تزايد لنفوذ فاعلني غري دوليني اأ�سبحوا

حمددين رئي�سيني للعلقات الدولية كاملنظمات غري احلكومية، االأفراد،

ال�سركات عرب الوطنية، املوؤ�س�سات االإعلمية.

تاأكيــــدا علــــى هذا الو�سع ميكــــن مراجعة ومتابعة الكثــــري من االأحداث

منذ منت�سف الت�سعينيات من القرن الع�سرين كمفاو�سات جولة الدوحة

لـــــ “ منظمة التجارة العامليــــة” لرنى تاأثري املجتمع املــــدين، واالتفاقيات

الدولية كـ “ حظر االألغام” 1997، “التنوع البيولوجي” 2000، “كيوتو”

الواقـــع العاملي يعـــرب عن مرحلة اإنتقالية، تتميز بها معظم امللفـــات الدولية، اإن مل نقل ال�سيا�سة

العاملية، والق�سايا املطروحة عامليا كاالإرهاب، واالأ�سلحة النووية، والبيئة، والفقر، واإ�سلح االأمم

املتحـــدة، وحقـــوق االإن�سان، والعوملة...الخ، كل تلك الق�سايا جتعلنـــا نت�ساءل عن الواقع النظري

ر لق�سايا العامل؟ املف�سر

�سلم الرب�سي باحث يف العلقات الدولية، االأردن.

�ســام الرب�ســـي[email protected]

العالقات الدولية

اإىل ما بعد الإن�شانية

من الواقعية

من الواقعية اإلـى ما بـعـد الإن�شـانيــة

للبيئة 1998. وحملت اإلغاء ديون الدول الفقرية. وكذلك تاأثري ال�سركات

عــــرب الوطنية يف االقت�ساد العاملي، يعك�س واقــــع طبيعة العلقات الدولية

املعا�ســــرة. كما اإن الق�سايا العالقة او امل�ســــكلت الدولية تهم العامل كله،

ومل تعد وقفا على الدول بذاتها. وطبيعة تلك الق�سايا اأو الظواهر، خرجت

عمــــا هو ماألوف يف العلقات الدولية، فمثل م�ساكل البيئة هي م�سكلة بني

االإن�سان والطبيعة. ولي�ست م�سكلة بني الدول، وذلك من خلل الت�سخي�س

الدقيق لتلك الظاهرة.

وفيمــــا يتعلق بظاهرة االإرهاب، فنحــــن اأمام وقائع تتم لي�ست على اأيدي

دول، اإمنــــا على اأيــــدي منظمات اأو �سبكات اأو اأفراد غــــري معروفة العنوان

اأو الهويــــة. اأو حتــــى لي�س لها مركــــز واحد ل�سنع القــــرار. وبالتايل فنحن

اأمــــام علقات دولية جديــــدة ال تزال يف طور االإكت�ســــاف، وهذا النوع من

العلقــــات يتناق�س مع منطق العقل التقليدي، مما يوؤدي اإىل تاآكل مفهوم

الدولــــة التقليــــدي. باالإ�سافــــة اإىل التغيري الذي يح�ســــل يف مواجهة تلك

الظاهرة، ومن هنا تاأتي اإ�سكاليات تعريف االإرهاب والعدوان.

وبنظرة للواقع العاملي، نرى اأنه حدث حتول كبري ملفهوم االأمن اجلماعي

اأو العاملــــي، بحيث مل تعــــد النظرة الكل�سيكية املرتكــــزة على حتقيق اأمن

الدولة االأمن ال�سيا�ســــي باملعنى ال�سيق، هي التي حتكم واقعنا، بل اأ�سبح

مفهوم االأمن االإن�ساين بجميع اأبعاده االقت�سادية، الثقافية، االجتماعية،

ال�سيا�سيــــة، هو ال�سائد يف ع�سرنا احلا�ســــر. فاالأمن مل يعد يقا�س مبدى

تقلي�س التهديــــدات بل مبدى اال�ستجابة للحاجيــــات االأ�سا�سية للإن�سان.

واأ�سبــــح مفهوم التنمية امل�ستدامة اكرث رواجــــا، وهو الذي يحاول التوفيق

بــــني تلك احلاجيات االأ�سا�سيــــة للإن�سان، وبني قدرة البيئــــة على تلبيتها،

وفقــــا ملبداأ املحافظــــة على اإمكانــــات اأر�سنا مــــن اأجل اإ�ستفــــادة اأحفادنا

منها.

بنيــــة املجتمع العاملي املعا�سر ت�سعنا اأمام ت�ســــاوؤل حول نظرية الواقعية

يف العلقــــات الدولية، فالواقعية ترى العــــامل على هيئة نظام تهيمن عليه

الدولــــة، وهدف هذه االأخرية حتقيــــق االأمن والقوة وال�سلــــم. لكنها اليوم

مل تعــــد هي حمــــور النظام وحدهــــا، واأمام هذا الواقع جنــــد انف�سنا اأمام

حالتني:

1. حـــال تخ�ســـع لدوافـــع تقليديـــة يف البحـــث عـــن القـــوة وامل�سالـــح

وال�سيادة.

2. حال تخ�سع لدوافع اال�ستقللية وجتاوز الدول.

Page 87: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 174 175ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اجتاهات عاملية

ثانيا: على �سعيد القوة امل�سكلة ال تكمن

يف مدى اأهمية القوة يف ال�سيا�سة العاملية، واإمنا حول اإمكانية تف�سري اأمناط

القوة واأ�ســـكال اإ�ستمرارها باالعتماد فقط على االعتبارات املادية فقط.اأم

يجب اأي�سا، الرتكيز واإدراج اجلوانب الثقافية عند التحليل؟ فالتفاعل على

امل�ســـرح الدويل هو تفاعل ثقايف ولي�س تفاعل ماديا فقط، فاإذا اأخذنا اأكرث

الق�سايا �سخونة على امل�ستوى العاملي كاالإرهاب، واالأ�سلحة النووية، والبيئة،

ال ميكـــن اإيجاد مقاربة نظرية لها، بعيدا من البعد الثقايف �سواء يف حتليلها

اأو حلولها.

فق�سيـــة االأ�سلحـــة النوويـــة مل تعد مطروحة مـــن منطلق وجـــود االأ�سلحة

النووية بحد ذاتها، اإمنا االأهم يف كيفية فهم وجود هذه االأ�سلحة؟ فالواليات

املتحـــدة ال تقلق كثريا من امتـــلك دول مثل بريطانيـــا اأو فرن�سا للأ�سلحة

النوويـــة، على عك�س موقفها من اإيران اأو كوبـــا، اأو ليبيا اأو كوريا ال�سمالية.

كما اإن ق�سية االإرهاب منذ احداث 11 اأيلول/�سبتمرب تعطي دالالت جديدة

لي�ـــس اأقلها التعبري عـــن اإنبثاق الثقافـــة كعامل اأ�سا�ســـي يف حتليل وحتديد

العلقـــات الدوليـــة. والعوملـــة باملفهوم الوا�ســـع اأ�سبحت م�سكونـــة بهاج�س

التعاي�س الثقايف، ال باالقت�ساد والتكنولوجيا فح�سب، فنحن اأمام مفهومني

نقي�ســـني: 1( مفهوم االإمربيالية الثقافية ويق�سد بها ح�سرا “االإمربيالية

الثقافيـــة االأمريكيـــة”. و2( مفهوم االأ�سولية الثقافيـــة، ممثلة باالأ�سوليات

الدينية، كاالأ�سولية االإ�سلمية اليوم، كمـــا االأ�سولية االأرثوذك�سية البارحة

والكاثوليكية من قبلها. وبالتايل، فاإن م�ساألة االإرهاب ال ميكن اإيجاد مقاربة

لها وفقا ملبداأ القوة املادية )التوازن(.

وفيمـــا يخ�س م�ساألة البيئـــة والتنميـــة امل�ستدامة، فاإنها تطـــرح وباإحلاح

م�ساألـــة القيـــم وحتوالتهـــا، فلـــم تعـــد الق�سية تقـــف عند حدود الـــدول بل

اأ�سبحـــت مرتكـــزة اإىل االإن�سان بذاتـــه. فالبيئة وخماطرهـــا تعك�س علقة

االإن�ســـان باأر�ســـه، وق�سايـــا التنمية امل�ستدامـــة والفقر، فلم يعـــد باالإمكان

اإيجـــاد حلول لها على �سعيـــد الدول فقط. وامل�ساألة لي�ســـت مطروحة عمليا

وعلميـــا بني دول غنية ودول فقرية، بل بني اإن�سان فقري واآخر غني، وتقارير

االأمم املتحدة زاخرة يف حتليل هذا الواقع، كما اإن التنمية امل�ستدامة قائمة

علـــى هاج�س ال�سوؤال االآتي: كيف ميكننا و�سع حـــد النتهاك املوارد القائمة

الذي قد يق�سي نهائيا على اإمكانيات التنمية امل�ستدامة؟ وهل ميكن حدوث

ذلـــك للحفاظ على حظوظ االأجيال القادمة، من دون عقد ثقايف اأخلقي؟

وما هـــي ال�سبل التي منلكهـــا ملواجهة متطلبات اأخلقيـــة واإن�سانية تت�سمن

اإطارا عاما للأمن الب�سري؟

البعــــد الثقايف اأ�سبح يف �سلــــب التحوالت العاملية، واإ�ستدعــــاوؤه يف التحليل

�سروري لفهم هذه الديناميــــات اجلديدة التي يتحول بها العامل. واإذا كانت

العلقــــات الدولية قائمة على امل�سالح و�ستبقى كذلك يف كثري من املجاالت،

لكن ال بد مــــن درا�سة املثل وهويات الدول ولي�س فقد امل�سالح، فالهوية تعرب

عــــن الواقع االجتماعي )من هم الفاعلــــون(، اأما امل�سالح فتعرب عن الرغبة

وعن مــــاذا نريد، وبالتايل فالهوية ت�سبق امل�سالــــح، حيث ال�سخ�س ال ميكن

اأن يحــــدد مــــا هي رغباتــــه واأهدافه وم�ساحله مــــن دون معرفته هويته )من

هو( اأوال.

اإن التحديــــات العاملية اجلديدة، تتطلب اأجوبة جديدة، اأي علينا اأن نعرف

مــــا اإذا كان العــــامل اجلديد الذي تر�سم ملحمه، يفرت�ــــس منا اإعادة تقومي

جذرية للعقــــود االجتماعية التي ت�ســــكل عماد جمتمعاتنــــا املحلية والعاملية؟

وتلك التحوالت ال�ساملة ت�ستوجب جهدا اإ�سافيا على ال�سعيد النظري، فهل

نحن يف حاجة لن�سق فكري جديد؟

مــــن الوا�سح اأن االإن�ساق الفكرية املغلقة على طراز مقولة اأن “املارك�سية”

هي احلل اأو اأن “الراأ�سمالية” هي احلل، واأي�سا من يقول باأن “االإ�سلم« هو

احلل، هذه االإن�ساق املغلقة، مل تعد اأبواب عاملنا املعا�سر مفتوحة لها، كما اإن

الثنائيات الزائفة التي �سادت القرن الع�سرين، اأما الراأ�سمالية اأو املارك�سية،

اأمــــا القطاع العــــام اأو القطاع اخلا�س، اأما العلمانية واأمــــا الدين، اأي�سا كلها

�سقطــــت اإمــــام ديناميــــة الواقع احلايل. لقــــد انتقلنا، وال جمــــال لل�سك، اإىل

مرحلة االإن�ساق الفكرية املفتوحة، وجديدها االأهم، هو اأنه �سيح�سل تركيب

بــــني عنا�ســــر مت�سادة مــــا كان ميكن الظن يومــــا اإنه ميكــــن اأن ترتكب منها

اأطروحة واحدة.

هــــذه االأطروحة التي جتنح نحو القول باأن تفكيــــك االإن�ساق املغلقة ي�ستبقه

ت�سكيل »منظومــــات«، جتتمع فيها عنا�سر مت�ســــادة مل يكن يح�سب يوما لها

اأن جتتمــــع. اأال ت�ستحق التجربة ال�سينية التوقــــف عندها؟ فاإن واقع ال�سني

الراهن، وكيف تتجاوز وتتعاي�س الراأ�سمالية يف اأكرث اأ�سكالها جتليا وو�سوحا

الق�سايا املطروحة عامليا كتلوث البيئة، والإرهاب، والفقر، وحقوق الإن�سان، والأ�سلحة

ME

Arc

hiv

E, F

lickr

, Goo

gle

يف النظــــام االقت�سادي مع نظام �سيا�سي �سيوعــــي، اإذ مل يكن يدور يف ذهن

اأحد اأن يقود هذا النظام عملية تنمية راأ�سمالية.

وهناك منوذج اآخر لي�س ببعيد عن عاملنا العربي، اأال وهو تركيا، فاالإ�سلم

الرتكــــي حيث تتجــــاور الفكــــرة العلمانية مع الفكــــرة االإ�سلميــــة، يف م�سهد

�سيا�سي ال ت�سهد فيه اإ�سطرابا اأو تنازعا اأو ت�سادا اأو جتافيا ما بني الفكرين.

ونحــــن يف انتظار عامل الزمن الذي �سوف يحكم على تلك االإن�ساق املفتوحة

التي �سيكون لها التاأثري الكبري، على ال�سعيد النظري املف�سر لق�سايا العامل،

كما بالن�سبة لتجديد موازين القوى يف العلقات الدولية.

لقــــد اأعاد القرن الع�سرين النظر يف ثوابتنــــا اليقينية يف ما يتعلق باملجتمع

والتاريــــخ واالإن�ســــان والقيــــم. واإذا كانــــت العلمانية حاولت اأن تكــــون البديل

عــــن اإخلقيات الديانـــــات الكربى )العلــــم، التقدم، التحــــرر، االإن�سانوية(.

لكــــن على ما يبدو فــــاإن تطور العلم والتكنولوجيا وهــــو العامل احلا�سم وغري

املتوقــــع، والــــذي ال ميكن كبح جماحة يف التغيري، يهــــدد م�ستقبلنا ويوؤدي بنا

اإىل اإن�سانيــــة ال نعرف ماهيتهــــا. فهناك كثري من النظريات التي حتاول ملء

الفراغ الفكــــري لعاملنا املعا�سر، منها نظرية نهايــــة التاريخ، ونظرية �سدام

احل�ســــارات، ونظرية ما بعد احلداثة، ولكــــن قد يكون اأخطرها نظرية يحلو

للبع�ــــس اأن يطلق عليها ت�سمية »مــــا بعد االإن�سانية«. فلقد دخلنا مرحلة تطور

ثوري لعلوم احلياة خ�سو�ســــا »البيوتكنولوجيا«، مما �سينتج حتوالت جذرية

يف حيــــاة االإن�سان، تتيح يف االأ�سا�س اإمكانية تغيري الطبيعة االإن�سانية؛ لندخل

بذلك مرحلــــة تاريخية يكــــون لها تاأثــــريات اإجتماعية، اأخلقيــــة، �سيا�سية،

اقت�سادية جذرية.

فهــــل يف امل�ستقبــــل القريــــب علينــــا اأن نواجه خيــــارات اأخلقيــــة يف الثورة

البيوتقنيــــة اأي يف جمــــال التقنيــــات احليويــــة ومنهــــا الهند�ســــة الوراثيــــة.

وال�ســــوؤال الــــذي يطرح هو: اإىل اأي حد ميكن ا�ستعمــــال التكنولوجيا لتح�سني

اخل�سائ�ــــس الوراثيــــة؟ واإذا كانت تلــــك االأبحاث قائمة علــــى اإمكانية تغيري

الطبيعــــة االإن�سانية، فجدليــــات عديدة فل�سفية و�سيا�سيــــة �سوف تطرح حول

العديد من املفاهيم االأ�سا�سية:

اأ. امل�ساواة بني الب�سر.

ب. القدرة على االختيار االأخلقي.

ج. تغيري اإدراكنا وفهمنا لل�سخ�سية والهوية االإن�سانية.

د. التاأثري يف وترية التطور الفكري واملادي، ويف ال�سيا�سة العاملية ب�سفة عامة.

وقــــد يكون اأخطر مــــا يف جعبة تلك الثــــورة »البيوتقنية« هــــو اأنها تزيد من

الهــــوة املوجودة بني املجتمعــــات واالأفراد، االأغنياء والفقــــراء، حيث باإمكان

االأغنيــــاء توظيف ثرواتهم للتحكــــم يف اجلينات، واإعــــادة الهند�سة الوراثية

لهــــم والأوالدهــــم. وبالتايل فــــاإن التحــــوالت » البيوتقنية« قد تزيــــد من حدة

اللم�ســــاواة بني االأغنيــــاء والفقراء، بحيــــث ت�ساف اإىل الهــــوة االجتماعية

واالقت�ساديــــة واملعرفية والرقمية، هوة بيولوجيــــة، �ستكر�س للم�ساواة على

م�ستوى تكويننا البيولوجي.

اإذن م�ستقبل نحن اأمام عامل »ما بعد االإن�سانية« �سيكون اأكرث تراتبية ومليئا

بال�سراعــــات االجتماعية. وال مــــكان يف داخله الأي مفهوم حــــول »االإن�سانية

امل�سرتكة«، اإذ �سيتم تركيب جينات ب�سرية مع جينات اأخرى، ب�سكل يجعلنا ال

نعلم ما معنى وماهية الكائن االإن�ساين.

هــــذا الواقع امل�ستجد الذي يعرب عن ملمح جمتمعنا العاملي، وحتديدا من

منظــــور فن الت�ساوؤل حول الواقــــع النظري املف�سر لق�سايا العامل، ال ميكن اأن

يقت�سر النقا�س فيه حول ملمح هذا الن�سق اجلديد، بل اإن التحدي اجلديد

يف زمــــن العوملة يكمن يف: كيف ومــــا هي ال�سبل ملواجهة هذا الن�سق اجلديد؟

وهل حتمل النظريات التقليدية ومنها الواقعية يف طياتها االإجابة؟ واإذا كان

الطمــــوح، هو ن�سوء ن�سق كوين من القيم، يحكم �سلوك ال�سعوب واملوؤ�س�سات.

فهــــل �ستكون م�ساألــــة القيم وحتوالتها يف �ســــدارة االأ�سئلــــة الفكرية الراهنة

وامل�ستقبليــــة؟ وهــــل انتقل الرتكيــــز واالهتمام يف

حتديــــد العلقــــات الدوليــــة، مــــن العوامــــل

العوامــــل اإىل والتكنولوجيــــة االقت�ساديــــة

الثقافيــــة، كقــــوة موؤثــــرة ودافعــــة يف ال�سوؤون

الدولية؟

واإذا كانت امل�سافة الزمنية مللمح هذا الن�سق اجلديد مل تتجاوز 20 عاما،

وهــــي مــــدة، وفقا للمنهــــج التاريخي، ال ميكــــن اأن تعطــــي دالالت ثابتة ميكن

البنــــاء عليها، فهل نكــــون �سقطنا يف فخ اإ�سكاليــــة اال�ستعجال يف ملء الفراغ

النظري املف�سر لق�سايا عاملنا املعا�سر؟!

النووية، باتت تدفع الكثريين للت�ساوؤل عن الواقع النظري املف�رص لق�سايا العامل

اأقنعة اخليبة

يف مكافحة الف�ساد

بقلم: مراد ظافر

التايل

Page 88: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 176 177ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اأقنعة اخليبةروؤية نقدية ملكافحة الف�ساد واإ�سكالياته يف الدول النامية

اجتاهات عاملية

مراد ظافر باحث مبركز الدرا�سات والبحوث اليمني.

مراد عبدالواحد ظافر[email protected]

تعر�ســت �سيا�ســة الدعــم وامل�ســاعدات والعون الفنــي قبل انتهــاء القرن الع�ســرين ملراجعة نقدية وا�ســعة من

املوؤ�س�سات الدولية املانحة التي تبنت تغيريات جوهرية يف طرق تقدمي الدعم وامل�ساعدات الفنية الذي مل يعد

حكرا على القنوات الر�ســمية املحددة من الدول امل�ســتفيدة، واقرتن ذلك الدعم الفني ب�سرورة تبني �سيا�سات

عامة من الدول امل�ستفيدة اأطلق عليها م�سطلح التنازالت التمويلية Concessional Financing. تلك التنازالت

التمويلية من الدول النامية امل�ســتفيدة ارتبطت - على العموم، ويف م�ســتهل االأمر - باإجراءات معاجلة تدابري

حترير ال�ســوق مثل �سيا�ســة التخفيف من الفقر، لكنها انتقلت - حتما - اإىل مو�ســوعات �ســائكة تتعلق بجوهر

االأ�سباب التي حتول دون حتقيق اال�ستغال االأمثل للعون الفني من الدول النامية وامل�ستفيدة.

يف هــــذا املقــــام، وجدت املوؤ�س�ســــات املالية - التي كانت تــــرى اأن الف�ساد

العام ال مفر منه، ووجدت �سماعة القول باأن الف�ساد زيت التنمية - مربط

الفر�ــــس اأي ال�سبــــب اجلوهــــري يف عــــدم حتقيــــق اال�ستغــــلل االأمثل لتلك

امل�ساعــــدات الفنيــــة واملالية مــــن املوؤ�س�ســــات املانحة. وقــــد ارتبط »مربط

الفر�س« للم�ساعدات الفنية والعــــون املايل بزاوية مغرقة باحلكم القيمي-

الذاتــــي، فالف�ســــاد غدا ع�سيا علــــى التحديد املو�سوعــــي واأثقله التو�سيف

الذاتي، حتــــى تباينت روؤى املجاهدين -االأخلقيــــني �سد الف�ساد ومع�سكر

امل�ستفيدين منه، لكنهم يف نهاية املطاف يعملون على نحو منف�سل ومتواتر

- ودون دراية- لتاأ�سي�س القواعد االأ�سا�سية لبنية الف�ساد العام.

اإ�سكالية املدخل ملواجهة الف�ساد يف مطلع

االألفيــــة اجلديدة ا�ستطاعت املنظمات الدولية اأن حتقق ال�سغط ال�سيا�سي

الدويل العام ملجابهة الف�ساد، فيما تكنت منظمات مثل ال�سفافية الدولية

وغريهــــا من حتقيق التعبئــــة االأخلقية واملو�سوعية ملكافحــــة الف�ساد. ومع

ذلــــك، مل تتمكن تلك املنظمات الدولية من حتقيــــق االإجماع ال�سيا�سي بني

املنظمات الدوليــــة املانحة والدول النامية امل�ستفيــــدة يف مكافحة الف�ساد،

واإذا ا�ستطاعــــت حتقيــــق مرادهــــا فــــاإن ذلــــك كان يتم من خــــلل ال�سغط

ال�سيا�ســــي lobbying ولي�س من خلل املنا�ســــرة والتاأييد advocacy الذي

يحقــــق االإقناع واالقتناع لدى االأطراف املعنية كافة، واإن اأدركت هذا االأمر

يف حلظة متاأخرة، ويف نهاية املطاف.

ومهمــــا يكن من اأمــــر، ال مندوحة من القــــول اإن اأن�سطــــة تلك املنظمات

الدوليــــة يف مطلع االألفيــــة ا�ستطاعت اأن حتقق ال�سغــــط ال�سيا�سي الدويل

الــــذي قاد اإىل امل�سادقة على العهد الدويل ملكافحة الف�ساد، وتوجه العديد

مــــن الدول املوقعــــة على ذاك العهــــد اإىل اإر�ساء البنية التحتيــــة الت�سريعية

ملكافحــــة الف�ســــاد، وقد تتوج ذلــــك التوجــــه بت�سكيل جلان قوميــــة ملكافحة

الف�ســــاد يف اأكــــرث مــــن 40 دولــــة. وف�ســــل عن ذلــــك، تكنت تلــــك احلملة

الدوليــــة من جتنيد املحبطني من اأنظمتهم حتى توجهوا حلمل لواء اجلهاد

االأخلقــــي �سد الف�ساد، لكن اجلهاد االأخلقــــي القيمي �سد الف�ساد ي�سبه

»قمي�س عثمان« وتختفي بني طياته كلمات حق يراد بها باطل، كما تنطوي

بني ثناياه تعاريج االلتحاق بالظنون االآثمة.

لقــــد ا�ستطــــاع ذلك اجلهــــاد االأخلقي القيمــــي اأن يدفع جمــــوع اجلهاد

االأخلقيــــة- القيمــــة والذاتية اإىل رفع م�ساحف التطهــــر الذاتي يف الدول

الوطنية النامية وامل�ستفيدة، ومل يختلف �سف حكام تلك الدول عن �سفوف

معار�سيهــــم يف حملت الرباءة من الف�ســــاد �سوى اأن ال�سف االأول ينكرها

وال�سفــــوف االأخــــرى ت�سري ب�سبابــــة االتهام جتــــاه ال�ســــف االأول. وتفادت

املنظمــــات الدولية املانحة ذاك اجلدل املثايل- االأخلقي الذاتي باالنتقال

اإىل مو�سوعيــــة التدخــــل االإمنائــــي من خــــلل احلكم الر�سيــــد واآلياته مثل

امل�ساءلة، وامل�ساركة الوا�سعة )االنفتاح الت�سميني(، وال�سفافية. ويف جممل

االأحوال، مل تكن اآليات احلكم الر�سيد �سوى التفاتة جاءت متاأخرة، تطمح

اإىل حتقيــــق توطيــــد االآليات الرقابية و�سبل امل�ساءلــــة العامة يف االإجراءات

املوؤ�س�سية لل�سيطرة على الف�ساد العام.

ومع ذلك، فقد تطورت ثقافة فلكلورية وا�سعة بتاأثري متبادل من حملت

الــــرباءة التي ن�ساأت مع املد العاملــــي الوا�سع ملكافحة الف�ساد، والذي ا�ستمد

وجــــوده العلنــــي الوا�سع مــــن اأن�سطة املنظمــــات الدولية يف م�ستهــــل االألفية

اجلديــــدة. ذاك الن�ساط الذي اعتمــــد �سبل خمتلفة من التاأييد واملنا�سرة

املرتافقــــة مع �سغــــوط املانحني الدوليــــني حتى تو�سل يف ذروتــــه اإىل توقيع

وم�سادقــــة العديــــد مــــن دول العامل على العهــــد الدويل ملكافحــــة الف�ساد.

لكن مكافحة الف�ساد ميثــــل عملية طويلة ولي�ست حدثا حمددا �سمن نطاق

زمني معني. وكما ذكرنــــا �سلفا، هرعت العديد من تلك الدول اإىل تاأ�سي�س

القواعد القانونية ملكافحة الف�ساد، غري اأن ذاك الربنامج العملي الطموح،

كان اأ�سبه بعملية جتميلية ق�سرية االأجل، واإن كان حريا بها توطيد القواعد

االإجرائيــــة العامة للتحكــــم يف الف�ساد، طاملا وقد تلــــكاأت عن خو�س املهمة

ال�سعبة.

غل – �سمنا- يف بع�س وعلى اأية حال فاإن املوقف املثايل- االأخلقي ا�ستم

الدول لتحقيق ماآرب �سيا�سية وحزبية، من قبيل تطهري ال�ساحة العامة من

�سيا�سيــــني مناف�سني على غــــرار ما حدث يف باك�ستــــان اأو ماليزيا. لقد ظل

العون الفني من املانحــــني يتاأرجح بني اأدلة عاملية لطبخات حملية، تلتم�س

بالتعميم اجلزايف للف�ساد �سبل ملجابهته وال�سيطرة عليه يف ظروف حملية

ووطنيــــة ال تلــــك اأدنى مقومــــات العمــــل االأ�سا�سية الإر�ســــاء عملية التحكم

يف الف�ســــاد اأو الق�ســــاء عليــــه. ناهيك عن القــــول ب�سيادة ثقافــــة فلكلورية

و�سعبيــــة توؤمن باأن جمابهة الف�ساد ت�سل اإىل حركة ت�سحيحية وتطهريية،

وظلــــت متواطئــــة مع هيمنة الف�ســــاد من خلل موقفهــــا االأخلقي- املثايل

والتطهريي.

معرفة نطاق وحجم املواجهة �سد الف�ساد العام

يعــــد الف�ساد اأكرث �سيوعا وانت�ســــارا يف الدول النامية، وذلك ال يعني خلو

الدول املتقدمة من ممار�سات الف�ساد، واإمنا يعني �سمنا اأن الدميقراطيات

احلديثــــة تلك حت�سينا موؤ�س�سيا يحقق قدرا كبريا من امل�ساءلة وامللحقة

177 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 89: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 178 179ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

حتى يغدو الفا�سدون واملف�سدون خلف ق�سبان الق�ساء. لكننا حني نتحدث

عــــن اإدارة احلكــــم وممار�ساته يف الــــدول اله�سة، غالبا مــــا ترتدد عبارات

مرتبطة ب�سعف املوؤ�س�سات وانت�سار العنف واجلرمية املنظمة والف�ساد. ويف

ر املقابــــل، ن�سمع لهجات اال�ستنــــكار التي تنفي وجود الف�ســــاد واإن كانت تقم

وتعــــرتف ب�سعف وه�سا�سة املوؤ�س�سات. وهذا الزعم اأ�سبه بالذي يوؤكد نفوق

االأحياء البحرية وموتها، ثم يذهب اإىل اإنكار االأ�سباب املوؤدية اإىل ذلك.

اإن كثــــريا من اللغــــط واجلدل الدائر حــــول مو�سوع الف�ســــاد ومكافحته

يت�سبــــث - اأحيانا - مبفهوم الف�ساد ذاته. فهــــذا املفهوم مثقل بالتو�سيف،

وممتنــــع عــــن التحديــــد والتعريــــف لتو�ســــع ت�سعباتــــه وت�سابــــك ممار�ساته

وتعــــدد �ســــوره. ول�سنــــا يف حاجــــة اإىل املنهــــج االأر�سطوطالي�ســــي لتحديــــد

الف�ســــاد بتعريف جامــــع مانع، فالتجــــارب االإن�سانية املت�سابهــــة قادرة على

تعيــــني املمار�ســــة النزيهــــة وانحرافات تلــــك املمار�سات حتى تقــــع يف مغبة

الف�ســــاد. غري اأننا �سنكتفــــي هنا بالتعريــــف ال�سائد للف�ســــاد، والذي يقول

باأنه »ا�ستغلل املن�سب الوظيفــــي العام مل�سلحة خا�سة«. وهذه العبارة يف

�سورتها الب�سيطة تعني اأن الف�ســــاد يعد اإخلال بامل�سئولية العامة وانحرافا

عن املقا�سد الر�سمية للوظيفة اأو املن�سب العام لتحقيق م�سالح خا�سة اأو

�سيقــــة قد ت�سعــــى لتوطيد املن�سب، ورمبا تنطوي علــــى ممار�سات خمالفة

للقانون والعرف العام مقابل اال�ستجابة لتاأثريات �سخ�سية. وبذلك يحتمل

اأن تت�سمن تلك املمار�سات ا�ستخدام الر�سوة للتاأثري يف قرار �سخ�س يوؤدي

وظيفة عامــــة، اأو ا�ستخدام املح�سوبية واملحابــــاة والتي تنطوي على تقدمي

ال�سلــــة التقليديــــة على اأ�س�س اال�ستحقاق العــــام، اأو اختل�س املال العام اأو

توجيهه الأغرا�س مق�سورة على االنتفاع ال�سخ�سي.

وغالبا ما تتوطد بنيــــة الف�ساد يف هيئة هرمية تت�سع قاعدتها يف االأ�سفل

حيــــث ت�سود ممار�سات الف�ســــاد االأ�سغر، التي تعد اأقــــل �سخبا ورمبا تغدو

خاليــــة من �سخــــب الف�سائح. لكن تلك املمار�ســــات - وال ريب - تع�س�س يف

ال�سلــــوك العام واملاألوف لت�سيــــع ثقافة القبول مبمار�ســــات الف�ساد، وتغذي

�سرعيــــة الف�ساد االأكرب. وبفعل هذه البنية الهرمية للف�ساد، وات�ساع قاعدته

للح�سول علــــى االحتياجــــات االأ�سا�سية واخلدمات، تتل�ســــى النزاهة من

املمار�ســــات ال�سلوكية حتــــى تغدو م�ستهجنــــة على �سعيد الواقــــع امللمو�س.

وتبحلق العيون يف قمة هــــرم الف�ساد لل�سروع يف الرجم اأو التعزير بالف�ساد

االأكــــرب الوا�سح للعيــــان، وقد غفلت تلك العيون باأن عــــورة الف�ساد م�ستورة

من قاعدته الوا�سعة.

لن ت�سيبك الظنــــون االآثمة حني تذهب اإىل القول بوجود ما يثري الريبة

اأو اجلــــزم بوجــــود ممار�سات ملوثة بالف�ساد خــــلل تعاملكم مع املوؤ�س�سات

العامــــة يف دول تفتقــــر فيها االإجــــراءات الر�سمية اإىل مقومــــات ال�سفافية

والو�ســــوح، وتغيب فيها اآليــــات امل�ساءلة. وباقت�ساب يعنــــي ذاك، اأن غياب

�سفافية االإجــــراءات، وتل�سي امل�ساواة يف تنفيذ تلك االإجراءات الر�سمية،

ة للمزاج والتقدير ال�سخ�سي. يجعل القرارات العامة واأداء املوؤ�س�سات عر�س

والف�ساد لي�س جرما مق�سورا على احلدوث بني طرفني اأو اأكرث، حيث ميكن

اأن ي�ســــدر من ممار�سة طرف واحد عند تاأديته للمهام العامة التي اأوكلت

اإليه باالنتخاب اأو التعيني. وبب�ساطة نذهب اإىل التاأكيد على معادلة روبرت

كليتغــــارد Robert Klitgaard، والتي تفيد باأن �سلطة حمكمة التخاذ القرار

+ مــــع احتكار مطلق لتلك ال�سلطة - يف غياب تام للم�ساءلة العامة = توؤدي

- وال �سك - اإىل �سيوع الف�ساد.

على ذلــــك كله، نذهب اإىل تاأكيــــد ما ذكرناه �سلفا بــــاأن مو�سوع الف�ساد

االإداري يقــــود املرء - غالبا - اإىل التخبــــط بني مظاهره وتو�سيفه، فتنقاد

�سبل مكافحته اإىل تعقب مظاهــــره واأعرا�سه: مثل الر�سوة واختل�س املال

العام. وبذلك نتجاهل جذوره واأ�سبابه احلقيقية التي تتوطد يف املمار�سات

دة ال�سلوكية العامة؛ نت�ساهل يف البدء معها حتى تتف�سى وت�سيع لت�سود م�ستمم

�سرعيتها من املمار�سات العملية لت�سبح هي القانون البديل والعرف ال�سائد

الذي ي�سري تنفيذه عو�سا عن القانون الت�سريعي. وعند هذا املوقف ينبغي

اأن حتدد الدول الوطنية خياراتها، وفق حتليلها حلجم الف�ساد وا�ست�سرائه،

وتعيني تلك اخليــــارات وفق مكافحة الف�ساد اأو التحكم و�سبط ممار�ساته.

والتحكــــم يف ممار�سات الف�ساد العام، يعني و�سع وتفعيل اآليات االإجراءات

العامــــة واملوؤ�س�سية لنظام النزاهة املتكامل بني اجلهات الر�سمية وال�سعبية

كافة.

اللجان والهيئات الوطنية ملكافحة الف�ساد

مــــع اإن�ساء اللجان الوطنية املتخ�س�ســــة ملكافحة الف�ساد ان�سرفت االأنظار

اإليها، تاأمل روؤية امل�سانق اأمامها لتديل منها جثث كبار الفا�سدين. واحلال

اأن هيمنة هذه الثقافة الفلكلورية املتعلقة ب�سبل جمابهة الف�ساد ظلت اأحادية

يف روؤيتهــــا ال�سيقة، ومل تتمكــــن من ا�ستيعاب بناء اأعمــــدة النزاهة الوطنية.

عــــلوة علــــى ذلك، جنــــد اأن تلك اللجــــان الوطنيــــة التي اأن�سئــــت ملجابهة

الف�ســــاد، قد قامــــت وت�سكلت خارج املنظومة اأو االإطــــار الوطني الذي �سنعت

مــــن اأجل حتقيــــق منفعته يف �سبل جمابهــــة الف�ساد. لقد اأن�سئــــت تلك اللجان

الوطنية ا�ستجابــــة ل�سغوط املانحني، وغدت مثــــل اإ�سرتاتيجية التخفيف من

الفقــــر جمــــرد واجهة لتنــــازالت من اأجل تلقــــي تويلت املانحــــني وهباتهم.

فغــــدت تلــــك اللجــــان الوطنية ملكافحــــة الف�ســــاد فارغة من م�سمــــون االإرادة

ال�سيا�سيــــة اأو ال�سعبية. كمــــا اأ�سبح و�سع تلك اللجان الوطنيــــة اإ�سافة زائدة

بني موقــــع املوؤ�س�سات واجلهات التنفيذية التقليديــــة ال�سائدة يف اأي بلد، وقد

كان مــــن ال�سهــــل ترتيب تبعية اأي مــــن تلك اللجان ملركــــز ال�سلطة التنفيذية،

لكــــن مل يتــــم و�ســــع االإطــــار املوؤ�س�ســــي واالإجرائــــي الأي مــــن تلــــك اللجــــان

الوطنيــــة وعلقتهــــا املحددة ببقيــــة اجلهات الرقابية يف اأي مــــن تلك الدول.

ثــــم اأن فقدان االإرادة ال�سيا�سية الوطنية يف ت�سكيل جلان مكافحة الف�ساد،

اأفقــــد تلك اللجان عن�ســــر التبني الوطني لها، وغــــدت كل واحدة منها حتت

رعايــــة راأ�س ال�سلطة التنفيذية، وهي يف موقع ميكن اأن يطلق عليه »االغرتاب

املوؤ�س�ســــي«. وذاك املوقــــع يعمــــل علــــى حرمانها مــــن فر�سة النمــــو الطبيعي

للموؤ�س�ســــات ال�سائدة يف اأي من تلك البلــــدان. كما اأن العديد من تلك اللجان

طر الوطنيــــة ملكافحة الف�ساد ت�سكلت خارج نطاق اجلــــدل الوطني فربزت كفم

غريــــب، مل ي�ستوعبها القبول واالإجماع الوطني حتى تنح �سرعية من االإرادة

ال�سعبية العامة. وخلفا لذلك، فقد ظهرت كل جلنة يف �سعيد وطني »طارد«

يتوقــــع منهــــا اأن تكون جمل�ســــا ت�سريعيا و�سلطــــة ق�سائية وكــــذا جهة لل�سبط

والربــــط وامللحقة للف�ساد واملف�سديــــن. وميكننا القول باقت�ساب، اأن الثقافة

ال�سعبية ال�سائدة نظرت اإىل تلك اللجان مبثابة منقذ تطهريي، فغدت حمملة

بثقل كبري من التوقعات التي تراجعت عنها - يف نهاية املطاف- اإىل االنكفاء

واالإحباط.

والأن معظم تلك اللجان الوطنية ملكافحة الف�ساد ظهرت يف حميط الظروف

اجتاهات عاملية

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 178 ا�سرتاتيجية

اخلارجيــــة، والأ�سباب تتعلق بالتنــــازالت التمويلية، غدت يف مواقعها

الوطنية مثــــل اإ�سافات جتميلية مل جتــــد موقعها الطبيعي بني

املوؤ�س�ســــات العامــــة الت�سريعية والق�سائيــــة والتنفيذية. ورمبا

اأثارت الغــــرية والتحفظ عند بع�س املوؤ�س�سات الرقابية العامة

ــــدة اأنها بديل اإحليل ميتلك موقعا التــــي توج�ست منها ريبة، معتقم

قريبــــا من راأ�س ال�سلطة التنفيذية، والقوة يف معظم الدول النامية

تقا�ــــس مب�ساحة القرب مــــن مركز ال�سلطة، ف�ســـارت ا�ستقللية

اللجان الوطنية ملكافحة الف�ساد يف هذه البلدان تعاين من عزلة

�سبه تامـــة ومنف�سمة العرى والتن�سيق مـــع املوؤ�س�سات الرقابية

املماثلـــة. وعلـــى ذلـــك، جنـــد اأن البنيـــة التحتيـــة لت�سريعات

مكافحـــة الف�ســـاد مل تنح العديد مـــن تلك اللجـــان الوطنية

موقع احلياديـــة والفعالية يف تطبيق تلك الت�سريعات والقوانني

دون مباركة وتدخل وا�سح من راأ�س ال�سلطة التنفيذية.

اإن تدخل راأ�ـــس ال�سلطة التنفيذية لتقدمي العـــون للجان الوطنية ملكافحة

الف�ســـاد مل يتوقـــف عنـــد تفعيـــل الت�سريعـــات االإجرائية مثل »اإعـــلن براءة

الذمـــة«، بل امتد ملعاجلـــة امل�سكلة املوؤ�س�سيـــة الإن�ساء تلك اللجـــان الوطنية،

بتعيـــني اإ�سافات ظاهرية وهيكلية ال تعالـــج جوهر امل�سكلة، بل ت�سيف اأعباء

واأحمـــاال جديدة من التوقعـــات اجلماهريية، التي تـــوؤدي اإىل ات�ساع م�ساحة

الف�ســـل والعزل الأي من تلك اللجان حتى تغدو - يف نهاية املطاف - عر�سة

للخيبة واالنك�سار.

تلك االإ�سافات الظاهرية قامـــت بتو�سيع ومد �سلحيات اللجنة الوطنية

ملكافحة الف�ساد من خلل اإن�ساء زوائد ق�سائية ونيابية متخ�س�سة باجلنايات

�س على تلك اللجنة التـــي تقع يف نطاق اخت�سا�س اللجنة الوطنية. وبهذا فرم

الوطنية دور املحت�سب العام �سد الف�ساد، وعزلت - �سمنا - من الدور العام

الذي يق�سي بامل�ساهمة يف تعزيز اآليات امل�ساءلة العامة وال�سفافية وامل�ساركة

الوا�سعة يف توطيد �سبل الرقابة يف الت�سريعات واجلوانب االإجرائية العامة.

واإن كانـــت هناك مبادرة وطنيـــة لتوطيد وتعيني �سبـــل اإن�ساء تلك اللجان

الوطنيـــة ملكافحـــة الف�ســـاد �سمن مـــربرات قوميـــة داخلية، اإال اأنـــه كان من

املمكن حتقيـــق االإجماع الوطنـــي الداخلي لتحقيق النمـــو والن�سوء الطبيعي

لتلـــك املوؤ�س�ســـات املعنية مبكافحة الف�ســـاد. لي�س هذا االأمـــر فح�سب، واإمنا

�ســـوف تتهيـــاأ ظـــروف النمو الوظيفـــي الطبيعي وفـــق االحتياجـــات الوطنية

والداخلية لها.

كذلـــك، جند يف - الغالـــب- اأن العديد من تلك اللجـــان الوطنية واملعنية

ئـــت �سمن معطيـــات �سيا�سيـــة داخليـــة متغرية مبكافحـــة الف�ســـاد قـــد اأن�سم

وديناميكيـــة، فبـــدت ظـــروف ن�ساأتها القانونيـــة م�سوهة تن�ســـاق وراء حركة

املـــد ال�سيا�ســـي وال�سغوط اخلارجية والتوقعات الداخليـــة. وبذلك مل تت�سح

خطوط �سلحيات تلك اللجان بدقة، اإن كانت يف موقع احل�سبة العامة �سد

الف�ســـاد التي تقت�سي الرقابـــة والتحقيق وامللحقة وال�سبـــط للفا�سدين، اأو

اإن كانـــت معنية مبراجعة االإجراءات والقوانني لتعيني اآليات امل�ساءلة العامة

والرقابة وال�سفافية للتحكم يف الف�ساد اأو بكل االأمرين معا.

لتاأدية الوطنية بدالت خمتلفة اللجان تلك �ست األبم االأحــوال، يف جممل

اأدوار متقاطعة مع موؤ�س�سات خمتلفة، حتى غدت يف نهاية املطاف عر�سة

للق�سور يف املوارد اللزمة لتاأدية اأدوارها والقيام ب�سلحياتها املت�سابكة

مـــع موؤ�س�سات وطنية خمتلفة، وبدت مثل زوائد دودية حتاول اإر�ساء النظام

العام على م�ستوى دعائي وجتميلي.

واإن كانت اأي من تلك اللجان الوطنية خمولة بالقيام مبلحقة الفا�سدين

وتعيني االآليات الوقائية االإجرائية والقانونية، فاإنها ال بد اأن تتمتع با�ستقللية

تتيـــح لها النمو الطبيعي ل�سلحياتها يف تن�سيـــق وتعاون مع بقية املوؤ�س�سات

العامـــة والقطاع اخلا�ـــس واملجتمع املـــدين. اإن الفهم البدائـــي ال�ستقللية

اللجان الوطنية اأدى اإىل خلل وا�سح يف و�سعها املوؤ�س�سي. فتلك اال�ستقللية

مل تكـــن تعنـــي التمادي اإىل نطـــاق اال�ستقلل الذاتي الـــذي يعني االنف�سام

والقطيعـــة مع املوؤ�س�سات العامة االأخرى، والتي تثل رديفا يعني تلك اللجان

يف عملها، اأو تلك املوؤ�س�سات االأخرى التي تقع يف نطاق �سلحية تلك اللجان

واإجراءاتهـــا املعنيـــة بالرقابـــة ومكافحة الف�ســـاد. واأعني بذلـــك املوؤ�س�سات

العامة التـــي تنطوي مهامها واأعمالها يف نطاق يلتقي فيه املواطن اأو القطاع

اخلا�ـــس بالقطاع العام، ويف ذاك النطاق تتف�سى ممار�سات الف�ساد االأ�سغر

وكذا الف�ساد االأكرب.

خل�سة القول، اإن غياب االإرادة ال�سيا�سية الوطنية ملكافحة الف�ساد، اأدى

لت بالتوقعات العامة والوا�سعة، حتى كادت تلك اإىل تكوين جلان اإ�سافية اأثقم

اللجـــان حتل موقع اجلرم ذاتـــه، ففقدت الروؤيـــة االإ�سرتاتيجية، وتاأرجحت

خطواتهـــا االأوىل بـــني تلك التوقعـــات العامـــة واختلل تو�سعهـــا الر�سمي

والعـــام، وخا�ســـة فيما يتعلـــق بالفهم اخلاطـــئ لل�ستقـــلل املوؤ�س�سي لتلك

اللجان. وكل ذلك يقودنا اإىل اجلزم باأن ال�سغوط اخلارجية �ساهمت يف فتح

االأعـــني لروؤية النمو املتعاظم عاما بعد عام للموؤ�سرات العاملية للف�ساد، طاملا

واجلبهـــات الوطنية والداخلية مل تتمكن من اخلروج من اأطمارها التقليدية

والبالية ملواكبة تلك التوجهات العاملية.

وبالرغـــم مـــن ذلـــك، فقد ا�ستطاعـــت العديد مـــن تلك اللجـــان الوطنية

ملكافحة الف�ساد النهو�س من موقع االإحباط مبد علقات التعاون مع منظمات

املجتمـــع املدين. واأدركـــت بع�سها اأهمية ذاك االأمر، حـــني ا�ستبدلت مدخل

اخلبري- اال�ست�ســـاري باملدخل الت�ساركي الوطني حني ر�سمت ا�سرتاتيجيتها

الوطنية ملكافحة الف�ساد. ذاك املدخل الذي اعتمد اأ�سلوب امل�ساركة ال�سعبية

الوا�سعـــة اإىل جانب و�ســـع ا�سرتاتيجيات وطنية ملمو�ســـة ومنطقية، كما اأن

ذاك املدخل الت�ساركي الوا�سع حقق اإجماعا وطنيا وا�سعا ي�ساند مهام تلك

اللجان وي�ستوعب وظائفها الرئي�سية.

بفعل البنية الهرمية للف�ساد وات�ساع

قاعدته، تتا�سى النزاهة من املمار�سات

ال�سلوكية حتى تغدو م�ستهجنة على

�سعيد الواقع امللمو�ض. وتبحلق العيون

يف قمة هرم الف�ساد لل�سروع يف الرجم اأو

التعزير بالف�ساد االأكربالوا�سح للعيان،

وقد غفلت تلك العيون باأن عورة الف�ساد

م�ستورة من قاعدته الوا�سعة

179 ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

Page 90: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 180 181ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

فتنة ال�شندوق ال تــــكاد تخلو دولة مــــن دول العامل من انتخابــــات ما. لكن

هــــذا االنت�سار لفكــــرة االنتخابات ال يعني بحــــال من االأحوال

اأن الدميقراطيــــة اأ�سبحت القيمة املهيمنــــة على العامل. على

العك�س من ذلك، فقــــد حتولت االنتخابات يف كثري من الدول

الناميــــة اإىل م�سكلــــة ال تهــــدد عمليــــة التحــــول الدميقراطــــي

وح�ســــب، واإمنــــا تهــــدد اال�ستقرار علــــى نحو ال يقبــــل ال�سك.

ذلــــك اأن االنتخابــــات لي�ست اإال اآلية من اآليــــات الدميقراطية

املتعــــددة واملتنوعة. و بكلمات اأكرث و�سوحــــا، ميكن القول اإن

االنتخابات الدميقراطية هــــي نتاج نظام دميقراطي يتم فيه

احــــرتام �سيادة القانــــون، واحــــرتام الف�سل بــــني ال�سلطات،

وحقوق االإن�سان، وكذا توفري كل ال�سمانات التي حتقق اأف�سل

ال�سروط للعمل ال�سيا�سي، وكذا حرية التعبري واالإعلم. وتبعا

لذلــــك، ال ميكــــن الأي انتخابــــات مهمــــا كانت علــــى قدر كبري

مــــن النزاهــــة، دون اأن يكــــون ذلــــك م�سنودا بنظــــام وجمتمع

يحتكمــــان اإىل تقاليــــد ليربالية را�سخة توؤمــــن بالدولة املدنية

وبالتعدد واحلريــــات، اأن حتدث التغيري املن�سود. فكيف يكون

احلــــال، اإذا افتقدت االنتخابــــات املعايري التي ينبغي توافرها

يف االنتخابــــات الدميقراطية؟ ال �ســــك اأن ذلك �سوف يت�سبب

يف م�سكلت ال ح�سر لها.

يف الواقــــع، اإن االنتخابــــات مــــن اأكــــرث املجــــاالت اخل�سبة

للجــــدل، فحتى الدول التي لديها جتــــارب دميقراطية عريقة

ت�سهــــد - ومــــا تــــزال- نقا�سات حــــول قــــدرة االنتخابات على

تر�سيــــد احلكم، وعلى التاأثــــري اإيجابيا يف �سلــــوك املجتمعات

وطريقــــة تفكريها. وعلــــى �سبيل املثال، يجــــادل املــــوؤرخ الربيطاين اإريك

هوبزباوم الذين لديهم نظرة طوباوية اإزاء االنتخابات، باأن الدميقراطية

االنتخابيــــة لي�ست بال�سرورة من ي�سمــــن احلرية الفعالة للإعلم وحقوق

املواطنني والق�ساء امل�ستقل. يعتقد هوبزباوم على عك�س كثري من املفكرين

الغربيني اأن منوذج “�سيادة ال�ســــوق” لي�س متمما لليربالية الدميقراطية

وح�ســــب، واإمنا هو بديل عنها، وعن اأي لــــون من األوان ال�سيا�سة. ويكت�سب

هــــذا الراأي مزيدا مــــن املوؤيدين نتيجة جتاهل بع�ــــس ال�سيا�سيني يف تلك

الــــدول لرغبــــات �سعوبهــــم يف حلظــــات دقيقة، ويف هــــذا االإطــــار مل يكن

مفهومــــا اإ�سرار حكومات الواليات املتحدة االأمريكية وبريطانيا مثل على

�ســــن احلرب على العــــراق برغم املظاهرات الكبــــرية التي اجتاحت املدن

االأمريكية والربيطانية، والتي مل تكن موؤيدة لهذا القرار.

اأمــــا االنتخابات يف الدول النامية، فاإنهــــا اأ�سبه ما تكون مبهرجان ليوم

واحــــد، حيث يبدو امل�سهد االنتخابي وكاأنه خــــارج عن ال�سياق العام الذي

يبــــدو غارقــــا يف اال�ستبداد والفو�سى، اإذ حتولــــت االنتخابات يف كثري من

الدول النامية اإىل حمطة الكت�ساب �سرعية زائفة، واإىل تكري�س اال�ستبداد

بحيــــث تقوم االنتخابات بوظيفة �سبيهة بعملية غ�سل االأموال، حيث تغطي

العمليــــة االنتخابية الو�سع البائ�س الذي تعي�سه �سعوب تلك الدول. وبرغم

اأن هــــذا هــــو طابع االنتخابــــات يف دول العامل النامــــي، اإال اأن االنق�سامات

التــــي تعــــاين منها جعلت مــــن االنتخابــــات م�سكلة ال تهدد عمليــــة التحول

الدميقراطي فقط، واإمنا تهدد اال�ستقرار فعليا. ففي �ساحل العاج اأدخلت

االنتخابات الرئا�سية التي جرت نهاية ت�سرين الثاين/ نوفمرب 2010 البلد

يف اأجــــواء احلرب االأهليــــة التي اندلعــــت عامــــي 2002 و2003 ، فالرئي�س

املنتهية واليته لوران جباجبو م�سمــــم على التم�سك بال�سلطة على الرغم

من اإعــــلن اللجنة امل�ستقلة فوز مناف�سه احل�ســــن وترة مبن�سب الرئي�س،

وهــــو االأمر الــــذي ال يلقى تاأييد املجتمع الدويل الــــذي ال يخفي غ�سبه من

طريقة تعامل جباجبو مع نتائج االنتخابات، متهما اإياه بالت�سبب يف مقتل

الع�ســــرات من املدنني، وكذا تكري�س حالة االنق�سام بني ال�سمال واجلنوب

مما يزيد الو�سع تعقيدا.

عبد الغني املاوري

[email protected]

عبدالغني املاوري �سحفي وكاتب من اليمن.

ملاذا تتحول االنتخابات

داع دائم فـي اإىل �س

البلدان النامية

اجتاهات عاملية

وبعيــــدا عن ال�سورة النهائية التي �ستوؤول اإليها االأو�ساع يف هذه الدولة

االأفريقية، وبغ�س النظر عن املت�سبب يف عدم االإفادة من هذه االنتخابات

يف دعم العملية الدميقراطية وال�سيا�سية، فاإن اإعادة احلياة الطبيعية اإىل

الو�سع العاجي مرة اأخرى لن يكون اأمرا ي�سريا.

واحلــــال اأن منــــوذج �ساحل العاج يكاد يتكرر ب�ســــورة اأو باأخرى يف دول

كثــــرية، االأمر الذي يدعونــــا للتاأمل يف االأ�سباب والعوامــــل احلقيقية التي

جتعل مــــن االنتخابات م�سكلة ولي�س اآلية حلــــل ال�سراعات ال�سيا�سية كما

هو احلال يف الدميقراطيات العريقة.

عواقــب االنتخابــات غــري الدميقراطيــة تــــربز

م�ساألــــة اإجراء االنتخابات يف ظل ظروف غري طبيعية كاأحد االأ�سباب التي

تــــوؤدي اإىل االنتقا�س من نتائــــج االنتخابات. اإن الظــــروف الطبيعية التي

نق�سدهــــا هنا، ميكــــن تلخي�سها يف وجود دولة م�ستقــــرة، ونظام �سيا�سي

يوؤمن بالقيم الليربالية، ولديه ر�سيد هائل من احرتام القانون واحلريات

العامة، وجمتمع ت�سوده االأفكار العقلنية، اإذ غالبا ما توؤثر ثقافة املجتمع

وطريقة مقاربته ملا حوله من الظواهر واالأحداث يف م�سار

اأي عمليــــة حتول �سواء كانت ذات طبيعــــة �سيا�سية اأو غري

ذلك، فاملجتمعات التي ت�ستح�سر اأحكاما وتوقعات غيبية

تكــــون االنتخابــــات فيها اأ�سبــــه مبغامرة، ودائمــــا ما تكون

مغامرة فا�سلة.

فاحلــــدث االنتخابي يف حد ذاته مهما تتع مبوا�سفات

عاليــــة من النزاهــــة ال ميكنــــه اإحداث تغيــــري جوهري يف

حيــــاة اأي �سعب من ال�سعوب، ذلك اأن عملية التغيري يف اأي

جمتمــــع هي عملية مركبة ومعقــــدة، واالأهم من ذلك اأنها

عملية تراكمية ت�ستوعب التحديات والعلقات التي تتحكم

يف جمتمع ما. وعليه، فاإن االنق�سامات احلادة التي ت�سود

بع�ــــس املجتمعــــات على اأ�س�س غــــري �سيا�سيــــة، ف�سل عن

احلروب واال�سطرابات االأمنية ت�ساهم على نحو م�سطرد

يف وجود ت�سكيك دائم لي�س بنتائج االنتخابات، واإمنا فيما

هــــو اأهم، كم�سروعية الدولة مثــــل، وهو ما يزيد من حدة

ال�سراعات ومن تداعياتها.

وبالعــــودة اإىل انتخابــــات �ساحل العــــاج الرئا�سية، فاإن

االعرتا�ــــس الذي يبديه الرئي�س جباجبــــو - والذي يعاين

من عزلة دولية غري م�سبوقة - على نتائج االنتخابات التي

اأعطتــــه ن�سبة اأ�سوات اأقل من مناف�ســــه، هو افتقاد عملية

احت�ســــاب االأ�ســــوات يف ال�سمــــال الذي يقع حتــــت �سيطرة

خ�سومه لل�سفافية الكافية.

ال �ســــك اأن اعرتا�ــــس جباجبــــو منطقــــي ب�ســــكل كبري،

وميكــــن اجلــــزم اأنــــه يف حمله تامــــا، لكن هــــل ميلك جباجبــــو ال�سجاعة

الكافيــــة للقــــول اأنــــه مل يتدخل ب�سكل غــــري قانوين يف جمريــــات احت�ساب

االأ�ســــوات يف اجلنوب الذي ي�سيطر عليه �سيطرة تامة. يف الواقع، �سيكون

مــــن اخلطاأ اعتبار مــــا قاله جباجبو ال�سبب احلقيقــــي الذي يجعله يواجه

العامل ويرف�س التنحــــي وت�سليم ال�سلطة ملناف�سه وترة، فامل�سهد ال�سيا�سي

يف �ساحل العاج معقد للغاية، اإذ يخفي التناف�س بني جباجبو ووترة �سراعا

طائفيــــا بني جنوب م�سيحي و�سمال م�سلم، ما يزال برغم حماوالت كثرية

للتخفيف من وطاأته حا�سرا بقوة يف كل املنا�سبات املهمة، ويف االنتخابات

على وجه اخل�سو�س، وهذا يجعل من اأي انتخابات جتري يف �ساحل العاج

حربا م�ستمرة.

وعلى نف�س املنوال، تبدو االنتخابات يف دول مل حت�سم خياراتها الكربى

ومل تتمكــــن من اإر�ســــاء قواعد حياة مدنية يف جمتمعاتهــــا، وكاأنها حمطة

ال�ستعرا�ــــس القوة غــــري العاقلة ال غري. يف العراق مثــــل، مل يكن الرئي�س

toon

pool

Page 91: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 182 183ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

اجتاهات عاملية

العراقي الراحل �سدام ح�سني من املوؤمنني بالدميقراطية كمعظم احلكام

العــــرب، وكان يــــرى يف نف�سه القائــــد الذي يحبه �سعبــــه دون احلاجة اإىل

انتخابات، لكن ال�سغوط الدولية دفعته اإىل تنظيم ا�ستفتاء �سعبي، ح�سل

فيــــه على 100% مــــن االأ�ســــوات، وهي ن�سبــــة بح�سابات عقليــــة ب�سيطة ال

ميكن اأن حت�سل اأبدا. عندما �سقط نظام �سدام بوا�سطة االأمريكيني، مت

الرتويج ملقولة اأن العراق اأ�سبح بلــــدا دميقراطيا، ولرت�سيخ هذه ال�سورة

عن العراق اجلديد مت تنظيم انتخابات برملانية ملرتني، وانتخابات حملية

وحيــــدة منذ 2003 وهو العام الذي �سهد احتلل العراق وحتى االآن. وعلى

الرغــــم من احلما�سة التي اأبداهــــا املواطنون العراقيون للم�ساركة يف هذه

االنتخابــــات، اإال اأن الظروف غري الطبيعية التي يعي�سونها نتيجة االأو�ساع

االأمنيــــة غري امل�ستقرة، وكذا االنق�سامات احلــــادة جتاه ق�سايا كربى مثل

االحتــــلل واملقاومة والد�ستــــور، و اإعطاء هذه االنق�سامــــات بعدا طائفيا،

جعلهم حتت �سغــــوط معنوية هائلة. فقد بدت االأحــــزاب العراقية وكاأنها

مدافعة عن الدين وعن وجود الطائفة، وهذا انعك�س بدوره على الناخبني

الذيــــن رغم تاأكدهم من اأن خيار الت�سويــــت على هذا االأ�سا�س لي�س اأمرا

�سائبا اإال اأنهم قاموا بذلك، خوفا من اأن يتهمهم اأحد بالت�سبب يف هزمية

الطائفــــة التــــي ينتمون اإليهــــا. وبنجاح منقطــــع النظري ا�ستغــــل اللعبون

ال�سيا�سيــــون العراقيــــون االنتخابات التي تثل منا�سبــــة للتعبئة ال�سيا�سية

وحل�ســــد اجلماهري واملوؤيدين اأي�سا يف التعبئة املذهبية، وعلى �سبيل املثال

اأثناء االنتخابات الربملانية االأخرية التي جرت يف اآذار/ مار�س 2010 كان

�سعــــار الكثري مــــن و�سائل االإعــــلم املوؤيدة لرئي�س الــــوزراء العراقي نوري

املالكي، ولقادة اآخرين من الطائفة ال�سيعية هو الت�سويت الكثيف حتى ال

يفوز اأعداء االإمام علي بن اأبي طالب اخلليفة الرابع.

مــــا يزعج كثري مــــن العراقيني حتى اأولئــــك الذين وافقــــوا على االإدالء

باأ�سواتهــــم بنــــاء على خيــــارات طائفية، اأن االنتخابات بــــدال من اأن تكون

خطــــوة يف اإطــــار بناء دولــــة حديثة، وطريقــــة مثلى ال�ستيعــــاب اخللفات

ال�سيا�سية والو�سول اإىل ت�سوية ب�ساأنها، باتت منا�سبة

للتحري�ــــس الطائفي، وا�ستنفــــار النا�س �سد بع�سهم

البع�ــــس، وهــــو االأمــــر الذي يهــــدد وحدتهــــم واأمنهم

وا�ستقرارهــــم. وباملثــــل، يبــــدو لبنان هو االآخــــر بلدا

يعــــاين من عدم قدرتــــه على فهم معنــــى االنتخابات

الدميقراطية، فاالأحزاب والقوى ال�سيا�سية اللبنانية

تبنــــي خطابهــــا ال�سيا�ســــي علــــى الت�سكيــــك باالآخــــر

والتحري�س عليــــه خ�سو�سا يف موا�ســــم االنتخابات.

لكن املفارقة اأن هذه الطبقة ال�سيا�سية التي ت�ستخدم

اأحيانــــا و�سائل غري اأخلقية �سد بع�سها البع�س، مبا

يف ذلــــك التاآمر والتواطوؤ مع جهات خارجية، تقــــوم باتخاذ موقف موحد

�سد اأي اإ�سلحات تطــــال النظام ال�سيا�سي اأو قانون االنتخاب. ومن غري

جتن، فــــاإن هذه القوى باختــــلف تنويعاتها وم�سمياتها تــــدرك اأن اإجراء

تعديلت جوهرية على القانون الذي ينظم االنتخابات مبا ي�سمح بالتفلت

مــــن القيــــود الطائفيــــة، ومبا يــــوؤدي اإىل تو�سيــــع اخليارات اأمــــام خمتلف

قطاعــــات ال�سعــــب، االأمر الذي ي�ساعد يف اإنتاج خيــــارات �سيا�سية جديدة

تكون اأكرث مدنية واأكرث ميل للتحدث بلغة وطنية بعيدا عن التاأثر مبواقف

خارجية ال ت�سب بال�سرورة يف م�سلحة اللبنانيني، تدرك اأن ذلك �سيوؤدي

اإىل الق�ســــاء عليها. وبهذا املعنى، فــــاإن وجود حزب اهلل الذي ميثل وجهة

نظــــر دينية ذات طابع �سيعي ميثــــل حاجة حلزب القــــوات اللبنانية الذي

يحب اأن ي�سنف نف�سه كحام للم�سيحيني، ووجود تيار امل�ستقبل الذي مييل

اإىل تبنــــي فكرة قيادة ال�سنة للبنان حاجة �سرورية لتيار الزعيم امل�سيحي

مي�سيــــل عــــون، والعك�س. اإن هــــذه الطريقة يف التفكري تخــــرج االنتخابات

من كونهــــا اآلية ت�ساعد على اختيار احلكام وت�سويــــة اخللفات ال�سيا�سية

بطريقة �سلمية، اإىل حمطة يتم فيها حماولة ت�سويه االآخر واإعلن احلرب

عليه. ولي�س من قبيل امل�سادفــــة اأن معظم االأزمات احلروب االأهلية التي

�سهدها لبنان كانت تعقب االنتخابات، كحربي 1958 و1975.

بالتاأكيــــد لي�ســــت االنتخابــــات يف حــــد ذاتها هــــي �سبب هــــذه االأزمات

واحلــــروب، ولكــــن قد ت�سبــــح اأحد االأ�سبــــاب التي ت�ساهــــم يف زيادة حدة

ال�سراعــــات الداخليــــة اإذا اأجريت يف ظروف تت�سم بالتوتــــر والع�سوائية،

خ�سو�ســــا يف حــــال ت�سبــــع املجتمعــــات باأفــــكار ذات طبيعــــة فا�سيــــة. ويف

هــــذا االإطار، يلحــــظ الكاتب واملفكــــر االأمريكي املعروف فريــــد زكريا يف

كتابه”م�ستقبــــل احلرية” ا�ست�سلم العرب ملثل هــــذه االأفكار، اإذ يرى اأن

العــــامل العربي يجد نف�سه اليوم حما�سرا بني دول حكم الفرد وجمتمعات

غــــري ليربالية ال ميثل اأي منها اأر�سا خ�سبة للدميقراطية الليربالية. هذه

الدينامية بني هاتني القوتني التي ي�سفها زكريا باخلطرية، اأفرزت مناخا

�سيا�سيا م�سحونا بالتطرف الديني والعنف. فطوال الوقت تدافع االأنظمة

عن نف�سها بو�سفها املفو�سة من اهلل وال�سعب بنف�س القدر رمبا، فيما على

اجلانب االآخر، حتاول اجلماعــــات الدينية جر النا�س ملنطقها الذي يبعد

كثريا عن االأر�س.

ومــــن �سمن العوامــــل التي ال ت�سمــــح بوجود انتخابات حتــــوز على ر�سا

غالبيــــة النا�ــــس، اأنهــــا جتــــري وفــــق �ســــروط جمحفــــة. فافتقــــاد العملية

االنتخابيــــة الأب�سط معايري ال�سفافيــــة والنزاهة يجعل منها عملية ال ميكن

الوثوق بها. وهذا �سيوؤدي بال�سرورة اإىل الت�سكيك

بنتائجهــــا، وقد ي�سل االأمــــر بالبع�س اإىل مقاومة

هــــذه النتائج بالقوة. تتمثل هــــذه ال�سروط التي ال

تت�ســــف بالعدالة يف اإ�سدار قوانني حتد من حرية

املتناف�سني جلهة امل�ساركة يف الرت�سح واالنتخاب.

ت�سهــــد عامــــة ب�سفــــة االإيرانيــــة فاالنتخابــــات

با�ستمــــرار عــــدم ال�سماح لبع�س الذيــــن يتقدمون

بطلبات الرت�سح حتت دعاوى واهية. وعلى الرغم

مــــن اأن هذا االإجــــراء الذي بات �سمــــة من �سمات

االنتخابات يف اإيران قــــد اأعطى �سورة غري جيدة

عــــن الدميقراطيــــة االإيرانية، فــــاإن دوال عدة بــــداأت يف الفرتة االأخرية يف

تطبيق �سيا�سة التمييز هذه.

وباالإ�سافــــة اإىل ذلــــك، تعــــد الطريقــــة التي يتــــم فيها اإعــــداد �سجلت

الهيئــــات الناخبة غــــري ذات م�سداقية، حيــــث تتلىء باأ�سمــــاء وهمية ال

وجــــود لها على اأر�س احلقيقة، االأمر الــــذي يف�سر ح�سول مر�سح ما على

ن�سبــــة اأ�ســــوات اأكرث مــــن املتوقع بكثري. وممــــا يزيد ال�سعــــور بالغنب لدى

تبدو االنتخابات يف دول مل

حت�سم خياراتها الكربى ومل

تتمكن من اإر�ساء قواعد

حياة مدنية يف جمتمعاتها،

وكاأنها حمطة ال�ستعرا�ض

القوة غري العاقلة ال غري

كثري مــــن التيارات ال�سيا�سيــــة اأن اللجان التي يعهد اإليهــــا االإ�سراف على

العمليــــة االنتخابية يف كثري من الدول ت�ساهــــم يف �سرعنة هذه املخالفات

ال�سارخة. وال يتوقف االأمر عند هذا احلد، بل اأن بع�س اللجان تقوم بكل

االأعمــــال التي من �ساأنهــــا حتويل عملية انتخابيــــة اإىل عملية قذرة اأو على

االأقل اإىل مهزلة ال ت�سحك اأحدا.

االنتخابات و�ســناعة اخلوف ت�سعى االأنظمة

الديكتاتوريـــة والت�سلطيـــة بـــكل ثقـــة ممكنـــة ال�ستغلل فكـــرة االنتخابات

لتح�ســـني �سورتها واكت�ساب �سرعية هـــي يف اأم�س احلاجة اإليها بعد �سمور

ال�سرعيـــات الثوريـــة، فلم يعـــد مقبوال يف عـــامل اليوم اأن يكـــون اال�ستبداد

ال�سيا�ســـي بالو�سوح الـــذي كان يف املا�سي. واإىل جانـــب ذلك، تعتقد هذه

االأنظمـــة اأن االنتخابات فر�سة ال يجب ت�سييعها للح�سول على م�ساعدات

اقت�ساديـــة معتربة. وهكذا، فاإن االنتخابات التي جتري يف كثري من الدول

التـــي تت�ســـم اأنظمتها باالأحاديـــة ال علقة لهـــا بتطوير احليـــاة ال�سيا�سية

الداخليـــة. ومـــا يجعـــل هذه االأنظمـــة تتم�سك بهـــذه ال�سيا�سة هـــو قدرتها

علـــى قمع معار�سيها بق�ســـوة بالغة من دون التعر�ـــس للنتقادات من قبل

الـــدول الكربى التي تقـــدم نف�سها على اأنها راعية القيـــم الدميقراطية يف

العامل. وال�ســـك اأن هذه االأنظمة، وعلى وجه اخل�سو�ـــس االأنظمة العربية

واالإ�سلمية، وبخبث حت�سد عليه، تكنت من اإقناع االأمريكيني واالأوربيني

بـــاأن الدميقراطية قـــد تاأتي باأ�سخا�س معادين ل�سيا�ستهـــم. ويبدو اأن هذا

الـــكلم قد وجد اآذانا �ساغية، فعلى الرغم مـــن عدم قدرتهم على اإخفاء

امتعا�سهـــم من الطريقة التي يتم فيهـــا التعامل مع االنتخابات على �سبيل

املثـــال، لكنهم �ساروا اأكرث اقتناعا مـــن ذي قبل، باأن االنتخابات قد تكون

ج�سرا لو�سول اأعداء اأمريكا اإىل ال�سلطة، وهو ما ينبغي العمل دون ح�سوله

باأي ثمن.

ويف هذا ال�سيـــاق، يقول الدبلوما�سي االأمريكي ريت�سارد هولربوك الذي

لعب اأدوارا مهمة يف البو�سنة واأفغان�ستان وباك�ستان، والذي تويف يف الثالث

ع�ســـر من كانون االأول/ دي�سمرب 2010، يف �سياق حديثه عن يوغ�سلفيا يف

ت�سعينيات القرن املا�سي: »لنفرت�س اأن االنتخابات حرة ونزيهة، واأن الذين

يتـــم انتخابهم عن�سريون وفا�سيون وانف�ساليون. هنا تكمن املع�سلة، واإنها

كذلك بالفعل، لي�س يف يوغ�سلفيا وح�سب، واإمنا يف العامل. تاأمل على �سبيل

املثـــال، التحدي الذي نواجهه عرب العامل االإ�سلمي. نحن نعرتف باحلاجة

اإىل الدميقراطيـــة يف تلك البلدان التـــي ت�سكو دائما القمع، لكن ماذا لو اأن

الدميقراطيـــة اأفـــرزت ثيوقراطية اإ�سلميـــة اأو �سيئا من هـــذا القبيل. اإنها

لي�ست ق�سية تافهة« )اأنظر: كتاب “م�ستقبل احلرية” لفريد زكريا(. ومن

نافلـــة القـــول، اأن هذه املخاوف قـــد ا�ستولت على تفكـــري الرئي�س االأمريكي

بـــاراك اأوباما ومن قبله الرئي�س جورج بو�س االبـــن، وهو االأمر الذي يف�سر

تراجع الواليات املتحدة عن التزامات �سابقة بدعم الدميقراطية يف ال�سرق

االأو�سط.

والواقـــع اأن اإدراك هـــذه االأنظمة لهذه املتغريات جعـــل �سلوكها يف االآونة

االأخرية يت�سم بالغرور، وقد و�سل اال�ستخفاف بقواعد العمل ال�سيا�سي اإىل

اأن تقـــوم باختيـــار من يحق له اأن يكـــون معار�سا ل�سيا�ستهـــا. لكن جناحها

يف هـــذا االأمر ال يجب اأن يدعوها للطمئنان ب�ســـكل اأكيد. فال�سرعية التي

تعتقـــد هذه االأنظمـــة باأنها اكت�سبتهـــا نتيجة انتخابات غـــري نظيفة، لي�ست

�سرعيـــة نهائية. فاملعار�سون لهـــذه االأنظمة بداأوا يبنـــون �سرعية وجودهم

على هذه االنتخابات اأي�سا.

وقـــد �سمح ابتذال الطبقات احلاكمة يف بلدان كثرية للمعار�سة اأن حتقق

تقدما على هـــذا ال�سعيد. فبداأ التفكري ب�سكل جدي الإن�ساء كيانات موازية

للموؤ�س�سات الر�سمية، وبغ�س النظر عن ا�ستمرار هذه الكيانات املوازية فاإن

ثمـــة حتوال بـــداأ يطراأ على تفكري املعار�سة التي يبدو اأنها مل تعد قادرة على

اال�ستمـــرار يف لعب دور املتفرج املتربم با�ستمـــرار. هذا التطور املحدود يف

تفكـــري املعار�ســـة ي�سي رمبا مبواجهـــة اأكرث حدة يف امل�ستقبـــل، ما يعني اأن

االنتخابات رمبا فقدت وظيفتها االأ�سا�سية وهي امل�ساعدة على التغيري، ويف

حـــال ا�ست�سرى هذا االإح�سا�س القامت لدى قطاعـــات وا�سعة من املجتمعات

فاإن االأمور لن تكون ماأمونة العواقب.

االأنظمة الديكتاتورية

والت�سلطية ت�سعى

ال�ستغال فكرة االنتخابات

لتح�سن �سورتها واكت�ساب

�سرعية هي يف اأم�ض

احلاجة اإليها بعد �سمور

ال�سرعيات الثورية

ME

Arc

hiv

E

Page 92: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 184 185ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املائدة امل�ستديرة

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

نقا�س * ق�سية

�شدر حديثا

يف �شل�شلة ر�شائل جامعية

�شيا�شة اليمن اخلارجية

جتاه دول القرن الإفريقي:

م�شاهمة يف درا�شة القرار ال�شيا�شي

حممد علي عمر احل�سرمي

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 93: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 186 187ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

الغرباء مددا

التدخل اخلارجي، هل هو �رش البد منه؟

ل تقت�رص ظاهرة التدخل اخلارجي على بقعة جغرافية واحدة، كما اأنها ل ترتبط بفرتة زمنية حمددة، فهذه الظاهرة قدمية

قدم العالقات الدولية التي تت�سم اإما بال�رصاع اأو بالتعاون، ويف كال احلالتني كان التدخل اخلارجي حا�رصا، وعادة ما كان

ميار����س من قبل ال���دول الأقوى على ح�ساب الدول ال�سغرية والأ�سعف. وقد اأح���دث هذا التدخل انق�سامات �ستى بني

الق���وى املحلية، فمنهم من طالب بهذا التدخل وا�ستدعاه بهدف ال�سغ���ط اأو التخل�س من ال�سلطة “امل�ستبدة احلاكمة”،

وفريق اآخر يرى يف هذا التدخل م�سا�س بال�سيادة الوطنية، ول ميكن القبول به حتت اأي ظرف من الظروف، وفريق ثالث

ل يعتربه �رصا مطلقا ول خري مطلقا، اأي ميكن القبول به ب�رصوط ووفق حدود و�سوابط معينة.

والي���وم، ويف ظ���ل تزايد حدة التدخل اخلارج���ي والغربي حتديدا بكاف���ة اأ�سكاله و�سوره يف �س���وؤون املنطقة والدول

العربية، عادت م�ساألة التدخل الأجنبي لتطرح نف�سها بقوة يف امل�سهد ال�سيا�سي والفكري العربي، وبالتايل فاإن هناك عدة

اأ�سئل���ة ما فتئت تطرح حول هذا املو�سوع، اأهمها: ملاذا تتدخل القوى العظمى واأمريكا حتديدا يف �سوؤون منطقتنا العربية

به���ذا ال�س���كل ال�سافر )�سيا�سيا واقت�ساديا وع�سكري���ا(، وهل اأن هذا التدخل بات �سمة ثابت���ة يف التعامل مع دول املنطقة

وجمتمعاتها، وهل هناك عوائد اإيجابية من هذا التدخل، اأم اإنها �سلبية دائما، واأخريا ما هي انعكا�سات التدخل اخلارجي

على م�ستقبل الدول العربية واملنطقة برمتها؟

اأ�سئل���ة توجهت بها »مدارات ا�س��راتيجية« اإىل نخبة من الكتاب والباحثني املهتمني، وق���د تف�سل بالإجابة عليها كل

من: ن�س��ر طه م�س��طفى الكاتب اليمني املعروف، والدكتور طالل عري�س��ي اأ�ستاذ علم الجتماع يف اجلامعة اللبنانية،

والدكتور اأحمد عبدالواحد الزنداين اأ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية بجامعة �سنعاء، وفرج بوالع�س��ة الكاتب الليبي املقيم يف

اأملانيا. وبح�سيلة اإجاباتهم الرثية، خرجنا مبائدتنا امل�ستديرة لهذا العدد.

امل�ستديرةامل�ستديرةاملائدةاملائدة

طال عرتي�سي

لهذه االأ�سباب

يتدخلون يف منطقتنا

العربية املنطقة جتعل عــدة اأ�سباب ثمة

مو�سع االأو�سط( )ال�سرق االإ�سلمية

التدخل حـــد اإىل دويل اهـــتـــمـــام

من اال�ستعمارية القوى لكل املبا�سر

اإىل ع�سر التا�سع القرن يف اأوروبـــا

الواليات املتحدة يف هذا القرن. ومن

املوقع مثل ثابت هو ما االأ�سباب هذه

اال�سرتاتيجي الذي يدفع القوى اال�ستعمارية

اأو القوى الكربى اإىل االحتلل تارة ملواجهة جيو�س

دول اأخرى اأو تهيدا للو�سول اإىل مناطق اأخرى، خ�سو�سا واأن ال�سرق

االأو�سط هو بوابة اأفريقيا من جهة وعلى تخوم اأوروبا من جهة ثانية،

وهو ممر بري اإلزامي اإىل ال�سرق االأق�سى. وهذه املنطقة اأي�سا غنية

بالرثوات التي تثري االأطماع وال�سراعات بني الدول الكربى.

اإىل هـــذا املوقـــع اال�سرتاتيجـــي لدينـــا اأي�ســـا ثلثة عوامـــل اأو ذرائع

اأ�سا�سية جتذب هذا التدخل الدويل:

الكيان الإ�ســـرائيلي )�يقابله ق�ســـية فل�سطني(: فمن املعلوم اأن اإن�ساء

هذه الدولة كان قرارا غربيـــا اأوروبيا. واأن االأوروبيني يعتربون احلفاظ

على وجود هذه الدولة وحمايتها مبثابة تكفري عما فعلوه بحق اليهود يف

بلدانهـــم. كما اأن الواليات املتحـــدة توؤكد دائما اأن من ثوابت م�ساحلها

اال�سرتاتيجيـــة يف ال�سرق االأو�سط هو حمايـــة اأمن اإ�سرائيل. وهذا يعني

اأن الكثـــري مـــن ال�سيا�سات الدوليـــة ومن حاالت التدخـــل ومن احلروب

واملواجهات �سببها وجود اإ�سرائيل واحلماية التي حتظى بها من الغرب.

وال ينفـــي القـــادة االأوروبيـــون اأن اإ�سرائيل هي موقع الغـــرب املتقدم يف

منطقتنـــا، واأنها حتمـــي نفوذ هذا الغـــرب، واأن اأي تراجع الإ�سرائيل هو

تراجـــع للغرب ولنفـــوذه )كما قال بو�ســـوح ماري خو�ســـي اآزنار رئي�س

احلكومة اال�سبـــاين ال�سابق يف 2010/6/18: »اإذا �سقطت اإ�سرائيل �ساع

الغرب«(.

�جـــود النفـــط: وهو عامل التدخـــل املعا�سر منذ اكت�ســـاف هذه الرثوة

يف مطلـــع القـــرن املا�ســـي. فب�سببـــه حتولت منطقـــة ال�ســـرق االأو�سط،

وخ�سو�ســـا دول اخلليـــج واإيـــران ومناطق اأخـــرى، اإىل بـــوؤرة االهتمام

والتدخـــل الدوليني، وذلـــك مع تزايد احلاجة اإىل النفـــط وم�ستقاته يف

ت�سغيـــل امل�سانـــع والطائرات وال�سيارات، ويف حتقيـــق املزيد من الرفاه

للأوروبيني واالأمريكيني يف حياتهم اليومية. لذا تعترب الواليات املتحدة

اأن الركيـــزة الثانية مل�ساحلها اال�سرتاتيجية بعـــد حماية اأمن اإ�سرائيل

ME

Arc

hiv

E

Page 94: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 188 189ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

هـــي حماية اإنتاج النفط ومنـــع اأي عرقلة لت�سديره، وهـــذا يفرت�س اأن

يكون الغرب مطمئنا اإىل طبيعة من يحكم بلدان هذه املنطقة.

الإ�ســـالم: فهذه املنطقة هي قلـــب العامل االإ�سلمي وفيها اأهم دول هذا

العـــامل من الدول العربية اإىل تركيا واإيران وباك�ستان واأفغان�ستان. ومن

املعلـــوم اأن االإ�سلم الـــذي و�سل اإىل تخـــوم اأوروبا يف القـــرون املا�سية

ي�سهد اليوم عودة اإىل حيويتـــه بعد انت�سار الثورة االإ�سلمية يف اإيران،

وبعد ات�ساع دور احلركات االإ�سلمية االحتجاجي ال�سيا�سي يف كثري من

بلـــدان املنطقة، اإىل ات�ساع املخاوف الغربية مـــن دور ون�ساط اجلاليات

االإ�سلميـــة يف الـــدول الغربيـــة. وترافق ذلك كله مـــع موجات التطرف

االإ�سلمـــي، ومع العنف الـــذي مار�سته منظمـــات اإ�سلمية مثل منظمة

القاعـــدة، ما جعـــل االإ�ســـلم عموما مو�ســـع قلق واهتمـــام وتدخل من

جانـــب الواليات املتحـــدة ومن خلفها اأوروبا منـــذ 2001 بذريعة حماربة

“االإرهاب”.وثمة عامل اآخر ال ميكن اإغفال اأهميته يف جذب التدخل اخلارجي هو

�سيا�ســـات احلكام و�سخ�سياتهم. فكلما كانت اأنظمة احلكم اأقل �سعبية

واأقـــل �سرعية، ت�ساعـــف االعتماد علـــى اخلارج للحمايـــة. وكلما كانت

�سخ�سية الروؤ�ساء اأكرث �سعفا وجبنا واأقل قدرة على رف�س “الطلبات”

اأو “التمنيات”، زادت تبعيتهم للخارج الذي يوؤمن لهم احلماية والبقاء

يف مواقعهم.

طلل عرتي�سي اأ�ستاذ علم االجتماع يف اجلامعة اللبنانية، وباحث وحملل يف

ق�سايا ال�سرق االأو�سط.

اأحمد عبد الواحد الزنداين

التدخل االأجنبي

الذي نرف�سه

يرتبط التدخل االأجنبي يف �سوؤون املنطقة

العربيـــة ارتباطا وثيقـــا بطبيعة النظام

الـــدويل الذي يقـــوده الغـــرب اليوم،

فلقد بني علماء العلقات الدولية

)من الغرب وال�ســـرق على ال�سواء(

اأن النظـــام الـــدويل املعا�ســـر وليـــد

�سراع مرير خا�سته اأوروبا يف ع�سور

الظـــلم وانتهـــى ذلـــك ال�ســـراع بن�سر

قـــوى ليربالية تكنت من فر�ـــس مبداأ العلمانية الـــذي انبثق عنه مبداأ

ال�سيادة كنظام �سيا�ســـي للمجتمع االأوروبي، ولقد اأقـر ذلك يف معاهدة

وي�ستفاليـــا �سنـــة 1648، وعلـــى هذا االأ�سا�ـــس ظهر يف اأوروبـــا ما يعرف

بالعائلة االأوروبية كمجتمع من الدول لها نف�س الثقافة، وتقيم العلقات

فيما بينها علـــى اأ�سا�س املبادئ الليربالية، كما تكنت القوى الليربالية

من هـــدم نظام االإقطاع االقت�ســـادي لتحل حمله مبـــادئ الراأ�سمالية،

وبذلـــك اكتملت ملمح نظام العائلة االأوروبية، وظل ذلك النظام حكرا

علـــى اأوروبـــا دون غريها لكي ال ي�ستفيد الغري من مبـــداأ ال�سيادة، اإذ اأن

قوى اأوروبا اعتربت اأقاليم العـــامل مباحة حلملتها اال�ستعمارية، وبعد

اأن تعـــذر على اأوروبا اال�ستمـــرار يف ا�ستعمار ال�سعـــوب ع�سكريا، عملت

قدر امل�ستطاع على تو�سيع نظامها تدريجيا من خلل �سم كل من يخنع

لثقافة ومبادئ العائلة االأوروبية اإىل ما اأ�سمته الحقا “املجتمع الدويل”.

وكانـــت اأوروبا قد مدت ج�سورها اإىل االأمريكيتني واأ�سرتاليا لي�ستوطنها

االأوروبيـــون ويهيمنوا عليها بل وينطلقوا منها، ولعل اآخر املتهاوين اأمام

القـــوى الليربالية هو االحتاد ال�سوفيتـــي، لينفرد الغرب الليربايل وعلى

راأ�سه الواليات املتحدة باإدارة املجتمع الدويل.

وحتـــت قيادة الواليات املتحدة ظهرت موجة جديدة من تدد املبادئ

الليربالية متجهـــة نحو العامل االإ�سلمي، احللقـــة ال�سعيفة يف ال�ساحة

الدوليـــة، الـــذي ف�ســـل وذهبت ريحـــه منـــذ اأن دب ال�سعـــف يف الدولة

العثمانيـــة وحتولـــت اإىل دويلت �سعيفـــة كانت قد رزحـــت لل�ستعمار

لعقود عدة، تلك الدويلت مل تكن لتقوى على البقاء يف ال�ساحة الدولية

اإال بف�ســـل التوازن الدويل الذي اأوجدته احلـــرب الباردة، وما اأن اختل

ذلـــك التـــوازن حتى بدت تلـــك الدويلت وعلـــى راأ�سها الـــدول العربية

هدفا م�سروعا لقادة النظام الدويل لتفر�س على �سعوبه مبادئ العائلة

االأوروبية، اإال اأن ثقافتها بقيـــت خمتلفة وظلت ترف�س العلمانية وتربط

الديـــن بالدولة، وظلت مبادئها امل�ستقاة من ال�سريعة االإ�سلمية تختلف

اختلفـــا �سارخا مع ثقافـــة العائلة االأوروبية، االأمـــر الذي اعتربه قادة

النظام الدويل معيقا ل�سيطرتهم على املجتمع الدويل، ولعل هذا ما دعا

قـــادة حلف النيتو اإىل اعتبار العـــامل االإ�سلمي العدو البديل لل�سيوعية،

االأمر الـــذي ا�ستوجب بقاء حلـــف النيتو قائما بعد انهيـــار حلف وار�سو

1991، بـــل ومت تغيـــري مهمته مـــن دفاعية اإىل هجومية خـــارج اأوروبا يف

قمـــة اأو�سلو 1992 ومت حتديد االأقاليـــم التي تدد فيها العامل االإ�سلمي

وح�سارته باعتبارها خطرا يهدد احل�سارة الغربية، وهذا ما مل�سه وعرب

عنه بو�سوح كبار منظري الغرب املعا�سرين، كفران�سي�س فوكوياما الذي

يقول »اإن االإ�سلم هو احل�سارة الرئي�سية الوحيدة يف العامل التي لديها

بع�س امل�ســـكلت االأ�سا�سية مع احلداثة الليرباليـــة... فاإما اأن يت�سالح

مع قيم تلـــك احل�سارة... واإما الدمار«. ويقـــول �سامويل هنتنجتون يف

نظريته �سراع احل�سارات اإن »االإ�سلم هو قوة الظلم يف العامل ب�سبب

امل�ستديرةامل�ستديرةاملائدةاملائدة

نـــزوع امل�سلمني نحو ال�سراع العنيف ومـــن هنا )ياأتي( ال�سدام املحتوم

بني االإ�سلم والغرب«.

لكن ملـــاذا املنطقة العربية بالذات حمل تدخـــل الغرب ب�سكل �سافر؟!

فمـــن اأبرز مظاهر ذلك التدخـــل، زرع اإ�سرائيل ودعم الدور الذي تقوم

به ب�سكل مطلق. يعتقد البع�س اأن املوقع اجلغرايف والرثوات الكبرية هي

ال�سبـــب يف التدخـــل، واإن كانت هذه الروؤية ال تخلو مـــن ال�سحة، اإال اأن

لـــكل منطقة موقعها املهم وثرواتها الغنيـــة كذلك، لذا نعتقد اأن ال�سبب

الرئي�ســـي هـــو اأن هذه املنطقة هـــي منبع االإ�سلم الـــذي يرف�س مبادئ

الليرباليـــة، واأن لغتهـــا العربيـــة مكنت العـــرب من فهـــم ال�سريعة دون

موؤ�س�سات و�سيطة. فالعربي، على �سبيل املثال، يقراأ قوله تعاىل »ومن مل

يحكم مبا اأنزل اهلل فاأولئك هم الظاملون« ويفهمه بي�سر. ومن هنا، تظل

هـــذه املنطقة يف نظر الغرب هي االأخطر علـــى امل�سروع الغربي العاملي.

ولقـــد الحظنـــا اأن الغرب حتى خـــارج املنطقة العربيـــة ي�ستهدف ب�سكل

اأ�سا�ســـي الفئات التي تعلمت على اأيدي العـــرب وت�سربت لغتهم واأخذت

مـــن ثقافتهم االإ�سلمية، ومن هنا نـــدرك اأن اللغة هي ثقافة وتعد اأهم

االأدوات لن�ســـر احل�سارة بكل مدلوالتها من دين و�سلوك وقيم واأخلق،

واأن املنطقـــة العربية هي �ساحبة هذه اللغـــة، وهكذا ياأتي الرتكيز على

املنطقـــة العربيـــة دون غريها الأنها مبثابة القلب مـــن اجل�سد للح�سارة

االإ�سلميـــة، والتدخل يتم الإجبارها على هجر ثقافتهـــا وقبولها بثقافة

العائلة االأوروبية، ثقافة املجتمع الدويل املعا�سر.

ومل يفت ذلك على علماء امل�سلمني، فالعلمة املودودي انكب على و�سع

خطـــة تعليمية للجامعـــات االإ�سلمية العاملية، كان اأحـــد اأهم تو�سياتها

»اأن تكـــون لغـــة الدرا�سة بلغة ثقافتنا اللغة العربيـــة«، وهنا اأت�ساءل ملاذا

قال »لغة ثقافتنا؟« وهو هندي املولد والل�سان! يف تقديرنا اأنه يعي تاما

ارتبـــاط ال�سريعة االإ�سلميـــة بلغة ثقافتها اللغة العربيـــة، كما يرى ابن

خلـــدون اأن للعرب �سجايـــا ك�سلمة الفطرة واالأنفـــة وال�سهامة والكرم،

واإذا مـــا قادهم الديـــن اأزاحوا غريهم من احل�ســـارات و�سادوا العامل.

وهـــذا ما عرب عنه ابـــن خلدون بقوله »فـــاإذا كان فيهم النبـــي اأو الويل

الـــذي يبعثهم على القيام باأمر اهلل، ويذهـــب عنهم مذمومات االأخلق

وياأخذهـــم مبحمودهـــا، ويوؤلـــف كلمتهـــم الإظهار احلـــق، مت اجتماعهم

وح�سل لهم التغلب وامللك«. ولعل هذا ما اعتربه الكاتب الغربي ال�سهري

فريد زكريا، يف موؤلفه م�ستقبل احلرية، م�سكلة للح�سارة الغربية، حيث

اأكد اأن امل�سكلة اأمام الغرب يف العامل االإ�سلمي هي »العقل العربي« الذي

يعتز بح�سارته ويرف�س الت�سليم للح�سارة الغربية، واإن كانت روؤيته تلك

قد �سيقت بهدف احلث على التدخل يف �سوؤون املنطقة العربية، وهو اأمر

نرف�سه جميعا.

اأحمد الزنداين اأ�ستاذ يف ق�سم العلوم ال�سيا�سية، جامعة �سنعاء.

فرج بوالع�سة

التدخل اخلارجي

واال�ستبداد الداخلي

�سيان!

اإن العرب اأما اأن يقودوا منطقتهم متوحدين

يكونوا اأن اأو جامع ح�ساري م�سروع يف

عامليا الكربى، االأمم لعبة يف اأدواتـــا

واإقليميا. �سواء كانت حولهم، حتايثهم

غازية اإلــيــهــم ـــت اأت اأو وتــداخــلــهــم،

قبل واملــحــيــطــات. الــبــحــار وراء مــن

مت�سرذمة قبائل العرب كان االإ�سلم

خا�ستها. اإلــه قبيلة لكل التاريخ. خــارج

يتقاتلون قبائل وممالك، اأحيانا الأتفه االأ�سباب:

والفر�س، ال�سيما الروم فهيمن على منطقتهم مثاال. والغرباء داح�س

ممالكهم احل�سرية، فتحولوا اإىل اأدوات ل�سراع نفوذ االإمرباطوريتني

)الرومانية والفار�سية( على املنطقة العربية. فكان منهم فريق )مملكة

الغ�سا�سنة( عميل للروم، واآخر )مملكة احلرية( عميل للفر�س. ومل

يدخل العرب التاريخ اإال عندما توحدوا يف م�سروع ح�ساري جامع حتت

اأول )هو قار ذي معركة مع نبيه ظهور توافق الــذي االإ�سلم عنوان

يوم انت�سف فيه العرب من العجم(، اأي اأول يوم توحدت فيه القبائل

االإلهة اإزهاق بالتناظر مع املتعددة يف م�سري واحد م�سرتك، العربية

املتعددة بوحي االإله الواحد االأحد. والنتيجة ظهور اأمة »اإمنا امل�سلمون

اإخوة«.

Ever

t-jan

Dan

iels/

vii

Page 95: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 190 191ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

وهكـــذا تكن العـــرب يف �سرعة تاريخية خاطفة مـــن طرد الروم حتى

اأ�سوار الق�سطنطينية والق�ساء نهائيا على عر�س االأكا�سر، ومن ثم دخول

اأهـــل فار�س يف االإ�ســـلم لي�سريوا اإخوة العـــرب يف االإ�سلم. ثم ملا وهن

العرب وانحطت دولتهم العبا�سية، اآلت مقاليد ال�سلطة يف بغداد للعن�سر

الفار�ســـي يف العهـــد البويهـــي، بحيـــث كان اخللفـــاء العبا�سيـــون العرب

جمـــرد واجهـــة �سيا�سية حلكمهم، الذي دام قرابة قـــرن ون�سف )320 -

447هــــ/932 - 1055(. وملا وهنـــت �سوكة الفر�س اآل حكـــم االإمرباطورية

العبا�سيـــة اإىل ال�سلجقة - االأتـــراك الذين تفرخ عنهـــم حكم املماليك

ملعظـــم االأم�ســـار العربية. لكننـــا ال نقول اإن حكم الفر�ـــس اأو ال�سلجقة

حكمـــا اأجنبيا، فهم اإمنا كانوا يحكمون ب�سفتهم م�سلمني ولي�سوا اأعراقا

رة. وقـــد كان للمماليك دور تاريخـــي مف�سلي يف دحر دخيلـــة اأو م�ستعمم

املغـــول وطـــرد ال�سليبيني من ال�سرق العربي. ثـــم اأنتقل ثقل مركز القوة

االإ�سلميـــة اإىل العثمانيـــني الذيـــن �سفـــوا وجود الـــروم البيزنطيني من

ال�ســـرق بعد فتـــح الق�سطنطينية العـــام 1453، لتتحول معظـــم االأم�سار

العربيـــة اإىل واليـــات تابعة للدولة العثمانية. وقد قبلـــت ال�سعوب العربية

بحكـــم االإمرباطورية العثمانية لقرابة اأربعة قرون بح�سبانها حاملة لواء

اخللفـــة االإ�سلميـــة، ومنقـــذا يف نظر تلك ال�سعوب مـــن حكم املماليك

امل�ستبدين اأو امل�ستعمر االأجنبي، لكـــن االإمرباطورية العثمانية تبقى قوة

خارجيـــة يف نهاية التحليل التاريخـــي املو�سوعي. وقد عا�س العرب حتت

�سلطانهـــا م�سلوبي االإرادة القومية يف الت�سكل كاأمـــة عربية م�ستقلة. وملا

وهـــن العثمانيون وتفككت اإمرباطوريتهم االإ�سلمية، اأنك�سف العرب من

جديد �سعفـــاء متخلفني مت�سرذمني، ليقعوا ب�سهولة يف قب�سة اال�ستعمار

االأوروبي رغم املقاومات اجلهادية البطولية.

وهكذا فـــاإن العرب، ما عـــدا حلظتهم التاريخية الذهبيـــة املمتدة من

)1258 - دولة النبـــي اإىل دولة اآخر خليفة عربي )امل�ستع�سم باهلل 1213

خ�سعـــوا للتدخـــل االأجنبي. فمن فر�ـــس وروم االأم�س، ما قبـــل االإ�سلم،

اإىل ال�سلجقـــة واالأتـــراك. ثـــم االإنكليـــز والفرن�ساوية فيما بـــني القرن

التا�ســـع ع�سر ومنت�ســـف القرن الع�سرين، اإىل االأمـــريكان وال�سوفيت ما

بعد نهايـــة احلرب العاملية الثانيـــة حتى نهاية احلرب البـــاردة. وبعدها

اإىل اليـــوم تفردت اأمريكا با�ستباحة عاملهم ومواليها بني �سهيون. ورغم

االإدعـــاء بوجود اأنظمة ا�ستقلل الوطني فاإن العرب ال يحظون من معنى

اال�ستقـــلل �سيئـــا يذكـــر، الأن اإرادتهـــم يف تقريـــر م�سريهـــم ال�سيا�سي

دميقراطيـــا م�ســـادرة من امل�ستبـــد الداخلي الذي يرهن بـــدوره االإرادة

الوطنية بيد املهيمن اخلارجي. وهو هنا الواليات املتحدة االأمريكية.

وهكذا ال اأرى م�ستقبل للعرب يف منطقتهم اإال اإذا تخل�سوا من التدخل

الداخلي )اال�ستبداد( ك�سرط �سارط للخل�س من التدخل االأجنبي، الذي

لن يكـــف عن تدخله ال�سافر اأو امل�سترت ما دام العرب )�سعوبا( قا�سرين

عـــن اخلل�س مـــن طغاتهم. ول�ســـوف يظل التدخـــل االأجنبـــي، �سيا�سيا

واقت�ساديـــا وع�سكريا، �سمة ثابتة يف التعامل مـــع العرب. وبالقطع لي�س

هناك من عوائد اإيجابية لهذا التدخل. فهو قائم على ا�سرتاتيجية اإبقاء

العـــرب �سعوبا �سعيفـــة، وخانعة الأنظمتها اال�ستبداديـــة اخلانعة بدورها

لل�سيد االأمريكي كو�سفة مثالية ال�ستمرارية الهيمنة االأمريكية واحلفاظ

على م�ساحلهـــا احليوية التي هي م�سالح اإ�سرائيـــل بال�سرورة. وعليه،

فاإن املنطقة العربية تواجه يف امل�ستقبل املنظور خيارين م�سرييني: فاإما

اأن حتقـــق ال�سعوب خل�سها الدميقراطي من اأنظمة اال�ستبداد وطبائعه

وبالتايل اخلل�س من التبعية للأجنبي، اأو هي الفو�سى واخلراب.

فرج بوالع�سة كاتب وباحث ليبي مقيم يف اأملانيا.

ن�سر طه م�سطفى

ال�سلبي واالإيجابي

يف التدخل االأجنبي

من ــى االأدن احلــد غياب اأن ت�سوري يف

ال�سبب هو العربي والتكامل التن�سيق

الرئي�س للفراغ احلا�سل يف املنطقة

تلقائيا عنه ينتج والــذي العربية،

ــل هــــذا الـــتـــدخـــل الـــغـــربـــي يف ــث م

فاملنطقة ذلــك، كل واإىل �سوؤونها.

الــعــربــيــة كــمــا هــو مــعــروف حتتفظ

نفط من اإ�سرتاتيجي احتياطي باأكرب

وتوتر بوؤرة �سراع اأخطر وهي كذلك العامل،

الواليات مقدمتها ويف العظمى للقوى ميكن وال احلا�سر، الوقت يف

الوثائق جاءت وقد اأنظارها، عن بعيدا ترتكها اأن االأمريكية املتحدة

الكبري التدخل بحجم القناعة لتعزز »ويكيليك�س« موقع ن�سرها التي

لوا�سنطن يف �سوؤون املنطقة العربية.

ويف الوقـــت نف�ســـه، ال ميكـــن القـــول بـــاأن هـــذا التدخل اأمـــر جديد.

فال�ســـراع على املنطقة خلل احلرب البـــاردة كان وا�سحا وقويا، رغم

امتلك الواليات املتحـــدة ملعظم اأوراق النفوذ منذ منت�سف �سبعينيات

القرن املا�ســـي. وبالتايل ال اأظننا اأمام متغري جديد يف الوقت احلا�سر

�ســـوى اأن التدخـــل يف �سوؤون املنطقـــة اأ�سبح اأكرب واأو�ســـح من ذي قبل،

نتيجة املخا�سات ال�سعبة التي تر بها دول املنطقة ب�سبب �سيوع مبادئ

الدميقراطية والتعددية وحريـــة ال�سحافة واالإعلم، وما نتج عنها من

امل�ستديرةامل�ستديرةاملائدةاملائدة

حـــراك وا�سع اأحدث الكثري من االهتزازات واإن مل ينجح يف اإحداث اأي

تغيري يذكر. فالواليات املتحدة االأمريكية نف�سها اأ�سبحت مرتبكة باجتاه

اخليار االأف�ســـل للمنطقة فيما يخ�س ق�سايا الدميقراطية وم�ستقاتها،

اإذ قـــد ال تنتـــج هـــذه الدميقراطيـــة - علـــى علتهـــا - اأنظمـــة �سديقة

لوا�سنطـــن مما يعنـــي ال�سدام املبا�سر مع م�ساحلهـــا يف املنطقة، كما

جتـــد من ال�سعوبة اأن تقبل باأنظمة م�ستبدة دكتاتورية باعتباره يخالف

قيمهـــا ومبادئهـــا املعلنة يف جمال الدميقراطية وحقـــوق االإن�سان. وكما

يبدو فحتى مثل هـــذا االأمر يتطلب تدخلها وتف�سيل دميقراطية خا�سة

للمنطقـــة مبقا�ســـات وم�ستويـــات خمتلفة، ففي حني جتـــد وا�سنطن اأنه

ي�سعـــب عليها ال�سغـــط على القاهرة الإدارة حـــوار �سيا�سي بني احلزب

احلاكـــم واأحزاب املعار�سة، فاإنها تار�س مثـــل هذا ال�سغط دون تردد

على �سنعاء لذات االأمر، وهكذا.

علـــى كل حـــال، فلي�ـــس كل تدخل �سلبـــي. فهناك اأذرع كثـــرية تار�س

الواليـــات املتحـــدة واالحتـــاد االأوروبـــي �سغوطهمـــا مـــن خللهـــا مثل

املوؤ�س�ســـات الدولية املانحة على �سبيـــل املثال، وبع�س متطلبات و�سروط

هـــذه املوؤ�س�ســـات ت�سب يف م�سلحـــة دول املنطقة على املـــدى البعيد يف

جماالت مـــن نوع االإ�سلحـــات االقت�سادية وحماربـــة الف�ساد واإ�سلح

الق�ســـاء واالإ�سلحـــات االإداريـــة؛ فنحن نعلـــم حجم مـــا حتتاجه دول

املنطقـــة من اإ�سلحات يف هذه املجـــاالت. لكن كان االأوىل واالأف�سل اأن

تبادر هذه الدول الإجراء هذه االإ�سلحات ذاتيا دون اأن تنتظر مثل هذه

ال�سغـــوط، اإذ اأن هـــذه ال�سغوط جتعل �سورة هـــذه االإ�سلحات وكاأنها

�ســـد ال�سيـــادة الوطنيـــة وا�ستقلل القـــرار الوطنـــي، اإال اأن املوؤ�سف اأن

التجـــارب اأثبتـــت اأن مثل هـــذه االإ�سلحات ال�سروريـــة ال ميكن اأن تتم

دون �سغـــوط خارجية، ولو اأن دول املنطقة تتلـــك روؤى اإ�سرتاتيجية يف

جمـــال االإ�سلحات مل�ست يف اإجنازها باإرادة داخلية حم�سة، وحلققت

نتائـــج اأف�سل، ولك�سفت يف الوقت نف�سه عـــن اأي نوايا �سلبية لدى القوى

الدولية يف حال �سغطت باجتاه االإ�سلحات الأغرا�س تتعلق مب�ساحلها

ال�سيا�سية واالقت�سادية واالأمنية والع�سكرية يف املنطقة.

ال�ســـك اأن التدخـــل الع�سكري واالأمني املبا�سر هـــو ال�سورة ال�سيئة يف

مبـــداأ التدخـــل، لي�س فقط الأنه ي�ستفز امل�ساعـــر الوطنية عامة يف داخل

كل قطـــر يحدث فيه مثل هـــذا التدخل، بل الأنه اأي�ســـا مل يوؤدر اإىل نتائج

اإيجابية يف الدول التي حدث فيها مثل هذا التدخل ولن يوؤدي اأي�سا اإىل

نتائـــج اإيجابية يف اأي دولة تفكر وا�سنطن بالتدخل فيها ع�سكريا. ورغم

اأن مـــا حـــدث يف العراق ويحدث يف اأفغان�ستان يوؤكد مـــا ذهبنا اإليه، اإال

اأن احل�سابات االأمريكية كما يبدو يف هذا االأمر هي ح�سابات اقت�سادية

اأكـــرث منها �سيا�سية وع�سكريـــة؛ فاالقت�ساد االأمريكي ال�سخم ال يتحمل

اأزمـــات حـــادة، وهو اأحـــوج ما يكون خللـــق مناطق �سراعـــات يف اأنحاء

خمتلفـــة مـــن العامل تكـــون كفيلة بـــاإدارة حمركات املئات مـــن امل�سانع

خمتلفـــة االأغرا�س وامت�سا�ـــس البطالة وخلق فر�س عمـــل، وهذا اأمر

تعجز اإرادات اأهل املنطقة ودولها - يف ظروفها احلالية - عن مواجهته

واحلد منه.

ن�سر طه م�سطفى كاتب ميني، ورئي�س جمل�س اإدارة وكالة االأنباء اليمنية )�سباأ(.

Flic

kr

Page 96: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 192 193ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 العددان 4 - 5، يوليو/اأكتوبر 2010 192 ا�سرتاتيجية

الأ�شلحة ال�شغرية فـي اليمن

درا�سة ميدانية ل�سوء ال�ستخدام �معوقات التنمية

عبدال�سلم الدار احلكيمي

�شدر حديثا

يف �شل�شلة درا�شات اإ�شرتاتيجية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

الفهر�ست

مراجعات للكتب وعرو�س موجزة

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 ا�سرتاتيجية

Page 97: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 194 195ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

وتقـــوم الفكرة الرئي�ســـة للكتاب علـــى حتذير املوؤلف من حتـــول ظاهرة

العوملة اإىل ما ي�سبه االأيديولوجيا اأو العقيدة الدينية، اإذ جرت املبالغة يف

االنفلت من النظم وال�سوابط، بدعوى حترر التجارة واالقت�ساد، مما

اأدى اإىل اإ�سعـــاف دور الدولـــة وموؤ�س�ساتها وقوانينهـــا التي تكفل حماية

الن�ســـاط االقت�ســـادي للمجتمع من اأطماع االأفراد. وقـــد نبه الكاتب من

خـــلل اال�ستدالل باالأمثلـــة الواقعية اإىل خطورة تكري�ـــس الن�ساط املايل

علـــى ح�ساب االإنتـــاج، واعتبار النقود اأ�سوال اأ�سا�سيـــة بدال من اعتبارها

و�سائـــل للتعامل واأداة للتبادل، ممـــا اأدى اإىل االأزمة املالية االأخرية التي

اأ�سابـــت دوائر املال يف الواليات املتحدة، وانتقلت تداعياتها اإىل خمتلف

اأنحاء العامل.

يقـــع الكتـــاب يف حوايل خم�سمائـــة �سفحة من القطـــع املتو�سط، ويتكون

مـــن خم�سة اأجـــزاء كربى باالإ�سافـــة اإىل حوا�س ت�ســـم تعريفا بعدد من

امل�سطلحـــات باللغتـــني االإجنليزية والعربية، واأجـــزاء الكتاب الرئي�سية

هـــي: ال�سياق، ال�سعـــود، اله�سبة، ال�سقوط، اأين نذهـــب االآن. ويف اإطار

هذه االأجزاء اخلم�سة جاءت عدد من العناوين الفرعية.

اخلــروج مــن الفردو�ــض جـــاء اجلـــزء

االأول، حتت عنوان »ال�سياق«، وقد ت�سمن عناوين جانبية عدة، من بينها

عنوان دال هو »جنة الفردو�س«، وكاأن الكاتب ي�سبه العوملة باإبلي�س عندما

اأغرى اآدم وحواء يف الفردو�س فاأخرجهما من اجلنة ثم تركهما يلقيان

م�سرييهما يف عامل ملـــيء باملخاطر وال�سعاب، ومل يريا ما وعدهما به

من خلود ونعيم دائمني.

يقول جون رال�ستون �سول »ظهرت العوملة اإىل الوجود يف عقد ال�سبعينيات

كاأمنـــا جاءت من ال مـــكان، ومع ذلك فقـــد بدت كاملة الن�ســـج! وكاأمنا

ترتـــدي ثوبا كامـــل االأو�ساف واملعاين. يومهـــا كان دعاتها واملوؤمنون بها

يتحلون بقدر ال يخفى من اجلراأة ويطرحون اأفكارهم من منظور مدر�سة

معينـــة مـــن مدار�س االقت�ســـاد، قائلـــني: اإن املجتمعات يف طـــول العامل

ة الطابع ـــه مـــن �ساأنها اأن تتجـــه اإىل م�سارات االإيجابيـــة م�ستجد وعر�سم

كتـــاب »انهيـــار العوملـــة �اإعـــادة اخرتاع العامل«، الذي ن�ســـر باللغـــة الجنليزية يف العـــام 2005، �ترجم اإىل العربيـــة يف اأ�اخر عام

نت قبل نحو ثالث �ســـنوات من انهيار العوملة �القت�ســـادات العاملية، 2009، ميثل ر�ؤية نقدية �ا�ست�ســـرافية لظاهرة العوملة، د�خ�سو�ســـا يف الوليـــات املتحـــدة الأمريكيـــة �عدد من الد�ل الأ�ر�بية. �موؤلف الكتاب جون رال�ســـتون �ســـول، الكندي اجلن�ســـية

�احلا�ســـل على الدكتوراه يف القت�ســـاد �العلوم ال�سيا�ســـية من جامعة لندن، يعد فيل�ســـوفا �موؤرخا �كاتبا �سيا�ســـيا �اأحد اأبرز

املهتمني بتحليل تاريخ احل�سارة �هيكل ال�سلطة يف الغرب، �ما يتفرع عن هذه الظواهر من ق�سايا ثقافية �معرفية، خ�سو�سا

فيما يتعلق مبا حلق هذه الأ��ساع من ف�ساد. �قد نال الكاتب عددا من اجلوائز �الأ��سمة يف كل من كندا �فرن�سا �ت�سيلي.

عرو�ض موجزة مراجعات

الفهر�ست

�شعود

العوملة وانهيارها

هيثم مزاحم

[email protected]

هيثم مزاحم كاتب لبناين.

ومت�سابكة االجتاهات، وهذه الروؤية ما لبثت اأن حتولت لت�سبح �سيا�سات

وقوانني على مـــدار ال�سنوات الع�سرين التي ا�ستغرقها عقدا الثمانينيات

والت�سعينيات مدفوعة بقوة من احلتمية التي ذاع �سيتها«.

اقة للعوملة باتـــت االآن ت�سحب وي�سيـــف �ســـول »على اأن هذه الفكـــرة الرب

وينـــزوي بريقهـــا، بـــل اإن كثـــريا مـــن �سفاتها انتهـــت بالفعـــل، وكم من

�سخ�سيـــات قيادية ممن درج اأ�سحابها على القول باأنه ينبغي اأن تخ�سع

الدول القومية للقـــوى االقت�سادية اإال اأن هذه القيادات باتت االآن تقول:

اإن هذه الـــدول ال بد من موؤازرتها لكي تواجه الفو�سى ال�ساربة اأطنابها

على �سعيد العامل كله!«.

ويقول اإنه بعد م�سي ثلثة عقود اأ�سبحنا قادرين على ر�سد النتائج التي

حتققـــت، بينهـــا عدد من النجاحـــات التي ال ميكن اإنكارهـــا، اإىل جانب

عـــدد مقلق من اأوجه الف�ســـل. اأما دعاة العوملة الذين ظلوا يرددون دعوة

»اخل�سخ�ســـة وال �ســـيء غري اخل�سخ�سة« فها هـــم يدركون اأنهم كانوا

علـــى خطاأ، وبـــداأ ين�سب بني االقت�ساديني اخلـــلف الغا�سب، من حيث

اإنهـــم منق�سمون ما بني اأهمية تخفيف اأو ت�سديـــد قواعد �سبط االأ�سواق

الراأ�سمالية، وثمة دول قومية قوية ال�سكيمة مثل الهند والربازيل اأ�سبحت

ترف�س الت�سليم بحكمة اقت�ساديات العوملة.

اأحام اأم كوابي�ض؟ وحتت عنوان موجز

ك اأنك تتعرف على وعود العوملة، »امل�ستقبل املوعود«، يقول املوؤلف »بو�سعم

عت يف بوتقة واحدة، تلك الزمرة من الوعود املوؤكدة واالآمال اإذا، مـــا جمم

ب عنها القادة ال�سيا�سيون واالأكادمييون واأهل املطروحـــة والذي ظل يعرم

الـــراأي وقادة قطاع االأعمال والناطقون با�سمهم منذ ال�سبعينيات، والتي

تتجلـــي علـــى النحو التايل: �سلطـــة الدول القوميـــة اإىل ا�سمحلل وهذه

الـــدول كما نعرفها قـــد ت�سل حتـــى اإىل حافة االحت�ســـار، واأن القوة يف

امل�ستقبـــل �ست�سبـــح بيد االأ�سواق العوملـــة، وعليه فـــاإن االقت�ساد ولي�ست

ال�سيا�سة اأو اجلي�س هو الذي �سي�سكل االأحداث االإن�سانية، وهذه االأ�سواق

املعوملـــة، وقد اأ�سحت متحـــررة من امل�سالح الوطنيـــة والقومية ال�سيقة

ومـــن القواعـــد التنظيميـــة الكابحة �ســـوف تعمل بالتدريـــج على حتقيق

التوازنات االقت�سادية الدوليـــة«. وعلى �سوء ما �سبق، فالنتيجة هي: اأن

العوملـــة �سكل حمتوم من اأ�ســـكال النزعة الدولية، يتم يف اإطارها اإ�سلح

احل�ســـارة من منظور قيادة االقت�ساد، والقيـــادة هنا ال ي�سكلها النا�س،

دها ال�سوق بو�سفها القوة الكامنة الأداء االقت�ساد. ولكن جت�سر

ويف اجلـــزء الثـــاين يقـــول املوؤلف »من قبيـــل التب�سيط البالـــغ اأن يرتبط

ظهور العوملة بف�سل الكينزية، ومن اخلطاأ اأن ننظر اإليها كمجرد رد فعل

للأزمات العديدة التي �سهدها عقد ال�سبعينيات؛ الأن ثمة تغريات عميقة

عة وقد اأحدقت بها اأخرى مهدت الطريق«. وي�سيف: »هذه االأزمات املرور

اأزمـــات اأخرى خلقت االعتقـــاد العام يف الغرب، بل ويف اأنحاء العامل باأن

نظام ما بعد احلرب انق�س بنيانه واأن القوة االأمريكية كانت يف حالة من

االنكما�ـــس فيما كانـــت تواجه مناف�سة متنامية مـــن اأوروبا واليابان، واأن

كثريا من اأرجاء العـــامل النامي يتطور بطريقة غري متوقعة، بعد اأن كان

العـــامل النامي ملكا للقوى الكولونيالية منذ ع�سر اإىل ع�سرين �سنة خلت

من ال�سنني. ومن واقع هذه االأزمات، ن�ساأت جمموعة مركبة وخميفة من

حـــاالت الت�سخم والك�ساد وهذه احلاالت جمتمعة اأنتجت �سعورا بالعجز

بـــني ظهراين ال�سفوة، التي مل تتورع عن اأن تن�سر هذا االإح�سا�س ب�سكل

تلقائي«.

امل�سكوت عنه يف ف�سل »امل�سكوت عنه« يو�سح

جـــون �سول اأن دعاة العوملة داأبـــوا على تقدميها للب�سرية على اأنها حتمية

اأيديولوجيـــة، واأنه ال طريق اآخر �سواهـــا، وعليك اأن ت�سلم بهذه احلقيقة

– املزعومة – اأوال ثم تناق�س ما �سئت من تف�سيلت بعد ذلك. ويذهب املوؤلـــف اإىل اأن هالة احلتمية التي ظلـــت حمدقة بالعوملة كانت من القوة

لدرجـــة اأنه حتى اأهل املهـــن، الذين كانوا يعار�ســـون يف جمموعهم مثل

هـــذه االأيديولوجيا، �ساروا م�سطرين اإىل اأن يبـــداأوا معار�ستهم باإبداء

غاف الطبعة االإجنليزيةغاف الطبعة العربية

انهيار العوملة �اإعادة اخرتاع العامل

جون رال�ستون �سول

ترجمة: حممد اخلويل

النا�سر: الدار امل�سرية اللبنانية

)القاهرة(، �موؤ�س�سة حممد بن

را�سد اآل مكتوم )دبي(

الطبعة الأ�ىل، 2009

496 �سفحة

Page 98: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 196 197ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

املوافقة، ومنهم على �سبيل املثال اثنان من االقت�ساديني احلا�سلني على

جائـــزة نوبل وهما جوزيف �ستجلتز الذي يقـــول: »ال ن�ستطيع اأن نرتاجع

عـــن العوملة فقـــد جاءت هنا لتبقـــى وامل�ساألة هي تفعيلهـــا«، ومارتيا �سن

الـــذي يقـــول »احلل غـــري املتاح هو ذلك احلـــل الذي يتعلـــق بوقف عوملة

التجارة واالقت�ساد«.

وانتقد �سول هذه احلتمية املزعومة قائل »اإن كثريا مما يقال باأنه حتمي

ال يعـــدو اأن يكون نتيجة مبادرات لغوية لي�س اإال«. وراأى اأن الوقوع يف اأ�سر

�س على هـــذه القناعة يوؤدي اإىل نتائـــج وخيمة تاما، فـ »تاأمـــل كيف فرم

املوازنـــات الوطنية اأن تدخل باحلتم، �سمن منط التخ�س�س املايل عرب

ال�سنوات املا�سية لتلبي مقت�سيات االأ�سواق الدولية، وقد اأدى ذلك يف بلد

مثل الواليات املتحـــدة االأمريكية، وهو البلد الذي يعدونه من�ساأ نظريات

املوازنـــة املالية احلتمية، تركـــت نف�سها الأ�سواأ حـــاالت العجز باأكرث مما

�سهـــده اأي بلـــد على مر التاريـــخ«. وهذه احلتمية يعتربهـــا املوؤلف »كذبة

كـــربى«، الأن »رغبتنـــا يف الت�سديـــق يف حتمية االأ�سياء ميكـــن تلخي�سها

على اأف�سل وجه بو�سفها متوالية ال�سم�س التي ال تغرب قط، وامل�سكلة اأن

ال�سم�س تغرب دائما«.

التاريخ »املقد�ض« لاقت�ســاد يف ف�سل

“موجـــز تاريخ االقت�ساد وقد اأ�سبـــح ديانة”، ي�سري املوؤلف اإىل اأنه “مل يكـــن اأحد يدري حتـــى منت�سف القرن التا�سع ع�ســـر باإمكانية اأن يتحول

االقت�ســـاد لي�سبـــح م�سدرا مـــن م�سادر احلقيقـــة احل�سارية”. ويرى

اأن مـــا نكت�سفه يف اأمنـــاط التب�سري بالعوملة “هما نوعـــان من القناعات،

اأوالهمـــا تتمثـــل يف النزعة الدولية االقت�سادية التـــي تعرب عنها �سراحة

التجـــارة احلرة وهذا اعتقاد را�سخ ت�سوبه م�سحة بروت�ستانتية وتوراتية،

وهذا هـــو العامل الذي يدفع االأفراد االأ�سويـــاء اإىل اأن يبادروا ب�سراحة

لكـــي يعتنقوه ويب�ســـروا بـــه. والقناعة الثانيـــة اأكرث تنوعـــا ورمبا جاءت

حم�سلـــة للأوىل، وهي تتعلق باالأمر البديهـــي، مبعنى اأنها القناعة التي

ال بـــد من الت�سليم بها، فاالعتقـــاد قائم وموجود، ولكن االأمر كله يتطلب

فقط معبدا ترتدد يف جنباته تراتيل املتعبدين”.

وقد ا�ستخدم اأن�سار العوملة لغة دينية تاما يف احلوار مع االآخرين اأو يف

ن�ســـر اأفكارهم، وي�سفها املوؤلف باأنها اللغة الدينية اجلديدة، مبعنى لغة

االخت�سا�ســـي املتجرد الذي ينه�س وقد اأحدقت به كتائب تبدو يف اإهاب

قرائن ت�ستند اإىل حقائـــق، كان ذلك �سلوكا »جيزوتيا« )كهنوتيا( ولكنه

قابل لتف�ســـريات �سعبوية، وما عليك �سوى اأن تتعامل معه على اأنه ن�سخة

معدلة مـــن �سعار »اإىل االأمـــام اأيها اجلنود امل�سيحيـــون«، وكاأنها حقائق

تقـــول اإن الرب – بزعمهـــم - كفيل ب�سحق الكفرة املارقني، حيث يتجلى

املنطـــق املطلق الذي �سبق اأن اتبعه كوبدن مدعيا امتلك زمام احلقيقة

وال�سيطـــرة على قوى احلتم التي ت�ســـق طريقها بل هوادة. ويرى كوبدن

وهـــو اأحـــد مفكري العوملـــة »اأن اأي قانون يعار�س العوملـــة اإمنا يتدخل يف

حكمة العناية االإلهية، ويحل قانون االأ�سرار حمل قانون الطبيعة«. وي�سل

االأمـــر اإىل اأن يقول فرن�سي�س فوكوياما يف كتابه »نهاية التاريخ واالإن�سان

االأخـــري«: »ثمـــة عملية اأ�سا�سية تفعـــل فعلها وتفر�س منطـــا م�سرتكا من

التطـــور على جميع املجتمعات«. ويف هذا االإطـــار، ي�ست�سهد املوؤلف براأي

الفيل�ســـوف جـــورج �ستايرن الذي يـــرى باأن »ما يحدث اليـــوم هو اأ�سولية

تتحـــرك بخطى عميـــاء، واأنها اأ�سوليـــة دينية اقت�ساديـــة �سبيهة بنزعة

ال�سكول�ستني التي �سهدتها اأوروبا يف الع�سور الو�سطى«.

ك القوميــات يف اجلـــزء العوملــة وتفــك

الثالـــث من الكتـــاب، اأو�سح املوؤلف اأ�سباب �سعـــور املوؤمنني بفكر العوملة

باالرتيـــاح اإزاء ما حققوه خـــلل ال�سبعينيات والثمانينيـــات وما بعدها

حتـــى الت�سعينيات من جناح مبـــا ميار�سونه من اإ�ســـلح بعد اآخر، مثل

تخفي�ـــس اجلمارك، ومنـــو التجارة، والتحـــرر من ال�سوابـــط والتحول

نحـــو اخل�سخ�ســـة، وتخفي�ـــس معدل

ال�سرائـــب املفرو�ســـة علـــى الن�ســـف

ـــة املجتمـــع، وكان ذلك االأعلـــى من قم

جناحا بالن�سبة لفكرة العوملة وبالن�سبة

احب ذلك انهيـــار االحتاد لل�ســـوق و�س

ال�سوفياتـــي �سنـــة 1989، فقـــد جـــاءت

نهايـــة النظام ال�سوفياتـــي مبثابة ن�سر

ر للعوملة. موؤز

يقول املوؤلف: »هكذا كان املناخ ال�سائد

واأوائـــل الثمانينيـــات اأواخـــر خـــلل

الت�سعينيات، مناخا اإيجابيا للعوملة اإىل

حـــد كبري، وعندما الحت خيبات االأمل، كان الرد هو: اأعطونا مزيدا من

الوقـــت! ولكن اإذا اأمعنـــت النظر بعني حمايدة الأ�سبـــح بو�سعك اأن تلمح

حتركات متناق�سة اإىل حـــد كبري: �سحيح اأن العوملة كان ي�ستد �ساعدها

ـــا تتحلل وتتفـــكك اأوا�سرهـــا ثم ترتاجع با�ستمـــرار، ولكنهـــا كانت اأي�س

خطاها«.

وحول تفكك القوميات اأمام العوملة يرى املوؤلف اأنه يف عام 1991 عاودت

نزعة القومية ظهورها على غري انتظار ولكن يف اأ�سواأ �سورها، كان اأ�سد

عون نهجا ثنائيا. ظلوا يتكلمون بغري انقطاع بم دعـــاة العوملة ال�سيا�سيني يت

مراجعات الفهر�ست

نبه رال�ستون �سول من خال اال�ستدالل

باالأمثلة الواقعية اإىل خطورة تكري�ض

الن�ساط املايل على ح�ساب االإنتاج، واعتبار

النقود اأ�سوال اأ�سا�سية بدال من اعتبارها

و�سائل للتعامل واأداة للتبادل، مما اأدى اإىل

االأزمة املالية االأخرية التي اأ�سابت دوائر

املال يف الواليات املتحدة، وانتقلت تداعياتها

اإىل خمتلف اأنحاء العامل

عـــن التكامل االقت�سادي الـــدويل، ويف الوقت نف�سه كانـــوا عاكفني على

كب�ـــس االأزرار القدمية لقوميـــة القرن التا�سع ع�سر مـــن اأجل اأن يك�سبوا

االنتخابـــات، كان هذا وا�سحا يف حالتي رونالد ريغان ومارغريت تات�سر

»رواد العوملـــة«. وحدث ذلك يف اإيطاليا، ف�سل عن منو النزعة ال�سعبوية

الزائفة يف كثري من املناطق من العامل.

ومـــع اأوائـــل الت�سعينيات الحت علمات متزايدة ب�ســـاأن اأقوام كانوا على

م�سارف االإح�سا�ـــس باالغرتاب يف عامل ت�سوده نظريات العوملة املجردة،

فجاء االرتداد اإىل النزعة القومية يف �سيغتها العتيقة. وي�سري املوؤلف اإىل

احلالة اليوغو�سلفية وانف�سال �سلوفينيا، وكرواتيا والبو�سنة والهر�سك،

ومـــن علمات هذا التفكك اأي�سا مـــا كان يتمثل يف تزايد االنف�سال بني

نظـــام العوملـــة وحياة النا�س. ومل يكن اأي م�سئـــول اأو اأي من دعاة العوملة

قـــادرا على تدبر اأمرم هذه الظواهر بو�سفها ف�سل لنظرية العوملة. جتلى

ذلك يف اتفاق دايتون الذي مت تكييفه من واقع منوذج الزعماء القوميني

ل ما يف البو�سنـــة، وكذلـــك جرائم االإبادة اجلماعيـــة يف رواندا، حيث قتم

بني ن�سف مليون ومليون من الب�سر دون حترك العامل املتقدم. ويخل�س

املوؤلـــف اإىل طرح الت�ســـاوؤل التايل: »خلل كل هذه الكـــوارث، اأين كانت

اإذن جميع القوى القادرة واملوؤمنة باحلتمية االقت�سادية؟!«.

انهيار العوملة يف اجلزء الرابع من الكتاب

والذي يحمـــل عنوان »ال�سقوط«، يقـــول املوؤلف: »بدا االأمـــر وكاأمنا �ساد

ال�ساحة ارتباك وا�ســـع النطاق ورمبا كان االأهم هو االنطباع االأو�سع باأن

حقائـــق العوملة الكربى مل جتد طريقهـــا اإىل التج�سيد. ورمبا كان اأب�سط

ـــد نتيجة ذلك التو�ســـع يف خ�سخ�سة �ســـركات الدولة. االأمثلـــة ما جت�س

وكذلـــك بالن�سبة اإىل املبالغ الطائلـــة التي حقنوا بها اخلزائن احلكومية

يف اأنحـــاء العـــامل، بداأت هـــذه املبالغ تتبخـــر دون اأن تخلـــق اأي اأثر، وال

�سعـــودا اقت�ساديا، وكان اأ�سواأ �سروب الف�سل، هو االعرتاف باالنف�سال

بني التجارة والنمو، وكذلك االنف�سال بني النقود والنمو.

ومـــع منت�ســـف الت�سعينيات كان هـــذا النظام العقائـــدي ينهار، وحينئذ

ا�ستمـــع النا�س اإىل اأ�سوات املعار�سني. ومن اأو�سح العوامل التي دفعتهم

اإىل الت�ســـكك يف �ســـواب العوملـــة ما راأوه مـــن عجز نظريتهـــا عن زيادة

الرثوة، وكذلك عجزها عن احلفاظ على جانب العمالة، لقد كانت فرتة

العوملة اإحدى فرتات زيادة البطالة«!

وي�ستعر�ـــس املوؤلـــف الت�سل�سل الزمنـــي للنحدار، الأحـــداث لها دالالتها

بـــداأت عـــام 1995. فيقـــول: كانت تلـــك �سنة فا�سلـــة، فقد وقعـــت اأربعة

دة جاءت لتفيدنا بـــاأن العامل ي�سهد اجتاهـــا جديدا. عام اأحـــداث حمـــد

يحــدد رال�ســتون �ســول عام 2003 باأنه عام انك�ســاف زيف العوملة، وخروج عــدد من الدول على هذا النظام من اأمثــال الهند وماليزيا

وال�ســن والربازيــل، ومن ثم اإعادة االعتبار للنزعــة الوطنية والقومية، واأنه بحلول عام 2005 كان قــد مت التاأكد من وفاة العوملة

Flic

kr

Page 99: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 198 199ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

1995، كان هنـــاك اأزمة التك�سيـــل ونعني بها انهيار املك�سيك، و�سقوطها

مـــن ذروة املجد الدويل اإىل قاع كارثة وطنيـــة، ثم جاء م�سرف التنمية

ز الت�ســـورات باأن التجربة االقت�سادية اجلديدة للبلدان االأمريكية ليعزر

مل تكن توؤدي دورها.

وعـــام 1996 ات�سح اأن النزعة القومية كانت علـــى طريق العودة للقومية

يف كل اأنحاء العامل، فقد جاءت انتفا�سة ال�سي�سان لت�سبح حربا كاملة،

حيث لقـــي خم�سون األف فرد م�سرعهم يف ثمانيـــة ع�سر �سهرا. وكذلك

فـــاإن امل�سار الدويل كان يتجه �سوب نـــوع من القومية االأكرث ا�ستنادا اإىل

الدين، كما يف اإ�سرائيـــل، والهند، وتركيا. ويف عام 1997 اأ�سبح وا�سحا

كيـــف اأن االأمـــور خرجت عـــن ال�سيطـــرة، ويف اأواخر تلـــك ال�سنة، بداأت

اإ�سارات التنائي بعيدا عن نظام العوملة تبدو على ماليزيا.

ويف ا�ستمـــرار الت�سل�سل الزمنـــي للنحدار، بداأت قـــوى الطرد املركزي

تت�سارع خطاها. ويف عام 1999 اكت�سبت مفردات العوملة يف النطاق العام

طابعا �سلبيـــا ودفاعيا، وكان يل كوان يو، زعيم �سنغافورة، يحذر من اأن

د القيم االأ�سيلة التـــي جمعت بلدنـــا على �سعيد »العوملـــة ميكـــن اأن تبـــدر

واحد«.

الفجــر الــكاذب الذيـــن روجـــوا للعوملـــة

قالـــوا اإنها �ستوؤدي اإىل رخاء العامل كلـــه، وتقليل عدد الفقراء وحل اأزمة

الديـــون واأن هـــذه اأحـــلم تقت�ســـي الت�سحية بنمـــط الدولـــة القومية اأو

الرتكيب التقليـــدي للنقابات واملوؤ�س�سات الوطنية. ولكن بعد عقدين من

ظهـــور العوملة، كانت املح�سلة موؤ�سفة. يقول جون �سول: “كانت النتيجة

هـــو الو�سول باقت�ساديات معظـــم الدول وخا�ســـة دول اأفريقيا واأمريكا

اللتينية وبع�س دول اآ�سيا اإىل حالة من التوقف، ومعظمها ال يزال حتى

االآن �سبه متوقف ملا يقرب من 20 �سنة”.

وي�ســـرب املوؤلف عددا من االأمثلة ا�ستنادا اإىل اإح�سائيات رقمية، قائل

“يف الفرتة من 1950 اإىل 1980، اأي قبل العوملة، ارتفع ن�سيب الفرد مثل يف اأمـــريكا اللتينية بن�سبـــة 12.4% �سنويا. اأما يف االأعوام من 1980 اإىل

عـــام 2000، اأعوام ذروة العوملة، فقد انخف�ســـت تلك الن�سبة اإىل %0.4،

ويف اأفريقيا ارتفع يف الفرتة من 1950 اإىل 1980 بن�سبة 1.8% وما لبث اأن

انخف�س يف الفرتة من 1980 اإىل عام 2000 بن�سبة %6.2”.

وهناك اإح�ساءات بغري ح�سر لهـــذا النوع وكلها حتمل الر�سالة نف�سها:

اإن حقبـــة العوملة دمرت اأ�سقاعا وا�سعة النطاق يف العامل، واأ�سد االأرقام

اإيلمـــا تقـــول لنا اأوال اأنـــه بحلـــول الت�سعينيات كانت اأفقـــر البلدان تنوء

بديـــون مل تكن قادرة على خدمتهـــا، اإال باأن تدمر نف�سهـــا، وتقول ثانيا:

اإن هـــذه الديون مل يطراأ عليهـــا تغيري حقيقي حتى اليوم رغم ما يثار يف

الغـــرب من اأحاديث، وما يطـــرح من طائفة وا�سعـــة النطاق من احللول

اجلزئية، ويف كل االأحوال فقد تدهورت االأحوال ال�سيا�سية واالجتماعية،

ومت تخفي�ـــس الربامـــج ال�سحيـــة والتعليمية، حيـــث اأن القاعدة الدولية

املطبقـــة، اأو هكذا تبدو، اأن املتاح لي�س �سوى حيز �سئيل لتنفيذ مثل هذه

الربامج، اإذا كان االأمر يقت�سي خدمة الديون.

اأين نذهب االآن؟! اجلزء اخلام�س واالأخري

مـــن الكتـــاب، جاء حتت عنـــوان »واأين نذهـــب االآن؟!«، وكانـــت عناوينه

الفرعيـــة: الفـــراغ اجلديـــد.. فرتة فا�سلـــة من علمـــات االعتدال، هل

عادت الدولة القومية؟ القوميـــة ال�سلبية، تطبيع احلرب غري النظامية،

القومية االإيجابية.

وفيـــه يرى املوؤلف عك�س ما كان يتوقع مفكرو العوملة من �سعف القوميات

وذوبانهـــا، اإذ حدث ما مل يكن مـــن ال�سهل ا�ستيعابه، ففي غ�سون ب�سعة

اأ�سهـــر مـــن انهيار االحتاد ال�سوفيتـــي و�سقوط �سور برلـــني، خرجت اإىل

الوجـــود خم�س وع�سرون دولة قوميـــة جديدة! ومع نهاية القرن الع�سرين

اأ�سبحت القومية والدول القومية اأقوى مما كانت عليه عندما بداأ ع�سر

العوملـــة، وما زال هذا عن�سرا غلبا بينما نتعرث نحن داخل الفراغ الذي

نعي�ـــس فيه. فاالإميان بحقائـــق االقت�ساد العوملي ما لبـــث اأن تقل�س اإىل

د، ويوؤكد املوؤلـــف اأن للقومية اأ�سكال اإيجابيـــة واأخرى �سلبية، حيـــث يتبد

واأن جميـــع اأ�ســـكال القومية تتعلـــق ب�سعور من االنتمـــاء، ويف هذه احلالة

دعاة العوملــة داأبوا على تقدميها للب�ســرية على

اأنهــا حتميــة اأيديولوجيــة، واأنــه ال طريق اآخر

�سواها، وعليك اأن ت�سلم بهذه احلقيقة املزعومة

اأوال ثم تناق�ض ما �سئت من تف�سيات بعد ذلك

Flic

kr

مراجعات الفهر�ست

�س االنتماء االلتـــزام بالتوا�سل وبتخيل تتخـــذ �سكل اإيجابيـــا بحيث يوؤ�سر

االآخـــر يف اإطـــار من القبول والتعدديـــة. لكنها – اأي النزعـــة القومية -

ميكـــن اأن تتخذ �سكل �سلبيـــا اإىل حدر االإغراق يف النزعة العرقية، وجعل

االنتمـــاء تعبريا عن اال�ستعـــلء واال�ستبعاد، فال�ســـكل االإيجابي للقومية

يرتبـــط بالثقة يف النف�ـــس واالنفتاح، وبفكرة ال�سالح العـــام. اأما ال�سكل

ال�سلبـــي فينطلق مـــن م�ساعر التوج�س والغ�ســـب، ويت�سل بقناعة يائ�سة

بـــاأن حقوق اأمة ال تتج�سد �سوى باملقارنة بحقـــوق اأمة اأخرى، كما لو كان

االأمر احتدام مناف�سة ال تنتج �سوى رابحني وخا�سرين.

ومنـــذ عـــام 1995 وما بعـــده ما زال مـــن ال�سهل متابعة �سعـــود النزعات

القوميـــة ب�سكلها االإيجابي وال�سلبي، ويتعني اأن يحتدم القتال بينهما من

جديد؛ فهل هذا يعني اأننا ندخل يف حقبة قومية جديدة؟

االإجابـــة كما يقـــول �سول هي اأننا ال نعـــرف االإجابة بعد، ومـــا نعرفه هو

ل على االأرجح احلقبة اجلديدة تبدو ظاهرة، اأن القوى التـــي �سوف ت�سكر

وقـــد الحت للعيان، ولكنها ما زالت يف حالة �سيولة ومل ندخل بعد مرحلة

الت�سكيل.

عوملة ميتة، تنتظر مرا�سيم الدفن! يحدد

املوؤلف عام 2003 باأنه عام انك�ساف زيف العوملة، وخروج عدد من الدول

علـــى هذا النظـــام من اأمثال الهنـــد وماليزيا وال�ســـني والربازيل، ومن

ثـــم اإعـــادة االعتبار للنزعـــة الوطنيـــة والقومية، واأنه بحلـــول عام 2005

كان قـــد مت التاأكـــد مـــن وفاة العوملـــة. ومنذ عـــام 2001 تزايـــدت اأخبار

االنهيـــار االقت�ســـادي، حيث اأ�ساب التدهـــور احلاد االأعمـــال التجارية

التـــي ت�ستخدم التكنولوجيا الرفيعة على م�ستوى العامل. وكانت قطاعات

احلوا�سيـــب االإلكرتونية يف اأ�سواأ اأحوالها رغم حياتها الق�سرية، وكذلك

قطاعـــات ال�سفر اجلـــوي حتى يف �سوء معايريه الكارثيـــة، وبعد حتريره

مـــن اأي �سوابـــط، وكان ت�سريح املوظفـــني يف كل االجتاهات. وثبت خطاأ

القـــول القائل باأن ال�ســـركات عرب الوطنية اأ�سبحت هـــي الدول القومية

اجلديـــدة، وقد عادت احلكومـــات التي ت�سلمت مقاليد الـــدول القومية،

عـــادت من جديد لتت�سلـــم مقاليد ال�سلطة. وجتـــراأ مهاتري حممد رئي�س

وزراء ماليزيا عام 2003 فاأ�سهب يف نقد �سيا�سات العوملة، وتباهى بنجاح

ماليزيـــا عقب اتباعها منوذجـــا وطنيا، فلم تعد العوملـــة دينا جديدا، اأو

حتمية اأيديولوجية بل جمرد جتربة فا�سلة تخ�سع للنقد.

وعلـــى نف�س املنوال، قال لـــوال دي �سيلفا رئي�س الربازيـــل اإن هناك نوعا

جديـــدا مـــن ال�سعبوية امل�ستنـــدة اإىل الدولة القوميـــة، وكان ذلك رف�سا

للحكمـــة التقليدية للعوملة. وبعبارة اأخـــرى، اأعلنت النماذج احلديثة من

الدميقراطيـــة اأن احلكـــم االأخري للدولة القومية ولي�ـــس للقت�ساد، واأن

الدولـــة القوميـــة وامل�سلحة الوطنية، واملحلي مقابـــل العوملي، هي النهج

الذي ن�ستند اإليه كمنظـــور نطل منه لكي نتعامل مع االإجراءات الدولية.

وبحلـــول 2005 اختزلت تاما االفرتا�ســـات القدمية بحتمية االقت�ساد،

وتبدد ب�سكل عام ذلـــك االإميان بقيادة ال�سركات ثم عودة ال�سيا�سة لكي

تلأ الفراغ.

ويقول املوؤلف يف الف�سل االأخري الذي يحمل عنوان »القومية االإيجابية«:

»نحـــن حما�ســـرون يف اإطـــار لعبـــة ب�سريـــة، مل تكتمـــل بعـــد ف�سولهـــا.

وب�سورة مـــن ال�سور فاحلالة اأ�سواأ مما نحن علـــى ا�ستعداد للعرتاف

بـــه، فاالإ�سارات الدالة على القوميـــة ال�سلبية حتدق بنا من كل جانب يف

جمتمعاتنا. ومع ذلك، فكم نحر�س على اأال نتعرف عليها، اإال على اأ�سا�س

كل حالـــة علـــى حدة، كي نتجنـــب ال�سعور بحدوث اأي تطـــور ي�سهده هذا

املجـــال، كما اأننا نخفف كثريا من ت�سورنا مل�ستويات العنف املنظم حول

العـــامل. كيف؟ عندما نتبـــع ن�سيحة �سامويل هانتنغتـــون فنقت�سر على

اإح�ساء املوتى، الذين ي�سقطون يف جمتمعاتنا، اأو فيما �سوره هانتنغتون

باأنها ح�سارتنا التي تيزنا عن �سوانا«.

ويعتـــرب اأن العوملة ظلت تدور دائما حول تب�سيط التجربة االإن�سانية، مما

جعل مـــن ال�سعوبة مبـــكان على الدميقراطيـــة اأن تتعامل مـــع احلقائق

الفردية بطريقـــة بناءة. وعلى الرغم من اأن موؤ�س�سات دولية مثل البنك

الدويل اأ�سلحت نف�سها، اإال اأنها ال تزال تتطلع اإىل حلول كربى. ويرى اأن

التحـــدي املاثل اليـــوم يت�سم بالتعقيد واالأهميـــة يف اآن معا. وقد ال ن�سهد

حاليـــا نهاية فـــرتة العوملة، ولكننا ن�سهـــد اأي�سا نهاية الفـــرتة العقلنية

الغربية، بكل اإ�سرارها على التم�سك بوجود هياكل وحيدة اجلانب جلية

املعامل ب�ساأن كل مو�سوع.

ويوؤكـــد املوؤلف اأن ما يحتاجه و�سعنا احلايل هـــو بال�سبط ما و�سفه اآدم

�سميـــث باأنـــه امل�سلحة العامـــة، وهو اأي�ســـا اخليال الـــذي طالب به دي

توكفيل، بقدر ما اأنه النزعة االإن�سانية التي تكلم عنها رورتي. ومن �ساأن

قـــراءة تقليدية لهذه العبارات، اأن تدفع البع�س للقول باأنه ما بداأ بتبيان

عودة الدولة القومية، اإال لكي يرتاجع عن هذا القول. لكن احلقيقة على

خلف ذلك، فكلمـــا زاد تعقيد علقاتنا القومية والدولية، زاد عدد من

يحتـــاج منا للنطلق مـــن اأدق م�ساعر االنتماء، �ســـواء لي�سعر يف وطنه

باالرتيـــاح، اأو ليجد �سبل متعددة كي ي�سعـــر باالرتياح، يف اإطار التعامل

مع اأو�سع ت�سكيلة من الب�سر والظروف.

وي�ســـري املوؤلـــف اإىل اأن الدعوة ال�سائعة اليوم تقـــول بتدار�س القيم، وهو

اأمـــر ال يزال ملتب�سا بالن�سبة اإليه، واإن كان يردد �سدى من قومية القرن

التا�ســـع ع�سر، التي كانت تتوخى خدمة نف�سهـــا، يف حني اأن من االأف�سل

الرتكيز على ق�سية اأكرث واقعية مثل خدمة ال�سالح العام. وقد ذكر اآدم

�سميث »اإنه لي�س بالتاأكيد مواطنا �ساحلا ذلك الذي يعزف عن ا�ستخدام

كل مـــا ي�سعـــه من اإمكانات، لكي يعـــزز رفاه املجتمع باأ�ســـره حيث يعي�س

رفاقـــه املواطنون«. وي�سيف �سول: »اإذا كان الذين يتعارفون )من �سعوب

واأمم( �ســـوف ي�سهرون على م�سالح مواطنيهم، فـــاإن عليهم اأن يتعلموا

�سيئا غري متوقـــع بخ�سو�س تعامل كل منهم مع االآخر، ورمبا بخ�سو�س

االختلفـــات التي تيز كل منهم، فاإذا مل يعـــرف النا�س بع�سهم بع�سا

كمـــا ينبغي، رمبا الأنهم جاوؤوا من ثقافات خمتلفة، ثم عملوا على خدمة

م�سالـــح مواطنيهـــم، فرمبا يكت�سفـــون من بعد اأن القيـــم التي ينطلقون

منهـــا هي قيـــم متماثلـــة«. ويختم الكاتـــب باأنـــه يف كل احلالتني تتجلى

القومية االإيجابية، فتنه�س حقا باملهام املوكلة اإليها.

Page 100: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 200 201ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

االأحزاب القومية يف اليمن: الن�ساأة - التطور- امل�سائر

قادري اأحمد حيدر

االآفاق للطباعة والن�سر )�سنعاء(، 2010

356 �سفحة

ياأتـــي هذا الكتاب – كما يقـــول �ساحبه- يف

ظـــروف ومناخات يجـــري فيها ت�سويـــه �سورة

احلركـــة القوميـــة، وتاريـــخ االأحـــزاب القومية

اإ�سقـــاط اإىل بالدعـــوة وذلـــك والتقدميـــة،

امل�ساألـــة القومية من جـــدول العمـــل ال�سيا�سي

والوطنـــي، كـــون زمـــن القوميـــة قـــد وىل اإىل

غـــري رجعـــة – كما يقولـــون- بعـــد اعتبارهم،

امل�ساألـــة القومية �سبب انك�ساراتنـــا ال�سيا�سية،

والوطنيـــة، والدميقراطيـــة، والتنمويـــة، واأ�س

م�ساكلنا كلها، و�سوال اإىل جترمي الق�سية القومية

العربية، جريا مع خطاب العوملة يف بعدها اال�ستعماري الوح�سي، يف قدح وذم

احلالـــة القومية التحررية العربية، وم�سايـــرة �سلبية خلطاب ما بعد احلداثة

يف احلديث عـــن نهاية التاريخ ونهاية االأيديولوجيـــا، وموت القومية، وت�سور

اندحارها واختفائها كق�سية حتررية ودميقراطية.

والكتاب هو عبارة عـــن درا�سة �سو�سيو- �سيا�سية، فكرية، تاريخية، حاولت

تتبـــع امل�ســـار التاريخي لن�ســـاأة، وتطور االأحـــزاب القومية ودورهـــا ال�سيا�سي

والوطنـــي يف اليمـــن، حتى م�سائرهـــا الراهنـــة، ب�سورة مكثفـــة، وموجزة،

حيث ركزت الدرا�ســـة على العناوين الرئي�سية، اأو االجتاهات االأ�سا�سية، لكل

منهـــا، ودورها يف التاريخ ال�سيا�سي واالجتماعـــي، والوطني اليمني املعا�سر،

�سمـــاال وجنوبا، موؤكدة الدرا�سة على وحـــدة اإرادة الثورة اليمنية، التنظيمية

وال�سيا�سية، واالأيديولوجية، وعلى طابعها الوطني اليمني، وموؤكدة كذلك على

اأن الفكـــرة الوطنية اليمنية املعا�سرة، واحلالة الوحدوية اليمنية يف اخلطاب

اإمنـــا هي وليـــدة التاريـــخ التنظيمـــي، والفكـــري، وال�سيا�ســـي، واالجتماعي،

والكفاحـــي الوطني لن�ساأة احلركة ال�سيا�سية الدميقراطية اليمنية املعا�سرة،

)القومية، والي�سارية(، بكل ايجابياتها و�سلبياتها، واملطلوب اليوم ا�ستنها�س

دورهـــا ال�سيا�سي، والوطني، والدميقراطي والقومـــي، والتقدمي، على اأ�س�س

دميقراطيـــة حتررية، تركز علـــى ثقافة االعرتاف باالآخر والقبول به كما هو،

ال كمـــا نحن نريـــد، ثقافة قوميـــة دميقراطية تعددية منفتحـــة على اجلميع،

وتوؤ�س�ـــس- ملرحلة نوعية اإبداعية يف تاريخنـــا ال�سيا�سي، والوطني والقومي-،

ثقافة، واأحزابـــا جاهزة وقادرة على الكفاح على م�ستويني: مقامة اال�ستبداد

الداخلي، ومقارعة اال�ستعمار اخلارجـــي، وكلهما وجهان لعملية مو�سوعية

�سيا�سية كفاحية تاريخية واحدة.

حتــوالت اخلطــاب ال�ســلفي.. احلــركات اجلهاديــة- حالــة درا�ســة

)2007 -1990(

مروان �سحادة

ال�سبكة العربية لاأبحاث والن�سر )بريوت(، 2010

350 �سفحة

يف ظـــل اللغـــط الفكـــري وال�سيا�ســـي الذي

يكتنـــف ظاهـــرة ال�سلفية اجلهاديـــة عموما،

وتنظيم القاعدة على وجه اخل�سو�س، تاأتي

هـــذه الدرا�ســـة التي األفهـــا الباحـــث مروان

�سحادة كمحاولـــة الإعادة النظر يف اخلطاب

ال�سلفـــي وجتديـــده، وبلـــورة مفاهيـــم قادرة

علـــى النهو�س،اآخذة يف عـــني االعتبار - كما

يقـــول املوؤلـــف- جممـــل التطـــورات والتقدم

الـــذي ح�ســـل يف حقـــل العلـــوم االإن�سانيـــة،

وذلك للتخل�س من عمليات البرت والتجزيء

ملكونات الرتاث االإ�سلمي واحلداثة، ويف �سبيل تر�سيخ منظومة فكرية قادرة

على مواجهة التحديات التي حتيط باملجتمعات العربية واالإ�سلمية.

ومن الناحية العلمية، تاأتي اأهمية هذه الدرا�سة كون اخلطاب ال�سلفي طرح

فكـــرا �سيا�سيـــا مغايرا للخطاب ال�سلفي التقليدي، فقـــد عمل على �سد اخللل

والنق�ـــس الـــذي الزم ال�سلفية التقليديـــة - بح�سب موؤيديـــه- ومار�س العمل

اجلماعـــي واحلركي وال�سيا�سي واجلهـــادي، وهو االأمر الـــذي اأهملته الروؤية

ال�سلفية التقليدية وحاربته على مدى عقود طويلة.

ومـــن الناحيـــة العمليـــة، فـــاإن دافـــع الباحـــث كما يقـــول للخو�ـــس يف هذه

الدرا�سة، هو طبيعة الظاهرة اجلهادية التي اأ�سبحت حمط اهتمام الباحثني

واملتخ�س�سني و�سناع القرار. ف�سل عن اأ�سالة ومعا�سرة الدرا�سة ومعاي�سة

الباحـــث لبع�ـــس اأحداثهـــا، ومعرفتـــه ال�سخ�سيـــة ببع�س الرمـــوز املوؤثرة يف

م�ســـرية احلركات ال�سلفية، اإ�سافة اإىل اأن احلـــركات ال�سلفية اأ�سبحت العبا

اأ�سا�سيـــا يف حقل العلقات الدولية، و�سكلت حدثا تاريخيا كبريا اأثر بعمق يف

جممل العلقات الوطنية واالإقليمية والدولية برف�سها العملية الدميقراطية،

وامل�ساركـــة ال�سيا�سيـــة، والو�ســـول اإىل ال�سلطة بالطرق ال�سلميـــة، وال تر�سى

بديل عن خيار اجلهاد والقتال يف حتقيق اأهدافها.

اإجمـــاال فقد حـــاول الباحث مـــن خلل يف هـــذه الدرا�سة حتليـــل االأ�سباب

واملوؤثرات االإقليميـــة والدولية يف اخلطاب ال�سلفي اجلهـــادي على امل�ستويات

الفكريـــة وال�سيا�سيـــة وموؤ�سرات حتول اخلطاب ال�سلفـــي الذي اأحدثه تنظيم

القاعـــدة، وكذلك حتليل اأبرز معـــامل ومرتكزات خطاب احلـــركات ال�سلفية

اجلهاديـــة املعا�سرة، وتقدمي بع�س االقرتاحات املو�سوعية للو�سول اإىل حالة

من االأمن وال�سلم واال�ستقرار على امل�ستوى املحلي واالإقليمي والدويل.

الفهر�ست

عرو�ص موجزةاالقت�ساد ال�سيني

فران�سواز لوموان

ترجمة: �سباح ممدوح كعدان

الهيئة العامة ال�سورية للكتاب )دم�سق(، 2010

215 �سفحة

باأ�سلوب �سهل ومب�سط ي�سرح فران�سواز لوموان

التجربــــة ال�سينيــــة وما حققته مــــن اجنازات يف

امل�ستويــــني االقت�سادي واالجتماعــــي خلل هذه

الفرتة الق�سرية من الزمن، و�سعتها على طريق

مقارعــــة الــــدول االقت�ساديــــة العظمــــى العاملية،

ففي نهايــــة �سبعينيات القــــرن الع�سرين، و�سعت

ال�سني حتديــــث اقت�سادها يف املركــــز االأول من

اأولوياتها، وعملت كل ما بو�سعها من اأجل حتقيق

هذا الهدف: عندما تخلــــت تدريجيا عن خطتها

يف اجتــــاه اقت�ســــاد ال�ســــوق، وعبــــاأت م�سادرها

ال�سخمــــة من اليد العاملــــة، وا�ستغلت علنيــــة العوملة لت�سبــــح م�سنعا للعامل.

وبذلــــت جهــــدا ا�ستثماريــــا هائل مــــن اأجل حتديــــث ال�سناعة، وتطويــــر البنى

التحتيــــة، وا�ستخدام العاملني الذين ت�ساعف عددهم منذ ع�سرين عاما وو�سل

اإىل 770 مليــــون ن�سمة. وزادت اإنتاجية العمل بف�سل الهجرة الريفية وا�ستخدام

تقانــــات اإنتاج واإدارة جديدة. وجذبت ال�سني روؤو�س اأموال اأجنبية كثيفة خلقت

قــــدرات اإنتاجيــــة جديدة يف القطاعــــات التي ت�ستجيب للطلــــب املحلي والعاملي.

وبالتــــايل فاإن ال�ســــني، كما ي�ســــري املوؤلف، اأ�سبحــــت دولة كــــربى بحكم العدد

قبــــل اأن ت�سبح دولة غنية. من هنا فاإن �سعودهــــا احلايل يتميز عن �سعود قوة

اليابان خلل خم�سينيات و�ستينيات القرن الع�سرين. عندما كانت اليابان بلدا

متطــــورا مع دخل اأعلى من املتو�سط العاملي. يف حــــني اأن التحوالت االقت�سادية

واالجتماعية والهجرة الريفية والتح�سر يف ال�سني كانت ال تزال يف بدايتها.

مع انفتاح ال�سني اأ�سبح ما يزيد عن 100 مليون عامل �سناعي )اأكرب من عدد

العمال يف الدول ال�سبع ال�سناعية الكربى( مندجما يف االقت�ساد العاملي. وهذا

مــــا يف�سر ال�سبب يف اأنها اأ�سبحت اأكرب من�سة عاملية للإنتاج بالن�سبة لل�سركات

ال�سناعية الباحثة عن مواقع اإنتاج منخف�سة الكلفة، يزيد العر�س ال�سيني من

املناف�سة الدوليــــة، وميار�س �سغطا بخف�س �سعر العديد من املنتجات امل�سنعة،

ويدفع اإىل اإعادة تنظيم االإنتاجيات ال�سناعية فيها بالن�سبة للم�ستوى العاملي.

اإن التحدي الذي يواجــــه ال�سني من االآن و�ساعدا بح�سب املوؤلف هو االنتقال

مــــن النمــــو الفائــــق ال�سرعة الذي عرفتــــه خلل ال�سنــــوات االأخــــرية اإىل تنمية

متوازنــــة. ومن اأجل ذلك عليها تقلي�ــــس خطوط االنك�سار التي جتتاز االقت�ساد

واملجتمــــع )بني فلحني واأبناء مدن، واأثرياء وفقراء، بني الواجهة البحرية وما

تبقــــى من ال�ســــني(، واإعادة مركــــزة النمو على اال�ستهلك املحلــــي وجعله اأقل

تبعية للأ�سواق العاملية، واإبطاء ا�ستهلك الطاقة، و�سيانة بيئة متدهورة.

اأبرياء يف اخلارج: رواية �سخ�سية لدبلوما�سية ال�سام االأمريكية يف

ال�سرق االأو�سط

مارتن اإنديك

ترجمة: عمر �سعيد االأيوبي

دار الكتاب العربي )بريوت(، 2010

527 �سفحة

ي�ستفيــــد مارتن اإنديك من ال�سنوات العديــــدة من امل�ساركة املكثفة يف املنطقة

كي يعر�ــــس ق�سة داخلية للمــــرة االأخرية التي

ا�ستخدمت فيها الواليات املتحدة الدبلوما�سية

امل�ستدامة الإنهاء ال�ســــراع العربي االإ�سرائيلي

وتغيــــري �سلــــوك النظامــــني البعثــــي يف العراق

واالإ�سلمي يف اإيران.

تقري�ــــس بح�ســــب اخلــــارج”، يف “اأبريــــاء النا�ســــر، تاريخ ثاقب الب�ســــرية وذكرى موؤملة،

يقدم فيه اإنديك ا�ستق�ســــاء للنتائج ال�ساخرة

للقــــاء ال�سذاجــــة االأمريكيــــة والريبــــة ال�ســــرق

ال�سيا�سيــــة. املنطقــــة بــــازارات يف اأو�سطيــــة

ويحلــــل اال�سرتاتيجيات املختلفة جدا التي اتبعها بيل كلينتون وجورج دبليو بو�س

ليو�ســــح ملاذا واجه كلهما م�ساعب جمــــة يف اإعادة �سنع ال�سرق االأو�سط وفقا

لت�سوريهمــــا يف جعلــــه مكانا ينعــــم مبزيد من ال�ســــلم اأو الدميقراطية، ويقدم

تفا�سيــــل جديدة حــــول انهيار حمادثــــات ال�سلم العربيــــة االإ�سرائيلية يف كمب

ديفيــــد، وف�سل ال�ســــي اآي اإيه يف االإطاحــــة ب�سدام ح�سني، وحمــــاوالت كلينتون

التفاو�س مع الرئي�س االإيراين.

يلج اي�سا اإنديك يف هذا الكتاب اإىل داخل املكتب البي�ساوي، وغرفة االأو�ساع،

وق�ســــور احلكام العرب، ومكاتــــب روؤ�ساء الوزراء االإ�سرائيليــــني. وير�سم �سورا

�سخ�سية عــــن القادة االأمريكيــــني واالإ�سرائيليني والعرب الذيــــن تعامل معهم،

مبن فيهم اإ�سحاق رابني واإيهود باراك واأرييل �سارون، والرئي�س ال�سوري حافظ

االأ�ســــد. ويقدم تفا�سيل �سيقــــة عن االجتماعات العاليــــة امل�ستوى، ويبني مقدار

ال�سعوبة التي يواجهها الروؤ�ساء االأمريكيون يف فهم دوافع قادة ال�سرق االأو�سط

ونواياهــــم، وكيف اأنهم ميكن اأن يفوتوا ب�سهولة تلــــك اللحظات التي يبدي فيها

هوؤالء القادة اال�ستعداد للعمل بطرق ميكن اأن توؤدي اإىل اإحداث اخرتاقات نحو

ال�سلم.

تركيا بن حتديات الداخل ورهانات اخلارج

جمموعة من الباحثن

حترير: حممد عبد العاطي

مركز اجلزيرة للدرا�سات )الدوحة(، والدار العربية للعلوم نا�سرون

)بريوت(، 2010

240 �سفحة

مع �سعــــود حزب العدالــــة والتنمية اإىل هرم

ال�سلطة التنفيذية يف تركيا عام 2002، وحدوث

بع�ــــس املتغــــريات اللفتــــة على �سعيــــد الدولة

واملجتمــــع، وكذلــــك زيــــادة احل�ســــور الرتكــــي

اإقليميــــا ودوليــــا علــــى امل�ستويــــات ال�سيا�سيــــة

واالقت�ساديــــة واالأمنية كافة، �ســــدرت العديد

مــــن املوؤلفات عن تركيا وعن دورها اجلديد يف

املنطقة. ومن بني اأهــــم هذه املقاربات العلمية

التي �سعــــت اإىل تقييم التحــــول الرتكي داخليا

وخارجيــــا كتاب “تركيا بــــني حتديات الداخل

ورهانــــات اخلــــارج”، ويهدف هذا الكتــــاب من خلل جمموعة مــــن الدرا�سات

والبحوث املحكمة التي �سارك يف اإعدادها نخبة من الباحثني العرب واالأتراك،

اإىل معرفة ما اإذا كانت املتغريات التي �سهدتها تركيا منذ جميء حزب العدالة

Page 101: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 202 203ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

والتنمية ذي اجلذور االإ�سلمية �سيئا طارئا معر�سا الأن يزول بزوال هذا احلزب

الأي �سبب من االأ�سباب، اأم اأن ما حدث من تغريات هي من العمق واملتانة بحيث

ال يوؤثر فيها تغري ال�سيا�سات التي تتغري بتغري االأحزاب املتداولة على ال�سلطة.

ولتحقيــــق هذا الهدف مت تق�سيــــم الكتاب اإىل ق�سمــــني اأ�سا�سيني، ركز الق�سم

االأول علــــى التفاعــــلت الداخليــــة يف تركيا واإبــــراز اأهم التحديــــات التي تواجه

تركيا/العدالــــة والتنمية، وكيفية تعامله معها، وذلــــك من خلل طرح موا�سيع

يف غايــــة االأهمية مثل: املقومات اجليو- �سيا�سيــــة واجليو– اإ�سرتاتيجة لرتكيا،

واالقت�ساد الرتكي، ودور اجلي�ــــس يف احلياة ال�سيا�سية، وم�ساألة الهوية الرتكية

وكذلك ناق�س هــــذا الق�سم م�ساألة �سعود االإ�سلميــــني وعلقتهم امل�سطربة مع

املوؤ�س�ســــة العلمانية. اأمــــا الق�سم الثاين فتــــم تخ�سي�سه للخــــارج وذلك ملعرفة

البيئــــة االإقليمية والدوليــــة التي تار�س فيها تركيــــا �سيا�ستها اخلارجية، وكيف

�ستتعامل مع ملفاتها ال�سائكــــة وق�ساياها املعقدة. وتثلت اأهم مو�سوعات هذا

الق�ســــم يف التــــايل: اأ�س�س ومرتكــــزات ال�سيا�سة اخلارجيــــة الرتكية، والعلقات

الرتكيــــة االأمريكيــــة، والعلقــــات الرتكية مع االحتــــاد االأوربي، كمــــا ناق�س هذا

الق�سم طبيعة العلقات والتحركات الرتكية يف اآ�سيا الو�سطى، واإىل جانب ذلك

مل يغفل الق�سم الثاين من الكتاب علقات تركيا بالعرب واإيران.

تطور الفكر ال�سيا�سي ال�سني .. نحو خافة دميقراطية

اأحمد الكاتب

موؤ�س�سة االنت�سار العربي )بريوت(، 2008

307 �سفحات

كعادته يف معظم موؤلفاته التي تثري االهتمام

وتفتح اآفــــاق وا�سعة للنقا�ــــس واالختلف معا،

يجادل اأحمد الكاتب يف هذا الكتاب، بل وي�سر

على اأن الدميقراطية من �سميم االإ�سلم، الأن

االإ�ســــلم ياأمر بالعدل وال�سورى، وال عدالة مع

اال�ستبداد. ويزعم الكاتب اأن الفكر ال�سيا�سي

ال�سني مل يكن يوما فكر اجلماهري “ال�سنية”

امل�سلمــــة، واإمنا نتــــاج الفقهــــاء املتحالفني مع

االأنظمة امل�ستبدة، والنخــــب الثقافية املحيطة

بهــــا، وذلــــك الأن اجلماهري تبحــــث دائما عن

احلريــــة والعدالة وامل�ساركة ال�سيا�سية، وهــــو ما ال يوفره ذلك الفكر الذي يدعو

اإىل اخلنــــوع وتقبــــل الظلم والطاعــــة للحــــكام امل�ستبدين الذيــــن ي�ستولون على

ال�سلطة بالقوة والقهر والغلبة. غري اأن الفكر ال�سني بح�سب الكاتب �سهد خلل

القرن املا�ســــي، وخا�سة بعد �سقوط “اخللفة العثمانيــــة” ثورة داخلية تثلث

يف الدعــــوة اإىل الدميقراطية ورف�س اال�ستبــــداد، والتخلي عن م�سادر الت�سريع

“ال�سنيــــة” امل�سئولــــة عن اإنتاج الفكر اال�ستبدادي والرتويج له، بحيث مل يعد الفكــــر ال�سني املعا�سر يحمل من نف�سه �ســــوى اال�سم. ومل تعد تربطه اأية رابطة

بذلك الفكر القدمي.

وبكلمــــة اأخرى – يجادل الكاتب- اإن الفكــــر ال�سيا�سي ال�سني مل يعد “�سنيا”

واإمنــــا اأ�سبــــح “دميقراطيا”، وهناك فــــرق كبري بني االثنــــني، ال يدركه اإال من

يتم�ســــك باأ�سولــــه ال�سنيــــة، وهــــم فئــــة مــــن ال�سلفيني الذيــــن يعلنــــون عداءهم

للدميقراطية بــــكل قوة، ويتهمون الدعاة امل�سلمني لها بالكفر وال�سرك واالإحلاد

اعتقــــادا منهــــم بوجــــود نظــــام �سيا�ســــي “ اإ�سلمي” فريــــد ومتميز هــــو نظام

اإنهــــم ين�سجمون مع “اخللفــــة”، وتناق�ســــه مع الدميقراطيــــة. يف احلقيقة

اأنف�سهــــم يف رف�س الدميقراطيــــة، ولكنهم يخطئون يف اعتبــــار الفكر ال�سيا�سي

الذي يحملونه با�ســــم “اخللفة” باأنه ميثل االإ�سلم، اأو ي�سكل الفكر ال�سيا�سي

االإ�سلمي كما يقول الكاتب.

باخت�ســــار هذا الكتــــاب يتهم الفكــــر ال�سيا�سي ال�سني القــــدمي بالتناق�س مع

الدميقراطية، كما يتهم نظام اخللفة “اال�ستبدادي” بالتناق�س مع االإ�سلم.

ويدعــــو اإىل قيــــام خلفة �سعبيــــة دميقراطية، كما يحاول اإجمــــاال تقدمي �سورة

جديدة عن الفكر ال�سيا�سي االإ�سلمي.

الفيل والتنن: �سعود الهند وال�سن وداللة ذلك لنا جميعا

روبن مرييديث

ترجمة: �سوقي جال

املجل�ض الوطني للثقافة والفنون واالآداب )الكويت(، 2009

355 �سفحة

يحكــــي هذا الكتــــاب ق�سة ال�ســــني والهند،

وكيف تغــــري م�سريهما، وكيف تغريان م�سري

العــــامل. فبينما تنتقلن من بني �سفوف بلدان

العــــامل النامــــي لتحتل موقع القــــوى العظمى،

جنــــد اأن الهند كما تقول املوؤلفة تتحرك ببطء

ولكــــن يف ثبات مطرد، على عك�س ال�سني التي

ت�سعــــد ب�سرعة ال�ســــاروخ. ونلحــــظ اأن الهند

وال�سني، من نــــواح كثــــرية، متعار�ستان �ساأن

التعار�ــــس بني غاندي وماو. الهند دميقراطية

وال�ســــني تتبــــع نظــــام حكــــم ديكتاتوري. وتقــــف الهنــــد يف اأغلب االأحيــــان �سد

م�سروعــــات االأعمــــال، بينما ال�ســــني ال�سيوعية تقف عــــادة يف �سف م�سروعات

االأعمــــال. وتثــــل الهند اأمة غنيــــة باألوانها النا�سعة والنغمــــات املتنافرة، حيث

يتحــــدث �سعبهــــا اأكرث من ثلثني لغة خمتلفــــة. واأكرث من هذا فــــاإن التوقيت يف

اأنحــــاء الهند لغــــز مثري: اإذ ينق�س ن�سف �ساعة عــــن اأي توقيت اآخر يف العامل،

وبينمــــا مظاهر قوة ال�سني وا�سحة للعيان اأمام ال�سيــــد فاجبايي وبقية العامل،

غــــري اأن مظاهــــر قوة الهند اأقل و�سوحــــا. ولكن على الرغم مــــن كل ذلك تقول

املوؤلفة ثمة �سيئا واحدا فقط م�سرتكا بني البلدين: وهو اأن حتوالتهما والطريقة

التــــي �سيحــــوالن بها الكوكب حــــدث يذهل العامل الــــذي مل ي�سهد مثلــــه منذ اأن

ظهرت اأمريكا ذاتها على م�سرح االقت�ساد العاملي.

الكتــــاب اإجماال يقــــدم روؤية اأمريكيــــة كا�سفة عن ال�سيا�ســــة املحتملة للواليات

املتحــــدة يف ال�سنــــوات القادمــــة مــــن حكــــم اأوبامــــا، كما يقــــدم �ســــورة واقعية

ال�ستجابــــة ال�سني والهند للعوملة لتظهر عملقني على ال�ساحة االقت�سادية اإىل

جانــــب الواليات املتحدة، وليمثل تطورهما اإع�سارا اآخر يغري من بنية املنظومة

العاملية، وت�سبح املناف�سة وال�سراع وال�سراكة عامليا بني القمم/القوى الثلث.

باالإ�سافــــة اإىل ذلــــك، تعر�س املوؤلفة تغــــريات البنى االقت�ساديــــة ونظام حركة

واإدارة م�سروعــــات االأعمال، وهجرة مليني الوظائف اإىل ال�سني والهند مقابل

مليني العاطلني يف العامل املتقدم، والتحوالت العميقة يف البنى الطبقية وطبيعة

التحالفات الطبقيــــة اجلديدة املحتملة على ال�سعيد العاملي، والتحدي الوا�سح

اأمــــام الواليات املتحدة لكي حتافظ على موقعها املتقدم، وخماطر �سياع احللم

االأمريكي.. ثم م�سروع االإنقاذ املقرتح.

عرو�س موجزة الفهر�ست

امل�شكلة الإثنية واأثرها يف قوة الدولة

مقاربة نظرية عامة

حممد �سيف حيدر و علي عبداهلل ج�سار

�شدر حديثا

يف �شل�شلة اأوراق بحثية

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة

Page 102: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 204 205ا�سرتاتيجية ا�سرتاتيجيةالعدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010

ياأتـــي العام اجلديد وعاملنا يواجه حتديات كبرية ومتعددة، منها التغريات املناخية التي نرى، وب�سورة م�ستمرة، اآثارها

املدمـــرة يف اأنحـــاء املعمورة مـــن �سرقها اإىل غربها، ومـــن �سمالها اإىل جنوبهـــا، وكذلك االآثار االقت�ساديـــة للأزمة املالية

التـــي زادت الـــدول االأفقر يف العامل فقرا، وو�سعت من قاعدة الفقـــراء والبطالة، وحدت من النمو االقت�سادي، ي�ساف اإىل

ذلـــك العجز الدويل يف ظـــل االأزمات املزمنة وبوؤر ال�سراعات، ويف مقدمتها ال�ســـراع العربي االإ�سرائيلي، واأخريا ظاهرة

االإرهاب والتطرف التي اأ�سبحت ظاهرة ت�سمل االأديان واالأعراق كافة، ولي�ست كما ي�سعى البع�س لربطها بامل�سلمني والدين

االإ�سلمي احلنيف.

هذا الو�سع الدويل املعقد فر�س على املجتمع الدويل التداعي وعقد موؤترات واجتماعات عديدة للتفاق على معاجلات

لهـــذه االأو�ســـاع جتنب عاملنا الدمار وال�سراعـــات التي اإذا ما بداأت فلن يكون من املمكن اإخمادهـــا، اإال اأنه من املوؤ�سف اأن

القوى النافذة يف العامل من اأ�سحاب امل�سالح قد اأعاقوا الو�سول اإىل توافق يتحقق فيه االأمن، وتراعى فيه م�سالح الدول

االأقـــل منـــوا حتـــى ال تكون هي التي تدفع ثمن اأخطاء الـــدول االأغنى يف العامل والتي ت�سع الـــرثوة ونعيم احلياة همها بغ�س

النظر عما ي�سببه من تدهور يف حياة الفقراء.

من املوؤكد اأن التدهور امل�ستمر يف اأو�ساعنا لن يتوقف مبجرد اإعلن النوايا الطيبة اأو املبادرات الطموحة ما مل يواكبها

االلتـــزام االأخلقي باآليات عمـــل حقيقية لتحقيق التنمية ورفع م�ستوى معي�سة الفقراء يف العامل النامي، لي�س باعتبار ذلك

عمـــل اإن�سانيـــا فقط، لكن لكونه يخدم م�سلحة الدول الغنية، ويحمي ا�ستقرارهـــا، الأن زعزعة اال�ستقرار يف الدول االأفقر

نتيجـــة غيـــاب التنمية �سيكـــون له اآثار مدمرة على العامل باأ�ســـره، خا�سة اإذا ما ات�سعت م�ساحـــة الفقر، ومنت بني الفقراء

م�ساعر الياأ�س وفقدان االأمل.

وبقـــدر مـــا على املجتمع الدويل من م�سئولية يتحملهـــا يف ت�سحيح م�سار العلقات االقت�ساديـــة والتنموية والبيئية، فاإن

علـــى الـــدول يف العامل النامي م�سئوليات يجـــب اأن تتحملها حلماية �سعوبهـــا وم�ستقبل اأمنها القومي، والتـــي تبداأ من بناء

اأنظمـــة احلكم على اأ�س�ـــس ال�سراكة والعدالة والدميقراطيـــة ومكافحة الف�ساد، وتوجيه ثرواتها لبنـــاء اقت�سادها وحتقيق

التنميـــة ال�ساملة، الأنه بقدر ما حتمـــل ويتحمل املجتمع الدويل م�سئوليته نحو الدول النامية؛ عليها من جانبها اأن تدرك اأن

قـــدرة الدول على البقاء مرهون بقدرتهـــا واأ�سلوب اإدارتها الأمورها الداخلية، وعلقاتهـــا باالآخرين الأنه ما مل يكن هنالك

تناغم وتعاون و�سراكة حقيقية لت�سحيح املعادلة بني االأغنياء والفقراء، فاإن اجلميع �سيدفع ثمن ال�سيا�سات اخلاطئة على

م�ستوياتها الوطنية واالإقليمية والدولية.

ومـــع بداية العقد الثاين مـــن القرن احلادي والع�سرين يجب اأن نتحمل كاأفراد وجمتمعـــات وحكومات م�سئوليتنا الإعادة

النظـــر يف مواقفنـــا مبا يكفل حماية احلقـــوق وامل�سالح للجميع، واأن نعيـــد �سياغة العلقات بني احلـــكام واملحكومني من

الفقـــراء واالأغنياء على امل�ستوى الوطني والدويل للتفاق على اأ�سلوب معاجلة هذا الو�سع الدويل املعقد، الأنه اإذا مل ننجح

يف ذلـــك؛ فاإن م�ستقبـــل عاملنا مهدد باملزيد من الكوارث وال�سراعات، ولكن يحدونا االأمـــل باأن ت�سود ت�سرفاتنا ومواقفنا

احلكمة وامل�سئولية.

اأبو بكر القربي

اأبوبكر القربي �زير اخلارجية اليمني.

ـــق فــــقاأ فـاأ

م�شئوليتنا امل�شرتكة يف عام جديد

ت�سفحوا املوقع االإلكرتوين

ملركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية

w w w . s h e b a c s s . c o m

Page 103: Madarat Estratiegyya (No. 6, November - December 2010)

العدد 6، نوفمرب/دي�سمرب 2010 206 ا�سرتاتيجية

مركز �سباأ للدرا�سات االإ�سرتاتيجية

Sheba Center for Strategic Studies

w w w . s h e b a c s s . c o m

Relating Policy to Knowledgeرفــــــد ال�سيا�ســــــة باملعرفــــة


Recommended